فهرست مباحث فدك
متفرقات و پیش نوشت مباحث فدك


خيانت ابن كثير


خيانت ابن كثير

البداية والنهاية - (4 / 231)

فأبى عليهم الصديق ذلك ورأى أن حقا عليه أن يقوم فيما كان يقوم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لا يخرج من مسلكه ولا عن سننه.

فتغضبت فاطمة رضي الله عنها عليه في ذلك ووجدت في نفسها بعض الموجدة ولم يكن لها ذلك.

والصديق من قد عرفت هي والمسلمون محله ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامه في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته فجزاه الله عن نبيه وعن الاسلام وأهله خيرا، وتوفيت فاطمة رضي الله عنها بعد ستة أشهر ثم جدد على البيعة بعد ذلك، فلما كان أيام عمر بن الخطاب سألوه أن يفوض أمر هذه الصدقة إلى علي والعباس وثقلوا عليه بجماعة من سادات الصحابة ففعل عمر رضي الله عنه ذلك، وذلك لكثرة اشغاله واتساع مملكته وامتداد رعيته، فتغلب على علي عمه العباس فيها ثم تساوقا يختصمان إلى عمر، وقدما بين أيديهما جماعة من الصحابة وسألا منه أن يقسمها بينهما فينظر كل منهما فيما لا ينظر فيه الآخر فامتنع عمر من ذلك أشد الامتناع وخشي أن تكون هذه القسمة تشبه قسمة المواريث، وقال: انظرا فيها وأنتما جميع فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي، والذي تقوم السماء والارض بأمره لا أقضي فيها قضاء غير هذا.

فاستمرا فيها ومن بعدهما إلى ولدهما إلى أيام بني العباس تصرف في المصارف التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصرفها فيها، أموال بني النضير وفدك وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر.

البداية والنهاية - (9 / 224)

وقد جمع يوما رؤوس الناس فخطبهم فقال: إن فدك كانت بيد

البداية والنهاية - (9 / 225)

رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله، ثم وليها أبو بكر وعمر كذلك، قال الاصمعي: وما أدري ما قال في عثمان، قال: ثم إن مروان أقطعها فحصل لي منها نصيب، ووهبني الوليد وسليمان نصيبهما، ولم يكن من مالي شئ أرده أغلى منها، وقد رددتها في بيت المال على ما كانت عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: فيئس الناس عند ذلك من المظالم، ثم أمر بأموال جماعة من بني أمية فردها إلى بيت المال وسماها أموال المظالم، فاستشفعوا إليه بالناس، وتوسلوا إليه بعمته فاطمة بنت مروان فلم ينجع فيه شئ، وقال لهم: لتدعني وإلا ذهبت إلى مكة فنزلت عن هذا الامر لاحق الناس به، وقال: والله لو أقمت فيكم خمسين عاما ما أقمت فيكم إلا ما أريد من العدل، وإني لاريد الامر فما أنفذه إلا من طمع من الدنيا حتى تسكن قلوبهم.

البداية والنهاية - (4 / 211)

وقال الامام أحمد: حدثنا مصعب بن المقدام، وجحش بن المثنى قالا: حدثنا إسرائيل، حدثنا عبد الله بن عصمة العجلي: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها ثم قال: من يأخذها بحقها؟ فجاء فلان فقال: أنا، قال:

البداية والنهاية - (4 / 212)

امض، ثم جاء رجل آخر فقال امض، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي كرم وجه محمد لاعطينها رجلا لا يفر، فقال هاك يا علي.

فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتها وقديدها.

تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به، وفيه غرابة وعبد الله بن عصمة، ويقال ابن أعصم، وهكذا يكنى بأبي علوان العجلي وأصله من اليمامة سكن الكوفة وقد وثقه ابن معين، وقال أبو زرعة لا بأس به، وقال أبو حاتم شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال يخطئ كثيرا وذكره في الضعفاء، وقال يحدث عن الاثبات مما لا يشبه حديث الثقات حتى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة.

البداية والنهاية - (7 / 375)

رواية أبي سعيد في ذلك قال الامام أحمد: حدثنا مصعب بن المقدام وحجين بن المثنى قالا: ثنا إسرائيل ثنا عبد الله بن عصمة قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها ثم قال: " من يأخذها بحقها فجاء فلان فقال أنا فقال: امض ثم جاء رجل آخر فقال أنا فقال أمض ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي أكرم وجه محمد لاعطينها رجلا لا يفر، فجاء علي فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقد يدهما ".

