المسائل السروية، ص: 78
المسألة التاسعة صيانة القرآن من التحريفما قوله أدام الله تعالى حراسته «1» في القرآن أ هو ما بين الدفتين الذي في أيدي الناس أم هل ضاع مما أنزل الله تعالى على نبيه منه شيء أم لا.
و هل هو ما جمعه أمير المؤمنين ع أم ما جمعه عثمان بن عفان على ما يذكره المخالفون.
الجواب لا شك «2» أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه «3» كلام الله تعالى و تنزيله و ليس فيه شيء من كلام البشر و هو جمهور المنزل.
و الباقي مما أنزله «4» الله تعالى «5» عند المستحفظ للشريعة المستودع
______________________________
(1) في «أ» و «م»: تمكينه.
(2) «لا شك» ليس في «ب» و «ج» و «د».
(3) «جميعه» ليس في «أ» و «م».
(4) في «م»: أنزل.
(5) زاد في «ب» و «د» و «م»: قرآنا.
المسائل السروية، ص: 79
للأحكام لم يضع «1» منه شيء «2».و إن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع لأسباب «3» دعته إلى ذلك منها قصوره عن معرفة بعضه.
و منها: شكه فيه و عدم تيقنه «4».
و منها: ما تعمد إخراجه منه.
و قد جمع أمير المؤمنين ع القرآن المنزل من أوله إلى آخره و ألفه بحسب ما وجب من تأليفه فقدم المكي على المدني و المنسوخ على الناسخ و وضع كل شيء منه في محله «5».
فلذلك
قال جعفر بن محمد الصادق ع أما و الله لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا «6»
______________________________
(1) في «أ» و «م»: يقع.
(2) أراد ما كان مثبتا في النسخ الأولى من تأويل لبعض الآيات، و سيأتي بيانه.
(3) في «أ»: أشياء، و في «م»: و الأسباب.
(4) في «ب» و «ج» و «د»: و منه ما شك فيه و منه ما عمد بنفيه.
(5) في «أ» و «ب» و «ج» و «د»: حقه.
(6) تفسير العياشي 1: 13 ح/ 5- 6 بهذا النص: عن داود بن فرقد، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفيتنا فيه مسمين» و قال سعيد ابن الحسين الكندي عن ابي جعفر عليه السلام بعد مسمين: «كما سمي من قبلنا».
قال السيد الخوئي: يعارض جميع هذه الروايات صحيحة أبي بصير المروية في الكافي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم- النساء: 59- فقال: «نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين عليهم السلام».
فقلت له: إن الناس يقولون: فماله لم يسم عليا و أهل بيته في كتاب الله؟-
المسائل السروية، ص: 80
و قال ع نزل القرآن أربعة أرباع ربع فينا و ربع في عدونا و ربع سنن «1» و أمثال و ربع فرائض «2» و أحكام و لنا أهل البيت كرائم «3» القرآن «4»______________________________
- قال عليه السلام: «فقولوا لهم: إن رسول الله صلى الله عليه و آله نزلت عليه الصلاة و لم يسم لهم ثلاثا و لا أربعا، حتى كان رسول الله صلى الله عليه و آله هو الذي فسر لهم ذلك ...»- الكافي 1: 226/ 1- فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات و موضحة للمراد منها، و أن ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الروايات قد كان بعنوان التفسير، أو بعنوان التنزيل مع عدم الأمر بالتبليغ.
قال: و مما يدل على أن اسم أمير المؤمنين عليه السلام لم يذكر صريحا في القرآن حديث الغدير، فإنه صريح في أن النبي صلى الله عليه و آله إنما نصب عليا عليه السلام بأمر الله و بعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك، و بعد أن وعده الله بالعصمة من الناس، و لو كان اسم علي عليه السلام مذكورا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب، و لما خشي رسول الله صلى الله عليه و آله من إظهار ذلك. و على الجملة: فصحة حديث الغدير توجب الحكم بكذب هذه الروايات التي تقول: إن أسماء الأئمة مذكورة في القرآن، و لا سيما أن حديث الغدير كان في حجة الوداع التي وقعت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه و آله و نزول عامة القرآن ...
