فهرست مباحث علوم قرآنی

المبحث الرابع من الفصل الخامس-تاریخ طبع مصحف از کتاب غانم قدوری الحمد-رسم المصحف دراسة لغویة تاریخیة

تاریخ طبع مصحف






رسم المصحف، ص: 508
غانم قدورى الحمد
المبحث الرابع الرّسم المصحفي في عصر الطّباعة
لقد يسّرت الطباعة الحديثة نشر ما لا يحصى من النسخ الموحدة الشكل من القرآن الكريم، و رغم هذا الأثر غير المحدود لتسهيل نشر المصاحف الذي أحدثته الطباعة فإنها لم تكن ذات أثر ملحوظ في شكلها العام و طريقة كتابتها، لأن الرسم المصحفي كان قد اكتمل من كافة جوانبه المتعلقة بحصر اللفظ منذ وقت مبكر بعد أن وضع الخليل بن أحمد علامات الحركات و غيرها، و بعد أن استخدمها نساخ المصاحف بعده بفترة ليست طويلة على تردد من بعضهم استمر قرونا خاصة في بلاد المغرب الإسلامي على نحو ما بينا معالم ذلك الاستخدام في مبحث سابق من هذا الفصل، و قد تبلورت الاتجاهات المختلفة لنوع الخط و طريقة الضبط في المصاحف في مذهبين: الأول: ساد في المشرق و يمثل مصحف ابن البواب (كتبه سنة 391 ه) نموذجا ممتازا له، و يغلب على هذا الاتجاه استعمال العلامات التي وضعها الخليل و استعملها الكتاب و أهل اللغة، و الثاني:
هو الاتجاه الذي يمتاز باستعمال الخط المغربي و يظهر ميلا أكثر للإبقاء على العلامات القديمة، و قد ساد هذا الاتجاه في بلاد المغرب الإسلامي، و لا تزال آثار هذين الاتجاهين بادية على ما يطبع من مصاحف إلى اليوم.
و لما كان اختراع آلات الطباعة و استعمالها (1431 م) قد سبقت إليه البلاد الأوروبية كان ظهور المصحف المطبوع في تلك البلاد قبل غيرها على أيدي المستشرقين، و يكاد ينعقد الإجماع على أن أول مصحف أخرجته المطابع و رأى النور كان في سنة (1694 م 1106 ه تقريبا) الذي وقف على طبعه هنكلمان (innamlekcniH imharbA) في مدينة هامبورج (hgrubmaH) بألمانيا «1».
__________________________________________________
(1) انظر حفني ناصف: ص 112، و محمد طاهر الكردي: تاريخ القرآن، ص 16 و 186، ود. صبحي الصالح: ص 99، و توجد من هذا المصحف نسخة في دار الكتب المصرية تحت رقم (176 مصاحف) و منه نسخة في مكتبة جامعة القاهرة.


