بسم الله الرحمن الرحیم

کلمات الشیخ محمدعلي الاراکي قده در باره قراءات

فهرست مباحث علوم قرآنی
قائلین به تعدد قراءات از علمای شیعه پس از قرن یازدهم



هر چند آیة الله اراکی قده قرائت رایج را همان رایج در شرق بلاد اسلامی قلمداد میکنند، اما از جهت اینکه مسأله کثرت ابتلاء را خوب توضیح میدهند، مؤید خلاف نظرشان میشود وقتی معلوم شود که هر دو قرائت رایج بوده و هست:

مفتاح المفاتيح بأسنانه الأربعةعشر-مالک-ملک-يوم الدين
كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 128‌
و حينئذ نقول: لا إشكال في أنّ هذه الأخبار غير ناظرة إلى القسم الأوّل، بل ناظرة إلى كيفيّة قراءة ما هو الموجود في الدفّتين على نحو ما يقرؤه الناس، دون ما يقرؤه الأئمة عليهم السّلام.
و يبعد أن يكون المراد القسم الأخير أيضا بأن يكون ردعا عن قراءة أهل البيت مع كونها معروفة مشهورة معدودة في عرض سائر القراءات، بل بعض القراءات منتهية إلى قراءة علي عليه السّلام.
فتعيّن أن يكون المقصود هو الردع عن القسم الوسط، لأنّه المناسب للأمر بالكتمان، لكونه من الأسرار المودعة.
و حينئذ فيبقى الأمر على أشكاله بالنسبة إلى ما إذا تردّد أمر الكلمة بين وجهين اختصّ بكلّ منهما قار من القرّاء السبعة المعروفة، و لم يعلم انتساب واحد منهما معيّنا إلى أهل البيت عليهم السّلام، إذ الأخبار المذكورة غير ناظرة إلى هذا المورد حتّى يستفاد منها التخيير في نحو ذلك، فلا محيص عن الاحتياط بالتكرار.
لكن هذا في غير ما وقع في خصوص الحمد من الاختلاف كقراءة مالك و ملك، و قراءة صراط بالصاد و السين، فإنّ شدّة الحاجة إلى تكرار هذه السورة المباركة في كلّ يوم و ليلة أورثت انتساب جميع كلماتها على النحو المرسوم الآن منها بين المسلمين المتّخذ خلفا عن سلف إلى أهل بيت الوحي صلوات اللّٰه عليهم أجمعين انتسابا قطعيّا، حيث كان النبيّ و الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم أفصح من نطق بالصاد و الضاد، و من كان كذلك لا يشتبه نطقه أنّه كان بالصاد أو بالسين، و كانت الصلوات الجهريّة منهم صلوات اللّٰه عليهم بمسمع من خلفهم من المصلّين.
فهذا الموجود في أيدي المسلمين هو الذي أخذوه عنهم عليهم السّلام من غير شكّ و لا شبهة، و الشكّ فيه شكّ في مقابلة البديهة كالدغدغة في أنّ ملك أقرب إلى‌ الفصاحة من مالك، فإنّ إضافة ملك إلى الزمان شايعة، كما يقال: سلطان. العصر، أو الوقت، و أمّا إضافة مالك إلى الزمان فغير مأنوسة إلّا مع تقدير الأمر بأن يكون التقدير: مالك أمر يوم الدين، و أمّا الإضافة إلى الزمان باعتبار كونه مملوكا كما يقال: مالك الفرس، فيبعّدها عدم اختصاص مالكيّة اللّٰه تعالى بالزمان، بل يعمّ جميع الأشياء.



كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 122‌
المسألة الثالثة يجب القراءة على النهج العربي الصحيح‌
من حيث أداء الحروف على وجه يمتاز بعضها عن بعض، و من حيث كيفيّاتها من التشديد و المدّ و الحركات و السكنات، سواء كانت عارضة على أواخر الكلم إعرابا أو بناء، أم على أوائلها.
و تحرير الكلام في المقام أنّ الإخلال تارة بذات الحروف إمّا نقصا، و إمّا تبديلا، و إمّا بكيفيّاتها المقرّرة لها في اللغة.
أمّا الأوّل فلا إشكال في أنّ النقص و لو حرفا واحدا موجب للبطلان،
لعدم الإتيان بالمأمور به و هو الكلمة التامّة.
و أمّا التبديل‌
فهو على قسمين، قسم سائغ في اللغة، و قسم غير سائغ، فالأوّل كقلب النون الساكنة التي منها التنوين عند وصولها إلى أحد حروف «يرملون» إلى جنس ذلك الحرف، ثمّ إدغامها في ما بعدها، و هذا غير مختصّ بلغة العرب، بل جار في كلّ لغة.
ألا ترى أنّ أهل لسان الفرس لا يتكلّمون بكلمة «أنبار و أنبر» بنحو إبانة النون، و كذلك كلمة «أنور» لو جعلت علما، و كذلك «من مى‌آيم» و «من رفتم»‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 123‌
و هكذا البواقي، فلا يكون هذا القلب خروجا عن قانون وضع الكلمة، فلا إشكال في الاجتزاء معه.
