بسم الله الرحمن الرحیم

فهرست علوم
فهرست فقه
علم الحقوق



 

عدم وجوب اجتناب در شبهات محصوره

محقق اردبیلی

 

مجمع الفائده، ج 1، ص 281

قوله: «(و لو اشتبه إلخ)» (1) ان دليله خبران غير معتبرين (أحدهما) موثق (و الآخر) ضعيف . لكن الظاهر أنهما مؤيدان بالشهرة، بل بالإجماع على الظاهر، و عدم ظهور الخلاف، و بان التكليف بالطهارة بالماء الطاهر محقق و الخروج عنه انما يتحقق باليقين أو الظن المعتبر شرعا و ليس هنا، و فيه تأمل. و الظاهر بناء على اعتبار قوانين الأصول و اعتبار العلم بالنجاسة جواز استعمال أيهما أراد على تقدير التساوي، و الراجح مع الرجحان كما يقال مثله في واجدي المني في الثوب المشترك من عدم وجوب الغسل على أحدهما مع جريان الدليل بعينه، و هذا هو الموافق للقوانين و الشريعة السهلة الاّ ان العدول عن قول الأصحاب مع عدم الشريك يحتاج إلى جرأة تامة، و صرّح في الفروع و الأصول في كتب العامة و الخاصة بعدم الجواز، و الا لم يكن دليلهم على ذلك أيضا واضحا فإنه خلاف الإجماع و هو غير ظاهر. و بالجملة المسئلة مشكلة، و لكن دعوى الإجماع في المختلف في مثل هذه المسئلة مع ما تقدم من الخبرين و عدم الخلاف، يقتضي وجوب الاجتناب لو أمكن و هو يقتضي إراقة الماء ثم التيمم لوجودها في دليل الأصل، و يحتمل الحمل على الاجتناب، و لهذا قلنا بالاحتياط دون الوجوب كما قال به الشيخ، و يفهم من كتاب الصدوق.

 

 

مجمع الفائده، ج 2، ص 123-126

و يجتنب (1) المشتبه بالنجس في المحصور دون غيره.

قوله: «(و يجتنب إلخ)» (1) الظاهر من سوق الكلام، ان المقصود المسجد فقط، و يحتمل المكان مطلقا، و لكن مع التقييد بالرطوبة المتعدية الغير المعفو عنها. و يحتمل القيد الأخير في المسجد أيضا، و لكن كلامهم خال عن ذلك فالظاهر التعميم. ثم هذا الحكم في غاية الإشكال، كما أشرت إليه في بحث الإنائين، المشتبه طاهرهما بالنجس: إذ العقل و النقل يقتضي عدم الاجتناب، سيما أدلة: كل شيء طاهر حتى تعلم انه نجس. و حكمهم بطهارة الماء لو تيقن وقوع النجاسة اما على الماء أو على أطراف الظرف الذي هو فيه باليقين: و كذا في أحد .......... الموضعين: و كذا حكمهم بإباحة التمر الواقع فيه تميرات محرمة إلا تلك العدة، و غير هذه، و هو الموافق للقوانين. و لا يضر الحكم باجتناب المشتبه بذات المحرم، لعدم كون الأصل في ذلك كونها ذات المحرم، و كونها حلال، مع الاحتياط في الفروج. و كذا في المشتبه بالميتة و المذكى، لأنهم يقولون هنا أيضا: الأصل عدم الذكاة و انه ميتة حتى يتحقق. نعم لا فرق بينها، اى المشتبه من الأمكنة، و بين الإنائين، و الثوب المشتبه بالنجس: على انه لا دليل لهم على ما رأيناه إلا في الإنائين، فإنه ورد خبران غير صحيحين: فقياس البعض عليهما - دون البعض من غير دليل، - محل التأمل، لعله إجماعي، و لكن غير معلوم في الإنائين أيضا، حيث نقل المصنف هناك الخلاف عن بعض أصحابنا، مثل محمد بن مسلم : بوجوب الوضوء بهما، و الغسل بالثاني، ثم الصلاة. و قد استدل هناك المصنف بيقين شغل الذمة و النجاسة، فلا يزيله الا يقين مثله. و أظن يمكن جعله دليلا على خلافه، و القول بأن أصل الطهارة يفيد طهارة كل واحد من الإنائين بخصوصه، بمثل ما مر في صاحبي الثوب المشترك مع وجود المنى المتيقن كونه من أحدهما. و العجب من الشارح يقول هذا كله لا كلام فيه: فكأنه ثبت عنده إجماع: فمن هذا ظهر أن جعله مخصوصا بالمسجد اولى، لا لاشتراط الطهارة فيه مطلقا، و لقلة الإشكال

