النسیء

معانی نسیء

مجمع البيان

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 45

معنای اول: تأخیر محرم ؛ اصحاب غارات و حروب

المعنى‏

لما قدم سبحانه ذكر السنة و الشهر عقبه بذكر ما كانوا يفعلونه من النسي‏ء فقال «إنما النسي‏ء زيادة في الكفر» يعني تأخير الأشهر الحرم عما رتبها الله سبحانه عليه و كانت العرب تحرم الشهور الأربعة و ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم و إسماعيل و هم كانوا أصحاب غارات و حروب فربما كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه و يستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ثم يزول التحريم إلى المحرم و لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة قال ابن عباس و معنى قوله «زيادة في الكفر» أنهم كانوا أحلوا ما حرم الله و حرموا ما أحل الله قال الفراء و الذي كان يقوم به رجل من كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة و كان رئيس الموسم فيقول أنا الذي لا أعاب و لا أخاب و لا يرد لي قضاء فيقولون نعم صدقت أنسئنا شهرا أو أخر عنا حرمة المحرم و اجعلها في صفر و أحل المحرم فيفعل ذلك و الذي كان ينساها حين جاء الإسلام جنادة بن عوف بن أمية الكناني قال ابن عباس و أول من سن النسي‏ء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف و قال أبو مسلم بن أسلم بل رجل من بني كنانة يقال له القلمس كان يقولا إني قد نسأت المحرم لعام و هما العام صفران فإذا كان العام القابل قضينا فجعلناهما محرمين قال شاعرهم:
         " و ما ناسئ الشهر القلمس"

و قال الكميت:         و نحن الناسئون على معد             شهور الحل نجعلها حراما

معنای دوم: تأخیرذی الحجة

و قال مجاهد كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين و كذلك في الشهور حتى وافقت الحجة
                       

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 46
التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ثم حج النبي ص في العام القابل حجة الوداع فوافقت في ذي الحجة فذلك حين‏
قال النبي ص و ذكر في خطبته إلا و إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر الذي بين جمادى و شعبان‏أراد (ع) الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها و عاد الحج إلى ذي الحجة و بطل النسي‏ء

 

 

 

********************

بحار الانوار

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏21، ص: 380
8- ل، الخصال الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري عن عبد الله بن محمد بن عبد الكريم «6» عن ابن عوف عن مكي بن إبراهيم عن موسى بن عبيدة عن صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر قال: نزلت هذه السورة إذا جاء نصر الله و الفتح «7» على رسول الله ص في أوسط أيام التشريق فعرف أنه الوداع فركب راحلته العضباء فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا أيها الناس كل دم كان في الجاهلية فهو هدر و أول دم هدر دم الحارث بن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في هذيل «8» فقتله‏
__________________________________________________
 (1) فروع الكافي 1: 294.
 (2) فروع الكافي 1: 303.
 (3) فروع الكافي 1: 309.
 (4) في المصدر: على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير و محمد بن إسماعيل عن القضا ابن شاذان عن صفوان و ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار.
 (5) فروع الكافي 1: 309.
 (6) في المصدر: ابن أخى ابى زرعة، عن ابن عون.
 (7) سورة النصر.
 (8) في بنى هذيل خ ل.


                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏21، ص: 381
بنو الليث أو قال كان مسترضعا في بني ليث فقتله هذيل و كل ربا كان في الجاهلية فموضوع و أول ربا وضع ربا العباس بن عبد المطلب أيها الناس إن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئة يوم خلق الله السماوات و الأرضين و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض منها أربعة حرم رجب مضر الذي بين جمادى و شعبان و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم فإن النسي‏ء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما و يحرمونه عاما ليواطؤا عدة ما حرم الله و كانوا «1» يحرمون المحرم عاما و يستحلون «2» صفر و يحرمون صفر عاما و يستحلون المحرم أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلادكم آخر الأبد و رضي منكم بمحقرات «3» الأعمال أيها الناس من كانت عنده وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها أيها الناس إن النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن ضرا و لا نفعا أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمات الله فلكم عليهن حق و لهن عليكم حق و من حقكم عليهن أن لا يواطئوا «4» فرشكم و لا يعصينكم في معروف فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن و كسوتهن بالمعروف و لا تضربوهن أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله عز و جل فاعتصموا به يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام ثم قال يا أيها الناس فأي شهر هذا قالوا شهر حرام ثم قال أيها الناس أي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فإن الله عز و جل حرم عليكم دماءكم و أموالكم و أعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه ألا فليبلغ شاهدكم غائبكم لا نبي بعدي و لا أمة بعدكم ثم رفع يديه حتى إنه ليرى بياض إبطيه ثم قال‏
__________________________________________________
 (1) فكانوا خ ل.
 (2) لعل هذه الجملة من الراوي.
 (3) بمحرقات خ ل.
 (4) استظهر المصنف ان الصحيح: [ان لا يوطئن‏] و هو كذلك، يوجد ذلك في سيرة ابن هشام.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏21، ص: 382
اللهم اشهد أني قد بلغت «1».
بيان: قال الجزري فيه إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات و الأرض يقال دار يدور و استدار يستدير بمعنى إذا طاف حول الشي‏ء و إذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه و معنى الحديث أن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر و هو النسي‏ء ليقاتلوا فيه فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى يجعلوه في جميع شهور السنة فلما كانت تلك السنة كان قد عاد إلى زمنه المخصوص به قبل النقل و دارت السنة كهيئتها الأولى و قال أضاف رجبا إلى مضر لأنهم كانوا يعظمونه خلاف غيرهم فكأنهم اختصوا به و قوله بين جمادى و شعبان تأكيد للبيان و الإيضاح لأنهم كانوا ينسئونه و يؤخرونه من شهر إلى شهر فيتحول عن موضعه المختص به فبين لهم أنه الشهر الذي بين جمادى و شعبان لا ما كانوا يسمونه على حساب النسي‏ء

 

 

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 337
أبواب الأزمنة و أنواعها و سعادتها و نحوستها و سائر أحوالها
باب 13 السنين و الشهور و أنواعهما و الفصول و أحوالها

معنای اول

الآيات التوبة إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم إلى قوله تعالى إنما النسي‏ء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما و يحرمونه عاما ليواطؤا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم و الله لا يهدي القوم الكافرين «1» تفسير إن عدة الشهور قال الرازي اعلم أن السنة عند العرب عبارة عن اثني عشر شهرا من الشهور القمرية و الدليل عليه هذه الآية و أيضا قوله هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب «2» فجعل تقدير القمر بالمنازل علة للسنين و ذلك إنما يصح إذا كانت السنة معلقة بسير القمر و أيضا قال تعالى يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج «3» و عند سائر الطوائف عن «4» المدة التي تدور الشمس فيها دورة تامة و السنة القمرية أقل من الشمسية بمقدار معلوم و بسبب ذلك النقصان تنتقل‏
__________________________________________________
 (1) التوبة: 36- 37.
 (2) يونس: 5.
 (3) البقرة: 189.
 (4) في المصدر: عبارة عن المدة.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 338
الشهور القمرية من فصل إلى فصل فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة و في الصيف أخرى و كان يشق عليهم الأمر بهذا السبب و أيضا إذا حضروا الحج حضروا للتجارة و ربما كان ذلك الوقت غير موافق لحضور التجار من الأطراف و كان يخل بأسباب تجاراتهم بهذا السبب فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة على ما هو معلوم في علم الزيجات و اعتبروا السنة الشمسية و عند ذلك بقي زمان الحج مختصا بوقت معين فهو «1» أخف لمصلحتهم و انتفعوا بتجاراتهم و مصالحهم فهذا النسي‏ء و إن صار سببا لحصول المصالح الدنيوية إلا أنه لزم منه تغير حكم الله تعالى لأنه لما خص الحج بأشهر معلومة على التعيين و كان بسبب النسي‏ء يقع في سائر الشهور فتغير حكم الله «2» لتكليفه و الحاصل أنهم لرعاية مصالحهم في الدنيا سعوا في تغيير أحكام الله و إبطال تكليفه فلهذا استوجبوا الذم العظيم في هذه الآية «3»

معنای دوم

قال النيسابوري قال المفسرون إنهم كانوا أصحاب حروب و غارات و كان يشق عليهم مكث ثلاثة أشهر متوالية من غير قتل و غارة فإذا اتفق لهم في شهر منها أو في المحرم حرب أو غارة أخروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر قال الواحدي و أكثر العلماء على أن هذا التأخير كان من المحرم إلى صفر و يروى أنه حدث ذلك في كنانة لأنهم كانوا فقراء محاويج إلى الغارة و كان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في قومه و كان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلى صوته إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ثم يقوم في القابل فيقول إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه و الأكثرون على أنهم كانوا يحرمون من جملة شهور العام أربعة أشهر و ذلك قوله ليواطؤا عدة ما حرم الله أي ليوافقوا العدة التي هي الأربعة و لا يخالفوا و لم يعلموا أنهم خالفوا ترك القتال و وجوب التخصيص و ذلك قوله تعالى فيحلوا ما حرم الله أي من القتال و ترك الاختصاص‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر: بوقت واحد معين موافق لمصلحتهم.
 (2) في المصدر: تغير حكم الله و تكليفه.
 (3) مفاتيح الغيب: ج 4، ص 633.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 339
قال ابن عباس إنهم ما أحلوا شهرا من الأشهر الحرم إلا حرموا مكانه شهرا آخر من الحلال و لم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا آخر من الحرام لأجل أن تكون عدة الحرام أربعة مطابقة لما ذكره الله تعالى

