فهرست مباحث علوم قرآنی

كتابة المصحف-مجلة البحوث الإسلامية-الرئيس بن باز-بحث مفصل

رسم المصحف و ضبطه



الكتاب: مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عدد الأجزاء: 95 جزءا
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي ومعه ملحق بتراجم الأعلام والأمكنة]



كتابة المصحف
(6/11)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه. . وبعد: ففي الدورة الاستثنائية الثالثة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض من غرة صفر إلى السابع منه عام 1399 هـ اطلع المجلس على المعاملة المتعلقة بكتابة المصحف حسب قواعد الإملاء وإن خالف ذلك الرسم العثماني واقترح إعداد بحث في ذلك، وبناء عليه أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في هذا الموضوع مشتملا على ما يأتي: -
1 - تمهيد يشتمل على أمرين:
أ - بيان نوع الكتابة التي كانت عند العرب وقت نزول القرآن.
ذكر أمثلة يتبين منها مدى التغيير الذي يحدث عند كتابة المصحف حسب قواعد الإملاء.
2 - نقول عن العلماء والأولين يتبين منها رأيهم في ذلك مع ما استدلوا أو عللوا به.
3 - الضرورة أو الحاجة التي دعت إلى العدول بالمصحف عن الرسم العثماني إلى كتابته حسب قواعد الإملاء ومناقشة ذلك.
4 - الموانع التي تمنع من ذلك، وبيان ما قد يترتب عليه من تحريف ونحوه.
وفيما يلي تفصيل ذلك. . . والله الموفق.
(6/12)



************
كتابة المصحف أولا التمهيد ويشتمل على أمرين:
بيان نوع الكتابة التي كانت معهودة عند العرب وقت نزول القرآن الكريم
إن الكتابة في العرب كانت قليلة جدا، وقد تعلموها من أهل الأنبار، وكان الذي يغلب على زمان السلف الكتابة المتكوفة إلى أن هذبها أبو علي بن مقله، ثم قربها علي بن هلال البغدادي،
(6/13)



************
وسلك الناس طريقته، ولم تكن محكمة جدا في ذلك الزمان، ولهذا وقع اختلاف في كتابة المصاحف من جهة الصناعة لا من جهة المعنى، وألف العلماء في ذلك واعتنوا به.
قال ابن كثير وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جدا، وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره أن بشر بن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار، ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية وتعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب بن أمية وتعلمه معاوية من عمه سفيان بن حرب، وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من طيء من قرية هناك يقال لها بقة ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب فتعلمه الناس، ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود: ثنا عبد الله بن محمد الزهري ثنا سفيان عن مجاهد عن الشعبي قال: سألنا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة، قالوا من أهل الأنبار.
قال ابن كثير (1): والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المتكوفة، ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير وصار له في ذلك نهج وأسلوب في الكتابة، ثم قربها علي ابن هلال البغدادي المعروف بابن البواب، وسلك الناس وراءه وطريقته في ذلك واضحة جيدة، والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك لم تحكم جيدا وقع في كتابة المصاحف اختلاف في وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى، وصنف الناس في ذلك، واعتنى بذلك الإمام الكبير القاسم بن سلام - رحمه الله - في كتابه فضائل القرآن، والحافظ أبو بكر بن أبي داود وذكرا قطعة صالحة هي من صناعة القرآن ليست مقصدنا هنا ولهذا الغرض نص الإمام مالك على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الإمام، ورخص غيره في ذلك. واختلفوا في الشكل والنقط فمن مرخص ومن مانع.
وذكر ابن كثير (2) أن عثمان - رضي الله عنه - عهد إلى زيد بن ثابت الأنصاري وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي وسعيد بن العاص بن أمية القرشي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام
__________
(1) ص15 من كتاب فضائل القرآن المطبوع مع الجزء الرابع من تفسيره
(2) من كتاب فضائل القرآن المطبوع مع الجزء الرابع من تفسيره
(6/14)



************
القرشي أن يكتبوا القرآن حينما اختلف الناس في القراءة بالحروف التي بها نزل القرآن، وتنازعوا فيما بينهم، فأمر هؤلاء أن يكتبوا القرآن على حرف واحد من الحروف التي بها نزل القرآن منعا للاختلاف، فجلس هؤلاء الأربعة يكتبون القرآن نسخا وإذا اختلفوا في موضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان - رضي الله عنهم - كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أم بالهاء، فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه، وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت، فرجعوا إلى عثمان، فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم ". اهـ.
والذي يعنينا هنا أن الكتابة كانت معروفة عند العرب قبل رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعند نزول الوحي وإن كان ذلك قليلا، وأنها كانت تختلف من حيث الصناعة وأنها كتب بها القرآن عند نزوله، وأن عثمان - رضي الله عنه - أمر الذين أسند إليهم جمع القرآن إذا اختلفوا في صناعة الكتابة أن يكتبوه بلغة قريش، لأن القرآن بها نزل، وقد علم الله ذلك من كتبة الوحي، ولم ينكر على رسوله ولا على كتبته، وعلم الصحابة صنيع عثمان ومن جمع القرآن بأمره ولم ينكروا عليه ولا عليهم - رضي الله عنهم - أجمعين -، فكانت كتابته على هذا النحو دون غيره سنة متبعة.
(6/15)



************
ب- أمثلة يتبين منها مدى التغيير الذي يحدث من كتابة المصحف حسب قواعد الإملاء
... الرسم العثماني ... موضع التغيير ... الرسم الإملائي ... وضع التغيير ... السورة
1 ... الصلوة: ... كتبت بالواو بعد اللام ... الصلاة ... كتبت بالألف بعد اللام ... في سور كثيرة
2 ... الزكوة: ... كتبت بالواو بعد الكاف ... الزكاة ... كتبت بالألف بعد الكاف ... " "
3 ... الحيوة: ... كتبت بالواو بعد الياء ... الحياة ... كتبت بالألف بعد الياء ... " "
4 ... شفعؤنا: ... كتبت بلا ألف بعد العين ... شفعاؤنا ... كتبت بالألف بعد العين ... "يونس"
5 ... أم لهم شركؤا: ... كتبت بلا ألف بعد الكاف وبهمزة على واو بعدها ألف ... أم لهم شركاء ... كتبت بالألف بعد الكاف ثم همزة مفردة فقط ... "الشورى"
6 ... يبدؤا الخلق: ... همزة على واو بعدها ألف ... يبدأ الخلق ... همزة على ألف ... "يونس"
7 ... ويدرؤا عنها: ... همزة على واو بعدها ألف (بلا ألف بعد اللام) ... ويدرأ ... همزة على ألف ... "النور"
8 ... لهوا لبلؤا: ... وزيادة واو بعد الهمزة (وزيادة ألف بعد الواو) ... البلاء ... بألف بعد اللام وهمزة مفردة ... "الصافات"
9 ... نبؤا الخصم: ... بزيادة واو بعدها ألف ... نبأ ... بهمزة على الألف فقط ... "
10 ... الربوا: ... بواو بعد الياء بعدها ألف ... الربا ... بألف بعد الياء فقط ... "البقرة وغيرها"
11 ... لا أذبحنه ... بزيادة ألف قبل الذال ... لأذبحنه ... بلا زيادة ألف ... "النمل"
12 ... وتمت كلمة ربك ... بتاء مفتوحة ... كلمة ربك ... بتاء مربوطة ... "الأنعام"
13 ... إن رحمت الله ... " " ... رحمة الله ... " " ... "الأعراف"
14 ... لعنت: ... " " ... لعنة ... " " ... "النور"
15 ... ورحمت ربك ... " " ... ورحمة ربك ... " " ... "الزخرف"
16 ... الكتب: ... بلا ألف بعد التاء ... الكتاب ... بألف بعد التاء ... في سور كثيرة
17 ... الإنسن: ... بلا ألف بعد السين ... الإنسان ... بألف بعد السين ... " "
18 ... لا يهدي من هو كذب ... بلا ألف بعد الكاف ... كاذب ... بألف بعد الكاف ... "الزمر"
(6/16)



************
الرسم العثماني ... موضع التغيير ... الرسم الإملائي ... وضع التغيير ... السورة
19 ... الجهلين ... بلا ألف بعد الجيم ... الجاهلين ... بألف بعد الجيم ... "الأنعام وغيرها"
20 ... اتيهم ... بلا ألف بعد التاء ... اتاهم ... بألف بعد التاء ... "الأحزاب"
21 ... السبيلا ... بألف بعد اللام ... السيل ... بلا ألف بعد اللام ... "الأحزاب"
22 ... سلسلا ... بألف بعد اللام الثانية وبدونها بعد الأولى ... سلاسل ... بلا ألف بعد اللام الثانية وبألف بعد الأولى ... "الدهر"
23 ... قواريرا ... بألف بعد الراء الثانية ... قوارير ... بلا ألف بعد الراء ... " "
24 ... الشيطن ... بلا ألف بعد الطاء ... الشيطان ... بألف بعد الطاء ... في سور كثيرة
25 ... وأغللا ... بلا ألف بعد اللام الأولى ... أغلالا ... بألف بعد اللام الأولى ... "الدهر"
26 ... من نبأي المرسلين ... بياء بعد الهمزة ... من نبأ المرسلين ... بلا ياء بعد الهمزة ... "الأنعام"
27 ... بأييد ... بياءين قبل الدال ... بأيد ... بياء فقط قبل الدال ... "الذاريات"
وسيأتي كثير من الأمثلة في النقل عن المقنع لأبي عمرو الداني، والنقل عن كتاب الإتقان للسيوطي إن شاء الله.
(6/17)



************
ثانيا: نقول من العلماء يتبين منها رأيهم في كتابة المصحف بغير الرسم العثماني:
إن الحديث عن كتابة المصحف بغير الرسم العثماني قديم فقد بحثه أئمة السلف قبل أكثر من ألف سنة وألف فيه علماء القراءة والرسم كتبا وحكموا فيه بما ظهر لهم من الكراهة أو التحريم، وقد جمع الجلال السيوطي نقولا عنهم في الموضوع يتبين منها ما حكموا به في ذلك فرأينا إثباتها فيما يلي:
قال الجلال السيوطي:(الاتقان ج۴ ص۱۶۸) (فصل) القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به والوقوف عليه وما مهد له النحاة أصولا وقواعد، وقد خالفها في بعض الحروف خط المصحف الإمام، وقال أشهب سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟
فقال: لا. إلا على الكتبة الأولى. رواه الداني في المقنع ثم قال ولا مخالف له من علماء الأمة.
وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك قال لا قال أبو عمرو يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ نحو أولو.
وقال الإمام أحمد يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك.
وقال البيهقي في شعب الإيمان من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه ولا يغير مما كتبوا شيئا فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم.
قلت وينحصر أمر الرسم في ست قواعد الحذف والزيادة والهمز والبدل والوصل والفصل وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما.
(6/18)



************
القاعدة الأولى:
في الحذف تحذف الألف من ياء النداء نحو يا أيها الناس وهاء التنبيه نحو هؤلاء هأنتم ومن ذلك
(6/18)



************
وأولئك ولكن وتبارك وفروع الأربعة والله وإله كيف وقع والرحمن وسبحان كيف وقع إلا قل سبحان ربي.
وتحذف الياء من كل منقوص منون رفعا وجرا نحو باغ ولا عاد والمضاف لها إذا نودي إلا يا عبادي الذين أسرفوا يا عبادي الذين آمنوا في العنكبوت أولم يناد. إلا قل لعبادي أسر بعبادي في "طه" وحم فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ومع مثلها نحوان ولي والحوارين.
وتحذف الواو مع أخرى نحو لا يستون وإذا المؤدة (يؤسا) وتحذف اللام مدغمة في مثلها نحو الليل والذي إلا الله واللهم واللعنة وفروعه واللهو واللغو واللؤلؤ واللات واللهم واللعب واللطيف واللوامة. . وساق كثيرا من الأمثلة للحذف.
(6/19)



************
القاعدة الثانية:
في الزيادة زيدت ألف بعد الواو آخر اسم مجموع نحو بنو إسرائيل، ملاقوا ربهم أولو الألباب بخلاف المفرد لذو علم إلا الربا وإن امرؤ هلك. . . . . وساق أمثلة كثيرة في الهمزة.
(6/19)



