طی الارض امام رضا علیه السلام به بصره و کوفه

تولد امام رضا ع (148 - 203)
هم فاطمة و
الامام الرضا علیه السلام



طی الارض امام علیه السلام به شهر بصره

الثاقب في المناقب، ص: 186
171/ 1 «2»- محمد بن الفضل الهاشمي، قال: لما توفي موسى بن جعفر عليهما السلام أتيت المدينة فدخلت على الرضا عليه السلام، فسلمت عليه بالأمر، و أوصلت إليه ما كان معي، و قلت: إني صائر إلى البصرة، و عرفت كثرة اختلاف الناس، و قد نعي إليهم موسى بن جعفر عليه السلام و لا شك «1»، أنهم سيسألوني عن براهين الإمام، فلو أريتني شيئا من ذلك.
فقال الرضا عليه السلام: «لم يخف علي شي‏ء من هذا، فأبلغ أولياءنا بالبصرة و غيرها أني قادم عليهم، و لا قوة إلا بالله».
ثم أخرج إلي جميع ما كان للنبي (ص) عند الأئمة عليهم السلام، من بردته و قضيبه و سلاحه و غير ذلك، فقلت: و متى تقدم عليهم؟ قال: «بعد ثلاثة أيام من وصولك إليهم و دخولك البصرة».
فلما قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم: إني أتيت موسى بن جعفر عليه السلام قبل وفاته بيوم واحد، فقال: «إني ميت لا محالة، فإذا واريتني في لحدي فلا تقيمن، و توجه إلى المدينة بودائعي هذه و أوصلها إلى ابني علي بن موسى فهو وصيي، و صاحب الأمر من‏
__________________________________________________
1- الخرائج و الجرائح 1: 341، و عنه في إثبات الهداة 1: 386/ 104، و مدينة المعاجز: 505/ 124، و الصراط المستقيم 7: 195/ 5.
 (1) في م، ك: و ما أشك.
                       

الثاقب في المناقب، ص: 187
بعدي»، ففعلت ما أمرني به، و أوصلت الودائع إليه، و هو يأتيكم بعد ثلاثة أيام من يومي هذا، فاسألوه عما شئتم.
فانتدب للكلام عمرو بن هذاب عن «1» القوم، و كان ناصبيا ينحو نحو الزيدية و الاعتزال، فقال: يا محمد إن الحسن بن محمد رجل من أفاضل أهل البيت في ورعه و زهده و علمه و سمته «2» و ليس هو كشاب مثل علي بن موسى الرضا عليه السلام، و لعله لو سئل «3» عن معضلات الأحكام أجاب عن «4» ذلك.
فقال الحسن بن محمد- و كان حاضرا في المجالس-: لا تقل يا عمرو ذلك، فإن عليا عليه السلام على ما وصفه من الفضل، و هذا محمد بن الفضل يقول إنه يقدم إلى ثلاثة أيام، فكفاك به دليلا، و تفرقوا.
فلما كان في اليوم الثالث من دخولي إلى البصرة و إذا الرضا عليه السلام قد وافى، فقصد منزل الحسن بن محمد و أخلى له داره، و قام بين يديه، يتصرف بين أمره و نهيه، فقال: يا حسن، أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمد بن الفضل، و غيرهم من شيعتنا، و أحضر جاثليق النصارى و رأس الجالوت، فمر القوم أن يسألوا عما بدا لهم.
فجمعهم كلهم و الزيدية و المعتزلة، و هم لا يعلمون لما يدعوهم الحسن بن محمد، فلما تكاملوا ثني للرضا عليه السلام و سادة فجلس عليها، ثم قال: «السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام»؟ فقالوا: لا. فقال: «لتطمئن أنفسكم «5»» قالوا: من‏
__________________________________________________
 (1) في ر، ع: من.
 (2) في ر، ع: و سنته.
 (3) في ع: و لو أنه سئل.
 (4) في ر، ع، ك، م: في.
 (5) في ر، ع، م، ك: لتطمئنوا عند أنفسكم.
                       

الثاقب في المناقب، ص: 188
أنت رحمك الله؟.
قال: «أنا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام و ابن رسول الله، صليت اليوم الفجر في مسجد رسول الله (ص) مع والي المدينة، و أقرأني- بعد أن صلينا- كتاب صاحبه إليه، و استشارني في كثير من أموره، فأشرت عليه بما فيه الحظ له، و وعدته أن يصير إلي بالعشي بعد هذا العصر من هذا اليوم، ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه، و أنا واف له بما و عدته، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم». فقالت الجماعة: يا ابن رسول الله ما نريد مع هذا الدليل برهانا أكبر منه، و أنت عندنا الصادق القول. فقاموا لينصرفوا فقال لهم: «لا تنصرفوا، فإني إنما جمعتكم لتسألوا عما شئتم من آثار النبوة و علامات الإمامة التي لا تجدونها إلا عندنا أهل البيت؛ فهلموا مسائلكم».
فابتدأ عمرو بن هذاب فقال: إن محمد بن الفضل الهاشمي ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب. فقال الرضا عليه السلام: «و ما تلك؟» قال: أخبرنا عنك أنك تعلم كل ما أنزله الله تعالى، و أنك تعرف كل لسان و لغة.
فقال الرضا عليه السلام: «صدق محمد بن الفضل، فأنا أخبرته بذلك، فهلموا فاسألوا».
قال: فإنا نختبرك قبل كل شي‏ء بالألسن و اللغات، و هذا رومي، و هذا هندي، و هذا فارسي، و هذا تركي، فأحضرناهم.
قال: «فليتكلموا بما أحبوا، و أجيب كل واحد منهم بلسانه و لغته، إن شاء الله».
فسأل كل واحد منهم مسألة بلسانه و لغته فأجابهم بألسنتهم و لغاتهم، فتحير الناس و تعجبوا، فأقروا جميعا بأنه أفصح منهم بلغاتهم.
                       

الثاقب في المناقب، ص: 189
ثم نظر الرضا عليه السلام إلى عمرو بن هذاب و قال: «إن أنا أخبرتك بأنك ستبلى في هذه الأيام بدم ذي رحم لك، كنت مصدقا لي؟» قال: لا، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله.
قال عليه السلام: «أو ليس الله يقول: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول «1» فرسول الله (ص) عنده مرتضى، و نحن ذرية ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه، فعلمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة؛ و إن الذي أخبرتك به يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيام، فإن لم يصح ما قلت لك في هذه المدة فإني كذاب، و إن صح فتعلم أنك الراد على الله و على رسوله؛ و لك دلالة أخرى أما إنك ستصاب ببصرك، و تصير مكفوفا، فلا تبصر سهلا و لا جبلا، و هذا كائن بعد أيام؛
و لك دلالة أخرى: أنك ستحلف يمينا كاذبة، فتضرب بالبرص».
قال محمد بن الفضل: تالله لقد نزل ذلك كله بابن هذاب، فقيل له: صدق الرضا عليه السلام، أم كذب؟ قال: و الله، لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنه كائن، و لكنني كنت أتجلد.
ثم إن الرضا عليه السلام التفت إلى الجاثليق فقال: «هل دل الإنجيل على نبوة محمد (ص)؟» قال: لو دل الإنجيل على ذلك لما جحدناه.
فقال عليه السلام: «أخبرني بالسكتة «2» التي لكم في السفر الثالث فقال الجاثليق: اسم من أسماء الله تعالى، لا يجوز لنا أن نظهره».
__________________________________________________
 (1) سورة الجن/ الآية: 27.
 (2) في ع، م: ما السكينة.
                       