 

 

مجمع الفائده، ج 2، ص126

و اما تحقيق المحصور و غيره: فحوالته الى العرف الغير المضبوط لا يخلو عن اشكال: و ينبغي ان يبنى على تعذر الاجتناب و التعسر الذي لا يحتمل مثله، و عدمهما. و هو أيضا لا يخلو عن اشكال، لعدم ضبط التعسر الا بالعرف و نحوه، و يكون مثل سائر المحال الى العرف: فينبغي كونه حينئذ عفوا لا طاهرا كما يفهم من كلامهم: و هذا أيضا يدل على عدم قوة دليل الاجتناب، لانه لو كان دليلا قويا ما كان يستثنى منه شيء، كما لو ثبت نجاسة غير المحصور تعيينا (يقينا - خ) يجب الاجتناب مهما أمكن، فيجب التيمم لو كان ماء. و أيضا الحصر هنا ليس في كلام الشارع حتى يحال الى العرف، حيث لا شرع، و لا عرف، و لا لغة. و أيضا قد لا يكون في اجتناب غير المحصور حرج أصلا، بأن يكون له موضع طاهر بجنبه. و كذا في أكل المشتبه بالميتة و المذكى، و اجتناب الأجنبية المشتبهة بذات المحرم، فتأمل فيه جيدا، و احتط سيما في النكاح، فان الفروج أشد مبالغة كما ورد في بعض الاخبار.

 


 

صاحب مدارک

مدارک الاحکام، ج 1،ص 108

سيما على تقرير الشارع، فإنه. قال: يكون المشتبه نجسا يقينا، فكيف يكون الدليل - على القول بعدم نجاسة ما يلاقيه ملاقاة ثبت كونها منجسا في النجس اليقيني - متينا، نعم لو قيل الاجتناب حكم ثابت على خلاف الأصل - بالنص أو الإجماع، تعبدا محضا، فلا يتعدى الى غيره - لكان وجها لا يخلو عن متانة، لعله مقصود المحقق، و قد عرفت ما فيه، فتأمل. ثم بعد الحكم لا ينبغي التعدي عما اجمع عليه و ثبت دليله، فكان ذلك على تقدير وجوده ليس إلا في المحصور. و اما تحقيق المحصور و غيره: فحوالته الى العرف الغير المضبوط لا يخلو عن اشكال: و ينبغي ان يبنى على تعذر الاجتناب و التعسر الذي لا يحتمل مثله، و عدمهما. و هو أيضا لا يخلو عن اشكال، لعدم ضبط التعسر الا بالعرف و نحوه، و يكون مثل سائر المحال الى العرف: فينبغي كونه حينئذ عفوا لا طاهرا كما يفهم من كلامهم: و هذا أيضا يدل على عدم قوة دليل الاجتناب، لانه لو كان دليلا قويا ما كان يستثنى منه شيء، كما لو ثبت نجاسة غير المحصور تعيينا (يقينا - خ) يجب الاجتناب مهما أمكن، فيجب التيمم لو كان ماء. و أيضا الحصر هنا ليس في كلام الشارع حتى يحال الى العرف، حيث لا شرع، و لا عرف، و لا لغة. و أيضا قد لا يكون في اجتناب غير المحصور حرج أصلا، بأن يكون له موضع طاهر بجنبه. و كذا في أكل المشتبه بالميتة و المذكى، و اجتناب الأجنبية المشتبهة بذات المحرم، فتأمل فيه جيدا، و احتط سيما في النكاح، فان الفروج أشد مبالغة كما ورد في بعض الاخبار.