************
القاعدة الثالثة:
في الهمزة يكتب الساكن بحرف حركة ما قبله أولا ووسطا وآخرا نحو ايذن واوتمن والبأساء واقرأ وجيناك وهىء والموتون وتسؤهم إلا فأدارأتم ورئيا والرياء وشطئه فحذف فيها وكذا أول الأمر بعد فاء نحو فأتوا أو واو نحو واشربوا والمتحرك إن كان أولا أو اتصل به حرف زائد بألف مطلقا أي سواء كان فتحا أو ضما أو كسرا نحو أيوب إذا أولو سأصرف فبأي سأنزل إلا مواضع أئنكم لتكفرون أئنا لمخرجون في النمل أئنا لتاركوا آلهتنا أئن لنا في الشعراء أئذا متنا أئن ذكرتم أئنا أئمة لئلا لئن يومئذ يفرح فيكتب فيها بالياء قل أؤنبئكم وهؤلاء فكتب بالواو وإن كان وسطا فبحرف حركته نحو سأل سئل نقرؤه إلا جزاؤه الثلاثة يوسف. . . وساق أمثلة كثيرة للهمزة.
(6/19)



************
القاعدة الرابعة:
في البدل تكتب بالواو للتفخيم ألف الصلاة والزكاة والحياة والربا غير مضافات والغاء ومشكاة والنجاة ومناة (وبالياء) كل ألف منقلبة عنها نحو يتوفيكم في اسم أو فعل اتصل به ضمير أم لا بقي ساكنا أم لا ومنه يا حسرتا يا أسفا ألا تترى وكلتا وهداني وعصاني والأقصى (وأقصى المدينة وطغا الماء وسيماهم وإلا ما قبلها ياء كالدنيا والحوايا إلا يحيى اسما وفعلا ويكتب بها إلى وعلى وأنى بمعنى
(6/19)



************
كيف ومتى ويلى وحتى ولدى إلا لدا الباب (ويكتب) بالألف الثلاثي الواوي اسما (أو فعلا نحو الصفا وشفا وعفا الأضحى كيف وقع وما زكى منكم ودحاها وتلاها وطحاها وسجا. . .) وساق أمثلة كثيرة للبدل.
(6/20)



************
القاعدة الخامسة:
في الوصل والفصل توصل ألا بالفتح إلا عشرة أن لا أقول أن لا يقولوا في الأعراف أن لا ملجأ وفي هود أن لا إله أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف أن لا تشرك في الحج أن لا تعبدوا في يس أن لا تعلوا في الدخان أن لا يشركن في الممتحنة أن لا يدخلنها في ن (ومما) إلا من ما ملكت في النساء والروم ومن ما رزقناكم في المنافقين (وممن) مطلقا وعما إلا عن ما نهوا عنه وإما بالكسر إلا وإما نرينك في الرعد وأما بالفتح مطلقا وعمن إلا ويصرفه عن من يشاء في النور عن من تولى في النجم (وأمن) إلا أم من يكون في النساء أم من أسس أم من خلقنا في الصافات أم من يأتي آمنا (وإلم) بالكسرة إلا فإن لم يستجيبوا لك في القصص وفيما إلا أحد عشر في ما فعلن الثاني في البقرة ليبلوكم في ما في المائدة والأنعام قل لا أجد في ما أوحي في ما اشتهت في الأنبياء في ما أفضتم في ما ههنا في الشعراء في ما رزقناكم في الروم في ما هم فيه في ما كانوا فيه كلاهما في الزمر وننشئكم في ما لا تعلمون (وإنما) إلا إن ما توعدون لآت في الأنعام وأنما بالفتح إلا إن ما يوعدون في الحج ولقمان (وكلما) إلا كل ما ردوا إلى الفتنة من كل ما سألتموه وبئسما إلا مع اللام ونعما ومهما وربما وكأنما ويكأن وتقطع حيثما وإن لم بالفتح وإن لن إلا في الكهف والقيامة وأين ما إلا فأينما تولوا أينما يوجهه واختلف في أينما تكونوا يدرككم أينما كنتم تعبدون في الشعراء أينما تقفوا في الأحزاب ولكي لا إلا في آل عمران والحج والحديد والثاني في الأحزاب ويوم هم ونحو فمال ولات حين وابن أم إلا في طه فكتبت الهمزة حينئذ واوا وحذفت همزة ابن فصارت هكذا يبنؤم. .) وساق أمثلة كثيرة للوصل وللفصل.
(6/20)



************
القاعدة السادسة:
فيما فيه قراءتان فكتبت على إحداهما ومرادنا غير الشاذ من ذلك مالك يوم الدين يخادعون واعدنا والصاعقة والرياح وتفادوهم وتظاهرون ولا تقاتلوهم ونحوها ولولا دفاع فرهان طائرا في آل عمران والمائدة مضاعفة ونحوه عاقدت أيمانكم الأوليان لامستم. . . . (فائدة) كتبت فواتح السور على صورة الحروف أنفسها لا على صورة النطق بها اكتفاء بشهرتها وقطعت حم عسق دون المص وكهيعص طردا للأولى بأخواتها الستة). . . إلى أن قال وأخرج ابن اشتة عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أعماله
(6/20)



************
إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن (وأخرج) عن زيد بن ثابت أنه كان يكره أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم ليس لها سين "وأخرج" عن يزيد بن أبي حبيب أن كاتب عمرو بن العاص كتب إلى عمر فكتب بسم الله ولم يكتب لها سينا فضربه عمر فقيل له فيم ضربك أمير المؤمنين قال ضربني في سين " وأخرج" عن ابن سيرين أنه يكره أن تمد الياء إلى الميم حتى تكتب السين "وأخرج" ابن أبي داود في المصاحف عن ابن سيرين أنه كره أن يكتب المصحف مشقا قيل لم قال لأن فيه نقصا). . إلى أن قال " وأخرج أبو عبيدة عن عمر بن عبد العزيز قال لا تكتبوا القرآن حيث يوطأ وهل تجوز كتابته بقلم غير العربي قال الزركشي لم أر فيه كلاما لأحد من العلماء قال ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرأ بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب ولقولهم القلم أحد اللسانين والعرب لا تعرف قلما غير العربي وقد قال تعالى بلسان عربي مبين اهـ.
(فائدة) أخرج ابن أبي داود عن إبراهيم التيمي قال قال عبد الله لا يكتب المصاحف إلا مضري قال ابن أبي داود هذا من أجل اللغات.
(6/21)



************
(مسألة) اختلف في نقط المصحف وشكله ويقال أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الملك بن مروان وقيل الحسن البصري ويحيى بن يعمر وقيل نصر بن عاصم الليثي وأول من وضع الهمزة والتشديد والروم والإشمام الخليل وقال قتادة بدءوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وقال غيره أول ما أحدثوا النقط عند آخر الآي ثم الفواتح والخواتم وقال يحيى بن أبي كثير ما كانوا يعرفون شيئا مما أحدث في المصاحف إلا النقط الثلاث على رءوس الآي أخرجه ابن أبي دواد وقد أخرج أبو عبيد وغيره عن ابن مسعود قال جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء (وأخرج) عن النخعي أنه كره نقط المصاحف وعن ابن سيرين أنه كره النقط والفواتح والخواتم وعن ابن مسعود ومجاهد أنهما كرها التعشير (وأخرج) ابن أبي داود عن النخمي أنه كان يكره العواشر والفواتح وتصغير المصحف وأن يكتب فيه سورة كذا وكذا (وأخرج) عنه أنه أتى بمصحف مكتوب فيه سورة كذا وكذا آية فقال امح هذا فإن ابن مسعود كان يكرهه (وأخرج) عن أبي العالية أنه كان يكره الجمل في المصحف وفاتحة سورة كذا وخاتمة سورة كذا وقال مالك لا بأس بالنقط في المصاحف التي تتعلم فيها العلماء أما الأمهات فلا، وقال الحليمي تكره كتابة الأعشار والأخماس وأسماء السور وعدد الآيات فيه لقوله جردوا القرآن وأما النقط فيجوز لأنه ليس له صورة فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يظهر إثباتها لمن يحتاج إليها.
قال البيهقي: من آداب القرآن أن يفخم فيكتب مفرجا بأحسن خط فلا يصغر ولا يقرمط حروفه ولا يخط به ما ليس منه كعدد الآيات والسجدات والعشرات والوقوف واختلاف
(6/21)



************
القراءات ومعاني الآيات وقد أخرج ابن أبي داود عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا لا بأس بنقط المصاحف (وأخرج) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال لا بأس بشكله.
وقال النووي نقط المصحف وشكله مستحب لأنه صيانة له من اللحن والتحريف، وقال ابن مجاهد ينبغي أن لا يشكل إلا ما يشكل وقال إلا أني لا أستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصورة الرسم ولا أستحيز جمع قراءات شتى في مصحف واحد بألوان مختلفة لأنه من أعظم التخليط والتغيير المرسوم وأرى أن تكون الحركات والتنوين والتشديد والسكون والمد بالحمرة والهمزات بالصفرة، وقال الجرجاني من أصحابنا في الشافي " من المذموم كتابة تفسير كلمات القرآن بين أسطره ".
(فائدة) كان الشكل في الصدر الأول نقطا فالفتحة نقطة على أول الحرف والضمة على آخره والكسرة تحت أوله وعليه مشى الداني والذي اشتهر الآن الضبط بالحركات المأخوذة من الحروف وهو الذي أخرجه الخليل وهو أكثر وأوضح وعليه العمل فالفتح شكله مستطيلة فوق الحرف والكسر كذلك تحته والضم واو صغرى فوقه والتنوين زيادة مثلها فإن كان مظهرا وذلك قبل حرف حلق ركبت فوقها وإلا جعلت بينهما وتكتب الألف المحذوفة والبدل منها في محلها حمراء والهمزة المحذوفة تكتب همزة بلا حرف حمراء أيضا وعلى النون والتنوين قبل الباء علامة الإقلاب حمراء وقبل الحلق سكون وتعرى عند الإدغام والإخفاء ويسكن كل مسكن ويعرى المدغم ويشدد ما بعده إلا الطاء قبل التاء فيكتب عليها السكون نحو فرطت ومطة الممدود لا تجاوزه.
(فائدة) قال الحربي في غريب الحديث قول ابن مسعود جردوا القرآن يحتمل وجهين أحدهما جردوه في التلاوة ولا تخلطوا به غيره.
(والثاني) جردوه في الخط من النقط والتعشير، وقال البيهقي الأبين أنه أراد لا تخلطوا به غيره من الكتب لأن ما خلا القرآن من كتب الله إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى وليسوا بمأمونين عليها) اهـ. من الإتقان.
وسئل أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - عمن يقول عن الإمام مالك - رحمه الله - أنه قال: من كتب مصحفا على غير رسم المصحف العثماني فقد أثم، أو قال: كفر فهل هذا صحيح، وأكثر المصاحف اليوم على غير المصحف العثماني، فهل يحل لأحد كتابته على غير المصحف العثماني بشرط ألا يبدل لفظا ولا يغير معنى أو لا (1).
فأجاب أما هذا النقل عن مالك في تكفير من فعل ذلك فهو كذب على مالك سواء أريد منه رسم الخط أم رسم اللفظ، فإن مالكا كان يقول عن أهل الشورى: إن لكل منهم مصحفا يخالف رسم مصحف عثمان، وهم أجل من أن يقال فيهم مثل هذا الكلام، وهم علي بن أبي طالب
__________
(1) ص420 ج13 من مجموع الفتاوى
(6/22)



************
والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان - رضي الله عنهم -، وأيضا فلو قرأ رجل بحرف من حروفهم التي تخرج عن مصحف عثمان ففيه روايتان عن مالك وأحمد وأكثر العلماء يحتجون بما ثبت من ذلك عنهم، فكيف يكفر فاعل ذلك. وأما اتباع رسم الخط بحيث يكتبه بالكوفي فلا يجب عند أحد من المسلمين وكذلك اتباعه فيما كتبه بالواو والألف هو حسن لفظ رسم خط الصحابة (1).
وأما تكفير من كتب ألفاظ المصحف بالخط الذي اعتاده فلا أعلم أحدا قال بتكفير من فعل ذلك، لكن متابعة خطهم أحسن هكذا نقل عن مالك وغيره. . . والله أعلم.
وسئل أبو العباس بن تيمية أيضا - رحمه الله - عمن يقول: إن الشكل والنقط من كلام الله تعالى هل ذلك حق أو باطل. . الخ (2).
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، المصاحف التي كتبها الصحابة لم يشكلوا حروفها ولم ينقطوها فإنهم كانوا عربا لا يلحنون، ثم بعد ذلك في آخر عصر الصحابة لما نشأ اللحن صاروا ينقطون المصاحف ويشكلونها وذلك جائز عند أكثر العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكرهه بعضهم، والصحيح أنه لا يكره، لأن الحاجة داعية إلى ذلك ولا نزاع بين العلماء أن حكم الشكل والنقط حكم الحروف المكتوبة فإن النقط تميز بين الحروف كما أن الشكل يبين الإعراب لأنه كلام من تمام الكلام ويروى عن أبي بكر وعمر أنهما قالا: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، فإذا قرأ القارئ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) كانت الضمة والفتحة والكسرة من تمام لفظ القرآن. . . " اهـ المقصود.