الثاقب في المناقب، ص: 190
قال الرضا عليه السلام: «فإن قررتك أنه اسم محمد (ص)، و ذكره، و أقر «1» عيسى به، و أنه بشر بني إسرائيل بمحمد، أ تقر به و لا تنكره؟» قال الجاثليق: إن فعلت أقررت به، فإني لا أرد الإنجيل و لا أجحده.
قال الرضا عليه السلام: «فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد و بشارة عيسى بمحمد». قال الجاثليق: هات.
فأقبل الرضا يتلو ذلك السفر من الإنجيل، حتى بلغ ذكر محمد، فقال: «يا جاثليق، من هذا النبي الموصوف؟» قال الجاثليق: صفه.
قال: «لا أصفه إلا بما وصفه الله تعالى، هو صاحب الناقة و العصا و الكساء، النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل، يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر، و يحل لهم الطيبات، و يحرم عليهم الخبائث، و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم، يهدى إلى الطريق الأفضل «2»، و المنهاج الأعدل، و الصراط الأقوم.
سألتك بالله يا جاثليق، بحق عيسى روح الله و كلمته، هل تجد هذه الصفة في الانجيل لهذا النبي؟» فأطرق الجاثليق مليا و علم أنه إن جحد الإنجيل كفر، فقال: نعم، هذه الصفة في الإنجيل، و قد ذكر عيسى هذا النبي، و لم يصح عند النصارى أنه صاحبكم.
فقال الرضا عليه السلام: «أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، و أقررت بما فيه من صفة محمد، فخذ علي السفر الثاني فإني أوجدك ذكره، و ذكر وصيه، و ذكر ابنته و ذكر «3» الحسن و الحسين».
__________________________________________________
 (1) في ع، ك، م: و إقرار.
 (2) في ر، ك: الأقصد.
 (3) في ع: بنيه.
                       

الثاقب في المناقب، ص: 191
فلما سمع الجاثليق «1» و رأس الجالوت ذلك علما أن الرضا عليه السلام عالم بالتوراة و الإنجيل و الزبور، فقالا: و الله، لقد أتى بما لا يمكننا رده، و لا دفعه، إلا بجحود التوراة و الإنجيل و الزبور، و قد بشر به موسى و عيسى جميعا، و لكن لم يتقرر عندنا صحة أنه محمد هذا، و أما اسمه محمد فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته، و نحن شاكون أنه محمدكم أو غيره.
فقال الرضا عليه السلام: «احتججتم بالشك «2»، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد؟ أو تجدونه في شي‏ء من الكتاب التي أنزلها الله تعالى على جميع الأنبياء غير محمد؟» فأحجموا عن جوابه، و قالوا: لا يجوز لنا أن نقر لكم بأن محمدا أنه محمدكم، لأنا إن أقررنا لكم بمحمد و وصيه و ابنته و ابنيه على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرها.
فقال الرضا عليه السلام: «أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله، و ذمة رسوله أنه لا ينالك منا شي‏ء تكره مما تخافه و تحذره».
قال: فأما إذا آمنتني، فإن هذا النبي الذي اسمه (محمد) و هذا الوصي الذي اسمه (علي) و هذه البنت التي اسمها (فاطمة) و هذان السبطان اللذان اسمهما (الحسن و الحسين) في التوراة و الانجيل و الزبور.
قال الرضا «فهذا الذي ذكرته في التوراة و الانجيل و الزبور من اسم هذا النبي (ص)، و هذا الوصي، و هذه البنت، و هذين السبطين، صدق و عدل، أم كذب و زور؟».
قال: صدق و عدل، و ما قال الله إلا الحق.
فلما أخذ الرضا إقرار الجاثليق بذلك، قال لرأس الجالوت:
__________________________________________________
 (1) في ر، ك، م زيادة: عالم اليهود.
 (2) في ع: احتجزتم.
                       

الثاقب في المناقب، ص: 192
 «فاسمع الآن يا رأس الجالوت السفر الأول من زبور داود». قال:
هات، بارك الله عليك و على من ولدك. فقرأ الرضا عليه السلام السفر الأول، من الزبور، حتى انتهى إلى ذكر محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، فقال: «سألتك يا رأس الجالوت بحق الله، هذا في زبور داود؟ و لك مني الأمان و الذمة و العهد ما قد أعطيت الجاثليق».
فقال رأس الجالوت: نعم، هذا بعينه ألفيته في الزبور بأسمائهم.
قال الرضا عليه السلام: «فبحق العشر الآيات التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران في التوراة، هل تجد صفة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين في التوراة منسوبين إلى العدل و الفضل؟» قال: نعم، و من جحدها كان كافرا بربه و أنبيائه.
فقال الرضا عليه السلام: «فخذ الآن علي سفر كذا من التوراة» فبهت «1» رأس الجالوت متعجبا من تلاوته و بيانه و فصاحة لسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد (ص) قال رأس الجالوت: نعم، هذا أحمد و ايليا و فطيم و شبر و شبير «2»؛ و تفسيره بالعربية محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام. فتلا الرضا السفر إلى تمامه، فقال رأس الجالوت- لما فرغ من تلاوته-: و الله يا ابن محمد، لو لا الرئاسة التي حصلت لي على جميع اليهود، لآمنت بأحمد، و اتبعت أمرك، فو الله الذي أنزل التوراة على موسى، و الزبور على داود، ما رأيت أقرأ للتوراة و الانجيل و الزبور منك، و لا رأيت أحسن «3» بيانا و تفسيرا و فصاحة لهذه الكتاب منك.
__________________________________________________
 (1) في م و هامش ص: و أقبل.
 (2) في ع: و بشر و بشير.
 (3) في جميع النسخ زيادة: منك.
                       

