بسم الله الرحمن الرحیم
[في امكان اخذ دعوة الامر بامر ثان]
(و يمكن) ان ننفرد عنهم بتحرير و تقرير نفيد بهما امكان اخذ قصد الامتثال
بدائع الافكار في الأصول، ص: 233
أو دعوة الامر في متعلق شخصه شرطا أو شطرا و ذلك يتوقف على تمهيد (مقدمة) و هي ان الارادات التشريعية عرضية كانت ام طولية كما يمكن اظهارها و ابرازها بإنشاءات متعددة مثل ان يقول اكرم زيدا و اكرم عمروا و ادخل السوق و اشتر اللحم كذلك يمكن اظهارها بانشاء واحد مثل ان يقول في الاحكام العرضية اكرم العلماء و اكرم العالم و أحل الله البيع و في الاحكام الطولية صل مع الطهارة و الارادات الطولية تارة تكون طولية باعتبار كون متعلقاتها طولية كما فى المثال المتقدم و اخرى باعتبار كونها بانفسها طولية كما في مثل قوله صدق العادل حيث ان هذا الخطاب لا يتوجه الى المكلف إلا عند تحقق موضوعه الذي له أثر شرعي و لا ريب فى ان موضوعه هو قول العادل و لكن باعتبار ما له من الآثار الشرعية فاذا لم يكن لقول العادل أثر شرعي لا معنى للامر بتصديقه و باعتبار هذه الخصوصية في فعلية خطاب صدق العادل أشكل الامر بشمول هذه القضية للخبر الذي يحكي عن السنة بواسطة او وسائط كخبر الشيخ (قده) عن الصفار عن زرارة عن ابي عبد الله عليه السلام فان خبر الشيخ مثلا خبر عادل بالوجدان و لكن لا أثر له فى الشرع و خبر زرارة له أثر فى الشرع و لكن لا وجود له فى الوجدان و خبر الصفار لا وجود له فى الوجدان و لا أثر له فى الشرع و عليه يشكل الامر فى شمول قضية صدق العادل للاخبار التي بايدينا التي هي محور الشرع الحاضر و لكن اذا عممنا الاثر الشرعي الذي باعتباره يجب تصديق العادل لكل حكم شرعى و لو حكما طريقيا مثل صدق العادل امكن حل هذا الاشكال بما اشرنا اليه من ان قضية صدق العادل و ان كانت قضية واحدة مشتملة على انشاء واحد إلا انه بها ينشأ طبيعى وجوب تصديق العادل الجامع بين الافراد الطولية بحيث يكون أحد الافراد محققا لموضوع الفرد الآخر فموضوعها خبر العادل المتحقق وجدانا أو تعبدا و حينئذ يتحقق بانطباق هذه القضية على خبر الشيخ مثلا الذي هو خبر عادل بالوجدان خبر الصفار تعبدا و خبر زرارة كذلك باعتبار ما لهما من الآثار الشرعية فاما خبر الصفار فاثره الشرعى هو وجوب تصديقه اذا تحقق و اما خبر زرارة فاثره الشرعى هو وجوب غسل الجمعة مثلا اذا تحقق فانطباق قضية صدق العادل على خبر الشيخ الذي هو خبر عادل بالوجدان صار سببا لحدوث اخبار عدول بالتعبد و الحكومة فى آن واحد
بدائع الافكار في الأصول، ص: 234
بلا تقدم و لا تأخر فى الزمان و ذلك يوجب انطباق القضية المزبورة على تلك الاخبار فى آن واحد و ان كان صدقها على بعض فى طول صدقها على الآخر فان قضية صدق العادل قضية حقيقية مثل قوله تعالى أحل الله البيع انشأ فيها حكما واحدا عنوانا متعددا حقيقة بتعدد افراد موضوعه فى الخارج و ان كان بعض افراده فردا تعبديا يتحقق وجوده التعبدي بصدق القضية المزبورة على الفرد الحقيقي و بهذا ايضا تعرف انه لا مجال للاشكال بالدور على شمول قضية صدق العادل للاخبار مع الواسطة الذى محصله هو ان وجوب تصديق العادل لا يثبت لخبر الشيخ مثلا إلا اذا كان له اثر شرعى و ليس له أثر شرعى غير وجوب التصديق فيتوقف ثبوته لموضوعه على ثبوته له و هذا الاشكال و نحوه انما يلزم للقول بحجية الاخبار مع الواسطة لو كان الحكم المنشأ فى قضية صدق العادل حكما واحدا شخصيا و اما لو كان المنشأ فى هذه القضية احكاما متعددة حقيقة و واحدا عنوانا و انشاء فلا يلزم الاشكال المزبور و نحوه بل لا وقع له.
