بسم الله الرحمن الرحیم
تقریر درس فقه سال تحصیلی 1393-1394
شش مورد امر ارشادی یادداشت کرده اند استاد
1 ارشاد به مستقلات عقلیه
ان الله یامر بالعدل و الاحسان
حسن عدل از مستقلات عقل است در عین حال امر است امر ارشادی است .
مراد این نیست که ثواب و عقاب ندارد
ارشاد به حکم واضح عقلی است
2 ثواب بالعرض دارد خودش نمی تواند ثواب داشته باشد
اطیعوا الله و اطیعوا الرسول
مثال شایع بحث اطاعت و عصیان مستقل ندارد دوباره نمی شود اطاعت کرد.
صلوا عین اطیعوا ست.این جا نمی گوییم تبعی چون دو تا نیستند.
3 اوامر و نواهی که ارشاد به سببیت و جزئیت دارد
این اوامر هم مثل اطیعوا نیست ثواب و عقاب تبعی دارد
یکی از شوون امر به کل است.
این جا مراد اصلا این نیست که عقل می فهمد
اصطلاحی ست مجزا.
4ارشاد الی السیره العقلائیه
دلگرمی برای عقلا که من هم این امر را قبول دارم
فتبینوا...
5 ارشاد الی الحکم الملازمی للعقل النظری
استلزامات عقلیه
مقدمه ی عقلیه ی یک مسئله است.
6 ارشاد الی حکمه الحکم
اثمهما اکبر من نفهما
این ارشادی در این موارد امر مولوی است و برش مولوی است و مراد این نیست که ثواب و عقاب نداشته باشد به این معناست که ارشادمان می کند به حکمت امرمان.
وقتی این حکمت را در نظر بگیری امر من در عین حالی که مولویت دارد بهره ای از ارشادیت دارد.
هاية الوصول الى علم الأصول، ج1، ص: 373
الفصل الثّاني: في البحث عن الصيغة
و فيه مباحث:
[المبحث] الأوّل: في وجوه استعمالها
قال الأصوليون: صيغة «افعل» تستعمل في خمسة عشر وجها:
الأوّل: الإيجاب أَقِيمُوا الصَّلاةَ «1».
الثاني: الندب فَكاتِبُوهُمْ «2».
و يقرب منه التأديب، كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لابن عباس: كل ممّا يليك «3» لندبيّة الأدب، و إن كان بعضهم غاير بينهما.
الثالث: الإرشاد وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ «4».
و هو لمنافع الدنيا، و الندب لمنافع الآخرة، إذ لا ينقص الثواب
__________________________________________________
(1). البقرة: 43.
(2). البقرة: 195.
(3). سنن ابن ماجة: 2/ 1087 رقم الحديث 3267؛ و مستدرك الوسائل: 1/ 242 و 16/ 284.
(4). البقرة: 282.
نهاية الوصول الى علم الأصول، ج1، ص: 374
بترك الإشهاد في البيع، و لا يزيد بفعله
نهاية الوصول الى علم الأصول، ج1، ص: 600
و لقوله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى «1»، خاطب السّكران، و هو غافل.
لأنّا نقول: الضرورة قاضية بأنّ القصد إلى الفعل، مشروط بالعلم به، و التكليف يستدعي طلب إيقاع الفعل من العبد، طاعة و امتثالا للأمر، بخلاف وقوع الفعل عن العبد اتّفاقا من غير قصد.
و أيضا، الضرورة فرّقت بين تجويز إيقاع الفعل مرّة واحدة اتّفاقا، و بين تكرّره، و اشتراط العلم في الثاني، دون الأوّل.
و وجوب المعرفة عندنا، عقليّ لا سمعيّ.
و وجوب النّظر ضروريّ، أو قريب منه بأن يكون فطريّ القياس.
لا يقال: الأمر بالمعرفة ثابت بقوله تعالى: فَاعْلَمْ «2» إلى غيره من الآيات، و كون وجوب المعرفة عقليّا لا يدفعه «3»، و حينئذ يعود الإشكال.
__________________________________________________
(1). النساء: 43.
(2). محمّد: 19.
(3). في «أ»: لا يرفعه.
نهاية الوصول الى علم الأصول، ج1، ص: 601
لأنّا نقول: نمنع أوّلا كون هذه الأوامر بالمعرفة، بل بالصفات، كالوحدانيّة و غيرها.
و ثانيا كون هذه الصيغ أوامر و إن وردت بصيغة الأمر، بل للإرشاد.
و وجوب الغرامات، متوجّه على الوليّ بأدائها في الحال، أو على الصّبيّ بعد صيرورته بالغا.
و المراد من الآية: إمّا لا تسكروا وقت الصلاة، مثل لا تتهجّد و أنت شعبان، على معنى: لا تشبع وقت التهجّد.
أو أنّها خطاب لمن ظهر منه مبادئ النشاط، و هو الثّمل «1».
نهاية الوصول الى علم الأصول، ج2، ص: 69
و اعلم أنّ الصّيغة قد ترد لسبعة أمور:
الأوّل: التحريم.
الثاني: الكراهة.
الثالث: التحقير [كقوله تعالى:] لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ. «1»
الرابع: بيان للعاقبة [كقوله تعالى:] وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا «2».
الخامس: الدعاء: لا تكلني إلى نفسي.
السادس: لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ «3».
السابع: الإرشاد [كقوله تعالى:] لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ «4».
لكنّها حقيقة في التحريم في نظر الشّرع، كما قلنا في الأمر
تمهيد القواعد، ص: 122
و نحوهما، و ثالث جمع الأمرين معا «1».
و قيل: إن الأمر مشترك بين القول و الفعل «2» و منه قوله تعالى وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ «3».
قاعدة «31» الأمر سواء كان بلفظ «افعل» كاترك أو اسكت، أو اسم الفعل،
كنزال أو صه، أو المضارع المقرون باللام، كقوله تعالى وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ «4» للوجوب عند أكثر المحققين، إذا لم تقم قرينة على خلافه «5».
و في المسألة مذاهب كثيرة، هذا أحدها.
و الثاني: أنه حقيقة في الندب «6».
و الثالث: في الإباحة «7».
و الرابع: أنه مشترك بين الوجوب و الندب «8».
__________________________________________________
(1) نقله عن شرح القاضي عبد الوهاب في التمهيد: 265.
(2) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 3: 294.
(3) القمر: 50.
(4) النساء: 102.
(5) منتهى الوصول: 66، المنهاج (نهاية السؤل) 2: 251، شرح المختصر 2: 79، المحصول 1:
204، و نقله عن الشافعي في الإحكام 2: 133، و الأشعري في التمهيد: 267.
(6) نقله عن الشافعي في التمهيد: 267، و عن أبي هاشم في شرح المختصر 2: 79، و عن أبي علي في الذريعة 1: 51.
(7) نقله عن بعض أصحاب مالك في التلويح 1: 290.
(8) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 51، و نقله عن الشافعي في المستصفى 1: 165.
تمهيد القواعد، ص: 123
و الخامس: أنه مشترك بين هذين و بين الإرشاد «1».
و السادس: أنه حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب و الندب، و هو الطلب «2».
و السابع: أنه حقيقة إما في الوجوب أو الندب، و لكن لم يتعين لنا ذلك «3».
و الثامن: أنه مشترك بين الوجوب و الندب و الإباحة «4».
و التاسع: أنه مشترك بين الثلاثة المذكورة بالاشتراك المعنوي، و هو الإذن «5».
و العاشر: أنه مشترك بين خمسة و هي الثلاثة التي ذكرناها، و الإرشاد و التهديد «6».
و الحادي عشر: أنه مشترك بين الخمسة الأحكام، هي: الوجوب و الندب و الكراهة و التحريم و الإباحة «7».
و الثاني عشر: أنه موضوع لواحد من هذه الخمسة، و لا نعلمه «8».
و الثالث عشر: أنه مشترك بين ستة أشياء: الوجوب و الندب و التهديد و التعجيز و الإباحة و التكوين «9».
__________________________________________________
(1) أصول السرخسي 1: 14، و الإحكام للآمدي 2: 162.
(2) نقله عن أبي منصور الماتريدي في الإبهاج 2: 15.
(3) الموافقات 3: 208 و نقله عن الأشعري و القاضي.
(4) التلويح في كشف حقائق التنقيح 1: 290. و نسبه إلينا في فواتح الرحموت 1: 373.
(5) حكاه في كشف الأسرار 1: 37، و منتهى الوصول: 66.
(6) حكاه الغزالي في المستصفى 1: 164.
(7) حكاه في المحصول 1: 202، و التمهيد: 268، و نهاية السؤل 2: 251.
(8) نقله عن الحاصل في نهاية السؤل 2: 253.
(9) التمهيد للأسنوي: 268.
تمهيد القواعد، ص: 124
و الرابع عشر: أن أمر اللَّه تعالى للوجوب، و أمر رسوله للندب «1».
و إذا أخدت هذه مع الأقوال الثلاثة المفرّعة على القول الأوّل تلخّص منها سبعة عشر قولا.
إذا تقرر ذلك ففروع القاعدة في أدلة الأحكام من الكتاب و السنة أكثر من أن تحصى.