إنّما الكلام في ما لو أتى بدون القلب، و الظاهر الحكم بالصحّة أيضا، لما نرى من أنّ أحدا منّا أهل الفرس لو تكلّم بكلمة «أنبار» بإظهار النون بدون قلبها بالميم لا يقال: إنّه غلط في المقال.
إذا عرفت هذا فنحن نقطع أنّ ما مهّده علماء التجويد ليس إلّا متّخذا من هذا الذي سنخه يكون بأيدينا أيضا، غاية الأمر أنّهم أخرجوا المتداول في الألسن في قوالب الضوابط و جعلوها علما، كما هو الحال في علم الفصاحة و البلاغة أو الميزان، و لا نشكّ في أنّ تلك القواعد ليست متّخذة من تعبّد إمّا من الشرع أو من واضع اللغة، لما نرى من ثبوت سنخه في جميع الألسنة و اللغات.
و حيث رأينا أنّ ما بأيدينا ليس على نحو اللزوم، بل على نحو السهولة في الجري على اللسان، و إلّا فليس الجري على خلافه مخالفة للوضع، فاللازم هو الحكم بالصحّة في ما لو قرأ «لم يكن له» في سورة التوحيد بإظهار النون، أو محمّد و آل محمّد صلّى اللّٰه عليه و آله في الصلوات بإظهار التنوين، حتّى لو فرض أنّا قطعنا بأنّ النبيّ الأكرم صلّى اللّٰه عليه و آله و تلفّظ بهما على نحو القلب لا يجب علينا اتّباعه صلّى اللّٰه عليه و آله في هذه الجهة.
و أمّا القلب الغير السائغ‌
كتبديل العين بالهمزة أو نحو ذلك فلا إشكال في كونه خروجا عن الوضع و غلطا و لحنا فيكون باطلا. و أمّا تبديل اللام من الألف و اللام إذا دخلت على الحروف الشمسيّة فلا إشكال في أنّ ذلك مجز، و هل هو أيضا مبنيّ على السهولة على اللسان، فلو خالفه و أتى باللام بدون قلب لم يكن غلطا و لحنا أو أنّه من الخروج عن وضع الكلمة، و ليس مثله في لغتنا حتّى نجزم بأحد الطرفين،


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 124‌
و حيث إنّ الموجود في كلماتهم هو الحكم بلزوم المراعاة و عدم الصحّة مع عدمها، فالأحوط عدم تركه.
و أمّا التشديد‌
فقد عرفت حال ما كان منه يحدث عند إدغام النون الساكنة في حروف يرملون، و عند إدغام اللام الساكنة من الألف و اللام في الحروف الشمسيّة، و أمّا ما كان داخلا في وضع الكلمة، كتشديد «مدّ» فلا إشكال في لزومه و خروج الكلمة بدونه سواء مع التخفيف أو مع التكرار بنحو فكّ الإدغام عن وضع اللغة، فهذا القسم ملحق بنقص الحرف في الحكم.
كما لا إشكال أيضا في تبديل الحركات البنائية‌
العارضة على أواخر الكلم كفتح نون «إنّ» و الحركات الثابتة لأوائلها، مثل فتح ضاد وراء «ضرب» و كونه موجبا للغلط و اللحن، فكما أنّ لذات الحرف مدخلا في الوضع، كذلك للهيئة الحاصلة لها بهذه الحركات، فالإخلال بها إخلال بقانون الوضع.
إنّما الكلام في الحركات العارضة على الأواخر ممّا يسمّى إعرابا،
فهل يكون تبديلها كنصب الفاعل و رفع المفعول موجبا للغلط أو لا؟
قد يحتمل الثاني من أجل أنّ جوهر الكلمة لا يتغيّر و لا يتبدّل بهذا التغيير كما كان يتغيّر بتبديل سائر الحركات، فإنّ حال هذه الحركات حال الكلمة المستقلّة الموضوعة لمعنى مستقلّ و إن كانت ليست مستقلّة بالتلفّظ و لا مستقلّة بالوضع لمعنى حتّى كوضع الحروف، بل هي علائم على وجود معنى الفاعليّة أو المفعوليّة أو نحو ذلك في المدخولات و باب العلائم غير باب حكاية الألفاظ عن معانيها، و لكنّ الإخلال بها لا يوجب إلّا الإخلال بتلك العلائم أعني: أنّه لم ينصب العلامة على الواقع، بل نصب على خلافه إذا نصب الفاعل و رفع المفعول أو لم ينصب عليه و لا على خلافه إذا رفعهما أو نصبهما معا، و لو سلّم دخالة الإعراب فليس بدخيل في‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 125‌
أصل جوهر الكلمة كحركات أوائلها، و إنّما له الدخل في كيفيّة قرائتها عربيّا و على قانون العربي الصحيح، فخلافه يوجب اندراج القراءة في القراءة الغير الصحيحة، لا خروج الكلمة عن كونها غير الكلمة الكذائيّة.
