بسم الله الرحمن الرحیم

توصیه سید قده در اقبال برای آداب روز عاشورا-ما ينبغي ان يكون الإنسان عليه يوم عاشوراء من الأسباب التي تقربه

السبط الشهیدعلیه السلام
عاشورا



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة) ؛ ج‏3 ؛ ص80
فصل (16) فيما نذكره مما ينبغي ان يكون الإنسان عليه يوم عاشوراء من الأسباب التي تقربه إلى الله جل جلاله و إلى رسوله صلوات الله عليه و آله‏
اعلم انا قد قدمنا من آداب يوم عاشوراء و العبادات فيه، ما فيه كفاية لمن اطلع على معانيه و عمل فيها بما يقربه إلى الله جل جلاله و مراضيه، و لكنا نذكر في هذا الفصل ما يفتحه الله جل جلاله من زيادة استظهار لتحصيل السعادة، فنقول:
______________________________
(1) سوار بن أبي خير (خ ل).
(2) المرتب (خ ل)، أقول: المرثث بصيغة المفعول الذي حمل من المعركة رثيثا، أي جريحا و به رمق.
(3) عنه البحار 45: 64- 74، 101: 269- 274، أورده في مصباح الزائر: 148- 151، المزار الكبير: 162- 164.
(4) عنه البحار 98: 343.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 81
ان أقل مراتب يوم عاشوراء ان تجعل قتل مولانا «1» الحسين صلوات الله عليه، و قتل من قتل معه من الأهل و الأبناء مجرى والداك أو ولدك، أو بعض من يعز عليك، فكن في يوم عاشوراء كما كنت تكون عند فقدان أخص أهلك به و أقربهم إليك، فأنت تعلم ان موت أحد من أعزتك ما فيه ظلم لك و لا لهم و لا كسر حرمة الإسلام و لا كفر الأعداء لحرمتك.
و اما الحسين عليه السلام فإن الذي جرى عليه و على جماعته و من يعز عليه، جرى فيه ما قد شرحنا بعضه من هتك حرمات الإسلام و ذل مقامات أهل العقول و الافهام، و دروس معالم الدين و شماتة أعداء المسلمين.
فاجتهد ان يراك الله جل جلاله ان كلما يعز عليه يعز عليك، و ان يراك رسوله عليه السلام ان كلما هو إساءة إليه فهو إساءة إليك، فكذا يكون من يريد شرف الوفاء لله جل جلاله و لرسول الله صلوات الله عليه و لخاصته، و كذا يكون من يريد ان يكون الله جل جلاله و رسوله و أوليائه عليه و عليهم السلام معه عند نكبته أو حاجته أو ضرورته، فإنه إذا كان معهم في الغضب و الرضا و اللذة و السرور كانوا معه عند مثل تلك الأمور.
أقول: و اما ان كنت صاحب معرفة بالله جل جلاله و خواص عباده و تتقي الله جل جلاله في اتباع مراده، فإنك لا تقنع ان يكون حالك يوم عاشوراء مثل حالك عند فقد الإباء و الأبناء، بل على قدر منزلة الحسين صلوات الله عليه و آله و ذريته و عترته عند الله جل جلاله و عند جدهم صلوات الله عليه في المواساة عند تلف ما يقوم مقام مهجته، و على قدر المصيبة في الإسلام و ذهاب حرمته.
أقول: و
روينا بإسنادنا إلى مولانا علي بن موسى الرضا عليه السلام انه قال: من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا و الآخرة، و من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه و سروره و قرت بنا في الجنة عينه، و من سمى يوم عاشوراء يوم بركة و ادخر لمنزله فيه شيئا
______________________________
(1) مولاك (خ ل).



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 82
لم يبارك له فيما ادخر، و حشر يوم القيامة مع يزيد و عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد لعنهم الله في أسفل درك من النار! «1»
فهذا ما أردنا ذكره من أحوال المواساة في أهوال قتل ائمة النجاة، و لم نستوف كلما توجه من حقوقهم المعظمة في الحياة و بعد الوفاة.
