بسم الله الرحمن الرحیم

نجاسة المیت

فهرست علوم
فهرست فقه
تنجیس النجس و المتنجس



الخلاف، ج 1، ص 700

مسألة 488: الميت نجس. و للشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه، و به قال الأوزاعي و أبو العباس من أصحابه، و هو مذهب أبي حنيفة . و الثاني: انه طاهر، و به قال أبو إسحاق و أبو بكر الصيرفي من أصحابه . دليلنا: إجماع الفرقة.

 

 

المعتبر، ج 1، ص 348-349

مسئلة: قال في الخلاف: الميت نجس، و به قال أبو حنيفة، و للشافعي قولان و استدل الشيخ بإجماع الفرقة. و قال علم الهدى في شرح الرسالة: الميت من الناس نجس العين و يطهره الغسل. لنا انه حيوان له نفس سائلة فينجس بالموت، و يؤيد ذلك ما روي أن زنجيا مات في زمزم فأمر عبد اللّه بن عباس أن ينزح جميع مائها، و لان هذا في خلافة ابن الزبير و لم ينكر ذلك أحد.  و من طريق الأصحاب ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل يصيب ثوبه جسد الميت‌؟ فقال: «يغسل ما أصاب الثوب» . و ما رواه الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يضع ثوبه على جسد الميت قال: «ان كان الميت غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه» . لا يقال لو نجس لما طهر بالغسل‌؟ لأنا نمنع الملازمة فإن قال بالقياس على الميتات و العذرة النجسة طالبناه بوجه التسوية فإن أحكام النجاسات مختلفة و التطهير و التنجيس لا يستمران على القياس ثمَّ‌ يفرق بين المسلم و غيره من الميتات باختصاصه بالانتقال الى جوار ربه فيشرع في حقه التطيهر بالغسل إكراما و رفعا عن بقائه على النجاسة، و نجاسة الميت نجاسة عينية لكنها تزول بالغسل. اما انها عينية فلكونها تتعدى الى ما يلاقيها، و قد دل على ذلك رواية إبراهيم بن ميمون التي سلفت. و أما زوالها بالغسل فعليه إجماع أهل العلم.

 

 

کشف الالتباس عن موجز ابی العباس للصیمری، ص 320-324

[تحقيق حول أنّ‌ نجاسة الميّت هل هي عينيّة أو حكميّة‌؟] تنبيه: اعلم أنّ‌ نجاسة الميّت أشكل مسألة في الشرع، و لقد خبط فيها علماء السنّة و الشيعة خبط عشواء ، تارة يقولون: هي عينيّة و لا يحتاج غسلها إلى نيّة، و تارة يقولون: هي حكميّة و يحتاج غسلها إلى نيّة، و تارة يقولون: لا عينيّة و لا حكميّة بل هو طاهر، و يجب الغسل تعبّدا لا لنجاسة، و تارة يقولون: ينجس ملاقيه حارّا و باردا، رطبا و يابسا، و تارة يقولون: ينجس باردا لا حارّا، و رطبا لا يابسا، و لم يقف واحد منهم على قول من هذه الأقوال و لا جزم بشيء من غير تردّد و لا إشكال، بل لو جزم بشيء في باب أو كتاب نقضه في غير ذلك الباب أو غير ذلك الكتاب، و أنا أورد لك بعض أقوالهم ليظهر لك ما خفي عليك من أحوالهم، و ليكن ذلك في فصلين:

الأوّل: في أقوال السنّة: قال أبو حنيفة بنجاسة الميّت مثل قول أصحابنا. و للشافعي قولان: أحدهما: أنّه ينجس كقولنا و قول أبي حنيفة، و اختاره الأنماطي و أبو العباس من أصحابه. و الثاني: أنّه طاهر، و اختاره أبو إسحاق و أبو بكر الصيرفي من أصحابه . و القائل منهم بالطهارة يقول بوجوب الغسل تعبّدا لا لنجاسة. و اختلفوا في وجوب النيّة، فمن قال بوجوبها في الطهارة المائية - كالشافعي و غيره - له في هذه المسألة قولان: أحدهما: الوجوب، كغسل الجنابة، و الآخر: العدم، كإزالة النجاسة . و من قال بعدم وجوب النيّة في الطهارة المائية - كأبي حنيفة - فإنّه لا يوجب النيّة هنا بطريق أولى.