الثاقب في المناقب، ص: 193
فلم يزل الرضا عليه السلام معهم في ذلك اليوم إلى وقت الزوال، فقال لهم- حين حضر وقت الزوال-: «أنا أصلي و أصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت به والي المدينة ليكتب جواب كتابه، و أعود إليكم بكرة إن شاء الله تعالى».
قال: فأذن عبد الله بن سليمان، و أقام، و تقدم الرضا عليه السلام فصلى بالناس و خفف القراءة و ركع تمام السنة، و انصرف.
فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك، فأتوه بجارية رومية فكلمها بالرومية، و الجاثليق يسمع، و كان فهما بالرومية، فقال الرضا عليه السلام بالرومية: «يا أمة الله أيما أحب إليك: محمد أو عيسى؟».
فقالت: كان فيما مضى عيسى أحب إلي، حين لم أكن أعرف محمدا، فأما إن عرفت محمدا فمحمد الآن أحب إلي من عيسى، و من كل نبي.
فقال لها الجاثليق: فإذا كنت دخلت في دين محمد، فتبغضين عيسى؟ قالت: معاذ الله بل أحب عيسى و أؤمن به، و لكن محمدا أحب إلي.
فقال الرضا عليه السلام للجاثليق: «فسر للجماعة ما تكلمات به الجارية، و ما قلت أنت لها، و ما أجابتك به».
ففسر لهم الجاثليق ذلك كله، ثم قال الجاثليق: يا ابن محمد هاهنا رجل سندي، و هو نصراني صاحب احتجاج و كلام بالسندية، فقال له: «أحضرنيه». فأحضره، فتكلم معه بالسندية ثم أقبل يحاجه و ينقله من شي‏ء إلى شي‏ء بالسندية في النصرانية، فسمعت السندي يقول بالسندية، ثبطى ثبطى ثبطلة «1» فقال الرضا عليه السلام: «قد وحد الله تعالى بالسندية».
__________________________________________________
 (1) في ر، ك، م: نيطي نبطي نباطة.
                       

الثاقب في المناقب، ص: 194
ثم كلمه في عيسى بن مريم فلم يزل يدرجه «1» من حال إلى حال، إلى أن قال بالسندية: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله. ثم رفع منطقة كانت عليه، فظهر من تحتها زنار في وسطه، فقال: اقطعه أنت بيدك، يا ابن رسول الله.
فدعا الرضا عليه السلام بسكين، فقطعه، ثم قال لمحمد بن الفضل الهاشمي: «خذ «2» السندي إلى الحمام و طهره، و اكسه و عياله، و احملهم جميعا إلى المدينة.
فلما فرغ من مخاطبة «3» القوم، قال: الآن صح عندكم ما كان محمد بن الفضل يلقي عليكم عني». فقالوا: نعم، و الله قد بان لنا منك فوق ذلك أضعافا مضاعفة، و لقد ذكر لنا محمد بن الفضل أنك تحمل إلى خراسان. فقال: «صدق محمد، إلا أني أحمل مكرما معظما مبجلا».
قال محمد بن الفضل: فشهد له الجماعة بالإمامة، و بات عندنا تلك الليلة، فلما أصبح ودع الجماعة، و أوصاني بما أراد، و مضى، فتبعته أشيعه حتى إذا صرنا في وسط البرية، عدل عن الطريق، فصلى أربع ركعات، ثم قال: «يا محمد، انصرف في حفظ الله، فغمض طرفك» فغمضته ثم قال: «افتح عينك» ففتحها، فإذا أنا بباب منزلي بالبصرة، و لم أر الرضا عليه السلام قال: و حملت السندي و عياله إلى المدينة في وقت الموسم.
و في ذلك عدة آيات لا تتعلق بما قصدناه، إلا أني أوردت الجميع صيانة للخبر.
__________________________________________________
 (1) في ك، م: يزحزحه.
 (2) في ع، ك: أدخل.
 (3) في ع، ك، م: مخاطبات.

 

