بسم الله الرحمن الرحیم

فهرست فقه

غسل الجمعة

غسل الجمعة





الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة؛ ج‌4، ص: 217
و منها- غسل الجمعة‌
، و قد اختلف فيه الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) فالمشهور استحبابه، و قال الصدوق في الفقيه: غسل يوم الجمعة واجب على الرجال و النساء في السفر و الحضر، ثم قال و غسل يوم الجمعة سنة واجبة. و قال في الكافي: باب وجوب الغسل يوم الجمعة، ثم أورد الأخبار المتضمنة للوجوب، و بذلك نسب إليهما القول بالوجوب و فيه ما سيأتي بيانه في المقام ان شاء اللّٰه تعالى، و الى هذا القول مال شيخنا البهائي في الحبل المتين و نقل القول بالوجوب ايضا عن والد الصدوق، و الى هذا القول ذهب شيخنا الشيخ سليمان بن عبد اللّٰه البحراني و أيده و نصره و صنف فيه رسالة.
و منشأ هذا الخلاف اختلاف الاخبار ظاهرا، و ها نحن نبدأ أولا بذكر أخبار المسألة كملا كما هي قاعدتنا في الكتاب ثم نعطف الكلام ان شاء اللّٰه تعالى على تحقيق القول فيما يستفاد منها و ما تجتمع عليه بوجه لا يزاحمه الاشكال و لا يتطرق اليه ان شاء اللّٰه تعالى الاختلال.
فمنها-
ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن محمد بن عبد اللّٰه بن المغيرة عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الغسل يوم الجمعة فقال واجب على كل ذكر و أنثى من عبد أو حر».
و رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن عبد اللّٰه بن المغيرة عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) مثله «2»‌
و ما رواه ثقة الإسلام عن منصور بن حازم في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «الغسل يوم الجمعة على الرجال و النساء في الحضر و على الرجال في السفر».
و رواه في موضع آخر كذلك «4» و زاد عليه «و ليس على النساء في السفر».
و قال «5»: و في رواية أخرى «و رخص للنساء في السفر لقلة الماء».
و عن زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) «6»‌
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(6) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأغسال المسنونة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 218‌
في حديث قال: «الغسل واجب يوم الجمعة».
و رواه الصدوق في الخصال في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) «1» قال: «الغسل في يوم الجمعة واجب. الى تمام الخبر».
و روى الصدوق في العلل في الصحيح عن محمد بن احمد بن يحيى رفعه «2» قال:
«غسل الجمعة واجب على الرجال و النساء في السفر و الحضر إلا انه رخص للنساء في السفر لقلة الماء».
و ما رواه الكليني عن حريز في الحسن أو الصحيح عن بعض أصحابنا عن الباقر (عليه السلام) «3» قال: «لا بد من الغسل يوم الجمعة في السفر و الحضر و من نسي فليعد من الغد» قال «و روي فيه رخصة للعليل».
و ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) «4» قال: «اغتسل يوم الجمعة إلا ان تكون مريضا أو تخاف على نفسك».
و عن علي بن يقطين في الصحيح «5» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن النساء أ عليهن غسل الجمعة؟ قال نعم».
و ما رواه الشيخ و الصدوق عن سماعة بن مهران في الموثق «6» «انه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن غسل الجمعة فقال واجب في السفر و الحضر إلا انه رخص للنساء في السفر لقلة الماء».
و هذه الاخبار هي أدلة القول بالوجوب كما ينادي به ظاهرها، و منها-
ما رواه الشيخ عن علي بن يقطين في الصحيح «7» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الغسل في يوم الجمعة و الأضحى و الفطر؟ قال سنة و ليس بفريضة».
و عن زرارة في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «8» قال: «سألته عن غسل يوم الجمعة؟ قال هو سنة في السفر و الحضر إلا ان يخاف المسافر على نفسه القر».
و عن علي «9»- و الظاهر انه ابن‌
______________________________
(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(6) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة.
(7) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(8) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(9) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 219‌
أبي حمزة- قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن غسل العيدين أ واجب هو؟ قال هو سنة. قلت فالجمعة؟ قال هو سنة».
و روى المفيد (رحمه اللّٰه) في المقنعة مرسلا «1» قال:
«روي عن ابي عبد اللّٰه (عليه السلام) انه قال: غسل الجمعة و الفطر سنة في السفر و الحضر».
إذا عرفت ذلك فاعلم ان من ذهب من أصحابنا إلى الوجوب أخذ بظاهر الأخبار الأولة و أجاب عن الاخبار الأخيرة بحمل السنة فيها على ما ثبت وجوبه بالسنة، قال شيخنا البهائي في الحبل المتين حيث اختار هذا القول: «و أنت خبير بان الجمع بينها بحمل السنة على ما ثبت وجوبه بالسنة و الفريضة على ما ثبت وجوبه بالكتاب غير بعيد، و هو اصطلاح الصدوق في الفقيه كما يشعر به قوله: «الغسل كله سنة ما خلا غسل الجنابة» و هذا الذي اصطلح عليه ليس من مخترعاته بل ورد في كثير من الاخبار عن أئمتنا (عليهم السلام)
كما رواه في التهذيب عن الرضا (عليه السلام) «2» بطرق عديدة «ان الغسل من الجنابة فريضة و غسل الميت سنة».
قال الشيخ يريد ان فرضه عرف من جهة السنة لأن القرآن لا يدل على فرض غسل الميت،
و كما رواه عن سعد بن ابي خلف «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة و الباقي سنة».
قال العلامة في المختلف: المراد بالسنة ما ثبت من جهة السنة لا من طريق القرآن.
و لا حاصل ان إطلاق السنة على ذلك المعنى غير عزيز و حمل السنة عليه ليس بأبعد من حمل الوجوب في‌
قوله (عليه السلام): «الغسل واجب يوم الجمعة».
و قوله (عليه السلام) «انه واجب على كل ذكر و أنثى من عبد أو حر».
على المبالغة في الاستحباب، و منع كون الوجوب حقيقة شرعية في المعنى المصطلح عليه بين الفقهاء يأتي مثله في السنة، و بهذا يظهر ان قول الصدوقين غير بعيد عن الصواب» انتهى. و اما من ذهب الى القول‌
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم.
(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 220‌
بالاستحباب كما هو المشهور عملا بظاهر الأخبار الأخيرة من حمل السنة على معنى المستحب فإنه حمل الوجوب في الاخبار التي استند إليها الخصم على المعنى اللغوي أو تأكد الاستحباب لعدم ثبوت كون الوجوب عندهم (عليهم السلام) حقيقة في المعنى الاصطلاحي، قال المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في المنتقى- بعد ان نقل عن الشيخ حمل لفظ الوجوب في الاخبار على تأكد الاستحباب- ما صورته: «و كثيرا ما يذكر الشيخ هذا الكلام في تضاعيف ما يستعمل فيه هذا اللفظ و هو مطابق لمقتضى أصل الوضع و ان كان المتبادر في العرف الآن خلافه، فان العرف المقدم على اللغة هو الموجود في زمن الخطاب باللفظ و لا دليل على ان المعنى العرفي لهذا اللفظ كان متحققا في ذلك الوقت فيحمل على المعنى اللغوي. و يبقى الكلام في الخبر المتضمن للأمر بالاغتسال يوم الجمعة و لو قلنا بان الأمر في مثله يفيد الوجوب لاقتضت رعاية الجمع بينه و بين ما تضمن كون الغسل سنة ان يحمل على الندب» انتهى.
أقول: لا يخفى ان ما ذكره شيخنا البهائي في الحبل المتين من استعمال السنة فيما ثبت وجوبه بالسنة أكثر كثير في الاخبار، و منه- زيادة على ما ذكره من الخبرين-
ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» قال: «ان اللّٰه عز و جل فرض الركوع و السجود و القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد صلاته و من نسي القراءة فقد تمت صلاته».
و رواية الحسين بن النضر الأرمني الواردة في اجتماع الميت مع الجنب في السفر «2» و فيها قال: «يغتسل الجنب و يترك الميت لان هذا فريضة و هذا سنة».
و رواية التفليسي الواردة في ذلك ايضا «3» حيث قال فيها «إذا اجتمعت سنة و فريضة بدئ بالفرض».
و مرسلة محمد بن عيسى الواردة في ذلك ايضا «4» و فيها «لان الغسل من الجنابة فريضة و غسل الميت سنة».
و كذا ما ذكره المحقق المشار اليه من ان الوجوب‌
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب القراءة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم.
(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم.
(4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 221‌
في عرفهم (عليهم السلام) كما استفاضت به أخبارهم أعم من هذا المعنى الاصطلاحي فإنه حق لا ريب فيه. و قد تقدم في الاخبار المذكورة في صدر المطلب عد جملة من تلك الأغسال المتفق على استحبابها بلفظ الوجوب، و بالجملة فإن المتدرب في الاخبار لا يخفى عليه صحة الأمرين المذكورين. و الحق الحقيق بالاتباع- كما حققناه في جملة من المواضع- ان هذين اللفظين من الألفاظ المتشابهة في الاخبار و لا يجوز الحمل على أحد المعنيين فيها إلا مع القرينة، و مدعى دلالة لفظ الوجوب في أخبارهم (عليهم السلام) على الوجوب بهذا المعنى الاصطلاحي و هكذا لفظ السنة بمعنى المستحب خاصة مكابر مباهت، و بذلك يظهر سقوط استدلال كل من هذين القائلين بهذه الاخبار في البين بل الواجب على من يدعي الوجوب تحصيل دليل آخر غير هذه الاخبار المتقدمة و كذا من يدعي الاستحباب تحصيل دليل آخر غير ما ذكر.
و أنت خبير بان مع إلقاء هذين الدليلين من البين فإن الذي يظهر من الاخبار هو الاستحباب و ذلك من وجوه:
(الأول)- أصالة البراءة من الوجوب حتى يقوم دليل يوجب الخروج عنها و ليس فليس، و هو أقوى دليل في المقام إذ الاخبار الواردة التي استند إليها الخصم لا دلالة فيها على ما ادعاه، لما عرفت من ان الوجوب في كلامهم (عليهم السلام) أعم من هذا المعنى المصطلح عليه و هو الذي لا يجوز تركه فلا تنهض حجة في الخروج عن هذا الأصل.
(الثاني)- رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة فإنه لا مجال لحمل السنة فيها على ما ثبت وجوبه بالسنة كما ادعاه الخصم، لأن أصل السؤال تردد بين كونه واجبا أو سنة و السنة متى قوبلت بالواجب تعين حملها على معنى المستحب و انما يحصل الشك فيما إذا قوبلت بالفرض أو أطلقت، و أصل السؤال و ان كان عن غسل العيدين لكن قضية العطف إجراؤه في المعطوف عليه ايضا.
(الثالث)- صحيحة علي بن يقطين المتقدمة أيضا حيث عد غسل الجمعة فيها‌


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 222‌
في قرن غسل الضحى و الفطر فأجاب (عليه السلام) عن الجميع بأنه سنة، و من المتفق عليه عند الخصم ان غسل العيدين مستحب فيكون غسل الجمعة أيضا كذلك و الا لزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه أو المشترك في معنييه و هم لا يقولون به.
(الرابع)-
ما نقله شيخنا المجلسي في البحار عن كتاب جمال الأسبوع لابن طاوس في حديث رواه فيه بسنده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه و آله) «1» «انه قال لعلي (عليه السلام) في وصيته يا علي على الناس في كل يوم من سبعة أيام الغسل فاغتسل في كل جمعة، و لو أنك تشترى الماء بقوت يومك و تطويه فإنه ليس شي‌ء من التطوع بأعظم منه».
و هو صريح الدلالة كما ترى (الخامس)-
رواية الحسين بن خالد الصيرفي «2» قال: «سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال ان اللّٰه تبارك و تعالى أتم صلاة، الفريضة بصلاة النافلة و أتم صيام الفريضة بصيام النافلة و أتم وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان».
و التقريب فيها ظاهر من النظائر المذكورة، و حينئذ فالوجوب في صدر الرواية مراد به المعنى اللغوي.
و يؤيد ذلك عده في قرن المستحبات في جملة من الأخبار‌
كقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة هشام بن الحكم «3»: «ليتزين أحدكم يوم الجمعة يغتسل و يتطيب و يسرح لحيته و يلبس أنظف ثيابه».
و كقول الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة «4» «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة و شم الطيب و البس صالح ثيابك. الحديث».
و قول الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه «5» «و عليكم بالسنن يوم الجمعة و هي سبعة:
إتيان النساء و غسل الرأس و اللحية بالخطمي و أخذ الشارب و تقليم الأظافير و تغيير‌
______________________________
(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(3) المروية في الوسائل في الباب 47 من أبواب صلاة الجمعة.
(4) المروية في الوسائل في الباب 47 من أبواب صلاة الجمعة.
(5) ص 11.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 223‌
الثياب و مس الطيب، فمن أتى بواحدة من هذه السنن ثابت عنهن و هي الغسل، و أفضل أوقاته قبل الزوال و لا تدع في سفر و لا حضر، و ان كنت مسافرا و تخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم الخميس فان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة، و انما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان».
انتهى كلامه. و في قوله (عليه السلام):
«و انما سن الغسل.
إلخ» إشارة الى ما تضمنته رواية الحسين بن خالد المذكورة. و يؤيده أيضا الرخصة في تركه للنساء في السفر كما تقدم في صحيحة منصور بن حازم، إذ لا شي‌ء من الأغسال بل الأفعال الواجبة كذلك بل ورد جواز تركها له في الحضر‌
كما رواه الصدوق في الخصال عن جابر الجعفي عن الباقر (عليه السلام) «1» قال: «ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر و يجوز لها تركه في الحضر».
و هو أظهر ظاهر في الاستحباب.
هذا و عندي في اسناد القول بالوجوب الى الصدوق في الفقيه بمجرد الكلام المتقدم نظر: (أما أولا)- فلما علم من عادة المتقدمين- كما صرح به ايضا غير واحد من أصحابنا المتأخرين- أنهم يعبرون غالبا بمتون الأخبار، و الوجوب في الاخبار كما يحتمل المعنى المشهور كذلك يحتمل المعنى اللغوي أو تأكيد الاستحباب فعين ما يقال في الاخبار يقال في كلامهم، و لم يثبت كون الواجب عندهم حقيقة في المعنى المصطلح حتى يجب حمل كلامهم عليه، و على هذا يحمل ايضا كلام ثقة الإسلام في الكافي حيث عنون الباب بلفظ الوجوب.
(و اما ثانيا)-
فلما ذكره في الفقيه «2» في الباب المذكور من قوله: «و روي ان اللّٰه تعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة و أتم صيام الفريضة بصيام النافلة و أتم الوضوء بغسل يوم الجمعة».