البيان في تفسير القرآن: 231.
و سيأتي بيان الشيخ المفيد في هذه الروايات أنها أخبار آحاد.
و له رحمه الله في كتابه (أوائل المقالات) ص 55 ما نصه: إنه لم ينقص من كلمة و لا من آية و لا من سورة، و لكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله و تفسير معانيه على حقيقة تنزيله.
و قد فصل الكلام في هذا الباب الإمام البلاغي في مقدمة تفسيره (آلاء الرحمن) ص 24- 29.
(1) في النسخ: قصص، و ما أثبتناه من المصدر.
(2) في «ب» و «ج» و «د»: قضايا.
(3) في النسخ: فضائل، و ما أثبتناه من المصدر.
(4) أخرجه بهذا النص العياشي في تفسيره 1: 9 ح/ 1، و أخرجه ثقة الإسلام الكليني في-
المسائل السروية، ص: 81
فصل لزوم التقيد بما بين الدفتينغير أن الخبر قد صح عن أئمتنا ع أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين و أن لا «1» يتعداه إلى زيادة فيه و لا نقصان منه حتى يقوم القائم ع فيقرأ للناس «2» القرآن على ما أنزله الله تعالى و جمعه أمير المؤمنين ع «3».
______________________________
- الكافي- كتاب فضل القرآن، باب النوادر- 2: 459 ح/ 4 و ليس فيه «و لنا أهل البيت كرائم القرآن». و كلاهما عن أبي جعفر عليهما السلام. قال العلامة المجلسي: حديث موثق. مرآة العقول 12: 517. و ورد نحوه عن أمير المؤمنين عليه السلام في الكافي 2:
459 ح/ 2.
(1) «لا» سقطت من «د».
(2) «للناس» ليس في «ج» و «م».
(3) الحديث في الكافي- كتاب فضل القرآن، باب النوادر- 2: 462 ح/ 23، و ضعفه العلامة المجلسي في (مرآة العقول) 12: 523 ح/ 23، و انظر أيضا كتاب (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف): 80.
و لكن الذي يؤيد كلام المصنف الحديث الحسن الإسناد الذي أخرجه الكليني عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال عليه السلام: «كذبوا، أعداء الله، و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد».
الكافي 2: 461 ح/ 13، مرآة العقول 12: 520 و يشهد له ما أخرجه الكليني أيضا-
المسائل السروية، ص: 82
و إنما نهونا ع عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر و إنما جاء بها الآحاد و قد يغلط الواحد في ما ينقله.و لأنه متى قرأ الإنسان بما خالف ما بين الدفتين قرر بنفسه «1» و عرض نفسه للهلاك.
فنهونا ع عن «2» قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين «3» لما ذكرناه
فصل «4» وحدة القرآن و تعدد القراءات
فإن قال قائل كيف يصح القول بأن الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه و لا نقصان «5» و أنتم تروون
______________________________
- عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن القرآن واحد، نزل من عند الواحد، و لكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة».
الكافي 2: 461 ح/ 12.
(1) غرر بنفسه: عرضها للهلاك. و زاد في «ب» و «ج» و «د»: مع أهل الخلاف، و اغرى به الجبارين.
(2) في «ب» و «د»: فمنعونا عليه السلام من.
(3) «غر بنفسه ... بين الدفتين» ليس في «م».
(4) من هنا حتى نهاية جواب هذه المسألة سقط من «أ».
(5) صرح بهذا القول و انتصر له جل أعلام الإمامية، و به تواترت تقريراتهم، و منهم- غير-
المسائل السروية، ص: 83
عن الأئمة ع أنهم قرءوا كنتم خير أئمة أخرجت للناس و كذلك جعلناكم أئمة وسطا و قرءوا يسألونك الأنفال و هذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس «1».قيل له قد مضى الجواب عن هذا و هو «2» أن الأخبار التي جاءت بذلك
______________________________
- الشيخ المفيد-:
الشيخ الصدوق (381 ه)، قال: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه و آله هو ما بين الدفتين، و هو ما في أيدي الناس.