الثاني: في أقوال الشيعة:

و المشهور عندهم النجاسة، و لا أعرف قائلا منهم بالطهارة جزما، و إنّما اختلفوا في صفتها هل هي عينيّة أو حكميّة‌؟ و هل تتعدّى مع الحرارة و البرودة، و الرطوبة و اليبوسة، أو في حال البرودة دون الحرارة و حال الرطوبة دون اليوبسة‌؟ و قد تقدّم في تضاعيف هذا الشرح أكثر أقوالهم، و تقدّم في المسألة التي قبل هذا التنبيه ذكر بعض اختلافهم في التعدّي حال الحرارة و البرودة و اليبوسة و الرطوبة، فلا نعيده هنا. و لكن نذكر مزيد بحث يكشف عن حقيقة حالهم و عدم وقوفهم على شيء من أقوالهم. قال نجم الدين - رحمه اللّه - في أوّل باب غسل الأموات من كتاب (المعتبر): (الثاني: الغسل: الواجب) أمامه إزالة النجاسة عن بدنه، لأنّ‌ المراد تطهيره، و إذا وجب إزالة الحكميّة عنه، فوجوب إزالة العينيّة أولى، و لئلاّ ينجس ماء الغسل بملاقاتها . و هذا الكلام بعينه قاله العلاّمة في (التذكرة) و (النهاية) . فقد نصّ‌ نجم الدين في (المعتبر) و العلاّمة في (التذكرة) و (النهاية) على كون نجاسة الميّت حكميّة، بدليل قولهما: و إذا وجب إزالة الحكميّة عنه، فوجوب إزالة العينيّة أولى. و قولهما: و لئلاّ ينجس ماء الغسل بملاقاتها، و لا شكّ‌ أنّ‌ الماء ينجس بملاقاة العينيّة دون الحكميّة، و لو كانت نجاسة الميّت عينيّة، لنجس الماء بملاقاتها، و بطل التعليل بقولهما: و لئلاّ ينجس الماء بملاقاتها، لحصول نجاسته بملاقاة الميّت و إن زال غيرها من النجاسات العينيّة، فثبت من قولهما و تعليلهما كون النجاسة حكميّة. و قال ابن إدريس: إذا لاقى جسد الميّت إناء، وجب غسله، و لو لاقى ذلك الإناء مائعا، لم ينجس المائع، لأنّه لم يلاق جسد الميّت، و حمله على ذلك قياس، و الأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل، لأنّ‌ هذه نجاسات حكميّات و ليست عينيّات . فقد أفتى ابن إدريس بأنّ‌ نجاسات الأموات حكميّات و ليست عينيّات، و قد حكم أوّلا بكونها عينيّة، لحكمه بغسل ملاقي جسد الميّت و لا يجب غسله إلاّ من النجاسة العينيّة، ثم حكم بعد ذلك بعدم نجاسة المائع الملاقي لما أوجب غسله، لملاقاة جسد الميّت، قال: لأنّ‌ نجاسة الميّت حكميّة و ليست عينيّة. و هو رجوع عمّا قاله أوّلا. ثمّ‌ قال نجم الدين في آخر باب غسل الأموات من كتابه (المعتبر): نجاسة الميّت نجاسة عينيّة لكنّها تزول بالغسل، أمّا أنّها عينيّة: فلأنّها تتعدّى إلى ما يلاقيها، و أمّا زوالها بالغسل: فعليه إجماع أهل العلم . فقد رجع عمّا قاله في أوّل الباب من الكلام الدالّ‌ على كونها حكميّة. ثمّ‌ قال: و خبط بعض المتأخرين. ثمّ‌ حكى كلام ابن إدريس، ثمّ‌ قال: و الجواب عمّا ذكره أن نقول: لا نسلّم أنّ‌ الإناء النجس بملاقاة الميّت أو اليد اللامسة للميّت بعد برده لو لاقت مائعا، لم ينجس. قوله: لأنّ‌ الحكم بنجاسة المائع قياس على نجاسة ما لاقى الميّت. قلنا: هذا الكلام ركيك لا يصلح دليلا على دعواه، بل يصلح جوابا لمن يستدلّ‌ على نجاسة المائع الملاقي لليد بالقياس على نجاسة اليد الملاقية للمائع، لكنّ‌ أحدا لم يستدلّ‌ بذلك، بل نقول: لمّا أجمع الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميّت و أجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة، لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع لا بالقياس على نجاسة اليد، فإذا ما ذكره لا يصلح دليلا و لا جوابا. ثمّ‌ قال: اللّهم إلاّ أن يقول: إنّ‌ الميّت ليس بنجس، و إنّما يجب الغسل تعبّدا، كما هو مذهب الشافعي، لكن هذا مخالف لما ذكره الشيخ أبو جعفر رحمه اللّه، فإنّه ذكر أنّه نجس بإجماع الفرقة، و قد سلّم هذا المتأخّر نجاسته و نجاسة ما يلاقي بدنه. و لو قال: أنا أوجب غسل ما يلاقي بدنه و لا أحكم بنجاسة ذلك الملاقي، قلنا: فحينئذ يجوز استصحابه في الصلاة، و الطهارة به لو كان ماء.