و هو مضمون رواية الحسين بن خالد المتقدمة الظاهرة كما عرفت في‌
______________________________
(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) ج 1 ص 62 و في الوسائل في الباب 6 من الأغسال المسنونة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 224‌
الاستحباب، و ما وقع له في هذا المقام وقع مثله‌
في الفقه الرضوي أيضا حيث قال:
(عليه السلام) أولا: «و اعلم ان غسل الجمعة سنة واجبة لا تدعه في السفر و لا في الحضر» ثم قال (عليه السلام) في الكلام المتقدم نقله قريبا «و انما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان».
و اما ما ذكره شيخنا المشار اليه آنفا- من حمل اخبار الاستحباب على التقية لأنه مذهب أكثر الجمهور- «1» ففيه ان الحمل على التقية فرع تعارض الاخبار صريحا و الاخبار هنا- كما عرفت مما حققناه في الاخبار التي هي مناط الاستدلال من الطرفين- متشابهة لما ذكره من معنى الوجوب و السنة و انه لا يمكن الحمل على معنى مخصوص بل الأخبار المذكورة قابلة للانطباق على كل من القولين، و لو كان الوجوب ظاهرا في المعنى المصطلح و السنة ظاهرة في معنى الاستحباب لأمكن الحمل على التقية لظهور التقابل بين المعنيين و عدم إمكان حمل أحدهما على الآخر لكن الأمر ليس كذلك لما عرفت، فالواجب حينئذ- كما قدمنا ذكره- هو إغماض النظر عن هذه الاخبار و عدم الاستدلال بها في البين و النظر في تحصيل دليل آخر، و قد عرفت بما ذكرناه من الوجوه المتقدمة ان الظاهر هو الاستحباب، و حينئذ فيجب حمل تلك الاخبار المتشابهة عليه و كذا حمل ما ورد بالأمر بالغسل. و يؤيده زيادة على ما قدمناه شهرة القول به بل ادعى الإجماع عليه في الخلاف، و قد عرفت ان الخلاف في هذه المسألة غير واضح لما قدمنا ذكره.
و كيف كان فإنه و ان كان الظاهر هو الاستحباب إلا ان الاحتياط في الدين و الخروج من العهدة بيقين الموجب الدخول في زمرة المتقين يقتضي المحافظة على الإتيان به و عدم التهاون به، لما في جملة من الاخبار من مزيد التأكيد فيه على وجه يكاد ان يلحقه بالواجبات كما في جملة من السنن المؤكدة، فمنها- ما يدل على إعادة الصلاة في‌
______________________________
(1) كما في بدائع الصنائع ج 1 ص 269 و المغني ج 2 ص 345.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 225‌
الوقت بتركه‌
كما ورد في موثقة عمار «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلى؟ قال: ان كان في وقت فعليه ان يغتسل و يعيد الصلاة و ان مضى الوقت فقد جازت صلاته».
و روى الشيخ في الموثق عن سهل بن اليسع «2» «انه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو غير ذلك؟ قال ان كان ناسيا فقد تمت صلاته و ان كان متعمدا فالغسل أحب الي و ان هو فعل فليستغفر اللّٰه و لا يعد».
و روى أبو بصير «3» «انه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمدا؟ فقال ان كان ناسيا فقد تمت صلاته و ان كان متعمدا فليستغفر اللّٰه تعالى و لا يعد».
و ظواهر هذه الاخبار- كما ترى- دالة على ان تركه يوجب نقصا و خللا في الصلاة و لو في نقصان ثوابها و نقصا في الدين و الأمر بالاستغفار الذي لا يترتب إلا على الذنب، فالاحتياط في الدين يقتضي المحافظة على الإتيان به، هذا مع ما فيه من مزيد الطهارة‌
كما رواه في الكافي و التهذيب عن الأصبغ «4» قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أراد ان يوبخ الرجل يقول و اللّٰه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى».
و روى الشيخ عن ابي عبد اللّٰه (عليه السلام) «5» قال: «من اغتسل يوم الجمعة فقال:
اشهد ان لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله اللهم صل على محمد و آل محمد و اجعلني من المتطهرين، كان له طهرا من الجمعة إلى الجمعة».
تنبيهات‌
(الأول) [وقت غسل الجمعة]
- قد صرح الأصحاب بأن وقت الغسل المذكور ما بين الفجر الى الزوال و انه كلما قرب الى الزوال كان أفضل، و عن الشيخ في الخلاف الى ان يصلي الجمعة‌
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأغسال المسنونة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الأغسال المسنونة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأغسال المسنونة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب الأغسال المسنونة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 226‌
أقول: اما ان وقته من طلوع الفجر فيدل عليه ان الغسل وقع مضافا الى اليوم و لا ريب ان مبدأ اليوم هو طلوع الفجر شرعا و لغة و عرفا فلا يجزئ قبله،
و ما رواه في الكافي عن زرارة و الفضيل في الحسن «1» قالا: «قلنا له أ يجزئ إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال: نعم».
و رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز ابن عبد اللّٰه عن الفضيل و زرارة عن الباقر (عليه السلام) مثله «2» و حينئذ فيندفع عنه غشاوة الإضمار و ان كان إضمار مثل هذين المعتمدين غير ضائر لأنه من المعلوم انهما و أمثالهما لا يعتمدون على غير الامام (عليه السلام)
و في الفقه الرضوي «و يجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر و كلما قرب من الزوال فهو أفضل».
و في رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «3» «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة. الحديث».
و الظاهر ان الحكم إجماعي.
و اما ان آخر وقته الزوال فقال في المعتبر ان عليه إجماع الناس، و هو يؤذن بدعوى الاتفاق عليه من الخاصة و العامة، و يدل عليه‌
حسنة زرارة عن الباقر (عليه السلام) «4» قال: «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة، و قد تقدم الى ان قال: و ليكن فراغك من الغسل قبل الزوال فإذا زالت فقم و عليك السكينة و الوقار. الحديث».
و قد تقدم في عبارة‌
كتاب الفقه الرضوي «و أفضل أوقاته قبل الزوال».
و يؤيده أيضا ما رواه الشيخ عن محمد بن عبد اللّٰه عن الصادق (عليه السلام) «5» قال: «كانت الأنصار تعمل في نواضحها و أموالها فإذا كان يوم الجمعة جاؤا فتأذى الناس بأرواح آباطهم و أجسادهم فأمرهم رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك‌
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأغسال المسنونة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الأغسال المسنونة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب صلاة الجمعة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 227‌
السنة».
و رواه في الفقيه أيضا في باب غسل يوم الجمعة، و يدل عليه ايضا‌
ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار فان لم يجد فليقضه يوم السبت».
و المتبادر من القضاء هو فعل الشي‌ء الموقت خارج وقته، و احتمال مجرد الفعل و ان أمكن إلا ان الظاهر بعده إذ الظاهر ان لفظ القضاء في الموضعين بمعنى واحد، و اللازم من هذا الاحتمال جعل الأول بمعنى مجرد الفعل و الثاني مع التخصيص بخارج الوقت و لا يخلو من منافرة، و بهذا الخبر استدل في المعتبر على ذلك بعد عبارته المتقدمة و هو مبني على ما ذكرناه، و بذلك يظهر ان ما ذكره بعض فضلاء متأخري المتأخرين- من انه لو لا الإجماع على الحكم لأمكن القول بامتداده الى الليل لإطلاق اليوم في الروايات و جواز حمل الأمر في رواية زرارة على الفضلية- بعيد عن ظاهر هذه الأخبار فإنها بضم بعضها الى بعض ظاهرة الدلالة على الامتداد الى الزوال خاصة و بها تقيد اخبار اليوم التي ادعى إطلاقها، نعم‌
روى شيخنا المجلسي في البحار عن قرب الاسناد انه روى فيه عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليه السلام) «2» قال: «كان ابي يغتسل الجمعة عند الرواح».
و هو ظاهر في اغتساله آخر النهار لانه معنى الرواح لغة، و قال شيخنا المشار اليه بعد نقل الخبر المذكور: «الرواح العشي أو من الزوال الى الليل ذكره الفيروزآبادي» و لم يتعرض للجواب عن الخبر المذكور بشي‌ء و هو مشكل.
و اما ما نقل عن الشيخ من ان غايته صلاة الجمعة فاستحسنه في المدارك قال:
«و قال الشيخ في الخلاف يمتد الى ان تصلى الجمعة. و هو حسن تمسكا بمقتضى الإطلاق، و التفاتا الى ان ذلك محصل للغرض المطلوب من الغسل، و حملا للأمر بإيقاعه قبل الزوال في الرواية السابقة على تأكد الاستحباب» انتهى.
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 228‌
أقول: فيه (أولا)- ان مقتضى الإطلاق المذكور الامتداد الى آخر النهار لا الى هذا الحد بخصوصه، و هو لا يقول به.
و (ثانيا)- ان هذا الإطلاق يجب تقييده بما ذكرنا من الاخبار و لا سيما حسنة زرارة المذكورة الدالة صريحا على الأمر بإيقاعه قبل الزوال، و تأويل الرواية المذكورة سيما مع وجود المعاضد لها بما ذكره فرع وجود المعارض و ليس إلا إطلاق تلك الأخبار، و قضية حمل المطلق على المقيد توجب الوقوف على ظاهر الحسنة المذكورة، على انك قد عرفت ان العمل بذلك الإطلاق لا قائل به، و القول به في هذه الصورة المخصوصة تخصيص بلا مخصص.
و (ثالثا)- ان صريح الحسنة المشار إليها كون الغاية الزوال، و حينئذ فالقول بان غايته الصلاة ان أريد به وقتها فهو أول الزوال كما دلت عليه صحاح الاخبار و صراحها فيجب ان يكون الغسل قبله، و ان أريد به وقوعها بالفعل فإنه يلزم على هذا انه لو لم تصل الجمعة لم يكن غسل، و هو مما لا يقول به أحد مع ظهور الاخبار في خلافه، و به يظهر ان الواجب حمل كلام الشيخ على ما يوافق المشهور بجعل صلاة الجمعة كناية عن وقتها و هو الزوال.
و اما انه كلما قرب من الزوال كان أفضل فقد اعترف جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بعدم الوقوف على مستنده، و هو كذلك فاني لم أقف عليه إلا في كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه كما أسلفنا نقله في عبارته، و هذا من جملة خصوصيات الكتاب المذكور، و المتقدمون قد ذكروا هذا الحكم و الظاهر ان المستند فيه هو الكتاب المذكور و لكن خفي ذلك على المتأخرين لعدم وصول الكتاب إليهم، و بعبارة الكتاب المتقدمة عبر الصدوق في الفقيه، و الظاهر ان أباه في الرسالة كذلك ايضا و ان لم تحضرني الآن عبارته. و اللّٰه العالم.
(الثاني) [قضاء غسل الجمعة]
- المشهور بين الأصحاب انه لو فاته الغسل قبل الزوال قضاه بعد‌


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 229‌
الزوال أو في يوم السبت عمدا كان أو نسيانا لعذر أو لا لعذر، و ظاهر الصدوق في الفقيه اشتراطه بالنسيان أو العذر قال: «و من نسي الغسل أو فاته لعلة فليغتسل بعد العصر أو يوم السبت» و يدل على ما ذكره‌
مرسلة حريز عن بعض أصحابنا عن الباقر (عليه السلام) «1» قال: «لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر و الحضر فمن نسي فليعد من الغد».
و يدل على القول المشهور‌
موثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) «2» «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار فان لم يجد فليقضه يوم السبت».
و موثقة ابن بكير عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة؟ قال يغتسل ما بينه و بين الليل فان فاته اغتسل يوم السبت».
و في الفقه الرضوي «4» «و ان نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل ثم قال (عليه السلام) بعد كلام في البين: و أفضل أوقاته قبل الزوال، الى ان قال:
و ان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة».
و ظاهره- كما ترى- جواز القضاء في أيام الأسبوع، فإن المراد بالجمعة هنا الأسبوع كما وقع الإطلاق بذلك في جملة من الاخبار، و لم أقف على من قال بذلك و لا على خبر غيره يدل عليه، و كيف كان فالظاهر هو القول المشهور.
و اما ما رواه ذريح عن الصادق (عليه السلام) «5» «في الرجل هل يقضي غسل الجمعة؟ قال لا».
فان الظاهر حمله على نفي الوجوب جمعا، قال في المدارك: بعد ذكر موثقتي سماعة و ابن بكير دليلا للقول المشهور: «و مقتضى الروايات استحباب قضائه من وقت فوات الأداء الى آخر السبت فلا وجه لإخلال المصنف بذلك. و يمكن المناقشة في هذا الحكم بضعف مستنده و بأنه معارض بما رواه في التهذيب عن سعد بن عبد اللّٰه عن محمد بن الحسين عن معاوية بن حكيم عن عبد اللّٰه بن المغيرة عن ذريح عن‌
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.
(4) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 230‌
ابي عبد اللّٰه (عليه السلام) ثم أورد الرواية المذكورة قال: و مقتضاه عدم مشروعية القضاء و هو أوضح سندا من الخبرين السابقين الا ان عمل الأصحاب عليهما» انتهى.
أقول: اما ما ذكره من ان مقتضى الروايات استحباب قضائه من وقت فوات الأداء الى آخر السبت فإنه يعطي بظاهره ان الاخبار دلت على القضاء ليلة السبت ايضا مع انه ليس كذلك، فان المستفاد من صريحها تخصيص القضاء بما بعد الزوال الى آخر النهار و يوم السبت، و حينئذ فما يشعر به كلامه من ادعاء القضاء ليلة السبت محل نظر، و قد صرح بذلك جملة من الأصحاب فاعترفوا بعدم وجود النص على القضاء فيها، قال شيخنا المجلسي في البحار: «و ظاهر الأكثر استحباب القضاء ليلة السبت ايضا و الاخبار خالية عنه و ان أمكن ان يراد بيوم السبت ما يشمل الليل لكن لا يمكن الاستدلال به، و الأولوية ممنوعة لاحتمال اشتراط المماثلة» انتهى. و الى ذلك أشار أيضا في الذخيرة فقال: «و هل يلحق بما ذكر ليلة السبت؟ قيل نعم و هو خروج عن النصوص» و اما ما ذكره من قوله: «و يمكن المناقشة. إلخ» ففيه ايضا ان الظاهر ان هذا من جملة المناقشات الواهية (أما أولا)- فلان معاوية بن حكيم الذي في سند هذا الخبر و ان وثقة النجاشي إلا ان الكشي قد صرح بكونه فطحيا في موضعين أحدهما في ترجمته و ثانيهما في ترجمة محمد بن الوليد عده مع جماعة من الفطحية و ان وصفهم بالعدالة فحديثه لا يخرج عن الموثق الذي لا يزال يعده في الضعيف، و ترجيحه على عبد اللّٰه بن بكير و الحسن بن علي بن فضال الذين قد ورد في حقهما من المدح ما هو مذكور في محله مما لا يخفى ما فيه، و في سند هذا الخبر ايضا ذريح المحاربي و هو ليس بموثق و الأخبار متعارضة في مدحه و ذمه كما لا يخفى على من لاحظ كتب الرجال و ان كان لمدحه نوع رجحان، و بالجملة فإن ترجيحها على ما ذكره من الأخبار فضلا عما نقلناه ممنوع أتم المنع.