مثلا لو قال أحد: إنّا أرسلنا، بضمّ همزة «إنّا» و همزة «أرسلنا» و سينها، أو قال: الحمد للّٰه بوضع الخاء المعجمة مكان المهملة، قيل: إنّه ما تكلّم بالقرآن، و أمّا إذا قال: إنّ اللّٰه كان عليم حكيم، برفع ميمي عليم و حكيم، لما قيل بأنّ ما تكلّمه غير قرآن، بل يقال: إنّه قرآن و لكنّه قرأها قراءة غير صحيحة.
و اتّصاف الكلمات على لسان النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله و أو على لسان جبرئيل و إن كان بالنحو الفصيح فضلا عن الصحيح، لكنّ التعبّد بالنزول من عند اللّٰه تعالى الذي هو الملاك في صيرورته قرآنا و كلاما منزّلا من عند اللّٰه تعالى لم يثبت إلّا بجواهر الكلمات، و أمّا بهذه الكيفيّات التي هي الطريقة الجارية بين العرب في أداء الكلمات فيمكن عدم التعبّد بالنزول.
ألا ترى أنّه لو كان النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله وقف على موضع أو وصل ليس القراءة على خلافه مخرجا للكلام عن القرآنيّة، و هل ذلك إلّا لأنّ الوصل و الوقف ليسا ممّا يكون التعبّد بالنزول ملحوظا فيه، بل هما من خصوصيّات النطق بالكلمات؟
و هكذا يقال بالنسبة إلى الأعراب، فلو فرض أنّه صلّى اللّٰه عليه و آله اختار إعرابا خاصّا، فليس الخروج عنه إلى الأعراب الآخر الصحيح على حسب القواعد النحويّة فضلا عمّا كان غلطا بحسبها مخرجا للكلام عن القرآنيّة، فإنّ ذلك ممّا جرت عادة لسان العرب في أداء الكلمات، غاية الأمر على نحو الشرطيّة في الصحّة لا الكمال، لكن لا بحيث يخلّ خلافه بجوهر الكلمة و تصيّرها خارجة عن القرآنيّة، و لسنا ندّعي‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 126‌
الجزم و الاطمئنان بعدم الدخالة و عدم التعبّد، بل نقول: لا أقلّ من الشكّ.
ألا ترى أنّ المرتكب للخلاف لا يقال في حقّه: ما قرأ القرآن، بل يقال: قرأ القرآن، و لكن قراءة غير صحيحة.
و حينئذ نقول: الذي دلّ عليه الدليل في باب الصلاة هو لزوم أن يكون المقروّ من مصاديق القرآن، فلو قال: الخمد بالخاء المعجمة ما حصل الامتثال، و أمّا لو قال: الحمد بكسر الدال فلا يقال ما قرأ القرآن، غاية الأمر يقال: قراءته ملحونة، لكنّه قرأ القرآن، و من أين لنا إقامة الدليل على اعتبار كون القراءة أيضا صحيحة، مضافا إلى كون المقروّ قرآنا، و لعلّ نظر سيّدنا الشريف المرتضى علم الهدى قدّس سرّه حيث حكي عنه القول بالصحّة مع اللحن الأعرابي إلى ما ذكرنا.
و الحاصل أنّ كلام السيّد قدّس سرّه ممكن الإرجاع إلى وجه صحيح.
هذا في الغلط الأعرابي، و أولى منه بالجواز ما لو ثبت قراءة النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله بطريق التواتر مثلا و بنحو كان بحسب القواعد العربيّة جائز الوجهين أو الوجوه من الإعراب، فالتخطّي من قراءته إلى الوجه الآخر الصحيح أيضا صحيح بناء على ما قلنا من عدم ثبوت التعبّد بالنزول في هذه الخصوصيّات الناشئة من الإعراب، لكن الأمر من هاتين الجهتين- أعني من جهة التخطّي عن الصحيح الأعرابي إلى الغلط، أو عن الصحيح الثابت جريانه على لسان النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله إلى الصحيح الغير الثابت أو الثابت عدم جريانه على لسانه صلّى اللّٰه عليه و آله- سهل، بمعنى أنّا نلتزم عملا بترك ذلك، فلا نتكلّم إلّا بالصحيح، و إلّا بالصحيح الذي قرأه صلّى اللّٰه عليه و آله.
[في اختلاف القرّاء]
لكنّ الذي هو العمدة بالبحث في هذا المقام موارد اختلاف القرّاء في نقلهم لقراءته صلّى اللّٰه عليه و آله بعد بعد كون القرآن الواقعي متعدّدا، فلا يكون جميع القراءات السبع متواترا، للزوم التعدّد بناء عليه، و على فرض الاحتمال كيف يمكن تحصيل هذا‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 127‌
التواتر لنا مع قيام الأمارات على خلافه.
و يشتدّ الإشكال بالنسبة إلى موارد اختلافهم في بنية الكلمة، كيطهرن بالتخفيف و التشديد، و مالك و ملك، و كفوا بأربعة أنحاء، فهل هنا مخلص عن الاحتياط بالتكرار بأن يقرأ في صلاة واحدة بالكيفيّتين إذا أمكن قصد الذكريّة على تقدير عدم القرآنيّة، و بأن يصلّي صلاتين كلّ منهما بإحدى الكيفيّتين إذا لم يمكن ذلك، كما في «يَطْهُرْنَ» بالتخفيف و التشديد أو لا؟
قد يقال بوجود المخلص و جواز الاكتفاء بالقراءة على طبق إحدى القراءات السبع، لورود الأخبار المستفيضة بالإرجاع إلى ما يقرأ الناس، أو كما تعلّمتم، أو كما علّمتم.