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 341
6- و منها:
ما روي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال لما توفي الإمام موسى بن جعفر ع أتيت المدينة فدخلت على الرضا ع فسلمت عليه بالأمر و أوصلت إليه ما كان معي و قلت إني صائر إلى البصرة و عرفت كثرة خلاف الناس و قد نعي إليهم موسى ع و ما أشك أنهم سيسألوني عن براهين الإمام فلو أريتني شيئا من ذلك فقال الرضا ع لم يخف علي هذا فأبلغ أولياءنا بالبصرة و غيرها أني قادم عليهم و لا قوة إلا بالله ثم أخرج إلي جميع ما كان للنبي ص عند الأئمة من بردته و قضيبه و سلاحه و غير ذلك فقلت و متى تقدم عليهم قال بعد ثلاثة أيام من وصولك و دخولك البصرة.
فلما قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم إني أتيت موسى بن جعفر ع قبل وفاته بيوم واحد فقال إني ميت لا محالة فإذا واريتني في لحدي فلا تقيمن و توجه إلى المدينة بودائعي هذه و أوصلها إلى ابني علي بن موسى فهو وصيي و صاحب الأمر بعدي ففعلت ما أمرني به و أوصلت الودائع إليه و هو يوافيكم إلى ثلاثة أيام من يومي هذا فاسألوه عما شئتم فابتدر للكلام عمرو بن هذاب [هداب‏] من القوم و كان ناصبيا ينحو نحو التزيد «1» و الاعتزال فقال يا محمد إن الحسن بن محمد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه و زهده و علمه و سنه و ليس هو كشاب مثل علي بن موسى و لعله لو سئل عن شي‏ء من معضلات الأحكام لحار في ذلك فقال الحسن بن محمد و كان حاضرا في المجلس لا تقل يا عمرو ذلك فإن عليا على ما وصف من الفضل و هذا محمد بن الفضل يقول إنه يقدم إلى ثلاثة أيام‏
__________________________________________________
 (1) «الزيدية» ه، ط. 8 و الزيدية: هم القائلون بامامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام في وقته و امامة ابنه يحيى بن زيد بعده. انظر الملل و النحل: 1/ 154.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 342
فكفاك به دليلا و تفرقوا فلما كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا ع قد وافى «1» فقصد منزل الحسن بن محمد و أخلى له داره و قام بين يديه يتصرف بين أمره و نهيه فقال يا حسن بن محمد أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمد بن الفضل و غيرهم من شيعتنا و أحضر جاثليق النصارى و رأس الجالوت «2» و مر «3» القوم أن يسألوا عما بدا لهم فجمعهم كلهم و الزيدية و المعتزلة و هم لا يعلمون لما يدعوهم الحسن بن محمد فلما تكاملوا ثني للرضا ع وسادة فجلس عليها ثم قال السلام عليكم و رحمة الله و بركاته هل تدرون لم بدأتكم بالسلام فقالوا لا قال لتطمئن «4» أنفسكم قالوا و من أنت يرحمك الله قال أنا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و ابن رسول الله ص صليت اليوم الفجر في مسجد رسول الله ص مع والي المدينة و أقرأني بعد أن صلينا كتاب صاحبه إليه و استشارني في كثير من أموره فأشرت عليه «5» بما فيه الحظ له و وعدته أن يصير إلي بالعشي بعد العصر من هذا اليوم ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه و أنا واف له بما وعدته به و لا حول و لا قوة إلا بالله فقال الجماعة يا ابن رسول الله ما نريد مع هذا الدليل برهانا أكبر منه و إنك عندنا الصادق القول و قاموا لينصرفوا فقال لهم الرضا ع‏
__________________________________________________
 (1) وافى: أتى. و في ط «وافانى».
 (2) الجاثليق: رئيس النصارى في بلاد الإسلام، و لغتهم السريانية.
و رأس الجالوت: كبير اليهود و عالمهم.
 (3) الامر من الفعل «أمر».
 (4) «لتطمئنوا عند» م.
 (5) أشار عليه: أمره و نصحه، و دله على وجه الصواب.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 343
لا تفرقوا «1» فإني إنما جمعتكم لتسألوني «2» عما شئتم من آثار النبوة و علامات الإمامة التي لا تجدونها إلا عندنا أهل البيت فهلموا مسائلكم فابتدر «3» عمرو بن هذاب [هداب‏] فقال إن محمد بن الفضل الهاشمي ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب فقال الرضا ع و ما تلك قال أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله و أنك تعرف كل لسان و لغة فقال الرضا ع صدق محمد بن الفضل فأنا أخبرته بذلك فهلموا فاسألوا قال فإنا نختبرك قبل كل شي‏ء بالألسن و اللغات و هذا رومي و هذا هندي «4» و هذا فارسي و هذا تركي فأحضرناهم فقال ع فليتكلموا بما أحبوا أجب كل واحد منهم بلسانه إن شاء الله فسأل كل واحد منهم مسألة بلسانه و لغته فأجابهم عما سألوا بألسنتهم و لغاتهم فتحير الناس و تعجبوا و أقروا جميعا بأنه أفصح منهم بلغاتهم ثم نظر الرضا ع إلى ابن هذاب فقال إن أنا أخبرتك أنك ستبتلى في هذه الأيام بدم ذي رحم لك أ كنت مصدقا لي قال لا فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى قال ع أ و ليس الله يقول عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول «5» فرسول الله عند الله مرتضى و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه فعلمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة و إن الذي أخبرتك به يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيام فإن لم يصح ما قلت لك في هذه المدة فإني «6» كذاب مفتر و إن صح فتعلم أنك الراد على الله و على رسوله و لك دلالة أخرى أما إنك ستصاب ببصرك و تصير مكفوفا فلا تبصر سهلا و لا
__________________________________________________
 (1) «تنصرفوا» ه، ط.
 (2) «جئتكم لتسألوا» ه، ط.
 (3) «فابتدأ» ه، ط، و البحار.
 (4) «سندى» خ ل.
 (5) سورة الجن: 27.
 (6) «و الا فإني» م، ه، ط.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 344
جبلا و هذا كائن بعد أيام و لك عندي دلالة أخرى أنك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص قال محمد بن الفضل فو الله لقد نزل ذلك كله بابن هذاب [هداب‏] فقيل له أ صدق الرضا أم كذب قال لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنه كائن و لكني كنت أتجلد ثم إن الرضا ع التفت إلى الجاثليق فقال هل دل الإنجيل على نبوة محمد ص قال لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه فقال ع أخبرني عن السكتة «1» التي لكم في السفر الثالث فقال الجاثليق اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره قال الرضا ع فإن قررتك «2» أنه اسم محمد و ذكره و أقر «3» عيسى به و أنه بشر بني إسرائيل بمحمد أ تقر به و لا تنكره قال الجاثليق إن فعلت أقررت فإني لا أرد الإنجيل و لا أجحده قال الرضا ع فخذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد و بشارة عيسى بمحمد قال الجاثليق هات فأقبل الرضا ع يتلو ذلك السفر الثالث من الإنجيل حتى بلغ ذكر محمد ص فقال يا جاثليق من هذا النبي الموصوف قال الجاثليق صفه قال لا أصفه إلا بما وصفه الله هو صاحب الناقة و العصا و الكساء النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم «4» و الأغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الأقصد «5» و المنهاج الأعدل و الصراط الأقوم‏
__________________________________________________
 (1) «السكينة» ط.
 (2) قرره بالامر: جعله يعترف به. يقال: قررت عنده الخبر أي حققته له.
 (3) «اقرار» م.
 (4) «الافضل» ه، ط.
 (5) الاصر: الثقل، الذنب.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 345
سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله و كلمته هل تجد «1» هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي فأطرق الجاثليق مليا و علم أنه إن جحد الإنجيل كفر فقال نعم هذه الصفة في الإنجيل و قد ذكر عيسى هذا النبي و لم يصح عند النصارى أنه صاحبكم «2» فقال الرضا ع أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل و أقررت بما فيه من صفة محمد ص فخذ علي في السفر الثاني فإني أوجدك ذكره و ذكر وصيه و ذكر ابنته فاطمة و ذكر الحسن و الحسين فلما سمع الجاثليق و رأس الجالوت ذلك علما أن الرضا ع عالم بالتوراة و الإنجيل فقالا و الله قد أتى بما لا يمكننا رده و لا دفعه إلا بجحود التوراة و الإنجيل و الزبور و قد بشر به موسى و عيسى جميعا و لكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا فأما اسمه محمد فلا يجوز «3» لنا أن نقر لكم بنبوته و نحن شاكون أنه محمدكم أو غيره فقال الرضا ع احتجزتم «4» بالشك فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد ص أو تجدونه في شي‏ء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمدنا فأحجموا عن جوابه و قالوا لا يجوز لنا أن نقر لكم بأن محمدا هو محمدكم «5» لأنا إن أقررنا لك بمحمد و وصيه و ابنته و ابنيه على ما ذكرت أدخلتمونا في الإسلام كرها
__________________________________________________
 (1) «تجدون» البحار.
 (2) «و قد صح في الإنجيل مأ أقررت بما فيه من صفة محمد أنه صاحبكم و لم يصح عند النصارى» ط.
 (3) «يصح» ه، ط.
 (4) احتجز به: امتنع. و في ه و البحار: احتججتم.
 (5) «يا ابن محمد أنه محمدكم» م «بانه محمدكم» س، ه، ط و مدينة المعاجز.
و ما في المتن من البحار.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 346
فقال الرضا ع أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله و ذمة رسوله إنه لا يبدؤك منا شي‏ء تكره مما تخافه و تحذره قال أما إذا قد آمنتني فإن هذا النبي الذي اسمه محمد و هذا الوصي الذي اسمه علي و هذه البنت التي اسمها فاطمة و هذان السبطان اللذان اسمهما الحسن و الحسين في التوراة و الإنجيل و الزبور قال الرضا ع فهذا الذي ذكرته في التوراة و الإنجيل و الزبور من اسم هذا النبي و هذا الوصي و هذه البنت و هذين السبطين صدق و عدل أم كذب و زور قال بل صدق و عدل و ما قال الله إلا الحق فلما أخذ الرضا ع إقرار الجاثليق بذلك قال لرأس الجالوت فاستمع الآن يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود قال هات بارك الله عليك و على من ولدك فتلا الرضا ع السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال سألتك يا رأس الجالوت بحق الله أ هذا في زبور داود و لك من الأمان و الذمة و العهد ما قد أعطيته الجاثليق فقال رأس الجالوت نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم قال الرضا ع فبحق العشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران ع في التوراة هل تجد صفة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين في التوراة منسوبين إلى العدل و الفضل قال نعم و من جحد هذا فهو كافر بربه و أنبيائه قال له الرضا ع فخذ الآن على سفر كذا من التوراة فأقبل الرضا ع يتلو التوراة و أقبل رأس الجالوت يتعجب من تلاوته و بيانه و فصاحته و لسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد قال رأس الجالوت نعم هذا أحماد و بنت أحماد و إليا و شبر و شبير و تفسيره بالعربية محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فتلا الرضا ع السفر إلى تمامه‏
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 347
فقال رأس الجالوت لما فرغ من تلاوته و الله يا ابن محمد لو لا الرئاسة التي قد حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحماد و اتبعت أمرك فو الله الذي أنزل التوراة على موسى و الزبور على داود و الإنجيل على عيسى ما رأيت أقرأ للتوراة و الإنجيل و الزبور منك و لا رأيت أحدا أحسن بيانا و تفسيرا و فصاحة لهذه الكتب منك فلم يزل الرضا ع معهم في ذلك إلى وقت الزوال فقال لهم حين حضر وقت الزوال أنا أصلي و أصير إلى المدينة للوعد «1» الذي وعدت به والي المدينة ليكتب جواب كتابه و أعود إليكم بكرة إن شاء الله قال فأذن عبد الله بن سليمان و أقام و تقدم الرضا ع فصلى بالناس و خفف القراءة و ركع تمام السنة و انصرف فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك فأتوه بجارية رومية فكلمها بالرومية و الجاثليق يسمع و كان فهما بالرومية فقال الرضا ع بالرومية لها أيما أحب إليك محمد أم عيسى فقالت كان فيما مضى عيسى أحب إلي حين لم أكن عرفت محمدا فأما بعد أن عرفت محمدا فمحمد الآن أحب إلي من عيسى و من كل نبي فقال لها الجاثليق فإذا كنت دخلت في دين محمد فتبغضين عيسى قالت معاذ الله بل أحب عيسى و أؤمن به و لكن محمدا أحب إلي فقال الرضا ع للجاثليق فسر للجماعة ما تكلمت به الجارية و ما قلت أنت لها و ما أجابتك به ففسر لهم الجاثليق ذلك كله «2» ثم قال الجاثليق يا ابن محمد هاهنا رجل سندي و هو نصراني صاحب احتجاج و كلام بالسندية «3» فقال له أحضرنيه فأحضره فتكلم معه بالسندية ثم أقبل يحاجه و ينقله‏
__________________________________________________
 (1) «حتى أفي الوعد» ط.
 (2) «ففسر الجاثليق للجماعة ما تكلمت به الجارية و ما قال لها» ط.
 (3) «فى دين النصرانية» ط.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 348
من شي‏ء إلى شي‏ء بالسندية في النصرانية فسمعنا السندي يقول بالسندية بثطى بثطى بثطلة «1» فقال الرضا ع قد وحد الله بالسندية ثم كلمه في عيسى و مريم فلم يزل يدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسندية أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ثم رفع منطقة كانت عليه فظهر من تحتها زنار «2» في وسطه فقال اقطعه أنت بيدك يا ابن رسول الله فدعا الرضا ع بسكين فقطعه ثم قال لمحمد بن الفضل الهاشمي خذ السندي إلى الحمام فطهره و اكسه و عياله و احملهم جميعا إلى المدينة فلما فرغ من مخاطبة «3» القوم قال قد صح عندكم صدق ما كان محمد بن الفضل يلقي عليكم عني فقالوا بأجمعهم نعم و الله قد بان لنا منك فوق ذلك أضعافا مضاعفة و قد ذكر لنا محمد بن الفضل أنك تحمل إلى خراسان فقال صدق محمد إلا أني أحمل مكرما معظما مبجلا قال محمد بن الفضل فشهد له الجماعة بالإمامة و بات عندنا تلك الليلة فلما أصبح ودع الجماعة و أوصاني بما أراد و مضى و تبعته أشيعه «4» حتى إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق فصلى أربع ركعات ثم قال يا محمد انصرف في حفظ الله غمض طرفك فغمضته ثم قال افتح عينيك ففتحتهما فإذا أنا على باب منزلي بالبصرة و لم أر الرضا ع‏
__________________________________________________
 (1) «ثبطى ثبطى ثبطلة» البحار و مدينة المعاجز.
 (2) الزنار: ما على وسط المجوسى و النصرانى.
و في التهذيب: ما يلبسه الذي يشده على وسطه. (لسان العرب: 4/ 330).
 (3) «مخاطبات» م، ه.
 (4) شيعه- بتشديد الياء-: خرج معه ليودعه، أو يبلغه منزله.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 349
قال و حملت السندي و عياله إلى المدينة في وقت الموسم «1».