يتبين مما ذكر ما يأتي:
(1) ضابط ما يحذف مما يزاد في رسم المصحف العثماني من الحروف وما يتسثنى من ذلك وما يبدل من غيره وما يرسم ألفا من ذلك وما يرسم ياء، ومنع التغيير فيما ثبت من الرسم العثماني.
__________
(1) هكذا بالأصل المطبوع
(2) ص 100 - 101 - 102 - 576 وغيرها
(3) سورة الفاتحة الآية 2
(6/23)



************
(2) نقط المصحف وشكله وكيفيته، وكراهة العلماء ذلك مطلقا أو جوازه في غير الأمهات، ثم ثبوت الإجماع على جوازه واستمرار العمل عليه إلى عصرنا.
(3) تخميس القرآن وتعشيره وكتابة أسماء السور وعدد الآيات ورسم علامة بين كل آية وما بعدها وعلامات الوقف وخلاف العلماء في كراهة ذلك وجوازه ثم ثبوت الإجماع على جوازه بعد استمرار العمل به إلى عصرنا.
(4) تحريم كتابته بغير اللغة العربية كما يحرم قراءته بغير لسان العرب ولقولهم القلم أحد اللسانين، والعرب لا تعرف قلما غير العربي، (1) وقد قال تعالى {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (2) ".
__________
(1) من كلام الزركشي في ص 7 من الاعداد
(2) سورة الشعراء الآية 195
(6/24)



************
وكتب رئيس اللجنة المتشكلة لتفتيش رسم المصاحف المطبوعة ببلدة قزان ملا صادق الايمانقولي القزاني إلى الشيخ محمد رشيد رضا ما يأتي:
(بسم الله الرحمن الرحيم. حضرة الأستاذ الفاضل السيد رشيد رضا حفظه الله ومتعنا وسائر المسلمين بعلومه الشريفة.
أما بعد، فإن من المسائل التي تدور بيننا الآن مسألة رسم المصاحف المطبوعة في بلدة قزان حيث إن العلماء صرحوا بأن رسم المصاحف يجب فيه الاتباع لرسم المصاحف التي كتبت بأمر سيدنا عثمان - رضي الله عنه -، وفي رسم المصاحف القزانية مخالفة كثيرة لرسم تلك المصاحف. فتشكلت بقزان لجنة من العلماء والقراء لتفتيش رسم هذه المصاحف ونصوص العلماء فيه وتكلموا في وجوب الاتباع وعدمه فذهب كثير منهم إلى أنه ينبغي اتباع رسم المصاحف العثمانية وأن الرسم سنة متبعة، على ما نص عليه أبو عمرو الداني والشاطبي وابن الجزري والسيوطي والزمخشري وغيرهم. وبعضهم قالوا إنه لا يجب اتباع الرسم محتجين بقول شيخ الإسلام العز بن عبد السلام حيث قال: " أما الآن فلا يجوز كتابة المصحف على المرسوم الأول خشية الالتباس ولئلا يوقع في تغيير من الجهال،
ويجيب الفريق الأول عن هذا بأن المواضع التي يتوهم فيها الالتباس يمكن التخلص منها بالنقط والأشكال. ثم فتشوا المصاحف المطبوعة في الديار الإسلامية من الأستانة ومصر والهند وغيرها فوجدوا فيها أيضا مخالفة كثيرة لرسم المصاحف العثمانية فما ندري ما سبب عدم اعتنائهم في هذا الباب؟
أأهملوا في رسم كتابنا المقدس، أم لا يقولون بلزوم الاتباع؟.
وإذا كان الاتباع واجبا كما يقول به أكثر الأئمة فما ينبغي أن نصنع لنقرأ برواية حفص المعروفة في بلادنا في مثل كلمة آتان في سورة النمل آية 36، فإنه كتب في مصاحف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - كلها بغير "ياء" بعد "النون" في مثل هذه المواضع تخلصا من الالتباس والتلفيق في القراءة.
وهل يجوز مخالفة الرسم لأجل الضرورة في مثل تلك الضرورة؟
وما نصنع في الكلمات التي حذفت فيها الألفات في بعض المصاحف المطبوعة والمكتوبة القديمة مثل كلمة الأعلام والأحلام والأقلام والأزلام والأولاد، وتلك الكلمات كتبت في بعض المصاحف " الأعلم والأحلم والأقلم، بحذف "الألف" بعد "اللام" والحال أن قاعدة الخط العربي تقتضي إثبات الألف في مثلها: وليس فيها نص صريح من علماء الرسم في حق الحذف أو الإثبات هل ينبغي فيها اتباع قاعدة رسم الخط العربي وإثبات الألفات أم نقول: " كانوا يعتبرون الظهور وعدم الالتباس ولهذا كانوا يحذفون الألفات فيما ظهر المراد (منه) مثل الكلمات المذكورة " فنحذف الألفات فيهن. ورسم المصاحف المطبوعة هنا ليس على نسق واحد، وفي بعضها يحذف الألفات. وأن المصحف الذي
(6/25)



************
يحفظ في بلدة بترسبورغ عاصمة الروسية في المكتبة الإمبراطورية ويظن كونه واحدا من مصاحف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - قد حذف فيه الألفات في مثل هذه المواضع. والعلامة شهاب الدين المرجاني القزاني الذي أفنى عمره في خدمة العلم، وصنف كتابا مفيدا في رسم المصحف وكان مأمورا بتصحيح المصاحف المطبوعة من جهة الحكومة قد حذف الألفات قصدا في مثل هذه الكلمات ولزيادة الاطمئنان ولكون المسألة عامة مهمة ومتعلقة بعموم أهل الإسلام اتفقنا على المراجعة إلى جنابكم المحترم بالاستفسار في تلك المسألة رجاء أن تتفضلوا بإبداء ملاحظاتكم العالية في صفحات المنار. والسلام والإكرام. .

فأجاب: إن ديننا يمتاز على جميع الأديان بحفظ أصله منذ الصدر الأول، فالذين تلقوا القرآن عمن جاء به من عند الله - صلى الله عليه وسلم - حفظوه وكتبوه وتلقاه عنهم الألوف من المؤمنين، وتسلسل ذلك جيلا بعد جيل. وقد أحسن التابعون وتابعوهم وأئمة العلم في اتباع الصحابة في رسم المصحف وعدم تجويز كتابته بما استحدث الناس من فن الرسم، وإن كان أرقى مما كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم -، لأنه صنعة ترتقي بارتقاء المدنية، إذ لو فعلوا لجاز أن يحدث اشتباه في بعض الكلمات باختلاف رسمها وجهل أصلها. فالاتباع في رسم المصحف يفيد مزيد ثقة واطمئنان في حفظه كما هو يبعد الشبهات أن تحوم حوله، وفيه فائدة أخرى وهي حفظ شئ من تاريخ الملة وسلف الأمة كما هو.
نعم إن تغير الرسم واختلاف الإملاء يجعل قراءة المصحف على وجه الصواب خاصة بمن تلقاه عن القراء ولذلك أحدثوا فيه النقط والشكل وهي زيادة لا تمنع معرفة الأصل على ما كان عليه في عهد الصحابة. ثم إنه يجعل تعليم الصغار عسرا ولذلك أفتى الإمام مالك بجواز كتابة الألواح ومصاحف التعليم بالرسم المعتاد كما نقل.
قال علم الدين السخاوي في شرحه لعقيلة الشاطبي: قال أشهب - رحمه الله -: سئل مالك - رضي الله عنه - أرأيت من استكتبته مصحفا أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم؟
فقال: لا أرى ذلك ولكن يكتب على الكتبة الأولى. قال مالك: ولا يزال الإنسان يسألني عن نقط القرآن، فأقول له: أما الإمام من المصاحف فلا أرى أن ينقط ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها، وأما المصاحف الصغار التي يتعلم فيها الصبيان والألواح فلا أرى بأسا. ثم قال: " أشهب " والذي ذهب إليه مالك هو الحق إذ فيه بقاء الحال الأولى إلى أن يعلمها الآخر، وفي خلاف ذلك تجهيل
(6/26)



************
الناس بأوليتهم.
وقال أبو عمرو الداني (في كتابه المسمى الحكم في النقط) عقيب قول مالك هذا: ولا مخالف لمالك في ذلك من علماء الأمة، ا. هـ.
فالذي أراه هو أن تطبع المصاحف التي تتخذ لأجل التلاوة برسم المصحف الإمام الذي كتبه الصحابة عليهم الرضوان حفظا لهذا الأثر التاريخي العظيم الذي هو أصل ديننا كما هو، لكن مع النقط والشكل للضبط. ولو كان لمثل الأمة الإنكليزية هذا الأثر، لما استبدلت به ملك كسرى وقيصر، ولا أسطول الألمان الجديد الذي هو شغلها الشاغل اليوم. وأما الألواح والأجزاء وكذا المصاحف التي تطبع لأجل تعليم الصغار بها في الكتاتيب، فلتطبع بالرسم المصطلح عليه اليوم من كل وجه تسهيلا للتعليم، ومتى كبر الصغير وكان متعلما للقرآن بالرسم المشهور لا يغلط إذا هو قرأ في المصاحف المطبوعة برسم الصحابة مع زيادة النقط والشكل. وكذلك يكتب القرآن في أثناء كتب التفسير وغيرها بالرسم الاصطلاحي ليقرأه كل أحد على وجه الصواب. وبهذا تجمع بين حفظ أهم شيء في تاريخ ديننا، وبين تسهيل التعليم وعدم اشتباه القارئين.
أما ما احتج به العز بن عبد السلام على رأيه فليس بشيء، لأن الاتباع إذا لم يكن واجبا من الأصل، فإن فرق بين الآن الذي قال فيه ما قال، وبين ما قبله وما بعده، بل يكتب الناس القرآن في كل زمن بما يتعارفون عليه من الرسم، وإذا كان واجبا في الأصل وهو ما لا ينكره فترك الناس له لا يجعله حراما أو غير جائز، لما ذكره من الالتباس بل لا يزال هذا الالتباس في أنه لا يسلم له.
وأما ما طبعه المسلمون من المصاحف في الأستانة وقزان ومصر وغيرها من البلاد غير متبعين فيه رسم المصحف الإمام في كل الكلمات، فسببه التهاون والجهل والاعتماد على بعض المصاحف الخطية التي كتبت قبل عهد الطباعة، فرسم فيها بالرسم المعتاد الكلمات التي يظن أنه يقع الاشتباه فيها إذا هم كتبوها كما كتبها الصحابة كلفظ " الكتاب" بالألف بعد التاء، وهو في المصحف الإمام بغير ألف ليوافق في بعض الآيات قراءة الجمع فكتبوه بالألف. ولم أر مصحفا كتب أو طبع كله بالرسم المعتاد.
ونحمد الله تعالى أن وفق بعض الناس إلى طبع ألوف من المصاحف برسم الصحابة المتبع، وأحسن المصاحف التي طبعت في أيامنا هذه ضبطا وموافقة للمصحف الإمام المتبع هو المصحف المطبوع في مطبعة محمد أبي زيد بمصر سنة 1308 إذ وقف على تصحيحه وضبطه الشيخ رضوان بن محمد المخللاتي أحد علماء هذا الشأن وصاحب المصنفات فيه. وقد وضع له مقدمة بين فيها ما يحتاج إليه في ذلك. فالذي أراه أنه ينبغي للجنة القرآنية أن تراجع هذا المصحف، فإنها تجد فيه حل
(6/27)



