المنطقیات للفارابی، ج 1، ص 266-271
و المعارف صنفان تصور و تصديق، و كل واحد فى هذين اما اتم و امّا انقض. و قد لخّص فيما تقدم امر ما نصل به الى كل واحد فى هذين الصنفين على الاطلاق. و لمّا كانت الامور التي بها تحصل لنا المعارف التامة غير التي تحصل بها المعارف التي هى انقص، و كانت الاقاويل التي يلخّص بها امر هذه على الاطلاق غير كافية فى الوقوف على ما يخص الاتم، و ما يخص الانقص؛ رأينا ان نردف ما سلف بتخليص ما يخص المعارف التامة و المعارف التي هى انقص، و نبتدى فى هذين بتبيين ما يخص المعارف التامة.
فالتصديق التام هو اليقين، و التصور التام هو تصور الشىء بما يلخص ذاته بنحو ما يخصه، و ذلك ان يتصور الشىء بما يدل عليه حده. [ب 137 ر] و نبتدى من هذين بتلخيص ما يخص التصديق التام، فنقول: ان التصديق فى الجملة هو ان يعتقد الانسان فى امر حكم عليه بحكم انه فى وجوده خارج الذهن على ما هو معتقد فى الذهن. و الصادق هو ان يكون الامر خارج الذهن، على ما يعتقد فيه بالذهن. فالتصديق قد يكون بما هو صادق فى الحقيقة و بما هو كاذب. و التصديق منه يقين و منه مقارب لليقين، و منه التصديق الذي يسمى سكون النفس الى الشىء و هو ابعد التصديقات عن اليقين. و التصديق بالكاذب، فلا يقع فيه يقين اصلا، بل انما يمكن اليقين فى التصديق بما هو صادق.
و اليقين هو [ح 61 پ] ان نعتقد فى الصادق الذي حصل التصديق به انه لا يمكن اصلا ان يكون وجود ما نعتقده فى ذلك الامر بخلاف ما نعتقده، و نعتقد مع ذلك فى اعتقاده هذا انّه لا يمكن غيره، حتى يكون بحيث اذا اخذ اعتقادا ما فى اعتقاده الأول كان عنده انّه لا يمكن غيره، و ذلك الى غير نهاية. و ما ليس بيقين فهو ان نعتقد فى ما حصل التصديق به انّه يمكن، او لا يمتنع ان يكون فى وجوده بخلاف ما نعتقد فيه. و المقارب من هذا اليقين، اما ان لا يشعر بمعانده او يشعر به، و يكون ما يشعر به بلغ من خفائه الى مقدار ما لا ينطق عنه، او الذي يعسر عناده. و سكون النفس هو التصديق بما يشعر بمعانده، و يمكن ان ينطق عنه. و سكون النفس ايضا يتفاضل بحسب قوة معاندة [ب 137 پ] و ضعفه. و التصديق المقارب لليقين هو التصديق الجدلى، و سكون النفس الى الشىء هو التصديق البلاغى و الامور المصدق بها التصديق المقارب لليقين، هى اما المشهورات و ما جرى مجراها، و اما اللازم عن قياسات الفت عن مقدمات مشهورة، و اما اللازم عن الاستقراء الذي لا يتيقن فيه استيفاء الجزئيات التي تصفّحت. و التي تسكن اليها النفس هى اما المقبولات، و اما اللازم عن قياس الّف عن مقبولات، و اما اللازم عن قياس الف من مقدمات ممكنة، و قد يقع ذلك ايضا عن امور آخر قد عدّدناها حيث بينا المخاطبات البلاغية. و المشهورات و المقبولات جميعا انما يقع التصديق بها فى الجملة عن الشهادة، غير ان المشهور هو ما يشهد به الجميع او الأكثر او من يجرى مجراهم. و المقبول هو ما شهد به واحد او جماعة مقبولون عند واحد او جماعة فقط. و ليس واحد من هذين يوقع اليقين، الا ان الثقة بما يتواطؤ عليه شهادة الجميع او لا اكثر اقوى و اكثر، مما يشهد به واحد او جماعة اقل. غير انه قد يتفق ان يكون فيما قبل عن الشهادات امر هو فى الحقيقة صادق، فيتفق فيه اليقين بالعرض. فيظنّ لذلك كثير من الناس ان الشهادات بذواتها توقع اليقين، لا بالعرض. و قوم آخرون كانهم شعروا بالشهادات انها لا توقع اليقين، و ظنوا فيما وقع به منها اليقين انه بامر إلهى، [ب 138 ر] و خاصة فيما سبيله ان بوقع سكون النفس.
و لنقل الان فى اليقين، و فيما يحصل عنه اليقين، فنقول: ان اليقين منه ضرورى، و منه غير ضرورى. فاليقين الضرورى هو ان يعتقد فيما لا يمكن ان يكون فى وجوده بخلاف ما هو عليه انه لا يمكن ان يكون بخلاف ما اعتقد اصلا، و لا فى حين ما. و غير الضرورى هو ما كان يقينا فى وقت ما فقط. اما الضرورى فانّه لا يمكن ان يتبدل فيصير كاذبا، بل يوجد دائما على ما هو حاصل فى الذهن من سلب وحده او ايجاب وحده. و اما غير الضرورى فانه يمكن ان يتبدّل فيصير كاذبا من غير نقص يحدث فى الذهن. و اليقين الضرورى انما يمكن ان يحصل فى الامور الدائمة الوجود، مثل ان الكل اعظم من الجزء، فان هذا الامر لا يمكن ان يتبدل. و اما غير الضرورى فانما يحصل فى المنتقلة المتبدلة الوجود، مثل اليقين بأنك قائم و ان زيدا فى الدار و اشباه ذلك. و الضرورى هو الذي مقابله [ح 62 ر] ممتنع فى الوجود. فمقابل اليقين غير - الضرورى كاذب ممكن الوجود، و مقابل الضرورى كاذب ممتنع الوجود، فاذن الكاذب منه محال، و منه ما ليس بمحال. و اليقين الضرورى و الوجود الضرورى ينعكسان فى اللزوم. فان ما يتيقن يقينا ضروريّا فهو ضرورى الوجود و ما هو ضرورى الوجود فاليقين التام به يقين ضرورى.
و لنترك المنظر هاهنا فى اليقين غير الضرورى. [ب 138 پ] فاليقين الضرورى قد يحصل عن قياس و قد يحصل لاعن قياس. و ما يحصل منه عن قياس فهو حاصل امّا بالذات و امّا بالعرض. و لنترك ايضا النظر فيما يوقع اليقين الضرورى بالعرض، مثال ذلك ان الانسان يمشى، و من يمشى فهو حيوان، فالإنسان اذا حيوان. و اليقين الضرورى الحاصل عن قياس لا بالعرض فانما يحصل عن مقدمتين قد تيقن بهما ايضا تيقنا ضروريّا. و ذلك اما لا عن قياس من اول امرهما، و اما ان يرجع بالتحليل الى مقدمات حصل بها اليقين الضرورى لا عن قياس. و المقدّمات التي تيقن بها هذا اليقين اما كلية و اما جزئية. و لنجعل نظرنا من هذه فى الكلّيّات وحدها، لانها هى التي تستعمل فى العلوم اكثر ذلك، و لان النظر فى الكلّيّات قد ينتظم الجزئيات.
الفصل الثاني القول فى البرهان و فى اصنافه فالمقدمات الكلّيّة الّتي بها يحصل اليقين الضرورى لاعن قياس صنفان: احدهما الحاصل بالطباع، و الثاني الحاصل بالتجربة.
و الحاصل بالطباع هو الذي حصل لنا اليقين به من غير ان نعلم من اين حصل و لا كيف حصل، و من غير ان نكون شعرنا فى وقت من الاوقات انا كنا جاهلين به، و لا ان نكون قد تشوّقنا معرفته، و لا جعلناه مطلوبا اصلا فى وقت من الاوقات، بل نجد انفسنا كانها فطرت عليه من اول كوننا، و كانه غريزى لنا لم نخل منه. و هذه تسمّى المقدمات الأول الطبيعية للانسان، و تسمى المبادى الأول و ليست بنا حاجة [ب 139 ر] فى هذا الكتاب الى ان نعرف كيف حصلت، و فى اين حصلت. لان جهلنا بجهة حصولها ليس يزيل اليقين بها، و لا ينقصه، و لا يعوقنا على ان نؤلّف عنها قياسا يوقع لنا اليقين باللازم عنها. و الجهة التي منها حصلت هذه المعارف الأول هى احد المطلوبات فى العلوم و الفلسفة. و ظاهر انا انما نصل الى اليقين بجهة وقوعها عن قياسات تؤلّف عن امثال هذه المقدمات. فان كانت هذه لا تصح او تعرف من اين وقف المعرفة بها، و كيف وقعت؛ لم يمكن ان نستعملها فى تبيين شىء اصلا. و جهات وقوعها ان كانت لا تعرف الا بهذه، و هذه لا يمكن ان تستعمل فى بيانها، لزم ان لا يوصل الى معرفة شىء اصلا. و لذلك غلط من الزم النظر فى جهات حصول هذه المقدمات فى المنطق. بل انما ينبغى ان يبلغ من معرفتها فى هذه الصناعة ان توصف و ترسم و تعدّد صنافها، و تعرف جهة استعمالها اجزاء مقاييس، و تبين كيف يرتقى اليها سائر المعارف. و قد اختلف آراء الناس فى جهات وقوعها، غير انه ليست بنا حاجة عند استعمالنا ايّاها [ح 62 پ] الى ان ندرى كيف حصلت، و من اين حصلت. الا انه يظهر فى حلّ هذه المقدمات الكليات ان اعيانها محسوسة. و لذلك قال قوم: انها حاصلة عن الحس. و قد يتبيّن هاهنا انّها و ان كانت حاصلة عن الحس فليس فى الحس وحده كفاية فى حصولها على التمام. من قبل انا ان كنا نقتصر منها على مقدار ما احسسناه و نحن انما [ب 139 پ]. احسسنا من اعيانها اعيانا محدودة العدد؛ لزم ان يكون ما يحصل لنا منها مقدمات جزئية لا كلية، و نحن نجدها قد حصلت كلّيّات، حتّى صرنا نحكم على موضوعات هذه المقدمات حكما عامّا، يشتمل على ما احسسناه و ما لم نحسه. فمن ذلك يتبين ان للنفس فعلا ما فى المحسوسات ازيد من احساسنا لها. و اذ كان تبين ذلك يعسر فى هذا الموضع، فلنخل عنه، و لنقتصر منها على المقدار الذي يخصّ بنا من امرها، ثم لا نبالى كيف ادركت، و هل ادراك النفس لها ادراك يخصها من غير ان نحس بجزئياتها. او انما تحصل لنا معرفتها متى تقدم لنا الاحساس بجزئياتها.
و الحاصلة بالتجربة هى المقدّمات الكليّة التي تيقّن بها هذا التيقّن عن تعمّد منّا للاحساس بجزئيّاتها، امّا قليل منها و اما كثير. فان التجربة هى ان نتصفح جزئيات المقدمات الكلية، و نتامل محمولها فى واحد واحد منها، و نتتبعه فى جميعها او فى اكثرها، الى ان يحصل لنا اليقين الضرورى، فان ذلك الحكم حكم على جميع ذلك النوع. و هى شبيهة الاستقراء، غير ان الفرق بينها و بين الاستقراء ان الاستقراء هو ما لم يحصل عنه اليقين الضرورى بالحكم الكلى، و التجربة هى ما يحصل عنها اليقين بالحكم الكلى. و كثير من الناس يبدّلون كل واحد فى هذين الاسمين بدل الاخر، الا انّا نحن لا نبالى كيف جرت العبارة عن هذين المعنيين. و نبيّن هاهنا ايضا ان النفس ليست تقتصر فى هذه على مقدار ما يتصفح منها، بل تحكم بعد التصفح بحكم عامّ يشمل ما قد تصفح [ب 140 ر] و ما لم يتصفح. و اما من اين يحصل لنا بعقب هذا التصفح هذا الحكم العام، فذلك كما قلنا ينبغى ان يرجأ امره، اذ لم يكن فى معرفته غناء فى اليقين الكائن به، و لا الجهل به يزيل اليقين بالمقدمات او ينقصه او يعوقنا عن استعمالها. و لنسم هذه المقدمات اوائل اليقين. و لنقل الان فى المعارف التي تحصل عن المقدمات الأول التي تيقّن بها هذا اليقين.
المنطقیات للفارابی، کتاب الحقائق، ص 509
و الخبر امّا عام، و امّا خاص. فالعامّ منه بما اتى من الاخبار المتواترة من الجهات المختلفة الاجناس و البلدان و الالسنة و الآراء على غير تواطؤ من الجماعات التي يجوز عليها التواطؤ على نقل الكذب. و الخبر الخاص ما لم يكن كذلك، بل كان المخبر به واحدا او جماعة متواطية عليه، فان خبر الجماعة مع التواطؤ يكون خاصّا. و الأول يجب تصديقه، و الثاني لا يجب تصديقه الاّ بعد النظر فى الاستدلال عليه.