رسم المصحف، ص: 509
و قد طبع ذلك المصحف بطريقة تنضيد الحروف و ليس تصويرا لمصحف مخطوط «1»، و عانى هذا المصحف مما تعاني منه التجربة الأولى خاصة إذا كانت تتم على يد رجل يفتقد كثيرا من متطلبات هذا العمل و لذلك فقد وقعت فيه أخطاء فاحشة تكاد تقابل الناظر فيه كل صفحة منه، سواء من حيث الرسم أم من حيث الضبط، من مثل وضع كلمة مكان كلمة «2»، أو وصل ما لا ينبغي أن يوصل من الكلمات «3»، إلى أخطاء أخرى لا تدل إلا على معرفة سقيمة باللغة العربية و قواعدها «4».
و قد جرى ضبط هذا المصحف على طريقة الخليل و أهل المشرق فالفتحة ألف مبطوحة فوق الحرف، و الضمة واو صغرى فوق الحرف أيضا، و الكسرة مثل الفتحة تحت الحرف، و التنوين علامتان منها، و السكون دائرة مفرغة، و الصلة رأس صاد، و الشدة رأس شين، و الهمزة رأس عين، و المدة بقية من كلمة (مد)، و يلاحظ أن كتابة هذا المصحف قد جرت على الإملاء الاصطلاحي، لذلك أثبتت الألفات المحذوفة في الغالب على نحو ما يجري في اللفظ.
و توالت طباعة المصاحف منذ ذلك التاريخ، و دخلت البلاد الإسلامية «5»، فظهرت المصاحف المطبوعة في دار الخلافة العثمانية و مصر و الهند و غيرها من بلاد المسلمين و من سواهم، و من تلك المصاحف المتقدمة مصحف طبع في (قزان) «6» سنة (1295 ه
__________________________________________________
(1) يقع هذا المصحف في (560 صفحة) في كل صفحة 16 سطرا، مع مقدمة في 80 صفحة لعلها باللاتينية و على رأس كل آية رقمها مع علامة تدل على انتهائها.
(2) مثل وضع (الذي) مكان التي في قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا (24) [البقرة] و وضع (الذين) مكان (المتقين) في قوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (15)* [الذاريات‏].
(3) مثل وصل (إن شاء) (2/ 65) و وصل (يوم هم) في قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (12) [الذاريات‏].
(4) مثل ضم كلمتي (إبراهيم و ربه) في قوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ (124) [البقرة] و رفع أحبّ (9/ 24) و رفع (نذير و نكير) (67/ 17 و 18) و جزم (يأتيكم) (67/ 30).
(5) ذكر د. صبحي الصالح (ص 99) نقلا عن بلاشير أن أول طباعة إسلامية خالصة للقرآن ظهرت في سانت‏بترسبورغ بروسيا سنة 1787 م قام بها مولاي عثمان، و انظر في المراحل التالية في تاريخ طباعة المصاحف نفس المصدر، و محمد طاهر الكردي: تاريخ القرآن، ص 186 و ما بعدها.
(6) يقع هذا المصحف في 534 صفحة و 9 صفحات فهارس في آخره، أبعاده 20 سم* 15 سم تقريبا


رسم المصحف، ص: 510
1877 م) و هو مطبوع بالحروف مثل المصحف المطبوع في هامبورج، و رغم أنه لم يخل من الأخطاء إلا أن القائمين على طبعه قد حرصوا على الإشارة إلى مواضع الخطأ مقرونة بالصواب في خاتمته «1»، و هو مضبوط على طريقة أهل المشرق تماما إلا في حالة الضمة و التنوين معها، فعلامة الضمة القصيرة فيه واو صغيرة مطموسة الرأس، و علامة الضمة الطويلة التي لم ترسم كالتي تأتي بعد ضمير الغائب و ميم الجمع واو صغيرة أكبر من علامة الضمة القصيرة مفرغة الرأس، توضع فوق الحرف أيضا، أما علامة التنوين مع المضموم فهي ضمتان متتابعتان إذا كان بعد التنوين أحد حروف الحلق التي تظهر معها النون و التنوين و ضمتان الثانية مردودة على الأولى إذا كان بعد التنوين غير حروف الحلق، و ليس في المصحف أرقام للآيات لكن القائم على طبعه أثبت اختلاف العلماء في مواضع رءوس الآي بأن خالف بالأشكال التي يجعلها عند رءوس الآي على أساس اصطلاح قد بينه في آخر المصحف، و فيه علامات الوقف مثبتة فوق السطر.
و مما يلفت النظر في هذا المصحف أنه التزم فيه الرسم العثماني من مثل عدم إثبات رمز الألف في بعض الكلم و كتابة الألف واوا في بعض كلمات و زيادة بعض الحروف مثل الياء في (باييد)، و إثبات ألف زائدة بعد الواو المتطرفة و حذفها في مثل (جاءو) و ما أشبه ذلك.
و لم تكن كل المصاحف المطبوعة تجري على طريقة تنضيد الحروف بل الغالب هو تصوير مصحف مخطوط بطريقة ما، كما يلاحظ على مصحف طبع في ليبسك على أصل مصحف مخطوط من قبل الخطاط التركي المشهور بحافظ عثمان (ت 1110 ه) «2»، كان قد كتبه سنة (1094 ه) كما هو مكتوب في آخر المصحف «3».
و قد اشتهر بمصر في أوائل القرن الهجري الحالي (أواخر القرن التاسع عشر الميلادي) مصحف كتبه رضوان بن محمد الشهير بالمخللاتي، صاحب كتاب (إرشاد
__________________________________________________
توجد منه نسخة في مكتبة جامعة القاهرة برقم (21542).
(1) وردت في هذا الجدول (107) مواضع أغلبها يتعلق بعلامات الضبط.
(2) انظر محمد طاهر الكردي: تاريخ الخط العربي، ص 339.
(3) انظر نموذجا من المصحف في مكتبة جامعة القاهرة برقم (4405).


