بسم الله الرحمن الرحیم

تعليقة البرهان القاطع في حکم الشهادة الثالثة

فهرست شهادت ثالثة
حي علي خير العمل و محمد و علي خير البشر





بسم الله الرحمن الرحیم

صفحه211 البرهان القاطع

السؤال: ما حکم الشهادة الثالثة...

الجواب: الشهادة الثالثة لیست من الأجزاء...

التوضیح: قد وافق سماحته -قدس سره- هنا القول المشهور بین الأصحاب من کون الشهادة الثالثة لیست جزءً للأذان، بل عبّر عنه فی الجواهر بتسالم الأصحاب، فقال: بل لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناء على صلاحية العموم لمشروعية الخصوصية،(جواهر الكلام ج‌9، ص: 87) و جعلها العلامة الطباطبائی بحرالعلوم (قده) مثل الصلاة علی رسول الله -صلی الله علیه وآله- بعد الشهادة الثانیة فکما أنّها لیست جزءً للأذان مع أنّها مستحبّة حین الأذان بعد سماع اسم رسول الله - صلی الله علیه وآله- فکذا الشهادة الثالثة مستحبة حین الأذان مع أنّها لیست جزءً له، فقال (قده) فی الدّرّة النجفیة:

الدرة النجفية (لبحر العلوم)؛ ص: 114
صل إذا ما اسم محمد بدا
عليه و الآل فصِلْ لتحمدا
و أكمل الشهادتين بالتي
قد أكمل الدين بها في الملة
و انها مثل الصلاة خارجة
عن الخصوص بالعموم والجة


و قد أحسن (قده) حیث عبّر عن الشهادة الثالثة بأنّها إکمال الشهادتین حیث جعلها الله تعالی فی کتابه الکریم إکمالاً للدین فی قوله تعالی: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً(المائدة 3)

و أوّل مَن خالف الأصحاب صریحاً و أفتی بکون الشهادة الثالثة من الأجزاء المستحبّة للأذان هو العلامةالمجلسی(قده) فی البحار فیما نعلم، و الممهّد له والده (قده) فی شرح الفقیه، و استحسنه صاحب الحدائق (قده) قبل نقل عبارة البحار و بعده بقوله: و نعم ما قال(الحدائق ج‌7 ص 403) ... و هو جيد(الحدائق ج‌7 ص 404) لکن صاحب الجواهر(قده) أردفه بعد نقل عبارة البحار بقوله: و هو‌ كما ترى،(جواهر الكلام ج‌9 ص 86) و قال فی المستمسک بعد توجیه کلام المجلسی (قده) : و ما في الجواهر من أنه كما ترى. غير ظاهر.(مستمسك العروة ج‌5 ص 545).

و مال إلیه سماحة المصنّف (قدس سره الشریف) فی کتابه جامع المسائل حیث قال (جامع المسائل ج‌1 ص 334 بالفارسیة): « ولایبعد الاستحباب الخصوصی و الجزئیة الاستحبابیة للأذان المستحبّ فی صورة الإتیان برجاء المطلوبیة بالنسبة إلی الإقرار بولایة أمیرالمؤمنین علی بن أبیطالب -علیه السلام- بجمع (بجمیع) العبارات المتلازمة المنقولة فی النهایة و الفقیه و الاحتجاج أی « أنّ علیّاً ولیّ الله» مذکور فی الاوّلین[ النهایة و الفقیه] و « علیٌّ أمیرالمؤمنین» فی الأخیر»[ الاحتجاج] و کلمة «أشهد» فی الثانی[ الفقیه] مع زیادة« مرّتین» مذکورة؛ و أمّا فضیلة الإقرار العمومی بالولایة فغیر محتاج إلی دلیل خاصّ بالأذان، و لاتکون لها عبارة مخصوصة، و الأکمل هی العبارة المشتملة علی الإقرار بالخلافة أو الوصایة للإثنی عشر وجوداً مقدّساً علیهم السلام. انتهی عبارة جامع المسائل مترجماً