و للآية تفسير آخر و هو أن يكون المراد بالنسي‏ء كبس بعض السنين القمرية بشهر حتى يلتحق بالسنة الشمسية و ذلك أن السنة القمرية أعني اثني عشر شهرا قمريا هي ثلاثمائة و أربعة و خمسون يوما و خمس و سدس يوم على ما عرف من علم النجوم و عمل الزيجات و السنة الشمسية و هي عبارة عن عود الشمس من أية نقطة تفرض من الفلك إليها بحركتها الخاصة ثلاثمائة و خمسة و ستون يوما و ربع يوم إلا كسرا قليلا فالسنة القمرية أقل من السنة الشمسية بعشرة أيام و إحدى و عشرين ساعة و خمس ساعة تقريبا و بسبب هذا النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة و في الصيف أخرى و كذا في الربيع و الخريف و كان يشق الأمر عليهم إذ ربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الأطراف فكان تختل أسباب تجاراتهم و معايشهم فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة بحيث يقع الحج دائما عند اعتدال الهواء و إدراك الثمرات و الغلات و ذلك بقرب حلول الشمس نقطة الاعتدال الخريفي فكبسوا تسع عشرة سنة قمرية بسبعة أشهر قمرية حتى صارت تسع عشرة سنة شمسية فزادوا في السنة الثانية شهرا ثم في الخامسة ثم في السابعة ثم في العاشرة ثم في الثالثة عشر ثم في السادسة عشر ثم في الثامنة عشر و قد تعلموا هذه الصنعة من اليهود و النصارى فإنهم يفعلون هكذا لأجل أعيادهم فالشهر الزائد هو الكبيس و سمي بالنسي‏ء لأنه المؤخر و الزائد مؤخر عن مكانه و هذا التفسير يطابق‏
ما روي أنه ص خطب في حجة الوداع و كان في جملة ما خطب به إلا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض السنة اثني عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر «1» بين جمادى و شعبان.
و المعنى رجعت الأشهر إلى ما
__________________________________________________
 (1) مضر- كصرد- قبيلة معروفة، و لعل إضافة رجب إليها لاجل أنهم كانوا يعظمونه دون غيرهم كما قيل.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 340
كانت عليه و عاد الحج في ذي الحجة و بطل النسي‏ء الذي كان في الجاهلية و قد وافقت حجة الوداع ذا الحجة في نفس الأمر و كانت حجة أبي بكر قبلها في ذي القعدة التي سموها ذا الحجة و إنما لزم العتب عليهم في هذا التفسير لأنهم إذا حكموا على بعض السنين بأنها ثلاثة عشر شهرا كان مخالفا لحكم الله بأن عدة الشهور اثنا عشر شهرا أي لا أزيد و لا أنقص و إليه الإشارة بقوله ذلك الدين القيم على هذا التفسير و يلزمهم أيضا ما لزمهم في التفسير الأول من تغيير أشهر الحرم عن أماكنها فتكون الإشارة إلى المجموع انتهى و قال الطبرسي ره إن عدة الشهور عند الله أي عدد شهور السنة في حكم الله و تقديره اثنا عشر شهرا و إنما تعبد الله المسلمين أن يجعلوا سنتهم على اثني عشر شهرا ليوافق ذلك عدد الأهلة و منازل القمر دون ما دان به أهل الكتاب و الشهر مأخوذ «1» من شهرة الأمر لحاجة الناس إليه في معاملاتهم و محل ديونهم و حجهم و صومهم و غير ذلك من مصالحهم المتعلقة بالشهور و قوله في كتاب الله معناه ما كتب الله في اللوح المحفوظ و في الكتب المنزلة على أنبيائه و قيل في القرآن و قيل في حكمه و قضائه عن أبي مسلم و قوله يوم خلق السماوات و الأرض متصل بقوله عند الله و العامل فيها الاستقرار و إنما قال ذلك لأنه يوم خلق السماوات و الأرض أجرى فيها الشمس و القمر و بمسيرهما تكون الشهور و الأيام و بهما تعرف الشهور منها أربعة حرم ثلاثة منها سرد ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و واحد فرد و هو رجب و معنى حرم أنه يحرم «2» انتهاك المحارم فيها أكثر مما يحرم «3» في غيرها و كانت العرب تعظمها حتى لو أن رجلا لقي قاتل أبيه فيها لم يهجه لحرمتها و إنما جعل الله بعض هذه الشهور أعظم حرمة من بعض لما علم من المصلحة في الكف عن الظلم فيها لعظم منزلتها و لأنه ربما
__________________________________________________
 (1) مأخوذ (خ).
 (2) في المصدر: يعظم.
 (3) في المصدر: يعظم.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 341
أدى ذلك إلى ترك الظلم أصلا لانطفاء النائرة و انكسار الحمية في تلك المدة فإن الأشياء تجر إلى أشكالها.
و شهور السنة المحرم سمي بذلك لتحريم القتال فيه و صفر سمي بذلك لأن مكة تصفر من الناس فيه أي تخلو و قيل لأنه وقع وباء فيه فاصفرت وجوههم و قال أبو عبيد سمي بذلك لأنه صفرت فيه أوطابهم «1» عن اللبن و شهرا ربيع سميا بذلك لإنبات الأرض و إمراعها «2» فيهما و قيل لارتباع القوم أي إقامتهم و الجماديان سميتا بذلك لجمود الماء فيهما و رجب سمي بذلك لأنهم كانوا يرجبونه و يعظمونه يقال رجبته و رجبته بالتخفيف و التشديد و قيل سمي بذلك لترك القتال فيه من قولهم رجل أرجب إذا كان أقطع لا يمكنه العمل‏
و روي عن النبي ص أنه قال: إن في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من الثلج و أحلى من العسل من صام يوما من رجب شرب منه.
و شعبان سمي بذلك لتشعب القبائل فيه‏
- عن أبي عمرو و روى زياد بن ميمون أن النبي ص قال: إنما سمي شعبان لأنه يشعب فيه خير كثير لرمضان.
و شهر رمضان سمي بذلك لأنه يرمض الذنوب و قيل سمي بذلك لشدة الحر و قيل إن رمضان من أسماء الله تعالى و شوال سمي بذلك لأن القبائل كانت تشول فيه أي تبرح عن أمكنتها و قيل لشولان الناقة «3» أذنابها فيه و ذو القعدة سمي بذلك لقعودهم فيه عن القتال و ذو الحجة لقضاء الحج فيه.
ذلك الدين القيم أي ذلك الحساب المستقيم الصحيح لا ما كانت العرب تفعله من النسي‏ء و قيل معناه ذلك الحساب «4» المستقيم الحق و قيل معناه‏
__________________________________________________
 (1) الاوطاب: جمع «الوطب» و هو سقاء اللبن.
 (2) أمرع المكان: أخصب.
 (3) في المصدر: النوق.
 (4) في المصدر: القضاء.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 342
ذلك الدين تعبد به فهو اللازم فلا تظلموا فيهن أي في هذه الأشهر «1» كلها عن ابن عباس و قيل في هذه الأشهر الحرم أنفسكم بترك أوامر الله و ارتكاب نواهيه و إذا عاد الضمير إلى جميع الشهور فإنه يكون نهيا عن الظلم في جميع العمر و إذا عاد إلى الأشهر الحرم ففائدة التخصيص أن الطاعة فيها أعظم ثوابا و المعصية أعظم عقابا و ذلك حكم الله في جميع الأوقات الشريفة و البقاع المقدسة «2» انتهى.
أقول و يحتمل أن يكون المراد فلا تظلموا أنفسكم في أمرهن بهتك حرمتهن و قال الطبرسي ره قال مجاهد كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين و كذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ثم حج النبي ص في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة فلذلك «3»
قال النبي ص في خطبته ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض الخبر.
أراد ص بذلك أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها و عاد الحج إلى ذي الحجة و بطل النسي‏ء «4».
يضل به الذين كفروا قال البيضاوي أي ضلالا زائدا و قرأ حمزة و الكسائي و حفص يضل على البناء للمفعول يحلونه عاما أي يحلون النسي‏ء من الأشهر الحرم سنة و يحرمون مكانه شهرا آخر و يحرمونه عاما فيتركونه على حرمته ليواطؤا عدة ما حرم الله أي ليوافقوا عدة الأربعة المحرمة و اللام متعلقة بيحرمونه أو بما دل عليه مجموع الفعلين فيحلوا ما حرم الله بمواطاة العدة وحدها من غير مراعاة الوقت «5» انتهى.

 

 

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 361
الفائدة الخامسة اعلم أن أصحابنا اتفقوا على أن ولادة نبينا ص كانت في شهر ربيع الأول إما في السابع عشر منه كما هو المشهور أو في الثاني عشر كما اختاره الكليني ره و هو المشهور بين المخالفين و ذكر الكليني و غيره أن الحمل به ص كان في أيام التشريق فيلزم أن يكون مدة حمله ص إما ثلاثة أشهر أو سنة و ثلاثة أشهر مع أن الأصحاب اتفقوا على أنه لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر و لا أكثر من سنة و لم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه ص و الجواب أن ذلك مبني على النسي‏ء الذي حققناه في صدر الباب و ذكروا للنسي‏ء ثلاثة معان أومأنا إلى بعضها:

الأول أنهم كبسوا تسع عشرة سنة تامة قمرية حتى صارت تسع عشرة سنة تامة شمسية على ترتيب بهزيجوح فدور النسي‏ء على هذا الوجه تسع عشرة سنة تامة قمرية مكبوسة بسبعة أشهر تامة قمرية لأن تسعة عشر منه و سبعة أشهر تامتين قمريتين تسع عشرة سنة تامة شمسية و الشهر الزائد و هو الكبس يسمى النسي‏ء لأنه المؤخر عن مكانه لأن المحرم لو سمي بذي الحجة صار صفر محرما فتأخر المحرم إلى مكان صفر و السنة التي يزيدون الشهر فيها هي السنة الكبيسة أي المدخولة المزيدة فيها من الكبس بمعنى الطم

الثاني أنهم كانوا يكبسون في كل ثلاث سنين شهرا فدور النسي‏ء ست و ثلاثون سنة تامة قمرية مكبوسة باثني عشر شهرا قمريا كذلك

الثالث أنهم كانوا يكبسون في كل سنتين شهرا فدور النسي‏ء على هذا الوجه أربع و عشرون سنة تامة قمرية مكبوسة باثني عشر شهرا تاما قمريا و هذا الوجه أشهر

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 362
موافقا لما ذكره الطبرسي و غيره و بالجملة أنهم كانوا يزيدون في بعض السنين شهرا و يتركون بعضها بحاله فبعض سنيهم اثنا عشر شهرا و بعضها ثلاثة عشر شهرا و الزيادة دائما تكون في آخر السنة التي ينتقل الحج بعدها من شهر إلى آخر لأن من شهر إلى مثله اثني عشر شهرا و منه إلى ما يليه ثلاثة عشر شهرا و النسي‏ء المشهور مبني على الأخير و ربما يبنى على الأول و الثاني أيضا

 

 

روایات

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏9، ص: 211

85- فس، تفسير القمي إنما النسي‏ء زيادة في الكفر
 الآية فإنه كان سبب نزولها أن رجلا من كنانة «5» كان يقف في الموسم فيقول قد أحللت دماء المحلين طي و خثعم في‏
__________________________________________________
 (1) تفسير القمي: 253.
 (2) تفسير القمي: 252. قلت: و الترتيب يقتضى إيراده قبل الآية المتقدمة.
 (3) في المصدر: لكى يتعظ بهم.
 (4) تفسير القمي: 264.
 (5) تقدم ذكر الخلاف فيه، نقل الطبرسي عن الفراء أنه كان يسمى نعيم بن تغلبة، و عن ابن مسلم أنه رجل من كنانة يقال له القلمس، و أن الذي كان ينساها حين جاء الإسلام جنادة بن عوف بن امية الكناني، و أول من سن ذلك عمرو بن لحى.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏9، ص: 212

شهر المحرم و أنسأته و حرمت بدله صفر فإذا كان العام المقبل يقول قد أحللت صفر و أنسأته و حرمت بدله شهر المحرم فأنزل الله إنما النسي‏ء زيادة في الكفر إلى قوله زين لهم سوء أعمالهم «1».