أقول: و إذا عزمت على ما لا بد منه من الطعام و الشراب بعد انقضاء وقت المصاب فقل ما معناه:
اللهم إنك قلت‏ «و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون» «2»، فالحسين صلوات الله عليه و على أصحابه عندك الان يأكلون و يشربون، فنحن في هذا الطعام و الشراب بهم مقتدون.
أقول: و سأذكر تعزية لمولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، كتبها إلى بني عمه رضوان الله عليهم لما حبسوا، ليكون مضمونها تعزية عن الحسين عليه السلام و عترته و أصحابه رضوان الله عليهم.
رويناها بإسنادنا الذي ذكرنا من عدة طرق إلى جدي أبي جعفر الطوسي، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان و الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أبي عمير، عن إسحاق بن عمار.
و رويناها أيضا بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي، عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن سعيد بن موسى الأهوازي، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن الحسن القطراني، قال: حدثنا حسين بن أيوب الخثعمي، قال: حدثنا صالح بن أبي الأسود، عن عطية بن نجيح بن المطهر الرازي و إسحاق بن عمار الصيرفي، قالا معا: ان أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام كتب إلى عبد الله بن الحسن رضي الله عنه حين حمل هو و أهل بيته يعزيه عما صار إليه:
______________________________
(1) عنه البحار 98: 343، رواه في عيون اخبار الرضا عليه السلام 2: 299، أمالي الصدوق: 112.
(2) آل عمران: 169.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 83
بسم الله الرحمن الرحيم إلى الخلف الصالح و الذرية الطيبة من ولد أخيه و ابن عمه، اما بعد فلان كنت تفردت أنت و أهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن و الغبطة و الكآبة و أليم وجع القلب دوني، فلقد نالني من ذلك من الجزع و القلق و حر المصيبة مثل ما نالك، و لكن رجعت إلى ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر و حسن العزاء حين يقول لنبيه صلى الله عليه و آله‏ «و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا» «1».
و حين يقول‏ «فاصبر لحكم ربك و لا تكن كصاحب الحوت.» «2» و حين يقول لنبيه صلى الله عليه و آله حين مثل بحمزة «و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين» «3»، و صبر صلى الله عليه و آله و لم يتعاقب.
و حين يقول‏ «و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك و العاقبة للتقوى.» «4».
و حين يقول‏ «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون.» «5».
و حين يقول‏ «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.» «6».
و حين يقول لقمان لابنه‏ «و اصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور» «7».
و حين يقول عن موسى‏ «قال موسى لقومه استعينوا بالله و اصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين.» «8»
______________________________
(1) الطور: 48.
(2) القلم: 48.
(3) النحل: 126.
(4) طه: 132.
(5) البقرة: 156.
(6) الزمر: 10.
(7) لقمان: 17.
(8) الأعراف: 128.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 84
و حين يقول‏ «الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر.» «1» و حين يقول‏ «ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة.» «2» و حين يقول‏ «و لنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين.» «3» و حين يقول‏ «و كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله و ما ضعفوا و ما استكانوا و الله يحب الصابرين.» «4» و حين يقول‏ «و الصابرين و الصابرات» «5».
و حين يقول‏ «و اصبر حتى يحكم الله و هو خير الحاكمين.» «6»، و أمثال ذلك من القرآن كثير.
و اعلم أي عم و ابن عم، ان الله جل جلاله لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط، و لا شي‏ء أحب إليه من الضر و الجهد و الاذاء مع الصبر، و انه تبارك و تعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط، و لو لا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه و يخيفونهم‏ «7» و يمنعونهم، و أعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون.
و لو لا ذلك ما قتل زكريا، و احتجب يحيى ظلما و عدوانا في بغي من البغايا.
و لو لا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب صلى الله عليه و آله لما قام بأمر الله جل و عز ظلما و عمك الحسين بن فاطمة صلى الله عليهما اضطهادا «8» و عدوانا.