و هنا سؤال مهمّ، و هو أنّه کیف اجترأ المجلسی (قده) أن یخالف الأصحاب و یفتی بجزئیة الشهادة الثالثة للأذان؟

والجواب لطیف، و هو أنّ الأصحاب أنفسهم کانوا أسباباً لأن یخالفهم هو و موافقوه-قدّست أسرارهم-، فإنّ المجلسی و والده و مَن بعدهم لیست لدیهم أیّة روایة تصرّح بجزئیة الشهادة الثالثة للأذان لکنّ الأصحاب أنفسهم شهدوا بأنّه کانت لدیهم روایات صریحة فیها و لکنّهم لم یعملوا و لم یفتوا بها و هجرت بحیث لم یبق منها أثر فی کتبنا الحدیثية الیوم.

قال فی البحار بعد نقل عبارة الصدوق (قده) فی الفقیه و حکمه بوضع المفوّضة أخبار جزئیة الشهادة الثالثة للأذان: و أقول لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ و العلامة و الشهيد و غيرهم بورود الأخبار بها(بحار الأنوار ج‌81 ص 111)

فنراه یستشهد بشهادة هؤلاء بورود الأخبار بها مع حکمهم بشذوذ تلک الأخبار فی قبال الصدوق (قده) الذی حکم بوضعها من المفوّضة.

و قال والده (قده) فی شرح الفقیه: الجزم بأن هذه الأخبار من موضوعاتهم مشكل، مع أن الأخبار التي ذكرنا في الزيادة و النقصان و ما لم نذكره كثيرة، و الظاهر أن الأخبار بزيادة هذا الكلمات أيضا كانت في الأصول و كانت صحيحة أيضا كما يظهر من المحقق و العلامة و الشهيد رحمهم الله فإنهم نسبوها إلى الشذوذ و الشاذ ما يكون صحيحا غير مشهور(روضة المتقين ج‌2 ص 245) إلی أن قال: على أنه غير معلوم أن الصدوق أي جماعة يريد من المفوضة و الذي يظهر منه كما سيجي‌ء أنه يقول كل من لم يقل بسهو النبي فإنه المفوضة و كل من يقول بزيادة العبادات من النبي فإنه من المفوضة، فإن كان هؤلاء، فهم كل الشيعة غير الصدوق و شيخه و إن كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى ننسب إليهم الوضع و اللعن نعم كل من يقول بألوهية الأئمة أو نبوتهم فإنهم ملعونون.(روضة المتقين ج‌2 ص 246).

و قال سماحة المصنّف -قدس سره الشریف- فی کتابه بهجةالفقیه (غیرمطبوع هذا الموضع منه بعد):
« و هل نسبت الجزئیة لمرتبة [من] الأذان و الإقامة؟ فلایبعد ذلک مع إخراج الصورتین المتقدّمتین بناءً علی ما روی من الروایات المرسلة الغیرالمعلوم خلافها بسبب الرمی بشذوذ المعتقدین و أنّهم من المفوّضة فإنّ بطلان عقیدتهم غیربطلان أذانهم بروایاتهم نعم یعتبر الإتیان برجاء المطلوبیة بناءً علی اعتبار ذلک فی استفادة الاستحباب من الأخبار مَن بَلَغَ کما وجّهناه فی محلّه» انتهی.