ثمّ‌ يلزم أن يكون الماء الذي يغسل به الميّت طاهرا مطهّرا، و حينئذ يلزم أن تكون ملاقاته مؤثّرة في الثوب منعا و غسلا، و غير مؤثّرة في الماء القليل، و هو باطل . انتهى كلامه - رحمه اللّه - و تبعه العلاّمة في (التذكرة) . و فيه نظر من وجوه: الأوّل: في قوله: و نجاسة الميّت عينيّة، فإنّه مناقض لما قاله أوّلا من كونها حكميّة، لقوله: و إذا وجب إزالة الحكميّة فالعينيّة أولى. و استدلاله على كونها عينيّة بتعدّيها إلى الملاقي، لكون التعدّي من أحكام العينيّة، فهو منقوض بمخالفتها لها من سبعة وجوه: الأوّل: افتقارها إلى النيّة، بخلاف العينيّة. الثاني: افتقارها إلى الخليط، بخلاف العينيّة. الثالث: أنّها توجب غسل جميع البدن، بخلاف العينيّة، فإنّها لا توجب غير غسل موضع الملاقاة خاصّة. الرابع: أنّها توجب الغسل على لامسها، بخلاف العينيّة. الخامس: أنّها تتعدّى مع اليبوسة عند أكثر الأصحاب، كما عرفت من الكلام السابق، بخلاف العينيّة. السادس: ليس لها عين محسوسة، بخلاف العينيّة. السابع: الحكم بالنجاسة من غير ملاقاة عين خارجيّة، بخلاف العينيّة. هذه سبعة وجوه قد خالفت العينية بها، و وافقتها بوجه واحد، و هو: التعدّي إلى الملاقي. و وافقت الحكميّة بأربعة وجوه: الأوّل: افتقارها إلى النيّة، كالحكميّة. الثاني: وجوب غسل جميع البدن، كالحكميّة. الثالث: كونها غير محسوسة، كالحكميّة. الرابع: الحكم بالنجاسة من غير ملاقاة عين خارجيّة، كالحكميّة. هذه أربعة وجوه قد وافقت الحكميّة فيها، و خالفتها في وجهين: الأوّل: افتقارها إلى الخليط دون الحكميّة. الثاني: تعدّيها إلى المباشر بما يوجب غسلا و غسلا، بخلاف الحكميّة. فقد شابهت العينيّة من وجه واحد، و شابهت الحكميّة من أربعة