الجمع بین رأیی الحکیمین، ص 81-82
(4) الاجماع حجة، لا سيما اذا كان اجماع العقلاء
فأما ان يكون رأي الجميع او الاكثرين، و اعتقادهم في هذين الحكيمين انهما المنظوران و الامامان المبرّزان في هذه الصناعة، سخيفا مدخولا؛ فذلك بعيد عن قبول العقل ايّاه و اذعانه له؛ اذ الموجود يشهد بضدّه. لانا نعلم يقينا انه ليس شيء من الحجج اقوى و انفع و احكم من شهادات المعارف المختلفة بالشيء الواحد، و اجتماع الآراء الكثيرة، اذ العقل، عند الجميع، حجّة. و لا جل ان ذا العقل ربما يخيّل اليه الشيء بعد الشيء، على خلاف ما هو عليه، من جهة تشابه العلامات المستدلّ بها على حال الشيء، احتيج الى اجتماع عقول كثيرة مختلفة. فمهما اجتمعت، فلا حجّة اقوى، و لا يقين احكم من ذلك. ثم لا يغرّنك وجود أناس كثيرة على آراء مدخولة؛ فانّ الجماعة المقلّدين لرأي واحد، المدّعين لامام يؤمّهم فيما اجتمعوا عليه، بمنزلة عقل واحد، و العقل الواحد ربما يخطئ في الشيء الواحد، حسب ما ذكرنا، لا سيما اذا لم يتدبّر الرأي الذي يعتقده مرارا، و لم ينظر فيه بعين التفتيش و المعاندة. و ان حسن الظنّ بالشيء او الاهمال في البحث، قد يغطي، و يعمي، و يخيّل. و اما العقول المختلفة، اذا اتفقت، بعد تأمّل منها، و تدرّب، و بحث، و تنقير و معاندة، و تبكيت، و اثارة الاماكن المتقابلة، فلا شيء اصحّ مما اعتقدته، و شهدت به، و اتفقت عليه. و نحن نجد الالسنة المختلفة متفقة بتقديم هذين الحكيمين؛ و في التفلسف بهما تضرب الامثال؛ و اليهما يساق الاعتبار؛ و عندهما يتناهى الوصف بالحكم العميقة و العلوم اللطيفة، و الاستنباطات العجيبة، و الغوص في المعاني الدقيقة المؤدية في كل شيء الى المحض و الحقيقة. و اذا كان هذا هكذا، فقد بقي ان يكون في معرفة الظانّين بهما ان بينهما خلافا في الاصول، تقصير. و ينبغي ان تعلم ان ما من ظن يخطأ، او سبب يغلط، الاّ وله داع اليه، و باعث عليه. و نحن نبين في هذه المواضع بعض الاسباب الداعية الى الظنّ بان بين الحكيمين خلافا في الاصول؛ ثم نتبع ذلك بالجمع بين رأييهما.
عیون الحکمة، ابن سینا، ص 10
فصل المقدمات التي منها تؤلّف البراهين هى المحسوسات كقولنا: الشمس مضيئة؛ و المجرّبات كقولنا: الشمس تشرق و تغرب، و السقمونيا تسهل الصفراء؛ و الأوّليات كقولنا: الكل أعظم من الجزء، و الأشياء المساوية لشىء واحد متساوية؛ و المتواترات كقولنا: إن مكة موجودة.
الشفاء، المنطق، مقدمه کتاب، ص 19
و مبادئ القياس كثيرة، يصعد بها ابن سينا إلى أربعة عشر صنفا، أخصها المخيّلات، و المحسوسات، و المجرّبات، و المتواترات، و الأوليّات، و الوهميات، و المشهورات، و المسلمات و المقبولات و المشبّهات و المظنونات ، و يحللها مبدأ مبدأ، مبينا خصائص كل واحد منها و أنسب موضع لاستعماله . و تمتاز مبادئ البرهان بأنها يقينية، أو بعبارة أخرى كلية و ضرورية، فهى صادقة صدقا شاملا فى كل زمان و مكان . و لا تتوفر هذه الشروط فيما ذكرنا من مبادئ القياس إلا فى الأوليات و المحسوسات و المجربات و المتواترات
الشفاء، المنطق، ص 63-65
و أما القسم الذي فيه التصديق فإما أن يكون التصديق به على وجه ضرورة أو على وجه تسليم لا يختلج في النفس معانده، أو على وجه ظن غالب. و الذي على وجه ضرورة، فإما أن تكون ضرورته ظاهرية - و ذلك بالحس أو بالتجربة أو بالتواتر - أو تكون ضرورته باطنية. و الضرورة الباطنية إما أن تكون عن العقل، و إما أن تكون خارجة عن العقل و لقوة أخرى غير العقل. فأما الذي عن العقل فإما أن يكون عن مجرد العقل، أو عن العقل مستعينا فيه بشيء. و الذي عن مجرد العقل فهو الأولي الواجب قبوله: كقولنا الكل أعظم من الجزء. و أما الذي عن العقل مع الاستعانة بشيء: فإما أن يكون المعين غير غريزي في العقل فيكون هذا التصديق واقعا بكسب فيكون بعد المبادي، و كلامنا في المبادي. و إما أن يكون المعين غريزيا في العقل أي حاضرا - و هو الذي يكون معلوما بقياس حده الأوسط موجود بالفطرة و حاضر للذهن. فكلما أحضر المطلوب مؤلفا من حدين أكبر و أصغر تمثل هذا الوسط بينهما للعقل من غير حاجة إلى كسبه. و هذا مثل قولنا: إن كل أربعة زوج: فإن من فهم الأربعة و فهم الزوج تمثل له أن الأربعة زوج، فإنه في الحال يتمثل أنه منقسم بمتساويين. و كذلك كلما تمثل للذهن أربعة، و تمثل الاثنان، تمثل في الحال أنها ضعفه لتمثل الحد الأوسط. و أما إذا كان بدل ذلك ستة و ثلاثون أو عدد آخر، افتقر الذهن إلى طلب الأوسط. فهذا القسم الأولى به أن يسمى مقدمة فطرية القياس .
و أما الذي هو خارج عن العقل فهو أحكام القوة الوهمية التي يحكم بها جزما و بالضرورة الوهمية إذا كانت تلك الأحكام في أمور ليس فيها للعقل حكم أولي. و تلك الأمور مع ذلك خارجة عن المحسوسات فيضطر الوهم النفس إلى حكم ضروري فيها كاذب، إذ يجعلها في أحكام ما يحس، مثل حكم النفس في أول ما يوجد مميزه ، و قبل أن تثقف بالآراء و النظر، أن كل موجود فهو في مكان أو في حيز مشار إليه، و أن الشيء الذي ليس في داخل العالم و لا في خارجه فليس بموجود. فإن النفس تحكم بهذا بالضرورة، و لا يكون العقل هو الموجب لهذا، و لكن يكون ساكتا عن هذا. ثم إذا نظر العقل النظر الذي يخصه، و ألف قياسات من مقدمات مشتركة القبول بين العقل و بين قوى أخرى - إن كان لها حكم في القبول و التسليم - أنتج أن للمحسوسات مبادئ مخالفة للمحسوسات. فإذا انتهى النظر إلى النتيجة مانعت القوة التي تحكم الحكم المذكور ، فيعلم أنها كاذبة ضرورة، و أن فطرتها و ضرورتها غير الضرورة العقلية، و إن كانت ضرورة قوية في أول الأمر. و أول ما يكذبها أنها نفسها لا تدخل في الوهم. و مع ذلك فإنه قد يصعب علينا التمييز بين الضرورتين، إلا أن ننظر في موضوع المطلوب و محموله. فإن كان شيئا أعم من المحسوس أو خارجا عنه، و كانت الضرورة تدعو إلى جعله على صورة محسوسة، لم نلتفت إليها بل نفرغ إلى الحجة. و الموجود و الشيء و العلة و المبدأ و الكلي و الجزئي و النهاية و ما أشبه ذلك كلها خارجة عن الأمور المحسوسة. بل حقائق النوعيات أيضا مثل حقيقة الإنسان فإنها مما لا يتخيل البتة و لا تتمثل في أوهامنا. بل إنما ينالها عقلنا. و كذلك كل حقيقة كلية من حقائق نوعيات الأمور الحسية فضلا عن العقلية كما سنبين ذلك في موضعه. فمبادئ البراهين التي من جنس المدركات [91 ب] بالضرورة من هذه التي تدرك و يصدق بها بالضرورة الحقيقية دون تلك الوهمية .
دانشنامه علائی، ص 112-115
محسوسات و اما مقدمات محسوسات - آن مقدّمات بوند - كه راستى ايشان بحسّ دانسته باشيم. چنان كه گوئيم آفتاب برايد، و فرو شود، و ماه بيفزايد و بكاهد. مجربات مجربات آن مقدّمات بوند - كه نه بتنهاء خرذ بشايد دانستن، و نه بتنها حسّ؛ و ليكن بهر دو شايد دانستن. چنان كه چون حسّ از چيزى هر بارى فعلى بيند يا او را حالى بيند ، و همه بارها چنان بيند ، داند خود كه نه از سبب اتّفاقست و الاّ هميشه نبودى ، و بيشترين حال نبودى. مثال وى چنان كه سوختن آتش، و اسهال كردن سقمونيا صفرا را، و هر چه باين ماند . متواترات اما متواترات آن مقدّماتى بود كه بگواهى بسيار كس درست شده بود مر خرد را . چنان كه دانستهايم، كه اندر جهان مصرست و بغداد هر چند نديدهايم . و شرط تواتر آنست - كه اندر وى، شك نيوفتد . و هر چيزى كه با وى شكّ تواند افتادن كس را، آن كس را هنوز تواتر نبود پس كسى را نرسد كه گويد - كه : بايد كه بدين چيز بگروى، - كه حكم وى، چون حكم ديگر چيز است؛ از آن كه بوى گرويدهاى - كه اگر چنان بودى - كه حكم وى چون حكم آن بودى، نتوانستيمى شكّ كردن، چنان كه اندر آن نتوانستيم. در تواتر بحقيقت خود يقين افكند . چنان كه مر . شنونده را حاجت نيايد كه اندر گويندگان تأمّل كند .
دانشنامه علائی، ص 128
پيدا كردن جايگاههاء اين مقدمات اولى - و محسوس - و تجربى - و متواتر و آنچه قياس وى اندر طبع بود، مقدمۀ قياس برهانى بود. و فايدۀ برهان يقين است، و پيدا كردن حق .
الاشارات، ص 123-
[الفصل الأوّل: إشارة إلى القضايا من جهة ما يصدّق بها و نحوه ]
[1] إشارة إلى القضايا من جهة ما يصدّق بها و نحوه أصناف القضايا المستعملة فيما بين القائسين و من يجري مجراهم، أربعة : «مسلّمات»، و «مظنونات» و ما معها، و «مشبّهات بغيرها»، و «مخيّلات». و المسلّمات إمّا «معتقدات»، و إمّا «مأخوذات» . و المعتقدات أصنافها ثلاثة: «الواجب قبولها»، و «المشهورات»، و «الوهميّات» (6). و الواجب قبولها : «أوّليّات»، و «مشاهدات»، و «مجرّبات» و ما معها من «الحدسيّات» و «المتواترات»، و «قضايا قياساتها معها».
[1 - الواجب قبولها] فلنبدأ بتعريف أنحاء الواجب قبولها، و أنواعها من هذه الجملة:
[أ - الأوّليّات] فأمّا «الأوّليّات» فهي القضايا التي يوجبها العقل الصريح لذاته و لغريزته، لا لسبب من الأسباب الخارجة عنه؛ فإنّه كلّما وقع للعقل التصوّر لحدودها بالكنه وقع له التصديق؛ فلا يكون للتصديق فيه توقّف، إلاّ على وقوع التصوّر و الفطانة للتركيب. و من هذه ما هو جليّ للكلّ، لأنّه واضح تصوّر الحدود. و منها ما ربما خفي و افتقر إلى تأمّل، لخفاء في تصوّر حدوده؛ فإنّه إذا التبس التصوّر التبس التصديق. و هذا القسم لا يتوعّر على الأذهان المشتعلة النافذة في التصوّر .
[ب - المشاهدات] و أمّا «المشاهدات» فكالمحسوسات، و هي القضايا التي إنّما نستفيد التصديق بها من الحسّ؛ مثل حكمنا بوجود الشمس، و كونها مضيئة؛ و حكمنا بأنّ النار حارّة . و كقضايا اعتباريّة بمشاهدة قوى غير الحسّ ، مثل معرفتنا بأنّ لنا فكرة، و أنّ لنا خوفا و غضبا؛ و أنّا نشعر بذواتنا، و بأفعال ذواتنا .
[ج - المجرّبات] و أمّا «المجرّبات» فهي قضايا و أحكام تتبع مشاهدات منّا تتكرّر، فتفيد إذ كارا بتكرّرها، فيتأكّد منها عقد قويّ لا يشكّ فيه. و ليس على المنطقيّ أن يطلب السبب في ذلك بعد أن لا يشكّ في وجوده، فربّما أوجبت التجربة قضاء جزما، و ربّما أوجبت قضاء أكثريّا. و لا تخلو عن قوّة مّا قياسيّة خفيّة ، تخالط المشاهدات. و هذا مثل حكمنا بأنّ الضرب بالخشب مولم. و إنّما تنعقد التجربة إذا أمنت النفس كون الشيء بالاتّفاق، و تنضاف إليه أحوال الهيأة، فتنعقد التجربة.
[د - الحدسيّات] و ممّا يجري مجرى المجرّبات «الحدسيّات» ، و هي قضايا مبدأ الحكم بها حدس من النفس قويّ جدّا، فزال معه الشكّ، و أذعن له الذهن. فلو أنّ جاحدا جحد ذلك، لأنّه لم يتولّ الاعتبار الموجب لقوّة ذلك الحدس، أو على سبيل المناكرة لم يتأتّ أن يتحقّق له ما تحقّق عند الحادس. مثل قضائنا بأنّ نور القمر من الشمس، لهيئات تشكّل النور فيه. و فيها أيضا قوّة قياسيّة، و هي شديدة المناسبة للمجرّبات
.[ه - المتواترات] و كذلك «القضايا التواتريّة» ، و هي التي تسكن إليها النفس سكونا تامّا ، يزول معه الشكّ - لكثرة الشهادات - مع إمكانه، بحيث تزول الريبة عن وقوع تلك الشهادات على سبيل الاتّفاق و التواطؤ. و هذا مثل اعتقادنا بوجود مكّة و وجود جالينوس و أقليدس و غيرهم. و من حاول أن يحصر هذه الشهادات في مبلغ عدد فقد أحال، فإنّ ذلك ليس متعلّقا بعدد يؤثر النقصان و الزيادة فيه، و إنّما الرجوع فيه إلى مبلغ يقع معه اليقين. فاليقين هو القاضي بتوافي الشهادات، لا عدد الشهادات . و هذه أيضا لا يمكن أن يقنع جاحدها ، أو يسكت بكلام .