ضوابط الأصول، ص: 66
ضابطة اختلفوا انّ فى الامر الوارد عقيب الخطر
او ظنّه او احتماله او توهّمه هل يفيد الوجوب ام لا على اقوال الوجوب و الندب و الاباحة الخاصّة و الاباحة التامة اعنى مطلق الجواز و التوقّف و التبعيّة لما قبل ان النّهى اذا علّق الامر لزوال علة النّهى كقوله تعالى اذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين و اذا حللتم فاصطادوا و الكلام فيه يقع فى مقامات اما
المقام الاوّل فاعلم ان النّزاع المذكور اذا قال للعبد بعد ذلك لا يتجر و فيه ان القرينة فى المثال قائمة على ان غرض الامر الاول ارشاد المولى و لذا لا يفهم من الامر الاول الوجوب و اما عدم فهم الامر بالعبد فلانه لا تسلط الامر الاول يرجع الى ان الخطر السّابق
ضوابط الأصول، ص: 135
المقدّمة الثّالثة التكليف اما حقيقى لبى و هو ما كان الداعى فيه
على الامر ارادة الامر وقوع المامور به فى الخارج الناشى تلك الارادة عن محبوبية الفعل لوجود المصلحة الكامنة فيه كاوامره تعالى بالنسبة الى المطيعين و السر فى تسميته باللبى ان كلامنا ليس فى اللفظ و اما ابتلائى ساذج و هو ما كان الدّاعى فيه على الامر ارشاد المكلف بان الفعل محبوب و متضمن للمصلحة و اتمام الحجّة عليه ليجوز عقابه على تركه فليس الغروض مجرّد الارشاد كامر الطّبيب و لا مجرّد الابتلاء و الزجر كامر المولى من اهل العرف عبده بشيء بل هو مركب من الجهتين و لم يتعلق غرض الشارع فى هذا القسم بوقوع الفعل فى الخارج مع العلم بعدم وقوعه سفها و قبيحا و ذلك كتكليف العاصين فهو ابتلائى لان الغرض العقاب على الترك و ساذج لاجل عدم وجود الابتلاء من جهة اخرى كالقسم الرابع الذى ياتى و اما ابتلائى توطينى مشوب و هو ما كان الدّاعى فيه على الامر لا محبوبية اصل الفعل كما كان فى القسمين الاولين بل مجرد ارادة وقوع التوطين من المكلّف على هذا الفعل و ان كان اصل الفعل قبيحا او غير مقدور او خاليا من حسن و قبح كتكليف إبراهيم بذبح ولده إسماعيل عليهما السلم فهو ابتلائى لان الغرض لم يتعلق باتيان نفس الفعل فى الواقع بل مجرّد ابتلاء و توطين لتعلق غرض الامر بوقوع التوطين فى الخارج و مشوب بوجود جهة حقيقة له و هو تعلق الغرض بوقوع مقدّمة الفعل فليس ابتلاء من جهة التّوطين ايضا و اما ابتلائى من الجهتين و هو ما كان كالقسم السابق لكن مع عدم تحقق التوطين من المكلف فى الخارج و لا يتعلق ارادة الامر العالم بالعواقب بوقوع شيء من اصل الفعل و التوطين اليه بل يكون غرضه من التكليف الابتلائى فى الجهتين و ذلك كإفطار الحائض فى نهار رمضان قبل حدوث الحيض مع عدم علمها بحدوث الحيض فهى فى الواقع ليست مكلفة باصل الصّوم لفقد الشرط فيكون الغرض من تكليفها بالصّوم فى نفس الامر توطينها عليه و قد تركت التوطين ايضا فهى عاصية بالافطار و ان طرأ الحيض بعد افطارها و الحاصل ان المطلوب فى نفس الامر اما نفس الفعل المامور به لكونه محبوبا و ذا مصلحة و اما التوطين اليه و على التقديرين امّا يمتثل المكلف و ياتى بالمطلوب ام لا فتلك اقسام اربعة
ضوابط الأصول، ص: 136
ثمّ اعلم انّ انقسام التكليف الى الاقسام الاربعة المتقدمة جار فى الواجب و المحرم
و فى جريانه فى المندوب و المكروه اشكال بالنسبة الى القسم الثانى و الرابع من الاقسام اذ بعد علمه تعالى بعدم اتيان المكلف بالمطلوب او بعدم توطينه يكون الطلب مع عدم العقاب عبثا بخلاف الالزاميّات و امّا القول بان فى الطلبيات الغير الالتزامية لا يتعلق التكليف و الطلب الا بالمطيعين لا بالتاركين فالذى ترك المستحب او ارتكب المكروه لم يتعلق به الطلب
__________________________________________________
(1) الممدود
ضوابط الأصول، ص: 137
فهو خلاف الاتفاق كما ان القول بانه لا طلب عن المكلف فى المستحبات و المكروهات بل هو مجرد ارشاد من باب اللطف و العلم بعدم الامتثال غير مضر كما فى اوامر الاطباء مع علمهم بعدم الامتثال احيانا خلاف ظاهر اوامر الشرع فلا يندفع الاشكال بشيء من الوجهين إلّا ان يقال بوجوب الطلب و بتعلّقه ايضا بالتاركين لكن يكون ثمرة الطلب التّسجيل و التسكيت و الابتلاء لكن تسجيل كل شيء بحسبه و التسجيل فى الطلبيّات الغير الالتزامية انما هو عدم رفع درجة التاركين و ليس بعد الطلب للتارك ان يقول لم اعطيت المطيع و لم تعطنى و رفعت درجته و لم ترفع درجتى و امرته و لم تامرنى و لو لم يأمر التارك و لم يطلب منه المندوبات مثلا لكان له التفوه التفوق بذلك لكن الطلب عنه لاتمام الحجّة و التسجيل عليه فليس الاوامر التنزيهيّة للإرشاد محضا بل هى طلبيّات حتى من التاركين و الثمرة ما ذكرنا
الفصول الغروية في الأصول الفقهية، ص: 132
كما يستفاد من كراهة صوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه من الدعاء و على مثل هذا يمكن أن يحمل ما نسب إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام من أنه عليه السلام كان يترك النوافل إذا أصابه هم أو غم فإن النفس إذا أصابها هم أو غم امتنعت عن التوجه بالكلية إليه تعالى و الإقبال عليه بأفعال الصلاة فجاز أن يترجح حينئذ عليها ما لا يترجح عليها في غير هذه الحالة و لو مثل التوصل إلى قضائها عند التوجه و الإقبال فإن استبعد مثل ذلك بالنسبة إلى منصب الإمامة أمكن الحمل على أن الغرض منه التعليم و الإرشاد كما يوجه به ما ورد من تركهم عليهم السلام أحيانا لبعض الأمور الراجحة مطلقا مع احتمال أن يكون تركه عليه السلام للتشاغل بتدبير أو إصلاح أو نحوه مما هو أهم من النافلة و أما أنهم عليهم السلام كانوا ينهون شيعتهم عنها فلا نسلم أنهم كانوا يقصدون به طلب الترك بل الإرشاد للتوصل إلى البدل الأفضل
الفصول الغروية في الأصول الفقهية، ص: 131
ثم إن للمانعين في بيان معنى الكراهة في العبادة وجوها ... هذا محصل كلامه و الجواب عنه أما أولا فبأنا نلتزم بما هو ظاهر كلام القوم من أن الكراهة في العبادة بمعنى قلة الثواب و أن تلك النواهي إرشادية مجردة عن معنى طلب الترك و لا يلزم عليه شيء من المفاسد المذكورة إذ التعسف اللازم على تقديره إنما هو مجرد مخالفة للظاهر و هو مما يجب ارتكابه عند قيام الحجة عليه ثم الكراهة بهذا المعنى لا تنافي مطلوبية الفعل بل يستلزمها فتختار الشق الأول و هو مطلوبية الفعل و نمنع لزوم عدم الكراهة بهذا المعنى على تقديرها و السند عليه ظاهر و ما نسب إليهم عليهم السلام من أنهم كانوا يتركون تلك العبادات فلا نسلم أنه كان لرجحان الترك على الفعل بل للاشتغال بما هو أفضل منها
الفصول الغروية في الأصول الفقهية، ص: 317
و قول بعضهم بأنّ العدلية أو المعتزلة ينكرون كون الشارع حاكما و يجعلون أوامر الشرع و نواهيه كاشفة عن الأحكام العقلية فالظاهر أنه وهم في معرفة مقصودهم أو مبنيّ على توهّم من لا يعتدّ به منهم لأنّ إيجابه تعالى لبعض الأفعال و تحريمه لبعضها و كذلك تشريعه لبقية الأحكام من واضحات الشريعة بل ضروريّاتها الجلية المصرّح بها في الكتاب و السّنة في مواضع عديدة فكيف يتأتى من أحد إنكارها مع أنّ أوامره تعالى و نواهيه على الوهم المذكور تكون إرشادية محضة مجردة عن معنى الطلب و هو خلاف ما أجمعوا عليه من استعمال الأمر في الكتاب و السّنة في الوجوب تارة و في النّدب أخرى و استعمال النهي في التحريم تارة و في التنزيه أخرى و مصيرهم كلا أو جلا إلى تعيين حملهما على معناهما الأول عند فقد القرائن حملا للفظ على معناه الحقيقي
كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ( طبع جديد )، ج3، ص: 30
و الحمل في إفساد الحرير، و الذهب، و المتنجّس. و اللّبس أو الاتصال في غير المأكول اللّحم. و إلحاق جلد الميتة بهذا القسم لا يخلو من قُرب.
و يستوي العلم و الجهل بالموضوع أو الحكم و النسيان فيما عدا المغصوب و المتنجّس و غير الساتر، فإن المنع فيها خاص بالعلم (و قيل بالفرق في الناسي بين العلم بالوقت و خارجه، فيعيد و لا يقضي «1») «2».
و يستوي الجميع في عدم الإفساد في الجبر على إشكال.
(و في قوله عليه السلام حيث سئل عن الرجل يمسّ أنفه في الصلاة فيرى دماً
إن كان يابساً فليرم به الأرض
«3» إرشاد إلى عدم نجاسة الباطن، و عدم ضرر الحمل، و كذا في قطع البثور في أمر النجاسة، و قد يلحق بها غيرها) «4».
الفصول الغرویه، ص 141
و لو استظهرنا من النهي فيها الإرشاد إلى الترك لفساد العمل بمعونة العرف حصل المقصود أيضا
الفصول الغرویه، ص 143
بل الظاهر أن المستفاد من الأمر و النهي عرفا في مثل ذلك ليس هو إلا الإرشاد إلى فعل ما هو الصحيح أو ترك ما هو الفاسد نظير أوامر الطبيب و نواهيه في صنع الأدوية و المعاجين و إن تعلقا بمن له أهلية الإيجاب و التحريم في حقه كالمملوك
قوانين الأصول ( طبع قديم )، ص: 84
و ما قيل من أنّ الأمر حقيقة في الصّيغة المخصوصة و التهديد على مخالفة ما صدق عليه الأمر من الصّيغ ففيه ما لا يخفى إذ الأمر إنما يسلم صدقه على الصّيغة إذا كان الطّلب بها على سبيل الاستعلاء المستلزم للوجوب و أمّا إذا أريد منها مجرّد النّدب أو الإرشاد أو الإذن أو غير ذلك فلا يصدق عليه أنه أمر
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج1، ص: 167
و كذلك الكلام في قولهم: إنّ المندوب طاعة، و الطاعة فعل المأمور به، فإنّ الطاعة إمّا فعل المأمور به الحقيقي أو فعل المندوب، لا فعل المأمور به الحقيقي فقط، و إن أريد الأعمّ من المأمور به الحقيقي، فلا يجديهم نفعا.
و لمّا كان العالي قد يطلب الشيء و لكن لا على سبيل الاستعلاء، كالمندوب، فإنّه إرشاد و هداية، و لا يلزم فيه اعتبار الاستعلاء، فلا بدّ أن يميّز بين أقسام طلبه بالتميّز بين الألفاظ التي يطلب بها حتّى يعلم أيّها أمر و أيّها ندب و إرشاد.
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج1، ص: 306
قانون الأظهر أنّ الأمر بالأمر، أمر «1».
فإذا قال القائل لغيره: مر فلانا أن يفعل كذا، أو قل له أن يفعل كذا، فهذا أمر بالثالث، مثل أن يقول: ليفعل فلان كذا، لفهم العرف و التبادر.
و احتمال أن يكون المراد أوجب عليه من قبل نفسك، بعيد مرجوح، و إن كان ما ذكرنا مستلزما للإضمار و هو من قبلي.
و يؤيّده، إنّا مأمورون بأوامر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن اللّه تعالى، بل إذا اطّلع الثالث على الأمر قبل أن يبلّغه الثاني و لم يفعل، و اطّلع الآمر على ذلك، فيصحّ أن يعاقبه على الترك و أن يذمّه العقلاء على ذلك.
احتجّوا «2» بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «مروهم بالصّلاة و هم أبناء سبع» «3».
فإنّه لا وجوب على الصّبيان إجماعا.
و: بأنّ القائل لو قال لغيره: مر عبدك بأن يتّجر، لم يتعدّ.
و لو قال لذلك العبد: لا تتّجر، لم يناقض كلامه الأوّل.
و الجواب عن الأوّل: أنّ الإجماع أوجب الخروج عن الظّاهر.
__________________________________________________
(1) خلافا للعلّامة في «المبادئ»: ص 113، و «التهذيب»: ص 116، و الرازي في «المحصول»: 2/ 418، و الغزالي في «المستصفى»: 2/ 10، و الشهيد في «التمهيد»:
ص 126، و الّذي قال فيه أيضا: و ذهب بعضهم إلى أنّه أمر لهما.
(2) أي القائلون بأنّ الثالث لم يكن مأمورا بالفعل في الصورة المذكورة.
(3) «سنن الترمذي»: 2/ 259 الحديث 407، «سنن ابي داود»: 1/ 133 الحديث 494، «تذكرة الفقهاء»: 2/ 331، «بحار الأنوار»: 85/ 133 الحديث 4.
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج1، ص: 307
و عن الثاني: أنّ القرينة دالّة على أنّه للإرشاد، و لذلك نقول باستحباب عبادة الصبيّ، و نضعّف كونها محض التمرين.
هداية المسترشدين ( طبع جديد )، ج1، ص: 604
قوله: (وفاقا لجمهور الاصوليّين)
و قد عزي ذلك الى المحقّقين، و عزاه في النهاية الى أكثر الفقهاء و جماعة من المتكلّمين، و في الإحكام الى الفقهاء و جماعة من المتكلّمين، و العضدي الى الجمهور، و حكي القول به عن كثير من العامّة و الخاصّة منهم: الشيخ و الفاضلان و الشهيدان و كثير من المتأخّرين، و الشافعي في إحدى النسبتين إليه، و أبو الحسين البصري و الحاجبي و العضدي و الرازي، و الغزّالي في إحدى الحكايتين عنه، و غيرهم.
قوله: (و قيل: في الطلب)
و هو الجامع بين الوجوب و الندب، و قد يجعل أعمّ من الإرشاد أيضا حسب ما يستفاد من الإحكام حيث جعل مفهوم الطلب شاملا للثلاثة، و فرّق بين الندب و الإرشاد بأنّ الندب ما كان الرجحان فيه لأجل مصلحة اخروية، و الإرشاد ما كانت المصلحة فيه دنيوية، إلّا أنّه لم ينقل فيه قولا بوضع الصيغة للأعمّ من الثلاثة، و قد وافقه على الفرق المذكور غيره أيضا، و لا يخلو ما ذكر عن تأمّل.
و المعروف جعل الطلب قدرا مشتركا بين الوجوب و الندب، و ذلك هو الأظهر؛ إذ الظاهر أنّ المقصود من الإرشاد هو بيان المصلحة المترتّبة من دون حصول اقتضاء هناك على سبيل الحقيقة فهو إبراز للمصلحة المترتّبة على الفعل بصورة الاقتضاء.
