بسم الله الرحمن الرحیم


قول به جاذبه منسوب به ثابت بن قرة

فهرست فیزیک
فهرست علوم
مکانیک
قول به جاذبه منسوب به ثابت بن قرة




ثابت بن قرة بن مروان (221 هـ/836 م - 26 صفر 288 هـ/19 فبراير 901 م) عالم عربي اشتهر بعمله في الفلك والرياضيات والهندسة والموسيقى. ولد في مدينة حران الشامية، الواقعة على نهر البليخ أحد روافد نهر الفرات، وتقع في تركيا اليوم.



المباحث المشرقية فى علم الالهيات و الطبيعيات، ج‏2، ص: 63
الفصل الرابع عشر في ان لكل جسم حيزا طبيعيا
(اتفق) الحكماء على ذلك الا انى رأيت في فصول منسوبة الى ثابت بن قرة مذهبا عجيبا اختاره لنفسه و انا انقل ذلك المذهب اولا ثم اذكر الحجة المصححة لمذهب الحكماء ثانيا* (قال) ثابت بن قرة الذي يظن من ان الارض طالبة للمكان الذي هى فيه باطل لانه ليس يتوهم في شي‏ء من الامكنة حال يخص ذلك المكان دون غيره بل لو توهمت الاماكن كلها خالية ثم حصلت الارض باسرها في ايها اتفق وجب ان تقف فيه و لا تنتقل الى غيره لانه و جميع الاماكن على السواء و اما السبب في انا اذا رمينا المدرة الى جانب عادت الى جانب الارض فهو ان جزء كل عنصر يطلب سائر الاجزاء من ذلك العنصر لذاته طلب الشي‏ء لشبيهه فانك لو توهمت الاماكن على ما ذكرنا من الخلاء ثم جعل بعض اجزاء الارض في موضع من ذلك الخلاء و باقيها في موضع آخر منه وجب ان يجذب الكبير منها الصغير فلو صارت الارض نصفين و وقع كل واحد من النصفين في جانب آخر كان طلب كل واحد من القسمين مساويا لطلب صاحبه حتى يلتقيا في الوسط بل لو توهم ان الارض كلها قد رفعت الى فلك الشمس ثم اطلق من الموضع الذي هى فيه الآن حجر لكان يرتفع ذلك الحجر اليها لطلبه‏
المباحث المشرقية فى علم الالهيات و الطبيعيات، ج‏2، ص: 64
للشي‏ء العظيم الذي هو شبيهه و كذلك لو توهم انها قد تقطعت و تفرقت في جوانب العالم ثم اطلقت لكان يتوجه بعضها الى البعض و يقف حيث يتهيأ التقاء جملة اجزائها فيه و لا تفارق ذلك الموضع لانه لا فرق بين موضعها حينئذ و موضعها الآن و كانت اجزاؤها اذا بعدت من ذلك الموضع طلبته على حسب ما عليه الامر في هذا الوقت* (قال) و لان كل جزء يطلب جميع الاجزاء منها طلبا واحدا و لما استحال ان يلقى الجزء الواحد جميع الاجزاء لا جرم طلب ان يكون قربه من جميع الاجزاء قربا واحدا متساويا و هذا هو طلب الوسط ثم ان جميع الاجزاء هذا شانها فيلزم من ذلك استدارة الارض و كريتها و ان يكون كل جزء منها يطلب المركز حتى يستوى قربه من الجملة (ثم اورد) على نفسه أسئلة و اجاب عنها* (الأول) انه يجب مثل ذلك في اجزاء كل واحد من العناصر حتى تكون كل واحد منها كرة مصمتة و اجاب بانه لو لا وجود مانع يمنع من ذلك لكان الامر كذلك و بيان ذلك المانع ان الاجسام المختلفة متساوية في الجسمية فحكمها في طلب بعضها بعضا لاجل ذلك التشابه حكم اجزاء العنصر الواحد في طلب بعض اجزائه للبعض و لهذا السبب امتنع الخلاء بين الاجسام و تلازمت صفائحها فاذا قد وجد هاهنا شيئان متنازعان احدهما جذب كل جزء من العنصر الواحد سائر الاجزاء من ذلك العنصر الى نفسه حتى يصير كل عنصر كرة مصمتة و الآخر ان لا يكون كذلك و الأول يلزم منه محذوران (الأول) وقوع الخلاء لان الكرتين المتبائنتين اذا تلاقتا لا بد و أن يحصل الخلاء بينهما* (و الثاني) انه يصير الجذب الحاصل لبعض العناصر غيره بسبب اشتراكها كلها