 

 

 


وحید بهبهانی

ثمّ اعلم أنّ جمعا من المجتهدين فرّقوا في شبهة موضوع الحكم بين المحصورة و غير المحصورة، و حكموا بالمنع في الأوّل، بناء على أنّ الحكم بحلّيّة المجموع يستلزم الحكم بحلّيّة ما هو حرام علينا قطعا، و طهارة ما هو نجس جزما كالإناءين المشتبهين، و الثّوبين كذلك، و الدّرهمين اللذين أحدهما غصب جزما، إلى غير ذلك.
و إن حكمنا أنّ أحدهما نجس، أو حرام بعينه فهو ترجيح من غير
__________________________________________________
 (1) جاء في المصدر بعد هذا: خذ منها ما يكفيك.
 (2) البحار 44: 139. الحديث 6. مع اختلاف في التعبير.
 (3) الوسائل 14: 345 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها الحديث 4.
                       

 

 

الفوائد الحائرية، ص: 246
مرجّح شرعيّ، و النّصوص «1» وردت في الإناءين و نظائرهما كما قالوا.
و الفرق بين المحصور و غير المحصور أنّ المحصور يتأتّى فيه التنزّه عن الكلّ، بحيث لا يلزم الحرج المنفيّ، و غيره بخلافه.
ذلك لأنّ الحرمة و النّجاسة تكليفان يجب امتثالهما، فحيث يمكن الامتثال بترك المحتملات- من باب مقدّمة الواجب- يكون مكلّفا به، و حيث لا يمكن لعدم تأتّي ترك الجميع، و عدم التّرجيح الشّرعي لا يكون مكلّفا به.
و أيضا المحصور: ارتكاب جميع محتملاته يتحقّق غالبا «2»، فيتحقّق اليقين باستعمال الحرام أو النّجس.
و أمّا غير المحصور: فلا يتحقّق العلم عادة للمكلّف الواحد بأنّه ارتكب الجميع، فارتكب الحرام أو النجس يقينا.
و كون المكلّفين بأجمعهم ارتكبوا الكلّ لا يضرّ، لأنّ كلاّ منهم مكلّف بعلم نفسه، و لو لم يكن لم يكن تكليف عليه.
كما هو الحكم في وجدان المنيّ في الثّوب المشترك لعدم علم كلّ واحد منهما بتكليف وقع به «3»، بخلاف ثوبي شخص واحد أو ثوبين مطلقا، يكون أحدهما نجسا، و المكلّف عالم بذلك، فإنّ علمه بذلك تكليف بتنزّهه عن النّجس اليقينيّ، و لا يمكن إلاّ بالتنزّه عنهما جميعا.
و أيضا يظهر من الأخبار: أنّ النّجاسة مثلا لا يجب من أوّل الأمر
__________________________________________________
 (1) الوسائل 1: 124 الباب 12 من أبواب الماء المطلق. الحديث 1.
 (2) ف: عادة.
 (3) كذا في الأصل.

 

 

                        الفوائد الحائرية، ص: 247
الفحص عنها في أنّها هل بلغت ثوبه مثلا أم لا؟ بل و لا يجب ذلك عند أمارة محتملة أيضا، بل متى علم بها بحسب الاتّفاق تنزّه عنها، و إلاّ فلا.
و في غير المحصورة: لا يحصل العلم غالبا بأنّ النّجاسة وقعت فيها بحيث يكون نسبتها إلى الكلّ على السّويّة، بحيث يصير الكلّ مقدّمة للتّرك حيث الخطاب. فليتأمّل.
مع أنّ عدم وجوب الاجتناب عن غير المحصور مجمع عليه بين الكلّ، و لا ريب فيه، و مدار المسلمين في الأعصار، و الأمصار كان على ذلك، و قد حقّقناه في موضع آخر.
و كثيرا ما يعضده أصالة الصحّة في تصرّفات المسلمين.
و بالجملة أدلّة أصالة البراءة (و غيرها ممّا ذكر) «1» شاملة لما هو مثل:
وجدان المنيّ المذكور، لعدم العلم بالتكليف أصلا، و للشّبهة في غير المحصور و غيرها ممّا ذكر، لعدم العلم في كلّ واحد منهما.
و أمّا العلم بالكلّيّ الإجماليّ بينها فلا يقاوم تلك الأدلّة بحيث يخصّصها، و يخرج جميع الأفراد الغير المحصورة منها، و يدخلها في الحرام و النّجس، بأن يقال: «العلم بالتكليف بكلّ واحد واحد حاصل من حيث كونه مقدّمة للواجب» لما ذكرنا من لزوم تكليف ما لا يطاق أو الحرج.
مع أنّ الخاصّ لا بدّ أن يكون أقوى من العامّ حتّى يغلب عليه و يخصّصه، على أنّ التّساوي لا أقلّ منه إجماعا- كما عرفت- و هو فيما نحن فيه محلّ تأمّل، لو لم نقل بأنّه ليس كذلك.
__________________________________________________

(1) ما بين القوسين أثبتناه من (م).