[فيما نتمسك به الامكان اخذ دعوة الامر]
(اذا عرفت هذه المقدمة) فاعلم انه يمكن أن ينشأ المولى وجوبين طوليين أحدهما يحقق موضوع الآخر بانشاء واحد كما لو قال مثلا صل مع قصد امتثال وجوب الصلاة او صل على أن يكون الداعى هو وجوبها فتكون هذه العبارة و نحوها انشاء واحدا لوجوبين احدهما متعلق بالحصة المقارنة لدعوة الامر أو لقصد امتثال الامر من طبيعة الصلاة و ثانيهما وجوب اتيان تلك الحصة بدعوة امرها و وجوبها و ليس المراد من انشاء وجوبين استعمال اللفظ فيهما بل يستعمل فى طبيعي الوجوب و يبين الخصوصيات بدوال أخر و بالجملة كما يمكن جمع طلبات عرضية فى حاك واحد كذلك يمكن جمع طلبات طولية فى حاك واحد كما فى المقام بحيث يكون بعضها محققا لموضوع الآخر كالطلب المتعلق بحصة من الصلاة و بعضه الآخر يكون ناظرا الى الآخر كالطلب المتعلق الى الدعوة و بذلك ترتفع المحاذير المزبورة طرا لان حال مثل هذا الانشاء الواحد حال الانشائين المتعلقين بوجوبين إلا أن الفارق بينهما هو اختلاف نحو الاطلاق الذي يحتج به على عدم اعتبار قصد الامتثال قيدا او جزء كما سيأتي توضيح ذلك فظهر بهذا البيان امكان أخذ قصد الامتثال أو دعوة الامر فى انشاء واحد.
منهاج الأصول، ج1، ص: 194
تقریرات درس آقاضیاء
هذا غاية ما يمكن ان يستدل على امكان اخذ قصد التقرب في المأمور به و لكن التحقيق انه لا يعقل اخذها في المأمور به «1» لانه لو اخذت في المتعلق يلزم ان يلاحظ المتعلق متأخرا عن الامر
__________________________________________________
(1) لا يخفى ان الاستاذ قدس سره في الدورة الأخيرة قوى إمكان اخذ داعي الأمر في المتعلق بتقريب ان المولى يمكن ان ينشأ بانشاء واحد وجوبيين طوليين أحدهما متعلق بنفس الحصة التي هي توأم مع الدعوة و ثانيهما متعلق بالحصة مع الدعوة و لا يتوهم ان لازم ذلك استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد لأن الانشاء انما هو بطبيعي الوجوب و استفادة كل من الخصوصين بدال أخر و لا ينافى كون أحدهما محققا لموضوع آخر إذ كما يمكن ان يكون انشاء واحد ينحل الى انشاءات متعددة في عرض واحد يمكن ان ينحل الى انشاءات بعضها في طول-
منهاج الأصول، ج1، ص: 195
لتقيده بما هو ناشئ من الامر و لا إشكال في تأخر ما هو ناشئ من الامر كالعلم به و الوجه و التمييز و قصد التقرب أو مقيدا بما هو ناشئ منه لحاظا و تصورا فمع كونه كذلك كيف يعقل تعلق الامر بالمتعلق لانه حينئذ يكون المتعلق المقيد بما هو ناشئ من الامر متقدما لحاظا تقدم الموضوع على الحكم فيلزم ان يكون ما هو متأخر لحاظا متقدما و ذلك غير معقول للزوم ان يكون الشيء الواحد في اللحاظ متأخرا و متقدما و بعبارة اخرى ان الدعوة و ان كانت معتبرة بما هي موجودة