[و - القضايا التي قياساتها معها] و أمّا «القضايا التي معها قياساتها» فهي قضايا إنّما يصدّق بها لأجل وسط، لكن ذلك الوسط ليس ممّا يعزب عن الذهن، فيحوج فيه الذهن إلى طلب؛ بل كلّما أخطر حدّ المطلوب بالبال خطر الوسط بالبال. مثل قضائنا بأنّ الاثنين نصف الأربعة.
التحصیل، ص 95-96
فصل (12) فى القضايا من جهة ما يصدّق بها و نحوه اصناف القضايا المستعملة فيما بين القائسين و من يجرى مجرى هم، مسلّمات، و مظنونات و ما معها ، و مشبّهات بغيرها، و مخيّلات. و المسلّمات امّا معتقدات و اما مأخوذات. و المعتقدات اصنافها ثلاثة: الواجب قبولها، و المشهورات، و الوهميّات. و الواجب قبولها اوّليّات، و مشاهدات، و مجرّبات، و ما معها من الحدسيّات و المتواترات، و قضايا قياساتها معها. فلنبدأ بتعريف انحاء الواجب قبولها و انواعها من هذه الجملة.
التحصیل، ص 97-98
و كذلك القضايا التّواتريّة، و هى الّتي تسكن اليها النّفس سكونا تامّا يزول معه الشك لكثرة الشهادات على سبيل الاتفاق بالتواطؤ، و هذا مثل اعتقادنا بوجود مكة و وجود جالينوس، و اقليدس، و غيرهم. و من حاول ان يحصر هذه الشهادات فى مبلغ عدد فقد احال، فانه ليس معلّقا بعدد يؤثّر النقصان و الزيادة فيه، و انّما الرجوع فيه الى مبلغ يقع معه اليقين، فاليقين هو القاضى بتوافى الشهادات، لا عدد الشهادات؛ و هذه ايضا لا يمكن ان يقنع جاحدها لو (او) يسكت بكلام. و ليس يحتاج فى التواترات الى التعبير عن من سمع منه الحكم. و بالجملة فلا بدّ فى التواتر من ان يكون فيه قوّة قياسيّة، فانّه اذا قال قائل انّ بغداد موجود يعتقد (معه) انّه ليس يقول عن غرض و تعصّب . و كلّ من يقول شيئا لا عن غرض و لا عن تعصّب معه فهو صحيح، و كلّ تواتر يحتاج الى ان يبيّن انّ الحكم فيه كالحكم فى غيره من المتواترات و حوول تصحيحه بهذه الحجّة لم يكن تواترا، فالمتواتر يغنى سماعه، و لا يحتاج فى تصحيحه الى مقايسة الى متواتر آخر.
التحصیل، ص 192-193
و البرهان من الجملة ما يكون مؤلّفا من يقينيّات لانتاج يقينىّ، و اليقين هو ان يتصوّران الشيء كذا و يتصوّر معه بالفعل و القوة القريبة من الفعل انّه لا يمكن ان لا يكون كذا، و اليقين بالحقيقة تابع لهذا التصوّر الثاني، لا انّه هو بعينه. و اليقينيّات إما اوّليّات، و إما تجربيّات، و إما محسوسات، و إما متواترات . و كل هذه يدخل فى البرهان
مجموعة مصنفات شیخ اشراق، ج 2، ص 39-41
الضابط السابع <فى موادّ الأقيسة البرهانيّة> (30) هو انّ العلوم الحقيقيّة لا يستعمل فيها الاّ البرهان ، و هو قياس مؤلّف من مقدّمات يقينيّة.
ثمّ ما نعلمه يقينا من المقدّمات امّا أن يكون «أوّليا» و هو الذى تصديقه لا يتوقّف على غير تصوّر الحدود ، و لا يتأتّى لأحد انكاره بعد تصوّر الحدود ، كحكمك بأنّ الكلّ أعظم من الجزء، و انّ الأشياء المساوية لشيء واحد بعينه متساوية، و انّ السواد و البياض لا يجتمعان فى محلّ واحد . أو يكون «مشاهدا» بقواك الظاهرة أو الباطنة، كالمحسوسات مثل انّ الشمس مضيئة، أو كعلمك بأنّ لك شهوة و غضبا ، و مشاهداتك ليست بحجّة على غيرك ما لم يكن له ذلك المشعر و الشعور. أو يكون «حدسيّا».
و الحدسيّات على قاعدة الاشراق لها أصناف : أوّلها «المجرّبات» و هى مشاهدات متكرّرة مفيدة بالتكرار يقينا تأمن النفس فيه عن الاتّفاق ، كحكمك بأنّ الضرب بالخشب مؤلم. و ليس هو من الاستقراء، و الاستقراء هو حكم على كلّى بما وجد فى جزئيّاته الكثيرة . فاذا كان الاستقراء عبارة عن هذا الحكم، فنعلم انّ حكمنا على كلّ انسان «بانّه اذا قطع رأسه لا يعيش» ليس الاّ حكما على كلّىّ بما صودف فى جزئيّاته الكثيرة، اذ لا مشاهدة للكلّ . و الاستقراء قد يفيد اليقين، اذا اتّحد النوع كما فى امثال المذكور . و اذا اختلف، قد لا يفيد اليقين كحكمك «بأنّ كلّ حيوان يحرّك لدن مضغه فكّه الأسفل» استقراء بما شاهدت. و يجوز أن يكون حكم ما لم تشاهده - كالتمساح - بخلاف ما شاهدته.
و من الحدسيّات «المتواترات» و هى قضايا يحكم بها الانسان لكثرة الشهادات يقينا ، و يكون الشيء ممكنا فى نفسه و تأمن النفس عن التواطؤ. و اليقين هو القاضى بوفور الشهادات، و ليس لنا أن نحصر عددها فى مبلغ معيّن، فربّ يقين حصل من عدد قليل. و للقرائن مدخل فى هذه الأشياء كلّها يحدس منها الانسان حدسا. و حدسيّاتك ليست حجّة على غيرك ، اذا لم يحصل له من الحدس ما حصل لك .
و كثيرا ما يحكم الوهم الانسانىّ بشيء و يكون كاذبا ، كانكاره لنفسه و للعقل و للموجود لا فى جهة ، و يساعد العقل فى مقدّمات ناتجة لنقيضه؛ فاذا وصل الى النتيجة، رجع عمّا سلّمه . و كلّ هومىّ يخالف العقل فهو باطل، و العقل لا يوجب ما يقتضى خلاف مقتضى آخر له.
مجموعه مصنفات شیخ اشراق، ج 4، لمحات، ص 176-177
المورد الثامن في أصناف القضايا [هي مواد الأقيسة ]: (36) منها: الواجب قبوله: و منه: «الأوليات» و هي التى يحكم بها عقل الإنسان لذاته دون حاجة إلى وساطة، و لا يكون التصديق بها متوقّفة إلاّ على التصور، فإذا حصل التصور تحكم دون بيان زائد كحكمك أنّ الكل أعظم من الجزء. و منه: «المشاهدات» و هي قضايا يحكم بها العقل باعتبار مشاهدة من القوة الظاهرة أو الباطنة، كحكمك بأنّ النار حارّ و أنّ لك غضبا و جوعا. و منه: «المجرّبات» و هي قضايا يحكم بها العقل لتكرر مشاهدات موجبة لليقين تأمن فيها النفس عن الاتفاق، و ربما ينضمّ إليه أحوال إلهية. و منه: «الحدسيات» و هي قضايا يحكم بها الحدس الإنساني حكما تذعن النفس لها كمن رأى بنيانا على كمال هيئة فحكم أنّها ما بناها إلاّ عالم بالبناء. و لا يشترط فيه التكرر. و منه: «المتواترات» و هي قضايا يحكم بها العقل يقينا لكثرة الشهادات، و يكون الشيء ممكنا في نفسه و تأمن النفس عن التواطي، و اليقين هو القاضي بتكامل الشهادات. و أخطأ من حصر مبلغ الشهادات في عدد، فكم من قضية حصل بها اليقين من عدد نزر، و كم من قضية يشهد بها أكثر منه و لم يحصل اليقين، و قد حكمنا يقينا بوجود مكّة و لم نعلم أنّه من أين حصل هذا اليقين، و حدسك و تجربتك ليست بحجة على غيرك. (37)
المعتبر فی الحکمة، ج 1، ص 204-206
فالقياس بعلم النتائج من المقدمات تصور القرائن فى القياسات فيلزم فيه تصديق النتيجة من تصديق المقدمات اذا كانت على صورة الاقتران المنتج فكان الكلام فيما مضى من ذلك فى كيفية انتقال الذهن من تصديقه بالمقدمات الى تصديقه بالنتيجة و لزوم هذا عن هذا كلزوم الجزاء عن الشرط فى القضية الشرطية التي يلزم وضع تاليها عن وضع مقدمها و صدقه عن صدقه فالتصديق يختلف فمنه تصديق مكتسب من تصديق يكتسب من تصديق حتى ينتهى الى تصديق لا يكتسب من تصديق قبله و فيه النظر الآن و هو السابق الذي به يكون العلم السابق الذي به يكون التعليم و التعلم الذهنى و تلك هى المقدمات الاوائل التي لم يكن التصديق بها نتيجة تصديق بغيرها على قرينة قياسية بل هى اوائل تكتسب بها من الطريق القياسى اشياء و لا تكتسب هى من ذلك الطريق باشياء غيرها و هذه الاوائل يختلف التصديق بها لاختلاف الاسباب الموجبة له فمنه ما هو اولى عند الذهن محكوم به بفطرة العقل فى القضية و محمولها و موضوعها بالايجاب و السلب و القياسات المؤلفة من هذه المقدمات و النتائج التي تنتج عنها تسمى برهانية و يسمى القياس الذي يؤلف عنها برهانا اذ نعنى بالبرهان الحجة التي تفيد العلم اليقين الذي لا شك فيه من العلم اليقين الذي لا شك فيه و القياس البرهانى ما كان من جملة القياسات المنتجة مؤلفا من هذه المقدمات فان القياس المؤلف من مقدمات لا ريب فيها بتأليف لا ريب فيه يفيد نتيجة يقينية الصدق لا ريب فيها و انما يرتاب بالنتيجة اما من لا يتصور ما قيل فى القياس المنتج و مقدماته و شكله و اما من يتصور ما قيل و لا يحصل له التصديق بشيء منه او من يحصل له التصديق بشيء منه و يشك فى شىء فيبقى فى نفسه من الشك فى النتيجة بقدر ما بقى فى نفسه من الشك فى القياس اما فى صدق مقدماته و اما فى صورة قرينته و اما من لا يشك فى شيء من ذلك فانه لا يشك فى النتيجة و لا يرتاب بها فهذا هو البرهان و القياسات و النتائج البرهانية فالمقدمات هى القضايا التي تؤلف منها القياسات لتحصل منها النتيجة التي هى المطلوب و النتيجة هى - قضية حصل العلم بها من جهة العلم بمقدمات تألفت على صورة قياسية فانتجها فكل مقدمة فى قياس اما ان تكون نتيجة عن مقدمات اخرى و اما ان لا تكون نتيجة عن مقدمات اخرى و التي تكون نتيجة فهى نتيجة و مقدمة نتيجة عن قياس تقدم و مقدمة لقياس يأتى و التي لا تكون نتيجة عن قياس و مقدمات اخرى تسمى اولية و منها تكون مبادى القياسات و اوائلها فالمقدمة التي تكون مبدأ فى القياسات لا تخلو من ان تكون مصدقا بها بوجه ما او غير مصدق بها و التي لا يصدق بها ان لم تجر مجرى ما يصدق به بوجه من الوجوه لم تصلح ان تكون مبدأ و مقدمة فى القياسات البتة و ان جرت مجرى المصدق بها بوجه ما صلحت مبدأ القياسات من تلك الجهة فالتى فيها التصديق لا تخلو من ان يكون التصديق بها على وجه ضرورة يقينية لا تلتفت النفس معه الى نقيض المصدق به البتة او على وجه ظن غالب تلتفت النفس الى نقيضه اقل من التفاتها اليه او على وجه تسليم و التي على وجه الضرورة اما ان تكون ضرورتها ضرورة العقل او ضرورة الحس او هما معا،
و ضرورة العقل هى ما كان الحكم فيها بغريزة النفس و فطرة العقل حتى متى تصور العاقل فيها حدى القضية بمفهومها حكم بفطرته فيها بايجاب احدهما للآخر او سلبه عنه كحكمنا بان الكل اعظم من الجزء و بان النقيضين لا يجتمعان على صدق و لا كذب فان الانسان اذا تصور معنى الكل و معنى جزئه و معنى الاعظم و الاصغر بدأ فحكم بفطرته ان الكل اعظم من جزئه و ان الجزء اصغر من كله و انه ليس بمساو له و لا الجزء اكبر من الكل و لا الكل اصغر من الجزء و اذا تصور معنى النقيضين و الصدق و الكذب و الاجتماع بدأ فحكم بفطرته ان النقيضين لا يجتمعان على صدق و لا كذب من غير حاجة الى دليل و لا توقف على حجة و لا انتظار لموافقة موافق و لا اعتبار لمخالفة مخالف.