 

 

                        الفوائد الحائرية، ص: 248
و أمّا الشّبهة المحصورة فعند هؤلاء ليست «1» بداخلة فيما لا يعلم، حتّى يشملها «2» أدلّة الأصل، لأنّ حرمة أحدهما أو نجاسته يقينيّة فيجب امتثالهما قطعا لعموم أَطِيعُوا اللَّهَ* «3» و غيره، و الامتثال ممكن و خال عن الحرج، و لا يتأتّى إلاّ بترك المجموع فأحدهما حرام أو نجس، و الثّاني يجب اجتنابه من باب المقدّمة.
و الأمور الواجبة كلّها كليّات و الامتثال يتحقّق بأفرادها و إن كان الخصوصيّة لا مدخل لها في الوجوب، لكن لا بدّ من ارتكابها لكونها شرطا في الوجوب. هذا كما أنّ من يعلم أنّ عليه فائتة، و لا يدري أنّها الصّبح، أو الظّهر، أو أنّها أيّها من الخمس، فإنّ الواجب الإتيان بالكلّ لتحصيل الامتثال.
أقول هذه قاعدة وجيهة، إلاّ أنّه ورد في الّذي فيه الحلال و الحرام أنّه حلال حتّى تعرف الحرام بعينه «4».
و في الصّحيح عن أبي عبيدة عن الباقر عليه السلام: جواز الشراء من العامل الّذي يعلم أنّه يأخذ أكثر من الحقّ، ... «حتّى يعرف الحرام بعينه» «5».
و في الصّحيح عن أحدهما عليهما السلام «عن الشراء الخيانة، و السّرقة؟
قال: لا، إلاّ أن يكون قد اختلط معه غيره فأمّا السّرقة بعينها
__________________________________________________
 (1) في الأصل: ليس بداخل.
 (2) في الأصل: يشمله.
 (3) الأنفال: 20.
 (4) المحاسن: 495. الحديث: 596.
 (5) التهذيب 7: 132 الحديث 50. مع اختلاف يسير.

 

 


                        الفوائد الحائرية، ص: 249
فلا شراء» «1».
و في الموثّق عن إسحاق بن عمّار «جواز الاشتراء من العامل الّذي يظلم، ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحدا» «2» إلى غير ذلك.
و ورد في الأخبار في المال المختلط: «إخراج الخمس و حلّيّة الباقي» «3». و تفصيل الأمور في الفقه.
و الاحتياط «4» و الأولى- مهما أمكن- التّجنّب عن الشّبهات، و ارتكاب الاحتياط في الفتوى و عدم الاتّكال على أصل البراءة مهما أمكن، لأنّ ما ورد في الاحتياط يكون في غاية الكثرة و الشدّة، و موافق لمسلك النّجاة سيّما في زمان الحيرة، و خصوصا بعد ملاحظة وهن العمومات، و شمولها لما يقع فيه الاحتياط، و إن كان الاتّكال على أصل البراءة لا مانع منه أصلا، لكن في مثل دوران المرأة بين كونها بنتا، أو زوجة أو أختا، و أمثال ذلك يجب الاجتناب البتّة.
و كذا في المأكولات مثل: كون أحد الإناءين فيه السّم المهلك جزما، و لم يعرف بعينه، و أمثال ذلك
.
و اللّه الهادي إلى سبيل النّجاة

 

 