ورواه أبو يعلى عن حسين بن محمد عن إسرائيل وقال في سياقه " فجاء الزبير فقال أنا فقال: امض ثم جاء آخر فقال: امض " (1) وذكره تفرد به أحمد.

البداية والنهاية - (5 / 236)

قال ابن إسحاق (2) : وكانت بعوثه عليه السلام وسراياه ثمانيا وثلاثين من بين بعث وسرية، ثم شرع رحمه الله في ذكر تفصيل ذلك.

وقد قدمنا ذلك كله أو أكثره مفصلا في مواضعه ولله الحمد والمنة.

ولنذكر ملخص ما ذكره ابن إسحاق: بعث عبيدة بن الحارث إلى أسفل ثنية المرة، ثم بعث حمزة بن عبد المطلب إلى الساحل من ناحية العيص، ومن الناس من يقدم هذا على بعث عبيدة كما تقدم فالله أعلم، بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار، بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة، بعث زيد بن حارثة إلى القردة، بعث محمد بن مسلمة إلى كعب بن الاشرف، بعث مرثد بن أبي مرتد [الغنوي] إلى الرجيع، بعث المنذر بن عمرو إلى بئر معونة، بعث أبي عبيدة إلى ذي القصة، بعث عمر بن الخطاب إلى برية في أرض بني عامر، بعث علي إلى اليمن، بعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى الكديد فأصاب بني الملوح أغار عليهم في الليل فقتل طائفة منهم فاستاق نعمهم فجاء نفرهم في طلب النعم فلما اقتربوا حال بينهم واد من السيل وأسروا في مسيرهم هذا الحارث بن مالك بن البرصاء.

وقد حرر ابن إسحاق هذا ها هنا وقد تقدم بيانه، بعث علي بن أبي طالب إلى أرض فدك، بعث أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم

البداية والنهاية - (5 / 270)

ولكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعلم بما أخبرها به الصديق رضي الله عنه.

أنه قال: " لا نورث من تركنا فهو صدقة " فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح كما سنبين ذلك في موضعه، فسألته أن ينظر علي في صدقة الارض التي بخيبر وفدك فلم يجبها إلى ذلك.

لانه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه، فحصل لها - وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة - عتب وتغضب ولم تكلم الصديق حتى ماتت، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشئ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه كما سنذكره من الصحيحين وغيرهما فيما بعد إن شاء الله تعالى معما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

البداية والنهاية - (5 / 305)

تنبيه: قد ورد أحاديث كثيرة سنوردها قريبا بعد هذا الفصل في ذكر أشياء كان يختص بها صلوات الله وسلامه عليه في حياته من دور ومساكن نسائه وإماء وعبيد وخيول وإبل وغنم وسلاح وبغلة وحمار وثياب وأثاث وخاتم وغير ذلك مما سنوضحه بطرقه ودلائله، فلعله عليه السلام تصدق

البداية والنهاية - (5 / 306)

بكثير منها في حياته منجزا، وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده، وأرصد ما أرصده من أمتعته، مع ما خصه الله به من الارضين من بني النضير وخيبر وفدك في مصالح المسلمين على ما سنبينه إن شاء الله، إلا أنه لم يخلف من ذلك شيئا يورث عنه قطعا لما سنذكره قريبا وبالله المستعان.

باب

بيان أنه عليه السلام قال لا نورث قال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج عن أبي هريرة، يبلغ به، وقال مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ".

وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود من طرق عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج عن أبي هريرة.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة " لفظ البخاري.

ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر ليسألنه ميراثهن.

فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نورث، ما تركنا صدقة؟ " وهكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة كلهم عن مالك به.

فهذه إحدى النساء الوارثات - إن لو قدر ميراث - قد اعترفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ما تركه صدقة لا ميراثا، والظاهر أن بقية أمهات المؤمنين وافقنها على ما روت، وتذكرن ما قالت لهن من ذلك فإن عبارتها تؤذن بأن هذا أمر مقرر عندهن.

والله أعلم.

وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، ثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة.

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا صدقة ".