و (ثانيا)- ان كافة الأصحاب من أصحاب هذا الاصطلاح و غيرهم قد أعرضوا عن هذه الرواية كما اعترف به و هو أظهر ظاهر في سقوطها و ان سلمنا صحة سندها و اعتباره‌


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 231‌
كما ادعاه، و هو دليل على ضعف اصطلاحه الذي لا يزال يحامي دونه. و بالجملة فالأظهر كما عرفت هو حمل الخبر المذكور على ما قدمناه ذكره، و ربما حمل على عدم العذر بناء على ما ذكره الصدوق من تخصيص القضاء بصورة النسيان و العذر فمع عدمهما لا قضاء. و هو جيد لو ثبت ما ادعاه و إلا فالحمل عليه بعيد. و اللّٰه العالم.
(الثالث) [تقديم غسل الجمعة]
- لا خلاف بين الأصحاب في جواز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء يوم الجمعة، و الأصل فيه‌
ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسين عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «قال لأصحابه إنكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة».
و ما رواه ايضا عن الحسين بن موسى بن جعفر عن امه و أم أحمد بن موسى بن جعفر (عليه السلام) «2» قالتا: «كنا مع ابي الحسن (عليه السلام) بالبادية و نحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس: اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فإن الماء غدا بها قليل، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة».
و قد تقدم في‌
عبارة كتاب الفقه «و ان كنت مسافرا و تخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسلت يوم الخميس. الحديث».
و جوز الشيخ و جماعة: منهم- الشهيد الثاني التقديم مع خوف الفوات مطلقا و مورد الخبرين التقديم لخوف إعواز الماء خاصة لا التعذر مطلقا، قال في المدارك: «و الظاهر ان ليلة الجمعة كيوم الخميس فلا يجوز تقديمه فيها إلا إذا خاف عوز الماء و به قطع في الخلاف مدعيا عليه الإجماع» أقول: و هذا من قبيل ما تقدم له من قوله بالقضاء ليلة السبت مع عدم الدليل عليه بل ظهور الدليل في عدمه، و ليت شعري من اين حصلت له هذه الظاهرية مع اختصاص موارد النصوص بيوم الخميس و التعدي عنه يحتاج الى دليل؟ و لو تمكن من قدمه يوم الخميس من الماء يوم الجمعة فقد صرح جملة من الأصحاب: منهم- الصدوق باستحباب الإعادة، و لم أقف فيه على نص و لعل المستند فيه عموم الأدلة، و يمكن ان يقال ان جواز التقديم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على‌
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 232‌
مورده من عدم الماء و مع وجود الماء يرجع الى أصل الحكم في المسألة و عموم الأدلة الدالة على استحباب الغسل يوم الجمعة أو وجوبه.
فائدة [تفسير كلام للصدوق في المقام]
قال الصدوق في الفقيه: «و يجزئ الغسل للجمعة كما يكون للزواج و الوضوء فيه قبل الغسل» أقول: قد اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الكلمة أعني قوله «للزواج» ففي بعضها بالزاي المعجمة و الجيم و يؤيده ما حكاه الشيخ سليمان بن عبد اللّٰه البحراني قال:
قال بعض الاعلام سمعت الشيخ العالم الصالح الشيخ علي بن سليمان البحراني انه كانت عند شيخنا العلامة البهائي نسخة قديمة مصححة و فيها «للزواج» بالزاي و الجيم و هو الذي ضبطه الفاضل المحدث الكاشاني في المحجة البيضاء، و يؤيد ذلك ايضا ما ذكره المحقق العماد مير محمد باقر الداماد في تعليقاته على الكتاب، قال: الصواب ضبط هذه اللفظة بالزاي قبل الواو و الجيم بعد الالف و هو الذي سمعناه من الشيوخ و رأيناه في النسخ. انتهى. و ظاهر هذا الكلام إنكار ما عدا هذه النسخة. و في بعض النسخ بالراء و الحاء المهملتين، و ارتضاه بعض المحققين و قال ان هذه هي النسخة المعتبرة، قال لان الرواح على ما في القاموس من الزوال الى الليل أو الى العشي، فمراده حينئذ ان الغسل يجزئ للجمعة من طلوع الفجر كما يجزئ من الزوال. قيل و فيه رد على مالك حيث ذهب الى انه لا يعتد بالغسل إلا ان يتصل بالرواح إلى صلاة الجمعة مستدلا‌
بقول النبي (صلى الله عليه و آله) «من جاء بالجمعة فليغتسل» «1».
و لا يخفى انه ليس فيه دلالة على اتصال الغسل بصلاة الجمعة. قيل و حينئذ فاللام بناء على هذه النسخة لام التوقيت‌
______________________________
(1) كما في المدونة لمالك ج 1 ص 136 و فتح الباري لابن حجر ج 3 ص 243.
و روى الحديث صاحب الوسائل في الباب 6 من الأغسال المسنونة و و البخاري باب فضل الغسل يوم الجمعة و النسائي ج 1 ص 204 و مسلم ج 1 ص 313 و ابن ماجة ج 1 ص 338 و الترمذي في السنن على شرحه لابن العربي ج 2 ص 278 على اختلاف بسيط في لفظ الحديث.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 233‌
و المقارنة كما يقال كتبته لخمس خلون لا لأم العاقبة كما ظن. و كيف كان فإنه لا يخفى ما في توجيه هذه النسخة من البعد بل السخافة و ركاكة النظم و الأسلوب، و اما على تقدير النسخة الأولى فقيل ان المعنى ان غسل الجمعة يجزئ عن غسل الجنابة و هو الذي جزم به المحدث الكاشاني في المحجة البيضاء حيث قال: اما قوله: «و يجزئ الغسل للجمعة كما يكون للزواج» فمعناه انه يجزئ لهما غسل واحد، و هذا حق فان الصحيح تداخل بعضها بعضا إذا اجتمعت أسبابها كالوضوء، و يدل على ذلك الروايات الصحيحة عن أهل البيت (عليهم السلام) انتهى و قيل ان المعنى ان الغسل من الجنابة كما يكون للجنابة على قصد رفع الحدث و نية الوجوب أو مطلقا يكون بعينه مجزئا عن الغسل للجمعة و مسقطا للجنابة على أسبغ الوجوه،
لما روي صحيحا عن الصادق (عليه السلام) «1» انه قال: «إذا اجتمعت للّٰه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد».
و لا ينعكس اي لا يكون الغسل للجمعة بما هو غسل للجمعة مجزئا عن الغسل للجنابة و مسقطا للتكليف به على قصد نية الوجوب و قصد رفع الحدث أو استباحة العبادة المشروطة به. و الى هذا ذهب بعض المحققين في تعليقاته على الكتاب. و لا يخفى بعده. أقول: هذا كله بناء على قطع جملة قوله: «و الوضوء فيه قبل الغسل» عن هذا الكلام و جعلها جملة مستأنفة في بيان وجوب الوضوء مع غسل الجمعة كما هو المشهور من وجوب الوضوء في جميع الأغسال ما عدا غسل الجنابة، و اما مع ارتباط هذه الجملة بهذا الكلام كما فهمه المحقق خليفة سلطان في حواشيه على الكتاب فالوجه فيه ما ذكره (قدس سره) حيث قال: كذا في أكثر النسخ و الظاهر ان المراد انه يجزئ الغسل للجمعة بكيفية غسل الجنابة فالمراد بالزواج الجنابة و الغرض من التشبيه بيان كيفية غسل الجمعة و اعماله بأنه مثل الجنابة إلا ان فيه الوضوء قبل الغسل. و قيل ان المراد انه يجزئ نية غسل الجنابة عن غسل الجمعة و يترتب أثره عليه. و في بعض النسخ بالراء المهملة و الحاء و المراد منه ما بعد الزوال مقابل الصباح، و غاية توجيهه ان يكون المراد انه يجزئ الغسل في يوم‌
______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 43 من أبواب الجنابة.


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌4، ص: 234‌
السبت للجمعة كما يكون في رواح يوم الجمعة للجمعة. انتهى. أقول: و أقرب هذه الوجوه المذكورة عندي ما ذكره هذا المحقق من ان الغرض من هذا الكلام بيان كيفية غسل الجمعة و انه مثل غسل الجنابة إلا ان فيه الوضوء قبل الغسل، و ما عداه من الوجوه فإنه يحتاج الى مزيد تكلف و ان كان بعضها أقل من بعض. هذا،
و قد روى الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن محمد عن البزنطي عن الرضا (عليه السلام) «1» قال:
«كان ابي يغتسل يوم الجمعة عند الرواح».
و في القاموس «الرواح العشي أو من الزوال الى الليل» و لعل المراد من الخبر المذكور انما هو الرواح إلى صلاة الجمعة و لعله يكون قبيل الزوال فيكون فيه دلالة على ما تقدم من ان أفضله ما قرب من الزوال. و اللّٰه العالم.
ختام يحصل به الإكمال لابحاث هذا المطلب و الإتمام‌
، و فيه مسائل:
(الأولى)
- المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء في جميع هذه الأغسال ما عدا غسل الجنابة متى ما أراد الدخول في مشروط بالطهارة كالصلاة و نحوها، و قد تقدم البحث في هذه المسألة مستوفى في المقصد الخامس من مقاصد فصل غسل الجنابة «2».
(الثانية)
- اختلف الأصحاب في التداخل و عدمه بين هذه الأغسال و قد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة مستوفى في بحث نية الوضوء «3».
(الثالثة)
- قد قسم الأصحاب ما ذكروه من الأغسال في هذا المقام الى ما يكون للزمان و ما يكون للفعل و ما يكون للمكان إلا انهم ....











موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 1‌
الجزء العاشر‌
[تتمة كتاب الطهارة]
[فصل في الأغسال المندوبة]
فصل في الأغسال المندوبة و هي كثيرة، و عدّ بعضهم سبعاً و أربعين، و بعضهم أنهاها إلى خمسين، و بعضهم إلى أزيد من ستين، و بعضهم إلى سبع و ثمانين، و بعضهم إلى مائة. و هي أقسام زمانية و مكانية و فعلية إما للفعل الذي يريد أن يفعل أو للفعل الذي فعله. و المكانية أيضاً في الحقيقة فعلية، لأنها إما للدخول في مكان أو للكون فيه.
[أمّا الزمانية فأغسال]
أمّا الزمانية فأغسال:
[أحدها: غسل الجمعة]
أحدها: غسل الجمعة و رجحانه من الضروريات، و كذا تأكّد استحبابه معلوم من الشرع (1) فصل في الأغسال المندوبة‌
______________________________
إنما نتعرّض للأغسال المندوبة لأجل ما قدّمناه من أن الأغسال حتى المستحبة تغني عن الوضوء، فلا بدّ من التكلم في أن أي غسل منها ثابت الاستحباب و أياً منها غير ثابت الاستحباب فلا يغني عن الوضوء، و إلّا فليس من دأبنا التعرض للمستحبات.
استحباب غسل الجمعة‌
(1) لا ينبغي الإشكال في رجحان غسل الجمعة في الشريعة المقدسة، و لا خلاف فيه بين المسلمين، و إنما الكلام في وجوبه و استحبابه. و المشهور هو استحبابه و جواز‌



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 2‌
..........
______________________________
تركه، و قد ادّعى الشيخ عليه الإجماع في الأمالي «1» و الخلاف «2»، لكن نسب إلى الصدوق و الكليني (قدس سرهما) وجوبه. قال في الكافي: باب وجوب الغسل يوم الجمعة «3».
و قال في الفقيه: غسل يوم الجمعة واجب على الرجال و النساء في السفر و الحضر ثم قال: و غسل يوم الجمعة سنة واجبة «4». و كذلك نسب إلى والد الصدوق.
و نقل في الحدائق ذهاب الشيخ سليمان البحراني إلى الوجوب «5». و مال إليه شيخنا البهائي (قدس سره) و هو الذي نسب القول بالوجوب إلى والد الصدوق «6»، و كذا مال إليه المحقق الأردبيلي (قدس سره) «7».
و قد أجاب في الحدائق عن هذه النسبة بأن مراد الكليني و الصدوق من الوجوب هو الثبوت لا الوجوب بالمعنى المصطلح و هو ما لا يجوز تركه، و إنما عبّرا بالوجوب تبعاً لما ورد في الأخبار من أن غسل الجمعة واجب «8».
و الوجه في هذا الاختلاف هو اختلاف الأخبار، حيث دلّت جملة من الأخبار المعتبرة سنداً على وجوبه. و لا بدّ لنا من التكلّم في مقامين:
أحدهما: في الأخبار الواردة في غسل الجمعة في نفسها مع قطع النظر عن القرينة الخارجية.
ثانيهما: في الأخبار الواردة في غسل الجمعة مع النظر إلى القرينة الخارجية.
المقام الأوّل: و الحق فيه مع القائلين بوجوب غسل الجمعة، فقد ورد ما يفيد الوجوب في غير واحد من الأخبار المعتبرة و المستفيضة الموجبة للاطمئنان بل للقطع‌
______________________________
(1) لم نظفر على دعوى الإجماع في الأمالي.
(2) الخلاف 1: 219 مسألة 187، 611 مسألة 376.
(3) الكافي 3: 41/ باب وجوب غسل الجمعة.
(4) الفقيه 1: 61/ باب 22، غسل يوم الجمعة و دخول الحمام.
(5) الحدائق 4: 217.
(6) حبل المتين: 78.
(7) مجمع الفائدة و البرهان 1: 73.
(8) الحدائق 4: 223.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 3‌
..........
______________________________
بصدور بعضها من المعصومين (عليهم السلام).
منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «الغسل يوم الجمعة على الرجال و النساء في الحضر، و على الرجال في السفر و ليس على النساء في السفر» «1».
و منها: صحيحة ابن المغيرة المروية بإسناد الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال: واجب على كل ذكر أو أُنثى عبد أو حر» «2».
و منها: صحيحة زرارة أو حسنته: «... و قال: الغسل واجب يوم الجمعة» «3».
و منها: موثقة سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن غسل الجمعة فقال: واجب في السفر و الحضر» «4» إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على الوجوب إما تصريحاً بالوجوب أو إطلاقاً.
كما اشتملت على الأمر به كما في صحيحة محمد الحلبي «5» و صحيحة محمد بن مسلم «6».
و في قبال ذلك جملة من الأخبار استدل بها على الاستحباب.
منها: صحيحة علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر، قال: سنّة و ليس بفريضة» «7» و قد استدلّ بها على الاستحباب من وجهين:
أحدهما: تصريحها بأن الغسل في الجمعة سنّة و أمر مستحب و ليس من الواجبات.