و ضرورة الحس هى فيما كان من الحكم بمقتضى ما ادركه الحس فى المحسوسات كنور الشمس و ظلمة الليل و حرارة النار و برودة الثلج او جربه منها كاسهال السقمونيا للمرة الصفراء من ابدان الناس فان العقل يحكم فى ذلك بما ادركه الحس كما حكم بضرورة العقل من غير توقف،
و اما ضرورتهما معا فكالاخبار المسموعة من المتواترات التي يرتفع بالتواتر من الكثرة الشك فيها و التجارب المدركة من المتكررات التي يرفع التكرار و الاستمرار الشك فيها فان الحس يدرك ما قيل فيها من جهة السمع و البصر و العقل ينفى الشك فيها باعتبار التواتر من المخبرين المعتبرين و التكرار من التجارب فى المختلفين و المتفقين
المعتبر فی الحکمة، ج 1، ص 232
و انما تكون مقدمات البراهين كلها غير ذوات اوساط بينة بانفسها عند الذهن بفطرة العقل او بشهادة الحس و الاستقراء و التجربة و الاخبار المتواترة التي يبطل معها الشك و تنتفى اسباب الريبة و ما يقال من ان البرهان يبين الضروريات الدائمة بالضروريات الدائمة الكلية فغير لازم فى البرهان و انما هو الذي يكتسب اليقين الدائم فى الدائم و الموقت فى الموقت و الكلى فى الكلى و الجزئى فى الجزئى
البصائر النصیریة، ص 376-377
[المتواترات] و أما المتواترات: فهى القضايا التى يحكم بها بسبب اخبار جماعة عن أمر تنتفى الريبة عن تواطئهم و اتفاقهم على تلك الاخبار فتطمئن النفس إليها بحيث لو أرادت التشكك فيه امتنع عليها، و هذا مثل: «اعتقادنا بوجود مكة و مصر و بغداد و وجود نبينا محمد صلى اللّه عليه بسبب تواتر الشهادات» و كثرتها بحيث لم يبق للشك فيه امكان. و ليس لهذه الشهادات مبلغ معلوم يؤثر النقصان و الزيادة فى افادته اليقين بل المتبع فيه حصول اليقين فاذا حصل استدللنا به على كمال العدد لا أنا نستدل بالعدد على حصول اليقين. و هذه القضايا و ما قبلها من المجربات و الحدسيات لا يمكن أن تثبت على جاحدها، فان جحوده ان كان عن فكر فلا مطمع فى افحامه، و ان كان لانه لم يتول ما تولاه المجرب أو الحادس أو المتيقن بما تواتر عنده من الاخبار، فما لم يسلك الطريق المفضى به الى هذا اليقين كيف يسام اعتقاده. و لا يمكن أن يزال شك المتشكك فيها بالقياس على غيرها من المجربات و المتواترات، فان تكرر الاحساس قد تنعقد معه التجربة و اليقين المستفاد منها فى بعض الوقائع لبعض الاشخاص، و لا يحصل بمثلها له اليقين فى واقعة أخرى. و كذلك تواتر الشهادات قد يفيد اليقين فى بعض الوقائع و لا يفيد مثلها فى واقعة أخرى فلا يغنى الاستشهاد بتلك الوقائع المتيقنة مهما تخلف اليقين فى هذه.
البصائر النصریة، ص 388
و اليقينيات من جملة هذه الاوّليات و المشاهدات الباطنة و الظاهرة اذا لم يكن سبب مغلطا للحس من ضعف فيه أو معنى فى المحسّ من صغر أو حركة أو بعد أو قرب مفرط أو كثافة المتوسط و غير ذلك. و كذلك التجربيات اذا استجمعت الشرائط التى ذكرناها و كذلك المتواترات و القياسات الفطرية القياس و الوهميات الصادقة، و هذه موادّ القياس البرهانى لان المطلوب من البرهان هو اليقين.
معیار العلم، ص 222-224
فصل في بيان اليقين البرهان الحقيقي ما يفيد شيئا لا يتصور تغيره، و يكون ذلك بحسب مقدمات البرهان فانها تكون يقينية أبدية، لا تستحيل و لا تتغير أبدا، و أعني بذلك ان الشيء لا يتغير و ان غفل انسان عنه كقولنا: الكل أعظم من الجزء و الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية و أمثالها، فالنتيجة الحاصلة منها أيضا تكون يقينية، و العلم اليقيني هو ان تعرف ان الشيء بصفة كذا مقترنا بالتصديق بأنه لا يمكن ان لا يكون كذا، فإنك لو خطر ببالك امكان الخطأ فيه و الذهول عنه لم ينقدح ذلك في نفسك أصلا، فان اقترن به تجوز الخطأ و امكانه فليس بيقيني؛ فهكذا ينبغي ان تعرف نتائج البرهان، فان عرفته معرفة على حد قولنا فقيل لك خلافه حكاية عن أعظم خلق اللّه مرتبة و أجلهم في النظر و العقليات درجة، و أورث ذلك عندك احتمالا، فليس اليقين تاما، بل لو نقل عن نبي صادق نقيضه فينبغي أن يقطع بكذب الناقل أو بتأويل اللفظ المسموع عنه، و لا يخطر ببالك امكان الصدق، فان لم يقبل التأويل فشك في نبوة من حكى عنه، بخلاف ما عقلت ان كان ما عقلته يقينا فان شككت في صدقه لم يكن يقينك تاما . فان قلت: ربما ظهر لي برهان صدقه ثم سمعت منه ما يناقض برهانا قام عندي. فأقول: وجود هذا يستحيل كقول القائل لو تناقضت الاخبار المتواترة فما السبيل فيها كما لو تواتر وجود مكة و عدمها؟ فهذا محال، فالتناقض في البراهين الجامعة للشروط التي ذكرناها محال، فان رأيتها متناقضة فاعلم ان أحدهما أو كلاهما لم يتحقق فيه الشروط المذكورة فتفقد مظان الغلط و المثارات السبع التي فصلناها، و أكثر الغلط يكون في المبادرة الى تسليم مقدمات البرهان على انها أولية و لا تكون أولية، بل ربما تكون محمودة مشهورة أو وهمية،
شرح عیون الحکمة،ج 1، ص 209-211
النوع الرابع من المقدمات التي قيل: انها من المبادي: المتواترات. و هى كقولنا: ان «مكة» موجودة. و اعلم: أن «الشيخ» لم يستقصى فى شيء من كتبه الكلام فى حقيقة الخبر المتواتر. قال الشارح: للمتواتر شرطان: أحدهما: أن يكون المخبرون قد أخبروا عن وجود أمر محسوس. مثل أن يقولوا: رأينا محمدا. و سمعنا منه ادعاء النبوة. أما لو أخبروا عن أمر محسوس، لم يفد هذا الاخبار العلم. و ذلك لأن ذلك الأمر إن كان معلوم الصحة فى بديهة العقل، كانت صحته معلومة من بديهة العقل، لا من ذلك الخبر، و ان لم يكن معلوم الصحة فى بديهة العقل، لم يفد ذلك الاخبار علما. فان أهل المشرق و المغرب. لو اتفقوا على الاخبار عن حدوث العالم، لم يحصل العلم بذلك الا بالدليل. و الشرط الثاني: بلوغ المخبرين فى الكثرة الى حيث يمتنع اتفاقهم على الكذب. و اعلم: أنه ليس لتلك الكثرة حد معين. و ذلك أن كل عدد يفرض. فان العقل يحكم بأنه لما جاز الكذب على ذلك العدد بنقصان واحد، كذلك يجوز الكذب على ذلك العدد. و أنه لا يتفاوت حال هذا الجواز بسبب نقصان واحد و زيادته. و اذا عرفت هذا فنحن لا نستدل بحصول كمال العدد على حصول العلم، بل نستدل بحصول العلم على حصول كمال العدد. و هذان الشرطان كافيان فى حصوله، اذا قال المخبرون: نحن شاهدنا ذلك. فأما إن قالوا: نحن سمعنا أقواما آخرين أخبروا أنهم سمعوا أقواما آخرين أنهم أخبروا: انهم شاهدوا ذلك الأمر المحسوس. و ذلك مثل اخبار أهل عصرنا عن وجود موسى و عيسى و محمد - عليهم السلام - فهاهنا لا بد من شرط ثالث و هو أن نعلم أنه (هل) كان حال كل واحد من طبقات المخبرين فى الكثرة و امتناع الموافقة على الكذب، مثل حال هؤلاء الحاضرين؟ فهذا جملة الكلام فى ضبط شرائط التواتر.
و لقائل أن يقول: السؤال عليه من وجوه: السؤال الأول: أن خبر التواتر يدل على أنه كان قد حصل الاحساس لبعض الناس بذلك الشىء المخبر عنه. فالاخبار يدل على وجود ذلك الاحساس، و ذلك الاحساس يدل على وجود المحسوس، فالتواتر دليل الدليل. فكان جعل المتواترات قسما واقعا فى مقابلة المحسوسات خطأ.
السؤال الثاني: انا بينا أن أن التواتر لا يفيد العلم بوجود المحسوسات. و أنت تعلم أن المحسوسات أشخاص فاسدة، و تعلم أنه لا حد للكائنات الفاسدات، و لا برهان عليها. فكان دخول المتواترات فى صناعة الحد و البرهان قليل الفائدة.
السؤال الثالث: أنه لا نزاع فى أنه لا يمتنع اقدام كل واحد من أهل التواتر على الكذب. و لا نزاع فى أن أقدام بعضهم على الكذب لا يمنع من جواز اقدام غيره على الكذب. فاذا كان الجواز قائما فى حق كل واحد واحد، و ثبت أن الاجتماع غير مانع من ذلك، وجب أن يبقى ذلك الجواز حال الاجتماع، كما كان حاصلا حال الانفراد. و ذلك يفيد القطع بأنه لا يمتنع اقدام الكل على هذا الكذب. و مع هذا الجواز لا يبقى اليقين التام. السؤال الرابع: انه اما أن يقال: حصل فى الوجود عدد مخصوص يمتنع اطباقهم على الكذب، أو يقال: ليس الأمر كذلك. و الأول: باطل لأنه لا عدد بعينه الا و حال ذلك العدد نقصان واحد، أو اثنين (و نقصان واحد أو اثنين) مساوى لحاله فى جواز الاقدام على الكذب. و الثاني: يوجب القدح فى التواتر. و ذلك لأنه اذا لم يكن شيء من الأعداد المعينة، له صلاحية ايجاب هذا العلم، فحينئذ لا ندرى أن هذا الاعتقاد الذي حصل فى القلب أ هو ظن قوى أو علم يقينى؟ و حينئذ لا يبقى عليه تعويل. السؤال الخامس: هب أن أهل التواتر اذا قالوا: شاهدنا الشيء الفلانى أو سمعنا الكلام الفلانى، فانه يفيد العلم بحصوله. اما اذا قالوا: رأينا أقواما أخبروا أنهم رأوا اقواما آخرين اخبروا انهم شاهدوا الشيء الفلانى كاخبارنا عن لأشخاص الماضية فى القرون الخالية. فكيف يفيد مثل هذا الخبر علما يقينيا؟ و ذلك لأن هذا الخبر لا يفيد اليقين، الا (اذا) علمنا أن طبقات المخبرين فى كل عصر و زمان كان بالغا فى الكثرة الى حد يمتنع اتفاقهم على الكذب. لكن علمنا بأن المخبرين كانوا كذلك، علم بصفة من صفاتهم، و بحال من أحوالهم. و العلم بصفة الشيء مشروط بالعلم بذاته. فلما جهلنا ذوات أولئك الماضين، فكيف يمكننا أن نعلم أنهم بالغين فى الكثرة الى حيث يمتنع اتفاقهم على الكذب. و اذا لم نعلم هذه الصفة لم يكن خبرهم مفيدا للعلم. و معلوم أن اخبار هؤلاء الحاضرين مفرعة على أخبار أولئك الماضين. فاذا وقع الشك فى الأصل، فكيف يبقى اليقين فى الفرع؟ السؤال السادس: هب أن التواتر يفيد العلم الا أنا توافقنا على أنه ما لم تحصل هذه الشرائط المذكورة، لم يكن التواتر مفيدا للعلم. و اعتبار هذه الشرائط لا سبيل اليه إلا بمحض العقل، فلو لا أن العقل يراعى هذه الشرائط، و الا لما حصل العلم. فيرجع حاصل الأمر الى أن العقل استعان بحس السمع فى سماع ذلك الخبر، و استعان بحسن البصر فى أن رأى تلك الكثرة العظيمة فى عدد أولئك المخبرين. ثم اعتبر مقدمات أخرى عقلية مضانة الى هذا المسموع و هذا المبصر، ثم استنتج العلم من مجموع هذه الأمور. و حينئذ يظهر أن الحاكم بذلك الحكم هو العقل. فان بديهة العقل حكمت بأن صدور مثل هذا الخبر عن مثل هذا المخبر عنه، عن مثل هؤلاء المخبرين مع كثرتهم، يمتنع. الا اذا كانوا صادقين، و كان الحاكم بذلك هو بديهة العقل. و يرجع حاصل الكلام الى أن هذه المقدمة مقدمة بديهية أولية و اذا كان هذا قسما من أقسام الأوليات البديهيات، امتنع أن يقال: ان هذا قسم آخر مغاير للبديهيات. فهذا هو الكلام الملخص فى تقرير هذه المبادي. و اللّه اعلم. و رجع حاصل كلامنا الى أن مبدأ المبادي ليس الا المقدمات البديهية. و اللّه أعلم.