رسم المصحف، ص: 511
القراء و الكاتبين إلى معرفة رسم الكتاب المبين) و قد قدم لذلك المصحف بمقدمة عن تاريخ القرآن و الرسم العثماني، و طبع سنة (1308 ه 1890 م) «1»، و قد حرص كاتبه أن يلتزم فيه بخصائص الرسم العثماني «2»، إلا أن المصحف الذي فاق كافة المصاحف المطبوعة في الشهرة هو الذي أشرفت على طبعه لجنة من علماء الأزهر في مصر «3»، و الذي كتبه بخطه الشيخ محمد علي خلف الحسيني سنة 1377 ه «4»، و ظهرت طبعته الأولى سنة (1342 ه- 1923 م) «5». و قد ضبط هذا المصحف على ما يوافق رواية حفص عن عاصم «على حسب ما ورد في كتاب (الطراز على ضبط الخراز) للإمام التّنسي مع إبدال علامات الأندلسيين و المغاربة بعلامات الخليل بن أحمد و أتباعه من المشارقة» «6».
و قد بين العلماء الذين أشرفوا على رسم ذلك المصحف و ضبطه و طباعته في التعريف به الذي ألحقوه في آخره طريقة الضبط التي جروا عليها فيه و دلالة العلامات التي استعملوها فيه، و مما يلاحظ أن علامة السكون في هذا المصحف رأس خاء غير معجمة هي التي ذكرنا من قبل أنها مأخوذة من أول (خفيف) و هو مذهب الخليل و سيبويه و أصحابهما، و هو ما استعمله ابن البواب في المصحف الذي كتبه سنة 391 ه.
أما طباعة المصاحف المكتوبة على طريقة أهل المغرب فلم أقف على تاريخ لبداية ذلك، و ربما لم تتأخر كثيرا عن بداية طبع المصاحف في المشرق، و لا شك في أن‏
__________________________________________________
(1) طبع في القاهرة بالمطبعة البهية. انظر: الشيخ عبد الفتاح القاضي: تاريخ المصحف الشريف، مكتبة و مطبعة المشهد الحسيني، القاهرة، 1965، ص (91- 92).
(2) توجد منه عدة نسخ في مكتبة الجامع الأزهر.
(3) تتكون من الشيخ محمد علي خلف الحسيني الشهير بالحداد، و الأساتذة حفني ناصف و مصطفى عناني و أحمد الإسكندري، رحمهم اللّه (انظر صفحة س من التعريف بالمصحف، ط 4، سنة 1388 ه 1968 م و التي صوّرتها مطابع الأهرام التجارية بالقاهرة، سنة 1390 ه 1970 م)، و انظر أيضا محمد طاهر الكردي: تاريخ الخط العربي، ص (441- 442)، ود. صبحي الصالح:
ص 99، و الشيخ عبد الفتاح القاضي: تاريخ المصحف، ص 92.
(4) انظر التعريف بالمصحف في خاتمه صفحة (ض).
(5) انظر محمد طاهر الكردي: تاريخ الخط العربي، 441، ود. صبحي الصالح: ص 99.
(6) التعريف بالمصحف صفحة (د- ه).