و لو لا ذلك ما قال الله عز و جل في كتابه‏ «و لو لا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة و معارج عليها يظهرون.» «9»
______________________________
(1) العصر: 3.
(2) البلد: 17.
(3) البقرة: 155.
(4) آل عمران: 146.
(5) الأحزاب: 35.
(6) يونس: 109.
(7) يحيفونهم (خ ل)، من الحيف أي الجور و الظلم، و في البحار: يخوفونهم.
(8) اضطهده: قهره و جار عليه.
(9) الأحزاب: 33.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 85
و لو لا ذلك لما قال في كتابه‏ «يحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون» «1».
و لو لا ذلك لما جاء في الحديث: لو لا ان يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد لا يصدع رأسه ابدا.
و لو لا ذلك لما جاء في الحديث: ان الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
و لو لا ذلك ما سقى كافرا منها شربة من ماء.
و لو لا ذلك لما جاء في الحديث: لو ان مؤمنا على قلة جبل لا نبعث الله له كافرا أو منافقا يؤذيه.
و لو لا ذلك لما جاء في الحديث انه: إذا أحب الله قوما أو أحب عبدا صب عليه البلاء صبا، فلا يخرج من غم الا وقع في غم.
و لو لا ذلك لما جاء في الحديث: ما من جرعتين أحب إلى الله عز و جل ان يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا، من جرعة غيظ كظم عليها، و جرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء و احتساب.
و لو لا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله يدعون على من ظلمهم بطول العمر و صحة البدن و كثرة المال و الولد.
و لو لا ذلك بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان إذا خص رجلا بالترحم عليه و الاستغفار استشهد.
فعليكم يا عم و ابن عم و بني عمومتي و اخوتي بالصبر و الرضا و التسليم و التفويض إلى الله جل و عز و الرضا و الصبر على قضائه و التمسك بطاعته و النزول عند أمره.
أفرغ الله علينا و عليكم الصبر، و ختم لنا و لكم بالأجر و السعادة، و أنقذكم و إيانا من كل هلكة، بحوله و قوته انه سميع قريب، و صلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي و أهل بيته‏ «2».
______________________________
(1) المؤمنون: 56.
(2) عنه البحار 47: 298- 301.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 86
أقول: و هذا آخر التعزية بلفظها من أصل صحيح بخط محمد بن علي بن مهجناب البزاز، تاريخه في صفر سنة ثمان و أربعين و أربعمائة، و قد اشتملت هذه التعزية على وصف عبد الله بن الحسن بالعبد الصالح و الدعاء عند جانبها له و ابن عمه بالسعادة و دلائل الصفا الراجح، و هذا يدل على ان هذه الجماعة المحمولين كانوا عند مولانا الصادق عليه السلام معذورين و ممدوحين و مظلومين و بحبه عارفين.
أقول: و قد يوجد في الكتب انهم كانوا للصادقين عليهم السلام مفارقين، و ذلك محتمل للتقية لئلا ينسب إظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة الطاهرين.
و مما يدلك على انهم كانوا عارفين بالحق و به شاهدين، ما
رويناه بإسنادنا إلى أبي العباس أحمد بن نصر بن سعد من كتاب الرجال مما خرج منه و عليه سماع الحسين بن علي بن الحسن و هو نسخة عتيقة بلفظه، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن سعيد الكندي قال: هذا كتاب غالب بن عثمان الهمداني و قرأت فيه، أخبرني خلاد بن عمير الكندي مولى آل حجر بن عدي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: هل لكم علم بآل الحسن الذين خرج بهم مما قبلنا، و كان قد اتصل بنا عنهم خبر فلم تحب ان نبدأه به؟ فقلنا: نرجو ان يعافيهم الله، فقال: و اين هم من العافية؟ ثم بكا حتى علا صوته و بكينا، ثم قال:
حدثني أبي عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام قالت: سمعت أبي صلوات الله عليه يقول: يقتل منك أو يصاب منك نفر بشط الفرات ما سبقهم الأولون و لا يدركهم الآخرون، و انه لم يبق من ولدها غيرهم‏ «1».