منطق الملخص، ص 344-345
فلنبحث الآن عن المقدمات التي هو أول الأوائل في التصديقات. و قد اتفقوا على أنّ مبادي البرهان إمّا أوليات، أو المشاهدات، أو المتواترات، أو المجريات، أو الحدسيات. أمّا الحدسيّات: فقد ذكروا في مثالها اعتقادنا أنّ نور القمر مستفاد من الشمس لما نشاهد من اختلاف أشكاله بحسب قربه و بعده من الشمس. و نحن نقول: العلم بأنّ القمر لمّا اختلفت تشكّلاته بحسب القرب و البعد من الشمس يقتضي أن يكون نوره مستفادا منها، إمّا أن يكون أوليّا، أو لا يكون. فإن كان أوليّا كان ذلك من العلوم البديهية، فلم يمكن جعله قسما آخر غير الأوّليات و قسيما لها. و لأنّا قد بيّنّا ضعف هذه المقدمة في الحكمة. و 4 إن لم يكن أوليّا و لا شك أنّه غير محسوس. فإنّ المحسوس. هو الأشكال المختلفة. فأمّا أنّ ذلك لأجل القرب و البعد من فغير محسوس. فحينئذ لا بدّ فيه من البرهان، لأنّه على هذا التقدير لا يكون الجزم حاصلا، و إذا كان كذلك لم يجز عدّها من المبادي. و أمّا المجربات: فحاصلها يرجع إلى الطرد و العكس، و هو أنّا رأينا حصول الإسهال عند تناول السقمونيا مرّة بعد أخرى. لكن ذلك لا يدلّ على الجزم. أمّا أوّلا فلأنّ ذلك يستند إلى مشاهدة حصول ذلك الأثر عند تناول ذلك الدواء الخاص. و سنبيّن أنّ الحس لا يعطي القضية الكلية اليقينية. و إن سلمنا أنّه يفيد الكلية، لكنّ الحكماء اتّفقت كلمتهم على أنّ الطرد و العكس لا يفيد اليقين، فكيف جعلوه الآن مقدمة يقينية؟ و لأنّها بتقدير كونها مفيدة لليقين، و لكن ذلك غير معلوم بالضرورة، بل لا بدّ فيه من الدلالة فلا يكون من المبادي المطلقة. و لأنّ حصول الحكم عند حصول الشيء المعيّن و انتفاؤه عند انتفائه لا يقتضي كونه معللا به إلاّ عند إبطال أمور، من جملتها الفاعل المختار. فإنّ مع القول به لا يستبعد أن يقال : إنّ الفاعل المختار أجرى سنته بخلق ذلك الأثر عند ذلك الشيء المعيّن من غير أن يكون له فيه أثر. و أمّا المتواترات: ففي كونها مفيدة للعلم إشكالات. و بتقدير التسليم فالأصح أنّ إفادتها العلم نظرية على ما بيّنّا هذين المقامين في أصول الفقه. و حينئذ لا يجوز عدّها من المبادي.
شرح التلویحات اللوحیة، ص 276
أقول: إنّ للمتواترات شرطا آخر غير شعور النفس بعدم امتناع تلك القضايا و غير أمن النفس من وقوع تواطؤ المخبرين لم يذكر في الكتاب، و هو أن يكون المخبرون تنتهي أخبارهم إلى أمر محسوس، فإنّه لو أطبق العالم على الإخبار بحدوث العالم أو قدمه مثلا، لما أفاد ذلك الإخبار يقينا؛ لأنّ إخبارهم عن أمر معقول لا محسوس. و ذهب بعض أرباب علم الكلام و جماعة من الفقهاء إلى أنّ من شرط التواتر أن يكون للشهادات مبلغ محصور في عدد مخصوص، إن نقصت عن ذلك العدد لم يفد اليقين؛ و إن بلغته أو زادت عليه كان مفيدا لذلك؛ كما حصر ذلك بعضهم في ثلاث مائة و ثلاثة عشر عدد أهل بدر كما روي؛ و بعضهم في أربعين و هم الذين لا يصحّ الجمعة بأقلّ منهم على مذهب بعض المجتهدين من الفقهاء؛ و أمثال ذلك من تحكّماتهم الباردة. و لهذا نبّه صاحب الكتاب على إبطال هذا الرأي بأنّ اليقين، هو الشاهد لكمال عدد التواتر؛ فمع أيّ عدد حصل اليقين فهو العدد التواتري - قلّ ذلك العدد أو كثر - و مع أيّ عدد قليلا كان أو كثيرا لم يحصل اليقين، فليس ذلك العدد تواتريا. ثمّ نبّه على فائدة قد يقع الغفول عنها كثيرا و هي أنّ اليقين الذي يحصل من التواتر و التجربة و الحدس، ربّما كان حصوله لبعض الناس دون بعض؛ فلا يفيد استعمال هذه القضايا الثلاث، في القياس الذي يقصد به إفحام الخصم أو الذي يراد به إفادة اليقين للغير؛ لجواز أن يكون ما حصل للمستدلّ منها من اليقين، غير حاصل لذلك الغير. و إذا لم يحصل له من مقدمات القياس يقين لم تتحصّل النتيجة يقينية أيضا؛ فإن حصل له منها اليقين كما حصل للمستدلّ، ثم أنكر ذلك على وجه المعاندة لم يكن لنا سبيل إلى إفحامه و تبكيته لعدم الطريق إلى كشف دعواه - عدم يقينيّتها له
تجرید المنطق، ص 52
و مبادئه القضايا التي يجب قبولها، و هي ستة: الأوليات: كالعلم بأن الكل أعظم من جزئه. و المحسوسات: أما الظاهرة - كالعلم بأن الشمس مضيئة - أو الباطنة - كالعلم بأن لنا فكرة -. و المجربات: كالعلم بأن السقمونيا يسهّل الصفراء. و المتواترات: كالعلم بوجود مكة. و الحدسيات: كالعلم بأن نور القمر مستفاد من الشمس إنما يحدسه الناظر في اختلاف تشكلاته بحسب اختلاف أوضاعه منها. و القضايا الفطرية القياس: كالعلم بأن الاثنين نصف الأربعة. و الأخيرتان ليستا من المبادىء، بل و اللتان قبلهما أيضا، و العمدة هي الأوليات.
شرح الاشارات، ج 1، ص 218-219
قوله: و كذلك القضايا التواترية و هي التي تسكن إليها النفس سكونا تاما يزول معه الشك لكثرة الشهادات مع إمكانه بحيث يزول الريبة عن وقوع تلك الشهادات على سبيل الاتفاق و التواطؤ و هذا مثل اعتقادنا بوجود مكة و وجود جالينوس و أقليدس و غيرهم. و من حاول أن يحصر هذه الشهادات في مبلغ عدد فقد أحال فإن ذلك ليس متعلقا بعدد يؤثر النقصان و الزيادة فيه، و إنما المرجوع، فيه إلى مبلغ يقع معه اليقين فاليقين هو القاضي بتوافي الشهادات لا عدد الشهادات، و هذه أيضا لا يمكن أن يقنع جاحدها أو يسكت بكلام أقول: الشهادات قد تكون قولية و قد لا تكون كالأمارات [1] و الرجوع فيه إلى حصول اليقين و زوال الاحتمال للوثوق بعدم مواطاة الشهداء و امتناع اجتماعهم على الكذب، و بعض الظاهريين من نقلة الحديث ذهبوا إلى أنه يحصل بشهادة أربعين من الثقات فرد الشيخ عليهم. و اعلم أن المتواترات أيضا يشتمل على تكرار و قياس إلا أن الحاصل بالتواتر هو علم جزئي من شأنه أن يحصل بالإحساس و لذلك لا يعتبر التواتر إلا فيما يستند إلى المشاهدة فحكم المتواترات حكم المحسوسات و لذلك لا يقع في العلوم بالذات.
اساس الاقتباس، ص 371-
فصل هفتم در حال مطلوبهائى كه آن را سببى نبود و حال استقراء و تجربه و ذكر مبادى برهان هر حكم كه آن را سببى نبود يقينى نتواند بود - چه موضوع قضيه چون اقتضاء وجوب حكم نكند - و اوسطى كه از جهت افادت حكم وضع كنند غير سبب باشد - لا محاله حكم به نظر با غير سبب ممكن بود نه واجب - پس يقينى نبود - و همچنانك قياس در اين موضع افادت يقين نكند - استقراء هم نكند - چه در استقراء جزويات موضوع كه مساوى او باشند - در دلالت متوسط شوند ميان محمول و موضوع - پس بثبوت حكم در هر يكى از جزويات با هم - بىسببى تواند بود يا بسببى - و اول بين بود يا نبود اگر بىسببى بود و بين بود - و در اكثر مواضع كه استقراء بكار دارند بر اين وجه بود - خالى نباشد از آنك - حكم در هر يكى از جزويات بحس معلوم شود يا بعقل - اگر بحس معلوم شود حكم يقينى دائم نبود - چه حكم حس بزمان احساس مخصوص باشد - و زوالش در غير آن زمان ممتنع نبود - و اگر بعقل بود خالى نبود از آنك - محمول هر يكى از جزويات موضوع را ذاتى مقوم بود يا عرضى - اگر ذاتى باشد لازم آيد كه ذاتى موضوع نيز بوده باشد - چه حكم بر همه جزويات كلى حكم بود بر طبيعت كلى - مگر كه موضوع مساوى آن جزويات نباشد بل عامتر بود - مانند حيوان كه موضوع بود - و ناطق كه ذاتى زيد و عمرو است - و عرضى حيوان محمول بود - ليكن عموم موضوع قادح باشد در صحت استقراء - اما چون موضوع مساوى جزويات باشد - چنانك شرط استقراء است - هر حكم كه بر همه جزويات كنند - بر طبيعت موضوع كرده باشند - پس ذاتى همه جزويات اگر نفس آن طبيعت نبود - ذاتى آن طبيعت بود - و ليكن در اين موضع نشايد كه محمول ذاتى موضوع بود - چه بر اين تقدير تصور موضوع مشتمل بود بر تصور محمول - پس حكم مطلوب نتواند بود ببيان از غايت وضوح - و اگر محمول عرضى مجموع جزويات بود - عروض او اول نوع جزويات را بوده باشد - يا چيزى را كه مقوم نوع باشد - مانند ضحك و حركت ارادى كه اشخاص انسان را عارض شود - و الا عارض همه جزويات نباشد - پس معروض اول سبب عروض محمول باشد جزويات را - و ما بىسبب فرض كردهايم و اين خلف باشد - و اگر ثبوت حكم در هر يكى از جزويات بىسببى بود و بين نبود - سخن در ثبوتش هر يكى از جزويات را - همان بود كه در ثبوتش موضوع را - و بيان بقياس يقينى نبود - و باستقرائى ديگر مؤدى بتسلسل بود - اما اگر ثبوت حكم را در جزويات سببى بود - آن سبب اول - مقتضى ثبوت حكم در موضوع بوده باشد كه اعم است - و بتوسط او در جزوياتش كه اخصند - پس حكم در موضوع بىتوسط جزويات ثابت بوده باشد - و اين خلف است اگر گويند - پس از اينجا لازم آيد كه تجربه هم افادت حكم يقينى نكند - چه حكم بر آنك سقمونيا مسهل صفرا است - بواسطه احساس بيكبار كه اين فعل كرده باشد حاصل شود - و اين هم استقرائى است - و شما مجربات را از مبادى برهان شمردهايد - و نيز اگر فرض كنيم كه در وقتى از اوقات - هيچ انسان جز زنگى موجود نبود - تجربه چنان اقتضاء كند كه انسان اسود باشد - و اين حكم باطل بود - گوئيم فرق است ميان استقراء و تجربه - و آن آنست كه - تجربه مشتمل است بر برهانى لمى پوشيده بخلاف استقراء - و آن آنست كه تكرار احساس به تاثير سقمونيا - مقتضى علم باشد بانك صدور اين فعل از او اتفاقى نيست - چه اتفاقى نه دايم بود نه اكثرى بل آن را سببى است - و سبب نشايد كه جسميت سقمونيا باشد - يا آنچه جارى مجرى آن باشد - و الا همه اجسام همين تاثير كردندى - پس مصدر آن تاثير امرى است خاص بسقمونيا - و علم بوجود سبب - از آن روى كه آن سبب سبب مسببى معين باشد - و اگر چه ماهيت سبب معلوم نباشد - در استلزام علم بوجود آن مسبب كافى بود - پس باين وجه حكم بانك سقمونيا مسهل صفرا است - حكمى كلى ضرورى است - مستفاد از علم بسببى كه مقتضى حكم است - و لا محاله چنين حكمها يقينى دائمى باشد - و در استقراء نه چنين است - و چون همه مجربات در اشتمال بر وجود سببى - بر اجمال و عدم علم بماهيت سبب بتفصيل اشتراك دارند - مجربات را در مبادى شمردهاند - يعنى قضايايى است كه در ثبوت آن - باقامت براهين مستانف احتياج نيست - و اگر چه بحقيقت از مبادى نيستند - و ببايد دانست كه در مجربات جملگى شرايط تجربه - و قرائنى كه در وقت تجربه بر سبيل استمرار يافته باشند - بضرورت اعتبار بايد كرد - چه هر حكم كلى كه مقيد بان اعتبارات و قراين صادق باشد - ممكن بود كه با اطلاق از آن قيود كاذب - چنانك در مثال سقمونيا - اگر حكم در مكان و زمان و ابدانى خاص يافته باشند - حكم به همان قيود مقيد باشد - چه باشد كه در غير آن صحيح نبود - و از اخذ ما بالعرض مكان ما بالذات احتراز بايد كرد - تا در غلط نيفتد چنانك در مغالطات بيان كرده آيد - و باشد كه در بعضى مجربات - تفصى از فرق ميان اعتبارات واجب و غير واجب متعذر بود - و بان سبب حكم در معرض تخطئه باشد و يقينى نبود - و هم باين بيان معلوم شد كه - در آن وقت كه بالفرض انسان جز زنگى نبود - چون حكم كنند كه هر انسانى كه ببلاد زنگ باشد اسود بود - حكم يقينى بود - پس حكم مجربات هر چند كلى است اما كلى مطلق نيست - بل كلى مقيد است بشروط و اعتبارات - و حس نيز چنانك گفته آمد افاده يقينى دائم نكند - بسبب عدم وجوب حكم در غير وقت احساس - مگر كه مقارن سببى بود چنانك در مجربات گفته آمد - مانند حكم بسواد غراب - چه اين حكم مقارن حكم باشد بانك غراب را مزاجى ذاتى است - كه اقتضاء سياهى ظاهر جسم او مىكند - و الا اين حكم دايم نبودى - پس حكمش حكم مجربات بود - و از اين بحث معلوم شد كه حس بانفراد اقتضاء رايى كلى نكند - و تجربه اگر چه اقتضاء رايى كلى كند - اما اقتضاء كلى مطلق نكند - و استقراء اقتضاء ظنى غالب بيش نكند - و متواترات راجع بود با حكم باحساس غيرى - پس حكمش حكم محسوسات بود - و اما آن استقراء و تجربه - كه مقتضى اقتناص رايى كلى يقينى مطلق باشد - در مبادى فطرت - بوقت اكتساب معقولات اولى از قبيل معدات نفس باشد - در قبول آن راى - مانند شهادات در متواترات - نه از قبيل طريق اكتساب معقولات نظرى بر سبيل استلزام - چنانك حالش ياد كنيم - پس منطقى را از آن انتفاعى نبود در اين موضع - و معلوم شد كه معظم اعتمادى در مبادى براهين بر اوليات است - كه مفيد راى كلى يقينى مطلق است
اساس الاقتباس، ص 345-346
و در تصديقات مقدماتى كه آن را مبادى قياسات خوانند - و بر اطلاق شانزده صنف است - ا محسوسات چنانك آفتاب روشن است - ب مجربات چنانك ضرب خشب مولم است - ج متواترات چنانك بغداد موجود است - بنسبت با كسى كه آنجا نرسيده باشد - يا چنانك سقراط موجود بوده است - و اعتبار در اين دو صنف حصول يقين را بود - نه كثرت امتحان يا عدد شهود را - د اوليات چنانك كل از جزو بزرگتر است - ه حدسيات چنانك نور ماه از آفتاب است - و اين بعد از مشاهده اختلاف تشكلات ماه بود - بحسب بعد و قرب از آفتاب و وقوف بر احوال خسوفات - و قضايائى كه قياسات آن قضايا در فطرت مركوز بود - مانند تصديق بانك دو نيمه چهار است - و اين دو صنف يعنى پنجم و ششم - هر چند بحقيقت از مبادى نيستند - اما چون مستلزم قياسىاند مفيد حكم بىتجشم كسبى - آن را از مبادى شمردهاند - و فرق آنست كه حد اوسط در اول بحدس معلوم شود - و در دوم با دو حد ديگر مقارن در ذهن متمثل شود - و اين شش صنف را الواجب قبولها خوانند - و مبادى قياسات برهانى باشند
...