 

                        تفسير نور الثقلين، ج‏2، ص: 217
147- في كتاب الخصال عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و آله كلام من خطبة له نقلناه قريبا و يتصل بآخره أعني: «فلا تظلموا فيهن أنفسكم» فإن النسي‏ء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما و يحرمونه عاما ليواطؤا عدة ما حرم الله، و كانوا يحرمون المحرم عاما و يستحلون صفر عاما و يحرمون صفر عاما و يستحلون المحرم، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلادكم.

 

تطبیقات نسیء در روایات

روایات ولادت رسول الله صلی الله علیه و آله

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏15، ص: 251
5- كا، الكافي ولد النبي ص لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال و روي أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة و حملت به أمه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى و كانت في منزل عبد الله بن عبد المطلب‏
__________________________________________________
 (1) العدد: مخطوط.
 (2) أضاف الحديث إلى ما بعده.
 (3) قال المصنف في الهامش: الظاهر (مضت) مكان (بقيت) ليوافق ما هو المشهور من كون الحمل في أيام التشريق انتهى كلامه قدس الله أسراره، قلت: القول بأن حمله كان في أيام التشريق يوافق القول بولادته في رمضان كما عرفت في كلام المقريزى.
 (4) الإقبال: 623.
 (5)»: 603.
 (6) حدائق الرياض: مخطوط.
 (7) مسار الشيعة: 24.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏15، ص: 252
و ولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى عن يسارك و أنت داخل «1» و قد أخرجت الخيزران «2» ذلك البيت فصيرته مسجدا يصلي الناس فيه «3».
بيان: اعلم أن هاهنا إشكالا مشهورا أورده الشهيد الثاني رحمه الله و جماعة و هو أنه يلزم على ما ذكره الكليني رحمه الله من كون الحمل به ص في أيام التشريق و ولادته في ربيع الأول أن يكون مدة حمله إما ثلاثة أشهر أو سنة و ثلاثة أشهر مع أن الأصحاب اتفقوا على أنه لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر و لا أكثر من سنة و لم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه و الجواب أن ذلك مبني على النسي‏ء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية و قد نهى الله تعالى عنه و قال إنما النسي‏ء زيادة في الكفر
 قال الشيخ الطبرسي رحمه الله في تفسيره هذه الآية نقلا عن مجاهد كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين و كذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ثم حج النبي ص في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة فقال في خطبته ألا و إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة و ذو الحجة و محرم و رجب مضر بين جمادى و شعبان «4» أراد بذلك أن أشهر الحرم رجعت إلى مواضعها و عاد الحج إلى ذي الحجة و بطل النسي‏ء انتهى «5».
__________________________________________________
 (1) في المصدر: و أنت داخل الدار.
 (2) قال المصنف في الهامش: الخيزران أم الهادى و الرشيد، قال المؤرخون كانت هذه الدار للنبى صلى الله عليه و آله و سلم و وهبها عقيل بن أبي طالب، ثم باعها أولاد عقيل بعد أبيهم محمد بن يوسف و هو أخو الحجاج فاشتهرت بدار محمد بن يوسف، فأدخلها محمد في قصره الذي كانوا يسمونه البيضاء، ثم بعد انقضاء دولة بني أمية حجت خيزران فأفرزتها من القصر و جعلها مسجدا.
 (3) الأصول 1: 439.
 (4) في المصدر: و رجب الذي بين جمادى و شعبان.
 (5) مجمع البيان 5: 29.
                       

 

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏15، ص: 253
إذا عرفت هذا فقيل إنه على هذا يلزم أن يكون الحج عام مولده ص في جمادى الأولى لأنه ص توفي و هو ابن ثلاث و ستين سنة و دورة النسي‏ء أربع و عشرون سنة ضعف عدد الشهور فإذا أخذنا من السنة الثانية و الستين و رجعنا تصير السنة الخامس عشر ابتداء الدورة لأنه إذا نقص من اثنتين و ستين ثماني و أربعون تبقى أربع عشرة الاثنتان الأخيرتان منها لذي القعدة و اثنتان قبلهما لشوال و هكذا فتكون الأوليان منها لجمادى الأولى فكان الحج عام مولد النبي ص و هو عام الفيل في جمادى الأولى فإذا فرض أنه ص حملت به أمه في الثاني عشر منه و وضعت في الثاني عشر من ربيع الأول تكون مدة الحمل عشرة أشهر بلا مزيد و لا نقيصة.
أقول و يرد عليه أنه قد أخطأ رحمه الله في حساب الدورة و جعلها أربعا و عشرين سنة إذا الدورة على ما ذكر إنما تتم في خمس و عشرين سنة إذ في كل سنتين يسقط شهر من شهور السنة باعتبار النسي‏ء ففي كل خمس و عشرين سنة تحصل أربع و عشرون حجة تمام الدورة و أيضا على ما ذكره يكون مدة الحمل أحد عشر شهرا إذ لما كان عام مولده أول حج في جمادى الأولى يكون في عام الحمل الحج في ربيع الثاني فالصواب أن يقال كان في عام حمله ص الحج في جمادى الأولى و في عام مولده في جمادى الثانية فعلى ما ذكرنا يتم من عام مولده إلى خمسين سنة من عمره ص دورتان في الحادية و الخمسين تبتدئ الدورة الثالثة من جمادى الثانية و تكون لكل شهر حجتان إلى أن ينتهي إلى الحادية و الستين و الثانية و الستين فيكون الحج فيهما في ذي القعدة و يكون في حجة الوداع الحج في ذي الحجة فتكون مدة الحمل عشرة أشهر.
فإن قلت على ما قررت من أن في كل دورة متأخر سنة ففي نصف الدورة تتأخر ستة أشهر و من ربيع الأول الذي هو شهر المولد إلى جمادى الثانية التي هي شهر الحج نحو من ثلاثة أشهر فكيف يستقيم الحساب على ما ذكرت قلت تاريخ السنة محسوبة من شهر الولادة فمن ربيع الأول من سنة الولادة إلى مثله من سنة ثلاث و ستين تتم اثنتان و ستون و يكون السابع عشر منه ابتداء سنة الثالث و الستين و في الشهر العاشر من تلك السنة أعني ذي الحجة وقع الحج الحادي و الستون و توفي قبل إتمام‏
                       

 

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏15، ص: 254
تلك السنة على ما ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوما فصار عمره ص ثلاثا و ستين إلا تلك الأيام المعدودة و أما ما رواه في كتاب النبوة فيمكن أن يكون الحمل في أول سنة وقع الحج في جمادى الثانية و من سنة الحمل إلى سنة حجة الوداع أربع و ستون سنة و في الخمسين تمام الدورتين و تبتدئ الثالثة من جمادى الثانية و يكون في حجة الوداع و التي قبلها الحج في ذي الحجة و لا يخالف شيئا إلا ما مر عن مجاهد أن حجة الوداع كانت مسبوقة بالحج في ذي القعدة و قوله غير معتمد في مقابلة الخبر إن ثبت أنه رواه خبرا و تكون مدة الحمل على هذا تسعة أشهر إلا يوما فيوافق ما هو المشهور في مدة حمله ص عند المخالفين.

 

 

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 361
الفائدة الخامسة اعلم أن أصحابنا اتفقوا على أن ولادة نبينا ص كانت في شهر ربيع الأول إما في السابع عشر منه كما هو المشهور أو في الثاني عشر كما اختاره الكليني ره و هو المشهور بين المخالفين و ذكر الكليني و غيره أن الحمل به ص كان في أيام التشريق فيلزم أن يكون مدة حمله ص إما ثلاثة أشهر أو سنة و ثلاثة أشهر مع أن الأصحاب اتفقوا على أنه لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر و لا أكثر من سنة و لم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه ص و الجواب أن ذلك مبني على النسي‏ء الذي حققناه في صدر الباب و ذكروا للنسي‏ء ثلاثة معان أومأنا إلى بعضها:

الأول أنهم كبسوا تسع عشرة سنة تامة قمرية حتى صارت تسع عشرة سنة تامة شمسية على ترتيب بهزيجوح فدور النسي‏ء على هذا الوجه تسع عشرة سنة تامة قمرية مكبوسة بسبعة أشهر تامة قمرية لأن تسعة عشر منه و سبعة أشهر تامتين قمريتين تسع عشرة سنة تامة شمسية و الشهر الزائد و هو الكبس يسمى النسي‏ء لأنه المؤخر عن مكانه لأن المحرم لو سمي بذي الحجة صار صفر محرما فتأخر المحرم إلى مكان صفر و السنة التي يزيدون الشهر فيها هي السنة الكبيسة أي المدخولة المزيدة فيها من الكبس بمعنى الطم

الثاني أنهم كانوا يكبسون في كل ثلاث سنين شهرا فدور النسي‏ء ست و ثلاثون سنة تامة قمرية مكبوسة باثني عشر شهرا قمريا كذلك

الثالث أنهم كانوا يكبسون في كل سنتين شهرا فدور النسي‏ء على هذا الوجه أربع و عشرون سنة تامة قمرية مكبوسة باثني عشر شهرا تاما قمريا و هذا الوجه أشهر

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 362
موافقا لما ذكره الطبرسي و غيره و بالجملة أنهم كانوا يزيدون في بعض السنين شهرا و يتركون بعضها بحاله فبعض سنيهم اثنا عشر شهرا و بعضها ثلاثة عشر شهرا و الزيادة دائما تكون في آخر السنة التي ينتقل الحج بعدها من شهر إلى آخر لأن من شهر إلى مثله اثني عشر شهرا و منه إلى ما يليه ثلاثة عشر شهرا و النسي‏ء المشهور مبني على الأخير و ربما يبنى على الأول و الثاني أيضا فنقول على الوجه الثالث المشهور لما تبين أن الولادة في الربيع الأول إما في السابع عشر أو في الثاني عشر و الوفاة إما في الثاني عشر منه كما اختاره الكليني ره وفقا للمشهور بين العامة أو في الثامن و العشرين من الشهر قبله أعني صفر كما هو المشهور عند الإمامية و المشهور أن مدة حياته الشريفة ص ثلاث و ستون سنة تامة قمرية تحقيقا على الأول و تقريبا على الثاني فمن جمادى الأخرى المؤخر عن ولادته ص بثلاثة أشهر إلى ذي الحجة من حجة الوداع المقدم على وفاته ص بمثله اثنتان و ستون سنة تامة قمرية و ستة أشهر و هو ستون سنة تامة نسيئية لأن ستين سنة نسيئية زائدة على ستين سنة تامة قمرية بثلاثين شهرا لأن كل سنتين تامتين نسيئتين زائدة على سنتين تامتين قمريتين بشهر باعتبار انتقال الحج من شهر إلى آخر كما عرفت و ثلاثون شهرا سنتان و ستة أشهر فظهر أن من جمادى الثانية التي في خلال عام مولده إلى حجة الوداع ستون سنة تامة نسيئية و ظهر أن الحج وقع في خلال عام مولده في جمادى الثانية إذ المفروض أن مبدأ كل سنة من السنين التامة النسيئية الحج الواقع في شهر و منتهاها الحج الآخر الواقع في هذا الشهر أو في الشهر الآخر بعده فمبدأ الستين السنة النسيئية جمادى الثانية و منتهاه ذو الحجة حجة الوداع فالستون السنة محصورة بين حجتين إحداهما المبدأ و الأخرى المنتهى فالحجج الواقعة في هذه المدة إحدى و ستون حجة لأن كل سنة تامة نسيئية محصورة بين حجتين و كل حجة بداية سنة تامة نسيئية و نهاية سنة أخرى إلا حجة الوداع لأن النسي‏ء انقطع عنده فهي نهاية سنة ستين النسيئية فقط و الحجة الواقعة في خلال عام مولده هي الحجة الأولى الواقعة فيها لأن حجة الوداع كانت أولي حجة وقعت‏