وقال البخاري (1) : باب قول رسول الله لا نورث ما تركنا صدقة: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشام، أنبأنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر.

فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ".

قال أبو بكر: والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.

وهكذا رواه الامام أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، ثم رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الزهري عن عروة، عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو

بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: " لا نورث ما تركنا صدقة " فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت.

قال: وعاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، وذكر تمام

البداية والنهاية - (5 / 307)

الحديث.

هكذا قال الامام أحمد.

وقد روى البخاري هذا الحديث في كتاب المغازي من صحيحه عن ابن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري عن عروة عن عائشة كما تقدم، وزاد، فلما توفيت دفنها علي ليلا ولم يؤذن أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الاشهر، فأرسل إلى أبي بكر إيتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر.

فقال عمر: والله لا تدخل عليهم وحدك.

قال أبو بكر: وما عسى أن يصنعوا بي؟ والله لآتينهم.

فانطلق أبو بكر رضي الله عنه وقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنكم استبددتم بالامر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لنا في هذا الامر نصيبا، فلم يزل علي يذكر حتى بكى أبو بكر رضي الله عنه.

وقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بينكم في هذه الاموال فإني لم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته.

فلما صلى أبو بكر رضي الله عنه الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر به، وتشهد علي رضي الله عنه فعظم حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ثم قام إلى أبي بكر رضي الله عنهما فبايعه.

فأقبل الناس على علي فقالوا: أحسنت، وكان الناس إلى علي قريبا حين راجع الامر بالمعروف.

وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والنسائي من طرق متعددة عن الزهري عن عروة عن عائشة بنحوه.

فهذه البيعة التي وقعت من علي رضي الله عنه، لابي بكر رضي الله عنه، بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج، ولم يكن علي

مجانبا لابي بكر هذه الستة الاشهر، بل كان يصلي وراءه ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذي القصة كما سيأتي.

وفي صحيح البخاري: أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان، فاحتمله على كاهله وجعل يقول: يا بأبي شبه النبي، ليس شبيها بعلي.

وعلي يضحك.

ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي كما تقدم وكما تقرر.

والله أعلم.

وأما تغضب فاطمة رضي الله عنها وأرضاها على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فما أدري ما وجهه، فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا نورث ما تركنا صدقة " وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث كما خفي على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخبرتهن عائشة بذلك، ووافقنها عليه، وليس يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه فيما أخبرها به، حاشاها وحاشاه من ذلك، كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف،

البداية والنهاية - (5 / 308)

وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين كما سنبينه قريبا.

ولو تفرد بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الارض قبول روايته والانقياد له في ذلك، وإن كان غضبها لاجل ما سألت الصديق إذ كانت هذه الاراضي صدقة لا ميراثا أن يكون زوجها ينظر فيها، فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلي ما كان يليه رسول الله، ولهذا قال: وإني والله لا أدع أمرا كان يصنعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.

وهذا الهجران والحالة هذه فتح على فرقة الرافضة شرا عريضا، وجهلا طويلا، وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم ولو تفهموا الامور على ما هي عليه ليعرفوا للصديق فضله، وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله، ولكنهم طائفة مخذولة، وفرقة

مرذولة، يتمسكون بالمتشابه، ويتركون الامور المحكمة المقدرة عند أئمة الاسلام، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الاعصار والامصار رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عقيل عن ابن شهاب: قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك، فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته فقال: انطلقت حتى أدخل على عمر فأتاه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؟ قال نعم! فأذن لهم ثم قال: هل لك في علي وعباس؟ قال نعم! قال عباس: يا أمير المؤمنين أقض بيني وبين هذا، قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا صدقة؟ " يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل على علي وعباس فقال: هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك.

قال عمر بن الخطاب: فإني أحدثكم عن هذا الامر، إن الله كان قد خص لرسول الله في هذا الفئ بشئ لم يعطه أحدا غيره.

قال: * (ما أفاء الله على رسوله) * [الحشر: 7] إلى قوله: * (قدير) * فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما احتازها دونكم، ولا استأثرها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم! ثم اقل لعلي وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم فتوفى الله نبيه فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، حتى جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا

البداية والنهاية - (5 / 309)

ليسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت إن شئتما دفعتها إليكما بذلك، فتلتمسان مني قضاء غير ذلك! فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها (1) .