______________________________
(1) الوسائل 3: 311/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1.
(2) الوسائل 3: 312/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 3.
(3) الوسائل 3: 312/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 5.
(4) الوسائل 3: 303/ أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
(5) الوسائل 3: 306/ أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 9.
(6) الوسائل 3: 314/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 11.
(7) الوسائل 3: 314/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 9.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 4‌
..........
______________________________
ثانيهما: أنها عدّت غسل الجمعة مع غسل الفطر و الأضحى غير الواجبين فتدل على أنه مستحب غير واجب أيضاً. و بهذين الوجهين نبني على استحباب غسل الجمعة و نستكشف أن المراد بالوجوب الوارد في الأخبار المتقدمة هو الثبوت، و أن المراد من الأمر به أو من قوله: «عليه الغسل» هو الاستحباب.
لكن يرد على الوجه الأوّل أن السنة في الصحيحة إنما هو في قبال الفريضة لا في قبال الواجب، و معنى السنة المقابلة للفريضة أنها مما أوجبها النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و الفريضة ما أوجبها اللّٰه في كتابه. و من هنا ورد أن الركوع و السجود فريضة و أن التشهد و القراءة سنّة، و منه ما دل على أن غسل الميِّت أو مسه سنّة و غسل الجنابة فريضة، فلا دلالة لها على الاستحباب بوجه.
و يرد على الوجه الثاني إشكال ظاهر و هو أن عد غسل الجمعة مع الغسلين المستحبين لا يدل على استحبابه، إذ يمكن أن يذكر الواجب و المستحب معاً.
و منها: ما عن سعد عن أحمد بن محمد عن القاسم عن علي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن غسل العيدين أ واجب هو؟ قال: هو سنّة، قلت: فالجمعة؟ قال: هو سنّة» «1».
و لا إشكال في دلالتها على استحبابه، حيث صرحت بكونه سنّة، و هي في قبال الواجب فتدل على جواز تركه. إلّا أنها ضعيفة السند، لأن الظاهر أن القاسم الواقع في سندها هو القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد مولى المنصور، الضعيف، كما أن الظاهر أن عليّاً الواقع في آخر السند هو علي بن أبي حمزة البطائني المتهم الكذاب على ما ذكره ابن فضال «2».
______________________________
(1) الوسائل 3: 314/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 12.
(2) رجال الكشي: 403. و الظاهر أن القاسم في الرواية هو قاسم بن محمد الجوهري الراوي عن علي بن أبي حمزة البطائني، و هو و إن وثقناه سابقاً لوجوده في أسناد كامل الزيارات مطابقاً لمسلك السيد الأُستاذ (دام ظله) و لكن لا بدّ من الانتباه إلى أمر و هو أن نظره الشريف (دام ظله) قد تغير و خص التوثيق العام المذكور في مقدمة الكتاب بمشايخ ابن قولويه (رحمه اللّٰه تعالى) دون بقية الرواة الموجودين في السند، و على هذا فلا يكون القاسم داخلًا في هذا التوثيق، و هكذا لا بدّ من تصحيح ما وقع منّا من التوثيقات لسائر الأشخاص في التعاليق السابقة و تطبيقها على المبنى الجديد.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 5‌
و الأخبار في الحث عليه كثيرة، و في بعضها أنه يكون طهارة له من الجمعة إلى الجمعة «1»، و في آخر: «غسل يوم الجمعة طهور و كفارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة» «2». و في جملة منها التعبير بالوجوب، ففي الخبر: إنه واجب على كل ذكر أو أُنثى من حر أو عبد «3»، و في آخر: عن غسل يوم الجمعة فقال (عليه السلام): «واجب على كل ذكر و أُنثى من حر أو عبد» «4» و في ثالث: «الغسل واجب يوم الجمعة» «5» و في رابع قال الراوي: «كيف صار غسل الجمعة واجباً؟ فقال (عليه السلام): إنّ اللّٰه أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة .... إلى أن قال: و أتمّ وضوء النافلة بغسل يوم الجمعة» «6» و في خامس: «لا يتركه إلّا فاسق» «7» و في سادس: «عمّن نسيه حتى صلّى قال (عليه السلام): إن كان في وقت فعليه أن يغتسل و يعيد الصلاة و إن مضى الوقت فقد جازت صلاته» «8» إلى غير ذلك، و لذا ذهب جماعة‌
______________________________
و منها: ما رواه الحسين بن خالد قال: «سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) كيف صار غسل الجمعة واجباً؟ فقال: إن اللّٰه أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة و أتم‌
______________________________
(1) الوسائل 3: 318/ أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 2.
(2) الوسائل 3: 315/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 14.
(3) الوسائل 3: 316/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 3. و المذكور فيه هو: واجب ...... عبد أو حر.
(4) الوسائل 3: 312/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 6، 3. و فيه ما تقدم في المصدر (3).
(5) الوسائل 3: 317/ أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 1.
(6) الوسائل 3: 313/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.
(7) المستدرك 2: 506/ أبواب الأغسال المسنونة ب 4 ح 2.
(8) الوسائل 3: 319/ أبواب الأغسال المسنونة ب 8 ح 1.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 6‌
إلى وجوبه منهم الكليني و الصدوق و شيخنا البهائي على ما نقل عنهم، لكن الأقوى استحبابه، و الوجوب في الأخبار منزل على تأكد الاستحباب، و فيها قرائن كثيرة على إرادة هذا المعنى، فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوبه و إن كان الأحوط عدم تركه.
______________________________
صيام الفريضة بصيام النافلة و أتم وضوء النافلة (الفريضة) بغسل يوم الجمعة، ما كان في ذلك من سهو أو تقصير (أو نسيان) أو نقصان» «1».
حيث دلّت على أن غسل الجمعة مستحب بقرينة أن إتمام الفريضة في الجملات السابقة إنما كان بالأمر المستحب، فيستفاد منها أن المراد بكونه واجباً هو كونه ثابت الاستحباب في الشريعة المقدّسة.
و فيه: أنّا لو سلمنا دلالتها على الاستحباب فلا يمكن الاعتماد عليها لضعف أسنادها بالحسين بن خالد، لعدم توثيقه في الرجال.
و منها: ما نقله في البحار عن كتاب جمال الأُسبوع لابن طاوس في حديث رواه فيه بسنده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) أنه قال لعلي (عليه السلام) في وصيّته: «يا علي .... فاغتسل في كل جمعة، و لو أنك تشتري الماء بقوت يومك و تطويه فإنه ليس شي‌ء من التطوع بأعظم منه» «2».
و دلالتها على المدعى قاصرة، لأن التطوع بمعنى ما يؤتى به بالتطوع و الاختيار و هذا لا ينافي الوجوب. على أن سندها ضعيف بأبي البختري وهب بن وهب، فإنه قيل في حقه أكذب البرية. فالمتحصل: أن مقتضى الأخبار الواردة في نفسها هو الوجوب.
______________________________
(1) الوسائل 3: 313/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7. و قد بنى على وثاقة الحسين بن خالد في المعجم 6: 249/ 3390 فلاحظ.
(2) المستدرك 2: 502/ أبواب الأغسال المسنونة ب 3 ح 9، بحار الأنوار 78: 129/ 18، جمال الأُسبوع: 366.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 7‌
..........
______________________________
المقام الثاني: في قيام القرينة الخارجية على الاستحباب، و هي أن غسل الجمعة أمر محل ابتلاء الرجال و النساء في كل جمعة فلو كان واجباً عليهم لانتشر وجوبه و ذاع و وصل إلينا بوضوح و لم يشتهر بين الأصحاب استحبابه، و لما أمكن دعوى الإجماع على عدم وجوبه كما عن الشيخ (قدس سره) و هذا دليل قطعي على عدم كونه واجباً شرعاً.
و قد ذكرنا مثل ذلك في الإقامة، لأن الأخبار الواردة فيها لا قصور في دلالتها على الوجوب لكنّا مع ذلك بنينا على استحبابها لعين ما ذكرناه من القرينة، لأن وجوبها لا يلائم اشتهار الفتوى باستحبابها مع كثرة الابتلاء بها في كل يوم خمس مرات، فلو كانت واجبة لانتشر وجوبها و ذاع و لم تكن مورداً لدعوى الشهرة أو الإجماع على خلافه.
و على الجملة إن غسل الجمعة لا يقصر عن صلاة الكسوفين التي اشتهر وجوبها و ذاع مع قلة الابتلاء بها، بل قد لا يتفق في بعض السنين، و كيف يخفى وجوب غسل الجمعة مع كثرة الابتلاء به في كل أسبوع؟! و قد تقدم أن الشيخ ادعى الإجماع على عدم وجوبه، و لم يعلم من المتقدمين قائل بوجوبه، و سبق أن الكليني و الصدوق و والده (قدس اللّٰه أسرارهم) لم يعلم ذهابهم إلى الوجوب لما مر.
ثم إنه على تقدير القول بالوجوب فهل أنه واجب نفسي أو أنه واجب غيري مقدّمة لصلاة الظهر أو الجمعة؟ لا يحتمل الوجوب النفسي فيه، لأنه ليس لنا من الأغسال ما يكون واجباً نفسياً، و لم يحتمل ذلك إلّا في غسل الجنابة على قول ضعيف تقدّم في محلِّه «1».
و أمّا الوجوب الغيري فيدفعه صحيح ابن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال: «كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح» «2» فان الظاهر من الرواح هو وقت العصر كما‌
______________________________
(1) شرح العروة 6: 348.
(2) الوسائل 3: 317/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 22.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 8‌
..........
______________________________
في قوله تعالى غُدُوُّهٰا شَهْرٌ وَ رَوٰاحُهٰا شَهْرٌ «1» فدلّت على أن موسى بن جعفر (عليه السلام) كان يغتسل يوم الجمعة عصراً أي بعد الصلاة، فلو كان الغسل واجباً غيرياً مقدمة للصلاة لم يكن يؤخرها إلى العصر. فتدل الصحيحة على عدم كونه واجباً غيرياً. و احتمال كونه واجباً نفسياً قد عرفت بعده جدّاً.
و دعوى أن الرواح بمعنى الرواح إلى الصلاة مندفعة:
أوّلًا: بأن موسى (عليه السلام) قضى أكثر عمره الشريف في السجون و لم يتمكن من الذهاب إلى الصلاة مدّة مديدة يصدق معها قوله: «كان أبي ...»، فإنه ظاهر في الاستمرار.
و ثانياً: أن الصحيحة اشتملت على لفظة «عند»، و ظاهرها أن اغتساله (عليه السلام) كان مقارناً للرواح لا أنه قبله، و مقارنة الاغتسال للذهاب إلى الصلاة مما لا معنى له إلّا أن يراد بالرواح زمان العصر.
و موثقة أبي بصير التي رواها الصدوق عنه بإسناده إليه: «أنه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسياً أو متعمداً، فقال: إن كان ناسياً فقد تمّت صلاته و إن كان متعمداً فليستغفر اللّٰه و لا يعد» «2» بالتقريب الآتي في الرواية الآتية.
و لا إشكال في سندها غير أن في طريق الصدوق إلى أبي بصير علي بن أبي حمزة البطائني و هو ممن صرح الشيخ (قدس سره) في العدة بوثاقته «3»، و ما ذكره ابن فضال من أنه كذاب متهم «4» لا يعلم رجوعه إليه لاحتمال رجوعه إلى ابنه الحسن فليراجع «5».
و يؤيده ما رواه محمد بن سهل عن أبيه قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن‌
______________________________
(1) سبأ 34: 12.
(2) الوسائل 3: 319/ أبواب الأغسال المسنونة ب 8 ح 2، الفقيه 1: 64/ 242.
(3) عدة الأُصول: 56 السطر 19.
(4) رجال الكشي: 403.
(5) رجع السيد الأُستاذ (دام ظله) عن ذلك و التزم بضعف علي بن أبي حمزة في المعجم 12: 234.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 9‌
[مسألة 1: وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثاني]
[1031] مسألة 1: وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثاني (1)
______________________________
الرجل يدع غسل الجمعة ناسياً أو غير ذلك، قال: إن كان ناسياً فقد تمت صلاته و إن كان متعمداً فالغسل أحب إليَّ، فان هو فعل فليستغفر اللّٰه و لا يعود» «1». و ذلك لأن الغسل لو كان واجباً غيرياً مقدّمة للصلاة لكانت الصلاة عند نسيانه و لا أقل عند تعمد تركه باطلة، فمن حكمه (عليه السلام) بصحتها نستكشف عدم كونه مقدمة للصلاة، غاية الأمر أنه مستحب مؤكد. و الوجه في جعلها مؤيدة أن محمد بن سهل لم يوثق في الرجال.
نعم ورد في موثقة عمار الساباطي أنه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) «عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلّى، قال: إن كان في وقت فعليه أن يغتسل و يعيد الصلاة، و إن مضى الوقت فقد جازت صلاته» «2» و هي و إن كانت موثقة إلّا أنها لا بدّ من حملها على الاستحباب بقرينة ما دل على عدم كونه واجباً غيريا.
مبدأ وقت غسل الجمعة‌
(1) لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الإتيان بغسل الجمعة قبل الفجر، لأن العبادات توقيفية و لا يجوز الإتيان بها في غير وقتها. و هل يجوز الإتيان به بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس؟ قد يقال بجوازه و يستدل عليه بأن ما بين الطلوعين من اليوم فيجوز الإتيان حينئذ بما يجوز الإتيان به بعد طلوع الشمس.
و فيه: أن ما بين الطلوعين لم يعلم كونه من اليوم، فإنهم يقسمون الزمان إلى ليل و نهار و يعبّرون عما بين طلوع الشمس و غروبها بالنهار و عن غيره بالليل أي الزمان الذي تكون الشمس فيه تحت الأرض، كما يعبّرون عن منتصف النهار بالزوال و هو منتصف ما بين طلوع الشمس و غروبها، و كذلك الحال في منتصف الليل فيعبّرون عنه‌
______________________________
(1) الوسائل 3: 318/ أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 3.
(2) الوسائل 3: 319/ أبواب الأغسال المسنونة ب 8 ح 1.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 10‌
إلى الزوال (1) و بعده إلى آخر يوم السبت قضاء‌
______________________________
بزوال الليل، و عليه فيكون ما بين الطلوعين من الليل.
نعم دلنا غير واحد من الأخبار المعتبرة على أن ما بين الطلوعين ملحق بالنهار ففي صحيحة أو حسنة زرارة و الفضيل قالا «قلنا له: أ يجزئ إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال: نعم» «1»، و رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا عن كتاب حريز بن عبد اللّٰه عن الفضيل و زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله «2»، و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد ابن عيسى مثله «3»، و نظيرها ما رواه ابن بكير عن أبيه و محمد بن الوليد عن ابن بكير «4» فليراجع.