__________________________________________________
(1) حيث جعل القول بالإيجاب مقابلا للقول بالوجوب، و يظر ذلك أيضا من السيّد العميدي و قد نصّ على أنّ اتحاد الإيجاب و الوجوب في الحقيقة إنّما يتمّ على مذهب الأشاعرة فيما سيجيء تتمّة لهذا الكلام إن شاء اللّه. (منه عفي عنه).
هداية المسترشدين ( طبع جديد )، ج1، ص: 605
ألا ترى أنّه قد يكون ما يأمره به على سبيل الإرشاد مبغوضا عنده و لا يريد حصوله أصلا، كما إذا استشاره أحد في إكرام زيد أو عمرو، و هو يبغضهما و يريد إهانتهما و مع ذلك إذا كانت مصلحة المستشير في إكرام زيد مثلا يقول له: «أكرم زيدا» مريدا بذلك إظهار المصلحة المترتّبة عليه من غير أن يكون هناك اقتضاء منه للإكرام، بل قد يصرّح بأنّه لا يحبّ إكرامه و يبغض الإتيان به.
و هذا بخلاف الندب لحصول الاقتضاء هناك قطعا، إلّا أنّه غير بالغ الى حدّ الحتم من غير فرق بين ما يكون السبب فيه المصلحة الدنيوية أو الاخروية، كما أنّه لا فرق في الإرشاد بين ما إذا كان الغرض إبداء المصلحة الدنيوية أو الاخروية، كيف! و لو لا ما قلنا لم يكن ندب في أغلب الأوامر العرفية، لعدم ابتنائها على المصالح الاخروية في الغالب.
و مع الغضّ عن جميع ما ذكر فقد يكون المصلحة الدنيوية المتفرّعة على الفعل عائدة الى غير المأمور و ليس ذلك إذن من الإرشاد، فلا يتمّ ما ذكر من الفرق إلّا أن يخصّص ما ذكر من التفصيل بالمصلحة العائدة الى المأمور، و هو كما ترى.
هذا، و قد ذهب الى وضع الأمر بإزاء الطلب جماعة من أصحابنا منهم السيّد العميدي، و جماعة من العامّة منهم الجويني و الخطيب القزويني و بعض الجنفية على ما حكي عنهم، و هو المختار كما سنبيّن الوجه فيه إن شاء اللّه.
إلّا أنّ الأوامر المطلقة مطلقا محمولة على الوجوب، لانصراف مطلق الطلب اليه عرفا إلّا أن يقوم دليل على الإذن في الترك، و كأنّه لانصراف المطلق الى الكامل، و اختاره صاحب الوافية أيضا، إلّا أنّه ذهب الى حمل الأوامر الشرعية كتابا و سنّة على الوجوب لا لدلالة الصيغة عليه، بل لقيام قرائن عامّة شرعا عليه، و إليه ذهب العلّامة في النهاية بحسب وضع اللغة و جعلها موضوعة في الشرع لخصوص الوجوب.
هداية المسترشدين ( طبع جديد )، ج3، ص: 5
قوله: (اختلف الناس ... الخ.)
قد استعملت صيغة النهي كالأمر في معاني عديدة: أنهاها في النهاية إلى سبعة:
التحريم و الكراهة و التحقير نحو لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ... الخ «1» و بيان العاقبة نحو وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ «2» و الدعاء و الالتماس نحو لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ «3» و الإرشاد نحو لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ «4»
خزائن الأحكام، ج1، ص: 71
فان قلت ما تقول لو قيل ان الحكم المستفاد من القرعة حكم ارشادى لافادة اخبارها ذلك و هذا نظير الحكم المستفاد من الاستخارة و بالجملة فان القرعة كالاستخارة مما وضعها الشارع لتمييز المرجحات الشخصيّة المهملة بحسب القواعد «3» هو التخيير و ادّعا فان القرعة للتمييز لا للتّرجيح و انه لا يوجد المرجح حتى فى الجزئيات مردود بشرعيّة الاستخارة التى لا تكشف الا عن وجود مصلحة او مفسدة اذ لا تخيير فى موردها اصلا و بالجملة فلا تعارض بينها و بين الاستصحاب فى الواقع التى يتمشّى فيها الاستصحاب بناء على المسلك الثانى قلت انّ معايب هذا الكلام مما لا يخفى عليك الخبير المتدبّر باساليب الكلام فى تادية المرام فيرد عليه ايراد ان هذا النحو من الحكم الارشادى لو اريد منهما ما يجوز تركه
لزم محذور استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد اذ استعمال القرعة و لزوم العمل بما اخرجته و عدم جواز تركه فى مقام التشاجر و التنازع فيما ذكره الفقهاء مما يبلغ عشرين موقعا كما اشرنا اليه فى مسائل المشتبه المحصور مما لا ريب فيه فيما اذا اريد هنا ايضا الارشادى المذكور لزم التدافع و التناقض المحض و ان اريد اللزوم فى هذه المواقع و الندب فى غيرها لزم ما اشرنا اليه من المحظور على انه يقال ح ما ثمرة القرعة فى المشتبه المحصور مثلا بعد اختيار القول بالبناء على اصلى البراءة و الاستصحاب و تقديمهما على الاشتغال فان مفادهما هو الحلية و الطهارة فنقض حكم القرعة جائز و استحباب الاجتناب عن الكلّ فضلا عن البعض مما كان ثابتا قبل استعمال القرعة ايضا و هذا ظ الا سترة فيه كظهور الامر فى البناء على الاشتغال ايضا فى مسئلة المشتبه المحصور فانّ لزوم الاجتناب على هذا القول عن الكل ممّا لا ريب فيه فيكون على البناء على ان حكم القرعة هو الحكم الارشادى عدم وجوب استعمالها اولا و كون العمل على طبق ما اخرجته من المندوبات التى يجوز تركها ثانيا و هذا يناقض القول بوجوب الاجتناب عن الكلّ فقد بان من ذلك كله انّ تشبيه القرعة بالاستخارة مما لا وجه له اصلا و بالجملة فان كل ذلك من المعتضدات للزوم المصير الى ما حققنا او لأمر الملك الاول
فرائد الاصول، ج1، ص: 350
الرابعة أخبار التثليث المروية عن النبي صلى اللَّه عليه و آله و الوصي عليه السلام و بعض الأئمة عليهم السلام
ففي مقبولة ابن حنظلة الواردة في الخبرين المتعارضين بعد الأمر بأخذ المشهور منهما و ترك الشاذ النادر معللا (بقوله عليه السلام: فإن المجمع عليه لا ريب فيه) و (قوله: إنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع و أمر بين غيه فيجتنب و أمر مشكل يرد حكمه إلى الله و رسوله قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات وقع في المحرمات و هلك من حيث لا يعلم).
وجه الدلالة أن الإمام عليه السلام أوجب طرح الشاذ معللا بأن المجمع عليه لا ريب و المراد أن الشاذ فيه الريب لا أن الشهرة تجعل الشاذ مما لا ريب في بطلانه و إلا لم يكن معنى لتأخر الترجيح بالشهرة عن الترجيح بالأعدلية و الأصدقية و الأورعية و لا لفرض الراوي الشهرة في كلا الخبرين و لا لتثليث الأمور ثم الاستشهاد بتثليث النبي صلى اللَّه عليه و آله.
و الحاصل أن الناظر في الرواية يقطع بأن الشاذ مما فيه الريب فيجب طرحه و هو الأمر المشكل الذي أوجب الإمام رده إلى الله و رسوله صلى اللَّه عليه و آله.
فيعلم من ذلك كله أن الاستشهاد بقول رسول الله صلى اللَّه عليه و آله في التثليث لا يستقيم إلا مع وجوب الاجتناب عن الشبهات مضافا إلى دلالة قوله نجا من المحرمات بناء على أن تخلص النفس من المحرمات واجب (و قوله صلى اللَّه عليه و آله: وقع في المحرمات و هلك من حيث لا يعلم).
و دون هذا النبوي في الظهور النبوي المروي عن أبي عبد الله عليه السلام في كلام طويل و قد تقدم في أخبار التوقف و كذا مرسلة الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام.
و الجواب عنه ما ذكرنا سابقا من أن الأمر بالاجتناب عن الشبهة إرشادي للتحذير عن المضرة المحتملة فيها فقد تكون المضرة عقابا و حينئذ فالاجتناب لازم و قد تكون مضرة أخرى فلا عقاب على ارتكابها على تقدير الوقوع في الهلكة كالمشتبه بالحرام حيث لا يحتمل فيه الوقوع في العقاب على تقدير الحرمة اتفاقا لقبح العقاب على الحكم الواقعي المجهول باعتراف الأخباريين
فرائد الاصول، ج1، ص: 381
و ينبغي التنبيه على أمور
الأول
أن محل الكلام في هذه المسألة هو احتمال الوجوب النفسي المستقل و أما إذا احتمل كون شيء واجبا لكونه جزءا أو شرطا لواجب آخر فهو داخل في الشك في المكلف به و إن كان المختار جريان أصل البراءة فيه أيضا كما سيجيء إن شاء الله تعالى لكنه خارج عن هذه المسألة الاتفاقية.
الثاني
أنه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته و الظاهر ترتب الثواب عليه إذا أتي به لداعي احتمال المحبوبية لأنه انقياد و إطاعة حكمية و الحكم بالثواب هنا أولى من الحكم بالعقاب على تارك الاحتياط اللازم بناء على أنها في حكم المعصية و إن لم يفعل محرما واقعيا.
و في جريان ذلك في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب و غير الاستحباب وجهان أقواهما العدم لأن العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا كما في كل من الصلوات الأربع عند اشتباه القبلة و ما ذكرنا من ترتب الثواب على هذا الفعل لا يوجب تعلق الأمر به بل هو لأجل كونه انقيادا للشارع و العبد معه في حكم المطيع بل لا يسمى ذلك ثوابا.
و دعوى أن العقل إذا استقل بحسن هذا الإتيان ثبت بحكم الملازمة الأمر به شرعا مدفوعة بما تقدم في المطلب الأول من أن الأمر الشرعي بهذا النحو من الانقياد كأمره بالانقياد الحقيقي و الإطاعة الواقعية في معلوم التكليف إرشادي محض لا يترتب على موافقته و مخالفته أزيد
فرائد الاصول، ج1، ص: 382
مما يترتب على نفس وجود المأمور به أو عدمه كما هو شأن الأوامر الإرشادية فلا إطاعة لهذا الأمر الإرشادي و لا ينفع في جعل الشيء عبادة كما أن إطاعة الأوامر المتحققة لم تصر عبادة بسبب الأمر الوارد بها في قوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ*.
فرائد الأصول، ج2، ص: 155
[عدم دلالة ثبوت الأجر على الاستحباب الشرعي]
و أمّا الإيراد الأوّل، فالإنصاف أنّه لا يخلو عن وجه؛ لأنّ الظاهر من هذه الأخبار كون العمل متفرّعا على البلوغ و كونه الداعي على العمل- و يؤيّده: تقييد العمل في غير واحد من تلك الأخبار «3» بطلب قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و التماس الثواب الموعود-، و من المعلوم أنّ العقل مستقلّ باستحقاق هذا العامل المدح و الثواب، و حينئذ:
فإن كان الثابت بهذه «4» الأخبار أصل الثواب، كانت مؤكّدة لحكم
__________________________________________________
(1) راجع لتفصيل الأقوال و الايرادات و أجوبتها رسالة «التسامح في أدلّة السنن» للمصنّف قدّس سرّه.
(2) راجع الصفحة 102- 103.
(3) الوسائل 1: 59، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 4 و 7.
(4) كذا في (ظ)، و في غيرها: «في هذه».
فرائد الأصول، ج2، ص: 156
العقل بالاستحقاق، و أمّا طلب الشارع لهذا الفعل:
[دلالة «أخبار من بلغ» على الأمر الإرشادي]
فإن كان على وجه الإرشاد لأجل تحصيل هذا الثواب الموعود فهو لازم للاستحقاق المذكور، و هو عين الأمر بالاحتياط.
و إن كان على وجه الطلب الشرعيّ المعبّر عنه بالاستحباب، فهو غير لازم للحكم بتنجّز الثواب؛ لأنّ هذا الحكم تصديق لحكم العقل بتنجّزه فيشبه قوله تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي «1». إلّا أنّ هذا وعد على الإطاعة الحقيقيّة، و ما نحن فيه وعد على الإطاعة الحكميّة، و هو الفعل الذي يعدّ معه العبد في حكم المطيع، فهو من باب وعد الثواب على نيّة الخير التي يعدّ معها العبد في حكم المطيع من حيث الانقياد.
