بسم الله الرحمن الرحیم

علی الید ما اخذت

فهرست علوم
فهرست فقه



فروعات عقد بر مال غیر



العناوین

العناوین، ج 2، ص 415-432

عنوان 57 من جملة ما جعل في الشرع سببا للضمان: اليد. و الأصل في ذلك: الخبر النبوي المنجبر بالشهرة، المتلقى بالقبول عند العامة و الخاصة بحيث يغني عن ملاحظة سنده و صحته، بل هو ملحق بالقطعيات في الصدور، و هو قوله صلى الله عليه و آله: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي . و قد تمسك بهذه القاعدة الأصحاب في كثير من مسائل الأبواب. و من تتبع كلماتهم يظهر إجماعهم على كون اليد موجبا للضمان، إلا فيما دل الدليل على خلافه. و إنما البحث في معنى الرواية و توضيح مفادها بحيث ينطبق على موارد الاستدلال، و منها ظهور المالك، بعد الصدقة أو إخراج الخمس في المجهول أو المخلوط، و تلف شيء مما أخذ مقاصة قبل التملك، و ضمان المقبوض بالسوم، و ضمان الصانع ما تلف بيده و نحو ذلك من المقامات الظاهرة. و قد رماه بعض المتأخرين بالإجمال و زعم أنه لا دلالة فيه على الضمان.

فنقول: لا ريب أن كلمة (على اليد) في موضع الخبر المقدم لقوله: (ما أخذت) و متعلق الخبر نحو قولنا: (ثابت) و (لازم) في هذا المقام كما هو القاعدة في التقدير في أمثال المقام فأصل المعنى: أن ما أخذته اليد ثابت عليها، و قوله: (حتى تؤدي) بيان للغاية، أي: هذا الثبوت إنما هو إلى حين الأداء، فإذا أدت ارتفع ما ثبت عليها ، فلو حمل هذه الرواية على المعنى الأخباري و هو كون ما أخذته ثابتا عليها حتى تدفع لكان ذلك توضيحا للواضح أولا، و هو ليس من وظائف الشرع، بل هو مستهجن جدا، و كان مستلزما للكذب أيضا، لأن ما على اليد قد يرتفع بغير الأداء، كالتلف أو الوضع في مكان آخر، فلا بد من حملها على معنى إنشائي يكون بيانا لحكم شرعي، فيدور الأمر حينئذ بين إرادة الحكم التكليفي بمعنى: أن ما أخذته اليد فعقابه عليها، أو حفظه واجب عليها، أو رده واجب عليها أو الحكم الوضعي، بمعنى: أن ضمانه و غرامته عليها حتى تؤدي. فنقول: إن إرادة وجوب الرد بعيدة عن سياق العبارة جدا، إذ إرادة الرد (ما أخذت) مستلزم للمجاز بغير علاقة و رابطة، أو إضمار لأمر بعيد بلا قرينة و لا دلالة، و مع ذلك كله فينافره قوله: (حتى تؤدي) لأن التنافر في قولنا: (يجب رده حتى يرده) واضح لا سترة فيه. و أما إرادة وجوب الحفظ: فهي أيضا بعيدة عن المدعى، نظرا إلى أن إرادة الحفظ ع‍ (ما أخذت) مجاز من دون علاقة و قرينة، و الإضمار مخالف للقاعدة، سيما مع وجود المجاز، فإن المجاز أولى منه، و سنبين ما هو الظاهر من الرواية. مضافا إلى أن كلمة (حتى تؤدي) لا تلائم إرادة وجوب الحفظ، إذ الظاهر من الدفع و الأداء، التخلص عن الغرامة و الضمان، لا التخلص عن الحكم التكليفي الصرف و من ذلك ظهر بعد إرادة العقاب و المؤاخذة، لما مر من الوجه و عدم إمكان إرادته مجازا و بعد الإضمار، مضافا إلى أنه لو أريد من الخبر: الأخذ بطريق العدوان و المعصية، فيكون عقابه عليها و إن أدت، فلا وجه لكونه مغيا بغاية، مع أن [في] الرواية جعل الأداء غاية. و إن أريد الأخذ أعم من كونه مباحا أو معصية فلا وجه للعقاب عليه على الإطلاق أولا، ثم لا وجه لكونه مغيا بغاية. فاتضح من ذلك كله: أن إرادة (ضمان ما أخذت) أظهر من الرواية سواء جعلته بطريق الإضمار فيكون المعنى: (على اليد ضمان ما أخذته) أو بطريق المجاز بمعنى كون المراد من الموصولة (ما يضمن) لكمال المناسبة بينه و بين الأصل المأخوذ، لأنه إما عينه أو مثله أو قيمته كما سنذكر ذلك مفصلا و كل ذلك قائم مقام (ما أخذت) مع أن هذا المعنى هو المتبادر عند إطلاق هذه اللفظة بحيث لا يخطر غيره بالبال حتى يحتاج في ترجيح المقام إلى ملاحظة باب تعارض الأحوال. مضافا إلى فهم الأصحاب قديما و حديثا ذلك و استدلالهم به على الضمان، و هو إما كاشف عن كون المعنى العرفي ذلك كما أوضحناه أو كاشف عن وجود قرينة لم تصل إلينا كانت موجودة عندهم، و على التقديرين فهو معين للمراد من الخبر رافع للإجمال، مع أنا في غنى عن ذلك كله بمعونة ما بيناه من الظهور العرفي.