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 363
في ذي الحجة كما مر و الواقعة قبلها في الشهر السابقة كانت في ذي القعدة فالشهر الزائد في آخر سنة الستين و المزيد فيها شهر سنة الستين لا التي قبلها و كذا كل شفع من السنين النسيئية هي التي زيد في آخرها شهر و قد مر أن الزيادة تكون باعتبار انتقال الحج من شهر إلى آخر فلو كانت الحجة الواقعة في جمادى الثانية في خلال عام مولده ص هي الحجة الثانية لزم أن تكون الحجة الواقعة بعدها التي هي مبدأ السنة الثانية من السنين النسيئية و منتهى السنة الأولى قد وقعت في رجب لأن المفروض عدم وقوع أزيد من حجتين في شهر و أن تكون الزيادة في السنة الأولى لا في الثانية و في الوتر من السنين التامة النسيئية لا في الشفع و أن تكون حجة الوداع الحجة الثانية الواقعة في ذي الحجة لا الأولى و هو خلاف المنقول و المروي فظهر أن الحجة الواقعة في جمادى الثانية في خلال عام مولده ص كانت الحجة الأولى فالحمل به ص في أيام التشريق في السنة السابقة في جمادى الأولى فمدة الحمل عشرة أشهر بلا زيادة و لا نقصان أو بزيادة يوم أو بنقصانه على ما ذهب إليه الكليني و بزيادة أيام على المشهور من أن يوم الولادة السابع عشر و قد مر بعض القول منا في ذلك في المجلد السادس في باب ولادته ص و قد ذكرنا هنا جملة من القول في الاختلاف الواقع في يوم مولده ص و لنذكر هنا أيضا بعض القول فيه لما انتهى الكلام إليه فإن الحديث ذو شجون فاعلم أنه لا خلاف في أن يوم الولادة الشريفة من أيام ربيع الأول في عام الفيل قبل الهجرة بثلاث و خمسين سنة و إنما الخلاف في أنه أي يوم من الشهر المذكور و لكن علماء الإمامية رضوان الله عليهم متفقون على كونه غير خارج من الثاني عشر و السابع عشر فالمشهور السابع عشر قال الشيخ المفيد ره في المقنعة ولد ص بمكة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل و صدع بالرسالة في يوم السابع و العشرين من رجب و له يومئذ أربعون سنة انتهى.
و نحو ذلك قال شيخ الطائفة و غيرهما من العلماء و المحدثين إلا ثقة الإسلام في‏

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 364
الكافي حيث قال ولد النبي ص لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال و روي أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة «1» و هو موافق لما هو المشهور بين العامة في الحرمين زاد الله في شرفهما و غيرهما من بلاد المخالفين و هذا القول مع ندرته بيننا قد أيد بوجوه.
الأول أن وفاته ص كانت في يوم الإثنين بالاتفاق و كانت إما لليلتين بقيتا من شهر صفر كما هو المشهور بين الشيعة أو في الثاني عشر من ربيع الأول كما في الكافي و هو أيضا مشهور بين المخالفين و على كل تقدير يكون لا محالة غرة ربيع الأول في السنة الحادية عشر من هجرته الموافقة لوفاته ص مطابقة ليوم الخميس و يلزم منه بالبرهان الحسابي أن يكون غرة ربيع الأول في سنة المولد يوم الإثنين أو يوم الثلاثاء إذ بين غرتي هذين الربيعين ثلاث و ستون سنة قمرية بلا زيادة و لا نقصان لعدم الخلاف في مدة عمره ص ثلاث و عشرون أو أربع و عشرون منها ذات كبيسة و الباقية خالية عنها و الترديد باعتبار عدم العلم بمبدإ الكبائس و بعد طرح الأسبوعات التامة من كل سنة يبقى من ذوات الكبائس خمسة أيام و من غيرها أربعة أيام و هذا ظاهر فيجتمع من بقايا أسبوعات تلك السنين مائتان و خمسة و سبعون أو ستة و سبعون يوما و الباقي منها بعد طرح سبعة سبعة اثنان أو ثلاثة فيلزم من ذلك أن تكون غرة ربيع المولد يوما من الأسبوع مقدما على يوم غرة ربيع الوفاة باثنين أو ثلاثة و كان هذا يوم الخميس فكان ذلك يوم الإثنين أو الثلاثاء كما ذكرنا و كونه يوم الثلاثاء ساقط بالاتفاق لعدم إمكان مطابقة الثاني عشر و لا السابع عشر على تقديره ل يوم الجمعة فتعين يوم الإثنين فيصادفه الثاني عشر دون السابع عشر و هو المطلوب.
و الثاني أن وفاة العسكري و انتقال الأمر إلى صاحب الزمان ع باتفاق الكليني و المفيد رضي الله عنهما في الكافي و الإرشاد كان في يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين من الهجرة «2» فكانت غرة الشهر المذكور أيضا
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 1، ص 439.
 (2) الكافي: ج 1، ص 503، الإرشاد: 325.

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 365
و ما بين غرة هذا الربيع و ربيع المولد ثلاثمائة و اثنتا عشرة سنة كاملة فيظهر بالحساب المتقدم أن بقايا أسبوعات أيام تلك السنين أربعة أو خمسة أيام فتكون غرة ربيع المولد مقدما على الجمعة بمثلها فيكون يوم الإثنين أو يوم الأحد و الثاني ساقط بالاتفاق و الأول مستلزم للمطلوب.
و الثالث أن غرة محرم الحرام لسنة الهجرة مضبوطة عند أهل الهيئة و الحساب بأنها كانت يوم الخميس بحسب الحساب و يوم الجمعة باعتبار رؤية الهلال كما هو مذكور في التحفة و الزيج الجديد و كذا غرة رجب المرجب سنة المبعث مضبوط بأنها كانت يوم الإثنين كما يظهر مما رواه الشيخ في المصباح من أن المبعث كان في يوم السبت و لم أطلع على خلاف فيه فيستفاد من هذين الضبطين أيضا دليلان آخران على هذا المطلوب.
و الرابع ذكر بعض الأفاضل ره أن غرة ربيع الأول فيما نحن فيه من الزمان سنة ثمان و ثمانين و ألف من الهجرة كانت يوم الثلاثاء بلا اشتباه و قد مضى حينئذ من غرة ربيع المولد ألف و مائة و أربعون سنة و من المقررات الحسابية المعلومة لأهل الخبرة أن في كل مائتين و عشر سنين يعود وضع أيام الأسابيع مع أيام الشهور العربية إلى ما كان ففي ألف و خمسين سنة يتم العود المذكور خمس مرات فيكفي لنا النظر في تتمتها و هي تسعون سنة ثلاث و ثلاثون منها ذات كبيسة و سبع و خمسون بلا كبيسة و قد عرفت أن الباقي من الأسبوعات كل من الأولى خمسة و من الثانية أربعة فمجموع البقايا ثلاثمائة و ثلاث و تسعون يوما و إذا طرحناه سبعة سبعة يبقى واحد فظهر أن غرة ربيع المولد مقدم على غرة ربيعنا بيوم و هذا كان يوم الثلاثاء فذلك كان يوم الإثنين و هو يستلزم المطلوب كما مر.
ثم قال ره فإن قيل ذكر الشيخ في المصباح و غيره رواية مشتملة على تفسير المولد بالسابع عشر قلنا لكونها منافية لمقتضى هذه الدلائل الحسابية الغير المشكوك فيها بل معارضة لما رواه أيضا في المصباح من موافقة المبعث يوم‏

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 366
السبت لعدم إمكان اجتماعهما على ما مر ينبغي حملها على أن لا يكون التفسير المذكور من كلام الإمام بل من كلام بعض الرواة لإزالة الإبهام عنها على حسب اعتقاده و مثل ذلك ليس بعزيز في الروايات.
ثم إذا أتقنت هذا المسلك يتبين لك الحق بمعونته في كثير مما وقع الخلاف فيه فمن ذلك أن الأمة بعد اتفاقهم على وقوع هجرة نبينا ص من مكة إلى المدينة في السنة الرابعة عشر من المبعث اختلفوا في شهرها و يومها بالنسبة إلى الشهر و بالنسبة إلى الأسبوع فقيل يوم الإثنين السادس و العشرون من صفر و قيل ليلة الإثنين السابع و العشرون منه و قيل يوم الخميس أول ربيع الأول و قيل يوم الثلاثاء ثامنه و قيل يوم الإثنين بدون ذكر شهرها و قيل أول ربيع الأول بدون ذكر يومه و قيل الرابع منه و قيل العاشر منه كذلك فهذه أقوال ثمانية و لما عرفنا ما مر من مطابقة غرة المحرم سنة الهجرة ليوم الخميس أو الجمعة و اطلعنا على سائر التواريخ المعلومة و من جملتها أن غرة ربيع المولد يوم الإثنين و أن بينها و بين غرة ربيع الهجرة ثلاثا و خمسين سنة و وجدناها مشتملة على أسابيع تامة بلا كسر و مستلزمة لموافقة غرتيهما يوما حصل لنا بتلك المعارف العلم بتهافت القولين الأولين لعدم موافقة السادس و العشرين و لا السابع و العشرين من صفر ليوم الإثنين و كذا بتهافت القول الثالث و الرابع لعدم مطابقة أول ربيع الأول للخميس و لا الثامن منه للثلاثاء ثم نعلم بارتفاع احتمال الثلاثاء و الخميس من البين تعين يوم الإثنين موافقا لليوم الخامس المروي عن ابن عباس بل عن رسول الله ص ثم بتعينه بطلان القولين الأخيرين لتنافيهما ثم ببطلانهما تعين أول ربيع الأول موافقا للقول السادس المنقول عن الشيخ المفيد ره فتبين لنا أن هجرته ص كانت في يوم الإثنين أول ربيع الأول و الحمد لله.
ثم بعد هذا التحقيق إذا نظرنا في تاريخ وصوله ص إلى المدينة و اختلاف القوم فيه فقيل لهلال ربيع الأول و قيل لليلتين خلتا منه و قيل لاثنتا عشرة مضت منه عرفنا بطلان القولين الأولين من طريق العادة فتعين القول الأخير