ص 350
و اگر خواهند كه قسمتى كنند - مشتمل بر اصناف مبادى مذكور گويند - هر قضيه كه مبدأ اول قياسى باشد - يا مقتضى تصديق بود يا مقتضى تخييل - يا هيچ كدام اقتضاء نكند - و قسم سيوم در هيچ قياس نيفتد پس مبدأ نبود - و مقتضى تصديق يا جازم بود يا غالب - و جازم يا ضرورى بود يا غير ضرورى - و ضرورى يا ظاهرى يا غير ظاهرى - و ظاهرى يا بحس تنها بود و آن محسوسات بود - يا بمشاركت امرى خارج و آن متواترات بود - يا بمشاركت امرى غير خارج و آن مجربات بود - و غير ظاهر يا بعقل بود و يا بغير عقل - و عقلى يا مجرد عقلى بود و آن اوليات بود - و يا باعانت امرى قياسى بود - و آنچه باعانت امرى قياسى بود - يا اوسطش در عقل مركوز بود يا مستفاد بود - و اول قضايائى بود كه قياسش فطرى بود - و دوم لا محاله حدسى بود - چه اگر مستفاد از قوت فكر بود از مبادى نتواند بود - و غير عقلى وهميات بود -
شرح المطالع، ص 333-334
البرهان قياس مركّب من مقدّمات يقينيّة تركيبا صحيحا سواء كانت ضروريّة و هى اليقينيّات ابتداء او نظريّة و هى اليقينيات بواسطة اليقينيات التي هى مبادى اولى للبرهان اى اليقينيات الضرورية ستّة الأوليات و هى قضايا يكون مجرد تصوّر طرفيها و ان كانا او احدهما بالكسب كافيا فى جزم العقل بالنّسبة بينهما بالايجاب او السلب كقولنا الكل اعظم من الجزء و تسمّى بديهيّات و المحسوسات و هى قضايا يحكم العقل بها بواسطة احدى الحواسّ و تسمّى مشاهدات ان كانت الحواسّ ظاهرة كقولنا النار حارة و وجدانيات ان كانت باطنة كعلم كلّ احد بجوعه و عطشه و المتواترات و هى قضايا يحكم العقل بها بواسطة كثرة الشهادات الموقعة لليقين كالعلم بوجود مكّة و حصول اليقين يتوقّف على الامرين من التواتر و استناد الخبر الى المحسوس فلا ينحصر مبلغ الشهادات فى عدد بل القاضى بكمال العدد حصول اليقين و المجرّبات و هى قضايا يحكم العقل بها بسبب مشاهدات دون لميّة و ان افاد لميّة التصديق و الأوسط فى البرهان الإنّ ان كان معلولا و هو اعرف و يسمّى دليلا ايضا التاسع المطلوب بالبرهان قد يكون قضية ضروريّة و ممكنة و وجوديّة و مقدمات كلّ بحسبه و من قال من المتقدّمين ان المبرهن لا يستعمل الاّ القضايا الضرورية اراد به انه لا يستنتج الضرورى الاّ من الضرورى بخلاف غيره او اراد انّ صدق تلك المقدّمات ضرورىّ واجب فالقياس البرهانى ما كانت مقدّماته واجبة القبول و الجدلىّ ما مقدّماته مشهورة و الخطابى ما مقدّماته مظنونة و الشعرى ما مقدّماته مخيّلة و السوفسطائى ما مقدّماته مشبهة بالواجب اليقينى و المشاغىّ ما مقدّماته مشبّهة بالمشهورات فصاحب القياس السوفسطائى فى مقابلة الحكيم و صاحب القياس المشاغىّ فى مقابلة الجدلىّ. متكرّرة مع انضمام قياس خفىّ و هو انه لو كان اتّفاقيا لما كان دائما او اكثريّا كالحكم بان السقمونيا علّة للإسهال و الحدسيّات و هى قضايا يحكم العقل بها بواسطة حدس من النفس بمشاهدة القرائن كالحكم بان نور القمر مستفاد من الشمس لاختلاف الهيئات الشكلية بسبب قربه و بعده عن الشمس و الفرق بين التجربة و الحدس انّ التجربة يتوقّف على فعل يفعله الإنسان حتّى يحصل المطلوب بسببه فانّ الإنسان ما لم يجرّب الدواء بتناوله او اعطائه غيره مرّة بعد اخرى لا يحكم عليه بالإسهال او عدمه بخلاف الحدس فانّه لا يتوقّف على ذلك و فطرية القياسات و هى قضايا يحكم العقل بها بواسطة وسط لا يغرب عن الذهن عند تصوّر حدودها كقولنا الأربعة زوج لكونه منقسما بمتساويين فان الانقسام بهما لا يغيب عن الذهن عند تصوّر طرفيه و على كلّ واحد من هذه الستّة اشكالات ذكر اكثرها الامام فى أوائل المحصّل و اواخر الملخّص لا وجه لايرادها هاهنا اذ لا يليق ذكرها بالمختصرات
الشمسیة، ص 313-314
الاول في مواد الاقيسة و هى يقينيات و غير يقينيات أما اليقينيات فستة أوليات و هى قضايا تصور طرفيها كاف فى الجزم بالنسبة بينهما كقولنا الكل أعظم من الجزء و مشاهدات و هى قضايا يحكم بها بالقوى الظاهرة أو الباطنة (م - 40 - متن الشمسية ثاني) كالحكم بان الشمس مضيئة و أن لنا خوفا و غضبا و مجريات و هي قضايا يحكم بها بمشاهدات متكررة مفيدة لليقين كالحكم بان شرب السقمونيا موجب للاسهال و حدسيات و هى قضايا يحكم بها بحدس قوي من النفس مفيد للعلم كالحكم بان نور القمر مستفاد من الشمس و الحدس هو سرعة الانتقال من المبادي الى المطالب و متواترات و هى قضايا يحكم بها لكثرة الشهادات بعد العلم بعدم امتناعها و الا من من التواطيء على الكذب كالحكم بوجود مكة و بغداد و لا ينحصر مبلغ الشهادات فى عدد بل اليقين هو القاضي بكمال العدد و العلم الحاصل من التجربة و الحدس و التواتر ليس حجة على الغير و قضايا قياساتها معها و هى التى يحكم فيها بواسطة لا تغيب عن الذهن عند تصور حدودها كالحكم بان هذه الاربعة زوج لانقسامها بمتساويين و القياس المؤلف من هذه الستة يسمى برهانا
الجوهر النضید، ص 205
حكم المتواتر حكم المحسوس قال و المتواترات كالمحسوسات. أقول شرط إفادة التواتر العلم الانتهاء في الإخبار إلى المحسوس و لهذا لو أخبر جماعة كثيرة بحدوث العالم أو قدم الصانع من غير دليل عقلي لم يحصل العلم به. إذا ثبت هذا فالحكم المستفاد من التواتر كالحكم المستفاد من الحس من أنه يجب أن يكون جزئيا و لا يفيد رأيا كليا.
القواعد الجلیة فی شرح الرسالة الشمسیة، ص 398-399
قال: و القياس المؤلّف من هذه الستة يسمّى برهانا و هو امّا لمّي، و هو: الذي حدّ الأوسط فيه علّة للنسبة في الذهن و العين ، كقولنا: هذا متعفّن الأخلاط، و كلّ متعفّن الأخلاط محموم ، فهذا محموم . و اما انّي، و هو: الذي حد الأوسط فيه علة للنسبة في الذهن فقط، كقولنا: هذا محموم، و كلّ محموم متعفّن الاخلاط، فهذا متعفّن الأخلاط.
أقول: القياس البرهاني هو الذي يتألّف من مقدمات يقينية على ما ذكر في التعليم الأوّل ، و أنواع اليقينيات هي الستة المذكورة، فيكون البرهان هو المتألّف منها، و قد فسّروا اليقيني بالضروري. و تخبّط المتأخرون في ذلك بسبب وجدانهم براهين العلوم الطبيعية على المطالب الغير الضرورية تستنتج من أمثالها، فزادوا على الضروري الممكن الأكثري. و فسّر الشيخ ما ورد في التعليم الأوّل بأنّ المراد منه أنّ البرهان لا يستنتج الضروري فيه إلاّ من مثله، بخلاف الأقيسة الباقية. و جوّز تأليف مقدمات البرهان من امور غير ضرورية ليستنتج منها أمثالها، سواء كانت ممكنة أكثرية أو أقلية.
الاسرار الخفیة، ص 197-198
المقالة الخامسة في البرهان و فيها مباحث: المبحث الأوّل: في النظر في المقدّمات من جهة إيقاع التصديق القضيّة: إمّا أن تؤثّر تصديقا أو لا. و الثاني هو القضايا المخيّلة؛ فإنّها تؤثّر قبضا و بسطا، و لها نفع عظيم، و لا يشترط صدقها أو كذبها. فإن أخذت الحجّة على أنّها ما تؤثّر تصديقا، لم يكن المؤلّف من المخيّلات حجّة، و إنّما هو قياس شعريّ، و الذي يؤثّر تصديقا على أقسام: الأوّل: البديهيّات و هي: التي يكفي في الحكم بها تصوّر طرفيها كالحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء، و مثل هذه القضايا لا يستعين العقل فيها بغيره. و قد يتوقّف العقل في الحكم بها؛ لخفاء في تصوّر حدودها لا في النسبة. الثاني: المشاهدات و هي: القضايا التي يحكم بها العقل بتوسّط القوى الظاهرة كالحكم بإضاءة الشمس، و إحراق النار، أو بتوسّط القوى الباطنة كالحكم بأنّ لنا خوفا و غضبا، و هذا الأخير يسمّى الوجدانيّ. الثالث: المجرّبات و هي: قضايا يحكم بها العقل؛ لتكرّر المشاهدة تكرارا أوقع يقينا بقياس خفيّ انضمّ إلى تلك المشاهدات، و هو أنّه لو وقع الأمر المجرّب اتّفاقيا، لما كان دائما و لا أكثريّا كالحكم بأنّ شرب السقمونيا يسهل. الرابع: الحدسيّات و هي: قضايا حكم بها العقل بواسطة حدس النفس كالحكم باستضاءة نور القمر من الشمس بسبب اختلاف التشكّلات للقرب و البعد. و قد فرّق بين التجربة و الحدس بأنّ هذا لا يتوقّف على فعل يفعله الإنسان بخلاف التجربة. و قد فرّق بينهما بفرق آخر، و هو أنّ السبب في المجرّبات معلوم السببيّة غير معلوم الماهيّة، و في الحدسيّات معلوم بالوجهين، و إنّما يوقف عليه بالحدس لا بالفكر؛ فإنّ المستفاد من الفكر إنّما هو العلوم الكسبيّة و هي لا تعدّ من المبادئ. الخامس: المتواترات و هي: التي حصل الجزم بها لتكرار الشهادات التي يؤمن معها من وقوع المواطأة و الاجتماع على الكذب. و بعض المغفّلين حصر هذه الشهادات في عدد ، و هو مردود، و إنّما المرجع فيه إلى اليقين، فمتى حصل، حصل التواتر، و إلاّ فلا. السادس: فطريّة القياس و هي: القضايا التي قياساتها معها، كقولك: «الاثنان عدد انقسمت الأربعة إليه و إلى ما يساويه، و كلّ ما ينقسم عدد إليه و إلى ما يساويه، فهو نصف ذلك؛ فالاثنان نصف الأربعة». و هذه الأنواع الستّة يطلق عليها اسم الواجب قبولها و المفيد منها في الاحتجاجات و إقامة البراهين هو الأوّل و الأخير. هكذا قالوا. و فيه بعد؛ فإنّ القضايا البواقي علّلوا كونها غير حجّة على الغير بجواز عدم المشاركة في السبب الموجب للجزم، و هذا عائد على الأوّل؛ فإنّ القضايا البديهيّة قد لا تشترك بين الكافّة؛ لوجود السبب - الذي هو التصوّر - عند قوم دون آخرين .
