جواهر الکلام، ج ٣٨،ص ١٨۵-١٨٨
و المراد بها كما في الدروس ما ينفذ فيها حكم الإسلام، فلا يكون بها كافر إلا معاهدا قال: «فلقيطها حر مسلم، و حكم دار الكفر التي تنفذ فيها أحكام الإسلام كذلك إذا كان فيها مسلم صالح للاستيلاد و لو واجدا، و أما دار كانت للمسلمين فاستولى عليها الكفار فان علم فيها مسلم فهي كدار الإسلام و إلا فلا، و تجويز كون المسلم فيها مخفيا نفسه غير كاف في إسلام اللقيط، و أما دار الكفر فهي ما ينفذ فيها أحكام الكفار فلا يسكن فيها مسلم إلا مسالما، و لقيطها محكوم بكفره و رقه، إلا أن يكون فيها مسلم و لو كان تاجرا إذا كان مقيما، و كذا لو كان أسيرا أو محبوسا، و لا تكفي المارة من المسلمين».
و في محكي المبسوط «دار الإسلام على ثلاثة أضرب: بلد بنى في الإسلام لم يقربه المشركون كبغداد و البصرة، فلقيطها يحكم بإسلامه و إن جاز أن يكون لذمي، لأن الإسلام يعلو و لا يعلى عليه،
و الثاني كان دار كفر فغلب عليها المسلمون، أو أخذوها صلحا و أقروهم على ما كانوا عليه على أن يؤدوا الجزية، فإن وجد فيها لقيط نظرت، فان كان هناك مسلم مستوطن فإنه يحكم بإسلامه، لما ذكرنا، و إن لم يكن هناك مسلم أصلا حكم بكفره، لأن الدار دار كفر،
و الثالث دار كانت للمسلمين و غلب عليها المشركون مثل طرشوش، فإذا وجد فيها لقيط نظرت، فان كان هناك مسلم مستوطن حكم بإسلامه، و إلا فلا -
قال -: و دار الحرب مثل الروم، فان وجد فيها لقيط نظرت، فان كان هناك أسارى فإنه يحكم بإسلامه، و إن لم يكن أسارى و يدخلهم التجار قيل: فيه وجهان: أحدهما الحكم بإسلامه، و الآخر الحكم بكفره».
و في التذكرة جعل دار الإسلام دارين: و هما الضرب الأول و الثاني اللذان في المبسوط، و جعل الثالث المذكور أخيرا في المبسوط دار كفر، فدار الإسلام عنده داران، و دار الكفر عنده داران.
و في القواعد «الثالث تبعية الدار، و هي المراد - أي في اللقيط، فيحكم بإسلام كل لقيط في دار الإسلام إلا أن يملكها الكفار و لم يوجد فيها مسلم واحد، فيحكم بكفره، و بكفر كل لقيط في دار الحرب إلا إذا كان فيها مسلم ساكن و لو واحدا تاجرا أو أسيرا».
و في جامع المقاصد «أن المراد بدار الإسلام في عبارة الكتاب إما دار خطها المسلمون كبغداد أو دار فتحها المسلمون كالشام - ثم حكى عن الدروس تعريفها بما سمعت و قال: - إنه أضبط».
و في المسالك بعد أن ذكر ما في الدروس و التذكرة قال: «و ظاهر هذه التعريفات أن المراد من دار الإسلام هنا غير المراد بها في حكمهم بأن سوق المسلمين يحكم على لحومه و جلوده بالطهارة كما سبق في أبوابه، لأن المسلم الواحد لا يكفي في ذلك إذا كان أصل البلد للمسلمين، و لا يصدق عليه سوق المسلمين».