لكنّ الاستدلال بهذه الأخبار محلّ إشكال، و ذلك لأنّ الناظر فيها يكاد يقطع بأنّها ناظرة إلى القراءة التي أودعها الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم إلى بعض الرواة بنحو الأسرار، فالنهي في هذه الأخبار راجع إلى إفشاء تلك الأسرار، و بعبارة أخرى:
القراءة المختصّة بهم عليهم السّلام على أنحاء ثلاثة:
الأوّل: ما يرجع إلى الإسقاطات التي أسقطها المخالفون لمكان منافاة الإبقاء لأغراضهم.
و الثاني: ما يرجع إلى التغييرات في الكلمات التي يكون أيضا ناشئا من كون الكلمة الأصليّة منافية لأغراضهم، مثل كلمة «خَيْرَ أُمَّةٍ» حيث ورد أنّها مبدّلة «خير أئمّة».
و الثالث: ما لا يرجع إلى ذلك و لا هذا، و هو ما كان كسائر القراءات، حيث قرأ بعض القرّاء بوجه و قرأ أهل البيت عليهم السّلام بوجه آخر، من دون منافاة لأغراضهم، بل على سبيل اختلاف القراءة الواقعة بين قارئين من السبعة.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 128‌
و حينئذ نقول: لا إشكال في أنّ هذه الأخبار غير ناظرة إلى القسم الأوّل، بل ناظرة إلى كيفيّة قراءة ما هو الموجود في الدفّتين على نحو ما يقرؤه الناس، دون ما يقرؤه الأئمة عليهم السّلام.
و يبعد أن يكون المراد القسم الأخير أيضا بأن يكون ردعا عن قراءة أهل البيت مع كونها معروفة مشهورة معدودة في عرض سائر القراءات، بل بعض القراءات منتهية إلى قراءة علي عليه السّلام.
فتعيّن أن يكون المقصود هو الردع عن القسم الوسط، لأنّه المناسب للأمر بالكتمان، لكونه من الأسرار المودعة.
و حينئذ فيبقى الأمر على أشكاله بالنسبة إلى ما إذا تردّد أمر الكلمة بين وجهين اختصّ بكلّ منهما قار من القرّاء السبعة المعروفة، و لم يعلم انتساب واحد منهما معيّنا إلى أهل البيت عليهم السّلام، إذ الأخبار المذكورة غير ناظرة إلى هذا المورد حتّى يستفاد منها التخيير في نحو ذلك، فلا محيص عن الاحتياط بالتكرار.
لكن هذا في غير ما وقع في خصوص الحمد من الاختلاف كقراءة مالك و ملك، و قراءة صراط بالصاد و السين، فإنّ شدّة الحاجة إلى تكرار هذه السورة المباركة في كلّ يوم و ليلة أورثت انتساب جميع كلماتها على النحو المرسوم الآن منها بين المسلمين المتّخذ خلفا عن سلف إلى أهل بيت الوحي صلوات اللّٰه عليهم أجمعين انتسابا قطعيّا، حيث كان النبيّ و الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم أفصح من نطق بالصاد و الضاد، و من كان كذلك لا يشتبه نطقه أنّه كان بالصاد أو بالسين، و كانت الصلوات الجهريّة منهم صلوات اللّٰه عليهم بمسمع من خلفهم من المصلّين.
فهذا الموجود في أيدي المسلمين هو الذي أخذوه عنهم عليهم السّلام من غير شكّ و لا شبهة، و الشكّ فيه شكّ في مقابلة البديهة كالدغدغة في أنّ ملك أقرب إلى‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 129‌
الفصاحة من مالك، فإنّ إضافة ملك إلى الزمان شايعة، كما يقال: سلطان. العصر، أو الوقت، و أمّا إضافة مالك إلى الزمان فغير مأنوسة إلّا مع تقدير الأمر بأن يكون التقدير: مالك أمر يوم الدين، و أمّا الإضافة إلى الزمان باعتبار كونه مملوكا كما يقال: مالك الفرس، فيبعّدها عدم اختصاص مالكيّة اللّٰه تعالى بالزمان، بل يعمّ جميع الأشياء.
و أمّا سائر السور المباركة فموارد اختلاف القرّاء فيها لا بدّ من مراعاة ما هو الحال في اختلاف الطرق العقلائيّة، فإن كان بينها طريق أوثق بحيث يوجب الوثوق العقلائي كان هو المتّبع، و إلّا فاللازم طرح الكلّ، لسقوطها عن الطريقيّة بالنسبة إلى المدلول المطابقي و الرجوع إلى الأصول كما هو الحال في تعارض عامّة الطرق العقلائيّة التي لم يرد فيها تعبّد شرعي، كما ورد في تعارض الروايات الحاكية عن الأحكام.