__________________________________________________
- الآخر و ان شئت توضح الحال فالمقام من قبيل صدق العادل الشامل لخير الشيخ الحاكي عن السنة بواسطة أو وسائط كخبر الشيخ عن الصفار عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام فان شموله لهذه الاخبار ينحل الى وجوبات طولية التي بعضها اخذت موضوعا للاخرى فشمول صدق العادل لخبر الشيخ الذي هو عادل بالوجدان و بذلك يتحقق خبر الصفار تعبدا و خبر زرارة كذلك فحال هذا العموم كحال بقية العمومات مثل أحل الله البيع فكما ان ذلك ينحل الى انشاءات عديدة حسب تعدد الموضوعات كذلك في مثل صدق العادل إلا ان تلك افراد عرضية و في صدق العادل افراد طولية و لكن لا يخفى ان ذلك قياس مع الفارق فان الانحلال في مثل صدق العادل انما هو لاجل انه اخذ الموضوع على نحو الحقيقة بان يكون طبيعة سارية فحينئذ ينحل الموضوع فيتبعه الحكم فاذا تعدد الموضوع يتعدد الحكم و يكون نظير كل خبري صادق الشامل لما أخبر به و لا مانع من ان يكون بعض الأفراد يحقق موضوع الآخر و بذلك ارتفع الاشكال الوارد على شمول صدق العادل للاخبار مع الواسطة بخلاف المقام فان الامر ان تعلق بنفس المتعلق من دون قصد التقرب فلا انحلال فيه و ان تعلق بالمتعلق مع قصد التقرب فيلزم ما ذكر من محذور الدور بتقريباته أو ملاكه الذي هو تقدم الشيء على نفسه واقعا أو لحاظا و هذه المحاذير لا تتأتى في مثل صادق العادل و كل خبري صادق فلا تغفل.
كلام المحقق العراقي في المقام و جوابه
ذهب صاحب «المقالات» العلامة الأراكي رحمه الله في بدو الأمر إلى الامتناع في
__________________________________________________
(1)- تقدم في الجزء الأول: 202- 205.
(2)- مناهج الوصول 1: 270.
تحريرات في الأصول، ج2، ص: 142
المسألة، ثم قال: «و يمكن أن ننفرد عنهم بتحرير، يفيد إمكان أخذ قصد الامتثال أو دعوة الأمر في متعلق شخصه شرطا، أو شطرا، و ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة.
و إجمالها: أن الطلبات العرضية، كما يمكن إيجادها بإنشاء واحد، كما في قوله: «أكرم العلماء» كذلك يمكن إيجاد الطلبات الطولية بإنشاء واحد، كما في قوله:
«صدق العادل» فإنه بإنشاء واحد يوجد الوجوبات المتعددة، بحيث يكون أحد الأفراد، محققا لموضوع الفرد الآخر، فموضوعه «خبر العادل» المحقق وجدانا، أو تعبدا. و بذلك البيان تنحل الشبهة المعروفة في الإخبار مع الواسطة، حيث إن في تطبيق الكبرى الشرعية، لا بد من أمرين:
أحدهما: تشخيص صغراها.
ثانيهما: كونه ذا أثر شرعي.
و في مثل خبر الشيخ، عن الصفار، عن زرارة، عنه عليه السلام لا يمكن تطبيقها، لا في مبدأ السلسلة، و لا في وسطها، و لا في آخرها:
أما في المبدأ، فلعدم الأثر الشرعي.
و أما في المختم، فلعدم الموضوع الوجداني.
و أما في المتوسط، فلعدمهما. و تكفل دليل «صدق العادل» لإثبات موضوع نفسه، غير ممكن إلا بطريق أشير إليه.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنه يمكن أن ينشئ المولى وجوبين طوليين، أحدهما يحقق موضوع الآخر بإنشاء واحد، كما لو قال: «صل مع قصد الأمر» أو «مع قصد امتثال وجوب الصلاة» فتكون هذه العبارة و نحوها إنشاء واحدا لوجوبين:
أحدهما: متعلق بالحصة المقارنة لدعوة الأمر.
و ثانيهما: وجوب إتيان تلك الحصة بدعوة أمرها. و بذلك ترتفع المحاذير
تحريرات في الأصول، ج2، ص: 143
المزبورة طرا» «1» انتهى.