اعتقادات الصدوق- المطبوع مع شرح الباب الحادي عشر-: 93.
الشريف المرتضى علم الهدى (436 ه)، و شيخ الطائفة الطوسي (460 ه)، و الشيخ أبو علي الطبرسي (548) قالوا: الصحيح من مذهبنا أن القرآن الكريم هو ما بين الدفتين، و لم يطرأ عليه زيادة و لا نقصان.
انظر: تفسير التبيان 1: 3 مجمع البيان 1: 38.
العلامة الحلي (627 ه)، و قد سئل عن ذلك، فقال: الحق أنه لا تبديل، و لا تأخير، و لا تقديم فيه، و أنه لم يزد و لم ينقص و نعوذ بالله من أن يعتقد مثل ذلك، فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول صلى الله عليه و آله المنقولة بالتواتر.
أجوبة المسائل المهناوية: 121.
الشيخ زين الدين البياضي العاملي (877 ه): علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته و تفاصيله، و كان التشديد في حفظه أتم، حتى نازعوا في أسماء السور و التفسيرات، و إنما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكر في معانيه و أحكامه، و لو زيد فيه أو نقص لعلمه كل عاقل و إن لم يحفظه لمخالفة فصاحته و أسلوبه.
الصراط المستقيم 1: 45.
(1) «و قرءوا: و يسألونك ... أيدي الناس» ليس في «م».
(2) «قد مضى ... و هو» ليس في «ج» و «م».
المسائل السروية، ص: 84
أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها «1» فلذلك وقفنا فيها و لم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أمرنا به حسب ما بيناه.مع «2» أنه لا ينكر أن تأتي القراءة «3» على وجهين منزلين أحدهما ما تضمنه المصحف.
و الثاني ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على أوجه شتى.
فمن ذلك قوله تعالى و ما هو على الغيب بضنين «4» يريد ما هو ببخيل.
و بالقراءة الأخرى و ما هو على الغيب بظنين يريد بمتهم «5».
و مثل قوله تعالى جنات تجري تحتها الأنهار «6».
______________________________
(1) قال الإمام البلاغي في الرد على رواية «و جعلناكم أئمة وسطا»: إن ما روي مرسلا في تفسيري النعماني و سعد من أن الآية: «أئمة وسطا» لا بد من حمله على التفسير، و أن التحريف إنما هو للمعنى. و دليله حديث أمير المؤمنين عليه السلام: «نحن الذين قال الله: و كذلك جعلناكم أمة وسطا». و حديث الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى:
و كذلك جعلناكم أمة وسطا: «نحن الأمة الوسطى».
آلاء الرحمن: 27.
(2) في «أ» و «ب» و «د» و «م»: مع ما.
(3) في «م»: يأتي بالقرآن.
(4) التكوير 81: 24.
(5) تاريخ بغداد 4: 351، الدر المنثور 7: 434 من حديث عائشة، و في الدر المنثور 7:
435 عن ابن عباس و زر.
(6) التوبة 9: 100.
المسائل السروية، ص: 85
و على قراءة أخرى من تحتها الأنهار «1».و نحو قوله تعالى إن هذان لساحران «2».
و في قراءة أخرى «3» إن هذين لساحران «4».
و ما أشبه ذلك مما يكثر تعداده و يطول الجواب بإثباته و فيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى
______________________________
(1) الكشاف للزمخشري 2: 305، قال فيه: في مصاحف أهل مكة «تجري من تحتها» و هي قراءة ابن كثير.
(2) طه 20: 63.
(3) في «م»: قرئ.
(4) الكشاف 3: 72، تفسير الرازي 22: 74- 75، تفسير القرطبي 11: 216، و فيها:
قرأ أبو عمرو: «إن هذين لساحران» و رويت عن عثمان، و عائشة و غيرهما من الصحابة، و عن سعيد بن جبير و إبراهيم النخعي و غيرهم من التابعين، و من القراء: عيسى بن عمر، و عاصم الجحدري. و ذكروا لها ست قراءات، و أحصاها جميعا أبو جعفر النحاس في (إعراب القرآن) ج 3: 43.