و حاصل الكلام من أوّل المسألة إلى هنا أنّ الأمر من كثير من الجهات الراجعة إلى القراءة سهل كالإخلال ببعض حروفها بالنقص حيث لا إشكال في عدم كفايته، و إمّا بالتبديل، فبعض أقسامه شائع في جميع الألسنة، مثل تبديل النون الساكنة بحروف يرملون و إدغامها فيه مع الغنّة في خصوص الواو و الباء و بدونها في البواقي، و كذلك بعض الحروف الشديد المخرج بجلب بعض الحروف الضعيف المخرج إلى نفسه كجلب الظاء للذال في: إذ ظلموا، و لا حاجة في تجويز هذا القسم إلى مراجعة العرب، لوجود جميع ذلك في كلّ لسان، كما لا حاجة إلى مراجعتهم في تميّز الحروف، فإنّ الباء مثلا موجود في جميع الألسنة، و هكذا.
و كذلك الحركات، فالكسرة موجودة في كلّ لسان، بل و إشباعها عند الوصول إلى الياء، كما يقال في الفارسيّة: «بيا» بالإشباع، لا «بيا» بدونه.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 130‌
و أمّا وجوب هذا الإشباع كوجوب الإدغام في حروف يرملون بحيث لا يجري بدونهما فغير معلوم، و أولى منه بذلك الإدغام الكبير المراد به إدغام أحد الحرفين المتماثلين الواقعين في كلمتين المتحركتين بعد إسكان أوّلهما، كسلككم، بل فكّ الإدغام في مثل هذا أقرب بيقين البراءة، كما أنّ المدّ في مثل «وَ لَا الضّٰالِّينَ» ممّا وصل الألف بالحرف المشدّد ربما يكون ممّا يحتاج إليه النطق، إذ لولاه إمّا يصير «ضلّين» بدون الألف أو «ضالين» بدون تشديد اللام، فحفظ كليهما محتاج إلى مدّ في الصوت.
و أمّا في مثل «جاء» فلم يقم دليل على الوجوب، لكن مراعاة الاحتياط في جميع هذه المراتب سهلة و واضحة، كما هو الحال في رعاية الصحّة و المطابقة لقواعد النحو في الإعراب، بل و موافقة القرّاء في ما إذا توافقوا، نظرا إلى ما ربما يورد في كلامهم بطريق الرواية مرسلا من أنّ القراءة سنّة متّبعة، فإنّ كلّ ذلك لا دليل على لزوم رعايته.
لكنّ الاحتياط في مقام العمل يقتضي رعايتها بعد سهولته، إذ أوّلا يمكن أن يقال: لم يثبت التعبّد بالقرآنيّة إلّا بالنسبة إلى بنية الكلمات و ماهيّاتها المتصوّرة بأيّ صورة من الإعراب كانت، كما هو الحال في إسناد ألفاظ الكتب و القصائد إلى أربابها، فإنّ الناطق ربما ينطق بها بطرز القواعد النحويّة، و ربما ينطق على خلافها، و الكلمات على كلّ حال كلمات ذلك الكتاب و تلك القصيدة، و جريان الإعراب الصحيح بل الفرد الخاصّ منه على لسان النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله أعمّ من وروده بعنوان التعبّد، إذ لعلّه من جهة كونه من أفصح العرب و لا ينطق إلّا بالوجه الأفصح.
و ثانيا: لو سلّمنا التعبّد بالماهيّات متقيّدة بالهيئات الإعرابيّة على النهج الصحيح، لكن من أين يثبت التعبّد بخصوص ذلك الفرد من الصحيح الجاري‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 131‌
على لسان النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله، فلعلّ اختياره صلّى اللّٰه عليه و آله له كان من باب أنّه أحد الأفراد، فإذن لا يلزم علينا الفحص عن القراءات، بل يكفينا العلم بقواعد النحو و رعايتها حين القراءة.
لكن عرفت أنّا نحتاط في العمل و لا نتخطّى عن طريقة القرّاء رعاية لاحتمال ورود التعبّد بخصوص الكيفيّات الخاصّة الإعرابيّة التي ثبت جريانها على لسان النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله، و هذا الاحتياط أيضا سهل كما تقدّمه، و لكنّ الذي يصعب في هذه المسألة و ينبغي إعمال الوسع فيه فهم الحال بالنسبة إلى موارد تخالف القرّاء إمّا في الإعراب و إمّا في شكل الكلمة و ماهيّتها في غير سورة الحمد كقراءة يطهرن و يطّهرن فهل اللازم في مثله معاملة الاحتياط بالتكرار؟
فيقع الكلام في موارد لا يقبل للذكريّة في شبهة كونه كلاما آدميّا أو أنّ الكلام الآدميّ منصرف إلى المحاورات العرفيّة المرسومة.
أو أنّ لنا في هذه المقامات طريقا إلى إثبات التخيير بين تلك القراءات و يرتفع عنّا كلفة الاحتياط، فالعمدة في الباب هو التكلّم في هذه الجهة، و إلّا فسائر الجهات كما عرفت يسهّل الأمر من حيثها، فإنّ الأخذ بالمتيقّن يقتضي مراعاة كلّ ما يحتمل دخله و إن لم يقم عليه دليل.