المباحث المشرقية فى علم الالهيات و الطبيعيات، ج‏2، ص: 65
فى مطلق الجسمية عديم الاثر و لما لزم من هذا الوجه هذان المحذوران عدلت الطبيعة عن هذا الوجه و فعلت ما يكون اقرب الى الجمع بين هذه الامور و هى انها جمعت بين اجزاء كل عنصر على حدة لاجل ما بين تلك الاجزاء من المشابهة ثم انها جعلت البعض محيطا بالبعض لاجل ما بين تلك العناصر من المشابهة في الجسمية و لئلا يلزم وقوع الخلاء ثم ان اتم العناصر في هذا المعنى اقربها الى الوسط لانه متى كان اقرب الى الوسط كان اقرب نسبة الى جميع الاجسام و لكنه لما وجب احاطة البعض بالبعض لما ذكرنا من السبب عرض ان وقع البعض من هذه الاجسام في غاية البعد عن غيره* (الاشكال الثاني «1») هب ان الاجزاء انما تحركت لطلب الكل فما السبب فى حصول كلية الارض في الوسط و النار في المحيط لو لا انها لطباعها تقتضى هذه المواضع* (و الجواب) ليس السبب في ذلك هو ان النار بعد تحققها نارا لطلب ذلك الحيز بل الحاصل في الحيز المجاور للفلك يجب ان يكون نارا بسبب دوام مصاكة الفلك ثم كل ما كان ابعد عن الفلك كان ابعد من المصاكة فيلزم من ذلك ان يكون الجسم المجاور للفلك نارا اذا كان اسخن الاجسام و الطفها و ارقها و ان يكون ابعدها عنه ابردها و هو الارض حتى ان متوهما لو توهم انه وضع بقرب الفلك احد هذه الأشياء التي هى تبعد عنه لما لبث على مرور الايام حتى تصير الطف الاجرام* هذا نهاية كلام الحكيم ثابت بن قرة* (و الشيخ) لما اورد هذا المذهب في الشفاء ابطله من وجهين* (الأول) ان الحجر المرسل من رأس البئر وجب ان يلتصق بشفيره و لا يذهب غورا فان اتصاله بكلية الارض هناك حاصل*
المباحث المشرقية فى علم الالهيات و الطبيعيات، ج‏2، ص: 66
(الثاني) ان الكل لا يجذب الجزء لان الشي‏ء لا ينفعل عما يشاركه في النوع (اقول) لثابت ان يجيب عن الأول فيقول انى قد بينت «ان كل جزء من الاجزاء يطلب الاتصال بجميع الاجزاء الا انه لما تعذر ذلك قنع بالممكن و هو ان يكون قربه من الكل قربا واحدا و ذلك انما حصل عند حصوله في وسط الاجزاء فلو كان الحجر بقى ملتصقا بشفير البئر لم يكن طالبا للقرب من الكل بل للقرب من ذلك الجزء و هو محال اذ ليست للجزء المعين خاصية ليست لسائر الاجزاء بل طلب القرب من جميع الاجزاء لا يحصل الا بالتوسط المذكور* (و اما عن الثاني) فله ان يقول ان الحس يشهد بتلازم صفائح الاجسام فوقوع الامور العجيبة بسبب ذلك و ذلك التلازم بينها ليس لاختلاف طبائعها و تنافرها فان التلازم لا يليق بتنافر الطبائع بل ذلك بسبب المشاكلة و اذا عقل ذلك في موضع فليعقل في كل المواضع* فهذا تمام الكلام في شرح هذا المذهب* (و اذ قد فرغنا) من ذلك فلنذكر الحجة على ان