شرح الاشارات، ج 1، ص218
و ما يجري مجرى المجربات الحدسيات و هي قضايا مبدأ الحكم بها حدس من النفس قوي جدا فزال معه الشك، و أذعن له الذهن فلو أن جاحدا جحد ذلك، لأنه لم يتول الاعتبار الموجب لقوة ذلك الحدس، أو على سبيل المذاكرة لم يتأت أن تحقق له ما تحقق عند الحادس مثل قضائنا بأن نور القمر من نور الشمس لهيئات تشكل النور فيه و فيها أيضا قوة قياسية و هي شديدة المناسبة للمجربات أقول: هي جارية مجرى المجربات في الأمرين المذكورين أعني تكرار المشاهدة و مقارنة القياس إلا أن السبب في المجربات معلومة السببية غير معلوم الماهية، و في الحدسيات معلوم بالوجهين، و إنما توقف عليه بالحدس لا بالفكر فإن المعلوم بالفكر هو العلم النظري فليس من المبادئ، و سيأتي الفرق بين الفكر و الحدس في النمط الثالث، و لما كان السبب غير معلوم في المجربات إلا من جهة السببية فقط كان القياس المقارن لجميع المجربات قياسا واحدا، و المقارن للحدسيات لا يكون كذلك فإنها أقيسة مختلفة حسب اختلاف العلل في ماهيتها، و الحدسيات أيضا يختلف بالقياس إلى الأشخاص كالمجربات و لا يمكن إثباته لغير الحادس و لذلك يعد من المبادئ.
المنطق(للمظفر)، ص 284
٥ـ الحدسيات
وهي قضايا مبدأ الحکم بها حدس من النفس قوي جدا يزول معه الشک ويذعن الذهن بمضمونها مثل حکمنا بأن القمر وزهرة وعطارد وسائر الکواکب السيارة مستفاد نورها من نور الشمس وان انعکاس شعاع نورها الى الارض يضاهي انعکاس الأشعة من المراة الى الاجسام التي تقابلها. ومنشأ هذا الحکم او الحدس اختلاف تشکلها عند اختلاف نسبتها من الشمس قربا وبعدا. وکحکمنا بأن الارض على هيئة الکرة وذلک لمشاهدة السفن مثلا في البحر اول ما يبدومنها أعاليها ثم تظهر بالتدريج کلما قربت من الشاطيء. وکحکم علماء الهيئة حديثا بدوران السيارات حول الشمس وجاذبية الشمس لها لمشاهدة اختلاف اوضاع هذه السيارات بالنسبة الى الشمس والينا على وجه يثير الحدس بذلک.
والحدسيات جارية مجري المجربات في الامرين المذکورين اعني تکرر المشاهدة ومقارنة القياس الخفي فانه يقال في القياس مثلا : هذا المشاهد من الاختلاف في نور القمر لو کان بالاتفاق او بأمر خارج سوي الشمس لما استمر على نمط واحد على طول الزمن. ولما کان على هذه الصورة من الاختلاف فيحدس
ص 285
الذهن ان سببه انعکاس اشعة الشمس عليه.
وهذا القياس المقارن للحدس يختلف باختلاف العلل في ماهياتها باختلاف الموارد وليس کذلک المجربات فان لها قياسا واحدا لا يختلف لأن السبب فيها غير معلوم الماهية الا من جهة کونه سببا فقط. وهذه الجهة لا تختلف باختلاف الموارد.
وذلک لأن الفرق بين المجربات والحدسيات أن المجربات انما يحکم فيها بوجود سبب ما وأن هذا السبب موجود في الشيء الذي تتفق له هذه الظاهرة دائما من غير تعيين لماهية السبب. اما في الحدسيات فانها بالاضافة الى ذلک يحکم فيها بتعيين ماهية السبب انه أي شيء هو وفي الحقيقة ان الحدسيات مجربات مع اضافة والاضافة هي الحدس بماهية السبب ولذا ألحقوا الحدسيات بالمجربات. قال الشيخ العظيم خواجا نصير الدين الطوسي في شرح الاشارات : «ان السبب في المجربات معلوم السببية غير معلوم الماهية وفي الحدسيات معلوم بالوجهين».
ومن مارس العلوم يحصل له من هذا الجنس على طريق الحدس قضايا کثيرة قد لا يمکنه اقامة البرهان عليها ولا يمکنه الشک فيها. کما لا يسعه أن يشرک غيره فيها بالتعليم والتلقين الا أن يرشد الطالب الى الطريق التي سلکها. فان استطاع الطالب بنفسه سلوک الطريق قد يفضيه الى الاعتقاد اذا کان ذا قوة ذهنية وصفاء نفس. فلذلک لو جحد مثل هذه القضايا جاحد فان الحادس يعجز عن اثباتها له على سبيل المذاکرة والتلقين ما لم يحصل للجاحد نفس الطريق الى الحدس.
وکذلک المجربات والمتواترات لا يمکن اثباتها بالمذاکرة والتلقين ما لم يحصل للطالب ما حصل للمجرب من التجربة وللمتيقن بالخبر من التواتر. ولهذا يختلف الناس في الحدسيات والمجربات والمتواترات وان کانت کلها من أقسام البديهيات. وليس کذلک الاوليات فان الناس في اليقين بها شرع سواء وکذلک المحسوسات عند من کانوا صحيحي الحواس. ومثلها الفطريات الآتي ذکرها.