جواز القراءة بأيّ من القراءات السبع‌
و حينئذ فنقول و على اللّٰه التوكّل: قد يتشبّث لإثبات التخيير في القراءة بأيّ من القراءات السبع المعروفة شاء المصلّي بذيل التواتر و أنّ كلّا منها مقطوع الثبوت عن النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله، و لازمة أنّ جبرئيل نزل سبع مرّات في كلّ مرّة بواحدة‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 132‌
من هذه القراءات.
و لكن قد عرفت أنّ دون إثبات هذا التواتر خرط القتاد، إذ لو لم يكن أصل هذا المعنى أعني: تعدّد النزولات مقطوع الخلاف، فلا أقلّ من عدم إمكان تحصيل التواتر عليه، فلا يبقى إلّا التواتر المنقول.
و قد يتشبّث في إثبات المرام المذكور بذيل الأخبار الواردة بإرجاع الرواة إلى قراءة الناس أو إلى المعلّمين للقراءة، و حيث إنّ المسألة من المهمّات و كثيرة البلوى يجب التعرّض أوّلا لذكر هذه الأخبار، ثمّ النظر في سندها و كيفيّة دلالتها، فنقول و باللّه الاستعانة و منه الهداية إلى سواء السبيل:
منها: ما رواه ثقة الإسلام عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن أبي سلمة «قال: قرأ رجل على أبي عبد اللّٰه عليه السّلام و أنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم (صلوات اللّٰه عليه و عجّل فرجه) فإذا قام القائم (عج) قرأ كتاب اللّٰه على حدّه و أخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليه السّلام» «1» الحديث.
و منها: ما رواه أيضا عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن عليه السّلام «قال: قلت له: جعلت فداك، إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال عليه السّلام: لا، اقرءوا كما تعلّمتم، فسيجيئكم من يعلّمكم» «2».
______________________________
(1) الوسائل: كتاب الصلاة، الباب 74 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1.
(2) الوسائل: كتاب الصلاة، الباب 74 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 2.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 133‌
و منها: ما رواه أيضا عنهم عن سهل عن عليّ بن الحكم عن عبد اللّٰه بن جندب، عن سفيان بن السمط «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن ترتيل القرآن؟
فقال عليه السّلام: اقرءوا كما علّمتم» «1».
و أمّا سند هذه الروايات، فعبد الرحمن جليل من أصحابنا ثقة ثقة، صه، جش، و سالم بن أبي سلمة، الظاهر أنّه أبو خديجة، بقرينة رواية عبد الرحمن، و أبو خديجة قال في حقّه سيّد الحكماء: الأرجح عندي فيه الصلاح كما رواه «كش» و الثقة، كما حكم به الشيخ رحمه اللّٰه في موضع إن لم يكن الثقة مرّتين، كما نصّ عليه «جش» و قطع به، و ذكره في الحاوي في قسم الثقات و قال: الأرجح عدالته لتساقط قولي الشيخ و تكافئهما، فيبقى توثيق «جش» و شهادة «عل» له بالصلاح، و في المشتركات وصفه بالثقة.
و سهل بن زياد مختلف في توثيقه، لكنّه من مشايخ الإجازة للكتب المشهورة، مع أنّ المشايخ العظام نقلوا عنه كثقة الإسلام و الصدوق و الشيخ قدّس أسرارهم، مع أنّ الشيخ كثيرا ما يذكر ضعف الحديث بجماعة و لم يتّفق في كتبه مرّة أن يطرح الخبر بسهل بن زياد، و يروي عنه علّان خال الكليني و محمّد بن أحمد بن يحيى و أحمد بن أبي عبد اللّٰه.
و محمّد بن سليمان الظاهر أنّه إمّا الديلمي الذي روى عنه أحمد بن أبي عبد اللّٰه و أبوه محمّد بن خالد، و إمّا النوفلي الذي روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى مع معلوميّة حاله مع الرواة، و أمّا غير هذين فإمّا مقدّم على سهل في الطبقة لكونه من أصحاب الصادق عليه السّلام، و إمّا مؤخّر، لكونه من أصحاب أبي محمّد عليه السّلام.
______________________________
(1) الوسائل: كتاب الصلاة، الباب 74 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 3.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 134‌
و عليّ بن الحكم إن كان واحدا- و إن عبّر عنه تارة بعليّ بن الحكم و أضيف إلى أهل الأنبار و اخرى بعليّ بن الحكم بن الزبير مولى النخعي الكوفي، و ثالثة بعليّ بن الحكم الكوفي، و يشهد بالاتّحاد أمارات مذكورة في رجال أبي علي، من أراد فليراجعه- فالأمر سهل، للتصريح في كلام «كش» بأنّه تلميذ ابن أبي عمير، و لقي من أصحاب الصادق عليه السّلام الكثير، و هو مثل ابن فضّال و ابن بكير، و لا يخفى دلالة كلّ ذلك على المدح، مضافا إلى رواية الأجلّاء عنه.
و إن كان متعدّدا كما نسب إلى العلّامة أعلى اللّٰه مقامه، بل قيل دعوى الاشتراك توهّم أصله العلّامة قدّس سرّه في الخلاصة و اقتفاه من تأخّر عنه، انتهى.