لكل جسم حيزا طبيعيا (و هي ان نقول) اذا فرضنا خلو الجسم عن كل ما يصح خلوه عنه فانه لا بد له من حيز معين و الا لكان اما في كل الاحياز اولا في حيز و كلاهما محالان فاذا يكون بعض الاحياز اولى به و ذلك ليس هو مقتضى الجسمية المشتركة فهو اذا مقتضى امر زائد على جسميته و ذلك الامر هو الذي نسميه بالطبيعة فاذا لكل جسم حيز طبيعى تقتضيه طبيعته* (فان قيل) لم لا يجوز ان يعرض للجسم عارض يخصصه بحيز معين ثم لا يزول ذلك العارض الا بسبب عارض آخر يخصصه بحيز آخر و بهذا الطريق يكون الجسم ابدا حاصلا في الحيز و يكون سبب تخصصه بتلك «انه قد ثبت‏
المباحث المشرقية فى علم الالهيات و الطبيعيات، ج‏2، ص: 67
الاحياز تلك العوارض الغير اللازمة* (فنقول) ما ذكرتموه يوجب امتناع خلو الجسم عن تلك العوارض بعد اتصافه «بها و لكن لا يوجب امتناع خلوه عنها مطلقا لانه يمكن ان لا يوجد فيه العارض الأول حتى لا يحتاج الى عارض آخر يزيله فاذا خلو الجسم عن جميع العوارض جائز مطلقا و خلوه عن الحصول في الحيز غير جائز و تعليل ما يجب ثبوته بما لا يجب ثبوته محال فاذا حصول الجسم في الحيز غير معلل بشي‏ء من العوارض فهذا حاصل ما قيل في هذا الباب* (و لقائل) ان يقول اما قولكم الجسمية امر مشترك فيه فقد تكلمنا عليه ثم نسلم الآن ذلك فنقول انكم جعلتم اقتضاء الجسم المعين للحيز المعين لاجل خصوصية في ذلك الجسم فذلك الجسم اما ان يجب اتصافه بتلك الخصوصية اولا يجب فان لم يجب كان المقتضى للحيز المعين شيئا غير لازم لذلك الجسم و هم قد ابطلوا ذلك و ان كان لازما فان كان لزومه لنفس الجسمية عاد المحال و ان كان لخصوصية اخرى لزم التسلسل و هو محال* (و لا خلاص عنه) الا ان يقال الجسم العنصرى يستدعى صورة نوعية اية صورة كانت ثم تعينها انما يكون لاسباب خارجية لكنا نقول حينئذ اذا جاز ان يكون المقتضى للجسم العنصرى انما هو صورة مبهمة اية صورة كانت ثم يكون تعينها باسباب غريبة لا بسبب صورة تتقدمها فلم لا يجوز ان نقول المقتضى للجسمية هو المكان المطلق ثم يكون تعين المكان لاسباب غريبة لا بسبب صورة تتقدمه فلم لا يجوز ذلك ايضا في نفس الاختصاص بالحيز المعين* (و بالجملة) فكما ان الجسم لا بد له من حيز معين فكذلك لا بد له من خصوصية تقتضى ذلك الحيز المعين و كما انه لا يلزم من حصول صورة معينة ان يكون «اتصاله‏
المباحث المشرقية فى علم الالهيات و الطبيعيات، ج‏2، ص: 68
ذلك لصورة اخرى تتقدمها فكذلك لا يلزم من حصول الحيز المعين ان يكون ذلك لصورة تتقدمه و كما ان الجسمية لذاتها تقتضى صورة مبهمة ثم تخصصها يكون بالاسباب الغير اللازمة للجسمية فكذلك يجوز ان تقتضى الجسمية لذاتها حيزا مبهما ثم يكون تخصصه بالاسباب الغير اللازمة للجسمية* (و هذا اشكال قوى و اشكال آخر) و هو ان الجزء المعين من الارض يستدعى حيزا مبهما من اجزاء مكان كلية الارض ثم تخصيص ذلك الحيز باسباب خارجية مع انه يستحيل انفكاك الجزء المعين عن الحيز فكذلك يجوز ان يكون الامر في مكان كلية الارض كذلك و ان استحال انفكاك