أقول: مما اشتبه عليه أنه ظن أن البيان المزبور، يؤدي إلى إمكان أخذه في متعلق الأمر الشخصي، و قد عرفت: أن ذلك من الممتنع على الشارع المقدس، و إن كان لنا تصويره فينا «2».
و قد خلط رحمه الله بين الأمر الشخصي، و وحدة الأمر و تعدده، فإنه في المثال الذي أفاده، لا يكون المأخوذ في المتعلق إلا عنوانا و مفهوما من الأمر تصورا، و هذا ليس الأمر الشخصي بالضرورة.
ثم بعد مفروغية تمامية المقدمة، لا يتم المقصود بالأصالة، و ذلك لأن معنى الطلبات الطولية، كون أحد الطلبين تاما، كما في الطلبات العرضية، و إذا كان أحد الطلبات الطولية تاما، فلا بد من سقوط الوجوب، و معنى الطولية أن بسقوط الوجوب المتقدم رتبة، لا يبقى محل و موضوع للوجوب الآخر، و هذا فيما نحن فيه باطل بالضرورة، لأن إتيان الطبيعة الخالية عن القيد، لا يكون مطلوبا رأسا، فلا طلب إلا واحد متعلق بالمقيد، فلا تعدد في الطلب حتى يكون طوليا، أو عرضيا، فلا يستنتج من تلك المقدمة ما قصده و أراده، فتدبر.
بحوث في علم الأصول، ج2، ص: 73
المسألة الرابعة- في التعبدي و التوصلي بالمعنى الرابع الذي هو المعنى المشهور.
بمعنى ما يعتبر في مقام الفراغ عن عهدته قصد القربة و ما لا يعتبر فيه ذلك. و قبل الدخول في البحث عن مقتضى الأصل في ذلك ينبغي البحث مقدمة في حدود الفارق بين التعبدي و التوصلي بهذا المعنى. و بهذا الصدد تذكر وجوه عديدة لتصوير الفرق بين التعبدي و التوصلي يجمعها ما ذكرناه من اعتبار قصد القربة في الخروج عن عهدة التكليف و عدمه، فهذا المعنى الإجمالي محفوظ على كل حال،
[نتكلم في تحديد ذلك و تفصيله ضمن نقاط]
و لكن نتكلم في تحديد ذلك و تفصيله ضمن نقاط:
النقطة الأولى
- ان يراد من اعتبار قصد القربة أخذ قصد القربة في متعلق الأمر و قد ذهب مشهور المحققين المتأخرين إلى استحالة ذلك و الكلام يقع أولا في إمكان أخذ قصد القربة بمعنى قصد امتثال الأمر في متعلقه. و ثانيا- في أخذ سائر القصود القريبة كقصد الملاك أو المحبوبية في متعلق الأمر فالكلام في مقامين:
اما فيما يتعلق بأخذ قصد الأمر في متعلقه فقد ذكر عدة وجوه لاستحالته نستعرض فيما يلي أهمها:
الأول- ما هو ظاهر عبائر الكفاية من انه يستحيل ذلك لأن ما لا يكاد يتأتى الا من قبل الأمر لا يمكن أخذه في متعلقه «1» و كأن مقصوده لزوم الدور و التهافت، لأن قصد الأمر بالطبع متأخر رتبة عن الأمر إذ لا يعقل وجوده الا بعد فرض امر، فلو كان مأخوذا في متعلقه لزم كونه بلحاظ آخر أسبق رتبة من الأمر لأن متعلق الأمر أسبق منه اما رتبة إذا افترضنا ان الأمر و متعلقه بالذات موجودان بوجودين يعرض أحدهما على الآخر أو طبعا إذا قيل بأنهما موجودان بوجود واحد كما هو الصحيح فيكون على حد تأخر الإنسان عن زيد أو الحيوان عن الناطق، و على كل حال يلزم التهافت في الرتبة.
و كأن المحقق العراقي (قده) حاول ان يدفع هذا الوجه للاستحالة حينما قال بأن
__________________________________________________
(1)- كفاية الأصول، ج 1، ص 109.