فحينئذ نقول: إن كان هذا هو الأنباري فقد تقدّم كلام الكشّي في حقّه، و إن كان ابن الزبير النخعي فيروي عنه محمّد بن إسماعيل الثقة و أحمد بن أبي عبد اللّٰه، و إن كان الكوفي فيروي عنه أحمد بن محمّد، و هو محتمل لابن خالد و لابن عيسى، لكن الظاهر في مثل هذا الإطلاق هو الثاني.
و عبد اللّٰه بن جندب ثقة من أصحاب الكاظم و الرضا عليهما السّلام، و كان وكيلا عنهما و عابدا رفيع المنزلة لديهما، و لمّا مات قام عليّ بن مهزيار مقامه، روى الكشّي أنّ أبا الحسن عليه السّلام أقسم أنّه عنه راض و رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و اللّٰه، و قال عليه السّلام فيه: إنّ عبد اللّٰه بن جندب لمن المخبتين.
و سفيان بن السمط البجلّي الكوفي لم يذكر في حقّه إلّا قول الشيخ أسند عنه بعد عدّه في أصحاب الصادق عليه السّلام، و اختلف في معنى الكلمة المزبورة و صيغتها أنّها المعلوم أو المجهول، و يستفاد منه على بعض المعاني التوثيق و الاعتماد، من أراد ذلك فليراجع الفوائد المذكورة في أوّل رجال أبي على، و لا يخفى أنّ رواية مثل عبد اللّٰه ابن جندب عنه من أمارات الثقة و الاعتماد.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 135‌
و بالجملة، أظنّ أنّ الخدشة في السند ليس على ما ينبغي، و لا أقلّ من الخبر الأوّل.
و أمّا الدلالة فربما يخدش بأنّها غير مسوقة في مقام هذا الحكم، و إنّما المقصود منها الردع عن مصحف عليّ عليه السّلام و أنّه مكتوم إلى يوم ظهور الحجّة صلوات اللّٰه عليه، و الأخذ بالإطلاق فرع ورودها لأجل تأسيس الحكم بالإرجاع إلى القرّاء، فيقال حينئذ مقتضى الإطلاق الأخذ بقراءة أيّهم شاء المكلّف.
و أمّا إذا كان ورودها لأجل سدّ باب الطمع عن ذلك المصحف الشريف فهذه الجهة أعني: الرجوع إلى القرّاء مغفول عنها نصّا و إثباتا، نعم يعلم بنحو الإجمال أنّها المرجع، و أمّا بنحو الإطلاق أو له شرط فليس بهذا المقام.
و الحقّ أنّ هذه الخدشة في غير المحلّ، بل الظاهر أنّها ناظرة إلى كلا المقامين، أعني: صرف الناس عن المصحف العلويّ صلوات اللّٰه على جامعه و إرجاعهم إلى القراءات المعروفة بين الناس، فالأخذ بإطلاق الكلام من جهة الفقرة الثانية لا بأس به، و تقريبه بعد مقدّمتين:
الاولى: أنّ الأمر تارة يتعلّق بالقراءة للقرآن فهو كالأمر الوارد بالصلاة يجب على المكلّف تعلّم ماهيّة الصلاة و القرآن جزءا و شرطا إمّا بالاجتهاد أو بالتقليد حتّى يفرغ عن عهدة الامتثال.
و اخرى يتعلّق الأمر بقراءة ما يقرؤه الناس، فالتكليف على هذا متوجّه عن القرآن الواقعي إلى ما يقرؤه الناس، فهو المكلّف به الفعلي، و ليس علينا الفحص و التفتيش عن القرآن الواقعي و لو فرض اليأس و تردّد بين متباينين وجب علينا الاحتياط بالجمع، بل المتّبع هو ما يقرؤه الناس، إذ ليس علينا بعد ذلك عهدة بالنسبة إلى القرآن الواقعي.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 136‌
و حينئذ نقول: نفس هذه الأخبار هذا النّفس، أعني: إنّكم غير مكلّفين بالفحص عن القرآن الواقعي، فلا وجه لسؤالكم عنه، و إنّما عليكم قراءة هذا الذي بأيدي الناس و لا يسأل عنكم إذ وافقتموه عمّا عداه.
الثانية: أنّ صرف التكليف إلى ما يقرؤه الناس يكون بحسب التصوير على نحوين:
الأوّل: على نحو الطريقيّة، كما هو الحال في الأمر بالرجوع إلى الثقات في أخذ الأحكام، و شأن الطريقيّة هو ثبوت التعبّد به عند احتمال الإصابة، دون صورة القطع بالمخالفة كما هو واضح، فلا يفي على هذا البيان هذه الأخبار بإثبات الحجّية في ما إذا علمنا بمخالفة القرّاء للقرآن الواقعي، كما لو علمنا أنّ الصورة الواقعيّة لقوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ كانت «خير أئمّة» و لقوله تعالى وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً كانت «و اجعل لنا من المتّقين إماما» بل المتّبع حينئذ ما علمناه قرآنا واقعيّا.
الثاني: على نحو الموضوعيّة بأن اقتضت المصلحة الموجودة في نفس موافقة المكلّف لقراءة العامّة في حدّ نفسها من غير نظر إلى جهة طريقيّته و كشفه عن الواقع البعث و الأمر نحوها، فجعلت القراءة على وفقهم نازلة منزلة القرآن الواقعي و لو مع القطع بخلافهم للواقع.