قلت: لا أعرف ثمرة في الإطناب في ذلك بعد خلو النصوص عن تعليق الحكم على دار الإسلام و دار الكفر، و إن جعلهما في الرياض و غيره العنوان لذلك. لكن فيه أنه بعد اعتبار وجود المسلم في الإلحاق لم يفرق بينهما و بين دار الكفر، و احتمال الاكتفاء بدار الإسلام و إن لم يوجد فيها مسلم صالح للتولد منه لا وجه له، بل لا معنى لدار الإسلام معه إلا بإرادة نفوذ أحكام الإسلام فيها و إن كان أهلها كفارا، و قد عرفت التصريح في الدروس باعتبار وجود المسلم فيها في الحكم بالإسلام. ثم لا يخفى عليك أن التغليب المزبور للإسلام و لو بوجود واحد أسير أو محبوس في بلاد الكفر يمكن كون الولد منه مناف لمقتضى قاعدة إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب، مع أنهم لم يعتبروه في المارين و المستطرقين الذين يمكن احتمال التولد من أحدهم الذي هو أولى من المحبوسين. و ما أدري ما الذي دعاهم إلى ذلك مع اقتضاء الأصول العقلية عدم الحكم بإسلامه و كفره؟! لأن الأصل كما يقتضي عدم تولده من الكافر يقتضي أيضا عدم تولده من المسلم، و لا أصل آخر يقتضي الحكم بكون المشكوك فيه على الوجه المزبور الإسلام، و الولادة على الفطرة قد عرفت إعراض الأصحاب عن العمل بمقتضاها، و لذا أوله بعضهم بإرادة أنه يولد ليكون على الفطرة، أي بعد البلوغ. نعم قد يقال: إن السيرة تقتضي ذلك في بلاد الإسلام الغالب فيها المسلمون، و أما الحكم في النصوص بالحرية فهو أعم من الإسلام، فلا ملازمة بينهما، مع أن تناولها لبعض الأفراد المذكورة في كلامهم محل شك أو منع، فليس حينئذ إلا الإجماع إن تم على سائر ما ذكروه، و لعله محل شك في المحبوس في طامورة مثلا. أو يقال: إن دليل ذلك كله قوله (صلى الله عليه و آله) : «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» و لو بملاحظة الانجبار بفتوى الأصحاب، على معنى ما يقتضي تغلب احتمال الإسلام على احتمال غيره، و لا يقدح في ذلك عدم اعتبار الاحتمال الناشئ من غير الساكن في البلاد كالمستطرقين و نحوهم، لعدم الانجبار فيه، فتأمل جيدا. و على كل حال فان بلغ و أعرب عن نفسه الكفر لم يحكم بردته على الأقوى، كما في الدروس و محكي التذكرة و الإيضاح. و لعله إليه يرجع ما عن المبسوط من «أن الأقوى أنه لا يقتل، بل يفزع و يهدد و يقال: حكمنا بإسلامك قبل، ارجع إلى الإسلام» إلى آخره. لأن الحكم بإسلامه وقع ظاهرا لا باطنا. و لذا لو ادعى ذمي بنوته و أقام بينة على دعواه سلم إليه، و نقض الحكم بإسلامه، و ليس إلا لأنها أمارة إنية تفيد الظن، باعتبار الاستدلال بالمعلول على شيء آخر، بخلاف مباشرة الإسلام و تبعية أحد الأبوين أو السابي، فإنه برهان لمي يفيد العلم، و يستدل فيه بالعلة على المعلول. لكن في القواعد التردد في ذلك، و لعله مما عرفت و من حيث سبق الحكم بإسلامه، فهو مسلم كفر بعد إسلام، فيندرج في تعريف المرتد. بل في التحرير الجزم بأنه مرتد يستتاب و إلا قتل، بل نفي البعد في جامع المقاصد عن الحكم بكونه مرتدا، لسبق الحكم بطهارته و إجراء أحكام أولاد المسلمين عليه، و لأن الإسلام هو الأصل، لأن كل مولود يولد على الفطرة. و فيه منع الأصل المزبور، كمنع اقتضاء الأول الحكم بكونه مرتدا ضرورة عدم صدقه عليه لغة بل و شرعا، فالتحقيق عدم جريان حكم المرتد عليه، و الله العالم.