بحوث في علم الأصول، ج2، ص: 74
هذا الإشكال هو الإشكال الوارد في موارد عديدة من قبيل حجية الخبر مع الواسطة حيث يقال ان دليل جعل الحجية هو الذي جعل خبر الواسطة حجة و هذه الحجية أثر شرعي للخبر المباشر يجعله بدوره موضوعا للحجية نفسها فكيف يمكن لدليل الحجية ان يشمل الأثر الذي لا يكاد يتأتى الا من قبله فان هذا متهافت بحسب الرتبة. و الجواب عن ذلك واحد في الموردين و حاصله: انه يثبت بالدليل حكمان طوليان أحدهما حجية الخبر الواسطة و هو الذي يحقق موضوع الحكم الآخر و هو حجية الخبر المباشر فالحجية التي تحقق الموضوع غير الحجية التي تكون للخبر المباشر. و لا بأس ان يكون كل ذلك بجعل واحد أخذ في موضوعه طبيعي الأثر الشرعي. و كذلك في المقام بالجعل الواحد يثبت أولا امر ضمني بذات الصلاة و هذا لم يؤخذ في موضوعه امر آخر و هناك أمر ضمني آخر بقصد الأمر يكون الأمر الضمني الأول محققا لموضوعه و لا بأس ان يتحقق ذلك كله بجعل واحد «1».
و يرد عليه: أنه ان أريد تصوير أخذ قصد الأمر في موضوع شخصه بنحو لا يكون هناك أكثر من امر واحد فتطبيق ما ذكر في باب حجية الخبر مع الواسطة عليه غير معقول، لأن الحكم بالحجية في باب الاخبار و ان كان واحدا بلحاظ عالم الجعل و كذلك بلحاظ المجعول بالذات فانه أيضا واحد، لكنه ينحل بلحاظ عالم الفعلية و المجعول إلى أحكام عديدة مستقلة فيعقل ان يحقق أحدها موضوع الآخر، و اما فيما نحن فيه فالامر الضمني بالصلاة مع الأمر الضمني بقصد الأمر كلاهما ضمنيان بلحاظ عالم الجعل و المجعول معا فلا يعقل ان يكون أحدهما مأخوذا في موضوع الآخر لأن هذا خلف الضمنية كما هو واضح و بعبارة أخرى، الأوامر الضمنية يكون موضوعها جميعا واحدا فلا يعقل ان يكون موضوع أحدها غير موضوع الآخر أو في طوله.
و ان أريد تصوير امرين طوليين استقلاليين غاية الأمر انهما مجعولان بجعل واحد و ذلك عن طريق تصوير جامع كجامع الأثر الشرعي في باب (صدق العادل) فهذا لو فرض إمكانه في المقام بأن يشير المولى مثلا إلى مجموعة الاجزاء و الشرائط بما فيها قصد
__________________________________________________
(1)- مقالات الأصول، ج 1، ص 77.
بحوث في علم الأصول، ج2، ص: 75
الأمر و يأمر- بنحو مطلق الوجود- بكل ما هو مقدور منها فتجب سائر الاجزاء و الشرائط بالقدرة التكوينية و يجب قصد الأمر في طول وجوب تلك الاجزاء و الشرائط فهذا مضافا إلى انه مجرد فرض و خلاف ما هو واقع في أدلة الأوامر العبادية إثباتا خلاف ما هو الغرض من التمسك بأصالة التوصلية أو التعبدية في مدلول الأوامر المتعلقة بفعل من الأفعال كما أن هذا إذا كان معقولا من خلال جعل واحد و إنشاء واحد للأمر على عنوان مشير من قبيل ما ذكر يؤدي إلى ان يكون هنا امران في مرحلة المجعول أو أوامر متعددة استقلالية لا امر واحد جعلا أو مجعولا أخذ في متعلقه قصد الأمر كما هو المطلوب في هذه النقطة.
و الصحيح في الجواب على هذا الوجه بالمقدار المذكور أن المتأخر غير المتقدم فان قصد امتثال الأمر وجوده في الخارج يتوقف على الأمر و الأمر يتوقف على الوجود الذهني و العنواني لقصد الأمر في أفق ذهن الحاكم فلا تهافت ..
آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج1، ص: 469
ثم إن بعض الاعاظم (ره) و ان كان قد اجاد حيث فرق بين مقام الفعلية و مقام الفاعلية للحكم اذ قد عرفت ان فعليته عبارة عن وجوده الذى يتحقق بمجرد الانشاء و فاعليته عبارة عن تأثيره الذى هو فى طول وجوده طبعا فلا محالة يتعددان وجودا و يفترقان زمانا غالبا لكن كلماته (ره) فى المقام فى تفسير الحكم مختلفة و ان امكن الاستفادة من مجموعها مضافا الى معلومية مرامه خارجا من انه عبارة عن نفس الارادة فتارة يعبر عنه بالارادة التى هى امر تكوينى و اخرى بابراز الاشتياق الذى هو فعل جارحى و ثالثة بالمنتزع عن ابراز الاشتياق الذى هو امر عقلى و رابعة بحملة النفس نحو حفظ المرام بابراز الاشتياق الذى هو فعل جانحى و هذه الامور كما ترى بينها بينونة بالسنخ فكيف يمكن جعلها عبارة عن امر وحدانى ثم الابراز عبارة عن الحكاية و الانشاء عبارة عن الايجاد و قد جمعها فى كلام واحد جاعلا احدهما مفسرا للآخر (فان اراد) نفى الاستقلال عن وجود الحكم بجعله عبارة عن مجرد ارادة نفسانية هى عين العلم بالاصلح فى مورده تعالى غاية الامر بعد صيرورتها منشأ لحملة النفس نحو الابراز الموجب لانتزاع عنوان الحكم عن الابراز (ففساده) بمكان من البداهة ضرورة وجود الحكم فى وعاء الاعتبار الحاصل بالانشاء من لدن آدم (ع) الى انقراض العالم فى كل ملة و نحلة أ ليست القوانين الملوكية من الامور الاعتبارية العرفية فى جميع شئون المعيشة لجميع الطبقات من الوضيع و الشريف (و ان اراد) بيان مناشى الحكم بمثل حملة النفس و الارادة و نحوهما بعد الفراغ عن كون حقيقته اعتبارا متحققا بالانشاء محفوظا فى وعائه المناسب له (فلا معنى) لذكرها فى مقام بيان الحقيقة (نعم) نحن فى مقام الصلح بين مقالات القوم فى اول الكتاب و ان قلنا بان لوازم الشيء ربما يحتسبونها من الملزومات او بالعكس اذ الشيء ربما فى عين كونه ملزوما للوازم خاصة يكون لازما لملزومات خاصة إلا انه فى مقام تعريف الحكم
آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج1، ص: 470
لا بد من شرح حقيقته و بيان ما به قوامه و تميزه عن ملزوماته و لوازمه و لو ببيانها
ثم ان اخذ لحاظ القدرة فى مضمون الخطاب اى عالم انشاء الحكم باى معنى كان كما اشرنا اليه سابقا مما لا محصل له إذ القدرة من لوازم امتثال المكلف فى عالم تحريك الخطاب الذى صرح هذا القائل ايضا بكونه فى طول نفس الحكم فاى دخل للحاظها فيما هو من شئون المولى اى انشاء الحكم الذى هو عبارة عن اعتباره فى وعائه و هو ايضا مضمون الخطاب (فالمراد) بتساوى مضمون الخطاب مع عالم التطبيق و عدم كونه اوسع منه (لو كان) لزوم الامر بمساوى الغرض (فلا ريب) أن هذا بمجرده لا يوجب دخل لحاظ القدرة فى عالم الانشاء (و لو كان) دخل قيود الامتثال فى ناحية الحكم (فغير خفى) ان ما هو من وظيفة المولى ليس إلا الحكم و قد تحقق بمجرد الانشاء بلا توقفه وجدانا على شيء من قيود الامتثال الذى عرفت طوليته عن الحكم و هل هو الا اخذ ما هو من شئون سنخ فى سنخ مباين معه و خروج عن التفريق بين مقامى الفعلية و الفاعلية فمجرد كونها مما يتوصل بها الى المقصود لا يوجب دخل لحاظها فى الحكم بلا دخل نفسها فى ملاكه (و لو كان) من جهة لحاظ الحاكم المتعلق بما له من القيود (فلا ريب) ان