و أمّا ما يتوهّم: من أنّ استفادة الاستحباب الشرعيّ فيما نحن فيه نظير استفادة الاستحباب الشرعيّ من الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل، مثل قوله عليه السّلام: «من سرّح لحيته فله كذا» «2».
فمدفوع «3»: بأنّ الاستفادة هناك باعتبار أنّ ترتّب الثواب لا يكون إلّا مع الإطاعة حقيقة أو حكما، فمرجع تلك الأخبار إلى بيان الثواب على إطاعة اللّه سبحانه بهذا الفعل، فهي تكشف عن تعلّق الأمر بها من الشارع، فالثواب هناك لازم للأمر يستدلّ به عليه استدلالا إنيّا.
__________________________________________________
(1) النساء: 13.
(2) انظر الوسائل 1: 429، الباب 76 من أبواب آداب الحمّام، الحديث الأوّل.
(3) كذا في (ت)، و في غيرها: «مدفوع».
فرائد الأصول، ج2، ص: 157
و مثل ذلك استفادة الوجوب و التحريم ممّا اقتصر فيه على ذكر العقاب على الترك أو الفعل.
و أمّا الثواب الموعود في هذه الأخبار فهو باعتبار الإطاعة الحكميّة، فهو لازم لنفس عمله المتفرّع على السماع و احتمال الصدق و لو لم يرد به أمر. آخر أصلا، فلا يدلّ على طلب شرعيّ آخر له. نعم، يلزم من الوعد على الثواب طلب إرشاديّ لتحصيل ذلك الموعود.
فالغرض «1» من هذه الأوامر- كأوامر الاحتياط- تأييد حكم العقل، و الترغيب في تحصيل ما وعد اللّه عباده المنقادين المعدودين بمنزلة المطيعين.
و إن كان الثابت بهذه الأخبار خصوص الثواب البالغ كما هو ظاهر بعضها، فهو و إن كان مغايرا لحكم العقل باستحقاق أصل الثواب على هذا العمل- بناء على أنّ العقل لا يحكم باستحقاق ذلك الثواب المسموع الداعي إلى الفعل، بل قد يناقش في تسمية ما يستحقّه هذا العامل لمجرّد احتمال الأمر ثوابا و إن كان نوعا من الجزاء و العوض-، إلّا أنّ مدلول هذه الأخبار إخبار عن تفضّل اللّه سبحانه على العامل بالثواب المسموع، و هو أيضا ليس لازما لأمر شرعي هو الموجب لهذا «2» الثواب، بل هو نظير قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «3» ملزوم لأمر إرشاديّ- يستقلّ به العقل- بتحصيل ذلك
__________________________________________________
(1) كذا في (ظ)، و في غيرها: «و الغرض».
(2) في (ت)، (ه) و محتمل (ص) و (ظ): «بهذا».
(3) الأنعام: 160.
فرائد الأصول، ج2، ص: 158
الثواب المضاعف.
فرائد الأصول، ج2، ص: 229
الأمر الثاني [: هل تختصّ المؤاخذة بصورة الوقوع في الحرام، أم لا؟]
أنّ وجوب الاجتناب عن كلّ من المشتبهين، هل هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه حذرا من الوقوع في المؤاخذة بمصادفة ما ارتكبه للحرام الواقعيّ؛ فلا مؤاخذة إلّا على تقدير الوقوع في الحرام، أو هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه من حيث إنّه مشتبه؛ فيستحقّ المؤاخذة بارتكاب أحدهما و لو لم يصادف الحرام، و لو ارتكبهما استحقّ عقابين؟
[الأقوى الاختصاص و الدليل عليه]
فيه وجهان، بل قولان. أقواهما: الأوّل؛ لأنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر- بمعنى العقاب المحتمل بل المقطوع- حكم إرشاديّ، و كذا لو فرض أمر الشارع بالاجتناب عن عقاب محتمل أو مقطوع بقوله:
«تحرّز عن الوقوع في معصية النهي عن الزنا»، لم يكن إلّا إرشاديّا، و لم يترتّب على موافقته و مخالفته سوى خاصيّة نفس المأمور به و تركه، كما هو شأن الطلب الإرشاديّ.
و إلى هذا المعنى أشار صلوات اللّه عليه بقوله: «اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس» «1»، و قوله: «من ارتكب الشبهات
فرائد الأصول، ج2، ص: 290
وجوبه الظاهريّ؛ لأنّ هذا الوجوب مقدميّ و مرجعه إلى وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمّة، و دفع احتمال ترتّب ضرر العقاب بترك بعض منهما، و هذا الوجوب إرشاديّ لا تقرّب فيه أصلا، نظير أوامر الإطاعة؛ فإنّ امتثالها لا يوجب تقرّبا، و إنّما المقرّب نفس الإطاعة، و المقرّب هنا- أيضا- نفس الإطاعة «1» الواقعيّة المردّدة بين الفعلين، فافهم؛ فإنّه لا يخلو عن دقّة.
الفوائد الأصولية، ص: 235
و اما المستحبة فلا يمكن الجزم فيها بالصحة و ان كان النهى متعلقا بمفهوم متحد معها، لانّا لا نعلم رجحان محبوبية العبادة على مرجوحية المفهوم المتّحد معها، فلعل الامر بالعكس و لعلّهما متساويان الّا اذا انعقد الاجماع على الصحة.
و مما ذكر يظهر انّ انحصار فرد العبادة فى المكروه و صيرورته واجبا عينيا لا يخرجه عن الكراهة بهذا المعنى وفاقا لما مر عن الشهيد الثانى- رضى اللّه عنه- فى «روض الجنان»، غاية الامر انّ هذا الفرد المحبوب مع وهن محبوبيته بمزاحمة ذلك المفهوم المرجوح صار معيّنا، حيث انّه لا يوجد غيره و ليس فهم المرجوحية منحصرا فى النهى الفعلى، حتى يقال بانه بعد انتفائه فى صورة الانحصار فلا دليل على المرجوحية، لانّ مثله وارد مع عدم الانحصار، فان المفروض انتفاء النهى و مع ذلك فنقول بثبوت المرجوحية المزاحمة لمحبوبية العبادة و الوجه ان المرجوحية و ان كانت مستفادة من النهى الّا انّ ذهاب النهى لما كان من جهة انّه لم يكف فيه هذا المقدار من المرجوحية المغلوبة بمحبوبية العبادة لا من جهة عدم المرجوحية اصلا، فانتفائه لا يوجب انتفاء المرجوحية لكنّ هذا كلّه مبنى على كون الحسن و القبح- اللذين ينشأ عنهما الراجحية و المرجوحية- للطبائع بذاتها، و اما اذا لم يتّصف الفعل بهما الّا بعد ملاحظة جميع الوجوه و الاعتبارات، فليس للوجود الواحد بعد ملاحظة جميع خصوصياته الا حسنا لا قبح فيه او بالعكس، فنقص الثواب لا يكون الّا بتفاوت الافراد فى الثواب لا بالتنزّل عن ثواب الطبيعة.
و مما ذكرنا يعلم ان النهى محمول على الارشاد و بيان نقص الفعل عما
الفوائد الأصولية، ص: 236
هو عليه- لو خلى و طبعه- و ليس طلب تركه مقدمة للفرد الآخر حتى يقال بتحقق هذا المعنى فى كل مفضول و انما هو نهى نفسى ارشادى.
بدائع الأفكار، ص: 212
[الكلام في الفرق بين الأمر الإرشادي و المولوي]
(فالتّحقيق) في الفرق بين الأمر الإرشادي و غيره وفاقا لبعض أهل النّظر في وجه أن يقال إن الأمر الإرشادي ما كان المصلحة الدّاعية إليه موجودة في نفس المأمور به مع قطع النظر عن الأمر و لا يترتب على مخالفته و موافقته شيء أزيد ممّا كان يترتب عليه قبل الأمر نظير أوامر الطّبيب للمرضى بتناول ما فيه إصلاح لمزاج المريض و هذا قد يكون جاريا مجرى التّأكيد كما إذا تعلّق بما يعلم المخاطب المصلحة الموجودة فيه مثل ما إذا قلت لمن يمتنع عن شرب الدّواء مع علمه بالمصلحة الملزمة اشرب ذلك و لا تعرض نفسك للهلاك و من هذا الباب أوامر الوعّاظ فإنّ وظيفتهم تخويف العباد عمّا عهدوه من المفاسد الأخروية أو تحريصهم على ما علموه من المصالح الشرعيّة و قوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ* فإنّ مصلحة الإطاعة معلومة للعباد قبل تعلّق الأمر بها و لو على مذهب الأشعري من انحصار الحسن و القبح في الجعل الشّرعي فيكون الأمر بها للإرشاد و النصح المحض كما في المثال المفروض و إن كان بينهما فرق و هو أن الأمر في المثال إذا صدر من العالي أمكن أن يكون مولويّا منشأ لاستحقاق الثواب و العقاب زيادة على المفسدة المترتبة على ترك الفعل كما في أمر الشارع بالاجتناب عن تناول المضرّ بخلاف أوامر الإطاعة فإن كونه شرعيّا تكليفيّا منشأ لترتّب الثواب و العقاب مستحيل عقلا لأنّ الثواب و العقاب إنّما يترتبان على نفس الإطاعة في التكاليف و أمّا إطاعة الأمر بالإطاعة في الكتاب العزيز فليس ممّا يترتب على موافقته أو مخالفته ثواب أو عقاب و إلاّ لزم أن يكون الممتثل لبعض التكاليف كالصّلاة مثلا ممتثلا لأوامر غير متناهية مترتبة لأنّ الأمر المتعلّق بامتثال الأمر بالإطاعة أيضا يستدعي إطاعة أخرى و امتثالا آخر فيتسلسل و دعوى أنّ الأمر بالإطاعة لا يشمل نفسه فليس وراء الأمر بالإطاعة أمر آخر متعلّق بإطاعة ذلك الأمر مدفوعة بأن الأمر بالطّاعة و إن كان قاصرا عن شمول نفسه لفظا لكنه غير قاصر عن ذلك لبّا بملاحظة المناط و الإرشاد على هذا الوجه ليس واجبا في نفسه إلا بعد اندراجه تحت شيء آخر كالأمر بالمعروف و نحوه و قد تكون المصلحة الدّاعية إليه شيئا مخفيّا على المخاطب كأوامر الطّبيب و حينئذ فيصير واجبا في نفسه لأنّ وجوب إرشاد الجاهل مضافا إلى وجوبه المقدّمي يمكن دعوى
بدائع الأفكار، ص: 213