************
عقد المشكلات كلها إن شاء الله تعالى ككلمة الأقلام وأمثالها وهي بغير ألف وكلمة آتاني التي رسمت في المصحف الإمام آتن فيرون أن هذا المصحف وضع فوق "النون" "ياء" صغيرة مفتوحة هي من قبيل الشكل، لتوافق قراءة حفص فهي فيه هكذا آتن.
وجملة القول أننا نرى أن الصواب الذي ينبغي أن يتبع ولا يعدل عنه، هو أن تطبع الأجزاء والمصاحف التي يعلم فيها المبتدئون بالرسم الاصطلاحي لتسهيل التعليم، وهو ما جرت عليه الجمعية الخيرية الإسلامية هنا بإذن الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى -، فهي تطبع أجزاء القرآن كل جزء على حدته بالرسم الاصطلاحي وتوزعها على التلاميذ في مدارسها. وأما سائر المصاحف فيتبع في طبعها رسم المصحف الإمام كالمصحف الذي ذكرناه آنفا. وإذا جرى المسلمون على هذا في الأستانة ومصر وقزان والقريم وسائر البلاد الإسلامية، فلا يمضي جيل أو جيلان إلا وتنقرض المصاحف التي طبع بعض كلماتها بالرسم الاصطلاحي وبعضها برسم الصحابة. ولا ضرر من وجودها الآن إذ هي مضبوطة بالشكل كغيرها، فالاشتباه والخطأ مأمونان في جميع المصاحف ولله الحمد. (1)
__________
(1) ص 2514 من المجلد 6
(6/28)



************
وسئل أيضا: هل هناك مانع شرعا من طبع المصحف الشريف بالكيفية الآتية:
1 - أن يكون بالهجاء الحديث المتبع بالأزهر الشريف وفروعه وجميع معاهد العلم بالديار المصرية وبغيرها من البلاد العربية وغير العربية.
2 - أن توضع علامات الترقيم الحديثة بين الكلمات، بدلا من وضعها فوق الكتابة بحروف وكلمات غير مفهومة لكثير من البعيدين عن تعليم الأزهر وملحقاته وكثير ما هم.
3 - أن يوجد بهامش هذا المصحف تفسير عصري مختصر مفيد بمعرفة لجنة من كبار العلماء وكل هذا يراد به فائدة من يطلع على هذا المصحف من عامة الناس وخاصتهم. ومنعهم من الخطأ في التلاوة بسبب تعقيد الكتابة طبقا لقواعد مضى عليها كثير من القرون، وأصبحت غير معمول بها في جميع الأحوال. ولصون الناس عامة من الفهم الخطأ لما يتلونه من آيات الذكر الحكيم.
وذلك تنفيذا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (1)}.
__________
(1) سورة القمر الآية 17
(6/28)



************
هذا ولا يخفى على فضيلتكم أن هذا القرآن إنما هو رسالة الله إلى الناس كافة.
ونرجو نشر الرد بمجلتكم الغراء والإفادة ولكم الشكر من المخلص.
فأجاب بقوله: - من المسائل المتفق عليها بين العلماء أو الإجماعية أن خط المصحف الشريف (أي رسمه) سماعي توقيفي يجب فيه اتباع الكتبة الأولى (بالكسر أي هيئة الكتابة) التي أجمع عليها الصحابة - رضي الله عنهم - ونشروها بالمصاحف الرسمية التي يعبر عن أصلها (بالمصحف الإمام)، ولهذا الاتباع فوائد ودلائل مبسوطة في محلها أولها أن كتاب الله عندنا منقول بالتواتر بلفظه وقراءاته ولهجاته ورسم خطه، وأنه بهذا كله حفظ من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان. حتى إن حروفه قد عدت بهذا الرسم ودون عددها في الكتب ومن فروع ذلك أن لأكثر ما خالف به رسمه الرسم العرفي أسبابا تتعلق بقراءاته ويدخل في هذا ترك نقطه، وشرح ذلك كله يطول.
وكان المسلمون يعتمدون في تعلم القرآن وتلاوته على التلقين والرواية والحفظ من الألواح التي يكتبونها ثم يمحونها بعد حفظ ما فيها ليكتبوا غيره فيها، ثم رأوا أن التلاوة في المصاحف غير المنقوطة يكثر فيها الخطأ لغير الحافظ فاستحدثوا النقط لمنع ذلك، ثم استحدثوا الشكل لضبط الإعراب وصحة النقط، ثم وضعوا علامات وقف للحاجة إليها وكون معرفة ما يحسن الوقف عليه منوطا بالفهم، وما كل قارئ يفهم، وجعلوا لهذه العلامات أشكالا بحسب درجاتها، ثم وضعوا لضبط التلاوة وتجويدها فنا وللوقف والابتداء فنا أفردوا كلا منهما بالتدوين، وجروا عليهما في التلقين وفي كتابة المصاحف، فالغرض من كل هذه المستحدثات ضبط تلاوة القرآن واتقاء الخطأ فيها.
ولكن لا يزال فيه كلام كثير يخطئ في النطق به من لم يلقنه بالحفظ من زيادة حروف ونقص أخرى، وقد صرنا في زمان يقل فيه من القارئين من يتلقى التجويد وعلامات الوقف على حفاظ المقرئين، فكثر الخطأ في القراءة وفي الوقف والابتداء، واشتهر في الخط وصناعة الطبع ترقيم جديد فيه علامات للوقف وللاستفهام والتعجب ألفها الناس بدون حاجة إلى التلقين، فاستغنى بها عن علامات الوقف الكثيرة في المصاحف من الحروف المفردة والمركبة التي صارت منتقدة لعدم فهم الجمهور لها، ولاستغناء الحفاظ عنها، ولأن منها كلمات قد يظن الجاهلون بالقرآن أنها منه ككلمتي صلى وقلى فإنني أستنكر وضعهما في المصاحف أشد الاستنكار.
(6/29)



************
ويرى السائل وغيره أنني جريت في تفسيري للقرآن الحكيم المعروف بتفسير المنار ظهر على التزام رسم الإمام في الآيات المضبوطة بالشكل التام مع علامات الترقيم العصرية، ثم رسم الآيات في أثناء تفسيرها بالرسم العرفي الذي يعرفه جميع المتعلمين مع الترقيم فيها وفي تفسيرها، وأخالف الطريق المتبعة في وزارة المعارف والأزهر في الياء المتطرفة فألتزم نقط ما ينطق بها ياء دون ما كانت ألفا منقلبة عنها لكثرة ما يقع من الاشتباه فيهما كالفعل الماضي من الرواية في بنائه للمعلوم والمجهول.
فعلم بهذا أنني لا أرى مانعا شرعيا يمنع مما سأل عنه السائل، بل أرى أنه واجب، ولهذا جريت عليه بالفعل منذ أكثر من ثلث قرن، فإن الخط والطبع صناعتان يقصد بهما أداء الكلام أداء صحيحا. وتصحيح أداء القرآن واجب شرعا، وتحريفه بالنطق محرم شرعا. وقد جرى جميع علماء المسلمين في تفاسيرهم على كتابة القرآن بالرسم العرفي، وهم آمنون على حفظ رسمه الأصلي الذي كتبه به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر الخلفاء الراشدين لكثرة المصاحف فيه، بل خالفوا رسم المصحف الإمام في كثير من الكلمات التي يشتبه في قراءتها الجمهور منذ قرون ولم أقف على تاريخها، وهذا ليس بحجة وإنما الحجة وجوب صيانة القرآن من الخطأ في قراءته، وهي مقدمة على حفظ رسم السلف لو تعذر الجمع بينهما ولا تعذر.
وأما تيسير فهمه على الناس كافة بتفسير سهل العبارة مناسب لحاجة العصر فهو واجب لا معارض له وقد طبع بعض الناس تفسير البيضاوي على حواشي المصحف، وهو تفسير دقيق وجيز وضع لتذكير العلماء بخلاصة ما في أشهر التفاسير، وبعضهم طبع الجلالين وهو مختصر مخل قلما يستفيد منه الدهماء وقد تحريت السهولة واجتناب الاصطلاحات الفنية والعلمية في تفسير المنار ولكنه مطول، وقد كثر اقتراح الناس علي أن أختصره أو أكتب تفسيرا مختصرا فشرعت وعلى الله توكلت.
(6/30)



************
ثالثا: الضرورة أو الحاجة التي دعت إلى العدول عن كتابة المصحف بالرسم العثماني إلى كتابته حسب قواعد الإملاء:
(أ) إن القرآن هو الأصل الذي يرجع إليه المسلمون في معرفة عقائدهم وعباداتهم وقد حث الله على تلاوته وتدبر آياته واستنباط الأحكام منه، وتحكيمه في جميع الشئون والأحوال، وبينت السنة النبوية فضائله، وحثت على تعلمه وتعليمه والتعبد بتلاوته والعمل
(6/30)



************
بما فيه من أحكام وقد كان السلف رحمهم الله يعرفون الرسم العثماني، فيسهل عليهم قراءة القرآن بذلك الرسم وقاموا بما وجب عليهم من تدبره وأخذ الأحكام منه وتحكيمه فيما شجر بينهم خير قيام.
ولما طال الأمد، ووضعت قواعد جديدة للإملاء وسار عليها الكتاب، وألفها القراء بكثرة استعمالها كتابة وقراءة شق عليهم أن يقرءوا القرآن بالرسم الذي كتبت به المصاحف العثمانية، فتيسيرا عليهم ودفعا للحرج عنهم يجوز أن يكتب القرآن بالمصاحف وغيرها حسب قواعد الإملاء ليتمكن الجمهور من تلاوته بسهولة تلاوة صحيحة، ويتعبدوا بقراءته دون تحريف، ويتحفظوه على طريق مستقيم فإن الشريعة سمحة سهلة جاءت بالتيسير ورفع الحرج، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (1) وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2) ومن القواعد الثابتة في الشريعة أن المشقة تجلب التيسير.
ب - في عهد بني أمية كثر دخول الأعاجم في الإسلام، واختلط بهم مسلمو العرب، وكثر اللحن، وخيف على كثير من المسلمين أن يلحنوا في قراءة القرآن، فأمر الخليفة عبد الملك بن مروان بنقط المصحف وشكله، صيانة له من اللحن والتحريف في القراءة، وتصدى لذلك الحجاج بن يوسف الثقفي، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر فقاما بنقطه وشكله، ولم يكن ذلك بدعا من القول ولا ابتداعا في الدين، لبنائه على مقاصد الشريعة في حفظ القرآن وتيسير تعلمه وتعليمه وإبلاغه للناس، هداية لهم وإقامة للحجة عليهم، ثم ثبت إجماع الأمة على نقط المصحف وشكله، واستمر العمل على ذلك إلى عصرنا فلم يعرف من أنكر ذلك مع طول العهد.
وقد أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم على أن جمع أبي بكر الصديق القرآن أولا وجمع عثمان بن عفان له ثانيا من محامدهما - رضي الله عنهما -.
ولا شك أن كتابة المصحف حسب القواعد الإملائية من جنس جمع القرآن أولا وثانيا ومن جنس نقطه وشكله، من جهة البناء على مقاصد الشريعة والاعتماد على
__________
(1) سورة البقرة الآية 185
(2) سورة الحج الآية 78
(6/31)