كلية الارض عن المكان فاذا لا بد من ذكر شي‏ء آخر وراء ما ذكروه* (و الذي يمكن) ان يقال في ذلك ان المدرة اذا رميت الى الفوق عادت الى السفل فلو لا ان طبيعتها مقتضية للعود الى السفل لما عادت* (فان قيل) لم لا يجوز ان يكون السبب في ذلك طلبها لكلية الارض على ما قال ثابت بن قرة (فنقول) انا ننقل الكلام الى السبب في اختصاص كلية الارض بهذا الحيز و الذي (قاله ثابت) من ان السبب فيه ان كل ما يقرب من الفلك لا بد ان يكون نارا لكثرة حركة الفلك و الذي يبعد عنه لا بد ان يكون باردا كثيفا و بالجملة فهو جعل طبائع هذه الاجرام تابعة لحصولها في هذه الاحياز لانه جعل حصولها في هذه الاحياز تابعا لطبائعها (فنقول له) الذي ذكرته باطل لان حصول كلياتها في احيازها يستدعى سببا و ليس ذلك هو نفس الجسمية العامة بل لخصوصية زائدة على ذلك و هو المطلوب* (و لثابت) ان يقول ان تمسكتم باختصاص الكليات باحيازها فقد عارضنا كم باختصاص تلك الكليات بتلك الطبائع المخصوصة و ايضا باختصاص الاجزاء
المباحث المشرقية فى علم الالهيات و الطبيعيات، ج‏2، ص: 69
باحيازها الجزئية و ان تمسكتم بحركة اجزاء العناصر الى احياز كلياتها مثل ان المدرة المرمية الى فوق تعود الى الارض فقد ذكرنا ان ذلك لطلب الكلية فهذا هو نهاية البحث في هذا الموضع و يجب ان نتفكر في حل هذه الشكوك فلعل اللّه تعالى يوفق للوصول الى الحق فيه و بالله التوفيق*








نهاية المرام في علم الكلام، ج‏1، ص: 433 -- علامه حلى‏ قده
البحث الرابع عشر: في بقايا مسائل المكان‏
المسألة الأولى: في أنّ لكل جسم حيّزا طبيعيا «3»

اتفق أكثر الأوائل على ذلك، و احتجوا عليه بوجهين:
الوجه الأوّل: أنّ الجسم إذا فرضناه خاليا عن جميع اللواحق و العوارض و كلّ ما يمكن خلوه عنه فإنّه لا بدّ له من حيّز معيّن، و إلّا لكان في كلّ الأحياز، و هو باطل بالضرورة، أو لا في شي‏ء من الأحياز، و هو أيضا باطل بالضرورة، بل لا بدّ له من حيّز يكون أولى به من غيره، لاستحالة الترجيح من غير مرجّح، و ليس ذلك مقتضى جسميته، لأنّها أمر مشترك بين جميع الأجسام و ليس ذلك المكان حاصلا لكل الأجسام، فهو لأمر زائد على جسميته، و ذلك هو الطبيعة، لأنّا فرضنا خلوّه عمّا عداها.
__________________________________________________
(1)- أي خلاف الجهة و المفارقة.
(2)- راجع الفصل التاسع من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء، و شرح الاشارات 2: 198- 200؛ المباحث المشرقية 1: 361- 362.
(3)- راجع الفصل العاشر من المقالة الرابعة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء؛ النجاة: 134- 135؛ المباحث المشرقية 2: 66- 71؛ المواقف: 198- 199.
نهاية المرام في علم الكلام، ج‏1، ص: 434
و الاعتراض «1»: لم لا يختص بالفاعل المختار، أو نقول: لم لا يجوز أن يعرض للجسم عارض يقتضي تخصيصه بحيّز معين؟ ثمّ إنّ ذلك العارض لا يزول إلّا بعارض آخر يخصصه بحيّز آخر، و حينئذ يكون الجسم أبدا حاصلا في حيّز معين بسبب تلك العوارض الغير اللازمة.