استقلال العقل بوجوبه و يرجع إلى هذا النّحو من الإرشاد جميع التكاليف الشرعية عند العدلية حتى إنّه يظهر من السّلطان قدس سره أنّ مفادها ليس سوى الكشف عن تلك المصالح فيمكن الالتزام بثبوتها في بعض أحوال العجز أيضا كحال تعذّر المقدّمة و هذا بظاهره مرغوب عنه و سنشير إلى ما فيه في مقدّمة الواجب إن شاء الله تعالى (بل التّحقيق) أنّ الأوامر الشرعيّة جامعة بين الجهتين فمن حيث الكشف عن المصالح و المفاسد المترتبة على نفس الأفعال مع قطع النظر عن العلم و الجهل تكون إرشادا للعباد من الحكيم و من حيث استتباعها الثّواب و العقاب المترتبين على موافقتها أو مخالفتها بعد العلم بها أوامر مولويّة مطلوب فيها الإطاعة و هذا نظير ما لو أمر المولى عبده بشيء فيه إصلاح مزاج العبد فإنّه ليس تكليفا محضا أو إرشادا كذلك بل جامع بينهما و من ذلك يظهر أن جعل الجماعة الأمر الإرشادي مقابلا للوجوب و النّدب غير سديد كما أن الفرق بينه و بين النّدب بما ذكر غير مفيد كيف و على ما ذكروه يلزم أن يكون الأوامر الشرعية مستعملة في المعنيين قضاء لحق المغايرة فالّذي يقتضيه التحقيق هو أنّ الإرشاد و غير الإرشاد جهتان عارضتان للأمر المستعمل في الطّلب بملاحظة الدّواعي و الجهات الباعثة فإن كان الدّاعي إليه هي الإطاعة بالمعنى الأعم الموجود في التوصّليات كان أمرا تكليفيا وجوبيا أو ندبيّا و إن كان الداعي إليه صرف النصح و الدّلالة على الخير كان إرشاديّا فإذا اجتمع الحيثيّات لإمكان ذلك كما لا يخفى كان الأمر بالفعل حينئذ تكليفا و إرشادا من جهتين و لا فرق في ذلك بين القسم الأول من الإرشاد أعني ما كان المصلحة فيه معلومة للمخاطب و القسم الثاني فيتصوّر في كلّ منهما أن يكون الغرض الدّاعي أحد الأمرين أو كليهما و تشخيص ذلك موكول إلى ملاحظة صلاحية المأمور به فقد لا يكون صالحا إلاّ للأمر الإرشادي كالأمر بالإطاعة لما عرفت و قد ينعكس الأمر فلا يحتمل إلا صرف التكليف كما لو أمر المولى عبده بشيء يكون مصلحة للمولى و مفسدة على العبد و يجري هذا المجرى التكاليف الشّرعية على مذهب الأشعري فإنّ التكليف الشرعي بناء على أصلهم و إن لم يكن لمصلحة تعود إلى الشارع إلاّ أنّه ليس لمصلحة تعود إلى العباد أيضا موجودة في نفس الفعل المأمور به بل لمصلحة تحدث فيه بعد صدور الأمر قضاء لحق كون الحسن و القبح شرعيّين و المدار في كون الأمر إرشاديا أن يكون المصلحة الدّاعية إليه موجودة في الفعل مع قطع النظر عن الأمر و أمّا على مذهب العدليّة ففيه جمع بين الجهتين سواء تعلّق التكليف بالمستقلاّت العقليّة كقبح الظّلم و حسن الإحسان أو بغيرها من الأمور التوقيفية لأنّ كون المأمور به مصلحة عند العقل لا يمنع عن اقتضاء التكليف به ترتب الثواب و العقاب عليه (و من هنا يظهر) أن جعل ما ورد في المستقلاّت من الخطابات السّمعيّة أوامر إرشادية دون ما تعلّق بغيرها من التكاليف ليس على ما ينبغي لاشتمال كلّ منهما على الجهتين فتسمية أحدهما بالإرشاد دون الآخر تخصيص من دون مخصّص إلا أن يوجّه ذلك بأن المصلحة في غير المستقلات لما كانت مخفيّة جرى مجرى صرف التكليف فقد ظهر ممّا ذكرنا أن الأمر الإرشادي قسم من أقسام الأمر الوجوبي أو النّدبي بحسب اختلاف المقامات و حسبان أنّه حقيقة ثالثة من سنخ الإنشاء كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين ليس على ما ينبغي كيف و الإرشاد كما يحصل بالطّلب كذلك يحصل بالإخبار فإن زعموا أن الصّيغة في مقام الإرشاد مستعملة في الإخبار و محض الكشف عن الواقع كما يظهر من بعض فالحوالة فيه على الوجدان و إن زعموا أنّ الإنشاء الإرشادي ليس من سنخ إنشاء الطّلب بل هو إنشاء آخر مغاير له في الحقيقة فهذا لا نتعقله إلاّ أن يقال إنّ الصّيغة في مقام الإرشاد مستعملة في إظهار المصلحة كما أنّها في مقام الإيجاب مستعملة في إظهار الإرادة لكنّه مع ابتنائه على أصلنا من وضع الصّيغة لإظهار الإرادة لا لنفسها كما هو ظاهر القوم و لا لاقتضاء الفعل كما هو مذهب الأشعري و بعض المتأخرين ليس بأولى من القول باستعمالها في إظهار الإرادة في الموضعين مع ما في الأوّل من ارتكاب التجوّز أو تعدد الموضع كما لا يخفى ثم أن الإرادة على فرض كونها عبارة عن العلم بالمصلحة و اعتقاد النفع كان إظهار المصلحة و إظهار الإرادة بمعنى فتبطل المغايرة المتوهّمة أيضا كما هو واضح و لعلّ منشأ زعم المغايرة ما فرضه بعض المحققين من اجتماع الأمر الإرشادي مع بغض المرشد للفعل المأمور به مع أنّ العاقل لا يكون طالبا لما هو مبغوض له واقعا
و فيه أنّ طلب الفعل إنّما ينافي بغض المطلوب إذا كان الطّلب منشؤه تحصيل المطلوب كما هو الغالب فلو كان مسبّبا عن أغراض أخر كالابتلاء و التقية في وجه و النّصح و غير ذلك ممّا نتكلّم فيه فلا منافات بينهما مع أنّ من البيّن أنّ الأمر الإرشادي مع كون الفعل مبغوضا للأمر لا يتصوّر إلا إذا زاحم جهة بغضه مصلحة النصح و الإرشاد و إلا فالعاقل لا يرشد إلى مبغوضه أيضا فلا بدّ أن يكون المرشد النّاصح طالبا للفعل المأمور به و لو كان بالعرض و من جهة إدراك مصلحة النصح و الإرشاد الّتي هي محبوبة له ذاتا أو بملاحظة رجحانه الشرعي فإذا حصل الرّجحان و الحبّ العرضيّين ارتفع الإشكال المتوهّم أعني امتناع تعلّق الطّلب بالفعل المبغوض إرشادا و بذلك يستغني عن جعله من باب الأمر الامتحاني فيكون وجها ثانيا لرفع التوهّم المزبور (و الحاصل) أنا لا نتعقل من الصّيغة في مقام الإرشاد معنى مغايرا لما نتعقل منها في مقام الإيجاب و إنّما نتعقّل المغايرة بين الدّاعي في المقامين بل الظّاهر أن الأمر كذلك في جميع المعاني الآتية كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى و ربما يعرف الأمر الإرشادي بما كان المصلحة فيه عائدة إلى المخاطب دون الأمر كما في
بدائع الأفكار، ص: 214
الأمر الوجوبي مع مشاركتهما في المصلحة الملزمة و أنت خبير بعد الإحاطة بما تلونا خبرا تعرف أنّ هذا أيضا غير مطّرد و لا منعكس
فائدة إذا شككنا في موضع أن الأمر فيه هل هو للإرشاد أو للتكليف
و ذلك كما لو تردّد الفعل المأمور به بين ما لا يصلح أن يتعلّق به الأمر المطلوب فيه الإطاعة و بين ما هو صالح لذلك أو كان المقام صالحا للإرشاد المحض و للتكليف أيضا فهل الأصل قاض بالأوّل مطلقا أو بالثاني كذلك أو التفصيل بين الصّورتين باختيار الأوّل في الأولى و الثّاني في الثانية وجوه وجه الأوّل أصالة البراءة و وجه الثّاني ظهور الأمر في وجوب الإطاعة إلا إذا ثبت عدم قابلية المحلّ و وجه التفصيل أنّ الشكّ في قابلية المأمور به لتعلّق التكليف يوجب إجمال اللّفظ و سقوطه عن الاعتبار لأن ظواهر الألفاظ إنّما يسلم ظهورها أو اعتبارها مع عدم احتفافها بما يوجب إجمالها من الألفاظ الموجودة في الكلام خصوصا ما كان من قبيل ما نحن فيه فلا مجال للتعلّق بظهور الأمر فيما يترتب عليه وجوب الإطاعة مع الشكّ في قابلية المأمور به بخلاف ما إذا أحرزنا قابليته لذلك و كان الشكّ في استعماله في صرف الإرشاد فإنّ ظهوره حينئذ حجّة حاكمة على أصالة البراءة و أنت إذا عرفت ما قلنا في معنى الإرشاد عرفت أنّ الوجه الأوّل أوجه لأنّ اقتضاء الأمر لوجوب الإطاعة ليس مستندا إلى ظهوره الوضعي لعدم منافات كونه للإرشاد لما يقتضيه الوضع اللّغوي فهو ساكت عن تعيين الدّاعي و الجهة فيلزم البناء على الإجمال و الرّجوع إلى البراءة للشّكّ في التكليف خصوصا في الصّورة الأولى للشكّ في قابلية المحلّ أيضا و ما ذكر في التفصيل إنّما يتجه إذا قلنا بأنّ الأمر الإرشادي مستعمل في غير الوجوب و قد عرفت ضعفه نعم لو كان الإرشاد المحتمل إرشادا ندبيّا تعين الحمل على التكليف الوجوبي على القول بكون الأمر حقيقة في الوجوب (و من فروع ذلك) ما ورد في الشرع من الأمر بالاحتياط لأنّ المراد بالاحتياط المأمور به إن كان هو الاحتياط في مواضع وجوب الإطاعة عقلا كالشّبهة المحصورة و نظائرها تعين كون الأمر للإرشاد المحض لأنّ الاحتياط في موارد وجوبه داخل تحت الإطاعة الواجبة و إن كان المراد به الاحتياط في موارد عدم وجوبه عقلا تعيّن أن يكون تكليفا مطلوبا فيه الإطاعة و إن كان المراد الأعم كان الأمر أيضا للأعم ثم لو فرضنا إحراز القابلية بأن حملناه على الاحتياط الغير الواجب عقلا جمعا بينها و بين الأدلّة النّافية للاحتياط مطلقا دخل تحت الصّورة الثانية لأنّ الاحتياط فيما لا يجب فيه الإطاعة مستحبّ عقلي فيحتمل أن يكون مصبّ تلك الأوامر مصبّ الحكم العقلي فتكون إرشادية على وجه النّدب و يحتمل أن يكون المقصود به إيجاب الاحتياط كما يقوله الأخباريّون فلا بدّ من التأمل في أنّ الأصل في الأمر ما ذا و منه ما ورد في أدلّة السّنن من حديث من بلغه لدورانه بين كونه مشرعا أو محمولا على الإرشاد كما تقرّر في محلّه و ربما يقال إنّ ظاهر الطّلب اقتضاء المطلوب من المطلوب منه فيترتب على مخالفته المعصية إلا إذا علم من الخارج أنّ المقصود غيره كالابتلاء و الامتحان و لذا لا يحسن من العبد التّأمّل و التوقف في الامتثال باحتمال كون الدّاعي إليه شيئا آخر غير الفعل و يدفعه أن الأمر كذلك في غير ما إذا احتمل كون الدّاعي الإرشاد و أمّا عند احتماله فلا لأنّ المقصود من الأمر الإرشادي أيضا حصول المأمور به و إنّما الاختلاف في الأغراض المتعلّقة بالفعل فإنّه قد يكون راجعا إلى الأمر و قد يكون راجعا إلى المأمور فتأمل و فرق بين الشكّ في دواعي الطّلب و دواعي المطلوب فإنّ الأصل في الأوّل البناء على كون الدّاعي حصول المطلوب بخلاف الثاني فإنّه لا أصل هناك كما يظهر بالتأمّل و لعلّ بعض الكلام في هذا المقام يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى و ممّا ذكرنا ظهر أنّ جعل الاحتياط و قاعدة الاشتغال عن الأصول الشّرعيّة نظير البراءة و الاستصحاب و نظائرها كما في كلام غير واحد مبني على عدم تنقيح معنى الإرشاد و عدم تمييز مواردها في الاستعمالات
تحقيق الأصول، ج2، ص: 378
أخبار «فضل العالم على العابد» «1».
لكنّ الوجه الثالث- من الوجوه المتقدّمة- يمنعنا عن القول بالوجوب النفسي.
أقول:
ما هو الدليل على بطلان ثبوت المؤاخذتين و استحقاق العقابين؟
الظاهر: أنْ لا دليل على البطلان لا عقلًا و لا نقلًا، بل إنّ العقل و الاعتبار يساعدان على التعدّد، و يبقى التسالم بين الفقهاء فقط، فتأمّل.
الوجوب الغيري
إنْ كان العلم مقدّمة وجوديّة لحصول ذي المقدّمة، أمكن القول بوجوب التعلّم وجوباً غيريّاً، لكنّ العلم ليس مقدّمة وجوديّة، بل هو مقدّمة علميّة لذي المقدّمة، و هذا ظاهر الأخبار، فلا يمكن الالتزام بالوجوب الغيري الشرعي.
بين الوجوب الارشادي و الطريقي؟
فيدور الأمر بين الوجوب الإرشادي و الوجوب الطريقي؟
قال في (المحاضرات) «2»: أمّا الوجوب الإرشادي بأنْ يكون ما دلَّ عليه من الكتاب و السنّة إرشاداً إلى ما استقلّ به العقل من وجوب تعلّم الأحكام ...