 

 

طی الارض امام به کوفه

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 349

7- و منها:
ما روي في دخول الرضا ع الكوفة قال محمد بن الفضل كان فيما أوصاني به الرضا ع في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك و أعلمهم أني قادم عليهم و أمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري فصرت إلى الكوفة فأعلمت الشيعة أن الرضا ع قادم عليهم فأنا يوما عند نصر بن مزاحم إذ مر بي سلام خادم الرضا ع فعلمت أن الرضا ع قد قدم فبادرت إلى دار حفص بن عمير فإذا هو في الدار فسلمت عليه ثم قال لي احتشد [لي‏] «2» في طعام تصلحه للشيعة فقلت قد احتشدت و فرغت مما يحتاج إليه فقال الحمد لله على توفيقك فجمعنا الشيعة فلما أكلوا قال يا محمد انظر من بالكوفة من المتكلمين و العلماء فأحضرهم فأحضرناهم فقال لهم الرضا ع إني أريد أن أجعل لكم حظا من نفسي كما جعلت لأهل البصرة و إن الله قد أعلمني كل كتاب أنزله ثم أقبل على جاثليق و كان معروفا بالجدل و العلم «3» و الإنجيل فقال يا جاثليق هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء يعلقها في عنقه إذا كان‏
__________________________________________________
 (1) عنه اثبات الهداة: 1/ 386 ح 104، و ج 3/ 530 ح 561، و ج 6/ 129 ح 138 قطعة و البحار: 49/ 73 ح 1.
و عنه في مدينة المعاجز: 505 ح 124، و عن ثاقب المناقب: 151 مرسلا مثله.
و أورده في الصراط المستقيم: 7/ 195 ح 5 مرسلا عن محمد بن الفضل مثله.
 (2) احتشد لفلان في كذا: أعدله: و يقال احتشد لنا في الضيافة: إذا اجتهد و بذل وسعه.
 (3) «علماء النصارى و فعل كفعله بالبصرة، فاعترفوا له بذلك بأجمعهم و كان من علماء النصارى رجل يعرف بالعلم و الجدل» س، ط، ه، و مدينة المعاجز.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 350
بالمغرب فأراد المشرق فتحها فأقسم على الله باسم واحد من الخمسة «1» أن تنطوى له الأرض فيصير من المغرب إلى المشرق «2» و من المشرق إلى المغرب في لحظة فقال الجاثليق لا علم لي بها «3» و أما الأسماء الخمسة فقد كانت معه بلا شك و يسأل الله بها أو بواحد منها فيعطيه الله جميع ما يسأله قال الله أكبر إذ لم تنكر الأسماء فأما الصحيفة فلا يضر أقررت بها أو أنكرت اشهدوا على قوله «4» ثم قال يا معاشر الناس أ ليس أنصف الناس من حاج خصمه بملته و بكتابه و بنبيه و شريعته قالوا نعم قال الرضا ع فاعلموا أنه ليس بإمام بعد محمد إلا من قام بما قام به محمد حين يفضى «5» الأمر إليه و لا تصلح الإمامة إلا لمن حاج الأمم بالبراهين للإمامة فقال رأس الجالوت و ما هذا الدليل على الإمام قال أن يكون عالما بالتوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن الحكيم فيحاج أهل التوراة بتوراتهم و أهل الإنجيل بإنجيلهم و أهل القرآن بقرآنهم و أن يكون عالما بجميع اللغات حتى لا يخفى عليه لسان واحد فيحاج كل قوم بلغتهم ثم يكون مع هذه الخصال تقيا نقيا من كل دنس طاهرا من كل عيب عادلا منصفا حكيما رءوفا رحيما حليما غفورا عطوفا صدوقا «6» بارا مشفقا أمينا مأمونا راتقا فاتقا فقام إليه نصر بن مزاحم فقال يا ابن رسول الله ما تقول في جعفر بن محمد
__________________________________________________
 (1) «الخمسة الأسماء» م.
 (2) «أو» م.
 (3) «بالصحيفة» ه، ط.
 (4) «الله أكبر إذا لم تنكر الأسماء فهو الغرض» س، ط، و مدينة المعاجز.
 (5) «حتى» نسخ الأصل و مدينة المعاجز. و ما في المتن كما في البحار: و أفضى إليه: وصل.
 (6) «صادقا» البحار.
                       