************
المصالح العامة، إذ كل منها يرجع في حكمه إلى المصالح العامة التي شهدت لها أدلة الشريعة جملة وإن لم يدل عليها بخصوصها دليل معين. فكانت كتابته حسب القواعد الإملائية مشروعة.
إن القرآن لم ينزل مكتوبا، وإنما نزل وحيا متلوا، فأملاه النبي - صلى الله عليه وسلم - على كتبته وكان أميا، فكتبوه بالرسم المعهود عندهم، وكانوا ضعافا في صناعة الكتابة، ولذا حصل بعض الاختلاف في رسم كتابتهم بل في رسم بعض الكلمات في مصاحف الأمصار المنتسخة من المصحف العثماني، فيجوز أن يكتب أيضا بالرسم الإملائي.
وقد ذكر ذلك الاختلاف الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه المقنع وبين سبب هذا الاختلاف فقال:
(6/32)



************
باب ذكر ما اختلفت فيه مصاحف أهل الأمصار بالإثبات والحذف
أخبرني الخاقاني قال حدثنا الأصبهاني قال حدثنا الكسائي عن ابن الصباح قال قال محمد بن عيسى عن نصير وهذا ما اختلف فيه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل المدينة وأهل مدينة السلام وأهل الشام في كتاب المصاحف.
(6/32)



************
كتبوا في سورة "البقرة" إلى آخرها في بعض المصاحف " إبرهم" بغير ياء وفي بعضها بالياء قال أبو عمرو وبغير ياء وجدت أنا ذلك في مصاحف أهل العراق في البقرة خاصة وكذلك رسم في مصاحف أهل الشام وقال معلى بن عيسى الوراق عن عاصم الجحدري "إبرهم" في "البقرة" بغير ياء كذلك وجد في الإمام وحدثنا الخاقاني شيخنا قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال تتبعت رسمه في المصاحف فوجدته كتب في البقرة خاصة "إبرهم" بغير ياء قال نصير وفي بعضها فيضاعفه (245) بالألف وفي بعضها بغير ألف وفي بعضها قل بئس ما يأمركم به (92) مقطوع وفي بعضها بئسما موصولة وفي بعضها ملئكته وكتابه (285) بالألف وفي بعضها وكتبه بغير ألف.
وفي آل عمران في بعض المصاحف ويقاتلون الذين (21) بالألف وفي بعضها ويقتلون بغير ألف.
وفي " المائدة" في بعض المصاحف نحن ابنؤا الله (18) بالواو والألف وفي بعضها أبناء الله بغير واو وفي بعضها نخشا أن تصيبنا دائرة (52) بالألف وفي بعضها بالياء وفي بعضها فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا ساحر مبين (110) بالألف وفي بعضها سحر بغير ألف، وفي بعضها أو (كفارة) طعام مساكين (95) بالألف وفي بعضها مسكين بغير ألف.
وفي الأنعام في بعض المصاحف فالق الحب (95) بالألف وفي بعضها فلق بغير ألف وفي بعض المصاحف وجعل الليل سكنا (96) بغير ألف وفي بعضها وجاعل بالألف وفي بعضها لئن أنجيتنا (63) بالياء والتاء والنون وفي بعضها أنجينا بالياء والنون.
وفي "الأعراف" في بعض المصاحف كل ما دخلت أمة (38) مقطوعة وفي بعضها كلما موصولة وفي بعضها يأتوك بكل سحار عليم (112) الألف بعد الحاء وفي بعضها ساحر الألف قبل الحاء وفي بعضها إذا مسهم طيف (201) بغير ألف وفي بعضها طائف بألف وفي بعضها وريشا ولباس التقوى (26) بغير ألف وفي بعضها ورياشا بالألف قال أبو عمرو ولم يقرأ بذلك أحد من أئمة العامة إلا ما رويناه عن المفضل بن محمد الضبي عن عاصم وبذلك قرأنا من طريقه.
وفي "براءة" كتبوا في بعض المصاحف ولأوضعوا (47) بغير ألف وفي بعضها ولا أوضعوا بالألف.
وفي "يونس" في بعض المصاحف إن هذا لساحر (76) بالألف وفي بعضها لسحر مبين بغير ألف وفي بعضها وقال فرعون ائتوني بكل سحار (79) الألف بعد الحاء وفي بعضها
(6/33)



************
سحر بغير ألف.
وفي "إبراهيم" في بعض المصاحف وذكرهم بأيم الله (5) قال أبو عمرو يعني بياء من غير ألف وقد رأيته أنا في بعض مصاحف أهل المدينة والعراق وكذلك ذكره الغازي بن قيس في كتابه بياءين من غير ألف قال نصير وفي بعضها بأيام الله بألف وياء واحدة.
وفي "الحجر" في بعض المصاحف وأرسلنا الرياح لواقح (22) بألف على الإجماع وفي بعضها الريح بغير ألف على واحدة.
وفي بني إسرائيل في بعض المصاحف أو كلهما (23) بغير ألف وفي بعضها أو كلاهما بألف وليس في شيء من المصاحف فيها ياء وفي بعضها سبحان ربي (93) بالألف وفي بعضها سبحن بغير ألف ولا يكتب في جميع القرآن بألف غير هذا الحرف اختلفوا فيه.
وفي "الكهف" في بعض المصاحف فله جزاء الحسنى بغير واو وفي بعضها جزؤا "بالواو" وفي بعض المصاحف فهل نجعل لك خراجا (94) بألف وفي بعضها "خرجا" بغير ألف وفي بعض المصاحف تذروه الريح (45) بغير ألف وفي بعضها الرياح بألف.
وفي طه في بعض المصاحف لا تخف دركا (77) بغير ألف وفي بعضها لا تخاف بألف.
وفي "الأنبياء" كتبوا في بعض المصاحف قال ربي (4) بالألف وفي بعضها قل ربي بغير ألف وفي بعضها أن لا إله إلا أنت (87) وفي بعضها بغير نون وفي بعضها في ما اشتهت أنفسهم (102) مقطوع وفي بعضها موصول.
وفي "الحج" في بعض المصاحف إن الله يدافع (38) بالألف وفي بعضها بغير ألف.
وفي المؤمنون في بعض المصاحف قال كم لبثتم (112) بألف وفي بعضها قل بغير ألف وفي بعضها قل إن لبثتم إلا قليلا (114) بغير ألف وفي بعضها قال بالألف وفي بعضها سيقولون لله لله لله (89، 87، 85) ثلاثتها بغير ألف وفي بعضها الأول (لله "بغير ألف والاثنان بعده "الله الله" وفي بعض المصاحف كل ما جاء أمة رسولها (44) مقطوع وفي بعضها كلما موصولة وفي بعضها أم تسئلهم خراجا (72) بألف وفي بعضها خرجا بغير ألف وكتبوا فخراج ربك 72) في جميع المصاحف بالألف.
وفي "الفرقان" في بعض المصاحف فيها سرجا (61) بغير ألف وفي بعضها سراجا بالألف.
وفي "الشعراء" في بعض المصاحف أتتركون فيما ههنا آمنين (146) موصولة وفي بعضها
(6/34)



************
في ما مقطوعة وفي بعضها فارهين (149) بألف وفي بعضها فرهين بغير ألف وكذلك حاذرون (56) وحذرون.
وفي "النمل" في بعض المصاحف تهدى العمي (81) بالتاء بغير ألف وفي بعضها بهادي بألف وياء بعد الدال وفي بعضها فناظرة (35) بالألف وفي بعضها فنظرة بغير ألف.
وفي "القصص" في بعض المصاحف قالوا ساحران تظاهرا (48) بألف وفي بعضها سحران بغير ألف بعد السنين.
وفي "الروم" في بعض المصاحف وما أنت تهد العمي (53) بغير ألف ولم يثبتوا فيها ياء وفي بعضها بهاد بألف وليس فيها ياء. التي في "الروم" ليس فيها في شئ من المصاحف ياء والتي في النمل (81) فيها ياء في جميع المصاحف وفي بعضها وما آتيتم من ربا (39) بالألف بغير واو وفي بعضها ربوا بالواو.
وفي "الأحزاب" في بعض المصاحف يسئلون عن أنبائكم (20) بغير ألف وفي بعضها يسألون بالألف قال أبو عمرو ولم يقرأ بذلك أحد من أئمة القراء إلا ما رويناه من طريق محمد بن المتوكل رويس عن يعقوب الحضرمي وبذلك قرأنا في مذهبه وحدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا ابن منير قال حدثنا عبد الله بن عيسى قال حدثنا ابن مينا قالون عن نافع أن ذلك في الكتاب بغير ألف.
وفي "يس" في بعض المصاحف وما عملت أيديهم (35) بالتاء من غير هاء وفي بعضها وما عملته بالهاء وفي بعضها في شغل فاكهون (55) بالألف وفي بعضها فكهون بغير ألف.
وفي "المؤمن" في بعض المصاحف وكذلك حقت كلمت ربك (6) بالتاء وفي بعضها كلمة بالهاء وفي بعضها إذ القلوب لدا الحناجر (18) بالألف وفي بعضها لدى بالياء.
وفي "الدخان" في بعض المصاحف فيها فاكهين (27) بالألف وفي بعضها فكهين بغير ألف.
وفي "الأحقاف" في بعض المصاحف ووصينا الإنسن بوالديه إحسنا (15) يجعلون أمام الحاء ألفا كذا قال وصوابه قبل الحاء وفي بعضها حسنا بغير ألف.
وفي الطور في بعض المصاحف فاكهين (18) بالألف وفي بعضها فكهين بغير ألف.
وفي اقتربت في بعض المصاحف خاشعا (7) بالألف وفي بعضها خشعا بغير ألف.
وفي الرحمن كتبوا في بعض المصاحف فبأي ءالاء ربكما تكذبان بالألف وفي بعضها
(6/35)



************
تكذبن بغير ألف من أول السورة إلى آخرها وفي بعض المصاحف وجنا الجنتين دان (54) بالألف وفي بعضها وجنى بالياء.
وفي الواقعة في بعض المصاحف فلا أقسم بموقع النجوم (75) بغير ألف وفي بعضها بمواقع بالألف.
وفي الحديد في بعض المصاحف فيضعفه (11) بغير ألف وفي بعضها فيضاعفه بالألف وفي بعضها يضاعف لهم (18) بالألف وفي بعضها يضعف بغير ألف.
وفي المنافقون في بعض المصاحف وأنفقوا من ما رزقنكم (10) مقطوع وفي بعضها مما موصول، وفي الملك في بعض المصاحف كل ما ألقي فيها فوج (8) مقطوع وفي بعضها كلما موصول.
وفي قل أوحي في بعض المصاحف قل إنما أدعوا ربي (20) بغير ألف وقال أبو عمر وقال الكسائي قال الجحدري هو في الإمام قل قاف لام، وفي المرسلات في بعض المصاحف جمالت (33) بألف بعد الميم وفي بعضها جملت بغير ألف قال أبو عمرو وليس في شيء منها ألف قبل التاء وفي المطففين في بعض المصاحف فكهين (31) بغير ألف وفي بعضها فاكهين بالألف وفي أرأيت في بعض المصاحف أريت (1) بغير ألف وفي بعضها أرأيت بالألف وفي بعض المصاحف أرأيتم بالألف وفي بعضها أريتم بغير ألف في جميع القرآن.
قال أبو عمرو ورأيت أبا حاتم قد حكى عن أيوب بن المتوكل أنه رأى في مصاحف أهل المدينة إنا لنصر رسلنا في غافر بنون واحدة ولم نجد ذلك كذلك في شيء من المصاحف وبالله التوفيق. . ".
(6/36)



************
باب ذكر ما اختلفت فيه مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام المنتسخة من الإمام بالزيادة والنقصان
وهذا الباب سمعناه من غير واحد من شيوخنا من ذلك في البقرة في مصاحف أهل الشام قالوا اتخذ الله ولدا (116) بغير واو قبل قالوا وفي سائر المصاحف وقالوا بالواو،
(6/36)