و فيه نظر، لأنّا فرضنا خلو الجسم عن كلّ العوارض.
و أجيب أيضا، بأنّ ذلك يوجب امتناع خلو الجسم عن تلك العوارض بعد اتّصافه بها، و لا يوجب امتناع خلوه مطلقا، لإمكان أن لا يوجد فيه العارض الأوّل حتى لا يحتاج إلى عارض آخر يزيله. فإذن خلو الجسم عن جميع العوارض جائز مطلقا، و خلوه عن الحصول في الحيّز غير جائز، و يستحيل تعليل واجب الثبوت بغير واجب الثبوت، فيمتنع تعليل حصول الجسم في الحيّز بشي‏ء من العوارض.
و اعترض أيضا بوجوه:
الأوّل: لو استدعى الجسم مكانا معينا، لكان ذلك الاستدعاء إمّا لجسميته أو للوازمها «2» عم، «3» فكلّ جسم في ذلك المكان. أو لأمر غير لازم؛ فاتّصاف الجسم به إن لم يكن لأمر لزم الترجيح من غير مرجح، و جاز مثله في المكان بأن لا يكون شي‏ء منها «4» مستحقا لذات الجسم، لكنّه يحصل في واحد اتفاقا. و إن كان لأمر فإن كان مقارنا نقلنا الكلام إليه و تسلسل. و إن كان سابقا أعدّ الجسم لاتّصافه بالوصف الحاصل جاز في المكان ذلك، بأن يكون حصوله في مكان سابق أعده لحصوله في المكان اللاحق، أو أنّه كان موصوفا بأمر أعده للحصول في‏
__________________________________________________
(1)- انظر الاعتراضات و الجواب عنها في المباحث المشرقية 2: 69- 71.
(2)- في النسخ: «لوازمها»، أصلحناها طبقا للسياق.
(3)- م: «أعم»، و لعلّ الصواب ما أثبتناه من ج.
(4)- م: «منها» ساقطة.
نهاية المرام في علم الكلام، ج‏1، ص: 435
هذا المكان، فلا ينفك عن المكان المعيّن، و إن لم يكن طبيعيا.
الثاني: لو سلّمنا الاشتراك في الجسمية، لكن جعلتم اقتضاء الجسم المعيّن للحيّز المعيّن لأجل خصوصية في ذلك الجسم، فذلك الجسم إن لم يجب اتّصافه بتلك الخصوصية كان المقتضي للحيّز المعين شيئا غير لازم لذلك الجسم، و قد أبطلوه. و إن كان لازما، فإمّا لنفس الجسمية، و يعود المحال، أو لخصوصية أخرى و يتسلسل. و لا مخلص عنه إلّا أن يقال: الجسم العنصري يستدعي صورة نوعية، أية صورة كانت، و تعيّنها بأسباب خارجية.
لكنّا نقول: إذا جاز أن يكون المقتضي لجسم العنصر إنّما هو صورة مبهمة أية صورة كانت ثم استند تعيّنها إلى أسباب خارجية «1» غريبة لا بسبب صورة متقدمة، فلم لا يجوز مثله في الحصول في الحيّز؟ و بالجملة فكما أنّ الجسم لا بدّ له من حيّز معيّن، فكذا لا بدّ له من خصوصية تقتضي ذلك الحيّز، و كما لا يلزم من حصول صورة معينة، أن يكون ذلك بصورة أخرى تتقدمها، كذا لا يلزم من حصول الحيّز المعين أن يكون ذلك بصورة تتقدمه. و كما اقتضت الجسمية صورة مبهمة و تخصصت بالأسباب الغير اللازمة للجسمية، كذا يجوز أن تقتضي الجسمية لذاتها حيزا مبهما ثمّ يتخصص بالأسباب الغير اللازمة.
الثالث: الحيّز المعيّن من الأرض يستدعي حيّزا مبهما من أجزاء مكان كلّية الأرض، ثمّ يخصص ذلك الحيّز بأسباب خارجية مع استحالة انفكاك الجزء المعين عن الحيّز، فكذا يجوز في كلية الأرض ذلك.