فيرد عليه: إنه لو كان وجوبه إرشاديّاً، لم يكن مانع من جريان البراءة الشرعيّة في الشبهات الحكميّة قبل الفحص، و ذلك: لأن المقتضي له- و هو إطلاق أدلّتها- موجود على الفرض، و عمدة المانع عنه إنّما هي وجود تلك الأدلّة،
__________________________________________________
(1) الكافي 1/ 33، 34.
(2) محاضرات في أصول الفقه 2/ 376.
تحقيق الأصول، ج2، ص: 379
و المفروض أنها على هذا التفسير حالها حال حكم العقل، فهي غير صالحة للمانعيّة، فإن موضوعها يرتفع عند جريانها، كحكم العقل.
فالنتيجة: إنه يتعيّن الاحتمال الأخير، و هو كون وجوب التعلّم وجوباً طريقيّاً، و يترتّب عليه تنجيز الواقع عند الإصابة، لأنه أثر الوجوب الطريقي، كما هو شأن وجوب الاحتياط و وجوب العمل بالأمارات، و ما شاكل ذلك، وعليه، فتكون هذه الأدلّة مانعةً عن جريان البراءة فيها قبل الفحص، و توجب تقييد إطلاق أدلّتها بما بعده.
و حاصل هذا الإشكال: إنه إذا لم يكن وجوب التعلّم شرعيّاً، و الأوامر تحمل على الإرشاد إلى حكم العقل، فلازمه إمكان جريان البراءة الشرعيّة في موارد احتمال الابتلاء بالحكم، لأنه إذا كان الأمر إرشاديّاً كان وزانه وزان حكم العقل، و حكم العقل يزول مع ترخيص الشارع، و أدلّة البراءة الشرعيّة مرخّصة، فالأخبار الواردة في التعلّم كذلك لا تدلّ على الوجوب، لحديث الرفع و نحوه من أدلّة البراءة.
تشريح الأصول، ص: 107
استحالة صدور الامر الإرشادى المجرد عن الوعد و الوعيد من الشارع
و كيف كان خلق الاوامر الشرعيّة عن تعهد الاجر و لو اخرويا محال بعد فرض كونها تابعة لمصالح العباد و كون الاجر مقدورا و كونه مصلحة للعباد باعتبار كونه مقدّمة لحصول المصالح الذاتية و بعد فرض عدم معقوليّته مزاحم للاجر من المفسدة الراجعة الى العباد و وجه محاليّته الخلو عن الاجر واضح لكونه امّا ترجيحا بلا رجحان او ترجيحا للمرجوح على الراجح و الاول محال مطلقا و الثانى محال فى حقه تعالى فصيرورة الاوامر مثل امر الطبيب من حيث عدم اشتماله على الوعد محال لما ذكرنا من استلزام ذلك لترجيح المرجوح على الراجح و الحاصل ان صدور الامر الارشادى المجرد عن الوعد و الوعيد ( (1) و لا مزاحم له الا كون جعله مرغبا للمكلف فى فعل المامور به و المفروض كون هذه ايضا مصلحة فلا مفسدة فى الامر الاخروى)
تشريح الأصول، ص: 108
كليهما يستحيل من الشارع و قوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ* ليس ايضا ارشاديا محضا بل هو تشريعى مشتمل على الوعد فقط فى اطاعة المندوبات و المكروهات و على الوعد و الوعيد فى اطاعة الواجبات و المحرمات و اما وجه ذلك مع عدم معقوليّته وجوب الاطاعة شرعا مع وجوبها عقلا و عدم ملازمة بين وجوبها العقلى و بين وجوبها الشرعى لكون وجوبها الشرعى لغوا و لا فائدة فيه من حيث اقتضاء حصول المامور به فان الامر الاصلى الذى هو محقق لموضوع الاطاعة يكفى لحصول المامور به مضافا الى ان صحة الامر بها يستلزم التسلسل و مرجع هذا الى تخصيص لقاعدة الملازمة فهو ان الامر بالاطاعة يدور امره بين تعلّق وجوبه بعنوان الاطاعة و كون المامور به الاولى واقعا بعنوان الاطاعة فيكون فى طول الامر الاولى و بين تعلّقه بذات المامور به الاولى على ان يكون هذا فى عرض الامر الاولى و يكون المراد مصداقات الاطاعة و الامر بالاطاعة انما يكون باعتبار كونها عنوانا اجماليّا لامور هى المامورة لهذا الامر و بين كون هذا الامر بالاطاعة مؤكدا لتلك الاوامر الاوليّة و المطلب المدلول عليه بالامر بالاطاعة و بتلك الاوامر متحدة غاية ما فى الباب ان تلك الاوامر متعلقها المقصود بالاصالة مذكور مبيّن بالتفصيل و فى هذا الامر بالاطاعة مبيّن بعنوانه الثانوى الانتزاعى و بعبارة اخرى هذا الامر تكرار طلب للامورات التى تعلّق بها الطلب بتلك الاوامر الاوليّة فيدور امر هذا الامر بالاطاعة بين امور ثلاثة او لانّ منها طلب غير معقول و محال اما اوّلهما فلوجهين الاول فلما مر من ان الطلب يتعلق بالفرد الحاصل بداعى الامر و الطّلب فالمأمور به متحقق بارادتين ارادة الامر و هو متعلق بعنوان المامور به اصلا و عنوانه مراد اصلى للامر و ارادة المكلف و هو متعلق بعنوان المامور به و ذاته تبعا و ان عنوانه الاصلى المراد هو كونه مطلوبا و مامورا فارادة المامور انما هى بطول ارادة الامر و لا يعقل طلب الفعل منه بحيث يفعل بعنوانه المتعلق به الطلب لان الغرض من الطلب و فعلية الارادة هو جعله داعيا و كونه داعيا ينافى ايجاد الفعل بعنوانه الاصلى فان الداعى ليس الّا العنوان المقصود بالمقصود و ايجاد الفعل نظرا الى عنوانه هو جعل عنوانه داعيا و كونه مقصودا بالاصالة و لا يمكن تعلق الارادة بشيء بعنوانين كل واحد منهما مقصود منه بالاصالة لاستلزامه للارادتين فى فعل واحد و هو مستلزم لتوارد العلتين فى معلول واحد و الحاصل تعلق مطلق الطلب بالمامور به بحيث يكون داعى المكلف و مقصوده الاصلى هو نفس عنوان المامور به بل تعلقه به انما هو بحيث يكون المراد الاصلى وقوعه بعنوان كونه مامورا به فتعلق ارادة المكلّف به تبعى و معنى تبعيّته فى الارادة ان الارادة الاصليّة موجدة له تبعا للمراد الاصلى إلّا انه يحتاج الى ارادة اخرى و اما محالية ثانيهما فلكونه من اجتماع الطلبين الالزاميّين فى فعل واحد و هو محال لكونه من قبيل توارد العلتين فى معلول واحد فان فعلية الطلب فى نظر الامر علة لحصول المامور به فيتعين بعد بطلان الاولين و احتمالات الامر بالاطاعة فى الامور الثلاثة اعنى فى المعانى الثلاثة الاحتمال الثالث و هو كونه مؤكدا للاوامر الاوليّة فحمله على طلب ارشادى لا وجه له بعد امكان حمله على الطلب التشريعى الذى هو الطلب على وجه المولويّة باصطلاحهم غاية ما فى الباب انه مؤكد لا مؤسّس و لا دليل على تعيين الثانى بعد الدوران بل ظهور لفظ الامر المؤكد
تشريح الأصول، ص: 109
ربما يعين كونه تاكيدا و كيف كان مع فرض تحقق المصلحة فى المامور به لا يعقل من الشارع صدور امر ارشادى متعلق به لعدم مانع من عموم ارادته بالوعد مع كونه مقدمة امرية فعلى ذلك لا فائدة فى التعرض للامر الارشادى الصّرف الصادر عن الاطباء الّا اظهار الفضلية و يكفى لنا التعرض له باشارة ما و هى ان الحق فيه انه مستعمل فى الطب و ان دلالته على كون المامور به ذى صلاح تبعيّة نظير الدلالة بالكناية و نظير الدلالة للاستلزامات العقليّة و تعلق القصد بانفهام المريض مصلحة ما امر الطبيب بشربه لا ينافى قصده لافهام طلبه المقيّد بعدم الوعد و الوعيد فانه يريد افهام الطلب من لفظ الامر و انفهام المريض المصلحة لكشف الطلب عنها نظير كشف الاوامر الشرعية عن المصالح و كونها اعلاما بها مع كون هذه الاوامر تشريعيّة بالقطعى و هذا اعنى كونها تشريعية كاشفة عن مصالح العباد مراد بعض اجلاء المتقدمين من انها ارشادية لا ان مراده الارشادية باصطلاح المتاخرين فانه يوجب لتوافقه مع الجماعة المعروفة بالمباحى المذهب الذين ينكرون للمعاد و يجعلون الآيات و الاخبار الدّالة على المعاد صورية لتهديد العباد خذلهم اللّه و لعنهم الى يوم القيمة
إن للأوامر الشرعية التى لها جهة إرشاد جهتين غير جهة الوعد و الوعيد
ثم انه يعلم مما ذكرنا ان للاوامر الشرعيّة التى لها جهة ارشادية جهة اطلاق فى المطلوب و جهة عموم فى الطلب غير جهة الوعد و الوعيد اعنى بتلك الجهة حصول المامور بداعى الصّلاح الذاتى الّذى يكشف عنه الطلب الذى منشئه صلاح العباد بعدم عود صلاح الى الامر تعالى شانه و هذه الجهة للاطلاق حاصلة فى الاوامر الاطبّاء ايضا و عموم هذا الطّلب الارشادى و اطلاقه ظاهر لان بيان هذا الطلب سبب و مقدمة لحصول العلم بصلاح المامور به بالواسطة هى و الملازمة و هذا العلم بالصّلاح ربما يصير سببا لحصول فرد من المامور به هو فرد متحقق بداعى هذا العلم فذاك البيان لهذا الطلب سبب لحصول هذا الفرد فالبيان فعلية لارادة فردين الحاصل بالعلم بالصّلاح الذاتى و بداعيه و الحاصل بالعلم بكونه مرادا للامر و بداعيه فانه صلاح آخر غير الصلاح الذاتى نعم هذا الاطلاق غير قابل للتقييد باحدهما لان اعمال اسباب تحقق شيء مع عدم ارادة حصول هذا الشيء محال لان ارادة الاسباب عين ارادة المسببات و بالعكس فمع ارادة احد من السّبب و المسبب خلوّ الآخر منها محال و لا ريب ان بيان ارادة فعل الغير و طلبه مع وضوح كونه صلاحا لهذا الغير يكون سببا لتحقق هذا الفعل تارة بداعى صلاحه الذاتى كما هو الغالب فى اطاعة الطبيب و قد يتفق من المريض اطاعته لا بداعى الصلاح بل بداعى نفس اطاعته و كون اوامر الاطباء خالية من الطلب بل هى مستعملة فى كون المامور به ذى صلاح فهى اخبار عنه لا انه مستعمل فى الطّلب كلام ليس بناؤه على التامّل لانه لا شبهة فى ان غرض الطبيب من قوله للمريض اشرب الدّواء الفلانى هو شرب الدواء غاية الكلام يعلم بانّه يشربه للعلم بالصّلاح الذاتى لكن ارادة الشرب متحققة عن الطبيب و ببيان هذه الارادة يعلم المريض صلاح شرب الدّواء فانه يعلم ان ارادة الطبيب يشرب الدواء ليس الّا للشفاء و كون الدواء دافعا للمرض فبيان ارادته سبب للعلم بصلاح الشرب و ليس الطلب الّا بيان هذه الارادة الذى هو مقدّمة للغرض المذكور بل لو بين الطبيب صلاح الشرب للمريض بلسان الجملة الخبريّة مع كون الغرض من هذا البيان بشرب الدواء فهو طلب و الخبر مستعمل فى
تشريح الأصول، ص: 110