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 367
الذي ذهب إليه المفيد ره في حدائق الرياض و قد نقل ابن الجوزي في تلقيحه عن ابن سعد أنه هو المجمع عليه ثم بتعينه عرفنا أن ما نقله ابن الجوزي عن ابن عباس و غيره و ادعى صاحب روضة الصفا اتفاق أئمة الأخبار عليه من مصادفة يوم وصوله ص إلى المدينة ليوم الإثنين لا عبرة به لعدم إمكان اتفاق الأول و الثاني عشر من شهر في يوم فيكون وصوله ص يوم الجمعة فظهر أيضا فساد ما نقله عن عروة أنه مكث بقبا ثلاث ليال ثم ركب يوم الجمعة فالمعتمد هو ما نقله عن الزهري أنه ص نزل في بيت عمرو بن عوف بقبا فأقام به بضعة عشرة ليلة فإنه موافق‏
لما رواه الكليني في الروضة بإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين ع في ذكر إسلام علي ع و موضع الحاجة منه قوله ع حتى هاجر رسول الله ص إلى المدينة و خلف عليا ع في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره و كان خروج رسول الله ص من مكة في أول يوم من ربيع الأول و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث و قدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس فنزل بقبا فصلى الظهر ركعتين و العصر ركعتين ثم لم يزل مقيما ينتظر عليا ع يصلي الخمس صلوات ركعتين ركعتين و كان نازلا على عمرو بن عوف فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له أ تقيم عندنا فنتخذ لك منزلا و مسجدا فيقول لا إني أنتظر علي بن أبي طالب و قد أمرته أن يلحقني و لست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي و ما أسرعه إن شاء الله تعالى فقدم علي ع و النبي ص في بيت عمرو بن عوف فنزل معه ثم إن رسول الله ص لما قدم علي ع تحول من قبا إلى بني سالم بن عوف و علي ع معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس فخط لهم مسجدا و نصب قبلته فصلى بهم فيه الجمعة ركعتين و خطب خطبتين ثم راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها و علي معه لا يفارقه يمشي بمشيه «1».
الحديث.
و لا يخفى أن فيه إشكالين أحدهما في قوله و ذلك يوم الخميس لما عرفت‏
__________________________________________________
 (1) روضة الكافي: 339.

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 368
أن أول ربيع الأول في سنة الهجرة يوم الإثنين و الآخر في قوله من سنة ثلاث عشرة من المبعث لما عرفت أيضا من الاتفاق على كونه في السنة الرابعة عشر منه و يمكن توجيه الأول بأن ذلك ليس إشارة إلى أول يوم و لا إلى خروج رسول الله ص كما يتبادر إلى الأذهان بل إلى التخليف المذكور قبلهما و لعل هذا أقرب إلى ذلك لفظا لكونه أبعد و معنى لما نقل أنه ص توقف بعد خروجه من مكة في الغار المشهور ثلاثة أيام و كان علي ع يصل إليه فيه سرا فالظاهر أن تخليفه فيما أوصى إليه من أموره كان عند ارتحاله عنه فتدبر و توجيه الثاني بأن الاتفاق على كونها في الرابعة عشر مبني على أن المبعث كان في رجب و مبدأ السنة عند العرب هو المحرم فما بعد المحرم إلى رجب من جملة السنة الثالثة عشر من المبعث و إن كان معدودا عندهم من الرابعة عشر باعتبار مبدإ السنة فهما متوافقان معنى و المخالفة إنما هي في اللفظ فقط و من ذلك اختلاف القوم بعد اتفاقهم على وقوع نص غدير خم في ثامن عشر ذي الحجة من السنة العاشرة الهجرية في خصوص يوم «1» الأسبوعي فنقل عن ابن مردويه و عن أخطب خوارزم مرويا عن أبي سعيد الخدري أنه كان يوم الخميس و قال بعض الشيعة إنه كان يوم الجمعة و ما نقل في حبيب السير من اتفاق المورخين على أن يوم عرفة في حجة الوداع كان مطابقا ل يوم الجمعة مقتض للقول منهم بكونه يوم الأحد
و كذا ما يتوهم مما في كتاب الحجة من الكافي في أثناء رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع حيث قال: بعد بيان نزول الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج ثم نزلت الولاية و إنما أتاه ذلك يوم الجمعة بعرفة أنزل الله عز و جل اليوم أكملت لكم دينكم «2» الحديث.
و كونه توهما لأنه لا يصح أن يكون المراد بلفظ عرفة هاهنا يوم عرفة لمكان الباء و لا الموقف لا لأن اسمه عرفات و إطلاق عرفة عليه شبيه بمولد كما في الصحاح و القاموس فإنها مستعملة فيه في كثير من روايات‏
__________________________________________________
 (1) كذا، و الصواب «اليوم الاسبوعى».
 (2) الكافي: ج 1، ص 290.

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 369
كتاب الحج من الكافي و الفقيه بل لظاهر الروايات عن أهل البيت ع بأن نزولها ما بين مكة و المدينة بعد الانصراف من حجة الوداع موافقا لما نقل في مجمع البيان عن الربيع بن أنس إما قبل وصوله إلى غدير خم كما روي في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر ع و إما بعده كما روي في مجمع البيان و غيره عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع موافقا لما رواه المخالفون عن أبي سعيد الخدري و وجه الجمع حمل النزول في الأول على تمهيد ما ينزل أو في الثاني على إقامة ما نزل بالتبليغ فلو كان هذا اللفظ هاهنا من كلام الإمام ع لاحتمل أن يكون عرفة بالضم إذ هي كما في القاموس اسم لثلاثة عشر موضعا فلا يبعد أن يكون أحدها قريبا من غدير خم هذا و لكن التحقيق أن ليس شي‏ء من هذه الأيام الثلاثة موافقا للتواريخ المضبوطة المعلومة مع اختلافها بالنسبة إليه قربا و بعدا فإن أقربها منه غرة صفر في السنة الحادية عشرة من الهجرة سنة وفاة النبي ص و هي كما ظهر مما مر كانت مطابقة للثلاثاء فكانت غرة المحرم فيها موافقة للأحد أو الإثنين فكانت غرة ذي الحجة من السنة السابقة العاشرة من الهجرة غير خارجة عن الجمعة و السبت و الأحد فكانت الثامن عشر منه لا يخلو من الإثنين و الثلاثاء و الأربعاء و إن أبعدها عنه غرة ذي الحجة من سنة سبع و ثمانين و ألف قبيل ما نحن فيه من الزمان و هي كانت يوم الخميس بحسب الحساب و الرؤية جميعا بلا اشتباه و غرة ذي الحجة من السنة العاشرة مقدمة عليها بألف و سبع و سبعين سنة تامة فبطريق الحساب الذي مر بيانه يكون الباقي منها بعد طرح أسبوعاتها ستة فتكون مطابقة للجمعة فكان ثامن عشرة مصادفا ليوم الإثنين فيدل كل من هذين التاريخين المعلومين على خلاف كل من الأقوال الثلاثة و يدل على تعين رابع هو يوم الإثنين و يطابقه أيضا ما ضبط ابن الجوزي في التلقيح من أن قتل عثمان كان في يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس و ثلاثين فإن ما بينهما خمس و عشرون سنة كاملة و الباقي بعد طرح أسبوعاتها أربعة فإذا كان هذا يوم الجمعة فكان ذلك مقدما عليه بأربعة أيام فكان يوم الإثنين و يوافقه أيضا

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 370
ما ذكره الطبري في تاريخه من أن أول جمعة صلى علي ع بالناس و خطب بهم بعد قتل عثمان كان مطابقا للخامس و العشرين من ذي الحجة كما لا يخفى.
فإن قلت الصدوق ره‏
قال في الفقيه و روي أنه ما طلعت الشمس في يوم أفضل من يوم الجمعة و كان اليوم الذي نصب فيه رسول الله ص أمير المؤمنين ع بغدير خم يوم الجمعة «1».
الحديث قلنا أولا أن دأبه ره في هذا الكتاب أن يذكر ما لم يعتمد عليه من الروايات بهذا السياق.
و ثانيا أن قوله و كان اليوم الذي إلى آخره يجوز أن يكون من عبارة الراوي أو من عبارته على طبق طريقته في هذا الكتاب من إدراج كلامه كثيرا بين الأحاديث بدون علامة فاصلة بينهما و يؤيدهما أن مثل صدر هذا الحديث مروي في التهذيب و الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع بدون هذه التتمة «2» و في الكافي أيضا عن إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن أبي جعفر أو أبي عبد الله ع مع تتمة أخرى «3». و ثالثا أنه يمكن أن يوجه فيحمل اليوم الذي نصب فيه علي على اليوم الذي نزل فيه الأمر بالنصب المذكور أو على اليوم المقدر فيه ذلك و هو يوم الميثاق أو يقال أفاد ع أحد هذين المعنيين بلفظ آخر فنقله بعض الرواة بهذا اللفظ على طبق وهمه فيطابق على الأول ما مر من رواية أبي الجارود و على الثاني ما روي في الباب المذكور من الكافي و التهذيب‏
عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال: قال له رجل كيف سميت الجمعة قال إن الله عز و جل جمع فيها خلقه لولاية محمد ص و وصيه في الميثاق فسماه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه «4».
الحديث فتأمل.
__________________________________________________
 (1) الفقيه: 113.
 (2) الكافي: ج 3، ص 413.
 (3) الكافي: ج 3، ص 415.
 (4) الكافي: ج 3، ص 415.