محقق قمی

ثمّ إنّ الاشتباه في الموضوع يتصوّر على وجوه:
أحدها: مجرّد احتمال اتّصاف الموضوع بالحرمة «1»، مثل احتمال طريان الغصب على ما حازه المسلم من المباحات كالحطب و الحشيش، بل تساوي احتماله مع احتمال عدمه.
و الثاني: أن يختلط الحلال و الحرام اختلاط مزج و شوب لا يتمايزان عادة، كاختلاط حبوب الحنطة و أجزاء السّمن و الدّبس.
و الثالث: أن يحصل العلم لك بأنّ هذا الموضوع واحد من الأمور التي بعضها حرام يقينا و لا يعلم أنّه هل هو أو غيره، و هو على قسمين:
الأوّل: إنّ الأمور المردّد فيها محصورة معدودة، يمكن الإحاطة بها بلا عسر و صعوبة.
و الثاني: أن يكون مردّدا بين أمور غير محصورة عادة، بمعنى تعسّر الإحاطة و تعذّرها، و لا خلاف في حرمة القسم الثاني، كما أنّه لا خلاف في حلّيّة غير القسم الأوّل من القسم الثالث.
و أمّا هو فاختلفوا فيه «2»، فذهب جماعة من الأصوليين الى وجوب اجتنابه،
__________________________________________________
 (1) و المقصود به الاحتمال الضعيف لقرينة قوله: بل تساوي احتماله مع احتمال عدمه فيما ذكره من المثال.
 (2) راجع مبحث الشّبهة في طريق الحكم في رسالة أصالة البراءة للوحيد من «الرّسائل الأصولية» ص 401.

 

 

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 66
فقالوا: يجب اجتناب الشّبهة المحصورة دون غيرها، و استدلّ عليه «1» بأنّ الحكم بحلّيّة المجموع، يستلزم الحكم بحلّيّة ما هو حرام علينا قطعا، و طهارة ما هو نجس جزما كالإناءين المشتبهين و الثوبين كذلك، و الدّرهمين اللّذين أحدهما غصب.
و إن حكمنا بأنّ أحدهما نجس أو حرام، فهو ترجيح من غير مرجّح شرعيّ، و بأنّ الحرمة و النجاسة تكليفان يجب امتثالهما، و لا يتمّ إلّا باجتناب الجمع، و ما لا يتمّ الواجب إلّا به، فهو واجب.
 [الفرق بين المحصور و غير المحصور]
و الفرق بين المحصور و غير المحصور «2»، أنّ ارتكاب جميع المحتملات ممكن و متحقّق عادة في المحصور، فيحصل اليقين باستعمال الحرام و النجس بخلاف غير المحصور، فلا يتحقّق العلم فيه عادة لمكلّف واحد باستعمال المحظور. و حصوله لجميع المكلّفين غير مضرّ، لأنّ كلّا مكلّف بعلم نفسه، و إذ ليس فليس، و ذلك كواجد المنيّ في الثوب المشترك، و بأنّ الشّبهة المحصورة ليست بداخلة فيما لا يعلم حتى يشمله أدلّة الأصل، لأنّ حرمة أحدها أو نجاسته يقينيّة فيجب امتثالهما يقينا، كعموم: أَطِيعُوا اللَّهَ،* و غيره.
أقول: و الأقوى فيه أيضا أصالة البراءة، بمعنى أنّه يجوز الاستعمال بحيث لا يحصل العلم بارتكاب الحرام، و نحن لا نحكم بحلّيّة المجموع أبدا حتى يلزم الحكم بحلّيّة الحرام الواقعيّ اليقينيّ، و لا نحكم بحلّيّة أحدهما بعينه و حرمته ليلزم التحكّم، بل نقول بحلّيّة الاستعمال ما لم يتحقّق استعمال ما لا ينفكّ عن استعمال‏
__________________________________________________
 (1) و هذا الدليل ضعيف لما ستعرفه من المصنّف.
 (2) راجع «الفوائد الحائرية» للوحيد ص 246 و 247.

 

 