و هنا مباحث: أحدها: أنه لا ريب في أن المراد هنا من (اليد) ليس الجارحة ، بل المراد بها حصول التسلط و الاستيلاء عرفا بحيث يصدق في العرف: أن هذا في يد فلان، و قد عبر بهذه العبارة لكون التسلط غالبا باليد، و هذا معنى شائع في العرف. و بعبارة أخرى: بين قبض الجارحة و بين التسلط عموم من وجه، إذ قد يكون الإنسان مسلطا على شيء و لا يكون مقبوضا بيده، كالتسلط على العقارات و الحيوانات و نحو ذلك. و قد يكون مقبوضا بيده و لا يكون له استيلاء عليه كما لو كان في يده مع كون المالك قاهرا قادرا بحيث يضمحل ذلك في جنبه و لا يتمكن من التصرف فيه بوجه، و لا يعد متسلطا عليه أصلا. و قد يجتمع الأمران، و ذلك واضح. فنقول: أما صورة كون القابض غير مسلط: فلا بحث في خروجه عن اليد، لأن المتبادر منه أنه كناية عن التسلط، و لو كان على معناه الأصلي أيضا لكان المتبادر منه القبض باليد على نحو له اقتدار عليه، سيما بعد ملاحظة قوله: (ما أخذت) فإن له ظهورا في الاستيلاء، حتى أن جماعة ادعوا ظهوره في الغصب و العدوان كما سيأتي مضافا إلى ضم قوله: (حتى تؤدي) فإن الظاهر منه كون اليد قادرة على المنع و الدفع، و لا يكون ذلك إلا بالاستيلاء، و من هنا ذكروا عدم الضمان فيما لو قبض بيده ثوبا لبسه صاحبه و نظائر ذلك فإنه ليس داخلا تحت دليل اليد. و أما مادة الاجتماع: فلا ريب في دخوله تحت الرواية، فإن ذلك شيء في اليد مع الاستيلاء عليه. و أما ما تحقق فيه الاستيلاء بدون قبض الجارحة: فدخوله تحت الخبر إنما هو بظهور عدم إرادة خصوص اليد في المقام، فإنه لو كان قابضا برجله أو بفمه أو بآلة أخرى لكان الحكم كذلك، و يبعد الركون في ذلك كله إلى الإجماع الخالي عن مستند لفظي، مضافا إلى كفاية فهم العرف هنا المثالية، و فهم الأصحاب كذلك، و متى ما لم يرد خصوص المعنى الحقيقي للقطع به فلا معين لغيره من الخصوصيات، بل المعنى الشائع المتعارف في المجاز في اليد هو التسلط كما أشرنا إليه فيكون هو المراد في المقام، و لذلك ترى أن الأصحاب يتعبون في تنقيح موارد الضمان صدق الاستيلاء و إن لم يكن بقبض جارحة، فيعدون النقل في المنقول إثبات يد عليه، و كذا الجلوس على الفراش، و الركوب للدابة، و الدخول في العقار مع إزعاج المالك. و لا يعدون دخول الضعيف على القوي إثبات يد و إن قصده، و لو زاحم المالك في داره يعدونه ذا يد على النصف و يأتي توضيح ذلك و يعدون سوق الدابة أو المد بمقودها يدا عليها مع عدم المعارض، و مثل ذلك الحمل مع اليد على الحامل. فتلخص من ذلك: أن المراد باليد: حصول الاستيلاء عرفا، سواء كان مقبوضا بالجارحة أم لا، و اليد كناية عن المستولي.