رسم المصحف، ص: 512
طباعة المصاحف بالخط المغربي لم تغير شيئا كثيرا من طريقة رسم الكلمات أو ضبطها في تلك المصاحف إلا ما قد تحتمه ضرورة الاكتفاء بلون واحد في ضبطها لعدم سهولة إظهار ألوان الضبط المختلفة من حمرة أو صفرة.
و ضبط المصاحف على طريقة أهل المغرب و الأندلس كما بيّنها الخراز في النظم الذي ذيل به (مورد الظمآن) يجري في الحركات الثلاث وفقا لعلامات الخليل، كذا التنوين «1»، أما الفتحة الممالة فيشار إليها بنقطة تحت الحرف «2»، و السكون دائرة، و التشديد رأس شين، و علامة المد مطة هي بقية كلمة (مد) بعد حذف رأس الميم و رأس الدال «3»، و علامة الهمزة المحققة نقطة بالصفراء و المسهلة نقطة بالحمراء «4»، و علامة الصلة على نية الوصل جرة حمراء فوق الألف إن كان ما قبلها مفتوحا و تحته إن كان مكسورا، و في وسطه إن كان مضموما «5»، أما على نية الابتداء فعلامة الصلة هي نقطة بالخضراء فوق الألف إذا ابتدئ بهمزة مفتوحة و أسفل منه إذا كان الابتداء بهمزة مكسورة و أمامه إذا كان الابتداء بهمزة مضمومة «6»، و حكم الهمزة التي تنقل حركتها و تسقط عند ورش حكم همزة الوصل «7»، و يلحق ما نقص من الهجاء من ألف أو ياء أو واو، صغرى بالحمراء في الموضع المناسب، على نحو ما ذكرنا ذلك من قبل، و علامة الحرف المزيد دائرة بالحمراء تجعل فوقه «8».
و إذا تأملنا نموذجا للمصاحف المطبوعة بالخط المغربي فلن نجد اختلافا كبيرا بالنسبة لعلامات الضبط التي ذكرها الخراز، ففي مصحف طبع في مصر تحت إشراف لجنة تصحيح المصاحف و مراجعتها في الأزهر «9»، يبدو أنه ضبط على رواية ورش عن نافع،
__________________________________________________
(1) انظر المارغني: ص 324 و 325.
(2) نفس المصدر، ص 342.
(3) نفس المصدر، ص 350.
(4) نفس المصدر، ص 361.
(5) نفس المصدر، ص 386.
(6) نفس المصدر، ص 390.
(7) نفس المصدر، ص 391.
(8) نفس المصدر، ص 428.
(9) طبع سنة (1380 ه- 1960 م) في مكتبة و مطبعة المشهد الحسيني بالقاهرة، و أعيد تصويره سنة


رسم المصحف، ص: 513
و في جزء من مصحف طبع بتونس «1»، نجد أن الحركات الثلاث هي العلامات التي وضعها الخليل إلا أن الضمة تكاد تكون رأسها مزالة، فهي تشبه قوسا أو هلالا صغيرا، و التنوين علامتان تتشكلان وفقا للحرف الذي يأتي بعد التنوين، لكن علامة التنوين مع المضموم إذا جاء بعد التنوين حرف من غير حروف الإظهار يكون على شكل قوسين صغير و كبير، و علامة السكون دارة مفرغة الوسط، و الشدة رأس شين، و علامة المد تكاد تكون كلمة (مد) كاملة، أما علامة الهمزة فقد جعلت رأس عين مثل ما هي عليه عند أهل المشرق، و يبدو أن عدم إمكان تحقيق نقطها بالصفرة في الطبع هو الذي دفع إلى العدول عن النقطة الصفراء إلى رأس العين، أما همزة الوصل فهي كما وصف الخراز إلا أن الجرة الحمراء و النقطة الخضراء جعلتا بنفس لون الكتابة و هو السواد، لأنها لا تلتبس بغيرها، بعد أن جعلت الهمزة المحققة رأس عين، و علامة إمالة الفتحة قصيرة أم طويلة هي نقطة بالسواد تحت الحرف الذي تليه الفتحة، أما الحرف الزائد فعليه دارة بالسواد تشبه دارة السكون، و علينا أن نتذكر أن نقط الفاء و القاف يجري في هذه المصاحف المطبوعة على نحو ما أشرنا إليه من قبل من نقط الفاء بواحدة من أسفل و القاف بواحدة من أعلى.
و قبل أن ننتهي من هذا الفصل نشير إلى ظاهرة تتعلق بمدى التزام نساخ المصاحف بصور هجاء الكلمات كما رويت عن المصاحف العثمانية، و قد لاحظنا أن المصاحف القديمة التي تعود إلى القرون الهجرية الأولى من مثل مصحف طشقند و مصحف جامع عمرو بن العاص لم تلتزم بما يروى في مصادر الرسم فحسب و إنما هي تضيف ظواهر هجائية جديدة، لكن استعمال ما اصطلح عليه علماء العربية من الإملاء في رسم المصاحف قد بدأ يظهر منذ وقت مبكر حتى أن الإمام مالك بن أنس (ت 179 ه) سئل عن رأيه في كتابة المصاحف على ما أحدث الناس من الهجاء، كما مرت الإشارة إلى ذلك.
على أن بعضا من الخطاطين و نسّاخ المصاحف لم يكونوا على دراية كافية بصور
__________________________________________________
. 1973 من قبل الناشر نفسه مع رسالة (القول الأصدق في بيان ما خالف فيه الأصبهاني الأزرق) لعلي محمد الضباع.
(1) هو جزء (عم) طبع في الدار التونسية للنشر في تونس (د. ت).