الخرائج و الجرائح، ج‏1، ص: 351
فقال ما أقول في إمام شهدت أمة محمد قاطبة بأنه كان أعلم أهل زمانه قال فما تقول في موسى بن جعفر قال كان مثله قال فإن الناس قد تحيروا في أمره قال إن موسى بن جعفر عمر برهة من دهره «1» فكان يكلم الأنباط بلسانهم و يكلم أهل خراسان بالدرية و أهل الروم «2» بالرومية و يكلم العجم بألسنتهم و كان يرد عليه من الآفاق علماء اليهود و النصارى فيحاجهم بكتبهم و ألسنتهم فلما نفدت «3» مدته و كان وقت وفاته أتاني مولى برسالته يقول يا بني إن الأجل قد نفد و المدة قد انقضت و أنت وصي أبيك فإن رسول الله ص لما كان وقت وفاته دعا عليا و أوصاه و دفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خص الله بها الأنبياء و الأوصياء ثم قال يا علي ادن مني فدنا منه فغطى رسول الله ص رأس علي ع بملاءته ثم قال له أخرج لسانك فأخرجه فختمه بخاتمه ثم قال يا علي اجعل لساني في فيك فمصه «4» و ابلع كل ما تجد في فيك ففعل علي ذلك فقال له إن الله قد فهمك ما فهمني و بصرك ما بصرني و أعطاك من العلم ما أعطاني إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي ثم كذلك إماما بعد إمام فلما مضى موسى علمت كل لسان و كل كتاب و ما كان و ما سيكون بغير تعلم و هذا سر الأنبياء أودعه الله فيهم و الأنبياء أودعوه إلى أوصيائهم و من لم يعرف ذلك و يحققه فليس هو على شي‏ء و لا قوة إلا بالله «5».
__________________________________________________
 (1) «الزمان» البحار.
 (2) «خراسان الروم» م.
 (3) نفد الشي‏ء: فنى و انقطع و لم يبق منه شي‏ء. و في بعض النسخ «نفذ» أي تم.
و كذا التي بعدها.
 (4) «فضمه» م. و في البحار بلفظ: فمصه و ابلع عنى ....
 (5) عنه اثبات الهداة: 1/ 379 ح 105، و ج 3/ 20 ح 632، و ج 6/ 131 ح 139، و البحار: 49/ 79 ذ ح 1، و مدينة المعاجز: 507 ح 125.
و أورده في الصراط المستقيم: 2/ 196 ح 6 مرسلا باختصار.

 