أقول: و هذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن عليه و عليهم السلام، و انهم مضوا إلى الله جل جلاله بشرف المقام و الظفر بالسعادة و الكرام.
و هذه ما رواه أبو الفرج الأصفهاني عن يحيى بن عبد الله الذي سلم من الذين تخلفوا في الحبس من بني حسن‏
فقال: حدثنا عبد الله بن فاطمة، عن أبيها، عن جدتها فاطمة
______________________________
(1) عنه البحار 47: 302.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 87
بنت رسول الله صلى الله عليه و آله قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله: يدفن من ولدي سبعة بشط الفرات لم يسبقهم الأولون و لم يدركهم الآخرون، فقلت:
نحن ثمانية، فقال: هكذا سمعت، فلما فتحوا الباب وجدوهم موتى و اصابوني و بي رمق و سقوني ماء و أخرجوني فعشت‏ «1».
و من الاخبار الشاهدة بمعرفتهم بالحق ما رواه أحمد بن إبراهيم الحسيني من كتاب المصابيح بإسناده ان جماعة سألوا عبد الله بن الحسن، و هو في المحمل الذي حمل فيه إلى سجن الكوفة، فقلنا: يا بن رسول الله محمد ابنك المهدي، فقال: يخرج محمد من هاهنا- و أشار إلى المدينة- فيكون كلحس الثور «2» انفه حتى يقتل، و لكن إذا سمعتم بالمأثور و قد خرج بخراسان و هو صاحبكم‏ «3».
أقول: لعلها بالموتور، و هذا صريح انه عارف بما ذكرناه.
و مما يزيدك بيانا ما
رويناه بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي عن جماعة، عن هارون بن موسى التلعكبري، عن ابن همام، عن جميل، عن القاسم بن إسماعيل، عن أحمد بن رياح، عن أبي الفرج أبان بن محمد المعروف بالسندي، نقلناه من أصله قال: كان أبو عبد الله عليه السلام في الحج في السنة التي قدم فيها أبو عبد الله عليه السلام تحت الميزاب و هو يدعو، و عن يمينه عبد الله بن الحسن، و عن يساره حسن بن حسن، و خلفه جعفر بن حسن قال: فجاءه عباد بن كثير البصري، قال: فقال له: يا أبا عبد الله، قال: فسألت عنه حتى قالها ثلاثا، قال: ثم قال له: يا جعفر، قال: فقال له: قل ما تشاء يا أبا كثير، قال: اني وجدت في كتاب لي علم هذه البينة رجل ينقضها حجرا حجرا.
قال: فقال له: كذب كتابك يا أبا كثير و لكن كأني و الله صفر القدمين خمش‏
______________________________
(1) مقاتل الطالبيين: 193، عنه البحار 47: 302.
(2) في الأصل: كلحش، ما أثبتناه من البحار، أقول: كلحس الثور- بالسين المهملة- كناية عن قتله الناس و تزكية الأرض من أوساخ الفسدة كما يلحس الثور أوساخ أنفه.
(3) عنه البحار 47: 302.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 88
الساقين ضخم البطن رقيق العنق ضخم الرأس على هذا الركن- و أشار بيده إلى الركن اليماني- يمنع الناس من الطواف حتى يتذعروا «1» منه، قال: ثم يبعث الله له رجلا مني- و أشار بيده إلى صدره- فيقتله قتل عاد و ثمود و فرعون ذي الأوتاد، قال: فقال له عند ذلك عبد الله بن الحسن: صدق و الله أبو عبد الله عليه السلام، حتى صدقوه كلهم جميعا «2».
أقول: فهل تراهم الا عارفين بالمهدي و بالحق اليقين، و لله متقين.