ثم إن إطلاق النص يدل على ثبوت الحكم لكل من استولى، سواء كانت يده ابتدائية أو مرتبة على يد سابقة، و من هنا حكم الأصحاب على ضمان الأيدي المتعاقبة في المغصوب، و كلامنا أعم من الغصب، فيكون ظاهر (أن كل مستول عليه الضمان حتى يؤدي) أي أنواع الاستيلاء كان، إلا ما نخرجه بإحدى القواعد الاتية في مسقطات الضمان. فقد يكون السلسلة كلها أيدي ضمان، و قد ينقطع أولها، و قد ينقطع وسطها، و قد ينقطع آخرها، و ينتشر من ذلك فروع لا حاجة إلى ذكرها، لكن يقع الإشكال في إدراج هذا الفرض تحت الرواية من جهة كون ضمان اليد موجبا للزوم الأداء بمعنى عدم فراغها إلا به، فكيف يعقل في الشيء [المال] إذا تعاقبت عليه الأيدي‌؟ لأنا إن قلنا بأنه يلزم أن يؤدي كل منهم ما أخذ عينا أو مثلا أو قيمة لزم مخالفة الإجماع، لاجتماع الأموال الكثيرة في مقابل شيء واحد. و إن قلنا بواحد منهم فيلزم الترجيح بلا مرجح. و بالجملة: كون الضمان مغيا بالأداء يوجب خروج هذا الفرض عن دليل اليد، و إن كان اليد شاملة لذلك. فإن قلنا بأن الضامن هو الواحد لا بعينه و يتعين بتعيين المالك خرجنا عن قاعدة اليد، فإن مقتضاها كون كل منهم ضامنا، مضافا إلى أن للمالك الصلح على، [ما في] ذمة أي واحد منهم شاء، أو إبراؤه أو بيعه، أو نحو ذلك، و ذلك لا يجتمع مع الواحد لا بعينه، إلا أن يقال: بأن ذلك كله يقوم مقام تعيين ذلك الواحد الغير المعين، و يلزمه فراغ ذمة الباقين،و يجيء على هذا الفرض مباحث لا حاجة إلى ذكرها. و إن قلنا: إن الضامن من تلف المال في يده خرجنا عن قاعدة اليد أيضا، و يلزم منه عدم جواز تضمين الباقين، و يعارضه إجماع الأصحاب المستند إلى قاعدة اليد من دون أن يكون إجماعا من خارج. و إن قلنا بأنه لا ضامن هنا لتعارض الأيدي و عدم إمكان الجمع بينها للزوم تكرر العوض، و عدم إمكان التعيين للزوم الترجيح من غير مرجح، لزم فوات المال على مالكه مع وجود سبب الضمان المتكرر المتعدد، مضافا إلى معارضته الإجماع. و الذي ينبغي أن يقال هنا: إن الحكم بظاهر دليل اليد ضمان كل واحد منهم، و لا ينافيه كون الأداء غاية، لأنا نبين بعد ذلك في معنى (الأداء) أنه أعم من المباشرة، و أن المراد منه: الوصول إلى صاحب الحق بأي نحو كان حتى الإبراء، فنقول: إذا أدى أحدهم فقد أدى عن الباقين، لأنه حق واحد، فإذا أدى سقط الضمان كما لو تبرع الأجنبي، فيصير ذلك من باب الواجب التخييري في التكاليف على ما يراه الإمامية من وجوب الكل و السقوط بفعل أحدها، و لا مانع من ذلك عقلا. فلا يتوهم أن الواجب التخييري طلب يمكن تعلقه بأمور متعددة يسقط بفعل أحدها، بخلاف المقام، فإن الحق الواحد لا يعقل تعلقه بالذمم المتعددة، و ليس ذلك على سبيل التبعيض و التجزئة حتى يمكن. لأنا نقول: لا بأس بأن نلتزم بتعدد الحق في الذمم بظاهر دليل اليد، فإن كلا منهم مشغول الذمة على المالك بالحق، فإذا أدى أحدهم جعل الله ذلك مسقطا عن الباقين. و بالجملة: كون ذلك مغيا بالأداء و امتناع تعلق الحق الواحد بالذمم المتعددة لا يمنع من دخول الفرض تحت الأدلة. و هل يعم الدليل اليد المركبة‌؟ الظاهر ذلك، و بيانه: أن اشتراك اثنين في التسلط على مال واحد يكون قسمين: أحدهما: أن يكون كل منهما مسلطا على النصف مستقلا به، و ذلك هو بحث الإشاعة، فلكل منهما يد بسيطة على النصف، و سيأتي تحقيق ذلك في البحث الاتي في بيان المأخوذ باليد. و ثانيهما: أن لا يستولي أحد منهما على جزء من المال بالمرة، بل يكون استيلاء كل منهما مرتبطا بالآخر، بمعنى: أن كلا منهما لو لم يكن لم يكن للاخر استيلاء بالمرة، لا على كل و لا على بعض، فيكون استيلاء كل منهما بانضمام الأخر، فيكون المجموع المركب مستوليا على المجموع المركب من دون استيلاء...