و قد أطرف سماحته (قده) فیما نقلناه من جامع المسائل:« وکلمة أشهد فی الثانی الخ» حیث أفتی و أشار إلی مستنده و رکز علی نکتتین فی نفس نقل الصدوق فی الفقیه، وهما کلمة«أشهد» مع زیادة«مرّتین» حیث قال فی الفقیه: وَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمْ بَعْدَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً وَلِيُّ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ رَوَى بَدَلَ ذَلِكَ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً مَرَّتَيْنِ(من لا يحضره الفقيه ج‌1 ص 290)

فالصدوق (قده) عند سماحته (قده) له شأنان شأن الإخبار و شأن الحکم فهو یُخبرنا بوجود روایات عند المفوّضة لکن یحکم علیها بالوضع و هو صدوقٌ فی إخباره، مجتهدٌ فی حکمه، وسماحته(قده)لایوافقه فی حکمه بقوله:«الغیرالمعلوم خلافها»أی علی حدّ تعبیر والد المجلسی (قدهما) لم یرد عن أهل البیت-علیهم السلام- نهیٌ عنها، فخلاف مفاد هذه الروایات غیرمعلوم فلامانع من شمول أخبار مَن بَلَغَ لها، فأفتی سماحته بنوع خاص من الجزئیة هی الجزئیة للمرتبة الکاملة حتی مع کلمة أشهد و زیادة مرّتین وفقاً لشأن أخبار الصدوق عمّا بلغه فی زمانه من روایاتهم.

و هنا اُمور ینبغی أن ننبّه علیها:

الاوّل: إنّ الجزئیة علی أنواع، والتی تهمّنا هنا نوعان منها؛ الجزئیة الوضعیة المقوّمة للکلّ بحیث ینتفی الکلّ رأساً بانتفائها، والجزئیة التکلیفیة المکمّلة للکلّ بمعنی المقوّمة لمرتبة عالیة للکلّ لا لأصله، وبملاحظة هذه النکتة یمکننا أن نجمع بین أدلة الطرفین فی موضوع البحث، فانّ سماحته (قده) استدلّ علی عدم جزئیة الشهادة الثالثة للأذان فی کتابه بهجة الفقیه (مرّ انّه غیرمطبوع إلاّ المجلّد الاوّل منها) فقال: «و أمّا الشهادة بالولایة فلیست جزءً کما یشهد به شهادة قطعیة العمل المستمرّ فی زمان النبی و الاوصیاء-علیهم السلام-».

و وجّهه فی کشف الغطاء بأنّ الأذان وضع لشعائر الإسلام دون الإیمان و أنّ أمیرالمؤمنین-علیه السلام- کان لایذکر اسمه علی المنابر حین نزول الأذان، کیف والنبی -صلی الله علیه وآله- کان یؤمر فی نصبه-علیه السلام- للخلافة مکرّراً و هو یستعفی حذراً من المنافقین حتّی جاءه التشدید من ربّ العالمین.

لکن لایخفی أنّ قوله« وضع لشعائر الإسلام دون الإیمان» لایکون معناه«بشرط لا» مِن أن یکون شعاراً للإیمان، و أیّ مانع أن یوضع أصل الأذان لشعائر الإسلام، و توضع مرتبة کاملة منه لشعائر الإسلام و الإیمان معاً.

فتبیّن أنّ مراد النافین للجزئیة هی الجزئیة الوضعیة المقوّمة بحیث إذا لم تذکر الشهادة الثالثة صار الأذان باطلاً کالعدم، فلیست جزءً للأذان بحیث ینتفی الأذان بانتفائه و یصیر الأذان المستمرّ فی زمان النبی و الاوصیاء-علیهم السلام- کلاأذان، لکن هناک نوعٌ آخر من الجزئیة جزئیة واقعیة لکن غیرمقوّمة نظیر جزئیة الید للبدن أو جزئیة الشَعر واللِحیة للبدن التی تفترق عن معیّة الثوب واللباس للبدن.