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 67
الحرام جزما، لا بمعنى الحكم بأنّه الحلال الواقعي حتّى يلزم التحكّم، بل بمعنى التخيير في استعمال أيّ منهما أراد من حيث إنّه مجهول الحرمة لعدم المرجّح، و نحن نقول بوجوب إبقاء ما هو مساو للحرام الواقعيّ أو أزيد منه.
فإن قلت: إذا جعلت المعيار عدم العلم بارتكاب الحرام الواقعيّ، فلم لا تقول بجواز ارتكاب الجميع على التدريج، لعدم حصول العلم في كلّ مرتبة من الاستعمالات، و الذي يوجب حصول العلم بارتكاب الحرام إنّما هو إذا ارتكب الجميع دفعة.
قلت: أوّلا: نقول به إذ لا دليل عقلا و شرعا يدلّ على الحرمة و العقاب، و لا إجماع على بطلانه، و القائل به موجود كما سنشير إليه.
و ثانيا: نقول: كما أنّ ارتكاب الحرام الواقعيّ المتيقّن حرام، فتحصيل اليقين بارتكاب الحرام أيضا حرام، و تحريمه حينئذ من هذه الجهة، فارتكاب الفرد الآخر الذي يوجب العلم بارتكاب الحرام الواقعيّ، مقدّمة لتحصيل اليقين بارتكابه، و مقدّمة الحرام حرام، و يمكن منع المقدّمتين «1».
نعم، يثبت اشتغال الذّمّة بحق الغير، و حصول النجاسة بعد استعمال الجميع، و يترتّب عليهما آثارهما حينئذ، و إن لم يحصل العقاب بالارتكاب، فليتأمّل.
و كيف كان، فلا دليل على حرمة ارتكاب ما لا يحصل العلم معه بالحرام، لعموم الأدلّة المتقدّمة.
و أمّا التمسّك بأنّ الاجتناب عن الحرام و النجس واجب و لا يتمّ إلّا بالاجتناب‏
__________________________________________________
 (1) أي حرمة تحصيل اليقين بارتكاب الحرام إذا لم يعلم بارتكاب الحرام بنفس ذلك العقل بخصوصه، و حرمة مقدمة الحرام كما في الحاشية منه.

 

 


                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 68
عن الجميع، فبطلانه واضح، لمنع حرمة ما لم يعلم حرمته، و نجاسة ما لم يعلم نجاسته.
بيان ذلك: أنّ اتّصاف الأعيان بالحلّ و الحرمة و النجاسة و الطهارة يرجع الى ملاحظة حال فعل المكلّف، و إن كان الحكمة الباعثة للحكم كامنة في تلك الأعيان، فالأعيان و إن اتّصفت بذاتها من جهة تلك الحكمة بالحرام و النجس مثلا من دون تقييد بالعلم و الجهل، و لكن اتّصافها بهما من جهة ملاحظة إضافة فعل المكلّف إليها لا يكون إلّا في صورة العلم.
هذا مع أنّه يرد على ذلك النقض بغير المحصور، فإنّ الحرام و النجس فيها أيضا يقينيّ و التمسّك بلزوم العسر و الحرج لا يثبت الحلّ و الطهارة، بمعنى ترتّب جميع آثارهما، سيّما بحيث يصير قاعدة كلّيّة مثبتة للحكم مطّرد، لأنّ مقتضى ذلك الحكم بطهارة صحراء وسيع الفضاء الذي تنجّس بعضه و لم يعلم محلّها لمن يزاولها بالرّطوبة و يحتاج الى مزاولتها، و لا حرج على من لا يزاولها و لا يحتاج إليها في الاجتناب عنها، و ليس تطهير عضو منه إذا اتّفق مباشرته عسرا و حرجا، كما لا يخفى.
و قد يكون اجتناب الثوبين اللّذين أحدهما نجس حرجا عظيما، كما لو احتاج الى لبس أحدهما في السّفر في أيّام الشّتاء و وقوع المطر، فإن كان لزوم العسر يوجب الحكم بالطهارة، فاحكم هنا بالطهارة.
و كذلك الكلام في الاضطرار الى أكل الميتة و شرب الماء النجس، فإنّ الاضطرار و العسر و الحرج لا يوجب الحكم بالطهارة.
                       

 

 

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 69
أمّا ما قد يتمسّك بذلك في مثل طهارة الحديد مع ورود الأخبار بالنجاسة «1»، فذلك تأسيس للحكم و دفع لا رفع لحكم ثابت، و بينهما فرق واضح، مع أنّ الإجماع و أصل الطهارة الثابتة بالأخبار و الأدلّة موجودان، و الخاصّ إنّما يعارض العامّ لو قاومه، فالأخبار الواردة في الحديد لا تقاوم تلك الأدلّة التي أحدها نفي الحرج و العسر.
و الحاصل، أنّ التمسّك بالعسر و الحرج حيث استقلّ بالدّلالة أيضا، يوجب دوران الحكم مدار لزومهما، سيّما و الاضطرار الى الحرام غايته عدم العقاب على أكله مثلا، و لا يوجب ذلك دفع جميع آثاره، فإذا اضطرّ الى سرقة مال الغير لدفع الجوع المهلك، فعدم العقاب على أكل لا يستلزم عدم اشتغال الذمّة بعوضه، سيّما إذا كان قادرا عليه.
و أمّا الفرق بأنّ ارتكاب جميع المحتملات ممكن و متحقّق عادة في المحصور فيحصل اليقين باستعمال الحرام و النجس دون غيره.
ففيه: أنّ امكان ارتكاب الجميع لا يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الجميع، و لا يوجب حصول اليقين باستعمال الحرام لمن لم يستعملها جميعا. و ما ذكره من حكم واجدي المنيّ في الثوب المشترك، يجري في الثوب المحصور إذا ارتكب كلّ من المكلّفين بعض أفراده.
و أمّا أنّ الشّبهة المحصورة ليست بداخلة فيما لا يعلم ... الخ.
__________________________________________________
 (1) و قد نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامية على العمل بمضمون عدد من الأخبار التي تفيد طهارته و ما يمكن ان يستفاد من مثل حديث واحد على النجاسة غير مستقيم و هو شاذ مخالف لما عليه كثير الأدلّة و التي منها بعض الأخبار، يمكن مراجعتها في «الوسائل» ج 3 ص 530 باب 83، طهارة الحديد.