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 73
باب 4 وروده عليه السلام البصرة و الكوفة و ما ظهر منه ع فيهما من الاحتجاجات و المعجزات
1- يج، الخرائج و الجرائح روي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال: لما توفي موسى بن جعفر ع أتيت المدينة فدخلت على الرضا ع فسلمت عليه بالأمر و أوصلت إليه ما كان معي و قلت إني سائر إلى البصرة و عرفت كثرة خلاف الناس و قد نعي إليهم موسى ع و ما أشك أنهم سيسألوني عن براهين الإمام و لو أريتني شيئا من ذلك فقال الرضا ع لم يخف علي هذا فأبلغ أولياءنا بالبصرة و غيرها أني قادم عليهم و لا قوة إلا بالله ثم أخرج إلي جميع ما كان للنبي عند الأئمة من بردته و قضيبه و سلاحه و غير ذلك فقلت و متى تقدم عليهم قال بعد ثلاثة أيام من وصولك و دخولك البصرة فلما قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم إني أتيت موسى بن جعفر قبل وفاته بيوم واحد فقال إني ميت لا محالة فإذا واريتني في لحدي فلا تقيمن و توجه إلى المدينة بودائعي هذه و أوصلها إلى ابني علي بن موسى فهو وصيي و صاحب الأمر بعدي ففعلت ما أمرني به و أوصلت الودائع إليه و هو يوافيكم إلى ثلاثة أيام من يومي هذا فاسألوه عما شئتم فابتدر الكلام عمرو بن هداب «1» عن القوم و كان ناصبيا ينحو نحو التزيد و الاعتزال فقال يا محمد إن الحسن بن محمد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه و زهده و علمه و سنه و ليس هو كشاب مثل علي بن موسى و لعله لو سئل عن شي‏ء من معضلات الأحكام لحار في ذلك فقال الحسن بن محمد و كان حاضرا
__________________________________________________
 (1) قال الفيروزآبادي: و هدبة بن خالد- و يعرف بهداب ككتان- محدث.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 74
في المجلس لا تقل يا عمرو ذلك فإن عليا على ما وصف من الفضل و هذا محمد بن الفضل يقول إنه يقدم إلى ثلاثة أيام فكفاك به دليلا و تفرقوا فلما كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا ع قد وافى فقصد منزل الحسن بن محمد داخلا له داره و قام بين يديه يتصرف بين أمره و نهيه فقال يا حسن بن محمد أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمد بن الفضل و غيرهم من شيعتنا و أحضر جاثليق النصارى و رأس الجالوت و مر القوم يسألوا عما بدا لهم فجمعهم كلهم و الزيدية و المعتزلة و هم لا يعلمون لما يدعوهم الحسن بن محمد فلما تكاملوا ثني للرضا ع وسادة فجلس عليها ثم قال السلام عليكم و رحمة الله و بركاته هل تدرون لم بدأتكم بالسلام قالوا لا قال لتطمئن أنفسكم قالوا من أنت يرحمك الله قال أنا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و ابن رسول الله ص صليت اليوم صلاة الفجر في مسجد رسول الله ص مع والي المدينة و أقرأني بعد أن صلينا كتاب صاحبه إليه و استشارني في كثير من أموره فأشرت عليه بما فيه الحظ له و وعدته أن يصير إلي بالعشي بعد العصر من هذا اليوم ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه و أنا واف له بما وعدته و لا حول و لا قوة إلا بالله فقالت الجماعة يا ابن رسول الله ص ما نريد مع هذا الدليل برهانا و أنت عندنا الصادق القول و قاموا لينصرفوا فقال لهم الرضا ع لا تتفرقوا فإني إنما جمعتكم لتسألوا عما شئتم من آثار النبوة و علامات الإمامة التي لا تجدونها إلا عندنا أهل البيت فهلموا مسائلكم فابتدأ عمرو بن هداب فقال إن محمد بن الفضل الهاشمي ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب فقال الرضا ع و ما تلك قال أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله و أنك تعرف كل لسان و لغة فقال الرضا ع صدق محمد بن الفضل فأنا أخبرته بذلك فهلموا فاسألوا قال فإنا نختبرك قبل كل شي‏ء بالألسن و اللغات‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 75
و هذا رومي و هذا هندي و فارسي و تركي فأحضرناهم فقال ع فليتكلموا بما أحبوا أجب كل واحد منهم بلسانه إن شاء الله فسأل كل واحد منهم مسألة بلسانه و لغته فأجابهم عما سألوا بألسنتهم و لغاتهم فتحير الناس و تعجبوا و أقروا جميعا بأنه أفصح منهم بلغاتهم ثم نظر الرضا ع إلى ابن هداب فقال إن أنا أخبرتك أنك ستبتلى في هذه الأيام بدم ذي رحم لك كنت مصدقا لي قال لا فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى قال ع أ و ليس الله يقول عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول «1» فرسول الله عند الله مرتضى و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه فعلمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة و إن الذي أخبرتك به يا ابن هداب لكائن إلى خمسة أيام فإن لم يصح ما قلت في هذه المدة «2» فإني كذاب مفتر و إن صح فتعلم أنك الراد على الله و رسوله و ذلك دلالة أخرى أما إنك ستصاب ببصرك و تصير مكفوفا فلا تبصر سهلا و لا جبلا و هذا كائن بعد أيام و لك عندي دلالة أخرى إنك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص قال محمد بن الفضل تالله لقد نزل ذلك كله بابن هداب فقيل له صدق الرضا أم كذب قال و الله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنه كائن و لكنني كنت أتجلد ثم إن الرضا التفت إلى الجاثليق فقال هل دل الإنجيل على نبوة محمد ص قال لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه فقال ع أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث فقال الجاثليق اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره قال الرضا ع فإن قررتك أنه اسم محمد و ذكره و أقر عيسى به‏
__________________________________________________
 (1) الجن: 27.
 (2) في المصدر و هكذا نسخة الكمباني زيادة «إلا» و هو سهو.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 76
و أنه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقر به و لا تنكره قال الجاثليق إن فعلت أقررت فإني لا أرد الإنجيل و لا أجحد قال الرضا ع فخذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد و بشارة عيسى بمحمد قال الجاثليق هات فأقبل الرضا ع يتلو ذلك السفر من الإنجيل حتى بلغ ذكر محمد فقال يا جاثليق من هذا الموصوف قال الجاثليق صفه قال لا أصفه إلا بما وصفه الله هو صاحب الناقة و العصا و الكساء النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الأقصد و المنهاج الأعدل و الصراط الأقوم سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله و كلمته هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي فأطرق الجاثليق مليا و علم أنه إن جحد الإنجيل كفر فقال نعم هذه الصفة من الإنجيل و قد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي و لم يصح عند النصارى أنه صاحبكم فقال الرضا ع أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل و أقررت بما فيه من صفة محمد فخذ علي في السفر الثاني فإني أوجدك ذكره و ذكر وصيه و ذكر ابنته فاطمة و ذكر الحسن و الحسين فلما سمع الجاثليق و رأس الجالوت ذلك علما أن الرضا ع عالم بالتوراة و الإنجيل فقالا و الله قد أتى بما لا يمكننا رده و لا دفعه إلا بجحود التوراة و الإنجيل و الزبور و لقد بشر به موسى و عيسى جميعا و لكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا فأما اسمه فمحمد فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته و نحن شاكون أنه محمدكم أو غيره فقال الرضا ع احتججتم بالشك فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد أو تجدونه في شي‏ء من الكتب الذي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد فأحجموا عن جوابه و قالوا لا يجوز لنا أن نقر لك بأن محمدا هو محمدكم لأنا إن أقررنا لك بمحمد و وصيه و ابنته و ابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرها
                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 77