الرد علی المنطقیین، ص 106-107
بطلان منع المنطقيين الاحتجاج ب «المتواترات» و «المجريات» و «الحدسيات» و قد ذكر من ذكر من هؤلاء المنطقيين أنّ القضايا المعلومة ب «التواتر» و «التجربة» و «الحدس» يختص بها من علمها بهذا الطريق، فلا تكون حجة على غيره؛ بخلاف غيرها، فإنّها مشتركة يحتجّ بها على المنازع. (79) و قد بيّنا في غير هذا الموضع أنّ هذا تفريق فاسد. فإنّ «الحسّيات» الظاهرة و الباطنة تنقسم أيضا إلى خاصة و عامة. و ليس ما رآه زيد أو شمّه أو ذاقه أو لمسه يجب اشتراك الناس فيه، و كذلك ما وجده في نفسه من جوعه و عطشه و ألمه و لذّته. لكن بعض «الحسّيات» قد تكون مشتركة بين الناس، كاشتراكهم في رؤية الشمس و القمر و الكواكب، و أخص من ذلك اشتراك أهل البلد الواحد في رؤية ما عندهم من جبل و جامع و نهر و غير ذلك من الأمور المخلوقة و المصنوعة. و كذلك الأمور المعلومة ب «التواتر» و «التجارب» قد يشترك فيها عامة الناس، كاشتراك الناس في العلم بوجود مكة و نحوها من البلاد المشهورة؛ و اشتراكهم في وجود البحر - و أكثرهم ما رآه؛ و اشتراكهم في العلم بوجود موسى و عيسى و محمد و ادعائهم النبوّة، و نحو ذلك. فإنّ هؤلاء قد تواتر خبرهم إلى عامة بني آدم، و إن قدر من لم يبلغه أخبارهم فهم في أطراف المعمورة لا في الوسط.
الرد علی المنطقیین، ج 1، ص 112-114
و المقصود أنّهم جعلوا «المجريات» و «المتواترات» ممّا يختصّ به من حصل له ذلك، فلا يصلح أن يحتجّ به على غيره. و هذه قد يحصل فيها اختصاص و اشتراك، كما أنّ «الحسيّات» كذلك قد يحصل فيها اختصاص و اشتراك. و أيضا فالاشتراك قد يكون في عين المعلوم المدرك، و قد يكون في نوعه. فالأول كاشتراك الناس (86) في رؤية الشمس و القمر و غيرهما؛ و الثاني كاشتراكهم في معرفة الجوع و العطش. و الريّ و الشبع، و اللذّة و الألم. فإنّ المعيّن الذي ذاقه هذا الشخص ليس هو المعيّن الذي ذاقه هذا، إذ كلّ إنسان يذوق ما في باطنه. و لكن يشترك الناس في معرفة جنس ذلك. و ما يسمعونه من الرعد و ما يرونه من البرق يشترك أهل المكان الواحد في رؤية «المعيّن» و سمعه، و يشترك الناس في رؤية «النوع» و سمعه، إذ الرعد و البرق الذي يحصل في زمان و مكان يكون غير ما يحصل في زمان آخر و مكان آخر. و من «المحسوسات» المعروفة بالرؤية أنواع كثيرة من الحيوان و النبات و غير ذلك يوجد ببعض البلاد دون بعض. فتكون «مشهورة» و «مرئيّة» لمن رآها دون سائر الناس، فإنّهم إنّما يعلمون ذلك ب «الخبر». و ذلك «الخبر» قد يكون المشتركون فيه أكثر من المشتركين في «الرؤية». فتبيّن أنّ القضايا «الحسيّة» و «المتواترة» و «المجرّبة» قد تكون مشتركة، و قد تكون مختصّة. فلا معنى للفرق بأنّ هذه يحتجّ بها على المنازع دون هذه.
إنكار «المتواترات» هو من أصول الإلحاد و الكفر
ثمّ هذا الفرق - مع ظهور بطلانه - هو من أصول الإلحاد و الكفر. فإنّ المنقول عن الأنبياء ب «التواتر» من المعجزات و غيرها، يقول أحد هؤلاء - بناء على هذا الفرق: «هذا لم يتواتر عندي، فلا يقوم به الحجة عليّ». فيقال له: «اسمع كما سمع غيرك، و حينئذ يحصل لك العلم». (87) و إنّما هذا كقول من يقول: «رؤية الهلال أو غيره لا تحصل إلاّ بالحس، و أنا لم أره». فيقال له: «أنظر إليه كما نظر غيرك، فتراه - إذا كنت لم تصدق المخبرين». و كمن يقول: «العلم بالنبوّة لا يحصل إلاّ بعد النظر، و أنا لا أنظر، أو لا أعلم وجوب النظر حتّى أنظر». و من جواب هؤلاء أنّ حجّة اللّه برسله قامت بالتمكّن من العلم. فليس من شرط حجّة اللّه تعالى علم المدعوّين بها. و لهذا لم يكن إعراض الكفّار عن استماع القرآن و تدبّره مانعا من قيام حجّة اللّه تعالى عليهم. و كذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء و قراءة الآثار المأثورة عنهم لا يمنع الحجّة، إذ المكنة حاصلة. فلذلك قال تعالى: وَ إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِ آيٰاتُنٰا وَلّٰى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهٰا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ . و قال تعالى: وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاٰ تَسْمَعُوا لِهٰذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ. فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذٰاباً شَدِيداً . و قال تعالى: وَ قٰالَ الرَّسُولُ يٰا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَ كَفىٰ بِرَبِّكَ هٰادِياً وَ نَصِيراً . و قال تعالى: فَإِمّٰا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدٰايَ فَلاٰ يَضِلُّ وَ لاٰ يَشْقىٰ. وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ. قٰالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي (88) أَعْمىٰ وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قٰالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيٰاتُنٰا فَنَسِيتَهٰا وَ كَذٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسىٰ . و قال تعالى: وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمْ تَعٰالَوْا إِلىٰ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنٰافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً . و قال: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمٰا لاٰ يَسْمَعُ إِلاّٰ دُعٰاءً وَ نِدٰاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاٰ يَعْقِلُونَ . و من هذا الباب إنكار كثير من أهل البدع و الكلام و الفلسفة لما يعلمه أهل الحديث و السنّة من الآثار النبويّة و السلفيّة المعلومة عندهم - بل المتواترة عندهم عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلّم و الصحابة و التابعين لهم بإحسان. فإنّ هؤلاء يقولون: «هذه غير معلومة لنا»، كما يقول من يقول من الكفّار إنّ معجزات الأنبياء غير معلومة لهم. و هذا لكونهم لم يطلبوا السبب الموجب للعلم بذلك. و إلاّ، فلو سمعوا ما سمع أولئك و قرأوا الكتب المصنّفة التي قرأها أولئك لحصل لهم من العلم ما حصل لأولئك. و «عدم العلم» ليس «علما بالعدم»، و «عدم الوجدان» لا يستلزم «عدم الوجود». فهم إذا لم يعلموا ذلك لم يكن هذا علما منهم بعدم ذلك و لا بعدم علم غيرهم به. بل هم قال اللّه تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمٰا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّٰا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ . و تكذيب من كذّب بالجنّ هو من هذا الباب. و إلاّ، فليس عند المتطبّب و المتفلسف دليل عقليّ بنفي وجودهم. لكن غايته أنّه ليس في صناعته ما يدل على وجودهم. و هذا إنّما يفيد «عدم العلم»، لا «العلم بالعدم». و قد اعترف بهذا حذّاق الأطباء و الفلاسفة، كأبقراط و غيره. و المقصود هنا التنبيه (89) على كليّات طرق العلم التي تكلّم فيها هؤلاء و غيرهم.
الرد علی المنطقیین، ج 2، ص 129-130
المتواتر عن الأنبياء أعظم من المتواتر عن الفلاسفة
و المقصود هنا الكلام على الفلاسفة. فنقول: معلوم أنّ من شياطينهم من يقول: «المتواترات لا يقوم بها البرهان على المنازع» ليدخل في ذلك ما تواتر عن الأنبياء - صلوات اللّه عليهم - من الآيات، و البراهين، و المعجزات، التي بعثوا بها، كما يدخلون ما أخذ عن الأنبياء من المقبولات. فيقال لهم: من المعلوم بالاضطرار أنّ تواتر خروج محمد - صلى اللّه عليه و سلم - و مجيئه بهذا القرآن أعظم عند أهل الأرض من تواتر وجود الفلاسفة كلّهم، فضلا عمّا يخبرون به من القضايا التجريبية و الحدسية التي استدلّوا بها على الطبيعيات و الفلكيات. و كذلك ما تواتر من سائر معجزاته، و ما تواتر من أخبار موسى و المسيح - صلوات اللّه عليهما. هذا معلوم عند الناس أعظم من تواتر وجود أولئك فضلا عن تواتر ما يخبرون به. و لهذا صار ظهور الأنبياء ممّا تؤرّخ به الحوادث في العالم بظهور أمرهم عند الخاصة و العامة. فإنّ التاريخ يكون بالحادث المشهور الذي يشترك الناس فيه ليعرفوا به كم مضى بعده و قبله، كما أنّ النهار يعرف بطلوع الشمس، و الشهر بالهلال، لأنّه نور ظاهر يشترك الناس في رؤيته. و لهذا جعل عمر تاريخ المسلمين (388) من الهجرة النبوية، فإنّها أظهر أحوال الرسول المشهورة. و هو خروجه من بلد إلى بلد، و بها أعزّ اللّه الإسلام. و كانت العرب قبل الإسلام تؤرّخ بالحوادث المشهورة، و كذلك الروم، و الفرس و القبط، و سائر الأمم، يؤرّخون مثل ذلك. فنحن اليوم إذا أردنا أن نعرف زمان واحد من هؤلاء المتفلسفة قلنا «كان قبل المسيح بكذا و كذا سنة». بل أرسطو إنّما عرف زمانه لأنّه قد عرف أنّه كان وزير الإسكندر بن فيلبس المقدوني، ملك اليونان. و كانوا مشركين يعبدون الكواكب و الأصنام، و يعانون السحر - أرسطو و ملكه و غيرهما. و هذا الإسكندر لما جاء إلى الشام أيّام بني إسرائيل غلب عليهم. فذكروا أنّه طلب أن يكتب في التوراة، فقالوا: «ما يمكن هذا»، فقال: «اجعلوا لى تأريخا»، فصار التأريخ الرومي الذي تؤرّخ به اليهود و النصارى مؤرّخا به. و أرسطو وزيره، فعرف وقته من هذا الوجه. و كان قبل المسيح بثلثمائة سنة. و التواريخ التي تختصّ بها اليهود هي من الأنبياء و أحوال بيت المقدس - يقولون: «في البيت الأوّل
شرح حکمة الاشراق، ص 120-121
و من الحدسيّات «المتواترات»، و هى قضايا يحكم بها الإنسان لكثرة الشّهادات، من المخبرين، فإنّه لو حصل اليقين بقول واحد كان حدسا، لا تواترا، إذا المعتبر فيه الكثرة ، يقينا ، بشرط عدم امتناع المخبر عنه، و الأمن من التّوافق على الكذب، و انتهائها إلى من شاهد المخبر عنه، كالحكم بوجود مكّة فى زماننا، و وجود جالينوس و غيره فى أزمنة متقادمة. و يشترط فيه استواء طرفى ذلك الزّمان و واسطته فى حصول العدد التّواترىّ. و إنّما ترك ذكر اشتراط كونه مسندا إلى الحسّ، لظهوره، فإنّه لو أطبق أهل العالم بالإخبار على أنّ «العالم قديم أو محدّث»، أو على اجتماع النّقيضين و نحوهما، لما أفاد إخبارهم يقينا، لأنّه عن أمر معقول، لا عن محسوس. و إلى الشّرطين أشار بقوله: فيكون الشّيء ممكنا فى نفسه، و تأمن النّفس عن التّواطؤ. و اليقين هو القاضى بوفور الشّهادات ، لأنّه إذا حصل علم أنّ عدد الشّهادات قد تمّ . و ليس لنا أن نحصر عددها ، أى: عدد الشّهادات، فى مبلغ معيّن. كما حصره بعض أهل النّظر فى عدد، كمن حصره فى أربعين، الّذي به تنعقد الجمعة فى بعض المذاهب، أو ثلاثمائة و ثلاثة عشر، عدد أهل البدر، إلى غير ذلك من تحكّماتهم الباردة. فإنّ ذلك لا يتعلّق بعدد يؤثّر النّقصان و الزّيادة فيه، لحصول الجزم من كثرة المخبرين تارة، و من قلّتهم أخرى مع سائر الشّرائط و القرائن. فربّ يقين حصل من عدد قليل. و للقرائن مدخل فى هذه الأشياء كلّها، أى: فى المتواترات و التّجربيّات و الحدسيّات عند الجمهور، يحدس منها ، أى: من القرائن، الإنسان حدسا ، فيحكم بسببه. و انّما جعل الثّلاثة من أصناف الحدسيّات على قاعدة الإشراق، لاحتياج الكلّ إلى الحدس، و ذكر من الأصناف اثنين دون الثّالث، و هو الحدسيّات عند الجمهور، لظهور كونها من الحدسيّات على قاعدة الإشراق دون الأوّلين. و حدسيّاتك ليست حجّة على غيرك ، أى: و حدسيّاتك على قاعدة الإشراق، لتشمل الثّلاثة، كما قال فى التلويحات، و يقينك التّواترىّ و الحدسىّ و التّجربىّ ليس حجّة على غيرك. إذا لم يحصل له من الحدس ما حصل لك ، و هو ظاهر. و فيه تنبيه على أنّه لا يجوز استعمال هذه القضايا فى القياس الّذي يراد به إفادة اليقين للغير أو يقصد به إفحام الخصم. أمّا الأوّل، فلما ذكر، من جواز أن يكون ما حصل للمستدلّ بها من اليقين غير حاصل لذلك الغير و إذا لم يحصل له من مقدّمات القياس يقين لم يتحصّل له نتيجة يقينيّة أيضا. و أمّا الثّاني، فلأنّه لو حصل له منها اليقين، كما حصل للمستدلّ، ثمّ أنكر ذلك على وجه المعاندة، لم يكن لنا سبيل إلى إفحامه، لعدم الطّريق إلى كشف دعواه. فهذه السّتّة الّتي جعلها ثلاثة، هى موادّ الأقيسة البرهانيّة، على معنى أنّ [61] كلّ قياس يركّب منها سمّى برهانا، كيف ما كان القياس، من استثنائىّ أو اقترانىّ، حملىّ أو شرطىّ.