فصل: و مما يزيدك بيانا ما رواه ان بني الحسن عليه السلام ما كانوا يعتقدون فيمن خرج منهم انه المهدي صلوات الله عليه و آله و ان تسموا بذلك ان أولهم خروجا و أولهم تسميا بالمهدي محمد بن عبد الله بن الحسن عليه السلام، و قد ذكر يحيى بن الحسن الحسيني في كتاب الأمالي بإسناده عن طاهر بن عبيد، عن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن عليه السلام انه سئل عن أخيه محمد: أ هو المهدي الذي يذكر؟ فقال:
ان المهدي عدة من الله تعالى لنبيه صلوات الله عليه وعده ان يجعل من أهله مهديا لم يسم‏ «3» بعينه و لم يوقت زمانه، و قد قام أخي لله بفريضة عليه في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإن أراد الله تعالى ان يجعله المهدي الذي يذكر فهو فضل الله يمن به على من يشاء من عباده، و الا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره- و هذا آخر لفظ حديثه‏ «4».
و روي في حديث قبله بكراريس من الأمالي عن أبي خالد الواسطي ان محمد بن عبد الله بن الحسن قال: يا أبا خالد اني خارج و انا و الله مقتول- ثم ذكر عذره في خروجه مع علمه انه مقتول- و كل ذلك يكشف عن تمسكهم بالله و الرسول صلى الله عليه و آله.
______________________________
(1) تذعر: تخوف.
(2) عنه البحار 47: 303، 51: 149.
(3) لم يسمه (خ ل).
(4) عنه البحار 47: 303.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 89
و روي حديث علم محمد بن عبد الله بن الحسن انه يقتل أحمد بن إبراهيم في كتاب المصابيح في الفصل المتقدم.
فصل (17) فيما نذكره مما يختم به يوم عاشوراء و ما يليق ان يكون بعده بحسب ما أنت عليه من الوفاء
اعلم ان أواخر النهار يوم عاشوراء كان اجتماع حرم الحسين عليه السلام و بناته و أطفاله في أسر الأعداء، و مشغولين بالحزن و الهموم و البكاء، و انقضى عنهم آخر ذلك النهار، و هم فيما لا يحيط به قلمي من الذل و الانكسار، و باتوا تلك الليلة فاقدين لحمائهم و رجالهم و غرباء في إقامتهم و ترحالهم‏ «1»، و الأعداء يبالغون في البراءة منهم و الاعراض عنهم و إذلالهم، ليتقربوا بذلك إلى المارق‏ «2» عمر بن سعد، مؤتم أطفال محمد و مقرح‏ «3» الأكباد، و إلى الزنديق عبيد الله بن زياد، و إلى الكافر يزيد بن معاوية رأس الإلحاد و العناد.
حتى لقد
رأيت في كتاب المصابيح بإسناده إلى جعفر بن محمد عليه السلام قال:
قال لي أبي محمد بن علي: سألت أبي علي بن الحسين عن حمل يزيد له فقال:
حملني على بعير يطلع بغير وطاء، و رأس الحسين عليه السلام على علم، و نسوتنا خلفي على بغال أكف‏ «4»، و الفارطة خلفنا و حولنا بالرماح، ان دمعت من أحدنا عين قرع‏ «5» رأسه بالرمح، حتى إذا دخلنا دمشق صاح صائح: يا أهل الشام هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون‏ «6».
______________________________
(1) رحل رحيلا ترحالا: ترك.
(2) مارق: من خرج من الدين.
(3) قرحه: جرحه.
(4) الافك ج فك: الذي زاغ له عظم عن مركزه و معضلة.
(5) قرع: ضرب.
(6) اللعون (خ ل).



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 90
أقول: فهل جرى لأبيك و أمك من يعز عليك مثل هذا البلاء و الابتلاء الذي لا يجوز، و يهون عليك، و لا أحد من المسلمين و لا على من يعرف منازل أولاد الملوك و السلاطين.