************
وفي مصاحف أهل المدينة والشام وأوصى بها (132) بألف بين الواوين قال أبو عبيد وكذلك رأيتها في الإمام مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وفي سائر المصاحف ووصى بغير ألف وفي آل عمران في مصاحف أهل المدينة والشام سارعوا إلى مغفرة (133) بغير واو قبل السين في سائر المصاحف وسارعوا بالواو وفيها في مصاحف أهل الشام وبالزبر وبالكتب (184) بزيادة باء في الكلمتين كذا رواه لي خلف بن إبراهيم عن أحمد بن محمد عن علي عن أبي عبيد عن هشام بن عمار عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحرث عن ابن عامر، وعن هشام عن سويد بن عبد العزيز عن الحسن بن عمران عن عطية بن قيس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن مصاحف أهل الشام وكذلك حكى أبو حاتم أنهما مرسومان بالباء في مصحف أهل حمص الذي بعث عثمان به إلى الشام وقال هرون ابن موسى الأخفش الدمشقي إن الباء زيدت في الإمام يعني الذي وجه به إلى الشام في وبالزبر وحدها وروى الكسائي عن أبي حيوه شريح بن يزيد أن ذلك كذلك في المصحف الذي بعث به عثمان إلى الشام والأول أعلى إسنادا وهما في سائر المصاحف بغير باء وفي النساء قال الكسائي والفراء في بعض مصاحف أهل الكوفة والجار ذا القربى (36) بألف ولم نجد ذلك كذلك في شيء من مصاحفهم ولا قرأ به أحد منهم وفي مصاحف أهل الشام ما فعلوه إلا قليلا منهم (66) بالنصب وفي سائر المصاحف إلا قليل بالرفع وفي المائدة في مصاحف أهل المدينة ومكة والشام يقول الذين آمنوا (53) بغير واو قبل يقول وفي مصاحف أهل الكوفة والبصرة وسائر العراق ويقول بالواو وفيها في مصاحف أهل المدينة والشام من يرتدد منكم (54) بدالين قال أبو عبيد وكذا رأيتها في الإمام بدالين وفي سائر المصاحف يرتد بدال واحدة وفي الأنعام في مصاحف أهل الشام ولدار الآخرة (32) بلام واحدة وفي سائر المصاحف بلامين وفيها في مصاحف أهل الكوفة لئن أنجينا من هذه 63) بياء من غير تاء وفي سائر المصاحف لئن أنجيتنا بالياء والتاء وليس في شيء منها ألف بعد الجيم وفيها في مصاحف أهل الشام وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولدهم شركائهم (137) بالياء وفي سائر المصاحف شركاؤهم بالواو وفي الأعراف في مصاحف أهل الشام قليلا ما يتذكرون (3) بالياء والتاء وفي سائر المصاحف تذكرون بالتاء من غير ياء وفيها في مصاحف أهل الشام ما كنا لنهتدي (43) بغير واو قبل ما وفي سائر المصاحف وما بالواو وفيها في مصاحف أهل الشام في قصة صالح وقال الملأ الذين استكبروا (75) بزيادة واو قبل قال وفي سائر المصاحف قال بغير واو وفيها في مصاحف أهل الشام وإذ أنجاكم من آل فرعون (141) بألف من غير ياء ولا نون وفي سائر المصاحف أنجينكم بالياء والنون من غير ألف وفي براءة في مصاحف أهل المدينة والشام الذين اتخذوا مسجدا ضرارا (107) بغير
(6/37)



************
واو قبل الذين وفي سائر المصاحف والذين بالواو وفيها في مصاحف أهل مكة تجري من تحتها الأنهر بزيادة " من" وفي سائر المصاحف بغير "من" وفي يونس في مصاحف أهل الشام هو الذي ينشركم في البر والبحر (22) بالنون والشين وفي سائر المصاحف يسيركم بالسين والياء وفي سبحان في مصاحف أهل مكة والشام قال سبحان ربي هل كنت (93) بألف وفي سائر المصاحف قل بغير ألف وفي الكهف في مصاحف أهل المدينة ومكة والشام خيرا منهما منقلبا (36) بزيادة ميم بعد الهاء على التثنية وفي سائر مصاحف أهل العراق منها بغير ميم على التوحيدة وفيها في مصاحف أهل مكة ما مكني فيه ربي (95) بنونين وفي سائر المصاحف مكني بنون واحدة، وفي الأنبياء في مصاحف أهل الكوفة قال ربي يعلم القول (4) بألف وفي سائر المصاحف قل ربي بغير ألف وفيها في مصاحف أهل مكة ألم ير الذين كفروا (30) بغير واو بين الهمزة واللام وفي سائر المصاحف أولم ير الذين بالواو وفي المؤمنون في مصاحف أهل البصرة سيقولون الله قل أفلا تتقون (87) سيقولون الله قل فأنى تسحرون (89) بالألف في الاسمين الأخيرين وفي سائر المصاحف ("لله" فيهما قال أبو عبيد وكذلك رأيت ذلك في الإمام، وقال هرون الأعور عن عاصم الجحدري كانت في الإمام "لله "لله" وأول من ألحق هاتين الألفين نصر بن عاصم الليثي، وقال أبو عمرو كان الحسن يقول الفاسق عبيد الله بن زياد زاد فيهما ألفا وقال يعقوب الحضرمي أمر عبيد الله بن زياد أن يزاد فيها ألف.
قال أبو عمرو وهذه الأخبار عندنا لا تصح لضعف نقلتها واضطرابها وخروجها عن العادة إذ غير جائز أن يقدم نصر وعبيد الله هذا الإقدام من الزيادة في المصاحف مع علمهما بأن الأمة لا تسوغ لهما ذلك بل تنكره وترده وتحذر منه ولا تعمل عليه وإذا كان ذلك بطل إضافة زيادة هاتين الألفين إليهما وصح أن إثباتهما من قبل عثمان والجماعة رضوان الله عليهم على حسب ما نزل به من عند الله تعالى وما أقرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتمعت المصاحف على أن الحرف الأول سيقولون لله (58) بغير ألف قبل اللام وفيها في مصاحف أهل الكوفة قل كم لبثتم (112) ووقل إن لبثتم (114) بغير ألف في الحرفين وفي سائر المصاحف (قال) بالألف في الحرفين وينبغي أن يكون الحرف الأول في مصاحف أهل مكة بغير ألف والثاني بالألف لأن قراءتهم فيهما كذلك ولا خبر عندنا في ذلك عن مصاحفهم إلا ما رويناه عن أبي عبيد أنه قال ولا أعلم مصاحف أهل مكة إلا عليها يعني على إثبات الألف في الحرفين وفي الفرقان في مصاحف أهل مكة وننزل الملائكة تنزيلا (25) بنونين وفي سائر المصاحف ونزل بنون واحدة وفي الشعراء في مصاحف أهل المدينة والشام فتوكل على العزيز الرحيم (217)
(6/38)



************
بالفاء وفي سائر المصاحف وتوكل بالواو وفي النمل في مصاحف أهل مكة وليأتينني بسلطن مبين (21) بنونين وفي سائر المصاحف بنون واحدة وفي القصص في مصاحف أهل مكة قال موسى ربي أعلم (37) بغير واو قبل قال وفي سائر المصاحف وقال بالواو وفي يس في مصاحف أهل الكوفة وما عملت أيديهم (35) بغير هاء بعد التاء وفي سائر المصاحف وما عملته بالهاء وفي الزمر في مصاحف أهل الشام تأمرونني أعبد (64) بنونين وفي سائر المصاحف تأمروني أعبد بنون واحدة وفي المؤمن في مصاحف أهل الشام كانوا هم أشد منكم (21) بالكاف وفي سائر المصاحف أشد منهم بالهاء وفيها في مصاحف أهل الكوفة أو أن يظهر في الأرض الفساد بزيادة الألف قبل الواو وروى هرون عن صخر بن جويرية وبشار الناقط عن أسيد أن ذلك كذلك في الإمام مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وفي سائر المصاحف وأن يظهر بغير ألف وفي الشورى في مصاحف أهل المدينة والشام بما كسبت أيديكم (39) بغير فاء قبل الباء وفي سائر المصاحف فبما كسبت بزيادة فاء وفي الزخرف في مصاحف أهل المدينة والشام يعبادي لا خوف عليكم (68) بالياء وفي مصاحف أهل العراق يعباد بغير الياء وكذا ينبغي أن يكون في مصاحف أهل مكة لأن قراءتهم فيه كذلك ولا نص عندنا في ذلك في مصاحفهم إلا ما حكاه ابن مجاهد أن ذلك في مصاحفهم بغير ياء ورأيت بعض شيوخنا يقول إن ذلك في مصاحفهم بالياء وأحسبه أخذ ذلك من قول أبي عمرو إذ حكى أنه رأى الياء في ذلك ثابتة في مصاحف أهل الحجاز ومكة من الحجاز والله أعلم.
وحدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن قطن قال حدثنا سليمان بن خلاد قال حدثنا اليزيدي قال أبو عمرو يعبادي رأيتها في مصاحف أهل المدينة والحجاز بالياء وفيها في مصاحف أهل المدينة والشام ما تشتهيه الأنفس (71) بهائين ورأيت في بعض شيوخنا يقول إن ذلك كذلك في مصاحف أهل الكوفة وهو غلط قال أبو عبيد وبهاءين رأيته في الإمام وفي سائر المصاحف تشتهي بهاء واحدة وفي الأحقاف في مصاحف أهل الكوفة بولديه إحسانا (15) بزيادة ألف قبل الحاء وبعد السين وفي سائر المصاحف حسنا بغير ألف وفي القتال قال خلف بن هشام البزار في مصاحف أهل مكة والكوفيين فهل ينظرون إلا الساعة إن تأتيهم (18) بالكسر مع الجزم وفي الرحمن في مصاحف أهل الشام والحب ذا العصف والريحان (12) بالألف والنصب وفي سائر المصاحف ذو العصف بالواو والرفع قال أبو عبيد وكذلك رأيتها في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان - رضي الله عنه -، وفيها في مصاحف أهل الشام ذو الجلل والإكرام (78) آخر السورة بالواو وفي سائر المصاحف ذي الجلل والاكرام بالياء والحرف الأول (27) في كل المصاحف بالواو وفي
(6/39)



************
الحديد في مصاحف أهل الشام وكل وعد الله الحسنى (10) بالرفع وفي سائر المصاحف وكلا بالنصب وفيها في مصاحف أهل المدينة والشام فإن الله الغني الحميد بغير "هو" وفي سائر المصاحف هو الغني بزيادة "هو" وفي الشمس في مصاحف أهل المدينة والشام فلا يخاف عقبها (15) بالفاء وفي سائر المصاحف ولا يخاف بالواو حدثنا ابن خاقان قال حدثنا أحمد المكي قال حدثنا علي قال حدثنا أبو عبيد قال هذه الحروف التي اختلفت في مصاحف الأمصار مثبتة بين اللوحين وهي كلها منسوخة من الإمام الذي كتبه عثمان ثم بعث إلى كل أفق مما نسخ بمصحف وهي كلها كلام الله عز وجل.
حدثنا خلف بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القسم بن سلام قال حدثنا إسمعيل بن جعفر المدني أن أهل الحجاز وأهل العراق اختلفت مصاحفهم في هذه الحروف قال القسم وهي اثنا عشر حرفا: كتب أهل المدينة في سورة البقرة وأوصى بها إبراهيم بنيه (132) بألف وكتب أهل العراق ووصى بغير ألف وفي آل عمران كتب أهل المدينة سارعو إلى مغفرة (133) بغير واو وأهل العراق وسارعوا بالواو وفي المائدة كتب أهل المدينة يقول الذين آمنوا (53) بغير واو وأهل العراق ويقول بالواو وفيها أيضا كتب أهل المدينة من يرتدد منكم (54) بدالين وأهل العراق من يرتد بدال واحدة وفي براءة أهل المدينة الذين اتخذوا مسجدا (107) بغير واو وأهل العراق والذين بالواو وفي الكهف أهل المدينة خيرا منهما منقلبا (36) على اثنين وأهل العراق خيرا منها على واحدة وفي الشعراء أهل المدينة فتوكل على العزيز الرحيم (217) بالفاء وأهل العراق وتوكل بالواو وفي المؤمن أهل المدينة وأن يظهر في الأرض الفساد (26) بغير ألف وأهل العراق أو أن بألف وفي عسق أهل المدينة بما كسبت أيديكم (30) بغير فاء وأهل العراق فبما بالفاء وفي الزخرف أهل المدينة تشتهيه الأنفس (71) بهاءين وأهل العراق تشتهي بهاء واحدة وفي الحديد أهل المدينة فإن الله الغني الحميد (24) بغير "هو" وفي الشمس وضحيها أهل المدينة فلا يخاف عقبها (15) بالفاء وأهل العراق ولا يخاف بالواو حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا عبد الله بن عيسى قال حدثنا قالون عن نافع أن الحروف المذكورة في مصاحف أهل المدينة على ما ذكر إسماعيل سواء.
حدثنا محمد بن علي قال حدثنا ابن مجاهد قال في مصاحف أهل مكة في التوبة تجري من تحتها الأنهر بزيادة "من" وفي سبحان قال سبحان ربي (93) بألف وفي الكهف ما مكنني فيه (95) بنونين وفي الأنبياء ألم ير الذين كفروا (30) بغير واو وفي الفرقان وننزل الملئكة
(6/40)