وجوه، و خالفت العينيّة من سبعة وجوه، و خالفت الحكميّة من وجهين. فلمّا ثبتت نجاسة الميّت و كانت النجاسة منحصرة في العينيّة و الحكميّة، و لم يحصل النصّ‌ القاطع بكونها عينيّة و لا حكميّة، (فالذي تقتضيه صحّة النظر) إلحاقها بأكثرهما مشابهة و أقلّهما مخالفة، و هي الحكميّة. (و تخصيص ابن إدريس بالخبط ترجيح من غير مرجّح، لحصول الخبط من الجميع، لأنّ‌) نجم الدين و العلاّمة أفتيا في أوّل الباب بكونها حكميّة كما عرفت، ثمّ‌ رجعا في آخر الباب إلى كونها عينيّة. و لم يتعرّض الشهيد في (دروسه) و (بيانه) لذكر الحكميّة و لا العينيّة، لعدم وضوح الحكم في إحداهما.

النظر الثاني: في استدلاله على بطلان كلام ابن إدريس بقوله: لمّا أجمع الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميّت، و أجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة، لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع. فلقائل أن يقول: إنّما ينجس المائع بالإجماع مع ملاقاة النجاسة العينيّة و ابن إدريس لم يقل بأنّ‌ نجاسة اليد الملاقية للميّت عينيّة، بل يقول: هي حكميّة، و النجاسة الحكميّة لا تتعدّى إلى ملاقيها، فدليلك غير مبطل لحجّة ابن إدريس إلاّ مع ثبوت الإجماع على كون نجاسة اليد الملاقية للميّت عينيّة و لا إجماع على ذلك، و الروايات غير دالّة إلاّ على وجوب الغسل: روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت، فقال: «يغسل ما أصاب الثوب» . و عن إبراهيم بن ميمون، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميّت، قال: «إن كان الميّت غسّل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه» . و قال ابن بابويه: و من أصاب ثوبه جسد الميّت فعليه أن يغسل ما أصاب الثوب منه . و قال المفيد: و إذا وقع ثوب الإنسان على جسد الميّت قبل أن يطهر بالغسل، نجّسه، و وجب تطهيره بالماء . فالروايات و فتوى ابن بابويه ليس فيهما غير ذكر الغسل من غير ذكر التنجيس، و وجوب الغسل أعمّ‌ من أن يكون من نجاسة عينيّة أو حكميّة

أو للتعبّد لا للنجاسة، و فتوى المفيد فيها ذكر النجاسة من غير قيد بكونها عينيّة و لا حكميّة. و قال العلاّمة في (النهاية): و إذا مسّ‌ الميّت رطبا، نجس نجاسة عينيّة، لأنّ‌ الميّت عندنا نجس، و إن مسّه يابسا، فظاهر كلام الأصحاب ذلك، مع احتمال كون النجاسة حكميّة، فلو لاقى بيده بعد ملاقاة الميّت رطبا، لم يؤثّر في تنجيسه، لأصالة الطهارة السالمة عن دلالة التنجيس . انتهى كلامه. و هذا الاحتمال هو مذهب ابن إدريس، و دليله الذي استدلّ‌ به هو دليل ابن إدريس، فأين الإجماع على بطلان مذهب ابن إدريس‌؟ و مذهب ابن إدريس موافق لأصله، لأنّه لمّا ثبت عنده كون نجاسة الميّت حكميّة، و ثبت أنّ‌ الحكميّة لا تتعدّى إلى ملاقيها، و ثبت بالأخبار و فتاوى الأصحاب وجوب غسل ملاقي جسد الميّت، حكم بوجوب غسل الملاقي، لقيام الدليل عليه، و حكم بعدم تعدّي نجاسة الملاقي إلى غيره، لدلالة الأصل عليه، لأنّ‌ الأصل الطهارة حتّى يقوم دليل على النجاسة.