فقال الرضا ع أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله و ذمة رسوله إنه لا يبدؤك منا شي‏ء تكره مما تخافه و تحذره قال أما إذ قد آمنتني فإن هذا النبي الذي اسمه محمد و هذا الوصي الذي اسمه علي و هذه البنت التي اسمها فاطمة و هذان السبطان اللذان اسمهما الحسن و الحسين في التوراة و الإنجيل و الزبور قال الرضا ع فهذا الذي ذكرته في التوراة و الإنجيل و الزبور «1» من اسم هذا النبي و هذا الوصي و هذه البنت و هذين السبطين صدق و عدل أم كذب و زور قال بل صدق و عدل ما قال إلا الحق فلما أخذ الرضا ع إقرار الجاثليق بذلك قال لرأس الجالوت فاسمع الآن يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود قال هات بارك الله عليك و على من ولدك فتلا الرضا ع السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود و لك من الأمان و الذمة و العهد ما قد أعطيته الجاثليق فقال رأس الجالوت نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم قال الرضا ع بحق العشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين في التوراة منسوبين إلى العدل و الفضل قال نعم و من جحدها كافر بربه و أنبيائه قال له الرضا ع فخذ الآن في سفر كذا من التوراة فأقبل الرضا ع يتلو التوراة و رأس الجالوت يتعجب من تلاوته و بيانه و فصاحته و لسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد قال رأس الجالوت نعم هذا أحماد و إليا و بنت أحماد و شبر و شبير و تفسيره بالعربية محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فتلا الرضا ع إلى تمامه فقال رأس الجالوت لما فرغ من تلاوته و الله يا ابن محمد لو لا الرئاسة التي‏
__________________________________________________
 (1) ما بين العلامتين ساقط من نسخة الكمباني، فراجع.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 78
حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد و اتبعت أمرك فو الله الذي أنزل التوراة على موسى و الزبور على داود ما رأيت أقرأ للتوراة و الإنجيل و الزبور منك و لا رأيت أحسن تفسيرا و فصاحة لهذه الكتب منك فلم يزل الرضا ع معهم في ذلك إلى وقت الزوال فقال لهم حين حضر وقت الزوال أنا أصلي و أصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت والي المدينة ليكتب جواب كتابه و أعود إليكم بكرة إن شاء الله قال فأذن عبد الله بن سليمان و أقام و تقدم الرضا ع فصلى بالناس و خفف القراءة و ركع تمام السنة و انصرف فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك فأتوه بجارية رومية فكلمها بالرومية و الجاثليق يسمع و كان فهما بالرومية فقال الرضا ع بالرومية أيما أحب إليك محمد أم عيسى فقالت كان فيما مضى عيسى أحب إلي حين لم أكن عرفت محمدا فأما بعد أن عرفت محمدا فمحمد الآن أحب إلي من عيسى و من كل نبي فقال لها الجاثليق فإذا كنت دخلت في دين محمد فتبغضين عيسى قالت معاذ الله بل أحب عيسى و أومن به و لكن محمدا أحب إلي فقال الرضا ع للجاثليق فسر للجماعة ما تكلمت به الجارية و ما قلت أنت لها و ما أجابتك به ففسر لهم الجاثليق ذلك كله ثم قال الجاثليق يا ابن محمد هاهنا رجل سندي و هو نصراني صاحب احتجاج و كلام بالسندية فقال له أحضرنيه فأحضره فتكلم معه بالسندية ثم أقبل يحاجه و ينقله من شي‏ء إلى شي‏ء بالسندية في النصرانية فسمعنا السندي يقول ثبطى ثبطى ثبطلة فقال الرضا ع قد وحد الله بالسندية ثم كلمه في عيسى و مريم فلم يزل يدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسندية أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ثم رفع منطقة كانت عليه فظهر من تحتها زنار في وسطه فقال اقطعه أنت بيدك يا ابن رسول الله فدعا الرضا ع بسكين فقطعه ثم قال لمحمد بن الفضل الهاشمي خذ السندي إلى الحمام و طهره و اكسه و عياله و احملهم جميعا إلى المدينة
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 79
فلما فرغ من مخاطبة القوم قال قد صح عندكم صدق ما كان محمد بن الفضل يلقي عليكم عني قالوا نعم و الله لقد بان لنا منك فوق ذلك أضعافا مضاعفة و قد ذكر لنا محمد بن الفضل أنك تحمل إلى خراسان فقال صدق محمد إلا «1» أني أحمل مكرما معظما مبجلا: قال محمد بن الفضل: فشهد له الجماعة بالإمامة و بات عندنا تلك الليلة فلما أصبح ودع الجماعة و أوصاني بما أراد و مضى و تبعته حتى إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق فصلى أربع ركعات ثم قال يا محمد انصرف في حفظ الله غمض طرفك فغمضته ثم قال افتح عينيك ففتحتهما فإذا أنا على باب منزلي بالبصرة و لم أرى الرضا ع قال و حملت السندي و عياله إلى المدينة في وقت الموسم: قال محمد بن الفضل: كان فيما أوصاني به الرضا ع في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك و أعلمهم أني قادم عليهم و أمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري فصرت إلى الكوفة فأعلمت الشيعة أن الرضا ع قادم عليكم فأنا يوما عند نصر بن مزاحم إذ مر بي سلام خادم الرضا فعلمت أن الرضا ع قد قدم فبادرت إلى دار حفص بن عمير فإذا هو في الدار فسلمت عليه ثم قال لي احتشد من طعام تصلحه للشيعة فقلت قد احتشدت و فرغت مما يحتاج إليه فقال الحمد لله على توفيقك فجمعنا الشيعة فلما أكلوا قال يا محمد انظر من بالكوفة من المتكلمين و العلماء فأحضرهم فأحضرناهم فقال لهم الرضا ع إني أريد أن أجعل لكم حظا من نفسي كما جعلت لأهل البصرة و إن الله قد أعلمني كل كتاب أنزله ثم أقبل على جاثليق و كان معروفا بالجدل و العلم و الإنجيل فقال يا جاثليق هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء يعلقها في عنقه إذا كان بالمغرب فأراد المشرق فتحها فأقسم على الله باسم واحد من خمسة الأسماء أن تنطوي له الأرض فيصير من المغرب إلى المشرق و من المشرق إلى المغرب في لحظة فقال الجاثليق لا علم‏
__________________________________________________
 (1) في طبعة الكمباني «على أنى» و هو سهو.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 80
لي بها و أما الأسماء الخمسة فقد كانت معه يسأل الله بها أو بواحد منها يعطيه الله جميع ما يسأله قال الله أكبر إذا لم تنكر الأسماء فأما الصحيفة فلا يضر أقررت بها أم أنكرتها اشهدوا على قوله ثم قال يا معاشر الناس أ ليس أنصف الناس من حاج خصمه بملته و بكتابه و بنبيه و شريعته قالوا نعم قال الرضا ع فاعلموا أنه ليس بإمام بعد محمد إلا من قام بما قام به محمد حين يفضى الأمر إليه و لا يصلح للإمامة إلا من حاج الأمم بالبراهين للإمامة فقال رأس الجالوت و ما هذا الدليل على الإمام قال أن يكون عالما بالتوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن الحكيم فيحاج أهل التوراة بتوراتهم و أهل الإنجيل بإنجيلهم و أهل القرآن بقرآنهم و أن يكون عالما بجميع اللغات حتى لا يخفى عليه لسان واحد فيحاج كل قوم بلغتهم ثم يكون مع هذه الخصال تقيا نقيا من كل دنس طاهرا من كل عيب عادلا منصفا حكيما رءوفا رحيما غفورا عطوفا صادقا مشفقا بارا أمينا مأمونا راتقا فاتقا فقام إليه نصر بن مزاحم فقال يا ابن رسول الله ما تقول في جعفر بن محمد قال ما أقول في إمام شهدت أمة محمد قاطبة بأنه كان أعلم أهل زمانه قال فما تقول في موسى بن جعفر قال كان مثله قال فإن الناس قد تحيروا في أمره قال إن موسى بن جعفر عمر برهة من الزمان فكان يكلم الأنباط بلسانهم و يكلم أهل خراسان بالدرية و أهل روم بالرومية و يكلم العجم بألسنتهم و كان يرد عليه من الآفاق علماء اليهود و النصارى فيحاجهم بكتبهم و ألسنتهم فلما نفدت مدته و كان وقت وفاته أتاني مولى برسالته يقول يا بني إن الأجل قد نفد و المدة قد انقضت و أنت وصي أبيك فإن رسول الله ص لما كان وقت وفاته دعا عليا و أوصاه و دفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خص الله بها الأنبياء و الأوصياء ثم قال يا علي ادن مني فغطى رسول الله ص رأس علي ع بملاءة ثم قال له أخرج لسانك فأخرجه‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏49، ص: 81
فختمه بخاتمه ثم قال يا علي اجعل لساني في فيك فمصه و ابلع عني «1» كل ما تجد في فيك ففعل علي ذلك فقال له إن الله قد فهمك ما فهمني و بصرك ما بصرني و أعطاك من العلم ما أعطاني إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي ثم كذلك إمام بعد إمام فلما مضى موسى علمت كل لسان و كل كتاب «2».







اخبار غیبی امام رضا علیه السلام به مأمون-اشبه الناس بامه-ایجاد شده توسط: حسن خ


فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است