************
(25) بنونين وفي النمل أو ليأتينني (21) بنونين وفي القصص قال موسى ربي أعلم (37) بغير واو.
وحدثنا ابن غلبون قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا أحمد بن أنس قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا سويد بن عبد العزيز وأيوب بن تميم عن يحيى بن الحرث عن عبد الله بن عامر (ح) وحدثنا الخاقاني قال حدثنا أحمد قال حدثنا علي قال حدثنا أبو عبيد واللفظ له قال هشام (ح) وحدثنا سويد بن عبد العزيز أيضا عن الحسن بن عمران عن عطية بن قيس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن هذه الحروف في مصاحف أهل الشام وهي ثمانية وعشرون حرفا في مصاحف أهل الشام: في البقرة قالوا اتخذ الله ولدا (116) بغير واو وفي آل عمران سارعوا (133) بغير واو وفيها بالبينات وبالزبر وبالكتب (84) ثلاثتهن بالباء وفي النساء إلا قليلا منهم (66) بالنصب وفي المائدة يقول الذين آمنوا (53) بغير واو وفيها من يرتدد منكم عن دينه (54) بدالين وفي الأنعام والدار الآخرة (32) بلام واحدة وفيها قتل أولادهم شركائهم (137) بنصب "الأولاد" وخفض "الشركاء" وفي الأعراف قليلا ما يتذكرون (3) وفيها ما كنا لنهتدي (43) بغير واو وفيها في قصة صالح وقال الملأ (75) بالواو وفيها وإذ أنجكم (141) بغير نون وفي براءة الذين اتخذوا (107) بغير واو وفي يونس هو الذي ينشركم (22) بالنون والشين وفيها إن الذين حقت عليهم كلمت ربك (96) على الجمع وفي بني إسرائيل قال سبحان ربي (93) على الخبر وفي الكهف خيرا منهما (36) على اثنين وفي المؤمنون سيقولون لله (85 و87 و89)، ثلثتهن بغير ألف وفي الشعراء فتوكل على العزيز (217) بالفاء وفي النمل إننا لمخرجون (67) على نونين وفي المؤمن أشد منكم (21) بالكاف وفيها وأن يظهر في الأرض (26) بغير ألف وفي عيسق بما كبست أيديكم (30) بغير فاء وفي الرحمن والحب ذا العصف والريحان (12) بالنصب وفيها تبرك اسم ربك ذو الجلل والإكرام (87) بالرفع وفي الحديد فإن الله الغني الحميد (24) بغير "هو" وفي والشمس فلا يخاف عقبها (15) بالفاء.
حدثنا الخاقاني قال حدثنا أحمد قال حدثنا علي قال قال أبو عبيد اختلفت مصاحف أهل العراق والكوفة والبصرة في خمسة أحرف: كتب الكوفيون في الأنعام لئن أنجينا (63) بغير تاء وفي الأنبياء قال ربي يعلم (4) بالألف وفي المؤمنون قل كم لبثتم (112) قل إن لبثتم (114) بغير ألف فيهما وفي الأحقاف بولديه إحسانا (15) بألف قبل الحاء وأخرى بعد السين وكتبها المصريون لئن أنجيتنا بالتاء قل ربي يعلم بغير ألف قال كم لبثتم قال إن لبثتم " بالألف"
(6/41)



************
بولديه حسنا بغير ألف.
قال أبو عمرو وروي لنا عن ابن القسم وأشهب وابن وهب أنهم رأوا في مصحف جد مالك ابن أنس الذي كتبه حين كتب عثمان بن عفان - رضي الله عنه - المصاحف أخرجه إليهم مالك في حم عسق فبما كسبت (30) بالفاء وفي الزخرف ما تشتهي الأنفس (71) وفي الحديد فإن الله هو الغني الحميد (24) بزيادة "هو" وفي الشمس ولا يخاف (15) بالواو وسائر الحروف على ما رواه إسماعيل عن مصاحف أهل المدينة وروى خارجة بن مصعب عن نافع أنه قال في الإمام في الحديد هو الغني بزيادة "هو" وفي الشمس ولا يخاف بالواو وقد ذكرنا حكاية أبي عبيد عن الإمام في رسم هذه الحروف وغيرها فأغنى ذلك عن الإعادة.
وقال أبو حاتم في مصحف أهل المدينة في يوسف وقال الملك اتون (54) بنقصان ياء وفي مصحف أهل مكة في آخر النساء فآمنوا بالله ورسوله (171) وفي مصحف أهل حمص الذي بعث به في المصحف الذي بعث به عثمان إلى الشام ثم كيدوني بالياء وما كان للنبي بلامين وفي الكهف للتخذت عليه.
قال أبو عمرو فهذا جميع ما انتهى إلينا بالروايات من الاختلاف بين مصاحف أهل الأمصار وقد مضى من ذلك حروف كثيرة في الأبواب المتقدمة والقطع عندنا على كيفية ذلك في مصاحف أهل الأمصار على قراءة أيمتهم غير جائز إلا برواية صحيحة عن مصاحفهم بذلك إذ قراءتهم في كثير من ذلك قد تكون على غير مرسوم مصحفهم ألا ترى أن أبا عمرو قرأ يعبادي لا خوف عليكم (168) في الزخرف بالياء وهو في مصاحف أهل البصرة بغير ياء فسئل عن ذلك فقال إني رأيته في مصاحف أهل المدينة بالياء فترك ما في مصحف أهل بلده واتبع في ذلك مصاحف أهل المدينة وكذلك قراءته في الحجرات لا يألتكم من أعملكم شيئا (14) بالهمزة التي صورتها ألف وذلك مرسوم في جميع المصاحف بغير ألف وكذلك قراءته أيضا في المنافقون وأكون من الصلحين (10) بالواو والنصب وذلك في كل المصاحف بغير واو مع الجزم قال أبو عبيد وكذا رأيته في الإمام قال واتفقت على ذلك المصاحف وكذلك أيضا قراءته في المرسلات وإذا الرسل وقتت (11) بالواو من الوقت وذلك في الإمام وفي كل المصاحف بالألف وكذلك قراءته وقراءة ابن كثير في البقرة أو ننسأها (106) بهمزة ساكنة بين السين والهاء وصورتها ألف وليست كذلك في مصاحف أهل مكة ولا في غيرها وكذلك قراءة ابن عامر وعاصم من رواية حفص بن سليمان في الزخرف قال أولو جئتكم (24) بالألف ولا خبر عندنا إن ذلك كذلك مرسوم في مصاحف أهل الشام ولا في غيرها وكذلك أيضا قراءة عاصم من الطريق المذكور في الأنبياء قال رب احكم بالحق (112) بالألف
(6/42)



************
ولا رواية عندنا أن ذلك كذلك مرسوم في شيء من المصاحف في نظائر لذلك كثيرة ترد عن أئمة القراءة بخلاف مرسوم مصحفهم وإنما بينت هذا الفصل ونبهت عليه لأني رأيت بعض من أشار إلى جمع شيء من هجاء المصاحف من منتحلي القراءة من أهل عصرنا قد قصد هذا المعنى وجعله أصلا فأضاف بذلك ما قرأ به كل واحد من الأئمة من الزيادة والنقصان في الحروف المتقدمة وغيرها إلى مصاحف أهل بلده وذلك من الخطأ الذي يقود إليه إهمال الرواية وإفراط الغباوة وقلة التحصيل إذ غير جائز القطع على كيفية ذلك إلا بخبر منقول عن الأئمة السالفين رواية صحيحة عن العلماء المختصين بعلم ذلك المؤتمنين على نقله وإيراده لما بيناه من الدلالة وبالله التوفيق.
قال أبو عمرو فإن سأل سائل عن السبب الموجب لاختلاف مرسوم هذه الحروف الزوائد في المصاحف قلت السبب في ذلك عندنا أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لما جمع القرآن في المصاحف ونسخها على صورة واحدة وآثر في رسمها لغة قريش دون غيرها مما لا يصح ولا يثبت نظرا للأمة واحتياطا على أهل الملة وثبت عنده أن هذه الحروف من عند الله عز وجل كذلك منزلة ومن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسموعة وعلم أن جمعها في مصحف واحد على تلك الحال غير ممكن إلا بإعادة الكلمة مرتين وفي رسم ذلك كذلك من التخليط والتغيير للمرسوم ما لا خفاء به ففرقها في المصاحف لذلك فجاءت مثبتة في بعضها ومحذوفة في بعضها لكي تحفظها الأمة كما نزلت من عند الله عز وجل وعلى ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا سبب اختلاف مرسومها في مصاحف أهل الأمصار.
فإن قال قائل فما تقول في الخبر الذي رويتموه عن يحيى بن يعمر وعكرمة مولى ابن عباس عن عثمان - رضي الله عنه - أن المصاحف لما نسخت عرضت عليه فوجد فيها حروفا من اللحن فقال اتركوها فإن العرب ستقيمها أو ستعربها بلسانها إذ ظاهره يدل على خطأ في الرسم قلت هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة ولا يصح به دليل من جهتين إحداهما أنه مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه مرسل لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ولا رأياه وأيضا فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان - رضي الله عنه - لما فيه من الطعن عليه مع محله من الدين ومكانه من الإسلام وشدة اجتهاده في بذل النصيحة واهتمامه بما فيه الصلاح للأمة فغير ممكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأخيار الأتقياء الأبرار نظرا لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده ممن لا شك أنه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده، هذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله ولا يحل لأحد أن يعتقده.
فإن قال فما وجه ذلك عندك لو صح عن عثمان - رضي الله عنه - قلت وجهه أن يكون
(6/43)



************
عثمان - رضي الله عنه - أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم إذ كان كثير منه لو تلي على حال رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة وتغيرت ألفاظها ألا ترى قوله أولأ اذبحنه ولا أوضعوا ومن نباءى المرسلين وسأوريكم والربوا وشبهه مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه لو تلاه تال لا معرفة له بحقيقة الرسم على حال صورته في الخط لصير الإيجاب نفيا ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه مع كون رسم ذلك كذلك جائزا مستعملا فأعلم عثمان - رضي الله عنه - إذ وقف على ذلك أن من فاته تمييز ذلك وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده سيأخذ ذلك عن العرب إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم فيعرفونه بحقيقة تلاوته ويدلونه على صواب رسمه فهذا وجهه عندي والله أعلم.
فإن قيل فما معنى قول عثمان - رضي الله عنه - في آخر هذا الخبر لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف قلت معناه أي لم توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الألفاظ المخالفة لذلك إذ كانت قريش ومن ولي نسخ المصاحف من غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة ولسلكوا فيها تلك الطريقة ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك فلو أنهما وليتا من أمر المصاحف ما وليه من تقدم من المهاجرين والأنصار لرسمتا جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ ووجودها في المنطق دون المعاني والوجوه إذ ذلك هو المعهود عندهما والذي جرى عليه استعمالها هذا تأويل قول عثمان عندي لو ثبت وجاء مجيء الحجة وبالله التوفيق.
حدثنا خلف بن إبراهيم المقرئ قال حدثنا أحمد بن محمد المكي قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القسم بن سلام قال حدثنا حجاج عن هرون قال أخبرني الزبير بن الخريت عن عكرمة قال لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان - رضي الله عنه - فوجد فيها حروفا من اللحن فقال لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال ستعربها بألسنتها لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف.
حدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا عمران القطان عن قتادة عن نصير بن عاصم عن عبد الله بن أبي فطيمة عن يحيى بن يعمر قال قال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في القرآن لحن تقيمه العرب بألسنتها.
قال قيل فما تأويل الخبر الذي رويتموه أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه أنه سأل عائشة - رضي الله عنها - عن لحن القرآن عن قوله إن هذان لساحران (20 - 63) وعن والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة (4 - 162) وعن إن الذين آمنوا والذين هادوا. . والصبئون (5 - 63)
(6/44)