النظر الثالث: في قوله: اللّهم إلاّ أن يقول: إنّ‌ الميّت ليس بنجس، و إنّما يجب الغسل تعبّدا، كما هو مذهب الشافعي، لكن هذا مخالف لما ذكره الشيخ أبو جعفر، فإنّه ذكر أنّه نجس بإجماع الفرقة، و قد سلّم هذا المتأخّر نجاسته و نجاسة ما يلاقي بدنه. فلقائل أن يقول: كلام ابن إدريس غير مخالف لكلام الشيخ، و غير وارد عليه اعتراض المعترض. أمّا أنّه غير مخالف لكلام الشيخ: فلأنّ‌ الشيخ قال: الميّت نجس ، و لم ينصّ‌ على كون النجاسة عينيّة و لا حكميّة، و ابن إدريس نصّ‌ على كونها حكميّة بقوله: لأنّ‌ هذه نجاسات حكميّات و ليست عينيّات، و تخصيص العموم غير مناقض له. و أمّا أنّ‌ اعتراض المعترض غير وارد عليه: فلأنّ‌ قول المعترض: و قد سلّم هذا المتأخّر نجاسته و نجاسة ملاقية، مراده: تسليم النجاسة العينيّة التي يدّعي المعترض إثباتها، و ابن إدريس لم يسلّم النجاسة العينيّة، لأنّ‌ كلامه الذي حكاه عنه المعترض ليس فيه تسليم النجاسة العينيّة، و هذا كلامه الذي حكاه عنه: و خبط بعض المتأخّرين، فقال: إذا لاقى جسد الميّت إناء، وجب غسله، و لو لاقى ذلك الإناء مائعا، لم ينجس المائع، لأنّه لم يلاق جسد الميّت، و حمله على ذلك قياس، و الأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل، لأنّ‌ هذه نجاسات حكميّات و ليست عينيّات . انتهى كلامه. فهل في هذا تسليم للنجاسة العينيّة‌؟ و قوله: وجب غسله، لا يدلّ‌ على النجاسة العينيّة، لأنّ‌ الغسل قد يكون من العينيّة و قد يكون من الحكميّة و قد يكون تعبّدا لا لنجاسة عينيّة و لا حكميّة، مع أنّه نصّ‌ على كونها حكميّة بقوله: لأنّ‌ هذه نجاسات حكميّات و ليست عينيّات، فمن ادّعى تسليم العينيّة ادّعى تسليم ما لم يسلّمه، بل نفاه صريحا بقوله: و ليست عينيّات.