و ثانيها : أن المراد بالموصولة أي الشيء المأخوذ ما كان مملوكا ، نظرا إلى أن الظاهر من الخبر هو الضمان كما بيناه، و لا ضمان في غير المملوك بمجرد اليد، و لأنه جعل غاية الضمان هو الأداء، و الأداء هو الدفع إلى من يجب الدفع إليه كالمالك و نحوه، و الشيء الغير المملوك لا تأدية فيه، لعدم وجود المؤدى إليه، فخروجه عن الرواية واضح. و لا فرق في غير المملوك بين أن يكون غير قابل للتملك من أصله كالحر و خمر المسلم و خنزيره و غير ذلك، فإن ذلك كله لا يضمن باليد أو كان قابلا و لكن لم يجر عليه ملك أحد كالمباحات، فإنه لا ضمان في أخذه. و علل جماعة من الأصحاب في الحر بأنه لا يدخل تحت اليد . فإن كان مرادهم من ذلك: أنه لا يدخل تحت اليد شرعا فهو كذلك، لكن المراد في الخبر بمقتضى القواعد هو الاستيلاء العرفي، و لا مدخل للشرع في ذلك، مضافا إلى أنه لو أريد اليد الشرعي لزم عدم ضمان الغاصب، لأنه لا يد له شرعا على المال، و للزم ضمان من له يد على المال شرعا كالأولياء، و هذا عكس المدعى. و بالجملة: لا شبهة في أن المراد باليد هنا: اليد العرفي. و إن كان مرادهم: أنه لا يدخل تحت اليد عرفا فهو ممنوع، إذ الحرية و الرقية أمران اعتباريان لا مدخل لهما في الصدق العرفي، فإن كل من تسلط على إنسان بحيث يتصرف فيه كيف يشاء يقال: إنه مستول عليه و هو في يده، سواء كان حرا أو عبدا. و لو أريد أن الإنسان من جهة استقلاله في الأمور و الإرادات و التصرفات فلا يدخل تحت اليد، فالعبد كذلك. و بالجملة: لا فرق في اليد العرفي بين المملوك و الحر. فالأنسب أن يقال في عدم ضمانه: إنه غير داخل تحت دليل الضمان، من جهة أن المتبادر منه المملوك، سيما بقرينة قوله: (حتى تؤدي) و نحو ذلك، فلا يشمل ما لا يقبل الملك، كالحر و الخمر للمسلم. و أما خمر الكافر المسالم: فهي محترمة مملوكة له على المختار داخلة تحت عموم الخبر. و تقييد بعضهم له بالمستتر، إما لأن الإجهار يخرجها عن ملكه فيكون كالمسلم، و إما لأنه يسقط احتراما و إن كانت ملكا، فلا ضمان كمال الحربي، و هذا هو الأقوى. و بالجملة: عدم الضمان فيها و في مال الحربي إنما هو لدليل من خارج، و إلا فهي داخلة في عموم خبر (اليد) لأنها ملك حتى في الحربي. و لا يعتبر كونه متمولا له قيمة، لعموم الموصولة، ولزوم تأدية غير المتمول أيضا إلى صاحبه، كحبة الحنطة. و لا ينافيه عدم لزوم دفع القيمة في صورة التلف، إذ هو على فرض كونه ذا قيمة، و هو أيضا داخل في النص كماله قيمة في لزوم التأدية، لإمكانها فيه و عدم المانع. و دعوى: كون المتبادر ما كان له قيمة ممنوعة، بل اللفظ عام. و كما يكون عينا معينا يكون مشاعا و كليا أيضا، لعموم اللفظ، فمن تسلط على نصف دار بالإشاعة كمن دخل على المالك و أزعجه يعد ذائد على النصف، و كذا الشريك، فإنه ذائد على النصف [الذي] للشريك الأخر لو تصرف فيه. و دعوى: أن الاستيلاء لا يتحقق إلا على الشيء المعين ممنوعة، بل هو أمر عرفي، و هو متحقق في المشاع كالمعين. و لا ينافيه قوله: (حتى تؤدي) بتقريب: أن تأدية الكلي و المشاع لا يمكن، لعدم المنافاة و جواز التخلية و التأدية إلى صاحبه كما في العقود المتعلقة على المشاع. و كما يكون عينا يكون منفعة، فإنها أيضا تدخل تحت اليد بدخول العين تحت اليد، لأنه طريق الاستيلاء عليها عرفا.