مجرد لحاظه لا يقيد مضمون الخطاب فى مقام الانشاء جزافا بلا استناده الى دخل الملحوظ فى ناحية ملاك المتعلق فمع عدم دخل القدرة فى مصلحة الواجب كما هو المفروض و المسلم لدى الكل كيف يمكن دخل لحاظها فى مرحلة الانشاء و على فرض كون اللحاظ عبريا مستندا الى توسط القدرة فى مصلحة الواجب كيف يمكن كون الحكم مطلقا من جهتها و ما المراد حينئذ من الفعلية المغايرة مع الفاعلية بل لا بد من تقيد مضمون الخطاب بها و عدم فعلية الحكم قبل تحققها و اتحاد فعليته مع فاعليته بمعنى انه لم يكن هناك حكم الا عند تحقق شرط تأثيره اذ لا وجه لاختصاص جهة تحريك الخطاب بالتقيد بل لا معنى للتفكيك بين جهات مضمون الخطاب كما لا معنى لاطلاق المادة بعد ذلك فهذا
آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج1، ص: 471
كله ليس إلا من جهة العلم وجدانا بعدم دخل القدرة فى ملاك الواجب و اطلاق المادة المقتضى لاطلاق الحكم لكن غمض العين عن اطلاق المادة فى مقام الاستظهار و قصر النظر على الهيئة أوجب الوقوع فى تلك المخمصة (ثم ان الفرق) بين الدليل المتصل مع المنفصل كما صدر من هذا القائل بان الاول يسقط اصل الظهور و الثانى يسقط حجية الظهور كالقدرة الثابتة بالعقل و بان الاجمال يسرى الى العام فى الاول دون الثانى (مما لا محصل له) اذ الظهور لو كان فهو حجة عقلائية عند أهل المحاورة فعدم ترتيب آثار الحجية يكشف عن عدم الظهور لديهم بل لنا فى اصل كون العقل دليلا منفصلا كلام موكول الى محله حاصله انه من القرائن المتصلة بالكلام.
تسديد القواعد فى حاشية الفرائد، ص: 153
و الحاصل ان الحكم الواقعى لم يتعلق بالموضوع النفس الامرى بملاحظة عمومه و شموله لحالتى العلم بالحكم و الجهل به كيف و هما متأخران عن مرتبة الجعل و لذا لا يمكن اعتبارهما فيه فلا يمكن ملاحظة العموم و الاطلاق بالنسبة اليهما بل انما هو متعلق به بالحيثية التجريدية عن جميع الاعتبارات و الملاحظات المتاخرة عن جعله حتى ملاحظة العموم و الاطلاق فلا يصح ان يقال انه يعرض الموضوع بعنوان لا بشرط و الحكم الظاهرى يعرضه بعنوان بشرط شيء فيجتمعان عند الجهل فان كانا متوافقين فيؤكد الحكم الواقعى بالحكم الظاهرى و ان كانا متخالفين فيئول الى اجتماع الضدين كما هو مبنى الأشكال فالموجود و ان كان حكمين فى صورة الجهل الا ان كل حكم موجود فى موضوعه و ليس موضوع الحكم الظاهرى من جزئيات موضوع الحكم الواقعى و افراده حتى يتصادقا لما عرفت من استحالة ذلك غاية ما هناك تحقق الحكم الظاهرى فى مورد
تسديد القواعد فى حاشية الفرائد، ص: 154
وجود الحكم الواقعى فى موضوعه و هذا غير ضار بعد اختلاف ثبوت الحكمين بالرتبة فان رتبة الحكم الظاهرى رتبة الشك فى الحكم الواقعى و الشك فى الحكم الواقعى متأخر فى الرتبة عن نفس وجوده فيكون الحكم الظاهرى فى طول الحكم الواقعى و لا تضاد بين المختلفين فى الرتبة لأن وحدة الرتبة من جملة الوحدات الثمان التى تعتبر فى التناقض و التضاد توضيحان الاول ان التكليف ليس مجرد الانشاء من المكلف بالكسر و لو لم يكن حاملا للمكلف بالفتح و و اصلا اليه بل هو الانشاء المقرون بالوصول اليه فان الحكم الفعلى و ان لم يكن انشاء آخر من الشارع فى قبال الحكم الشأنى و انما يعتبر هو من حكم العقل بجواز المؤاخذة على المخالفة و عدمه فالشأنية