و قد جمع سماحته(قده) بین المعنیین للجزئیة فی بهجةالفقیه، فاستدلّ اوّلاً لعدم الجزئیة، و أعقبه بالاستدلال للجزئیة لمرتبة فاضلة للأذان بقوله: وهل نسبت الجزئیة لمرتبة[من] الأذان و الإقامة؟ فلایبعد ذلک، إلی قوله(قده): ولایحتاج فی شیئ من الصور إلی الدلیل اللفظی و إن ورد مایمکن الاستناد إلیه فی الجزئیة للمرتبة الفاضلة إذا أتی بها برجاء المحبوبیة عملاً بروایات مَن بَلَغَ فی متیقـّنها»انتهی

و بهذا یتـّضح الفرق بین الفتوی بالجزئیة والفتوی بالاستحباب بلاجزئیة، فإنّه کالفرق بین الشَعر و المحاسن و بین اللباس مع أنّ کلیهما زینة، و کذا یمکن أن نقول بأنّ الفتوی بالجزئیة لیس فتویً مخالفاً لفتوی الأصحاب لاختلاف المراد فی الجزئیة و عدم التنافی بینهما.

الثانی: الاستحباب العمومی للشهادة بالولایة حین الأذان، غیر أنّه معلومٌ من مسلّمات الإیمان، مؤیّدٌ بروایة الاحتجاج الخاصّة، و فی آخرها: فَإِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلْيَقُلْ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع‌ (الاحتجاج ج‌1 ص 158).

و لعلّها یمکن استفادة نوعٌ من الجزئیة منها، و أشار صاحب الجواهر(قده) بقوله: «بناء على صلاحية العموم لمشروعية الخصوصية»، بعد قوله: «بل لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية» (جواهر الكلام ج‌9 ص 87) ، و قد مرّ.

الثالث: قد مرّ أنّه لیست فی الکتب الحدیثیّة الیوم روایة خاصّة تنصّ علی جزئیة الشهادة الثالثة للأذان، و القائلون بالجزئیة استندوا إلی نقل الأصحاب أنّه کانت روایات فی ذلک لکنّها تبلغ إلینا.

و ممّا یجدر بالذکر أنّه یحکی عن الشیخ عبدالله المراغی فی کتابه «السلافة فی أمر الخلافة» روایتان تصلحان من حیث الدلالة للاستناد إلیهما فی استحباب الخصوصی و الجزئیة الخاصّة للأذان، لکن من حیث السند، الکتاب و مؤلفه غیرمعلومَین لایصلحان للاستناد إلاّ علی بعض المبانی فی مفاد أخبار مَن بَلَغ، والتسامح فی أدلّة السنن:

الروایة الاولی: أنّ سلمان الفارسی - رضوان الله علیه- ذکر فی الأذان و الإقامة الشهادة بالولایة لعلیّ -علیه السلام- بعد الشهادة بالرسالة فی زمن النبی -صلی الله علیه وآله- فدخل رجل علی رسول الله -صلی الله علیه وآله- فقال سمعت أمراً لم أسمع قبل ذلک، فقال: ماهو؟ فقال: سلمان شهد فی أذانه بعد الشهادة بالرسالة بالشهادة بالولایة لعلیّ -علیه السلام-. فقال (ص): سمعتم خیراً»،

والروایة الثانیة: أنّ أباذر یذکر فی الأذان بعد الشهادة بالرسالة ذلک و یقول: أشهد أنّ علیاً ولیّ الله، فأخبر بذلک رسول الله -صلی الله علیه وآله- فقال: کذلک، أوَنَسیتم قولی فی غدیرخم؛ مَن کنت مولاه فعلیٌّ مولاه؟ فمن نکث فإنّما ینکث علی نفسه»

و هاتان الروایتان لهما شاهد قوی من لسان المخالفین یرشدنا إلی أنّ بعض الصحابة والتابعین کانوا یذکرون أمر الولایة فی الصلاة فضلاً عن الأذان و الإقامة ، و هو أنّهم فی مقام جرح کُدیر الضبّی و اختلافهم فی صحبته نقلوا عن سماک بن سلمه قال: كُدَيْرٌ الضَّبِّيُّ كَانَ مِنَ الشِّيعَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، يُقَالُ لَهُ حَمْدَانَ الْوَرَّاقَ ثِقَةٌ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى كُدَيْرٍ الضَّبِّيِّ أَعُودُهُ بَعْدَ الْغَدَاةِ , فَقَالَتْ لِيَ امْرَأَتُهُ: ادْنُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَكَّأَ عَلَيْكَ , فَذَهَبْتُ لِيَعْتَمِدَ عَلَيَّ , فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ: سَلَّامٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْوَصِيِّ , فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ يَا فُلَانُ لَا يَرَانِي اللَّهُ عَائِدًا إِلَيْكَ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا.(الضعفاء الكبير للعقيلي ج4 ص13)