الوجه الثاني: إذا رميت المدرة «2» إلى فوق عادت إلى أسفل، و لو لا اقتضاء
__________________________________________________
(1)- م و س: «خارجية» ساقطة.
(2)- قطعة من المدر و هو الطين العلك الذي لا يخالطه رمل.
نهاية المرام في علم الكلام، ج‏1، ص: 436
طبيعتها العود إلى أسفل لم تعد.
و الاعتراض: لا نسلّم أنّ المدرة تطلب المكان المعيّن، بل تطلب كلّية الأرض.
لا يقال: حصول الكليات في أحيازها ليس للجسمية، و إلّا لاشتركت الأجسام، فلا بدّ من زائد، و هو المطلوب.
لأنّا نقول: إن تمسّكتم باختصاص الكليات بأحيازها، عارضناكم باختصاص تلك الكليات بتلك الطبائع المخصوصة. و أيضا باختصاص الأجزاء بأحيازها الجزئية. و إن تمسّكتم بحركة أجزاء العناصر إلى أحياز «1» كلياتها، فقد قلنا: إنّه لطلب كلّياتها.
و اعلم أنّ ثابت بن قرة «2»: ذهب إلى أنّ الأجسام لا تطلب أحيازا بأعيانها «3»، فلا يظن أنّ الأرض و لا غيرها من الأجسام طالبة للمكان الذي هي فيه، إذ لا حال يخص شيئا من الأمكنة دون غيره، بل لو توهّمنا جميع الأمكنة خالية، ثمّ جعلت الأرض في أي موضع منها اتفق سكنت فيه، و امتنع انتقالها عنه، إلّا بسبب من خارج، لأنّه مساو لكل مكان، و إنّما تعود المدرة المرمية إلى فوق لطلب طبيعة الأرض، فإنّ الشي‏ء يطلب شبهه، كما يبعد عن ضده.
و لو توهّمنا الأماكن خالية، ثمّ جعل «4» بعض أجزاء الأرض في موضع من الخلاء و الباقي في موضع آخر، وجب أن يجذب الكبير الصغير، فإن تساويا طلب‏
__________________________________________________
(1)- م و ج: «اجزاء».
(2)- ثابت بن قرّة (836- 901 م) ولد في حرّان. رياضي و طبيب و فيلسوف صابئي. عاش في ظل الخليفة المعتضد في بغداد. نقل إلى العربية و شرح مؤلّفات اليونان في الرياضيات و الفلك.
(3)- م و ق: «باعتبارها».
(4)- ق: «حصل».
نهاية المرام في علم الكلام، ج‏1، ص: 437
كلّ منهما صاحبه، حتى يلتقيا في الوسط. و لو توهّمت الأرض قد ارتفعت إلى فلك الشمس، ثمّ أرسلت، لم تهبط و لو أطلق حجر من المركز إلى أسفل صعد إليها طالبا لها و لو تفرقت في جوانب العالم توجه بعضها إلى البعض و وقعت في موضع يتفق التقاء جملة تلك الأجزاء، و لا تفارق ذلك الموضع لمساواته لهذا الموضع.
و لأنّ كلّ جزء يطلب جميع الأجزاء منها طلبا واحدا، و يستحيل أن يلقى الجزء الواحد جميع الأجزاء لا جرم طلب أن يكون قربه من جميع الأجزاء قربا متساويا، و هذا هو طلب الوسط. ثمّ إنّ جميع الأجزاء هذا شأنها فتكون الأرض مستديرة، و أن يكون كلّ جزء منها يطلب المركز حتى يستوي قربه من الجملة.
ثمّ أورد على نفسه سؤالات:
منها: وجوب مثل ذلك في أجزاء كلّ عنصر فيكون كلّ واحد منها كرة مصمتة «1».