و الفعلية من مراتب الانشاء الصادر من الشارع بالنظر الى حكم العقل الا ان عنوان الخطاب و الحكم و التكليف يتبع عندنا تنجز الانشاء الصادر من الشارع و وجوده النفس الامرى لا يتصف بالأوصاف المذكورة ما لم يحكم العقل بثبوت العقاب على مخالفته و فيما حكم العقل بقبح العقاب يحكم قطعا بنفى الحكم الفعلى لانه يتبع نفى العقاب حقيقة فإذا فرض عدم بلوغ التكليف الى المكلف لا يترتب عليه ثواب و لا عقاب و ان ترتب على نفس الفعل شيء من قرب او بعد فلا يكون واجبا او حراما شرعيا و ذلك لان وجود الاضافة التى يعبر عنها بالخطاب معتبر فى تحقق حقيقة الحكم و ليس مجرد العلم التصديقى من الشارع بان شيئا خاصا مما يحسن فعله او تركه و كذا ارادته من المكلف ان يفعل او ان يترك و رضاه من فعل و مقته لآخر حكما شرعيا من دون ان يصير المكلف مخاطبا بالفعل بان يصل اليه قول النبى ص صل او صم و كذا اخبار الشرع بان هذا الشيء واجب او حرام فطلبه قبل بلوغ الخطاب ليس حكما و على هذا يكون كل الاوامر و النواهى قبل علم المكلف بها خطابات بالقوة لا يترتب عليها آثارها من الاطاعة و المعصية و الثواب و العقاب و الحاصل ان ما نسميه حكما واقعيا لو كان حكما حقيقيا ثابتا لدل عليه احدى الدلائل لانه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلف الى العلم به و هو تكليف بما لا يطاق و هو قبيح باطل و لا فرق فى ذلك بين كون الحكم مما يعم به البلوى و غيره او كون المستدل من العامة او الخاصة و لا بين القول بالتخطئة و التصويب بل و لا بين الحكم الشرعى و غيره من احكام الموالى و هذا لا ينافى ثبوته فى الواقع بالنسبة الى الكل اى الذى نزل به الروح الامين و هو الواقعى المتعين المامور بتبليغه السفراء و لكن ليس تكليفا و حكما بمجرده لان المفروض عدم اناطة التكليف به فعلا اذ لا تكليف معه بما لا طريق للمكلف الى العلم به و يكفى فى ثبوته واقعا انه لا يعذر العالم به و الجاهل المقصر فى تحصيله و ليس حكما بالنسبة الى من رخص فى تركه عقلا كالقاصر او شرعا كمن قامت عنده امارة على الخلاف
البداية في توضيح الكفاية، ج4، ص: 231
و فيه: ان الحكم الواقعي و الظاهري لا يمكن اجتماعهما في جعل واحد، لأن الحكم الظاهري متأخر عن الحكم الواقعي بمرتبتين، لأن موضوع الحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي، و الشك في الحكم الواقعي متأخر عن الحكم الواقعي، كما ان موضوع الحكم الظاهري متأخر عن موضوع الحكم الواقعي بمرتبتين، فان موضوع الحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي و الشك في الحكم الواقعي متأخر عن الحكم الواقعي من باب تأخر الشك عن المشكوك فيه، و الحكم الواقعي متأخر عن موضوعه الواقعي من باب تأخر الحكم عن موضوعه، و بعد كون الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي لا يمكن تحققهما بجعل واحد و انشاء فارد، و إلا يلزم كون المتأخر عن الشيء بمرتبتين معه في رتبة واحدة و في رتبته، و هذا خلف ظاهر كما لا يخفى.
و هذا الإشكال متين جدا و لا دافع له إذا قلنا: بأن الإنشاء عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ كما هو المشهور، فانه لا يمكن إيجاد شيئين يكون أحدهما في طول الآخر بجعل واحد و انشاء فارد، و هذا المبنى مختار المصنف و المحقق النائيني قدس سرهما.