الموسوعة الفقهیة المیسرة، ج 14، ص 313-314
دار الشرك لغةً: تقدّم معنى الدار في «دار». كما وتقدّم معنى الشرك في «إشراك». اصطلاحاً: هو البلد الّذي يحكمه المشركون بحسب التعريف الاصطلاحي. الأحكام: وجوب الهجرة من دار الشرك: صرّح بعض الفقهاء بوجوب الهجرة من دار الشرك إذا لم يتمكّن المسلم من إظهار شعائر الإسلام، وكذا لو كان ملزماً بإظهار شعائر الشرك والكفر بطريق أولى. وقد تقدّم الكلام عن ذلك في عنوان «إشراك». وقال صاحب الرياض ما حاصله: إذا ألزم الزوج الزوجة بالخروج معه إلى بلاد الشرك لم تجب إطاعته عليها؛ حذراً من لزوم الضرر عليها في دينها غالباً، مع لزوم الهجرة عن بلاد الشرك جزماً . وفيما يلي نذكر بعض الاستفتاءات وأجوبتها حول هذا الموضوع مع كون السؤال عامّاً لا يخصّ دار الشرك، بل يشمل دار الكفر بأنواعه، لكن لا يهمّنا ذلك بعد اشتراك الكلّ في الحكم. سؤال: «التعرّب بعد الهجرة هل يصدق على الّذي يهاجر إلى بلاد أُوروبا أو أمريكا للسكن مع الظنّ القوي بتأثّر أطفاله بأجواء تلك البلد المنحلّة؟ ومتى يكون ذلك السفر أو الهجرة جائزة؟». السيّد الخوئي: «لا يترتّب على ذلك أحكام التعرّب إذا كان يتمكّن من العمل بوظائفه الدينيّة في تلك البلاد، واللّٰه العالم» . سؤال: «هل تعدّ الهجرة إلى بلدان الغرب تعرّباً بعد الهجرة شرعاً؟ وما هي ضروريّات الإباحة في ذلك؟». السيّد الگلبايگاني: «لو كان المهاجر يتمكّن فيها من العمل بوظائفه الشرعيّة لم تعدّ هجرته تعرّباً بعد الهجرة، واللّٰه العالم» . سؤال: «ما معنى التعرّب بعد الهجرة الّذي هو من الذنوب الكبيرة؟». السيّد السيستاني: «قال بعض الفقهاء: إنّه ينطبق في هذا الزمان على الإقامة في البلاد الّتي ينقص بها الدين. والمقصود: هو أن ينتقل المكلّف من بلد يتمكّن فيه من تعلّم ما يلزمه من المعارف الدينيّة والأحكام الشرعيّة ويستطيع فيه على أداء ما وجب عليه في الشريعة المقدّسة وترك ما حرم عليه فيها إلى بلد لا يستطيع فيه على ذلك كلّاً أو بعضاً» . وقال ضمن جواب سؤال مشابه له: «... الابتعاد عن الأجواء الدينيّة ربّما يؤدّي بمرور الزمن إلى ضعف الجانب الإيماني في الشخص إلى الحدّ الّذي يستصغر معه ترك بعض الواجبات، أو ارتكاب بعض المحرّمات، فإذا كان المكلّف يخاف أن ينقص دينه بالحدّ المذكور جراء الإقامة في تلك البلدان، لم لم يجز له الإقامة فيها» . وقال في جواب الاستفتاء عن أ نّه: «لو خاف المهاجر من نقصان دين أولاده، فهل يحرم عليه البقاء في بلدان كهذه؟»: «نعم، كما هو الحال بالنسبة إلى نفسه» . سؤال: «هل يجوز للمسلم أن يهاجر إلى بلد غير إسلامي؟». السيّد الخامنئي: «لا مانع من ذلك ما لم يكن فيه خوف مقت دينه، ويجب عليه هناك بعد التحفّظ على دينه ومذهبه القيام بالدفاع عن الإسلام والمسلمين وبسائر ما يجب عليه من نشر الدين والأحكام وغير ذلك» . وما ذكره من القيام بالدفاع عن الإسلام ليس شرطاً لجواز الإقامة هناك على الظاهر، وإن كانت العبارة توهم ذلك. ثمّ، إنّ هذه الوظيفة لو قيل بوجوبها ينبغي أن تكون مشروطة بشروط الأمر والنهي. سؤال: «هل يجوز للمسلم أن يستوطن بلداً غير إسلامي؟ أليس هذا من التعرّب بعد الهجرة؟». الشيخ مكارم الشيرازي: «لا بأس في ذلك إذا كان في مأمن من الفساد والكفر، ولا يكون مصداقاً للتعرّب بعد الهجرة، خاصّة إذا استطاع أن يكون مبشّراً للإسلام تدريجاً بالقول والفعل» .