النظر الرابع: في قوله: و لو قال: أنا أوجب غسل ما لاقى بدنه، و لا أحكم بنجاسة ذلك الملاقي، قلنا: فحينئذ يجوز استصحابه في الصلاة، و الطهارة به لو كان ماء، ثمّ‌ يلزم أن يكون الماء الذي يغسل به الميّت طاهرا مطهّرا، و حينئذ يلزمك أن تكون ملاقاته مؤثّرة في الثوب و غير مؤثّرة في الماء القليل، و هو باطل. فلقائل أن يقول: أمّا أنّه يوجب غسل ما لاقى بدنه، فهو قد نصّ‌ على ذلك، و أمّا أنّه لا يحكم بنجاسة ذلك الملاقي، فهو محتمل، لأصالة الطهارة، و عدم دلالة الروايات على غير الغسل، و يكون الغسل تعبّدا. و إن قال بالنجاسة، فهو يقول: إنّها حكميّة لا تتعدّى إلى ملاقيها. و إلزامه جواز استصحابه في الصلاة، فهو غير لازم، لأنّه إذا وجب غسله تعبّدا، فلا يجوز استصحابه في الصلاة قبل غسله و إن كان طاهرا، كما لا يجوز فعل الصلاة لمن وجب عليه الاستنجاء بالثالثة تعبّدا عند حصول النقاء بما دونها قبل فعل الاستنجاء بالثالثة بعد الحكم بطهارة المحلّ‌، لحصول النقاء قبلها. و كذا لا يلزمه جواز الطهارة بالماء الملاقي لجسد الميّت و إن كان طاهرا، لأنّ‌ الشيخ حكم في التهذيب بطهارة البئر بعد ملاقاة النجاسة ما لم يتغيّر الماء، و أوجب النزح تعبّدا، و منع من استعمالها قبل التطهير بالنزح تعبّدا . و أمّا قوله: ثمّ‌ يلزم أن يكون الماء الذي يغسل به الميّت طاهرا مطهّرا، إلى آخره، فابن إدريس يلتزم بوجوب غسل ما لاقى جسد الميّت، لنجاسته نجاسة حكميّة غير متعدّية إلى الملاقي لها، و لا يلزمه جواز التطهير به، لأنّ‌ كلّ‌ ما يجب تطهيره لا يجوز استعماله قبل تطهيره، سواء كانت نجاسته حكميّة أو عينيّة. مع أنّ‌ قول المعترض في أوّل باب غسل الأموات - و هو قوله: و يبدأ بإزالة النجاسة العينيّة، إلى قوله: و لئلاّ ينجس ماء الغسل بملاقاتها - يدلّ‌ على عدم نجاسة ماء الغسل بملاقاة الميّت، و إلاّ لم يكن لتعليله فائدة. و أيضا فتاوى الأصحاب و رواياتهم المجمع عليها بصحّة التغسيل من وراء الثياب و وجوب ستر عورة الميّت بثوبه أو بخرقة غير الثوب، من غير ذكر غسل الثوب و لا عصره بعد الفراغ، تدلّ‌ على طهارة ماء الغسل، إذ لو كان نجسا، لنجس الثوب بملاقاته، و تعدّت نجاسة الثوب إلى الميّت على مذهب المعترض، و هو: تعدّي نجاسة ملاقي الميّت إلى غيره، كسائر النجاسات العينيّة، و حينئذ لا يحكم بطهارة الميّت ما دام الثوب الساتر له على جسده، و لو كان الأمر كذلك، لما سكت الشارع عنه، لأنّ‌ ذلك ممّا يعمّ‌ به البلوى، و كان يجب بيانه و إظهاره. و لا مخرج للمعترض من هذا الإلزام إلاّ بأحد وجهين: إمّا بالتزامه بمذهب ابن إدريس، و هو: أنّ‌ نجاسة الميّت حكميّة لا تتعدّى إلى الملاقي و إن وجب غسله. و إمّا أن يقول: إنّه مع الحكم بطهارة الميّت يحكم بطهارة ثوبه الذي على جسده قبل عصره، و هو مشكل، لأنّهم أوجبوا العصر من جميع النجاسات. و مذهب ابن إدريس أقرب إلى ما تقتضيه أصول المذهب. و إنّما طوّلنا البحث في هذه المسألة، ليظهر للعالم اللبيب بعض إشكالها، و ينكشف للعارف الأريب اختلاف أحوالها، و للوقوف على اعتراضاتهم فيها، و للاطّلاع على اختلاف عباراتهم الموجب لاختلاف معانيها. و نسأل اللّه الهداية إلى الصواب، إنّه الكريم الوهّاب.