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 371
و من ذلك أنهم بعد اتفاقهم على وقوع الواقعة العظمى بكربلاء في العاشر من المحرم سنة إحدى و ستين من الهجرة اختلفوا في يومه الأسبوعي فقيل كان يوم الجمعة و قيل يوم السبت و قيل يوم الإثنين و التواريخ المعلومة المضبوطة لا توافق شيئا منها فإن أقربها إلى يوم الغدير في السنة العاشرة و كونها مطابقة للإثنين على ما مر مستلزم لعدم خروج غرة المحرم في الحادية عشر عن السبت و الأحد و ما بين المحرمين خمسون سنة تامة و الباقي من أسبوعاتها واحد و يحتمل اثنين أيضا من جهة زيادة الكبائس لو فرضنا مثلا مبدأ الخمسين المذكور مطابقا لخامس الثلاثين المعتبر فيها الكبائس لإحدى عشرة كما لا يخفى على أهل الخبرة فيلزم أن يكون غرة المحرم في سنة إحدى و ستين مؤخرة عن السبت أو الأحد بواحد أو اثنين فيكون موافقا للأحد أو الإثنين أو الثلاثاء فعاشره لا يخرج عن الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و أبعد التواريخ المذكورة عنها غرة المحرم فيما نحن فيه من السنة الثامنة و الثمانين بعد الألف و هي كما ثبت بالحساب و الرؤية جميعا بلا اشتباه كانت يوم الجمعة و ما بين ذينك المحرمين ألف و سبع و عشرون سنة فإذا أسقطنا عنها ثمانمائة و أربعين أربع دورات تامة كل منها مائتان و عشر سنين على ما مر وجهه يبقى مائة و سبع و ثمانون سنة و الباقي من أسبوعاتها خمسة مع احتمال أربعة أيضا من جهة نقصان الكبائس لو فرضنا مثلا مبدأ المدة المذكورة مطابقا لثالث الثلاثين المذكور فيلزم أن يكون غرة ذلك المحرم مقدمة على غرة محرم سنتنا بخمسة أو أربعة فكانت يوم الأحد أو الإثنين فعاشره لا يخرج عن الثلاثاء و الأربعاء و سائر التواريخ المعلومة أيضا دالة على مثل ما دل عليه هذان التاريخان من حال الأقوال المذكورة بالنسبة إلى القواعد الحسابية.
فإن قلت القول الأخير مضبوط في الكافي و الثاني في إرشاد المفيد على التعيين و الثلاثة في مقنعته على الترديد و بالجملة القدر المشترك بينها هو مما اتفق عليه الشيخان الجليلان.
قلنا اتفاقهما بل نقل كل منهما مقبول ما لم يظهر في خلافه ما لا يعتريه الشك‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 372
و الشبهة و أما مع ذلك فالعذر واضح و باب التأويل مفتوح و الله أعلم بحقائق الأمور.
و من ذلك أن ابن إدريس ره في سرائره بعد ذكر فضيلة أيام ذي الحجة و ما وقع فيها قال و في اليوم السادس و العشرين منه سنة ثلاث و عشرين من الهجرة طعن عمر بن الخطاب فينبغي للإنسان أن يصوم هذه الأيام فإن فيها فضلا كثيرا و ثوابا جزيلا و قد تلبس على بعض أصحابنا يوم قبض عمر بن الخطاب فيظن أنه اليوم التاسع من ربيع الأول و هذا خطأ من قائله بإجماع أهل التواريخ و السير و قد حقق ذلك شيخنا المفيد في كتاب التواريخ و ذهب إلى ما نقلناه انتهى.
ثم إن صاحب كتاب أنيس العابدين على طبق الكفعمي في ذكر أعمال أيام ربيع الأول قال و تاسعه روى فيه صاحب مسار الشيعة أن من أنفق شيئا غفر له و يستحب فيه إطعام الإخوان و تطييبهم و التوسعة في النفقة و لبس الجديد و الشكر و العبادة و هو يوم نفي الهموم و روي أنه ليس فيه صوم و جمهور الشيعة يزعمون أن فيه قتل عمر بن الخطاب و ليس بصحيح ثم ذكر مضمون السرائر و كتاب التواريخ ثم قال و إنما قتل عمر يوم الإثنين لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث و عشرين من الهجرة نص على ذلك صاحب الغرة و صاحب المعجم و صاحب الطبقات و صاحب كتاب مسار الشيعة و ابن طاوس بل الإجماع حاصل من الشيعة و السنة على ذلك انتهى.
و فيه أن اليوم المذكور من ذي الحجة من السنة المذكورة لا يمكن كونه موافقا ليوم الإثنين بل الضوابط الحسابية على نحو ما مر تدل على أنه غير خارج عن الثلاثاء و الأربعاء فالقول بهما مشتمل على التهافت.
أقول أكثر ذلك ذكره بعض أفاضل المدققين ممن كان في عصرنا ره و لقد دقق و أفاد و أحسن و أجاد لكن بعض المقدمات المذكورة مبتنية على أقوال بعض العلماء تبع فيها بعضهم بعضا أخذا من بعض المورخين فعدها من الإجماعيات و ليس من الإجماع في شي‏ء فلا يمكن القدح بها في الأخبار المعتبرة
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 373
و بعضها متفرعة على ما ظهر لهم من الأرصاد المختلفة في الكسور و الكبائس مع أن حسابهم مبني على الأمر الأوسط في القمر و قد تتقدم الرؤية عليه بيومين و تتأخر بيومين لما مر أنه قد تتوالى أربعة من الشهور تامة و قد تتوالى ثلاثة من الشهور ناقصة مع أنه قد يمكن تأخر أول الشهور و تأخره بأكثر من ذلك لمانع غيم أو غيره فيمكن أن يكون ما ورد في الأخبار مبنيا على حكم ظاهر الشرع لا على قوانين الهيئة و مع ذلك كله يصلح أن يكون مرجحا لبعض الأقوال و الأخبار المختلفة و لذا أطلنا الكلام بذكرها و سنعيد القول في كل منها في بابه إن شاء الله تعالى و قد مر الكلام في بعضها و الله الموفق للحق و الصواب.

 

ماجرای برائت

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏21، ص: 264
باب 31 نزول سورة براءة و بعث النبي ص عليا ع بها ليقرأها على الناس في الموسم بمكة
الآيات التوبة براءة من الله و رسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر و اعلموا أنكم غير معجزي الله و أن الله مخزي الكافرين و أذان من الله و رسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بري‏ء من المشركين و رسوله فإن تبتم فهو خير لكم و إن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله و بشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا و لم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون كيف يكون للمشركين عهد عند الله و عند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين كيف و إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا و لا ذمة يرضونكم بأفواههم و تأبى قلوبهم و أكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا و لا ذمة و أولئك هم المعتدون فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فإخوانكم في الدين و نفصل الآيات لقوم يعلمون و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون أ لا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم و هموا بإخراج الرسول و هم بدؤكم أول مرة أ تخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم‏
                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏21، ص: 265
و يخزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين و يذهب غيظ قلوبهم و يتوب الله على من يشاء و الله عليم حكيم و قال تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا و إن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم تفسير قال الطبرسي رحمه الله براءة أي هذه براءة من الله و رسوله أي انقطاع العصمة و رفع الأمان و خروج عن العهود إلى الذين عاهدتم من المشركين الخطاب للنبي ص و للمسلمين و المعنى تبرؤا ممن كان بينكم و بينهم عهد من المشركين فإن الله و رسوله بريئان منهم و إذا قيل كيف يجوز أن ينقض النبي ص العهد فالقول فيه أنه يجوز أن ينقض ذلك على أحد ثلاثة أوجه إما أن يكون العهد مشروطا بأن يبقى إلى أن يرفعه الله بوحي و إما أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة و نقض فأمر الله سبحانه بأن ينبذ إليهم عهدهم و إما أن يكون مؤجلا إلى مدة فتنقضي المدة و ينتقض العهد و قد وردت الرواية بأن النبي ص شرط عليهم ما ذكرناه و روي أيضا أن المشركين كانوا قد نقضوا العهد أو هموا بذلك فأمر الله سبحانه أن ينقض عهودهم ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال فسيحوا في الأرض أي سيروا في الأرض على وجه المهل و تصرفوا في حوائجكم آمنين من السيف أربعة أشهر فإذا انقضت هذه المدة و لم تسلموا انقطعت العصمة عن دمائكم و أموالكم و اعلموا أنكم غير معجزي الله أي غير فائتين عن الله كما يفوت ما يعجز عنه لأنكم حيث كنتم في سلطان الله و ملكه و أن الله مخزي الكافرين أي مذلهم و مهينهم و اختلف في هذه الأشهر الأربعة
فقيل كان ابتداؤها يوم النحر إلى العاشر من شهر ربيع الآخر- و هو المروي عن أبي عبد الله ع.
و قيل إنما ابتداء الأشهر الأربعة من أول الشوال «1» إلى آخر المحرم و قيل كان ابتداء الأشهر الأربعة يوم‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر: من اول شوال.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏21، ص: 266

النحر لعشر من ذي القعدة إلى عشر من شهر ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة و فيها حجة الوداع و كان سبب ذلك النسي‏ء

 

 

حج سرّی رسول الله صلی الله علیه و آله

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏21، ص: 398
22- ع، علل الشرائع السناني و الدقاق و المكتب و الوراق و القطان جميعا عن ابن زكريا القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عن أبي الحسن العبدي عن سليمان بن مهران قال: قلت لجعفر بن محمد ع كم حج رسول الله ص فقال عشرين حجة مستسرا «1» في كل حجة يمر بالمأزمين فينزل فيبول فقلت يا ابن رسول الله و لم كان ينزل هناك فيبول قال لأنه أول موضع عبد فيه الأصنام و منه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمى به علي ع من ظهر الكعبة لما علا ظهر رسول الله ص فأمر بدفنه عند باب بني شيبة فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك الخبر «2».
بيان: لعل الاستسرار بالحج من قومه مع أنهم كانوا لا ينكرون الحج للنسي‏ء لأنهم كانوا يحجون في غير أوانه أو لمخالفة أفعاله لأفعالهم للبدع التي أبدعوها في حجهم و الأول أظهر.

 

حار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏21، ص: 399
26- كا، الكافي العدة عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن عيسى الفراء عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال: حج رسول الله ص عشر حجات مستسرا في كلها يمر بالمأزمين فينزل و يبول «6».
بيان: الظاهر أنه كان عشرين فوقع التصحيف من النساخ أو الرواة كما روى هذا الخبر بعينه ابن فضال عن هذا الراوي بعينه و فيه عشرين على أنه يمكن أن يكون العشرون الحج و العمرة معا تغليبا أو يكون المراد بالعشر ما كان بكلها مستسرا بسبب النسي‏ء و بالعشرين أعم منها و مما كان ببعض أعمالها مستسرا بسبب البدع.