و تری هذا بعبارات قریبة مثل: «السلام علی النبیّ و الوصیّ» أو «اللهم صلّ علی النبیّ و الوصیّ» فی عشرات من الکتب الرجالیة للعامّة بحیث تطمئنّ النفس بصدور ذلک من کُدیر- رضوان الله علیه-.

الرابع: قال والد المجلسی(قدّهما) فی شرح الفقیه، روضة المتقین ج 2 ص 246: «فبمجرد عمل المفوضة أو العامة على شي‌ء لا يمكن الجزم بعدم ذلك أو الوضع‌ إلا أن يرد عنهم صلوات الله عليهم ما يدل عليه و لم يرد مع أن عمل الشيعة كان عليه في قديم الزمان و حديثه» ، نری أنّه فی قبال المفوّضة ذکر عمل الشیعة و أنّ عملهم فی قدیم الزمان و حدیثه کان علی إتیان الشهادة بالولایة فی الأذان، و لکلیهما شواهد، فقد نقل ابن العدیم(متوفی 660) فی کتابه بغیةالطلب فی تاریخ الحلب ج 2 ص 943 عن الصولی فی سنة إحدی و تسعین و مأتین(291 ه ق) أنّ أذان القرامطة فی حمص کان مشتملاً علی أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله: «... عن أبي بكر الصولي قال: وأجلس القرامطة مكان علي بن عبد الله أخا له يقال له أحمد بن عبد الله، زعموا أنه عهد إليه، وصار أحمد بن عبد الله إلى حمص ودعي له بها وبكورها، وأمرهم أن يصلوا الجمعة أربع ركعات، وأن يخطبوا بعد الظهر، ويكون أذانهم: أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن عليا ولي المؤمنين...»

و نقل التنوخی(متوفی 384) فی کتابه «نشوار المحاضرة» ج 2 ص 133 عن ابی الفرج الإضفهانی(متوفی 356) أنّه سمع رجلاً من القطیعة یقول فی أذانه أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله: «اذان رجل من القطيعة: أخبرني أبو الفرج الأصبهاني قال: سمعت رجلا من القطيعة يؤذّن: الله أكبر، الله أكبر،أشهدأن لا إله إلّا الله، أشهدأن محمدا رسول الله، أشهد أن عليّا وليّ الله،...»

و القطیعة هی محلّة ببغداد، لکن من المحتمل جدّاً أنّها تصحیف القطعیّة و هم الطائفة الإمامیة الإثناعشریة.

و کذا نقل ابن بطوطة(متوفی 779) فی رحلته ج 1 ص 214 عن أهل مدینة قطیف أنّ مؤذنهم یقول فی إذانه بعد الشهادتین أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله: «ثم سافرنا إلى مدينة القطيف "وضبط اسمها بضم القاف" كأنه تصغير قطف وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير تسكنها طوائف العرب، وهم رافضية غلاة يظهرون الرفض جهاراً لا يخافون أحداً ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين أشهد أن عليا ولي الله...»

و ممّا نقلناه ظهر بطلان ما ربّما یتوهّم: أنّ اشتمال الأذان علی الشّهادة بالولایة کان مِن زمن الصفویة، بل ذکر المؤرخون فی تاریخ الصفویة أنّ الشهادة الثالثة کانت فی أذان بغداد فی زمان البساسیری و عطّلت بعد السلطان طغرل السلجوقی(450 الهجریة) فأحیاها الشاه إسماعیل الصفوی بعد 528 سنین، ذکر ذلک الحسن بیک روملو فی کتابه أحسن التواریخ ص 85 .