رسم المصحف، ص: 514
هجاء الكلمات كما جاءت في المصاحف العثمانية، لذلك نجدهم يستعملون ما تعارف عليه الناس من الهجاء في زمانهم خاصة فيما يتعلق بإثبات الألف في الكلمات التي حذفت منها، و نجد هذه الظاهرة جلية في المصحف الذي كتبه ابن البواب (ت 413 ه) في سنة (391 ه)، كما يظهر ذلك من الصفحات التي اطلعت عليها منه، فأكثر الكلمات التي جاءت محذوفة الألف أثبتت فيها سواء كانت جمعا سالما أم ألف ياء النداء أم غير ذلك، و نجد بعض الفتحات الطويلة المرسومة ياء قد رسمت بالألف، خاصة المتوسطة مثل كلمة (مأواهم)، كذلك نجد (الصلاة) مكتوبة بالألف. و نلاحظ مثل هذه الظاهرة في عامة المصاحف التي ترجع إلى فترة لاحقة لعصر ابن البواب، من ذلك- مثلا- ما نجده في مصحف كتبه في سنة (690 ه) «1»، الخطاط البغدادي المشهور ياقوت المستعصمي (ت 698 ه)، حيث تظهر كافة الألفات المحذوفة ثابتة كذلك نجد كلمة الليل- مثلا- قد كتبت بلامين.
و قد أشار أبو يحيى الشيرازي (ت 780 ه) في أول كتابه في الرسم العثماني إلى تلك الظاهرة بقوله «2»: «حتى تتبعت رسم خط الإمام و هو مصحف عثمان، و رأيت كتابته مخالفة لما يكتب في هذا الزمان، و علمت أن الكتابة منقولة كما أن القراءة منقولة ..
فإذا كان كذلك أردت أن أحيي رسمه و خطه و أجمع مختصرا مما ليس فيه خلاف بين المصاحف».
و لا شك في أن كثيرا من الكلمات حافظت على هجائها القديم في المصاحف، كما أن التأليف في موضوع الرسم لم ينقطع مما يجعل المادة قريبة من أيدي النساخ ليهتدوا بها في ما يكتبون، و جاء العصر الحديث- عصر طباعة المصاحف- و قد رأينا أول مصحف طبع كان بالإملاء الاصطلاحي، لكن المصاحف المطبوعة التي تلتزم الرسم العثماني كانت في ازدياد كما رأينا في مصحف (قزان) و مصحف (المخللاتي) و كان المصحف الذي أشرفت على كتابته و ضبطه لجنة من علماء الأزهر و طبع لأول مرة سنة (1342 ه) قد بلغ الغاية في هذا المجال.
__________________________________________________
(1) محفوظ في تركيا (أمانة رقم 79) و منه نسخة (ميكروفلم) في معهد المخطوطات العربية تحت رقم (3) كتب سماوية.
(2) كشف الأسرار، لوحة (1).


رسم المصحف، ص: 515
و أصدرت لجنة الفتوى في الأزهر سنة 1355 ه فتوى بعدم جواز طبع المصحف الكريم بقواعد الإملاء الاصطلاحي الذي يستعمله الناس اليوم، و رأت لزوم الوقوف عند المأثور من كتابة المصحف و هجائه «1»، لكنها ترى أيضا جواز التنبيه في ذيل كل صفحة على ما يكون فيها من الكلمات المخالفة للرسم المعروف «2». و قد جرى على هذه الطريقة الشيخ عبد الجليل عيسى في التفسير الذي جعله على هامش المصحف الذي أشرفت على كتابته و ضبطه و طبعه لجنة من علماء الأزهر- و الذي أشرنا إليه قبل قليل- فقد أعطى لكل كلمة في نص المصحف جاءت على غير المشهور من قواعد الهجاء المعروفة اليوم رقما متسلسلا في كل صفحة و بيّن رسمها المعروف بين الناس في أسفل الصفحة، و تحققت بذلك المحافظة على الرسم العثماني و التيسير في القراءة إذا تصورنا أن أحدا يعجز عن القراءة في المصحف المكتوب بالرسم العثماني المضبوط بالعلامات التي بيّنت في المباحث السابقة.
__________________________________________________
(1) انظر: مجلة الأزهر، المجلد السابع، الجزء العاشر، شوال 1355 (باب الأسئلة و الفتاوى)، ص 729 و ما بعدها.
(2) انظر: مجلة الأزهر، المجلد العشرون، صفر، 1368، ص 192.