 

 

لعن الله المحلّل

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏22، ص: 136
120- كا، الكافي أبو علي الأشعري عن محمد بن سالم و علي عن أبيه جميعا عن أحمد بن النضر و محمد بن يحيى عن محمد بن أبي القاسم عن الحسين بن أبي قتادة جميعا عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال: خرج رسول الله ص لعرض «1» الخيل فمر بقبر أبي أحيحة فقال أبو بكر لعن الله صاحب هذا القبر فو الله إن كان ليصد عن سبيل الله و يكذب رسول الله ص فقال خالد ابنه بل لعن الله أبا قحافة فو الله ما كان يقري الضيف و لا يقاتل العدو فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا فألقى رسول الله ص خطام راحلته على غاربها ثم قال إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا و لا تخصوا فيغضب ولده ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن إن من أمر هذا الفرس كيت و كيت فقال رسول الله ص ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال عيينة و أنا أعلم بالرجال منك فغضب رسول الله ص حتى ظهر الدم في وجهه فقال له فأي الرجال أفضل فقال عيينة بن حصن رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم و رماحهم على كواثب خيلهم ثم يضربون بها قدما قدما فقال رسول الله ص كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل الإيمان يماني «2» و الحكمة يمانية و لو لا الهجرة لكنت امرأ من أهل اليمن الجفاء و القسوة في الفدادين أصحاب الوبر ربيعة و مضر من حيث يطلع قرن الشمس و مذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة و حضرموت خير من عامر بن صعصعة و روى بعضهم خير من الحارث بن معاوية و بجيلة خير من رعل و ذكوان و إن يهلك لحيان فلا أبالي ثم قال لعن الله الملوك الأربعة جمدا و مخوسا و مشرحا و أبضعة و أختهم العمردة لعن الله المحلل و المحلل له و من توالى «3» غير مواليه و من ادعى نسبا لا يعرف و المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و من أحدث حدثا
__________________________________________________
 (1) يعرض خ ل.
 (2) يمان خ ل.
 (3) في المصدر: و من يوالى غير مواليه.
                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏22، ص: 137
في الإسلام أو آوى محدثا و من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه و من لعن أبويه فقال رجل يا رسول الله أ يوجد رجل يلعن أبويه فقال نعم يلعن آباء الرجال و أمهاتهم فيلعنون أبويه لعن الله رعلا و ذكوان و عضلا و لحيان و المجذمين من أسد و غطفان و أبا سفيان بن حرب و شهيلا «1» ذا الأسنان و ابني مليكة بن جزيم و مروان و هوذة و هونة «2».
بيان:...
قوله ص لعن الله المحلل قال في النهاية فيه لعن الله المحلل و المحلل له و في رواية المحل و المحل له و في حديث بعض الصحابة لا أوتي بحال و لا محلل إلا رجمته جعل الزمخشري هذا الأخير حديثا لا أثرا و في هذه اللفظة ثلاث لغات حللت و أحللت و حللت فعلى الأولى جاء الأول يقال حلل فهو محلل و محلل له و على الثانية جاء الثاني تقول أحل فهو محل و محل له و على الثالثة جاء الثالث تقول حللت فأنا حال و هو محلول له و المعنى في الجميع هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا فيتزوجها رجل آخر على شريطة أن يطلقها بعد وطئها لتحل لزوجها الأول و قيل سمي محللا بقصده إلى التحليل كما يسمى مشتريا إذا قصد الشراء انتهى.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏22، ص: 139
و قال الطيبي في شرح المشكاة و إنما لعن لأنه هتك مروة و قلة حمية و خسة نفس و هو بالنسبة إلى المحلل له ظاهر و أما المحلل فإنه كالتيس يعير نفسه بالوطء لغرض الغير انتهى.
أقول مع الاشتراط ذهب أكثر العامة إلى بطلان النكاح و لذا أولوا التحليل بقصده و لا يبعد القول بالبطلان على أصول الأصحاب أيضا ثم اعلم أنه يمكن أن يؤول الخبر على وجهين آخرين أحدهما أن يكون إشارة إلى تحليل القتال في الأشهر الحرم للنسي‏ء كما مر و قال الزمخشري كان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية و كان يقوم على جمل في الموسم

فيقول بأعلى صوت إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ثم يقوم في القابل فيقول إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه‏

 

لا صفر

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 318
9- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن النضر بن قرواش الجمال قال: سألت أبا عبد الله ع عن الجمال يكون بها الجرب أعزلها من إبلي مخافة أن يعديها جربها و الدابة ربما صفرت لها حتى تشرب الماء فقال أبو عبد الله ع إن أعرابيا أتى رسول الله ص فقال يا رسول الله إني أصيب الشاة و البقرة و الناقة بالثمن اليسير و بها جرب فأكره شراءها مخافة أن يعدي ذلك الجرب إبلي و غنمي فقال له رسول الله ص يا أعرابي فمن أعدى الأول ثم قال رسول الله ص لا عدوى و لا طيرة و لا هامة و لا شؤم و لا صفر و لا رضاع بعد فصال و لا تعرب بعد هجرة و لا صمت يوما إلى الليل و لا طلاق قبل نكاح و لا عتق قبل ملك و لا يتم بعد إدراك «

...

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏55، ص: 321
و لا صفر قال في النهاية كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال له الصفر تصيب الإنسان إذا جاع و تؤذيه و أنها تعدي فأبطل الإسلام ذلك و قيل أراد به النسي‏ء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية و هو تأخير المحرم إلى صفر و يجعلون صفر هو الشهر الحرام فأبطله «2» انتهى و قيل هو الشهر المعروف زعموا أنه تكثر فيه الدواهي و الفتن فنفاه الشارع و يحتمل أن يكون المراد هنا النهي عن الصفير بقرينة أنه ع لم يذكر الجواب عنه و هو بعيد و الظاهر أن الراوي ترك جواب الصفير و يظهر من بعض الأخبار كراهته.

 

 

ولادت امیرالمومنین صلوات الله علیه

ولادت امیرالمومنین ع و سیزده رجب

37- ما، «5» الأمالي للشيخ الطوسي محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان عن أحمد بن محمد بن أيوب عن‏

__________________________________________________
 (1) العيون: 223.
 (2) في المصدر: من طهر إلى طهر.
 (3) أمالي الشيخ: 217.
 (4) أمالي الشيخ: 185.
 (5) من هنا إلى آخر الباب لا يوجد في (ت) و الظاهر أن المصنف قده قد كتب نسخة من هذا المجلد و أخرجها إلى البياض ثم ظفر بعد ذلك على روايات أخر تناسب الأبواب فأدخلها فيها كما في هذا الباب* أقول: و لذا ترى أن الروايتين الآتيتين انما تناسبان صدر الباب و قد أوردتا في ذيله، ثم اللازم ادخالهما قبل الحوالة: «أقول: أوردت إلخ» و قد أدخلتا بعدها (ب).
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏35، ص: 36
عمرو بن الحسن «1» القاضي عن عبد الله بن محمد عن أبي حبيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عائشة قال ابن شاذان و حدثني سهل «2» بن أحمد عن أحمد بن عمر الربيعي عن زكريا بن يحيى عن أبي داود عن شعبة عن قتادة عن أنس عن العباس بن عبد المطلب قال ابن شاذان و حدثني إبراهيم بن علي بإسناده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن آبائه ع قال: كان العباس بن عبد المطلب و يزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين ع و كانت حاملة بأمير المؤمنين تسعة «3» أشهر و كان يوم التمام قال فوقفت بإزاء البيت الحرام و قد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء و قالت أي رب إني مؤمنة بك و بما جاء به من عندك الرسول و بكل نبي من أنبيائك و بكل كتاب أنزلته و إني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل و إنه بنى بيتك العتيق فأسألك بحق هذا البيت و من بناه و بهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني و يؤنسني بحديثه و أنا موقنة أنه إحدى آياتك و دلائلك لما يسرت علي ولادتي قال العباس بن عبد المطلب و يزيد بن قعنب فلما تكلمت «4» فاطمة بنت أسد و دعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره و دخلت فاطمة فيه و غابت عن أبصارنا «5» ثم عادت الفتحة و التزقت بإذن الله فرمنا «6» أن نفتح الباب لتصل «7» إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله تعالى و بقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام قال و أهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك و تتحدث‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر. عمر بن الحسن.
 (2) في (ك): «سهيل» و هو مصحف.
 (3) في المصدر: لتسعة.
 (4) في المصدر: لما تكلمت.
 (5) في المصدر: و غابت من ابصارنا. و هو مصحف.
 (6) أي أردنا و قصدنا.
 (7) في المصدر: ليصل.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏35، ص: 37
المخدرات في خدورهن قال فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه فخرجت فاطمة و علي ع على يديها ثم قالت معاشر الناس إن الله عز و جل اختارني من خلقه و فضلني على المختارات ممن كن قبلي «1» و قد اختار الله آسية بنت مزاحم و إنها «2» عبدت الله سرا في موضع لا يجب «3» أن يعبد الله فيها إلا اضطرارا و إن مريم بنت عمران اختارها الله حيث يسر عليها ولادة عيسى فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا و إن الله تعالى اختارني و فضلني عليهما و على كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق و بقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة و أرواقها «4» [أرزاقها] فلما أردت أن أخرج و ولدي على يدي هتف بي هاتف و قال يا فاطمة سميه عليا فأنا العلي الأعلى و إني خلقته من قدرتي و عز جلالي «5» و قسط عدلي و اشتققت اسمه من اسمي و أدبته بأدبي و فوضت إليه أمري و وقفته على غامض علمي و ولد في بيتي و هو أول من يؤذن فوق بيتي و يكسر الأصنام و يرميها على وجهها و يعظمني و يمجدني و يهللني و هو الإمام بعد حبيبي و نبيي و خيرتي من خلقي محمد رسولي و وصيه فطوبى لمن أحبه و نصره و الويل لمن عصاه و خذله و جحد حقه قال فلما رآه أبو طالب سر و قال علي ع السلام عليك يا أبه و رحمة الله و بركاته ثم قال دخل «6» رسول الله ص فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين ع و ضحك في وجهه و قال السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته قال ثم تنحنح بإذن الله تعالى و قال- بسم الله الرحمن الرحيم- قد أفلح المؤمنون- الذين هم في صلاتهم خاشعون إلى آخر الآيات فقال رسول الله ص قد أفلحوا بك و قرأ تمام الآيات إلى قوله أولئك هم الوارثون‏

