بسم الله الرحمن الرحیم
المغنی ط قاهره ج2 ص191
[مسألة ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته]
(1235) مسألة؛ قال: (إذا جاوز بيوت قريته) . وجملته أنه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته، ويجعلها وراء ظهره. وبهذا قال مالك، والشافعي، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، وحكي ذلك عن جماعة من التابعين. وحكي عن عطاء، وسليمان بن موسى، أنهما أباحا القصر في البلد لمن نوى السفر. .
وعن الحارث بن أبي ربيعة، أنه أراد سفرا، فصلى بهم في منزله ركعتين، وفيهم الأسود بن يزيد، وغير واحد من أصحاب عبد الله. وروى عبيد بن جبر، قال: «كنت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط، في شهر رمضان، فدفع، ثم قرب غذاؤه، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، ثم قال: اقترب. فقلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأكل» . رواه أبو داود.
ولنا، قول الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101] ولا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة. قال أنس: «صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعا، وبذي الحليفة ركعتين» . متفق عليه، فأما أبو بصرة فإنه لم يأكل حتى دفع، وقوله: لم يجاوز البيوت: معناه - والله أعلم - لم يبعد منها؛ بدليل قول عبيد له: ألست ترى البيوت؟
إذا ثبت هذا؛ فإنه يجوز له القصر وإن كان قريبا من البيوت.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها. وروي عن مجاهد، أنه قال: إذا خرجت مسافرا فلا تقصر الصلاة يومك ذلك إلى الليل، وإذا رجعت ليلا فلا تقصر ليلتك حتى تصبح. ولنا قول الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101] .
وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها. وحديث أبي بصرة، وقال عبد الرحمن الهمذاني: خرجنا مع علي - رضي الله عنه - مخرجه إلى صفين، فرأيته صلى ركعتين بين الجسر وقنطرة الكوفة. وقال البخاري: خرج علي فقصر، وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة. قال: لا حتى ندخلها. ولأنه مسافر، فأبيح له القصر، كما لو بعد.
(1236) فصل: وإن خرج من البلد، وصار بين حيطان بساتينه، فله القصر؛ لأنه قد ترك البيوت وراء ظهره وإن كان حول البلد خراب قد تهدم وصار فضاء، أبيح له القصر فيه كذلك. وإن كانت حيطانه قائمة فكذلك. قاله الآمدي، وقال القاضي: لا يباح. وهو مذهب الشافعي لأن السكنى فيه ممكنة، أشبه العامر. ولنا، أنها غير معدة للسكنى، أشبهت حيطان البساتين.
وإن كان في وسط البلد نهر فاجتازه، فليس له القصر؛ لأنه لم يخرج من البلد ولم يفارق البنيان، فأشبه الرحبة والميدان في وسط البلد. وإن كان للبلد محال، كل محلة منفردة عن الأخرى، كبغداد، فمتى خرج من محلته أبيح له القصر إذا فارق محلته، وإن كان بعضها متصلا ببعض، لم يقصر حتى يفارق جميعها. ولو كانت قريتان متدانيتين، فاتصل بناء إحداهما بالأخرى، فهما كالواحدة، وإن لم يتصل، فلكل قرية حكم نفسها.
(1237) فصل: وإذا كان البدوي في حلة، لم يقصر حتى يفارق حلته، وإن كانت حللا فلكل حلة حكم نفسها، كالقرى. وإن كان بيته منفردا فحتى يفارق منزله ورحله، ويجعله وراء ظهره، كالحضري.
الام شافعی ج1 ص212
(قال: الشافعي) : وإذا أراد الرجل أقل سفر تقصر فيه الصلاة لم يقصر حتى يخرج من منزله الذي يسافر منه وسواء كان المنزل قرية، أو صحراء فإن كانت قرية لم يكن له أن يقصر حتى يجاوز بيوتها ولا يكون بين يديه منها بيت منفردا ولا متصلا وإن كان في صحراء لم يقصر حتى يجاوز البقعة التي فيها منزله فإن كان في عرض واد فحتى يقطع عرضه وإن كان في طول واد فحتى يبين عن موضع منزله وإن كان في حاضر مجتمع فحتى يجاوز مطال الحاضر ولو كان في حاضر مفترق فحتى يجاوز ما قارب منزله من الحاضر وإن قصر فلم يجاوز ما وصفت أعاد الصلاة التي قصرها في موضعه ذلك فإن خرج فقصد سفرا تقصر فيه الصلاة ليقيم فيه أربعا ثم يسافر إلى غيره قصر الصلاة إلى أن يبلغ الموضع الذي نوى المقام فيه فإن بلغه وأحدث نية في أن يجعله موضع اجتياز لا مقام أتم فيه فإذا خرج منه مسافرا قصر ويتم بنية المقام؛ لأن المقام يكون بنية ولا يقصر بنية السفر حتى يثبت به السير.