منتهى وقت غسل الجمعة‌
(1) وقع الكلام في منتهى زمان الغسل يوم الجمعة فقال بعضهم بأن آخر وقته هو الزوال، ذهب إليه المحقق في المعتبر «5» و استدل عليه بجملة من الأخبار:
منها: صحيحة زرارة قال «قال أبو جعفر (عليه السلام): لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة، و شم الطيب و البس صالح ثيابك و ليكن فراغك من الغسل قبل الزوال، فاذا زالت فقم ...» «6».
روى في الوسائل تمامها في أبواب صلاة الجمعة و صدرها في الباب السابع من‌
______________________________
(1) الوسائل 3: 322/ أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 1.
(2) السرائر 3: 588.
(3) الكافي 3: 418/ 8.
(4) الوسائل 3: 322/ أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 2، 4.
(5) المعتبر 1: 354.
(6) الوسائل 7: 396/ أبواب صلاة الجمعة ب 47 ح 3، 3: 317/ أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 1.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 11‌
..........
______________________________
أبواب الأغسال المسنونة، حيث اشتملت على قوله (عليه السلام): «و ليكن فراغك من الغسل قبل الزوال» و هو كناية عن عدم كونه بعد الزوال سواء كان قبله أم مقارناً للزوال، و إنما بيّن خصوص الغسل قبله دون المقارن للغلبة، فإن الغالب أن يغتسل قبل الزوال أو بعده، و أما الاغتسال بنحو يكون آخره مقارناً للزوال فهو نادر بعيد. و كيف كان، فتدل على أنه بعد الزوال قضاء لا محالة.
و فيه: أن الظاهر من الصحيحة أن أمره (عليه السلام) بذلك إنما هو من جهة كونه مقدمة للأُمور التي ذكرها بعده كقوله: «فاذا زالت فقم ...». و لا إشكال في أفضلية قرب الزوال، و ليست الصحيحة بصدد بيان أن الغسل بعد الزوال قضاء.
على أنّا لو سلمنا أنها بصدد بيان أن الغسل لا بدّ أن يكون قبل الزوال لا تكون الصحيحة مقيدة للإطلاقات الواردة في الغسل، لأن التقييد إنما يبتني على أن يكون غسل الجمعة واجباً، و أما بناء على أنه مستحب كما تقدم فلا مقتضي لتقييد المطلقات بها على ما هو القانون في المطلق و المقيد في المستحبات، فان المطلق في المستحبات يبقى على حاله و استحبابه و يكون المقيد أفضل الأفراد.
و منها: ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام): «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار، قال: يقضيه آخر النهار، فان لم يجد فليقضه من يوم السبت» «1» و الاستدلال بها من جهتين:
الاولى: تعبيره (عليه السلام) بالقضاء في قوله: «يقضيه آخر النهار».
الثانية: اقتران الغسل بعد الزوال بالغسل يوم السبت، فكما أنه قضاء بلا كلام فليكن الأمر كذلك بعد زوال يوم الجمعة.
و فيه: أن الرواية لو تمت بحسب السند لا تتم بحسب الدلالة، و ذلك لأن القضاء في لغة العرب بمعنى الإتيان بالشي‌ء و ليس بالمعنى المصطلح عليه، نعم علمنا خارجاً أن الغسل يوم السبت قضاء اصطلاحاً، لا أن القضاء في الرواية بهذا المعنى، بل معناه أنه‌
______________________________
(1) الوسائل 3: 321/ أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 3.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 12‌
..........
______________________________
إذا لم يأت به قبل الزوال يأتي به بعد الزوال و إلّا فيقضيه يوم السبت.
على أن الرواية ضعيفة سنداً و إن عبّر عنها في الحدائق بالموثقة «1»، و الظاهر أنه من جهة بنائه على أن الراوي جعفر بن عثمان الرواسي الثقة، إلّا أنه مما لا قرينة عليه لأنه مردد بين الموثق و الضعيف «2».
و يحتمل أن يكون توثيقه الرواية من جهة أن الراوي عنه هو ابن أبي عمير، نظراً إلى أنه لا يروي إلّا عن ثقة، و فيه: ما قدّمناه مراراً من أنه و نظراءه قد رووا عن غير الثقة أيضاً فلا يتم ما ذكروه من الكلية.
و منها: موثقة عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة، قال: يغتسل ما بينه و بين الليل، فان فاته اغتسل يوم السبت» «3».
و تقريب الاستدلال بها أن مفروض السؤال من ابن بكير لا بدّ أن يكون هو فوت الغسل عنه قبل الزوال، و إلّا فلا معنى لقوله (عليه السلام): «يغتسل ما بينه و بين الليل» و معه تدل الموثقة على المدعى، و ذلك لأن السائل اعتقد أن الرجل حيث لم يأت بالغسل قبل الزوال فقد فاته الغسل، و الفوت إنما يتحقق بانقضاء وقت العمل و الإمام (عليه السلام) لم يردعه عن هذا الاعتقاد، بل أقره عليه و أفاده بأنه لو فاته قبل الزوال فليأت به بعده و إن فاته ففي يوم السبت.
و فيه: أن مفروض سؤاله في الموثقة و إن كان لا بدّ أن يكون هو عدم الإتيان به قبل الزوال كما ذكر إلّا أنه لا دلالة في الموثقة على الإمضاء و عدم الردع، بل هي دالّة على الردع عنه، فكأنه ذكر (عليه السلام) أنه إذا لم يأت بالغسل قبل الزوال لم يفته الغسل المأمور به بل يأتي به بينه و بين الليل و إلّا ففي يوم السبت، و ليس في كلامه‌
______________________________
(1) الحدائق 4: 229.
(2) الذي يظهر من السيد الأُستاذ (دام ظلّه) في المعجم 5: 47 أنّ جعفر بن عثمان منصرف إلى الرواسي الثقة فيبقى إشكال الدلالة فقط.
(3) الوسائل 3: 321/ أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 4.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 13‌
لكن الأولى و الأحوط [1] فيما بعد الزوال إلى الغروب من يوم الجمعة أن ينوي القربة من غير تعرض للأداء و القضاء،
______________________________
(عليه السلام) أنه يكون فائتاً حينئذ.
و يمكن أن يقال: إن التعبير بالفوت في كلام السائل إنما يريد به فوت الفرد الراجح من الطبيعة المأمور بها، و هذا المقدار يكفي في صحّة التعبير بالفوت و إن لم تفت الطبيعة المأمور بها حينئذ.
و عليه فالصحيح أن وقت غسل الجمعة يمتد إلى الغروب دون الزوال و إن كان الأحوط بل الأفضل أن يؤتى به قبل الزوال كما سيأتي.
و نسب إلى الشيخ (قدس سره) أن غسل الجمعة يكون قضاء بإتمام صلاة الجمعة «1». و هذا أمر لم يقم عليه دليل و لم يرد في شي‌ء من الروايات لا في معتبرها و لا في ضعيفها. و يحتمل أن يريد به ذهاب وقت الفرد الأفضل منه و هو ما يؤتى به قبل الصلاة، إذ بإتمامها ينتهي وقته و يكون قضاء.
ثمرة النزاع في محل الكلام‌
و هل هناك ثمرة في النزاع في أن الغسل بعد الزوال يوم الجمعة أداء أو قضاء، أو لا تظهر له ثمرة عملية بوجه؟ قد يقال: تظهر الثمرة في القصد، لأنه على الأوّل لا بدّ من قصد الأداء إذا أتى به بعد الزوال كما لا بدّ من قصد القضاء على الثاني.
و فيه: أن ذلك لا يكون ثمرة بوجه، لأن الامتثال لا يتوقف على قصد الأداء و القضاء، لأنه عبارة عن الإتيان بالعمل مضافاً إلى المولى، دون اعتبار قصد الأداء و القضاء فيه.
نعم هذا إنما يلزم إذا كان عليه واجبان و توجه إليه أمران: أحدهما الأمر بالأداء‌
______________________________
[1] لا يترك.
______________________________
(1) الخلاف 1: 621 مسألة 378.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 14‌
كما أن الأولى مع تركه إلى الغروب أن يأتي به بعنوان القضاء في نهار السبت لا في ليله‌
______________________________
و الثاني الأمر بالقضاء، كما لو فاتته صلاة الظهر أو الفجر من اليوم السابق فإنه بعد الظهر أو الفجر يكلف بواجبين، و لا يحصل الامتثال لأحدهما إلّا بقصد الأداء أو القضاء. و أما إذا كان عليه أمر واحد فلا يلزم في امتثاله قصد شي‌ء من الأداء أو القضاء، فإن الإتيان بقصد امتثال الأمر الفعلي كافٍ في الامتثال.
و قد يقال بأن للنزاع ثمرتين أُخريين:
إحداهما: أن من خاف أو أحرز إعواز الماء يوم الجمعة قبل الزوال يجوز له تقديم غسل الجمعة و الإتيان به يوم الخميس، كما أنه لو خاف أو أحرز إعوازه يوم السبت لم يجز له تقديمه يوم الخميس لأنه خارج عن وقت المأمور به.
و أمّا إعوازه بعد الزوال فهو إنما يسوغ التقديم يوم الخميس إذا كان الغسل فيه أداء فان حكمه حكم [ما] قبل الزوال، و إن كان الغسل فيه قضاء فحكمه حكم الإعواز يوم السبت فلا مسوغ لتقديمه يوم الخميس، فالثمرة هي مشروعية التقديم على القول بامتداد وقت الغسل إلى الغروب و عدم مشروعيته بناء على كون الوقت إلى الزوال.
و فيه: أن ما دلّ على جواز التقديم يوم الخميس قد اشتمل على الإعواز في الغد و الغد يصدق على ما قبل الزوال كما يصدق على ما بعده على حد سواء، فالاعواز في كلا الوقتين مسوغ للتقديم كان الغسل بعد الزوال أداءً أم كان قضاءً، على أن ما دلّ على جواز التقديم مع الإعواز قبل الزوال أو بعده «1» ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه.
ثانيتهما: أنه إذا خاف أو اعتقد الإعواز يوم الجمعة و قدّم الغسل يوم الخميس ثم وجد الماء يوم الجمعة قبل الزوال لزم عليه إعادة الغسل، لأن ما اعتقده أو احتمله لم يكن مطابقاً للواقع و هو متمكن من الغسل يوم الجمعة، كما أنه لو وجده يوم السبت لم‌
______________________________
(1) الوسائل 3: 319/ أبواب الأغسال المسنونة ب 9.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 15‌
..........
______________________________
تلزم عليه الإعادة لأنه من الوجدان خارج الوقت، و بما أنه لم يكن متمكناً من الماء في ظرف العمل جاز له تقديمه من دون لزوم الإعادة عليه.
و أمّا لو وجده بعد الزوال فلزوم الإعادة عليه و عدمه يبتني على أن الغسل بعد الزوال أداء ليلحق بما قبل الزوال و حيث لم يكن معتقده و احتماله مطابقاً للواقع و كان متمكناً من الماء في ظرف العمل لزمت عليه الإعادة، أو أنه قضاء ليلحق بالسبت في كونه من التمكن بعد الوقت و لا تلزم عليه الإعادة.
و يدفعه: أن لزوم الإعادة عند وجدان الماء يوم الجمعة ليس مدلول رواية و لو ضعيفة، و إنما الوجه فيه هو الإطلاقات الآمرة بالغسل لأنها لم تتقيد بالغسل يوم الخميس و عدمه، بل مقتضاها لزوم الإتيان به يوم الجمعة مع التمكن من الماء، و بما أنه لم يأتِ به يوم الجمعة و هو متمكن من الماء لا بدّ من أن يأتي به عملًا بالإطلاق.
و هذا الإطلاق كما يقتضي الإعادة فيما لو وجد الماء قبل الزوال كذلك يقتضي الإعادة على تقدير وجدان الماء بعد الزوال، لأنه يوم الجمعة و الماء موجود و هو لم يغتسل. فمقتضى الإطلاق هو الإعادة سواء كان الإتيان به حينئذ أداء أو قضاء، بل بالإطلاق يثبت أن الغسل بعد الزوال أداء أيضاً.
و على أي حال لا ثمرة عملية للنزاع في أنه أداء بعد الزوال أو أنه قضاء، و إن كان الصحيح أن وقت غسل الجمعة ممتد إلى الغروب و إن كان الإتيان به قبل الزوال أرجح و هو أفضل الأفراد، و ذلك لصحيحة زرارة المتقدِّمة «1» المشتملة على أمره بكون الغسل قبل الزوال المحمولة على الاستحباب كما تقدم.
ثم إن ما ذكرناه من امتداد الوقت إلى الغروب لا فرق فيه بين ترك الغسل قبل الزوال نسياناً و بين تركه عمداً، إذ لا دليل على التقييد بالزوال، فالمطلقات هي المحكمة مضافاً إلى موثقة عمار الساباطي المتقدِّمة «2» الدالّة على أن من ترك الغسل قبل الزوال‌
______________________________
(1) في صدر المسألة ص 10.
(2) في صدر المسألة ص 9.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 16‌
..........
______________________________
نسياناً لا شي‌ء عليه و من تركه متعمداً أتى به، لأنها دلّت على صحّة الإتيان به بعد الزوال و إن تركه قبل الزوال عمداً.
ثم إن المشهور أن الغسل كلما قرب من الزوال كان أفضل، فالأفضل ما كان مقارناً مع الزوال و ما كان بعيداً عنه بنصف ساعة فهو أقل منه ثواباً و هكذا. إلّا أن ذلك لم يرد في شي‌ء من الروايات سوى الفقه الرضوي «1». و قد قدمنا مراراً أنه لا يمكن الاعتماد عليه، لعدم ثبوت كونه رواية فضلًا عن اعتبارها، اللّهمّ [إلّا] بناء على التسامح في أدلّة السنن و شموله لما لم يعلم كونه رواية أيضاً. فالثابت أن الغسل قبل الزوال أفضل.
قضاء غسل الجمعة يوم السبت‌
بقي الكلام في قضائه يوم السبت، و لا ينبغي الإشكال في مشروعيته و جواز قضائه يوم السبت، و هو متسالم عليه بين الأصحاب كما يقتضيه غير واحد من النصوص. و الكلام في قضائه يقع من جهات:
الاولى: أن قضاء غسل الجمعة الثابت مشروعيته نهار السبت هل يشرع في ليلة السبت أو لا يشرع لعدم الدليل على مشروعيته؟
مقتضى الجمود على ظاهر النصوص «2» عدم مشروعيته ليلة السبت، لاختصاصها بيومه، لكن المشهور بينهم هو الجواز و المشروعية ليلًا. و قد استدل عليه بوجوه: أدلّة المشروعية ليلًا‌
الأوّل: أن المشهور ذهبوا إلى استحبابه، و مقتضى قاعدة التسامح في المستحبات كفاية فتوى المشهور في الحكم بالمشروعية و الاستحباب.