الإنشاء و كيف كان قد تحقق ان تعهد الاجر بالعقاب من مقدمات حصول المامور به من المكلف و احتمل وقوعهما من الامر و اطلاق مادة الامر و هى المامور به بالنسبة الى الافراد المختلفة من حيث الدّواعى الّتى من جملتها ترتب الاجر و دفع العقاب مستلزم لتحقق التعهدين المذكورين فظهور المادة فى الاطلاق يكشف عن تحققهما فالامر مبيّن لهما بواسطة ظهورها فى الاطلاق المستلزم لهما فكل واحد منهما مدلول عليه بالامر ضمنا (1) و بيان التعهدين عين الوعد و الوعيد فلو اطاع العبد يثاب عوضا عن فعله المتعهد عليه بالثواب فالتعهد به سبب لقربته على الفعل فسببيّة الفعل له انما هى بالتعهد و لو عصى يعاقب على الترك بسوء اختياره يعنى انّه يختار وقوع العقاب عليه و هو اختيار سوء منه فيترك على حاله من وقوعه فى العقاب المختار منه فيعاقب نعم ترتّب العقاب على ترك فعله انما هو من التعهّد الحاصل من الامر قبل الفعل و الحاصل ان وقوع المكلف فى العذاب و ان كان باختيار الامر و ان الامر يعاقبه باختياره الّا ان العذاب و العقاب استناد قبحه انما هو الى المكلف العاصى لاختياره بنفسه ورود العذاب و العقاب عليه لان اختياره للعذاب هو السّبب القريب و ارادة لوقوعه فى العذاب و اما اختيار الامر لعذاب المامور فهو سبب بعيد لورود المكلّف فى العذاب و ارادة لادراك المكلف صلاح الفعل الّذى ترتب على تركه العقاب و هذه الارادة ارادة خير فاختيار المكلف لترك الفعل المنجز الى العقاب اختيار سوء و ترجيح للمرجوح على الرّاجح و اما اختيار الامر لهذا العقاب و ترتّبه على الفعل لطف و مقرب للعبد فى ادراكه صلاح الفعل فهو احسان اليه و اختيار حسن و ترجيح للراجح و بعبارة اخرى ترتب العقاب على ترك فعل العبد ايذاء اختياره قبيح الّا لضرورة و صيرورته من قبيل دفع الأفسد بالفاسد و لا فرق فى قبح اختياره بدون الضرورة و حسنة معها بين تحقق اختياره من الشخص الواقع فى العقاب او من غيره و لا ريب ان ترتب العقاب على فعل المكلف بثلاثة اختيارات اثنان منها متحققان عن الشيء و تعددهما اعتبارى احدهما تعهد الش لترتب العقاب على فعل العبد و العزم عليه قبل زمان الترك فانه اختيار للترتب على تقدير الترك و الآخر اختيار الش بعد وقوع الترك الفعليّة العذاب و ترتيبه العقاب على الترك بعد مجيء زمانه و بعد تحققه و هذا الاختيار عين الاختيار الاول فان هذا الزمان الاخير انّما هو زمان تنجزه و نجحه و نفوذه و المتعلق لها امر واحد و تغايرهما اعتبارى و انما هو بتغايره من حيث الفعليّة و عدمها و اما الثالث فهو اختيار العبد للترك الملازم للعقاب بواسطة اختيار الش لترتّبه فان اختيار العبد للترك بعد علمه بترتّب العقاب على هذا الترك و لا يمكنه الفرار عنه اختيار للازم و هو ترتب العقاب و وقوعه فيه ثم لا ريب و لا اشكال اختياره لنفسه بعد عدم امكان فراره من العقاب و لو كان العقاب على فرض المحال ظلما و قبيحا من الامر و فهذا يقبح للمكره بالفتح ترك ما اكره عليه و يحسن له فعله و اما تعهد الامر لترتيب العقاب على ترك فعل المكلف اعنى اختياره له اولا و عرفه على ذلك فحسنه منوط على ان يكون هذا العزم و استلزام الترك للعقاب احسانا فى نظر الامر بالنسبة الى المامور باعتبار صيرورته سببا لردع المامور به عن تناول الترك المفسد بالذات فتعهد العقاب ليس الّا احسانا فى نظر الامر فهو حسن و يكفى لحسنه قابليّة ترتب العقاب للرادعيّة و لو علم الامر اختيارا بانّ ( (1) و مبين به ضمنا)
تشريح الأصول، ص: 111
المامور يختار سوء الترك المفسد بفساده الذاتى الذى هو السّبب للطلب و بفساده العرضى الذى جعله فعلية الطلب اعنى ترتب العقاب و العلم بعدم ترتب الغرض على المقدمة مع انحصار صلاحها بكونها مقدّمة للغرض و لا يترتّب عليهما ذيهما لا يضرّ فى حسن الاقدام عليهما كما ذكرنا فى جواب الاشاعرة و كما اشار اليه المحقق الطّوسى قده فى الامامة من ان وجود الامام لطف و تصرّفه لطف آخر و عدمه منّا مع اعترافه قدس سرّه بكون وجوب نصب الامام عليه السّلام على اللّه تعالى جلّ شانه انما هو للارشاد و وجوب مقدمى و انّ اللّه تعالى عالم بعدم ترتب الغرض عليها و بعدم كون المقدّمة موصلة اليه فعلى ذلك اختيار الامر اوّلا و فى زمان الامر و هو تعهّده و عزمه على ترتب العقاب على الترك فى الاوامر الراجعة صلاحها الى المامور و ان كان سببا لترتّب العقاب و ان الامر عالم باختيار المامور الترك و ينجر امره الى ترتب العقاب ليس ظلما بواسطة كون العقاب ايذاء فانه انما اختاره لضرورة المامور و دفعا للافسد منه و اما اختيار الامر لترتب العقاب يعد بالفاسد و ضرورة له فاختيار العقاب حين التعهّد احسان و لطف و حين اجرائه و فعليّته تبعيّة للعبد فى ما اختار و انفاذ لارادته ففى الحالتين الامر محسن بتعهّده للعقاب و اجرائه على العبد من حيث كونه ظلما مستند الى نفس العبد و انه ظالم على نفسه و انه اختار سوء العقاب على نفسه و هذا انما هو على ما اخترناه من مذهب العدليّة من كون العقاب و اجرائه من الامر انفاذ التعهّد و وعيده حين الطلب قبل تحقق المخالفة و امّا بناء على طريقة المائلين عن الصراط المستقيم من كون ترتب العقاب على نفس المخالفة تشهّيا من المولى الامر و كونه باختياره فليس العقاب على فرض اجرائه الّا ظلما بحتا و لغوا صرفا لعدم اضطرار الامر فى اجرائه و عدم فائدة له ابدا فضلا عن كونه ضروريّا لاجل دافعيّة للافسد فان الافسد و هو ترك الفعل قد وقع فيصير تاكيد الافسد بالفاسد لا دفعه به فصار اقبح من العقاب البدوى و لا يصدر هذا النحو من العقاب الّا تشفيا و ليس التشفى الا وظيفة الحيوانات و من يقرّبهم فى تبعيّة الهوى و طرح الجهة الحكميّة و ذلك كله غير وارد علينا ثم انه لو سلّمنا جواز العقاب على نفس المخالفة من حيث انها مخالفة فلا ريب فى كون العقاب محتملا عند المامور فلا يصير قبيحة لعدم الظنّ بترتب العقاب عليها فالامر يحتاج فى ارادته فعل الغير ارادة نافذة ملزمة موجبة لحصول الفعل الى الوعيد عليه حتى يصير الفعل لازما واجبا على الغير بواسطة ظنّه الضّرر او قطعه به و لو سلّمنا وجوب محتمل الضرر و قلنا بجواز العقاب على نفس المخالفة فلا ريب ايضا فى احتياج الامر فى تحصيل المامور به الى الوعد و الوعيد حتى يحصل للمامور الظن بالثواب و العقاب فانه مع الظنّ اشدّ اقداما من المحتمل فانه ربما لا يقدم الشخص على المحتمل و يقدم على المظنون بل و لو سلمنا حصول الظن بترتب الثواب و العقاب على الفعل و الترك بواسطة نفس الاطاعة و المخالفة فلا ريب ايضا فى احتياج الامر بعد تحقق الترك اعنى اختياره الفعلى فهو اختيار تبعى يعنى الفرض من ترتب العقاب و فعليّة العقاب حين العقاب انما هو كون المامور على حال و عدم منعه و ياسه مما اختاره من السّوء و من اختيار سوئه و بعبارة اخرى الامر يتبع المامور فى اختياره فانه يختار العقاب و ترتبه باختياره للترك المستلزم للعقاب و ان كان
تشريح الأصول، ص: 112
الاستلزام بواسطة جعل الامر و تعهده و اذا اختار المامور الترك و العقاب فيتبعه الامر و يجرى عليه العقاب تبعا له غير مانع عن تناوله للعقاب فالغرض الاصلى للامر عدم منعه من اختياره و مختاره و عدم جعله مقهورا فان عدم اجراء العقاب عليه بعد وضع الامر العقاب على ترك فعله الاختيارى و جعل العقاب و ترتّبه باختياره ثم عدم اجرائه بعد تحقق الترك ليس الّا جعل المامور مقهورا و كونه ممنوعا مما اختاره من العقاب و لا ريب فى ان مراعات المامور فى عدم قهره اولى من عدم عقابه و عدم ايذائه به و لا يلزم على اللّه تعالى القهر علينا بسبب اختيارنا اذا اردنا و اخترنا المضار الدنيويّة بل امّا يلزم عليه القهر علينا فى مخالفة الاحكام الاربعة التكليفيّة و سلب الاختيار عنّا فى مخالفتها و يلزم لغوية التكليف او قبح الاكتفاء به فى صورة اختيار العبد مخالفته و اما الالتزام بعدم الحسن و القبح و ان ارادته تعالى و اختياره لا يحتاج الى تحقق رجحان فيما اختاره على عدمه و الكل بديهى البطلان ثم يعلم ممّا ذكرنا ان ادعاء كون التوبة سببا للعفو و كون العفو بعدها حتميّا ادّعاء فى محلّه لان حسن العقاب انما لكونه مختارا للعبد و تبعيّة لاختياره و لا ريب فى كون النّدامة رافعة لاختيار العقاب و فى انها اختيار لعدم ترتب العقاب فترتيبه ايذاء من دون اختيار العبد فعلا اياه و كيف كان قد عرفت ان الوعد او الوعيد حين الامر صريحا او ضمنا لطف و مقرب من الشارع و فعلية لارادة المامور به و تمهيد مقدمات له و مقدمة امريّة و يلزم احدهما او كليهما على الشارع بحكم قاعدة الملازمة و عرفت ايضا ان ليس للطلب مراتب بالنسبة الى ذات الارادة بل مراتبها انما هى مراتب للفعليّة اعنى الوعد و الوعيد و انفاذ وفاء لهما اعنى كون ترنا عدمها جمعا او عدم احدهما و عرفت ايضا ان فعلية الثواب و العقاب و ترتبها انجاز للوعد و الوعيد و انفاذ و وفاء لهما اعنى كون ترتب الش الثواب و العقاب على الفعل و الترك وفاء لتعهدهما عليهما هذا
قواعد الفقيه، ص: 32
ظاهرتان في الملك، نعم قد تقترن اللام بما يصرفها عن افادة الملك كما لو اقترنت بلفظ (يحل) أو (يجوز) و نحوهما و مثلها الاضافة، كما أنه قد يعرف الحق بدليل (الإن) كما لو كان مما يقبل الاسقاط أو النقل.
الثالث: في الأصل العملي عند الشك في كون الشيء حقا أو حكما، و نتيجته نتيجة الحكم لاصالة الفساد.
الرابع: في أنه هل هناك ملازمة بين سقوط الحق بالاسقاط، و بين جواز المعاوضة عليه، و بين نقله مجانا، و بين انتقاله بالإرث احتمالات. و لا ريب أن ثبوت أي واحد منها يكشف ب (الإن) أن متعلقها من الحقوق، و متى ثبت ذلك، ثبت سقوطه بالاسقاط لكونه من لوازمه التي لا تنفك عنه، و لا ينبغي أن يقال: إنه من ذاتياته، لما بينها من الطولية، فإن السقوط بالاسقاط بمنزلة حكم من احكام الحق و أثر من آثاره. كما أنه ربما يقال: إنه كلما ثبت كون الشيء حقا ثبت انتقاله بالإرث لقوله (ص) ما ترك الميت من حق فهو لوارثه.
فدعوى عدم انتقال بعض الحقوق بالإرث مفتقرة إلى الدليل، كما أن نقلها مفتقر إلى احراز قابلية المحل حتى يمكن أن تؤثر فيه النواقل، إلا أن المرجع في احراز القابلية إلى العقلاء، بمقتضى الاطلاقات المقامية، فإن كان مما يتمول بنظرهم و يتنافس عليه العقلاء كان مما يقبله «1».