 

جواهر الکلام، ج 5، ص 310-311

و من ذلك كله كان خيرة التذكرة و القواعد و الروض و كشف اللثام و الرياض النجاسة و ان لم يبرد كما عن المبسوط، و ربما يقتضيه إطلاق المصنف و غيره، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه، حيث قال: لو مسه قبل برده فالأقرب وجوب غسل اليد، لانه لاقى نجاسة، إذ الميت نجس عندنا، بل في الرياض أرسل حكاية الإجماع على النجاسة قبل البرودة عن الخلاف و المعتبر و التذكرة و المنتهى، لكنه و هم قطعا، إذ معقد الإجماع في هذه الكتب مطلق لا تعرض فيه للبرودة و الحرارة، بل محتمل قويا كغيره من المعاقد لإرادة النجاسة في الجملة في مقابلة قول الشافعي بالطهارة، و لذا حكاه في كشف اللثام عنها كذلك أي مطلقا، و هو واسطته في النقل غالبا كما لا يخفى على الممارس لكتابيهما، فكان عليه حكايته مثله، بل في المنتهى بعد أن حكى عن المبسوط وجوب غسل اليد قال: و عندي فيه نظر، و كيف كان فالأقوى النجاسة لما عرفت، و الله أعلم. نعم لا نجاسة بعد تغسيله قطعا و إجماعا.












فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است



****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Saturday - 7/12/2024 - 6:24

اجوبه المسائل المهنائیه، ص 142

مسألة (3) [لمس الميت برطوبة] ما يقول سيدنا الإمام العلامة في الإنسان إذا لمس إنسانا ميتا ثم لمس برجله شيئا رطبا هل ينجس ما لمسه برجله أم لا ينجس الا ما يلمسه بالعضو الذي لمس به الميت، و هل تكون نجاسة اللامس لميت الآدميين عينية أم حكمية، أم تكون نجاسة العضو الذي لمس به الميت عينية و نجاسة باقي جسده حكمية، و هل يكون عرقه نجسا أم طاهرا. بين لنا ذلك جميعا. الجواب لا ينجس ما مسه برجله، و أما العضو الذي لمس به الميت فان مس به شيئا رطبا تعدت النجاسة اليه و الا فلا، و نجاسة اللامس قد اختلف فيها، و عرقه طاهر لا عرق العضو اللامس.

 

نهایه الاحکام، ج 1، ص 173

و إذا مس الميت رطبا، نجس نجاسة عينية، لأن الميت عندنا نجس. و إن مسه يابسا فظاهر كلام الأصحاب ذلك، مع احتمال كون النجاسة حكمية. فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميت رطبا، لم يؤثر في تنجيسه، لأصالة الطاهرة السالمة عن دلالة التنجيس.

 

منتهی المطلب، ج 2؛ ص 459

الرّابع: هل تنجس اليد لو كانت الميتة يابسة‌؟ فيه نظر ينشأ من كون النّجاسات العينيّة اليابسة غير مؤثّرة في الملاقي، و من عموم وجوب الغسل، و إنّما يكون مع التّنجيس، و حينئذ تكون نجاستها عينيّة أو حكميّة‌؟ الأقرب: الثّاني، فلو لامس رطبا قبل غسل يده لم يحكم بنجاسته على إشكال، و ينجس لو لامس الرّطبة من الميتة نجاسة عينيّة.

 

منتهی المطلب، ج 2، ص 456

الثّالث: لو مسّه رطبا ينجس نجاسة عينيّة، لما يأتي من انّ‌ الميّت نجس. و لو مسّه يابسا فالوجه انّ‌ النّجاسة حكميّة، فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميّت رطبا لم يؤثّر في تنجيسه، لعدم دليل التّنجيس و ثبوت الأصل الدّالّ‌ على الطّهارة.

 

 

الثّالث: لو مسّه رطبا ينجس نجاسة عينيّة، لما يأتي من انّ‌ الميّت نجس. و لو مسّه يابسا فالوجه انّ‌ النّجاسة حكميّة، فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميّت رطبا لم يؤثّر في تنجيسه، لعدم دليل التّنجيس و ثبوت الأصل الدّالّ‌ على الطّهارة.