 


                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 70
 [روايات في الباب‏]
فيعلم جوابه ممّا مرّ. لأنّ كون حرمة أحدها يقينيّة أو نجاسته يقينيّة، بمعنى اتّصافه في نفس الأمر بالحكمة الموجبة للحرمة أو النجاسة لا يوجب اليقين باتّصافه بالحرمة و النجاسة، مضافا الى المكلّف، فلم يثبت العلم بالتكليف حتى يجب الاجتناب عنه من باب المقدمة، مع أنّ الأخبار المستفيضة وردت في حلّية الشراء من العامل و السّارق مثل صحيحة أبي عبيدة عن الباقر عليه الصلاة و السلام قال: سألته عن الرّجل منّا يشتري من السّلطان من إبل الصّدقة و غنم الصّدقة و هو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم؟. قال:
فقال عليه السّلام: «ما الإبل و الغنم إلّا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» «1».
و صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه الصلاة و السلام:
أشتري من العامل الشّي‏ء و أنا أعلم أنّه يظلم؟ فقال: «اشتر منه» «2».
و صحيحة أبي بصير «3» قال: سألت أحدهما عليهما السّلام عن شراء الخيانة و السّرقة؟
فقال عليه السّلام: «لا، إلّا أن يكون قد اختلط معه غيره، و أمّا السّرقة بعينها فلا، إلّا أن يكون من متاع السّلطان فلا بأس بذلك».
و موثّقة إسحاق بن عمار و رواية محمد بن أبي حمزة و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و غيرها، و لا حاجة الى ذكرها.
و يدلّ عليه أيضا ما ورد من حلّيّة ما يختلط بالحرام بإخراج الخمس.
__________________________________________________
 (1) كما في «الكافي» 5/ 228 الحديث 2، و «الوسائل» 17/ 219 الحديث 22376.
 (2) «تهذيب الأحكام» 6/ 337 الحديث 938، و «الوسائل» 17/ 219 الحديث 22375.
 (3) «الكافي» 5/ 228 الحديث 1، «الوسائل» 17/ 335 الحديث 22695.

 

 


                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 71
و هذا كلّه موافق للأصل الذي قرّرنا و الأخبار العامة الدالّة على عدم المؤاخذة بدون العلم، و المقيّدة للإطلاق و الرّخصة حتّى يرد فيه نهي، و ما دلّ بالعموم على أنّ «كلّ ما فيه حلال و حرام فهو حلال حتّى تعرف الحرام بعينه». و القول بأنّ قاعدة الشّبهة المحصورة و وجوب الاجتناب عن الجميع لكونه مقدّمة للواجب أصل، و خروج جوائز الظّالم، و الشّراء من العامل و السّارق بسبب تلك الأخبار، ليس بأولى من أن يقال: قاعدة أصل البراءة الثابتة بالأدلّة العقليّة و النقليّة يقتضي الحلّ. خرجنا عن مقتضاها في الإناءين المشتبهين و الوطء في المشتبهة بالأجنبيّة إن كان إجماعيّا و هو غير معلوم، و القصاص في المشتبه بمحرّم الدّم و نحوها بالدّليل، و بقي الباقي تحت الأصل، مع أنّك قد عرفت بطلان كونه مقدّمة للواجب بمنع الوجوب.

 

 




















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است