نعم، هنا بحثان: أحدهما: أن منافع الحر بناء على ما ذكروه من عدم دخوله تحت اليد لا تكون داخلة تحت اليد إذ اليد على المنفعة بواسطة اليد على العين. و أما بناء على ما ذكرناه: من أن الحر يدخل تحت اليد عرفا لكنه خارج عن النص بقرينة (حتى تؤدي) الدالة على كون ذلك مملوكا، فيشكل الحكم في المنافع للحر، فإنها لو استوفيت فلا بحث في ضمانها، لدخولها تحت اليد حينئذ، و إن شئت قلت: للإتلاف، فإن كلامنا الان في الضمان باليد و إن تلف المأخوذ بأمر آخر. و أما إذا لم تستوف و لكن فاتت بسبب الممانعة من ذي اليد و تسلطه، فإن مقتضى ما ذكرناه أنها داخلة تحت اليد بواسطة العين، غايته: أن العين غير داخلة في الرواية لأنها غير مملوكة، و أما المنفعة فينبغي دخولها، لأنها مملوكة، مع أن الأصحاب لا يقولون بضمان منافع الحر الفائتة بالغصب تحت يده. فإن قلنا: إن منافعه أيضا ليست مملوكة فلا يشمله الخبر، يلزمنا النقض بالاستئجار عليه و الصلح و نحو ذلك، فإنها لو لم تكن مملوكة متمولة فكيف تقع في عقد المعاوضة‌؟ و إن قلنا: إن خروج العين من تحت الخبر يوجب خروج المنافع أيضا، يرد علينا: أنهما شيئان داخلان تحت اليد عرفا، و عدم ضمان أحدهما و خروجه بالدليل أو بالتخصص لا يوجب خروج الأخر. و إن قلنا بأن منافعه لا تدخل تحت اليد ما لم تستوف لأن يد الحر أقدم من يد الغاصب بالنسبة إلى منافعه، و ليست المنافع إلا كثياب الحر التي قد لبسها، فإن حبس الحر بثيابه لا يوجب ضمان ثيابه، لأنها تحت يد الحر عرفا لا تحت يد الغاصب، بل المنافع أولى، لأنها أمور حكمية و ليست أعيانا خارجية يرد علينا: أن هذا في العبد كذلك، فإن تسلط العبد على منافعها التي هي أمور حكمية أزيد من تسلط الغاصب، فكيف تقول: إن منافع العبد تضمن بالفوات‌؟ و ليس اليد شرعيا حتى تقول: إن العبد لا يد له، فإن المدار على التسلط. و إن قلنا: إن المتبادر من عموم (ما أخذت) غير مثل منفعة الحر الكائنة تحت يده من دون استيفاء فإن مثل ذلك لا يدخل تحت الدليل، يرد النقض بمنافع الوقف العام، فإنها أيضا تضمن بالفوات تحت يد الغاصب، و أي فرق بين الحر و الوقف العام‌؟ إلا أن يقال: بأن الفرق عرفي و العرف يعد ذلك داخلا تحت الدليل دون المقام. و بالجملة: عدم ضمان منافع الحر بعد إمكان دخوله تحت اليد عرفا مشكل، إلا أن يقال: إن اليد أمر عرفي، و بعد ما فرض كون الشخص حرا لا يقولون أهل العرف -: إن فلانا ذو يد على فلان، و إن كان في غاية التسلط، فلا يصدق اليد، لا على عينه و لا على منفعته، و فرق بينه و بين المملوك، فتدبر. و يمكن تتميم ما ذكرناه من الوجوه في عدم ضمان المنافع و إن قلنا بدخول الحر تحت اليد و إن أوردنا على كل واحد منها ما أوردناه، فتبصر.