11- قاعدة في بيان الفرق بين الأمر المولوي و الارشادي
الفرق بين الأمر و النهي المولويين و الارشاديين، أن المولويين يقصد منهما البعث و الزجر عن متعلقهما، و هما يقتضيان وجود المصلحة و المفسدة في المتعلق بناء على تبعية الاحكام للمصالح و المفاسد.
و أما الارشاديان فإنه يقصد منهما الحكاية عن المصلحة و المفسدة لا غير، و قد يترتب على ذلك البعث و الزجر.
__________________________________________________
(1) هذا مجمل ما بسطناه في كتابنا (مكاسب الفقيه).
قواعد الفقيه، ص: 33
غاية الأمر أن الانبعاث و الانزجار في المولويين يكونان معلولين لنفس الأمر و النهي، فإنه يجب على العبد أن ينبعث أو ينزجر بحكم العقل، و أن لم يعتقد بوجود المصلحة و المفسدة فيهما، و ذلك لاستقلال العقل بوجوب اطاعة المولى، فرارا من العقوبة على تقدير المخالفة.
و أما في الارشاديين فإنهما يكونان معلولين للعلم بالمصلحة و المفسدة، فأمر المولى عبده و نهيه يكون مولويا، لأنه بنفسه يصلح للبعث و الزجر، لكن أمر الطبيب للملك و نهيه، و هو أحد رعاياه، بتناول شيء و ترك آخر، لا يصلح للبعث و الزجر لأنه محكوم للملك، و المحكوم لا يعاقب الحاكم، مضافا إلى أن الأمر و النهي المولويين يكونان موضوعين للارشاديين كما في اوامر الاطاعة، و لا عكس و بذلك يتضح أن الأمر الارشادي لا يستوجب الثواب و العقاب، بخلاف الأمر المولوي.
ثم أن الأمر بطبعه ظاهر في المولوية إلى أن تقوم قرينة على أنه ارشادي، فإنه حينئذ يحمل عليه، و القرينة قد تكون مقامية، كما هو الحال بالنسبة للطبيب و الملك، و قد تكون عقلية كما في أوامر الإطاعة، و قد تكون بنحو آخر، و سيتضح هذا في القاعدة الآتية.
12- قاعدة في بيان موارد الأمر الارشادي و انواعه
الأوامر الارشادية على انحاء اربعة حسبما نستحضره فعلا
الأول: أوامر الإطاعة، و لا يعقل كونها مولوية للزوم التسلسل، و لا يمكن أخذها في المأمور به الشرعي للزوم الدور، و من هذا القسم الأوامر الواردة بالايمان باصول الدين الأولية كالإيمان باللّه تعالى و رسوله (ص).
الثاني: الأوامر الواردة في بيان أجزاء الماهيات المخترعة، كالأوامر و النواهي المتعلقة في الصلاة، فإنها إرشاد إلى الشرطية و الجزئية و المانعية، و لها ظهور ثانوي في ذلك، و لا مانع عقلا من إرادة غيره.
قواعد الفقيه، ص: 34
الثالث: الأوامر المتعلقة في باب النجاسات و أسباب الحدث، كقوله:
مثلا اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه، و إذا احدثت فتوضأ، فإنها إرشاد إلى الحكم الوضعي في الأول (اعني النجاسة)، و إلى السببية في الثاني (اعني سببية الحدث و الوضوء).
الرابع: أوامر المسارعة و المسابقة إلى المغفرة و الخيرات، كقوله تعالى: وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ .. و كقوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ* ... فإن استقلال العقل بحسن المسارعة و الاستباق قرينة على حمل الامر فيهما على الارشاد إلى حكم العقل.
معدن الفوائد و مخزن الفرائد ( مبانى الأصول و ... )، المقالاتاللطيفة، ص: 226
الاخبار و هذا رابع وجوه النظر التى قدّمنا الاشارة اليها و بدفعه يندفع الثمرة التى رتّب على تقسيم ادراك العقل بالكاشفية و الحكومة و ما اختاره فى نتيجة دليل الانسداد من حيث افادة التّعميم و الاهمال من انه من قبيل الحكومة خاصّة و باندفاعها يندفع جميع الامور التى رتّب على ذاك الامر السّاقط عن الاعتبار
[فيه أنّ الأمر الإرشادي فيه طلبٌ]
و خامسها انّ ما مثّل به فى المقام من الاطاعة و المعصية ليس فى محلّه و ما علّله به من انّ الخطابات الواردة فيهما محمولة على الارشاد و الامر و النّهى الارشاديان لا يترتب عليهما شيء سوى ما يترتّب على نفس المامور به و المنهىّ عنه من حيث الامتثال و عدمه ساقط من اصله بيانه انّ كل صيغة من صيغ الامر و النّهى حقيقة فى مطلق الطلب فصيغة الامر حقيقة فى طلب الفعل و صيغة النهى حقيقة فى طلب ترك الفعل و كلّما استعملت احدى تلك الصّيغ مجرّدة عن قرينة المجاز تكون مستعملة فى معناها الحقيقى وامّا كون طلب الفعل مانعا عن النقيض ليكون دالّا على الايجاب و لا يكون كذلك مع دلالته على رجحانه ليكون مقتضيا للاستحباب او لا يكون دالّا على الرّجحان اصلا ليكون دالّا على الاباحة او غير ذلك من الاوصاف المطلوبة فى طلب الفعل و مثلها ما يكون مطلوبا فى طلب التّرك من هذه الامور فشيء منها ليس ملحوظا فى حقيقة هذه الصّيغ على ما هو التحقيق الذى بالاتباع حقيق فانّ مفاد تلك الصّيغ هو الطلب القدر المشترك بين هذه الامور من غير تقيده بشيء منها نعم يكون الطلب المجرّد عن القرائن الخارجة منصرفا الى الوجوب بمعنى اللّزوم لا بمعنى الوجوب الشّرعى و هو امر آخر ثم ما وقع فى كلمات كثير من عدّ جملة من المعانى من معانى هذه الصّيغة فى مقابل الطلب من الارشاد و التعجين و الانذار و التّهديد و التهكم و التّمنى و الترجّى و التوطين و غيرها ليس شيء منها خارجا عن انشاء الطلب لا على وجه الحقيقة و لا على وجه المجاز بل جميع هذه الامور فى الموارد و توهّم استعمال الصّيغة فيها من قبيل الدّواعى على الطلب و الدّاعى على الطّلب غير نفس الطلب و الطلب فى كلّها موجود بل لو فرض فيها عدم الطلب لما صحّ ترتّب
معدن الفوائد و مخزن الفرائد ( مبانى الأصول و ... )، المقالاتاللطيفة، ص: 227
تلك الامور على مراد المتكلم فانّها تترتّب على الطلب و بواسطة الطلب و الخلط بين الداعى على الشّىء و نفس الشّىء من الاوهام الردّية التى قد وقع بين ضعفاء القوم من القديم الى هذه الاعصار المتاخّرة و انتشر بين العامّة و الخاصّة على وجه سرى وهمه الى بعض المحقّقين منهم ايضا و من جملة هذا الاشباه ما وقع فى هذا المقام من جملة من الاعلام كما نبّه عليه بعض «1» المحقّقين من مشايخنا المعاصرين و حيث اتضح ذاك الامر فنقول انّ ما ذكره ذاك المحقق فى هذا المقام و فى غير واحد من نظيره فى اصوله و فقهه من انّ الامر الارشادى فى مقابل الامر التعبدى التكليفى و رتّب على هذا كثيرا من الاحكام لا يساعده دليل يصحّ الرّكون اليه فانّ الارشاد فى جميع هذه الموارد من جملة الدّواعى على الطلب و البواعث على الامر لا ان يكون مقصودا فى الامر بل لا يتحقق الارشاد الّا بارادة الخبر من الصّيغة دون الانشاء فانّ قول الطّبيب اشرب الدّواء الفلانى انشاء و ظاهر فى الطّلب و مستعمل فيه و ليس اخبارا و مستعملا فى المعنى الخبرى الّذى هو انّ ذاك الدّواء نافع بل ارادة الخبر خاصّة من هذا الاستعمال فى غاية الاستهجان و استعمال اللّفظ فى المعنيين اوضح فسادا منه و لو فرض فيها استفادة ذاك الخبر من ذاك اللّفظ المستعمل فى الانشاء فليس مدلولا لذاك اللّفظ و لا لو مرادا منه و غاية الامر ان يكون مرادا فى اللّفظ و اين هذا من المراد من اللفظ فالامر الارشادى قسم من الامر التكليفى المستعمل فى الطلب بداعى الارشاد و مثله لا يتعقبه مؤاخذة من الامر و لا استحقاق عقاب منه فى مخالفته و الوجه فى عدم ترتّب هذين على مخالفته هو عدم كون الدّاعى صرف وقوع التعبّد به ممّن يجب اطاعته عقلا او شرعا كاكثر الاوامر الواردة فى العبادات الشرعية و لعلّ الذى اوقع القائل بمغايرة الارشادى للتعبدى التكليفى خصوص هذا الوجه حيث وجد الارشادى ممّا لا يترتّب على تركه احد هذين و انت خبير بانّ هذين انّما يترتّبان على الامر التعبدى الذى يكون الداعى عليه محض الامتثال فى صورة كونه صادرا ممّن يجب اطاعته عقلا او شرعا و ليسا
__________________________________________________
(1) هو الامير سيد حسن المدرّس الاصفهانى ره منه دام ظله
معدن الفوائد و مخزن الفرائد ( مبانى الأصول و ... )، المقالاتاللطيفة، ص: 228
من لوازم غيره و ان كان ذاك الغير ايضا مطلوبا و لعلّ نظره الى وجه آخر ايضا حيث وجد مخالفة الامر الارشادى غير موجبة لتعدّد العقاب من المولى الذى يجب اطاعته كما اشار اليه فى العبارة المحكية عنه
[فيه أن الأمر بالطاعة ليس إرشاديا]
ثمّ ان عدّه الامر بالاطاعة فى الآية و غيرها من قبيل الامر الارشادى و عدم كونه من التكليفى بالنظر الى ذاك الوجه الاخير بعد فرض كون الداعى عليه الارشاد دون التاكيد الذى هو داع آخر وراءه ممّا ليس وجهه وجيها بوجهين احدهما انّ هذا الوجه خلاف ما يظهر من قرينة المقام و سياق مورد ذاك الخطاب فانّ الظاهر انّه تاكيد عام لجميع التكاليف و لا فرق بين هذه الآية و نظائرها و بين التأكيدات الواردة فى الموارد الجزئية المخصوصة فانّه لا فرق بين تكرار الشارع جملة اقيموا الصّلاة مثلا على وجه التاكيد و بين قوله اطيعوا اللّه فى الصّلاة مخصوصا او فى ضمن العموم و لا يخفى انّ التاكيد لا يترتّب على مخالفته استحقاق عقاب على وجه الاستقلال الّا انه من جهة كشفه عن شدّة الاهتمام بالامر المؤكد فيه يستلزم مخالفته زيادة العقاب من حيث الكيفية و ان كانت الزيادة فى كيفية العقاب المترتّب على مخالفة الشىء المؤكد فيه كما انّ اتباع الامر المؤكد فيه يستدعى زيادة الثّواب فى الكيفية و بهذا يفترق الامر التأكيدى عن الامر الارشادى المحض و ثانيهما انّ كون الدّاعى محض الارشاد لا ينافى القبح الذى يترتّب على مخالفة ما هو مراد المولى و بعبارة اخرى محض مخالفة العبد للمولى من اقبح القبائح و ان لم يكن الامر صادرا لداعى الامتثال المستقلّ لانّ المولى طالب لحصول ما هو مصلحة للعبد و عدم تحقق ما هو مفسدة له و هذا الامر بالنظر الى شدّة لطف اللّه تعالى بعباده اشدّ و اقوى فكيف لا يقبح مخالفة العبد لمولاه و ان كان فى امر يرجع الى العبد بل مرجع جميع التكاليف الالهية الى ذلك فانّ اللّه تعالى غنىّ عن عبادات العباد و المقصود فى جميعها تكميل العباد و ارشادهم الى وجوه التكميل و قس عليه نهيه و تعالى اياهم عن المعاصى فانه ايضا لدفع الشرّ عنهم و امّا الجواب عن الثانى الذى يكون مبناه عدم قابلية الصحّة و الفساد للجعل فقد اتّضح جوابه فى ضمن ذاك التفصيل الذى مرّ ذكره فى الجواب عن الاوّل فلا نعيد الكلام
معدن الفوائد و مخزن الفرائد ( مبانى الأصول و ... )، المقالات اللطيفة، ص: 229
فيه