و فيه: أن ذلك يبتني على أمرين:
______________________________
(1) المستدرك 2: 508/ أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 1، فقه الرضا: 175.
(2) الوسائل 3: 320/ أبواب الأغسال المسنونة ب 10.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 17‌
..........
______________________________
أحدهما: دلالة أخبار «من بلغ» على أن العمل الواصل فيه الثواب مستحب في الشريعة المقدسة.
و ثانيهما: شمول الوصول و البلوغ لفتوى الفقيه. و كلا الأمرين قابل للمناقشة على ما قدمناه في محلِّه «1».
الثاني: استصحاب المشروعية للقطع بها يوم الجمعة فلو شككنا في بقائها و ارتفاعها ليلة السبت فنستصحب بقاءها. و يرد عليه:
أولًا: أنه من استصحاب الحكم الإلهي الكلي و نحن نمنع جريانه فيه.
و ثانياً: أنه من قبيل الاستصحاب الجاري في القسم الثالث من الكلي، لأن المشروعية الثابتة يوم الجمعة إنما كانت ثابتة في ضمن الأداء و هي قد ارتفعت قطعاً و نشك في أنه هل وجد فرد آخر من المشروعية و هي المشروعية قضاء مقارناً لارتفاع الفرد الأوّل، أو لا، و هو مما لا يلتزم به القائل بجريان الاستصحاب في الأحكام.
الثالث: أن القيد الوارد في الأخبار «2» أعني يوم السبت قد ورد مورد الغالب، فان الغالب هو الاغتسال في النهار دون الليل، و القيد الوارد مورد الغالب لا مفهوم له ليقيد به الإطلاق، فلا موجب لاختصاص الحكم بالمشروعية بيوم السبت بل هي ثابتة في ليله أيضاً.
و فيه أوّلًا: منع الغلبة، لأن غلبة الاغتسال في اليوم إنما هي فيما إذا كان الهواء بارداً و لا سيما إذا لم يكن المكان مما تعارف فيه الحمامات الدارجة، و أما إذا كان الهواء حاراً أو كان المكان مما تعارف فيه الحمامات المتعارفة فلا غلبة في الاغتسال في النهار بل النهار كالليل، و لعل الأمر بالعكس و الاغتسال في الليل أكثر من الاغتسال في النهار.
و ثانياً: أن ورود القيد مورد الغالب إنما لا يوجب التقييد في الإطلاق فيما إذا كان‌
______________________________
(1) مصباح الأُصول 2: 319 321.
(2) الوسائل 3: 320/ أبواب الأغسال المسنونة ب 10.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 18‌
..........
______________________________
هناك دليل مطلق و ورد في قباله دليل مقيد و كان القيد غالبياً فهو لا يوجب التقييد في الإطلاق، و ليس الأمر في المقام كذلك، إذ لا دليل مطلق دل على جواز القضاء مطلقاً ليلًا و نهاراً ليدعى أن الأخبار الواردة في جواز القضاء يوم السبت لا تستلزم تقييد ذلك المطلق، بل ليس عندنا إلّا تلك الأخبار المقيدة. إذن لا دليل لنا على مشروعية القضاء ليلًا و هو كافٍ في عدم المشروعية.
و دعوى أن القضاء إذا كان ثابتاً في نهار السبت فيثبت في ليله بطريق أولى لقربه من الجمعة، مندفعة بأن العبادات الشرعية توقيفية و هي تحتاج في مشروعيتها إلى دليل يدل عليها، و مجرد الأولوية الاستحسانية لا يكفي في ثبوت المشروعية كما هو واضح.
الرابع: موثقة ابن بكير المتقدمة الدالّة على أن من فاته غسل الجمعة يأتي به فيما بينه و بين الليل و إلّا ففي يوم السبت «1». و هي تدل على مشروعية قضاء الغسل ليلة السبت على ما استدل به صاحب الجواهر (قدس سره) و ذكر في تقريبه: أن السائل فرض فوت الغسل في مجموع نهار الجمعة، و معه لا معنى لقوله (عليه السلام): يأتي به فيما بينه و بين الليل، أي فيما بين النهار الذي فاته الغسل فيه و بين الليل، إذ لا فاصل بين اليوم و الليل، فلا مناص من تقدير كلمة (الآخر) قبل الليل فيصير معنى الموثقة أنه يأتي به فيما بين النهار الذي فاته الغسل فيه و بين آخر الليل، فتدل على مشروعية القضاء في ليلة السبت أيضاً «2».
و يدفعه أوّلًا: ما قدمناه من أن الظاهر من الموثقة أن السؤال هو عن فوت الغسل في الوقت المتعارف فيه الغسل و هو ما قبل الزوال، و عليه فمعنى قوله (عليه السلام): «فيما بينه و بين الليل» أي فيما بين الشخص و الليل، أي من الزوال إلى الليل، فلا دلالة فيها على مشروعية القضاء في الليل.
و ثانياً: لو فرضنا المعنى كما أفاده (قدس سره) فما الموجب للإغلاق في كلام الإمام‌
______________________________
(1) الوسائل 3: 321/ أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 4، و قد تقدّمت في ص 12.
(2) الجواهر 5: 22.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 19‌
و آخر وقت قضائه غروب يوم السبت،
______________________________
(عليه السلام) أعني قوله: «فيما بينه و بين الليل» بل كان اللازم أن يقول: يأتي به ليلًا. فلا وجه له إلّا ما قدمناه من أن السؤال إنما هو عن فوت الغسل قبل الزوال. فالحديث لا دلالة فيه على مشروعية القضاء ليلة السبت بوجه.
نعم لا بأس بالإتيان به رجاء، لأنه لم يقم دليل على عدم مشروعيته ليلًا، و إنما لا نفتي بالمشروعية لعدم الدليل عليها فلا بأس معه من الإتيان به رجاء.
الجهة الثانية: الظاهر جواز القضاء إلى غروب يوم السبت و ليس وقته محدداً بالزوال، و لعله مما لا إشكال فيه، فوقت القضاء ممتد إلى الغروب.
الجهة الثالثة: أن مشروعية القضاء يوم السبت هل تختص بمن ترك الغسل يوم الجمعة نسياناً أو لعذر من الأعذار فلا يشرع لمن تركه يوم الجمعة متعمداً، أو لا يختص به و لا يفرق في مشروعيته بين من تركه عمداً أو تركه نسياناً أو لغيره من الأعذار؟
نسب إلى الصدوق (قدس سره) الاختصاص «1». و قد يستدل عليه بمرسلة الهداية «2» كما في الحدائق «3» و الجواهر «4» و بالفقه الرضوي «5».
و يرد على الاستدلال بهما أن الاولى ضعيفة بإرسالها و الثانية لم تثبت كونها رواية فضلًا عن أن تكون معتبرة. على أن المرسلة إنما دلت على أنه يقضيه يوم السبت إذا نسيه يوم الجمعة، و أما أنه إذا تركه عمداً فلا يجوز له القضاء فهو مما لا يستفاد من‌
______________________________
(1) الفقيه 1: 64.
(2) الهداية: 23.
(3) الحدائق 4: 229. و قد عبّر فيها بمرسلة حريز.
(4) الجواهر 5: 22.
(5) المستدرك 2: 507/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1، فقه الرضا: 175 و فيه: فان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت إلخ.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 20‌
..........
______________________________
المرسلة. على أن لازم الاستدلال بهما اختصاص الحكم بمن تركه نسياناً و حسب مع أن الصدوق عممه إلى سائر الأعذار أيضاً.
و الصحيح أن الصدوق إنما اعتمد في ذلك على رواية سماعة المتقدمة، حيث ورد فيها: «فان لم يجد فليقضه من يوم السبت» «1» فقد أخذت في موضوع جواز القضاء يوم السبت عدم التمكن من الغسل يوم الجمعة و كون تركه مستنداً إلى العذر و عدم التمكن منه، فمن تركه لا لعذر ليس له أن يقضيه يوم السبت، لأن الغسل و إن كان مستحباً و لا يقيد المطلق في المستحبات بالمقيد بل يحمل على أفضل الأفراد مع بقاء المطلق على إطلاقه إلّا أن ذلك إنما هو إذا كانا موجبين أو سالبين، و أما إذا كان أحدهما إيجاباً و الآخر سلباً فلا مناص من التقييد.
و المقام من هذا القبيل، لأن للموثقة مفهوماً و هو عدم جواز القضاء لمن ترك الغسل لا لعذر، و مع المفهوم تكون الموثقة سالبة و الإطلاقات موجبة فيختلفان في السلب و الإيجاب و لا بدّ من التقييد معه، أي تقييد ما دل على جواز القضاء يوم السبت لمن ترك الغسل يوم الجمعة مطلقاً بهذه الموثقة، فينتج اختصاص مشروعية القضاء بمن ترك الغسل يوم الجمعة لعذر لا ما إذا كان الترك عن تعمّد، هذا.
و فيه: أن الرواية لا مفهوم لها، فكأنه (عليه السلام) ذكر أن من ترك الغسل قبل الزوال إذا كان واجداً للماء أتى به بعد الزوال لفرض أنه قاصد للامتثال و أنه إذا لم يجد الماء أتى به يوم السبت، و أما إذا تركه متعمداً فلا نظر للموثقة إلى حكمه و أنه أي شي‌ء وظيفته، فلا دلالة لها على المفهوم.
و حيث إن موثقة ابن بكير المتقدِّمة «2» دلت على جواز القضاء يوم السبت عند فوته يوم الجمعة، و الفوت أعم من أن يستند إلى الاضطرار و العذر أو إلى العمد كما في فوت الفريضة الواجب قضاؤها، فلا فرق في مشروعية القضاء يوم السبت بين تارك الغسل يوم الجمعة عن عذر و اضطرار و بين تركه عن عمد و اختيار.
______________________________
(1) الوسائل 3: 321/ أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 3. و تقدّم الكلام في سند الرواية ص 11.
(2) في صدر المسألة ص 12.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 21‌
و احتمل بعضهم جواز قضائه إلى آخر الأسبوع، لكنه مشكل، نعم لا بأس به لا بقصد الورود بل برجاء المطلوبية لعدم الدليل عليه إلّا الرضوي الغير المعلوم كونه منه (عليه السلام).
[مسألة 2: يجوز تقديم غسل الجمعة يوم الخميس]
[1032] مسألة 2: يجوز تقديم غسل الجمعة يوم الخميس (1) [1]
______________________________
و هذه المسألة و إن لم تكن محتاجة إلى التدقيق و التأمل بهذا المقدار إلّا أن التدقيق لأجل ما أشرنا إليه من إغناء كل غسل عن الوضوء، و حيث ثبت استحباب قضائه يوم السبت و جوازه في حق من تركه يوم الجمعة متعمداً فيغني عن الوضوء بناء على ما قدمناه.
الجهة الرابعة: إذا لم يقضه المكلف يوم السبت هل يشرع له القضاء في سائر أيام الأُسبوع أو لا دليل على مشروعيته في سائر الأيام؟
مقتضى موثقة ذريح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في الرجل هل يقضي غسل الجمعة؟ قال: لا» «1»، عدم المشروعية في القضاء مطلقاً و قد خرجنا عنها في قضائه يوم السبت و يبقى غيره تحت عموم عدم المشروعية.
و لا دليل على مشروعية قضائه بعد السبت سوى ما ورد في الفقه الرضوي و أن له أن يأتي به في سائر أيام الأُسبوع «2»، إلّا أنه لم يثبت كونه رواية فضلًا عن كونها معتبرة.
مشروعية تقديم غسل الجمعة عنها‌
(1) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات:
الجهة الاولى: في أصل مشروعية التقديم عند خوف إعواز الماء أو إحرازه يوم‌
______________________________
[1] فيه إشكال، و لا بأس بالإتيان به رجاء.
______________________________
(1) الوسائل 3: 321/ أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 5.
(2) لاحظ المستدرك 2: 507/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1، فقه الرضا: 129.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 22‌
..........
______________________________
الجمعة. المشهور عندهم مشروعيته، و عن بعضهم أنه مما لا خلاف فيه، و عن الحدائق أنه لم ينقل فيه خلاف من أحد «1».
فإن كانت المسألة اتفاقية كما ادعي و حصل لنا القطع بقوله (عليه السلام) من اتفاقهم فهو، و إلّا فللمناقشة في أصل مشروعية التقديم مجال، و ذلك لأن ما استدل به على ذلك أُمور ثلاثة:
الأوّل: الفقه الرضوي: «و إن كنت مسافراً و تخاف عدم الماء يوم الجمعة فاغتسل يوم الخميس» «2». و هذا لم يثبت كونه رواية فضلًا عن اعتبارها.
الثاني: مرسلة محمد بن الحسين عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال «قال لأصحابه: إنكم تأتون غداً منزلًا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغدٍ، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة» «3». و هي مرسلة و لا يمكن الاعتماد عليها.
الثالث: ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسن بن موسى بن جعفر أو الحسين بن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن امه و أُم أحمد بن موسى قالتا: «كنّا مع أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في البادية و نحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس: اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فإن الماء غداً بها قليل، قالتا: فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة» «4».
و هي ضعيفة أيضاً، لأنها إن كانت مروية عن الحسن بن موسى كما عن الفقيه «5» فهو مجهول، و إن كانت مروية عن الحسين بن موسى كما عن التهذيب «6» و الكافي «7» فهو مهمل، على أن حال أُمهما غير معلوم و لم تثبت وثاقتها و لا وثاقة أُم أحمد‌
______________________________
(1) الحدائق 4: 231.
(2) المستدرك 2: 507/ أبواب الأغسال المسنونة ب 5 ح 1، فقه الرضا: 129.
(3) الوسائل 3: 319/ أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 1.
(4) الوسائل 3: 320/ أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 2.
(5) الفقيه 1: 61/ 227.
(6) التهذيب 1: 365/ 1110.
(7) الكافي 3: 42/ 6.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 23‌
بل ليلة الجمعة إذا خاف إعواز الماء يومها.
______________________________
فالاستدلال بتلك الأخبار غير ممكن.
اللّهمّ إلّا على أحد أمرين أحدهما: انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور على طبقها. و ثانيهما: أن يقال بأن أخبار من بلغ تدل على استحباب العمل الذي بلغ فيه الثواب. و لم يثبت شي‌ء من الأمرين.
أمّا الأوّل: فقد ذكرنا في محله أن عمل المشهور على طبق رواية لا يوجب انجبار ضعفها، إذ نحتمل وقوفهم على قرينة تدل على صحتها من دون أن تصل إلينا «1».
و أما الثاني: فلما حققناه في محله من أن أخبار من بلغ واردة للإرشاد إلى ما استقل به العقل من أن الانقياد و إتيان العمل برجاء المحبوبية حسن و يترتب عليه الثواب و لا دلالة لها على استحباب العمل شرعاً «2»، و عليه لا تثبت مشروعية تقديم الغسل يوم الخميس، نعم لا بأس بالإتيان به يوم الخميس رجاء عند خوف الإعواز أو إحرازه يوم الجمعة.