و ثانيهما: أنه لا ريب في إمكان اجتماع المنافع المتعددة في العين الواحدة، تفاوتت في القيمة أو تساوت، و لا ريب أن بدخول العين تحت اليد يدخل كل منها تحت اليد فيلزم ضمان الكل، و ليس كذلك. و بالجملة: هل عموم (ما أخذت) يشمل جميع هذه المنافع أو يشمل ما هو أعلاها قيمة لتداخل الباقيات فيه، أو يشمل كل ما أمكن اجتماعها في الاستيفاء؟ لا ريب أن الظاهر من الخبر شموله للكل. نعم، المنافع التي لا يمكن اجتماعها في الوجود لا تدخل تحت الخبر مجتمعا، لأن الدخول تحت اليد إنما هو مع وجودها في العين، لا مع الفرض و التقدير، و الموجود من المنافع في العين في حال الاستيلاء ما أمكن اجتماعها كلا واحد الأمرين من المنفعتين اللتين لا تجتمعان، فكل ما أمكن وجوده دخل تحت اليد و كل ما تنافي مع الأخر فأحدهما داخل تحت اليد، فإن تساويا في العوض فلا بحث، و إن تفاوتا يجيء الوجهان في تخيير الضامن أو الغاصب، و هذا هو مقتضى القاعدة الحاصلة من الرواية. و كما يكون المأخوذ منفعة يكون أيضا حقا من الحقوق التي من شأنها العوض و التأدية بقرينة ذيل الرواية، كحق التحجير و حق السبق على المشتركات من مثل المسجد و السوق و الخان و غير ذلك من الحقوق، فإنه أيضا يدخل تحت اليد، لأنه يتحقق عليه الاستيلاء عرفا. نعم، هنا إشكال يأتي في إدخال المنافع و الحقوق تحت الرواية، و هو أن قوله: (ما أخذت) الظاهر منه بعد ذكر الأخذ كونه عينا خارجيا أو كليا مشاعا، و أما مثل المنفعة و الحق فلا يقال فيهما: إنه (أخذت) و هذا يدل على عدم إرادتهما من الرواية، مضافا إلى أن الظاهر من قوله (حتى تؤدي) كون المال المأخوذ قابلا للأداء إلى صاحبه، و لا ريب أن المنفعة بنفسها غير قابلة للأداء إلى صاحبها، و كذا الحق، فلا وجه لإدخالهما تحت الخبر. و وجه الدفع: أن المراد بالأخذ ليس القبض باليد كما بيناه، و الاستيلاء يحصل فيهما عرفا، و التأدية لا تنافي دخولهما، لأن تأدية كل شيء بحسبه، و يقال في العرف لدفع المثل أو القيمة: إنه تأدية للمال إلى صاحبه، و سيأتي توضيح ذلك.