شروح شمسیة، شرح قطب، ص 251
(و القياس المؤلف من هذه الست يسمى برهانا و هو اما لمي و هو الذى يكون الحد الاوسط فيه علة للنسبة فى الذهن و العين كقولنا هذا متعفن الاخلاط و كل متعفن الاخلاط فهو محموم فهذا محموم * و اما انيّ و هو الذي يكون الحد الاوسط فيه علة للنسبة فى الذهن فقط كقولنا هذا محموم و كل محموم فهو متعفن الاخلاط فهذا متعفن الاخلاط) (أقول) في عبارته مساهلة بل البرهان هو القياس المؤلف من اليقينيات سواء كانت ابتداء و هي الضروريات الست أو بواسطة و هي النظريات
تعلیقه بر حکمة الاشراق، ج 1، ص 172-173
هو أنّ العلوم الحقيقيّة لا يستعمل فيها إلاّ البرهان، و هو قياس مؤلف من مقدّمات يقينيّة . و «اليقين» هو اعتقاد أنّ الشيء كذا مع اعتقاده أنّه لا يكون إلاّ كذا، ليخرج «الظّن»، مع مطابقته للواقع ، ليخرج «الجهل المركّب»، و امتناع تغيّره، ليخرج «اعتقاد المقلّد المصيب» لأنّه قد يتغيّر بالتشكيك. و «المقدّمات اليقينيّة» عند الجمهور ستّة أقسام: «الأوّليّات»، و «المشاهدات»، و «المجرّبات»، و «الحدسيّات» - و هي قضايا يحكم العقل بها بواسطة حدس قويّ من النفس بسبب مشاهدة القرائن دون الأثر، موجب لليقين ، كالحكم بأنّ «نور القمر مستفاد من الشمس»، لاختلاف هيآت تشكّل النور فيه بسبب قربه و بعده منها - و «المتواترات»، و «القضايا التي قياساتها معها» و هي قضايا يحكم العقل بها بواسطة لا يعزب عنها الذهن عند تصور الحدود، كقولنا: «إنّ الأربعة زوج» لانقسامها بمتساويين، فالانقسام بمتساويين وسط حاضر في الذهن؛ لكن صاحب الإشراق جعلها ثلاثة أقسام: لأنّ تصور طرفي القضيّة و إن كان بالكسب، إمّا أن يكون كافيا في جزم الذهن بالنسبة بينهما أو لا؛ و الأوّل «الأوليّات» و يدخل فيها - عنده - «القضايا التي قياساتها معها» لقربها منها؛ و إن لم يكن تصوّر طرفيها كافيا في الجزم، بل يتوقّف على شيء آخر: فإن كان ما يتوقّف عليه إحدى القوى الظّاهرة أو الباطنة من غير انضمام شيء آخر إليها، فهي «المشاهدات» و إلاّ فهي «الحدسيّات» - على قاعدة الإشراق - و هي ما يكون سبب الحكم فيه - بعد تصوّر الطّرفين و إحدى القوى الظّاهرة أو الباطنة - شيئا آخر، كحدس قويّ من النفس، كما في الحدسيّات عند الجمهور، و لهذا لم يذكرها، لدخولها في الحدسيّات على قاعدة الإشراق معنى و لفظا أيضا، لئلاّ يرد ذكره للمجرّبات و المتواترات نقضا ؛ أو قياس خفي كما في المجرّبات، أو غيرهما كما في المتواترات.
ص 159-160
قوله قدّس سرّه: «و من الحدسيات المتواترات». (117) [أقول]: و هي قضايا يحكم بها الإنسان لكثرة الشهادات يقينا. فإن قلت: نحن نرى كثيرا من المتواترات ليس بيقيني، و لا صادق ، و ذلك ظاهر في المذاهب المتناقضة الّتي ذهب إلى كلّ منها عدد غير محصور. قلنا: ذلك لفوات شرط من شروط صحّة التواتر و إفادته يقينا، و من شرائطه أن يكون المخبر عنه أمرا محسوسا لا معقولا، كما ذكره الشارح. لأنّ أكثر الناس يشتبه عندهم الحقّ بالباطل في المعقولات المحضة؛ و منها أن لا يكون مبدأ إذعانهم و إخبارهم إمام واحد و عقل واحد يأتمّون به. قال المعلّم الثّاني [أبو نصر الفارابي، رحمه اللّه]: في كتاب الجمع بين الرأيين : إنّه ليس من الحجج أقوى و أقنع من شهادات المعارف المختلفة بالشيء الواحد، و اجتماع الآراء الكثيرة. إذ العقل عند الجميع حجّة، و لأجل أنّ ذا العقل ربّما يخيّل إليه الشيء على خلاف ما هو عليه من جهة تشابه العلامات، احتيج إلى اجتماع عقول كثيرة مختلفة، فمهما اجتمعت فلا حجّة أقوى و لا يقين أحكم. ثمّ لا يغرّنّك وجود أناس كثيرة على آراء مدخولة. فإنّ الجماعة المقلّدين لرأي واحد، المذعنين لإمام يؤمّهم فيما اجتمعوا عليه بمنزلة عقل واحد. و العقل الواحد ربّما يخطئ في الشيء الواحد حسب ما ذكرناه، سيّما إذا لم يتدبّر مرارا، و لم ينظر فيه بعين التفتيش و المعاندة؛ فإنّ حسن الظن بالشيء أو الإهمال في البحث قد يعمي. فأمّا العقول المختلفة إذا اتّفقت بعد تأمّل منها و تدرّب و بحث و معاندة و تبكيت، فلا شيء أصح ممّا اعتقدته و اتّفقت عليه و شهدت. (هذا كلامه.) [أقول]: و هو يدلّ أنّ التواتر و كثرة الشهادات في الاعتقادات العقليّة أيضا ممّا يفيد اليقين، و فيه تأمّل. و الحقّ أنّها في إفادتها لليقين غير خال عن الحدس، كما سيصرّح به المصنّف. و لهذا الاعتبار جعلها من أقسام الحدسيّات.
ص 178-179
و حدسيّاتك ليست حجّة على غيرك ، أي و حدسياتك على قاعدة الإشراق لتشمل الثّلاثة كما قال في التلويحات : «و يقينك التواتريّ و الحدسيّ و التجربيّ ليس حجّة على غيرك»؛ إذا لم يحصل له من الحدس ما حصل لك ، و هو ظاهر. و فيه تنبيه على أنّه لا يجوز استعمال هذه القضايا في القياس الذي يراد به إفادة اليقين للغير أو يقصد به إفحام الخصم؛ أمّا الأوّل فلما ذكر من جواز أن يكون ما حصل للمستدلّ بها من اليقين غير حاصل لذلك الغير، و إذا لم يحصل له من مقدّمات القياس يقين لم يتحصّل له النتيجة يقينيّة أيضا؛ و أمّا الثاني، فلأنّه لو حصل له منها اليقين كما حصل للمستدلّ ثمّ أنكر ذلك على وجه المعاندة، لم يكن لنا سبيل إلى إفحامه، لعدم الطّريق إلى كشف دعواه. فهذه الستّة التي جعلها ثلاثة، هي موادّ الأقيسة البرهانيّة، على معنى أنّ كلّ قياس يركّب منها يسمّى «برهانا» كيف ما كان القياس من استثنائي أو اقتراني، حمليّ أو شرطيّ.
اللمعات، ص 33
تمهيد القياس إما أن يفيد التخيل أو التصديق - فالأول هو الشعر و الثاني - إن أفاد يقينا فهو البرهان - و إن أوقع ظنا فهو الخطابة - و إلا فإن اشتمل على عموم الاعتراف - أو التسليم فهو الجدل و إلا فالسفسطة - فالصناعات خمس. فالبرهان لكونه مفيدا لليقين - وجب أن يكون صورتها يقينية الإنتاج - فلا يكون إلا قياسا و مادتها اليقينيات - من الأوليات و المشاهدات و التجربيات - و الحدسيات و المتواترات و الفطريات. فالصناعات يتألف البرهان من اليقينيات
برهان، ص 56
66. في أنّ التصديق الضروريّ على المشهور ستّة أقسام؛ و أنّ الكلّ يرجع إلى الأولى، و كذا كلّ ضروريّ لو كان غيرها ضروريّا. 67. أمّا الأوّل: فقد قسّم القوم القضيّة الضروريّة إلى ستّة أقسام بالاستقراء: 68. الأوّل: الأوّليات و هي القضايا التي لا تحتاج في التصديق بها غير تصوّر الطرفين كقولنا: الإيجاب و السلب لا يصدقان معا، و لا يكدبان معا؛ و أنّ الكلّ أعظم من جزئه. 69. الثاني: الفطريات و القضايا التي قياساتها معها، و هي قضايا يلزمها وسط خفي لا يغيب عن الذهن عند تصوّر الطرفين كقولنا: الأربعة زوج، و الوسط هو الانقسام بمتساويين. 70. الثالث: القضايا المحسوسة بالحسّ الظاهر كقولنا: إنّ العسل حلو، أو المحسوسة بحسّ الباطن، و يسمّى الوجدانيات كقولنا: إنّ لنا علما و إرادة و شوقا. 71. الرابع: الحدسيّات و هي القضايا المصدّق بها بالحدس كقولنا: إنّ ضوء القمر مستفاد من الشمس. 72. الخامس: المتواترات و هي قضايا يصدّق بها لإخبار جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب، كقولنا: أنّ مكّة موجودة، و إنّ بالمغرب بلادا . 73. السادس: المجرّبات و هي قضايا يصدّق بها بالتجربة و التكرّر على الحسّ كقولنا: إنّ مركّبا كذا يوجب خاصّة كذا. فهذه ستّة أقسام.
ثمّ نقول - كما ذكروا -: و أمّا المتواترات، فليست بضروريّة بالذات؛ و ذلك لأنّ المقدّمة المتواترة هي التي توجب العلم لإخبار جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب؛ و الأفعال يتّفق و يختلف بحسب اختلاف الدواعي و اتفاقها، و الدواعي تنتهي إلي الطبائع و العادات، و العادات أيضا تنتهي إلى الطبائع، و كلّما كثر الناس كثر الاختلاف في دواعيهم، ففي أفعالهم. كلّ ذلك بالتجربة و إن لم ينكر العقل المجرّد مع صرف النظر عنه، عدم الاختلاف، فالأخبار إذا اتّفقت مع اختلاف الدواعي كانت عن غير الداعي، و هو الحسّ الصادق. فبيّن أنّ المقدّمة المتواترة غير ضروريّة بذاتها، بل تنتهي إلى تجربة، و هي أوّليّة و هو المطلوب. و التواتر إنّما يكون في المقدّمات المحسوسة. 95. ثمّ نقول - كما ذكروا -: و أمّا المقدّمة التجربيّة: فليست بضروريّة بالذات؛ و ذلك لأنّ التجربة هي الحكم بحكم على موضوع، لتكرّر وجوده عنده تكرارا غالبا أو دائما. و هذا الحكم حيث كان دائميّا أو غالبيّا، يوجب العلم بأنّ ذلك سبب، و ليس اتّفاقيا؛ إذ الاتّفاقي لا يكون دائميّا أو غالبيّا بالضرورة. و إذا كان عن سبب، فلو كان عن سبب عالم للشيء و لغيره، لكان الحكم عامّا؛ لكنّه خاصّ بالشيء، فهو عن سبب خاصّ بالشيء، و التجربة لا تتمّ بارتفاع إحدى هذه المقدّمات العامّة، فالمقدّمة التجربيّة متوقّفة في ضرورتها على هذا القياس، فليست بضروريّة بالذات؛ و هو المطلوب. 96. فقد تبيّن من جميع ما مرّ أنّ المقدّمات الضروريّة غير الأوّليّة ترجع و تنتهي إليها؛ و قد بان من ذلك أنّ كلّ مقدّمة نظريّة تنتهي إلى أوّليات مترتّبة.
برهان، ص 64-65
ثمّ نقول - كما ذكروا -: و أمّا المتواترات، فليست بضروريّة بالذات؛ و ذلك لأنّ المقدّمة المتواترة هي التي توجب العلم لإخبار جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب؛ و الأفعال يتّفق و يختلف بحسب اختلاف الدواعي و اتفاقها، و الدواعي تنتهي إلي الطبائع و العادات، و العادات أيضا تنتهي إلى الطبائع، و كلّما كثر الناس كثر الاختلاف في دواعيهم، ففي أفعالهم. كلّ ذلك بالتجربة و إن لم ينكر العقل المجرّد مع صرف النظر عنه، عدم الاختلاف، فالأخبار إذا اتّفقت مع اختلاف الدواعي كانت عن غير الداعي، و هو الحسّ الصادق. فبيّن أنّ المقدّمة المتواترة غير ضروريّة بذاتها، بل تنتهي إلى تجربة، و هي أوّليّة و هو المطلوب. و التواتر إنّما يكون في المقدّمات المحسوسة. 95. ثمّ نقول - كما ذكروا -: و أمّا المقدّمة التجربيّة: فليست بضروريّة بالذات؛ و ذلك لأنّ التجربة هي الحكم بحكم على موضوع، لتكرّر وجوده عنده تكرارا غالبا أو دائما. و هذا الحكم حيث كان دائميّا أو غالبيّا، يوجب العلم بأنّ ذلك سبب، و ليس اتّفاقيا؛ إذ الاتّفاقي لا يكون دائميّا أو غالبيّا بالضرورة. و إذا كان عن سبب، فلو كان عن سبب عالم للشيء و لغيره، لكان الحكم عامّا؛ لكنّه خاصّ بالشيء، فهو عن سبب خاصّ بالشيء، و التجربة لا تتمّ بارتفاع إحدى هذه المقدّمات العامّة، فالمقدّمة التجربيّة متوقّفة في ضرورتها على هذا القياس، فليست بضروريّة بالذات؛ و هو المطلوب. 96. فقد تبيّن من جميع ما مرّ أنّ المقدّمات الضروريّة غير الأوّليّة ترجع و تنتهي إليها؛ و قد بان من ذلك أنّ كلّ مقدّمة نظريّة تنتهي إلى أوّليات مترتّبة.