__________________________________________________
 (1) في المصدر: ممن مضى قبلى.
 (2) في المصدر: فانها.
 (3) في المصدر: و في (ح): لا يحب و قد مضى نظيره في ص: 9.
 (4) في (ك) و اوراقها و هو مصحف و قد مضى في ص: 9.
 (5) في المصدر: و عزة جلالى.
 (6) في المصدر: قال: ثم دخل.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏35، ص: 38
الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فقال رسول الله ص أنت و الله أميرهم- أمير المؤمنين تميرهم من علومهم «1» فيمتارون و أنت و الله دليلهم و بك يهتدون ثم قال رسول الله ص لفاطمة اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به فقالت و إذا خرجت «2» أنا فمن يرويه قال أنا أرويه فقالت فاطمة أنت ترويه قال نعم فوضع رسول الله ص لسانه في فيه- فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قال فسمي ذلك اليوم يوم التروية فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي إلى أعنان السماء قال ثم شدته و قمطته بقماط فبتر القماط «3» قال فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط ثم جعلته في قماطين فبترهما فجعلته ثلاثة فبترها فجعلته «4» أربعة أقمطة من رق «5» مصر لصلابته فبترها فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلها فجعلته ستة من ديباج و واحدا من الأدم فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله ثم قال بعد ذلك يا أمه- لا تشدي يدي فإني أحتاج أن أبصبص «6» لربي بإصبعي قال فقال أبو طالب عند ذلك إنه سيكون له شأن و نبأ قال «7» فلما كان من غد دخل رسول الله على فاطمة فلما بصر علي برسول الله ص سلم عليه و ضحك في وجهه و أشار إليه أن خذني إليك و اسقني بما سقيتني بالأمس قال فأخذه رسول الله ص فقالت فاطمة عرفه و رب الكعبة قال فلكلام فاطمة سمي ذلك اليوم يوم عرفة يعني «8» أن أمير المؤمنين ع عرف رسول الله ص فلما كان اليوم الثالث و كان العاشر من ذي الحجة أذن أبو طالب في الناس أذانا جامعا و قال هلموا إلى وليمة ابني علي قال و نحر
__________________________________________________
 (1) كذا في نسخ الكتاب، و في المصدر: تميرهم من علومك.
 (2) في (م) و (ح): إذا خرجت. و في المصدر: فاذا خرجت.
 (3) أي قطعه و القماط: خرقة عريضة تلف على الصبى و يشد به يداه و رجلاه.
 (4) في المصدر: فجعلت.
 (5) الرق- بفتح الراء- جلد رقيق يكتب فيه.
 (6) في المصدر: الى أن أبصبص.
 (7) ليست في المصدر كلمة «قال».
 (8) في المصدر: تعنى.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏35، ص: 39
ثلاثمائة من الإبل و ألف رأس من البقر و الغنم و اتخذ وليمة عظيمة و قال معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا و طوفوا بالبيت سبعا سبعا «1» و ادخلوا و سلموا على ولدي علي فإن الله شرفه و لفعل أبي طالب شرف يوم النحر «2».
بيان: لا يخفى مخالفة هذا الخبر لما مر من التواريخ و يمكن حمله على النسي‏ء «3» الذي كانت قريش ابتدعوه في الجاهلية بأن يكون ولادته ع في رجب أو شعبان و هم أوقعوا الحج في تلك السنة في أحدهما و بشعبان أوفق و الله يعلم «4».

__________________________________________________
 (1) كذا في نسخ الكتاب، و في المصدر: و طوفوا بالبيت سبعا.
 (2) أمالي ابن الشيخ. 80- 82.
 (3) قال الله سبحانه: «إنما النسي‏ء زيادة في الكفر»
 الآية؛ سورة التوبة 38 و قد اختلف المفسرون في معنى النسى‏ء، قال مجاهد: كان المشركون يحجون في شهر عامين، فحجوا في ذى الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين و كذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذى القعدة، ثم حج النبي صلى الله عليه و آله في العام القابل حجة الوداع فوافقت في ذى الحجة؛ الى آخر ما ذكره و قال أبو ريحان البيرونى في الآثار الباقية ما حاصله:
إن السنة القمرية تتقدم على الشمسية عشرة أيام تقريبا في كل عام، فإذا مضى ثلاثة اعوام صار المتأخر بمقدار شهر، و كانوا يزيدون على السنة الثالثة شهرا و يجعلون اول السنة الرابعة من صفر و يسمونه محرما، فكان يقع حجهم في تلك السنة في محرم ثم بعد سنتين في صفر و هكذا.
و ذكر النيشابورى في تفسيره ما يقرب من ذلك.
اذا عرفت هذا فيمكن توجيه الخبر على ما ذكره المصنف قدس سره الشريف، بأن يكون ولادته عليه السلام في رجب و المشركون أيضا أوقعوا الحج في تلك السنة فيه لاجل النسى‏ء، فصار ولادته عليه السلام في أيام الحج الذي ابتدعوه لا في ذى الحجة واقعا.
و اما كونه بشعبان اوفق فلعله لاجل الرواية التي رواها صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام و قد ذكرها المصنف راجع رقم 7 من الباب ص 7.

 

 

نسیء در تاریخ

نوروز و نسیء

                        بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏56، ص: 132
من هذا التصوير أن ما اشتهر من مطابقة نيروزهم ليوم انتقال الخلافة الصورية أيضا إلى أمير المؤمنين ع بعد قتل عثمان كمطابقته ليوم الغدير إن كان مستندا إلى نص كما قيل يؤيد الاحتمال الأول فإن كلا من الواقعتين كان في أواخر شهر ذي الحجة الحرام و بينهما خمس و عشرون سنة و لا يمكن أن يتفق ذلك بدون إسقاط إلا في نيف و ثلاثين سنة فالنص على كون كل من اليومين مطابقا للنيروز هو في حكم النص على اعتبار الإسقاط المذكور و أيضا ثبوت الواقعتين المذكورتين في النيروز من أوضح الدلائل على بطلان كون المراد به يوم نزول الشمس ببرج الحمل فإن اتفاق نيروزين بهذا المعنى في شهر من الشهور العربية بفاصلة المدة المذكورة غير ممكن قطعا فمن استدل بثبوت الواقعتين المذكورتين في النيروز على كون المراد به الاعتدال الربيعي فقد جعل ما يدل صريحا على بطلان شي‏ء دليلا على صحته انتهى.
و أقول مما يؤيد ما مر ما ذكره أبو ريحان في كتاب الآثار الباقية من القرون الخالية حيث قال في عداد التواريخ المشهورة ثم تاريخ ملك يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز و هو على سني الفرس غير مكبوسة و قد استعمل في الأزياج لسهولة العمل به و إنما اشتهر تاريخ هذا الملك من بين سائر ملوك فارس لأنه قام بعد تبدد الملك و استيلاء النساء عليه و المتغلبة ممن لا يستحقه و كان مع ذلك آخر ملوكهم و جرت على يده أكثر الحروب المذكورة و الوقائع المشهورة مع عمر بن الخطاب حتى زالت الدولة و انهزم فقتل بمرو الشاهجان.
ثم قال ثم تاريخ أحمد بن طلحة المعتضد بالله و هو على سني الروم و شهور الفرس بمأخذ آخر و هو أنها تكبس في كل أربع سنين بيوم و كان السبب في ذلك على ما ذكر أبو بكر الصولي و حمزة بن الحسن الأصبهاني أن المتوكل بينا هو يطوف في متصيد له إذ رأى زرعا لم يدرك بعد و لم يستحصد فقال استأذنني عبيد الله بن يحيى في فتح الخراج و أرى الزرع أخضر فمن أين يعطى الناس الخراج فقيل له إن هذا قد أضر بالناس فهم يقترضون و يتسلفون و ينجلون عن أوطانهم‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏56، ص: 133
و كثرت لهم شكاياتهم فقال هذا شي‏ء حدث في أيامي أم لم يزل كذا فقيل له بل هو جار على ما أسسه ملوك الفرس من المطالبة بالخراج في إبان النيروز و صاروا به قدوة لملوك العرب فأحضر المؤبد و قال له قد كثر الخوض في هذا و لست أتعدى رسوم الفرس فكيف كانوا يفتحون الخراج على الرعية مع ما كانوا عليه من الإحسان و النظر و لم استجازوا المطالبة في هذا الوقت الذي لم تدرك فيه الغلات و الزروع فقال المؤبد و إنهم و إن كانوا يفتحونها في النيروز فما كان يجبى إلا وقت إدراك فقال و كيف ذلك فبين له حال السنين و كمياتها و احتياجها إلى الكبس ثم عرف أن الفرس كانوا يكبسونها فلما جاء الإسلام عطل فأضر ذلك بالناس و اجتمع الدهاقنة زمن هشام بن عبد الملك إلى خالد القسري فشرحوا له هذا و سألوه أن يؤخروا النوروز شهرا فأبى و كتب إلى هشام بذلك فقال إني أخاف أن يكون هذا من قول الله إنما النسي‏ء زيادة في الكفر
 «1»














فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است



****************
ارسال شده توسط:
علی عباس آبادی
Sunday - 14/5/2023 - 9:48

و عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس‏ «6»، قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض و يجعلون المحرم صفرا «7» و يقولون: إذا برأ الدبر «8»، و عفا الأثر، و انسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر،

______________________________
(1) سنن النسائي 5- 149 و 155 كتاب الحج باب القران.

(2) صحيح مسلم 1- 355 كتاب الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج حديث 1241، و أورده ابن الأثير في جامع الأصول 3- 136 ذيل حديث 1414.

(3) لا توجد في (ك): بها.

(4) في المصدر: معه، بدلا من: عنده.

(5) و قد جاء في سنن الدارمي 2- 51، و سنن أبي داود 1- 283، و سنن النسائي 5- 181، و سنن البيهقي 4- 344 و 552، و تفسير ابن كثير 1- 230 و قد صححه، و بهذا المضمون قد جاء عن سراقة بن مالك كما في مسند أحمد بن حنبل 4- 175، و سنن ابن ماجة 2- 229. و قال الترمذي في صحيحه 1- 175: و في الباب عن سراقة بن مالك و جابر بن عبد الله- ثم قال- و معنى هذا الحديث: أن لا بأس بالعمرة في أشهر الحج، و هكذا فسره الشافعي و أحمد و إسحاق، و معنى هذا الحديث: أن أهل الجاهلية كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج، فلما جاء الإسلام رخص النبي صلى الله عليه [و آله‏] و سلم فقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، يعني لا بأس بالعمرة في أشهر الحج. و ما أورده العيني في عمدة القاري 4- 562 حري بالملاحظة.

(6) أورده مسلم في صحيحه كتاب الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج حديث 1241، و نقله ابن الأثير في جامع الأصول 3- 134- 138 حديث 1414.

(7) في المصدر: و كانوا يسمون المحرم: صفرا.

(8) جاء في حاشية (ك): قال الجزري في حديث ابن عباس: كانوا يقولون في الجاهلية: إذا برأ الدبر و عفى الأثر و دخل صفر .. الدبر- بالتحريك-: الجرح الذي يكون في ظهر البعير .. و قيل: هو أن يقرح خف البعير. و عفى الأثر .. أي درس و امحى، و في رواية: و أعفى الوبر .. أي كثر وبر الإبل. منه طاب ثراه.

انظر: النهاية 2- 97، و ليس فيه: و دخل صفر. و 3- 266، و فيه: عفى، بدلا من: أعفى.

و مثله في لسان العرب 4- 274 و 15- 76.

 

 

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏30، ص: 616

قدم النبي‏ «1» صلى الله عليه [و آله‏] و أصحابه صبيحة «2» رابعة مهلين بالحج فأمرهم‏ «3» أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله! أي الحل؟. قال: الحل كله‏ «4».