و ثالثها أن المراد من الأخذ، كما ذكرناه هو الاستيلاء ، و لا دخل للجارحة في ذلك، و زعم بعضهم: أن المتبادر من الأخذ هو الأخذ على طريق التسلط و القهر و العدوان، فلا يشمل غير هذا الفرض. و هو مستبعد جدا، و لا ريب في كون لفظه أعم من ذلك، فيعم سائر أنواع الأخذ ما لم يرد دليل مخصص، و لا فرق فيما أخذت بين أصل الأعيان و المنافع و بين أبعاضها و بين أوصافها، فإن كلها داخلة تحت اليد مضمونة على المستولي. و من ذلك تنقح أغلب الموارد المحكومة فيه بالضمان و إن كان بعضها بأسباب آخر يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى بعد ذلك. و انتشار فروع مسألة اليد على حد لا يحتاج إلى ذكرها و التنبيه عليها، و إنما المحتاج ما خرج من القاعدة بقاعدة أخرى، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

و رابعها: أن مقتضى الإطلاق في الرواية أن اليد موجبة للضمان في العين في حال الاستيلاء ما أمكن اجتماعها كلا واحد الأمرين من المنفعتين اللتين لا تجتمعان، فكل ما أمكن وجوده دخل تحت اليد و كل ما تنافي مع الأخر فأحدهما داخل تحت اليد، فإن تساويا في العوض فلا بحث، و إن تفاوتا يجيء الوجهان في تخيير الضامن أو الغاصب، و هذا هو مقتضى القاعدة الحاصلة من الرواية. و كما يكون المأخوذ منفعة يكون أيضا حقا من الحقوق التي من شأنها العوض و التأدية بقرينة ذيل الرواية، كحق التحجير و حق السبق على المشتركات من مثل المسجد و السوق و الخان و غير ذلك من الحقوق، فإنه أيضا يدخل تحت اليد، لأنه يتحقق عليه الاستيلاء عرفا. نعم، هنا إشكال يأتي في إدخال المنافع و الحقوق تحت الرواية، و هو أن قوله: (ما أخذت) الظاهر منه بعد ذكر الأخذ كونه عينا خارجيا أو كليا مشاعا، و أما مثل المنفعة و الحق فلا يقال فيهما: إنه (أخذت) و هذا يدل على عدم إرادتهما من الرواية، مضافا إلى أن الظاهر من قوله (حتى تؤدي) كون المال المأخوذ قابلا للأداء إلى صاحبه، و لا ريب أن المنفعة بنفسها غير قابلة للأداء إلى صاحبها، و كذا الحق، فلا وجه لإدخالهما تحت الخبر. و وجه الدفع: أن المراد بالأخذ ليس القبض باليد كما بيناه، و الاستيلاء يحصل فيهما عرفا، و التأدية لا تنافي دخولهما، لأن تأدية كل شيء بحسبه، و يقال في العرف لدفع المثل أو القيمة: إنه تأدية للمال إلى صاحبه، و سيأتي توضيح ذلك. و ثالثها أن المراد من الأخذ، كما ذكرناه هو الاستيلاء ، و لا دخل للجارحة في ذلك، و زعم بعضهم: أن المتبادر من الأخذ هو الأخذ على طريق