أقول: فإذا كان أواخر نهار يوم عاشوراء فقم قائما «1» و سلم على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و على مولانا أمير المؤمنين و على مولانا الحسن بن علي و على سيدتنا فاطمة الزهراء و عترتهم الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، و عزهم على هذه المصائب بقلب محزون و عين باكية و لسان ذليل بالنوائب، ثم اعتذر إلى الله جل جلاله و إليهم من التقصير فيما يجب لهم عليك و ان يعفو عما لم تعمله مما كنت تعمله مع من يعز عليك، فإنه من المستبعد ان تقوم في هذا المصاب الهائل بقدر خطبه النازل.
و اجعل كلما يكون من الحركات و السكنات في الجزع عليه خدمة لله جل جلاله و متقربا بذلك إليه، و اسأل من الله جل جلاله و منهم ما يريدون أن يسأله منهم، و ما أنت محتاج إليه و ان لم تعرفه و لم تبلغ أملك إليه، فإنهم أحق ان يعطوك على قدر إمكانهم، و يعاملوك بما يقصر عنه سؤالك من إحسانهم.
أقول: و لعل قائلا يقول: هلا كان الحزن الذي يعملونه من أول عشر المحرم قبل وقوع القتل، يعملونه بعد يوم عاشوراء لأجل تجدد القتل.
فأقول: ان أول العشر كان الحزن خوفا مما جرت الحال عليه، فلما قتل صلوات الله عليه و آله دخل تحت قول الله تعالى:
«و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون» «2»، فلما صاروا فرحين بسعادة الشهادة وجب المشاركة لهم في السرور بعد القتل لتظفرهم بالسعادة.
فإن قيل: فعلام تجددون قراءة المقتل و الحزن كل عام؟
______________________________
(1) تائما (خ ل).
(2) آل عمران: 169- 170.



الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 91
فأقول: لان قرائته هو عرض قصة القتل على عدل الله جل جلاله ليأخذ بثأره كما وعد من العدل، و اما تجدد الحزن كل عشر و الشهداء صاروا مسرورين، فلانه مواساة لهم في أيام العشر حيث كانوا فيها ممتحنين، ففي كل سنة ينبغي لأهل الوفاء أن يكونوا وقت الحزن محزونين و وقت السرور مسرورين.
اعلم اننا ذكرنا ان يوم عاشوراء يكون على عوائد أهل المصائب في العزاء، و يمسك الإنسان عن الطعام و الشراب إلى آخر نهار يوم المصاب، ثم يتناول تربة شريفة و يقول من الدعوات ما قدمناه عند تنال المأكولات في غير هذا الجزء من المصنفات.
و نزيد على ما ذكرناه ان نقول:
اللهم إننا أمسكنا عن المأكول و المشروب حيث كان اهل النبوة في الحروب و الكروب، و اما حيث حضر وقت انتقالهم بالشهادة إلى دار البقاء و ظفروا بمراتب الشهداء و السعداء، و دخلوا تحت بشارات الآيات بقولك جل جلالك:
«و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون» «1».
فنحن لهم موافقون، فنتناول الطعام الان حيث انهم يرزقون في ديار الرضوان، مواساة لهم في الإمساك و الإطلاق، فاجعل ذلك سببا لعتق الأعناق و اللحاق لهم في درجات الصالحين، برحمتك يا ارحم الراحمين.
______________________________
(1) آل عمران: 169.
الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 92
الباب الثاني فيما نذكره من مهام ليلة إحدى و عشرين من محرم و يومها و يوم ثامن و عشرين منه‏
روينا ذلك بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رضوان الله عليه في كتاب حدائق الرياض الذي أشرنا إليه، فقال عند ذكر شهر محرم ما هذا لفظه‏
________________________________________
ابن طاووس، على بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة فى السنة (ط - الحديثة)، 3جلد، دفتر تبليغات اسلامى - قم، چاپ: اول، 1376ش.














توصیه سید قده در اقبال برای آداب روز عاشورا-ما ينبغي ان يكون الإنسان عليه يوم عاشوراء من الأسباب التي تقربه