و مع ذلک قد نقلنا عن ابن بطوطة أنّه سمع فی هذه الفترة من أهل القطیف، و هذه المذکورات کانت فی الأذان الإعلامی فی المآذن، و أمّا عمل الشیعة فی بیوتهم و بین أنفسهم فممّا لاینکر فی أیّ زمان، بل هو السبب فی إعلانه کلّما عادت السلطة للشیعة فی بلد من البلاد،

و ینقل والد المجلسی(قدهما) فی اللوامع: أنّهم أی الشیعة کانوا یتّهمون بالتسنّن کلّ من لایقول فی أذانه: أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله.

بل أنهی سماحة المصنّف -قدس سرّه الشریف- إلی العنوان المحرّم، فی قوله هنا: وأمّا التعمّد إلی الترک بعد اعتیاد الفعل فی المآذن العامّة أو مع غلبة الشیعة الغالبة أو فی مواضعهم مع عدم التقیّة من الجاهلین فهو نقص بعد الکمال بل ینتزع منه بعض العناوین المذمومة بل القبیحة أو المحرّمة مع اعتیاد الترک. انتهی

الخامس: و تعقیباً للکلام الذی نقلناه أخیراً من سماحته (قده) نقول: کلّ أمر بالنسبة إلی حکمه الشرعی له حالتان: حالة یلاحظ ذلک الأمر بالعنوان الأوّلی، أی حکمه فی حدّ نفسه مع قطع النظر عن أیّ أمر آخر، و حالة یلاحظ فیها اندراجه تحت العناوین الاُخر، و من هذا لایستغرب الخبیر بالأحکام الشرعیة أن یکون أمرٌ واحدٌ محکوماً بالأحکام الخمسة الشرعیة من الوجوب والاستحباب والإباحة والکراهة و الحرمة، بحسب تفاوت الشرائط.

فهکذا بالنسبة إلی حکم الشهادة الثالثة فی الأذان قد نلاحظ حکمها بالعنوان النفسی الأوّلیّ هل هو الاستحباب العمومی أو الاستحباب الخصوصی و الجزئیة للأذان علی أنحائها التی قد مرّ الکلام فیها، و تارة نلاحظ حکمها بالنسبة إلی الحیثیات الاخری، و فی هذا المقام قد یصیر هذا الأمر المستحبّ حراماً کما فی موضع التقیّة اللازمة، و قد یصیر واجباً کما فی مورد لزوم إعلام الجاهل.

قال سماحته -قدّس سرّه الشریف- فی بهجة الفقیه (غیرمطبوع بعدُ هذا الموضع منه) بعد بیان الحکم الأوّلیّ للشهادة بالولایة: «إلاّ أنّ ذکرها ذکر لما لاتقبل الأعمال إلاّ بها ففی موارد التقیة لابحث للإنتهاء أحیاناً إلی الحرمة، کما أنّها قد تجب لإرشاد الجاهلین و الدعوة إلی الإیمان بلامحذور، و فی غیرالصورتین فهی فی نفسها شعارالإیمان إذا أظهرت و إبطان الإیمان إذا استتر بها، و لا حاجة فی ذلک إلی الدلیل، و کراهة الکلام (أی کراهة التکلّم حین الأذان و الإقامة) لاتجری فی أرکان الإیمان التی هی روح الصلاة کما مرّ کما لاتجری فی تنظیم الصفوف، بل بناءً علی أنّ الفصول کلّها من الذکر کما عن المعتبر أو ملحقة به فهی من الذکر المندوب، و هل نسبت الجزئیة لمرتبة [من] الأذان و الإقامة فلایبعد ذلک...» إلی آخر ما نقلناه سابقاً.