الجهة الثانية: على تقدير ثبوت مشروعية التقديم يوم الخميس هل يشرع تقديمه ليلة الجمعة عند خوف الإعواز أو إحرازه يوم الجمعة أو تختص المشروعية بيوم الخميس؟
مقتضى الجمود على ظاهر النصوص هو الاختصاص فكأن اليوم بيوم لا اليوم بليل، لكن المعروف جواز تقديمه ليلة الجمعة، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات بعضهم. و استدل عليه بوجوه:
الأوّل: الأولوية، فإن اللّيل أقرب إلى الجمعة من نهار الخميس، فاذا ثبتت المشروعية يوم الخميس ثبتت ليلة الجمعة بالأولوية.
و فيه: أن العبادات أُمور توقيفية تحتاج مشروعيتها إلى دليل، و الأولوية الظنية مما‌
______________________________
(1) مصباح الأُصول 2: 201.
(2) مصباح الأُصول 2: 319.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 24‌
..........
______________________________
لا اعتبار بها فلا يثبت بها الحكم الشرعي.
الثاني: استصحاب المشروعية المتيقنة يوم الخميس، و هذا يبتني على أمرين:
أحدهما: القول بجريانه في الأحكام الكلية. و ثانيهما: أن يكون اليوم الوارد في الروايتين لمجرّد الظرفية و لم يكن قيداً دخيلًا في ثبوت الحكم الشرعي. و كلا الأمرين مورد المناقشة، لعدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية، و لأن ظاهر اليوم في الروايتين أنه قيد في ترتب الحكم الشرعي لا أنه اتي به لمجرد الظرفية، و معه لا مجرى للاستصحاب في المقام.
الثالث: التعليل الوارد في الروايتين المتقدمتين، حيث علل الحكم بالتقديم يوم الخميس بقلّة الماء يوم الجمعة، فإذا كان هذا هو العلّة فيه فيتعدّى إلى الليل أيضاً إذا خيف أو أُحرز قلة الماء يوم الجمعة.
و هذا الاستدلال غريب، لأن العلّة و إن كانت قلة الماء و إعوازه إلّا أنه ليس مطلقاً بل في خصوص يوم الخميس، و إلّا جاز التعدِّي إلى التقديم في سائر أيام الأُسبوع أيضاً كالأربعاء و الثلاثاء و غيرهما إذا خيف أو أُحرزت القلّة يوم الجمعة و هو مما لا قائل به. فالصحيح هو اختصاص المشروعية بيوم الخميس، فاليوم باليوم.
الجهة الثالثة: في موضوع الحكم بجواز التقديم يوم الخميس هل هو خوف الإعواز يوم الجمعة أو إحرازه؟
المعروف أن الموضوع المسوغ للتقديم هو خوف الإعواز، و هو إما بمعنى الظن بالقلّة أو احتمالها العقلائي كما في غير المقام. و هذا مما لا دليل عليه سوى الفقه الرضوي المشتمل على قوله: «و إن كنت مسافراً و تخاف عدم الماء يوم الجمعة» «1»، و قد تقدّم عدم ثبوت كونه رواية فضلًا عن اعتبارها.
و مدرك المشهور هو إحدى الروايتين المتقدمتين «2» و قد ورد فيهما إعواز الماء. ففي‌
______________________________
(1) و قد تقدم في صدر المسألة.
(2) في صدر المسألة بعد رواية فقه الرضا.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 25‌
أمّا تقديمه ليلة الخميس فمشكل، نعم لا بأس به مع عدم قصد الورود، و احتمل بعضهم جواز تقديمه حتى من أول الأُسبوع أيضاً، و لا دليل عليه.
______________________________
المرسلة «إنكم تأتون غداً منزلًا ليس فيه ماء» و في رواية ابن موسى (عليه السلام): «فان الماء غداً بها قليل» فالحكم مترتب على واقع القلّة أو الانعدام فلا بدّ من إحرازه بالعلم الوجداني أو التعبّدي، كما هو الحال في الروايتين لإخبار الإمام (عليه السلام) فيهما بالقلّة أو الإعواز و هو موجب للجزم و اليقين.
الجهة الرابعة: هل يختص جواز التقدم بما إذا خيف أو أُحرزت القلّة في السفر أو يعمه و الحضر أيضاً؟
الصحيح هو التعميم، لأن الروايتين و إن كانتا واردتين في السفر إلّا أن المورد لا يخصص، و الموضوع فيهما هو الإعواز بلا فرق في ذلك بين السفر و الحضر.
الجهة الخامسة: موضوع الحكم بجواز التقديم يوم الخميس هو إعواز الماء يوم الجمعة، و هل يجوز تقديم الغسل في يوم الأربعاء أو غيره من أيام الأُسبوع إذا تحقق الموضوع بأن خاف الإعواز أو أحرزه؟
الصحيح عدم المشروعية في غير يوم الخميس، و هو المطابق للقاعدة، لأن العبادات توقيفية، و لم يرد الترخيص في تقديمه إلّا يوم الخميس فنخرج عنها بهذا المقدار فقط، و أما في سائر الأيام فلا تقديم لعدم الدليل على الجواز.
و أمّا ما يتوهّم من أن العلة في جواز التقديم يوم الخميس هو الإعواز أو خوفه يوم الجمعة فإذا تحققت العلة في غير يوم الخميس جاز التقديم فيه أيضاً، ففيه أن العلّة هي خوف الإعواز أو إحرازه يوم الخميس لا مطلق الخوف أو الإحراز، فلا دليل على مشروعية التقديم في غير الخميس، نعم لا بأس بالإتيان به رجاء لعدم القطع بعدم المشروعية واقعا.
الجهة السادسة: فيما لو تمكن من الماء يوم الجمعة بعد أن خاف الإعواز أو أحرزه‌



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 26‌
و إذا قدّمه يوم الخميس ثم تمكّن منه يوم الجمعة يستحب إعادته، و إن تركه يستحب قضاؤه يوم السبت، و أمّا إذا لم يتمكّن من أدائه يوم الجمعة فلا يستحب قضاؤه [1] و إذا دار الأمر بين التقديم و القضاء فالأولى اختيار الأوّل.
[مسألة 3: يستحب أن يقول حين الاغتسال: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه]
[1033] مسألة 3: يستحب أن يقول حين الاغتسال: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله، اللّهمّ صلِّ على محمّد و آل محمّد و اجعلني من التوّابين و اجعلني من المتطهِّرين.
______________________________
يوم الخميس فقدم الغسل هل تستحب الإعادة أم لا؟ المعروف هو استحباب الإعادة. و الصحيح ابتناء المسألة على أن الخوف أو الإحراز هل هما طريقان إلى الإعواز يوم الجمعة أو أنهما موضوعان للحكم بجواز التقديم.
فعلى الثاني لا مجال لاستحباب الإعادة، فإنه قد أتى بغسل الجمعة مقدماً لتحقق موضوعه و هو الخوف أو الإحراز و معه لا تشمله الإطلاقات الدالّة على استحباب غسل الجمعة، بل تكون الأدلة الدالّة على جواز التقديم مع الخوف أو الإحراز حاكمة على تلك الإطلاقات، لدلالتها على توسعة زمان الامتثال و تحقق المأمور به بالغسل يوم الخميس، و لا استحباب للغسل بعد الغسل.
و أمّا على الأوّل فحيث انكشف خطأ الطريقين و تمكن المكلف من الماء يوم الجمعة فلا محالة تشمله الإطلاقات، لعدم امتثاله على الفرض، و ما أتى به إنما كان مأموراً به خيالًا أو ظاهراً و لا يجزئ شي‌ء منهما عن المأمور به الواقعي، فالإطلاقات تدل على استحباب الإعادة، فاذا أتى به يوم الجمعة فهو و إلّا استحب له القضاء يوم السبت لأنه لم يأت به يوم الجمعة وفاته ذلك، و ما أتى به يوم الخميس لم يكن مأموراً به إلّا خيالًا أو ظاهراً.
و هذا بخلاف ما إذا كان الخوف أو الإحراز موضوعين لجواز التقديم، فإنه إذا قدم الغسل يوم الخميس فقد أتى بغسل الجمعة لتوسعة وقته حينئذ و معه لا يشرع القضاء‌
______________________________
[1] فيه إشكال، و كذا فيما بعده.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 27‌
[مسألة 4: لا فرق في استحباب غسل الجمعة بين الرجل و المرأة]
[1034] مسألة 4: لا فرق في استحباب غسل الجمعة بين الرجل و المرأة و الحاضر و المسافر و الحر و العبد و من يصلِّي الجمعة و من يصلِّي الظهر، بل الأقوى استحبابه للصبي المميز (1)، نعم يشترط في العبد إذن المولى إذا كان منافياً لحقه، بل الأحوط مطلقاً (2) و بالنسبة إلى الرجال آكد، بل في بعض الأخبار رخصة تركه للنساء.
______________________________
في حقه، لأنه إنما ثبت على من فاته الغسل يوم الجمعة و المفروض أن المكلف لم يفته غسل يوم الجمعة بل أتى به مقدما.
الجهة السابعة: إذا دار أمره بين التقديم يوم الخميس لخوف الإعواز أو لإحرازه و بين ترك التقديم و القضاء يوم السبت فالأولى اختيار التقديم، و ذلك لأنه أداء موسع و لا إشكال في أن الأداء أولى من القضاء.
التسوية في الاستحباب بين أقسام المكلفين‌
(1) الأمر كما أفاده، و لا فرق في استحبابه بين أقسام المكلفين لإطلاق الأدلّة، نعم علمنا أن تأكده في حق الرجال أقوى منه في حق النساء، لما ورد من أنّهنّ قد رخصن في تركه «1» و في بعضها أنه رخص لهنّ في تركه في السفر دون الحضر «2».
اشتراط إذن المولى‌
(2) ذكر الماتن (قدس سره) أن العبد يشترط فيه إذن المولى إذا كان اغتساله منافياً لحق المولى و أمره، ثم ترقي و احتاط في اعتبار الاستئذان من المولى مطلقاً حتى إذا لم يكن منافياً لحقه.
______________________________
(1) ما وجدناه في الروايات المعتبرة، نعم ورد في الخصال [586/ 12] في رواية ضعيفة أنه «و يجوز لها النساء تركه في الحضر» المستدرك 2: 500/ أبواب الأغسال المسنونة ب 3 ح 3.
(2) الوسائل 3: 312/ أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1، 2، 17.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 28‌
[مسألة 5: يستفاد من بعض الأخبار كراهة تركه]
[1035] مسألة 5: يستفاد من بعض الأخبار كراهة تركه بل في بعضها الأمر باستغفار التارك، و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في مقام التوبيخ لشخص: «و اللّٰه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة، فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأُخرى».
[مسألة 6: إذا كان خوف فوت الغسل يوم الجمعة لا لإعواز الماء بل لأمر آخر]
[1036] مسألة 6: إذا كان خوف فوت الغسل يوم الجمعة لا لإعواز الماء بل لأمر آخر كعدم التمكن من استعماله أو لفقد عوض الماء مع وجوده فلا يبعد جواز تقديمه أيضاً [1] يوم الخميس و إن كان الأولى عدم قصد الخصوصية و الورود بل الإتيان به برجاء المطلوبية (1).
______________________________
و الاحتياط استحباباً حسن في نفسه إلّا أن الاحتياط الوجوبي مما لا وجه له لوجود المطلقات النافية لاعتبار الاستئذان من المولى في استحباب الغسل في حق العبد، و هذا إذا لم يكن منافياً لحقه بمكان من الوضوح، و كذلك الحال فيما إذا كان منافياً لحقه، لأنه من تزاحم الحقين و قد ذكرنا في محله أن الترتب في المتزاحمين على طبق القاعدة «1»، فاذا عصى مولاه و خالف أمره فلا مانع من صحّة اغتساله.
(1) هل يجوز التقديم إذا خيف أو أُحرز عدم التمكن من الغسل يوم الجمعة لأجل مانع غير إعواز الماء و قلّته مثل خوف البرد في الهواء أو كان متمكناً من الماء الحار يوم الخميس و عاجزاً عن الماء الحار في الجمعة مع وجدان الماء البارد؟
قد يقال: إن إعواز الماء ذكر في الروايتين «2» من باب المثال، و الغرض عدم التمكن من الغسل يوم الجمعة و لو لمانع آخر، لكن مقتضى ظاهر النصوص هو الاختصاص بما إذا خيف أو أُحرز قلة الماء فلا دليل على المشروعية في غير ذلك، نعم لا بأس بتقديم الغسل حينئذ رجاء.
______________________________
[1] فيه إشكال.
______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 3: 95، 102.
(2) تقدّمتا في مسألة 2 ص 22.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 29‌
[مسألة 7: إذا شرع في الغسل يوم الخميس من جهة خوف إعواز الماء يوم الجمعة فتبيّن في الأثناء وجوده]
[1037] مسألة 7: إذا شرع في الغسل يوم الخميس من جهة خوف إعواز الماء يوم الجمعة فتبيّن في الأثناء وجوده و تمكّنه منه يومها بطل غسله، و لا يجوز إتمامه بهذا العنوان و العدول منه إلى غسل آخر مستحب إلّا إذا كان من الأوّل قاصداً للأمرين (1).
[مسألة 8: الأولى إتيانه قريباً من الزوال]
[1038] مسألة 8: الأولى إتيانه قريباً من الزوال و إن كان يجزئ من طلوع الفجر إليه كما مر.
[مسألة 9: ذكر بعض العلماء أن في القضاء كلّما كان أقرب إلى وقت الأداء كان أفضل]
[1039] مسألة 9: ذكر بعض العلماء أن في القضاء كلّما كان أقرب إلى وقت الأداء كان أفضل فإتيانه في صبيحة السبت أولى من إتيانه عند الزوال منه أو بعده، و كذا في التقديم، فعصر يوم الخميس أولى من صبحه و هكذا، و لا يخلو عن وجه و إن لم يكن واضحاً. و أما أفضلية ما بعد الزوال من يوم الجمعة من يوم السبت فلا إشكال فيه و إن قلنا بكونه قضاء كما هو الأقوى [1].
إذا شرع في التقديم فتبين وجود الماء يوم الجمعة‌
______________________________
(1) إذا شرع في الغسل يوم الخميس لإعواز الماء في الجمعة و انكشف في أثناء غسله وجود الماء و تمكّنه منه يوم الجمعة بطل غسله، لانكشاف عدم كونه مأموراً به واقعاً و إنما كان مأموراً به بالأمر الخيالي أو الظاهري فلا يجوز أن يتمه، كما لا يجوز له أن يعدل إلى غسل مستحب آخر لعدم دلالة الدليل على جواز العدول حينئذ.