وقد رواه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه، ومسلم وأهل السنن من طرق عن الزهري به.

وفي رواية في الصحيحين فقال عمر: فوليها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق، ثم وليتها فعملت فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والله يعلم أني صادق بار راشد تابع للحق.

ثم جئتماني فدفعتها إليكما لتعملا فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر وعملت فيها أنا، أنشدكم بالله أدفعتها إليهما بذلك؟ قالوا: نعم.

ثم قال لهما.

أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك! لا والذي بإذنه تقوم السماء والارض.

وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن الزهري عن مالك بن أوس قال: سمعت عمر يقول لعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد: نشدتكم بالله الذي تقوم السماء والارض بأمره أعلمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: " لا نورث ما تركنا صدقة؟ " قالوا نعم! على شرط الصحيحين.

قلت: وكل الذي سألاه - بعد تفويض النظر إليهما والله أعلم - هو أن يقسم بينهما النظر فيجعل لكل واحد منهما نظر ما كان يستحقه بالارض لو قدر أنه كان وارثا، وكأنهما قدما بين أيديهما جماعة من الصحابة منهم عثمان وابن عوف وطلحة والزبير وسعد، وكان قد وقع بينهما خصومة شديدة بسبب إشاعة النظر بينهما، فقالت الصحابة الذين قدموهم بين أيديهم: يا أمير المؤمنين اقض بينهما، أو أرح أحدهما من الآخر.

فكأن عمر رضي الله عنه تحرج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث ولو في الصورة الظاهرة محافظة على امتثال قوله صلى الله عليه وسلم " لا نورث ما تركنا صدقة " فامتنع عليهم كلهم وأبى من ذلك أشد الاباء رضي الله عنه وأرضاه.

ثم إن عليا والعباس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعا إلى زمان عثمان بن عفان، فغلبه عليها علي وتركها له العباس بإشارة ابنه عبد الله رضي الله عنهما بين يدي عثمان، كما رواه أحمد في مسنده.

فاستمرت في أيدي العلويين.

وقد تقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله

عنهما، فإني ولله الحمد جمعت لكل واحد منهما مجلدا ضخما ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآه من الفقه النافع الصحيح، ورتبته على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم.

وقد روينا أن فاطمة رضي الله عنها احتجت أولا بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي، وأنها سلمت له ما قال.

وهذا هو المظنون بها رضي الله عنها.

وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن فاطمة قالت لابي بكر: من يرثك إذا مت؟ قال ولدي وأهلي، قالت: فما لنا لا نرث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمعت

البداية والنهاية - (5 / 310)

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن النبي لا يورث " ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق.

وقد رواه الترمذي في جامعه: عن محمد بن المثنى عن أبي الوليد الطيالسي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فذكره بوصل الحديث.

وقال الترمذي حسن صحيح غريب.

فأما الحديث الذي قال الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل.

قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أأنت ورثت رسول الله أم أهله؟ فقال: لا بل أهله، فقالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده " فرأيت أن أرده على المسلمين.

قالت: فأنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهكذا رواه أبو داود: عن عثمان بن أبي شيبة، عن محمد بن فضيل به.

ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة، ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه تشيع فليعلم ذلك.

وأحسن ما فيه قولها أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الصواب والمظنون بها، واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها، رضي الله عنها.

وكأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظرا على هذه الصدقة فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه، فتعتبت عليه بسبب ذلك وهي امرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفون وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفة أبي بكر

الصديق رضي الله عنها وقد روينا عن أبي بكر رضي الله عنه: أنه ترضا فاطمة وتلاينها قبل موتها فرضيت رضي الله عنها.

قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور، أنبأنا أبو حمزة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي.

قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأدن عليها، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ فقالت أتحب أن آذن له؟ قال: نعم! فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال: والله ما تركت الدار والمال والاهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت (1) .

وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي، أو ممن سمعه من علي، وقد اعترف علماء أهل البيت بصحة ما حكم به أبو بكر في ذلك.

قال الحافظ البيهقي: أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله الصفار، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا نصر بن علي، ثنا ابن داود عن فضيل بن مرزوق.

قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك (2) .



















فهرست مباحث فدك
متفرقات و پیش نوشت مباحث فدك