************
فقالت ياابن أختي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتابة. قلت تأويله ظاهر وذلك أن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم التي تزاد فيها لمعنى وتنقص منها لآخر تأكيدا للبيان وطلبا للخفة وإنما سألها فيه عن حروف من القراءة المختلفة الألفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي أذن الله - عز وجل - لنبيه - عليه السلام - ولأمته في القراءة بها واللزوم على ما شاءت منها تيسيرا لها وتوسعة عليها وما هذا سبيله وتلك حاله فعن اللحن والخطأ والوهم والزلل بمعزل لفشوه في اللغة ووضوحه في قياس العربية وإذا كان الأمر في ذلك كذلك فليس ما قصدته فيه بداخل في معنى المرسوم ولا هو من سببه في شيء وإنما سمى عروة ذلك لحنا وأطلقت عائشة على مرسومه كذلك الخطأ على جهة الاتساع في الأخبار وطريق المجاز في العبارة إذا كان ذلك مخالفا لمذهبهما وخارجا عن اختيارهما وكان الأوجه والأولى عندهما والأكثر والأفشى لديهما لا على وجه الحقيقة والتحصيل والقطع لما بيناه قبل من جواز ذلك وفشوه في اللغة واستعمال مثله في قياس العربية مع انعقاد الإجماع على تلاوته كذلك دون ما ذهبا إليه إلا ما كان من شذوذ أبي عمرو بن العلاء في إن هذين (20 - 63) خاصة هذا الذي يحمل عليه هذا الخبر ويتأول فيه دون أن يقطع به على أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - مع عظيم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحنت الصحابة وخطأت الكتبة وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر هذا ما لا يسوغ ولا يجوز قد تأول بعض علمائنا قول أم المؤمنين أخطئوا في الكتاب أي أخطئوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة يجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز لأن ما لا يجوز مردود بإجماع وإن طالت مدة وقوعه وعظم قدر موقعه وتأول اللحن إنه القراءة واللغة كقول عمر - رضي الله عنه - أبي أقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه أي قراءته ولغته فهذا بين وبالله التوفيق.
حدثنا الخاقاني قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال سألت عائشة - رضي الله عنها - عن لحن القرآن عن قول الله عز وجل إن هذان لسحران وعن قوله والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة وعن قوله تبارك وتعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا. . والصبئون فقالت يا ابن أختي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتاب.
فإن قال قائل: فإذ قد أوضحت ما سئلت عنه من تأويل هذين الخبرين فعرفنا بالسبب الذي دعا عثمان - رضي الله عنه - إلى جمع القرآن في المصاحف وقد كان مجموعا في الصحف على ما رويته لنا في حديث زيد بن ثابت المتقدم قلت: السبب في ذلك بين فذلك الخبر على قول بعض العلماء وهو أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان قد جمعه أولا على السبعة الأحرف التي أذن الله - عز وجل - للأمة في التلاوة بها
(6/45)



************
ولم يخص حرفا بعينه فلما كان زمان عثمان ووقع الاختلاف بين أهل العراق وأهل الشام في القراءة وأعمله حذيفة بذلك رأى هو ومن بالحضرة من الصحابة أن يجمع الناس على حرف واحد من تلك الأحرف وأن يسقط ما سواه فيكون ذلك مما يرتفع به الاختلاف ويوجب الاتفاق إذا كانت الأمة لم تؤمر بحفظ الأحرف السبعة وإنما خيرت في أيها شاءت لزمته وأجزأها كتخييرها في كفارة اليمين بالله بين الإطعام والكسوة والعتق لا أن يجمع ذلك كله فكذلك السبعة الأحرف.
وقيل إنما جمع المصحف في مصحف واحد لما في ذلك من حياطة القرآن وصيانته وجعل المصاحف المختلفة مصحفا واحدا متفقا عليه وأسقط ما لا يصح من القراءات ولا يثبت من اللغات وذلك من مناقبه وفضائله - رضي الله عنه -). اهـ. وإذا ثبت ذلك فلم لا يجوز أن يكتب المصحف بالرسم الإملائي بعد إحكامه وضبط قواعده، بل هو أولى منه وأدق وأحسن نظاما وأوضح قراءة وأسهل تلاوة.
ونوقش ذلك بما يأتي:
أ - وقد يقال: لا حرج في قراءة القرآن بالرسم العثماني، فإن سهولة القراءة تدور على معرفة الرسم والتمرين على القراءة به أيا كان، فإذا عني الإنسان بالرسم العثماني وتعهده بالقراءة سهلت عليه القراءة به كالقراءة حسب قواعد الإملاء، فإنها سهلت بمعرفة الرسم الإملائي وتطبيقه كتابة وقراءة، وهذا أمر عام في جميع اللغات، فإن مبناها المعرفة والمحاكاة والتلقي.
ويشهد لذلك سهولة القراءة في المصحف بالرسم العثماني على من تعلموا طوال القرون الماضية في الكتاتيب إلى العصر الحاضر مع انتشار قواعد الإملاء والعمل بها تأليفا وقراءة، فالسهولة والصعوبة والوضوح والاشتباه ليس ذاتيا لهذا أو ذاك، وإنما يرجع ذلك إلى التعهد والعناية، والإهمال والإعراض.
ب - على أن هناك كلمات تكتب في الرسم الإملائي على طريقة الرسم العثماني مستثناة من القواعد الإملائية ولم يعق ذلك العصريين عن قراءتها أو كتابتها ولم يشق عليهم متابعة الرسم العثماني فيها مثل حذف الألف من ذلك، وهذا، وهؤلاء، ولكن، وأولئك. . . الخ ومثل زيادة الواو في أولئك، وأولو الألباب، وأولي أجنحة، وزيادة الألف في مائة.
ت - إن المشقة التي يعانيها من لم يعرف الرسم العثماني في تلاوة القرآن ليست من جنس الضرورة إلى جمع القرآن ولا من جنس الحاجة إلى نقطه وشكله، فإنه يمكن القضاء على تلك المشقة بمعرفة الرسم العثماني والتمرس بالقراءة على مقتضاه كما تقدم بيانه، بخلاف الضرورة إلى جمع القرآن أولا وثانيا فإنها لا ترتفع إلا بجمعه ولا يقضى عليها إلا به، وكذا الحال في الحاجة إلى نقطه وشكله، فإنها لا تزول إلا بذلك ولا تندفع إلا به، إذ العجمة تتزايد بدخول الأعاجم في الإسلام، وضعف اللسان
(6/46)



************
العربي، وكثرة اللحن تتزايد أيضا مع طول الزمن وكثرة الاختلاط بالأعاجم، فلم يكن هناك مناص من الجمع والنقط والشكل، لعدم وجود بديل يقوم مقام ذلك.
د- نعم إن القرآن نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مكتوب، ولكن نوعا من الكتابة كان معهودا عند العرب وكتب به القرآن حين نزوله، ولم ينكر الله على رسوله ولا على كتبته تقييده بهذا النوع من الكتابة بل تحرى عثمان - رضي الله عنه - أن يكتب في الجمع الثاني بلغة قريش خاصة لكونه نزل بلغتهم واستمر العمل على ذلك قبل وضع قواعد الإملاء وبعد وضعها، فكان ذلك تقريرا لأمر عثمان وطبقه كتبة المصحف حينما كتبوه في عهده، وإجماع عصور من الأمة على ذلك وصار بذلك سنة متبعة.
(6/47)



************
رابعا: بيان ما يوجب بقاء كتابة المصاحف بالرسم العثماني، وما قد يترتب على العدول عنه من تحريف ونحوه.
أولا: ثبت أن كتابة المصحف بالرسم العثماني كانت في خلافة عثمان - رضي الله عنه - بأمره، وأنه أمر كتبة المصحف أن يكتبوا ما اختلفوا فيه بلغة قريش وذلك مما يدل على القصد إلى رسم معين ووافقه على ذلك الصحابة - رضي الله عنهم -، وأجمع عليه التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا رغم وضع قواعد الإملاء، والعمل بمقتضاها في التأليف والقراءة وكتابة الرسائل، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، فكانت المحافظة على كتابة المصحف بهذا الرسم واجبة: أو سنة متبعة، اقتداء بعثمان وعلي وسائر الصحابة - رضي الله عنهم - وعملا بالإجماع.
(6/48)



************
ثانيا: إن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح في الخط فهو قابل للتغيير والتبديل باصطلاح آخر مرة بعد أخرى كسائر رسوم الخطوط في اللغة العربية وغيرها، فإذا عدلنا عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليا تسهيلا للقراءة فقد يفضي ذلك إلى التغيير كلما تغير الاصطلاح في الكتابة لنفس العلة وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن، بتبديل بعض الحروف من بعض، والزيادة فيها والنقص فيها، ويخشى أن تختلف القراءة تبعا لذلك ويقع فيها التخليط على مر الأيام والسنين. ويجد عدو الإسلام مدخلا للطعن في القرآن بالاختلاف والاضطراب بين نسخه، وهذا من جنس البلاء الذي أصيبت به الكتب الأولى حينما عبثت بها الأيدي والأفكار وقد جاءت شريعة الإسلام بسد الذرائع والقضاء عليها، محافظة على الدين ومنعا للشر والفساد.
(6/48)



************
ثالثا: يخشى إذا وقع ذلك أن يصير كتاب الله - القرآن- ألعوبة بأيدي الناس، كلما عن لإنسان فكرة في كتابة القرآن اقترح تطبيقها فيه، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية وآخرون كتابته بالعبرية. . وهكذا مستندين في ذلك إلى ما استند إليه من اقترح كتابته حسب قواعد الإملاء من التيسير ورفع الحرج والتوسع في الاطلاع وإقامة الحجة وفي هذا ما فيه من الخطر وقد نصح مالك بن أنس الرشيد أو جده المنصور ألا يهدم الكعبة ليعيدها إلى بنائها الذي قام به عبد الله بن الزبير حيث بناها على قواعد إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - خشية أن تصير الكعبة ألعوبة بين أيدي الولاة.
(6/48)



************
قال تقي الدين الفاسي في كتابه شفاء الغرام ويروي (1) أن الخليفة الرشيد أو جده المنصور أراد أن يغير ما صنعه الحجاج بالكعبة وأن يردها إلى ما صنعه ابن الزبير فنهاه عن ذلك الإمام مالك بن أنس - رحمه الله -، وقال له: نشدتك الله لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره، فتذهب هيبته من قلوب الناس انتهى بالمعنى ثم قال: وكان مالك لحظ في ذلك أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح وهي قاعدة مشهورة معتمدة. اهـ.

وخلاصة القول أن لكل من القول بجواز كتابة المصحف - القرآن - على مقتضى قواعد الإملاء والمنع من ذلك وحرمته وجهة نظر، غير أن مبررات الجواز فيها مآخذ ومناقشات تقدم بيانها، وقد لا تنهض معها لدعم القول بالجواز، ومع ذلك قد عارضها ما تقدم ذكره من الموانع، وجريا على القاعدة المعروفة من تقديم الحظر على الإباحة.
وترجيح جانب درء المفاسد على جلب المصالح عند التعادل أو رجحان جانب المفسدة قد يقال: إن البقاء على ما كان عليه المصحف من الرسم العثماني أولى وأحوط على الأقل، وعلى كل حال فالمسألة محل نظر واجتهاد والخير في اتباع ما كان عليه الصحابة وأئمة السلف - رضي الله عنهم -. . والله الموفق - وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه -.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) ص 100 من ج 1 من شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
(6/49)



************
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا عليه فيه مقالا ثم لا يقوله فيقول الله: ما منعك أن تقول فيه؟
فيقول: رب خشيت الناس!!
فيقول: وأنا أحق أن يخشى؟ (1)»
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (3/ 30).
(6/50)



************
حكم التسعير
(6/51)



************