و أجاب: بأنّه لو لا المانع لكان الأمر كذلك. و المانع هو أنّ الأجسام و إن اختلفت لكنّها متساوية في الجسمية، فكان طلبها لبعضها بعضا لأجل التشابه بطلب أجزاء العنصر الواحد في طلب أجزائه للبعض، و لهذا السبب تلازمت صفائح الأجسام و امتنع الخلاء. فقد وجد هنا سببان متنازعان، أحدهما ثابت لكل عنصر على حدة، و هو اقتضاء كلّ جزء منه جذب سائر الأجزاء منه إلى نفسه، بحيث يكون كلّ عنصر كرة مصمتة. و الآخر ثابت لعموم الجسمية، و هو طلب كلّ عنصر لصاحبه من حيث الجسمية، و هو يقتضي عدم كون كلّ عنصر
__________________________________________________
(1)- المصمت: الذي لا جوف له.
نهاية المرام في علم الكلام، ج‏1، ص: 438
مصمتا. و الأوّل يستلزم الخلاء؛ لأنّ تلاقي الكرتين يستلزم الخلاء بينهما، و أن يعدم أثر السبب الثاني، فلا يجذب بعض العناصر بعضا فيبطل مقتضى التشابه في الجسمية، فاقتضت الطبيعة العدل بقدر الإمكان و فعلت ما هو الأقرب إلى الجميع، فجمعت بين أجزاء كلّ عنصر على حدة للمشابهة بين تلك الأجزاء، و جعلت بعض العناصر محيطا بالبعض للتشابه بين تلك العناصر في مطلق الجسمية.
و أتمّ العناصر في هذا المعنى أقربها إلى الوسط، لأنّه متى كان أقرب إلى الوسط كان أقرب نسبة إلى جميع الأجسام، لكنّه لمّا وجبت إحاطة البعض بالبعض للمشابهة العامة عرض أن وقع بعض هذه الأجسام في غاية البعد عن غيره.
و منها: أنّ الأجزاء إذا تحركت لطلب الكل، فما سبب اختصاص الكل من كلّ عنصر بمكانه، فلم كانت النار في المحيط و الأرض في المركز، لو لا اقتضاء الطبائع ذلك؟
و أجاب: بأنّه ليس السبب في طلب النار المحيط، أنّ النار بعد تحققها نارا تطلب ذلك المكان، بل كلّ ما جاور الفلك صار نارا لدوام الحركة الموجبة للمصاكة المقتضية للتسخين إلى أن يستحيل و يصير نارا بعد كونه في ذلك المكان، و البعيد من الفلك يبعد من المصاكة و يكون باردا فصار أرضا.
و أبطله أبو علي في الشفا «1» بوجهين:
أ- الحجر المرسل من رأس البئر يذهب غورا، و لا يلتصق بشفير البئر، مع‏
__________________________________________________
(1)- الفصل العاشر من المقالة الرابعة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.
نهاية المرام في علم الكلام، ج‏1، ص: 439
أنّ اتصاله بكلّية الأرض هناك ثابت «1».
ب- الكل مساو للجزء في النوع فلا يجذبه، لأنّ الشي‏ء لا ينفعل عن مساويه.
و اعترض على الأوّل «2»: بأنّ كلّ جزء يطلب الاتصال بكل جزء، و عند التعذّر يجب الممكن، و هو تساوي قربه من الكل، و إنّما يحصل التساوي في وسط الأجزاء فلهذا هبط و لم يقف على الشفير، لأنّه حينئذ لا يكون طالبا للقرب من الكل، بل من البعض مع انتفاء الأولوية.
و على الثاني: بأنّ الحسّ يدل على تلازم صفائح الأجسام، و وقوع الأمور العجيبة بواسطة التلازم، و التلازم إنّما يكون لتلازم الطبائع و تشابهها، لا مع التنافر، و إذا عقل ذلك في موضع فليعقل في كلّ المواضع «3».
و المعتمد في إبطال قول ثابت «4»: أنّ اختصاص الجسم الملاصق للفلك بذلك المكان حتى صار نارا، و الملاصق للمركز حتى صار أرضا، لا بدّ له من سبب، و إلّا لكان ترجيحا من غير مرجح.
و اعلم أنّ الحق هنا شي‏ء واحد، و هو اسناد ذلك كلّه إلى اللّه تعالى الفاعل بالاختيار.