نعم حيث ثبت في محله «1» جواز التداخل في الأغسال فلا مانع من أن يأتي بغسل واحد للجمعة و للزيارة و للعيد مثلًا، و معه لو انكشف التمكن من الماء يوم الجمعة فيبطل غسله بالإضافة إلى غسل الجمعة و له إتمامه بنية الزيارة و العيد و نحوهما فهو غسل مشروع مستحب.
______________________________
[1] في القوة إشكال، و الاحتياط لا يترك.
______________________________
(1) شرح العروة 7: 43.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 30‌
[مسألة 10: إذا نذر غسل الجمعة وجب عليه]
[1040] مسألة 10: إذا نذر غسل الجمعة وجب عليه (1) و مع تركه عمداً تجب الكفارة (2) و الأحوط قضاؤه [1] يوم السبت، و كذا إذا تركه سهواً أو لعدم التمكّن منه (3)، فإن الأحوط قضاؤه (4) و أما الكفارة فلا تجب إلّا مع التعمد.
إذا نذر غسل الجمعة‌
______________________________
(1) كما في غيره من الأُمور الراجحة شرعاً.
(2) و هي كفارة شهر رمضان لحنث نذره.
(3) و لا يبعد أن يقال بعدم انعقاد النذر فيما إذا انكشف عدم تمكن الناذر من المنذور في وقته، إذ يشترط القدرة على المنذور في النذر، لوضوح أنه لا معنى للالتزام بعمل خارج عن القدرة، فإذا لم يقدر عليه في ظرفه كشف ذلك عن عدم صحّة النذر به.
عدم وجوب القضاء عند المخالفة‌
(4) و الظاهر عدم وجوب القضاء عند تعمد تركه فضلًا عما لو تركه سهواً أو لعدم التمكّن منه، و ذلك لأن القضاء إما أن يكون بالأمر الجديد كما هو الصحيح و إما أنه تابع للأداء.
فإن قلنا بأنه بالأمر الجديد فهو يحتاج في وجوبه إلى أمر جديد، و هو إنما ورد في الصلاة و الصيام و في بعض الموارد الأُخر المنصوصة كما إذا نذر الصوم فطرأ عليه ما لا يتمكّن معه من إتمامه كما لو سافر أو حاضت أو نفست و نحو ذلك، و ليس لنا في المقام أمر جديد بقضاء غسل الجمعة إذا نذره ثم تركه عمداً أو نسياناً أو لغيرهما.
و أما إذا قلنا بأن القضاء تابع للأداء فمعنى ذلك أن هناك أمرين و مطلوبين قد تعلّق أحدهما بطبيعي الفعل و تعلق ثانيهما بالمقيد أي بالإتيان به في وقت خاص أعني التقييد بدليل منفصل، و حينئذ إذا لم يأت به في الوقت الخاص وفاته امتثال أحد‌
______________________________
[1] لا بأس بتركه و لا سيما في فرض السهو أو عدم التمكن منه.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 31‌
[مسألة 11: إذا اغتسل بتخيل يوم الخميس بعنوان التقديم أو بتخيل يوم السبت بعنوان القضاء فتبين كونه يوم الجمعة]
[1041] مسألة 11: إذا اغتسل بتخيل يوم الخميس بعنوان التقديم أو بتخيل يوم السبت بعنوان القضاء فتبين كونه يوم الجمعة فلا يبعد الصحّة خصوصاً إذا قصد الأمر الواقعي و كان الاشتباه في التطبيق (1).
______________________________
الأمرين فالأمر الآخر المتعلق بالطبيعي باق بحاله لا بدّ من امتثاله و الإتيان بالعمل في غير وقته.
و هذا و إن كان ممكناً في الأفعال الواجبة بالعنوان الأولي إلّا أنه لا يأتي في الواجب بالنذر و العنوان الثانوي، لأنه تابع لنذر الناذر، و لا إشكال في أن الناذر إنما ينذر إتيان الغسل يوم الجمعة و هو فعل واحد و لا يخطر بباله انحلال نذره إلى أمرين.
بل لو فرضنا أنه نذر مع الانحلال أي نذر طبيعي الغسل و نذر إتيانه في يوم الجمعة ثم تركه يوم الجمعة و لم يأت به يوم السبت و لا في غيره وجبت كفارتان إحداهما لتركه الواجب يوم الجمعة و هو أحد المنذورين و ثانيتهما لتركه طبيعي الغسل، مع أن في ترك مثل نذر غسل الجمعة ليست إلّا كفارة واحدة.
فالمتحصل: أن القضاء غير واجب في المقام لعدم الدليل، و إنما يجب في الصلاة و الصيام و بعض الموارد الأُخر كما قدمناه، نعم الأحوط القضاء لأن احتمال الوجوب واقعاً موجود بالوجدان.
إذا اغتسل بتخيل يوم الخميس‌
(1) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لعدة فروع:
الأوّل: ما إذا تخيل أن اليوم جمعة فاغتسل لها ثم ظهر أن اليوم يوم الثلاثاء و لكن كان عليه أحد الأغسال من الجنابة أو مس الميِّت فهل يصح غسله حينئذ و يقع عن الجنابة أو مس الميِّت أو يقع باطلًا؟ الصحيح في ذلك هو الحكم بالبطلان، لأنه من صغريات الكبرى المعروفة: ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.
و توضيحه: أن المستفاد من الروايات أن الأغسال طبائع و حقائق مختلفة كما أن‌



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 32‌
و كذا إذا اغتسل بقصد يوم الجمعة فتبيّن كونه يوم الخميس مع خوف الإعواز أو يوم السبت‌
______________________________
أسبابها مختلفة، و ليست كالوضوء الذي هو أمر واحد و الاختلاف إنما هو في أسبابه من بول أو نوم أو نحوهما حتى يكون الإتيان به بقصد أنه مسبب عن البول مثلًا كافياً و إن كان في الواقع مستنداً إلى سبب آخر لأنه حقيقة واحدة و لا اختلاف في حقيقته بل الأغسال متعددة بحسب الأسباب و المسببات، غاية الأمر اختلافها بالعنوان لا بالذات، نظير اختلاف صلاتي الظهر و العصر، لأنهما و إن كانتا حقيقة واحدة بالذات لتركب كل منهما من ركعات أربع و قراءة و غير ذلك إلّا أنهما يختلفان بالعنوان أي عنوان صلاة الظهر و العصر لقوله (عليه السلام): «إلّا أن هذه قبل هذه» «1» و في مثله إذا أتى بالعمل بعنوان الظهر مثلًا ثم ظهر أنه قد أتى بها سابقاً لم يقع ذلك عصراً، لأن ما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصده.
و الأمر في المقام كذلك، لأن ما قصده من غسل الجمعة لم يقع لأنه يوم الثلاثاء على الفرض، و ما وقع من غسل الجنابة أو مس الميِّت لم يقصده على الفرض فيقع باطلًا فإن الأغسال حقيقة واحدة بالذات و هي إيصال الماء إلى البدن لكنها مختلفة بالعنوان و معه لا بدّ من قصدها تفصيلًا أو إجمالًا، أما لو قصد واحداً منها فقط دون أن يقصد الباقي و لو إجمالًا و انكشف خلافه وقع باطلًا لا محالة.
نعم لو أتى بالغسل بقصد الأمر الفعلي و اعتقد أنه متعلق بغسل الجمعة مثلًا وقع غسله هذا عما هو في ذمته من الجنابة أو مس الميِّت و نحوهما، و لا يضره الخطأ في التطبيق بعد قصده الأمر الفعلي على ما هو عليه في الواقع، لأنه قد قصد بقية الأغسال إجمالًا و هو كاف في الامتثال.
الثاني: ما لو اغتسل باعتقاد أن اليوم جمعة فتبين أنه يوم الخميس مع قلة الماء غداً و إعوازه. و الصحيح هو الحكم بصحّة الغسل حينئذ، لأنه قصد بغسله ذلك غسل‌
______________________________
(1) الوسائل 4: 126/ أبواب المواقيت ب 4 ح 5.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 33‌
و أما لو قصد غسلًا آخر غير غسل الجمعة أو قصد الجمعة فتبيّن كونه مأموراً بغسل آخر ففي الصحّة إشكال إلّا إذا قصد الأمر الفعلي الواقعي و كان الاشتباه في التطبيق.
______________________________
الجمعة غاية الأمر أنه تخيل أن اليوم جمعة و كان في الواقع يوم الخميس، و الغسل المأتي به بعنوان غسل الجمعة في يوم الخميس هو بعينه غسل الجمعة و إنما يختلف وقته و هو غير مضر، نظير ما إذا أتى بالعمل باعتقاد أن الزمان هو بعد ساعة من الزوال و تبين أنه بعد الزوال بساعتين.
الثالث: ما لو اغتسل غسل الجمعة مقدماً باعتقاد أن اليوم الخميس مع قلة الماء غداً فتبين أن اليوم الجمعة. و الغسل في هذه الصورة صحيح لعين ما قدمناه في سابقتها، لأن الغسل المأتي به بعنوان الجمعة هو غسل الجمعة حقيقة غاية الأمر أنه كان معتقداً أن ظرفه مقدم و لم يكن اعتقاداً مطابقاً للواقع، و مثله غير مضر بصحّة الغسل بعد الإتيان به بعنوان غسل الجمعة.
الرابع: ما لو اغتسل غسل الجمعة قضاء باعتقاد أن اليوم يوم السبت فظهر أن اليوم جمعة. و الصحيح هو الحكم بصحّة الغسل حينئذ، لأن الأداء و القضاء و إن كانا ماهيتين متغايرتين و لا يتحقق الامتثال إلّا بقصد أحدهما، و من ثمة لو دخل في الفريضة الفعلية و كان عليه قضاء يجوز له العدول إلى القضاء أو يجب عليه إذا قلنا بوجوب تقديم القضاء و هذا يدل على التغاير أيضاً، إلّا أن ذلك كله فيما إذا كان عليه أمران أحدهما الأمر بالأداء و الآخر الأمر بالقضاء فعليه واجبان و لا بدّ من قصد أحدهما في مقام الامتثال.
و أما إذا لم يكن عليه إلّا أمر واحد فتخيل المكلف أن الوقت باقٍ فقصد به الأداء أو تخيل انقضاء الوقت فقصد به القضاء ثم انكشف له أن الوقت قد خرج أو أنه باقٍ فلا يضر ذلك بصحّة الامتثال، لقصده الأمر الفعلي و إن تخيل أن ظرفه ظرف أداء أو قضاء و لعلّه ظاهر.



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 34‌
[مسألة 12: غسل الجمعة لا ينقض بشي‌ء من الحدث الأصغر و الأكبر]
[1042] مسألة 12: غسل الجمعة لا ينقض بشي‌ء من الحدث الأصغر و الأكبر إذ المقصود إيجاده يوم الجمعة و قد حصل (1).
[مسألة 13: الأقوى صحّة غسل الجمعة من الجنب و الحائض]
[1043] مسألة 13: الأقوى صحّة غسل الجمعة من الجنب و الحائض (2) بل لا يبعد إجزاؤه عن غسل الجنابة، بل عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم.
المراد بالانتقاض في كلام الماتن‌
______________________________
(1) ليس المراد ما يعطيه ظاهر العبارة من أنه لو أحدث بعد الغسل بالحدث الأصغر أو الأكبر لم ينتقض غسله بل طهارته باقية بحالها فيترتب عليه جميع آثار الطهارة فيجوز له مس كتابة القرآن مثلًا و غيره من الآثار، و ذلك لأن الغسل ينتقض بالحدث لا محالة فلا يجوز له مس الكتابة بعد الحدث بوجه، نظير الأغسال الفعلية كغسل الزيارة فإنه لو أحدث بعده بطل غسله لا محالة، لاعتبار المقارنة بين الغسل و الزيارة و كونها صادرة عن طهارة و غسل.
بل المراد من العبارة هو ما صرح به بعد ذلك بقوله: إذ المقصود إيجاده يوم الجمعة و قد حصل. و معناه أن هذا الغسل من الأغسال الزمانية فاذا أتى به فقد حصل الامتثال فلا تستحب الإعادة بعد البول أو غيره من الأحداث، لا أنه يبقى بعد الحدث أيضاً، ففي العبارة تشويش كما لا يخفى.
صحّة غسل الجمعة من الحائض و نحوها‌
(2) لما تقدم من أنه مستحب على جميع أقسام المكلفين على وجه الإطلاق، أي سواء كانوا في سفر أو حضر، و سواء كان المكلف جنباً أو متطهراً، حائضاً أم غيرها و ذلك للإطلاق.
بل غسل الجمعة يغني عن غسل الجنابة على ما في الأخبار، حيث ورد أنه إذا صام و بعد ذلك علم أنه كان جنباً قال (عليه السلام) ما مضمونه: إنه إن كان قد‌



موسوعة الإمام الخوئي، ج‌10، ص: 35‌
[مسألة 14: إذا لم يقدر على الغسل لفقد الماء أو غيره يصح التيمّم]
[1044] مسألة 14: إذا لم يقدر على الغسل لفقد الماء أو غيره يصح التيمّم و يجزئ (1) نعم لو تمكن من الغسل قبل خروج الوقت فالأحوط الاغتسال لإدراك المستحب (2).
______________________________
اغتسل للجمعة أجزأه ذلك عن الجنابة «1»، كما ورد أن من اجتمع عليه حقوق أجزأه حق واحد «2»، و بهذا يظهر أنه يجزئ عن غسل الحيض أيضاً كما يجزئ عن غسل الجنابة.
مشروعية التيمّم في المقام‌
(1) لأنه على طبق القاعدة، لما قلنا من أن التراب بدل عن الطهارة المائية عند التعذّر، من دون حاجة في ذلك إلى الرواية حتى نحتاج إلى الاستدلال عليه بالفقه الرضوي «3» الذي لم يثبت كونه رواية فضلًا عن أن تكون معتبرة.
(2) و ذلك لما ذكرناه مراراً من أن المعتبر في العجز و الفقدان إنما هو الفقدان في مجموع الوقت و العجز عن الطبيعة لا عن بعض أفرادها، فإذا تمكن من الماء قبل خروج الوقت كشف ذلك عن عدم كونه مأموراً بالتيمّم، لكونه مأموراً بالغسل و إن قامت البينة الشرعية على عدم وجدان الماء إلى آخر الوقت أو كان قاطعاً بذلك أو مستصحباً فقدانه إلى آخر الوقت، لما تقدم من أن الحكم الظاهري أو التخيلي لا يجزئ عن الحكم الواقعي.
______________________________
(1) الوسائل 10: 237/ أبواب من يصح منه الصوم ب 30.
(2) الوسائل 3: 339/ أبواب الأغسال المسنونة ب 31 ح 1، و ذكره في 2: 261/ أبواب الجنابة ب 43 ح 1 بسند صحيح، و فيه غسل الحيض منصوص.
(3) المستدرك 2: 497/ أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1، فقه الرضا: 82. و لعلّ نظر السيد الأُستاذ (دام ظله) إلى هذه الرواية، و فيه كلام.