التسلط و القهر و العدوان، فلا يشمل غير هذا الفرض. و هو مستبعد جدا، و لا ريب في كون لفظه أعم من ذلك، فيعم سائر أنواع الأخذ ما لم يرد دليل مخصص، و لا فرق فيما أخذت بين أصل الأعيان و المنافع و بين أبعاضها و بين أوصافها، فإن كلها داخلة تحت اليد مضمونة على المستولي. و من ذلك تنقح أغلب الموارد المحكومة فيه بالضمان و إن كان بعضها بأسباب آخر يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى بعد ذلك. و انتشار فروع مسألة اليد على حد لا يحتاج إلى ذكرها و التنبيه عليها، و إنما المحتاج ما خرج من القاعدة بقاعدة أخرى، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . و رابعها: أن مقتضى الإطلاق في الرواية أن اليد موجبة للضمان و ينافيه ظاهر العبارة، إذ وجوب الدفع إلى المالك لا يعبر عنه بهذه العبارة، بل ينبغي أن يقال: (يجب دفع أموال الناس إلى ملاكها) و أين هذا من قوله: (على اليد ما أخذت‌؟) فإنه ظاهر بل صريح في إرادة الغرامة، و ليس المعنى إلا لزوم دفع ما قام مقامه إذا لم يمكن، و هذا المعنى مما لا يشك فيه مشكك بعد ملاحظة فهم العرف، حتى من لم يتشرع بشرعنا أيضا. و لو لوحظ ما هو المعهود من الشرع أيضا في التغريم للغصاب و غير ذلك من أبواب الفقه يحصل القطع بأن المراد من الغرامة الثابتة على اليد في هذه الرواية عبارة عن دفع المثل و القيمة عند التعذر، فكيف يعقل إنكار عدم استفادة هذا المدعى من الخبر؟ كيف! و لو بنينا في فهم الأدلة على ما هو المذكور فيه صريحا لم يتم لنا من الفقه إلا عشر معشار ما هو بأيدينا، و هو أجنبي عن طريقة السلف و الخلف مقطوع بفساده. و بالجملة نحن ندعي: أن ظاهر هذا الخبر الضمان و الغرامة بلا شبهة، و معناه عرفا: دفع ما يخرج به عن عهدة المال و ينتفي به الضرر، و هو إما بدفع عين المال، أو ما هو أقرب إليه لو تعذر، و لا ريب أن في المثلي لا يحصل الخروج عن العهدة إلا بدفع المثل عرفا، لأنه الأقرب إلى الأصل ذاتا و أوصافا و قيمة، و في القيمي لا بد من دفع القيمة، دفعا لضرر المالية مع تعذر العين و ما وافقه في الصفات. هذا تمام الكلام في تأسيس قاعدة (على اليد) و دلالتها على الضمان عينا و مثلا أو قيمة. و أما البحث في بيان المراد من بقاء العين و التلف و كيفية التأدية و بيان معنى المثلي و القيمي و ضبط كيفية التقويم فسيجيء إن شاء الله بعد ذكر أسباب الضمان و مسقطاته.



















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است