__________________________________________________
(1)- العبارة كذا في المخطوطة و هي تختلف مع ما في المصدر و هو: «الحجر المرسل من رأس البئر يلتصق بشفيرتها، فلا يذهب غورا الخ».
(2)- و المعترض هو الرازي.
(3)- المباحث المشرقية 2: 68- 69.
(4)- أي ثابت بن قرّة.
نهاية المرام في علم الكلام، ج‏1، ص: 440
المسألة الثانية: في امتناع تعدد المكان الط







شرح المواقف، ج‏7، ص: 66
نفس الامر عن تأثير المختار و تخصيصه (و) نقول (لو فرضت الاحياز) كلها (خالية) عن الاجسام (ثم) فرض أنه (خلق الارض) وحدها (كان نسبتها الى الاحياز كلها سواء اذ ليس ثمة مركز و لا محيط) و اذا جعلت الارض بأسرها في أي حيز اتفق وجب أن تقف فيه و لا تنتقل منه الى غيره لاستحالة الترجيح بلا مرجح فما يتوهم من أن الارض طالبة للمكان الذي هي فيه باطل (كما قال) به (ثابت بن قرة) فانه قال ليس لشي‏ء من الامكنة حال يخص به دون غيره حتى يتصور أن جسما معينا طالب له بطبعه دون ما عداه (و اذا رمينا مدرة) الى فوق (فانما تعود) المدرة (الى مركز الارض) لا لان الطبيعة الارضية طالبة له كما توهم بل (لان الجزء مائل الى كله) الّذي يجذبه بعلة الجنسية و لو جعل الارض نصفين و جعل كل نصف في جانب آخر لكان طلب كل منهما مساويا لطلب صاحبه حتى يلتقيا في وسط المسافة التي بينهما و لو فرض أن الارض كلها رفعت الى فلك الشمس ثم أطلق من المكان الذي هي فيه الآن حجر لارتفع ذلك الحجر إليها لطلبه للأمر العظيم الّذي هو شبيهه و لو فرض أنها تقطعت و تفرقت في جوانب العالم ثم أطلقت أجزاؤها لكان يتوجه بعضها الى بعض و يقف حيث يتهيأ تلاقيها قال و لان كل جزء يطلب جميع الاجزاء طلبا واحدا و من المحال أن يلقي الجزء الواحد كل جزء لا جرم طلب أن يكون قربه من جميع الاجزاء قربا متساويا و هذا هو طلب الوسط ثم ان جميع الاجزاء شأنه هذا فلزم من ذلك استدارة الارض و كريتها و أن يكون كل جزء منها طالبا للمركز هكذا نقل عنه في المباحث المشرقية (و بالجملة فلم لا يجوز أن يكون كل جسم) بحيث (لو خلى و طبعه لكان يقتضي حيزا مبهما ككل جزء من الارض) فانه يطلب حيزا مبهما من أجزاء حيز الارض (و يكون المخصص) لذلك الجسم بحيز معين (أمرا من خارج) كما أن مخصص جزء الارض بحيز معين أمر خارج عنه و قد يجاب بأن الكلام فيما اذا خلى الجسم و طبعه و جرد عن جميع الامور





شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام، ج‏2، ص: 291
و ذهب ثابت بن فرة الى انّه ليس لشي‏ء من الامكنة حال يختصّ به دون غيره حتّى يتصوّران جسما معيّنا طالب الطبيعة دون ما عداه فاذا رمينا مدرة الى فوق فانما يعود الى مركز الارض لان الجزء يميل الى كلّه الّذي يجذبه لعلته الجنسيّة لا لان الطّبيعة الارضيّة طالبة للمركز فلو جعل الارض نصفين و جعل كلّ نصف من جانب اخر لكان طلب كلّ منهما مساويا لطلب الاخر حتّى يلتقيا فى وسط المسافة الّتي بينهما و لو فرض ان الارض كلّها رفعت الى فلك الشّمس ثم اطلق من المكان الّذي هى فيه الآن حجر لارتفع ذلك الحجر إليها لطلبه الامر العظيم الّذي هو شبهه الى غير ذلك مما لا جدوى فى ثقله