و حينئذ نقول: ظاهر الأخبار هو القسم الثاني، أعني: أنّ المصلحة في نفس اتّباع قرائتهم و المعاملة معها معاملة القرآن الواقعي، فلنفس اتّباع القوم سببيّة لإحداث المصلحة، و الدليل على ذلك هو الأمر بالقراءة على نحوهم بعد فرض السائل التخالف بين ما يقرءونه و بين المصحف الواقعي، فأراد الاطّلاع على ذلك المصحف الشريف، فردعه الإمام عليه السّلام و أحال الاطّلاع عليه إلى ظهور الحجّة‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 137‌
صلوات اللّٰه عليه، و قال ما مضمونه: إنّ تكليفكم اليوم القراءة بنحو قراءتهم يعني حتّى في هذه الموارد التي قطعتم تفصيلا بمخالفتها مع القرآن الواقعي، و قد عرفت أنّ شأن الطريقيّة عدم الحجيّة مع العلم بالتخلّف عن ذي الطريق، فلا يبقى إلّا أن يكون هذا الأمر بنحو السببيّة.
و إذا ثبت كونه بنحو السببيّة فنقول: لا إشكال مع التوافق، و أمّا مع التخالف فالباب باب اجتماع الأسباب المتعدّدة، فكلّ قراءة في حيالها سبب تامّ لحدوث المصلحة في اتّباعها، فالمكلّف بالخيار في اختيار أيّها شاء، و اللّٰه العالم بحقيقة الحال.
نعم لو كان الأمر المذكور على نحو الطريقيّة أوجب التخالف سقوط كليهما عن الحجّية، كما هو الأصل في باب تعارض الطرق و الأمارات إلى أن يجي‌ء التعبّد الشرعي بالتخيير.
و الحاصل أنّ الأصل الأوّلي في باب تعارض الطرق هو التوقّف و الرجوع إلى القواعد و الأصول، دون التخيير، و أمّا في تعارض الأسباب فالأصل الأوّلي العقلي هو التخيير، كما هو الحال في إنقاذ الغريقين.
لا يقال: ليس المقام كإنقاذ الغريقين، لإمكان الجمع بتكرار الصلاة على وفق القراءتين.
لأنّا نقول: نعم، لكن المصلحة قائمة بصرف الوجود، و هو حاصل بموافقة إحداهما، فالمكلّف بالخيار في تعيين تلك الواحدة من بينهما كتخييره في اختيار أيّ فرد شاء من الطبائع المأمور بها باعتبار صرف الوجود.
بقي في المقام مطلب ينبغي أن ينبّه عليه و هو أنّه ذكر في الصافي أنّه اشتهرت الرواية من طريق العامّة عن النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله أنّه «قال: نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها‌


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 138‌
كاف شاف» و قد ادّعى بعضهم تواتر أصل هذا الحديث، إلّا أنّهم اختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولا، إلى أن قال: و من طريق الخاصّة ما رواه في الخصال بإسناده عن حمّاد «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: إنّ الأحاديث تختلف عنكم، قال: فقال عليه السّلام: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، و أدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه، ثمّ قال عليه السّلام: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب».
إلى أن قال أيضا: و من طريق الخاصّة ما رواه في الخصال بإسناده عن عيسى ابن عبد اللّٰه الهاشمي عن أبيه عن آبائه «قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: أتاني آت من اللّٰه عزّ و جلّ فقال: يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع على أمّتي، فقال: إنّ اللّٰه عزّ و جلّ يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف» «1» انتهى.
و الكلام تارة في فهم معنى هذا الخبر و ما فرّعه عليه الإمام عليه السّلام في رواية حمّاد من قوله عليه السّلام: و أدنى ما للإمام إلخ.
و اخرى في أنّه حكى في الصافي أيضا عن أصحابنا أنّهم رووا عن أمير المؤمنين عليه السّلام «قال: إنّ اللّٰه تبارك و تعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كلّ قسم منها كاف شاف، و هي أمر و زجر و ترغيب و ترهيب و جدل و مثل و قصص» «2»، فهل المراد بالسبعة الأحرف هذه الأقسام، أو هما متغايران.
و ثالثة: في أنّه حكى في الصافي أيضا عن الكافي بإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر عليهما السّلام «قال: إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، و لكنّ الاختلاف يجي‌ء‌
______________________________
(1) تفسير الصافي: الجزء الأوّل، المقدّمة الثامنة.
(2) الصافي: 1، المقدّمة الثامنة.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 139‌
من قبل الرواة» «1».
و بإسناده عن الفضيل بن يسار «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: إنّ الناس يقولون: إنّ القرآن على سبعة أحرف، فقال عليه السّلام: كذبوا أعداء اللّٰه، و لكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد» «2».
فكيف التوفيق بين هذين و الخبرين السابقين المصرّحين بتسليم أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف؟
أمّا الكلام في الجهة الأولى فنقول: أمّا رواية حمّاد فأولى و أسدّ ما يقال في تفسيرها- و اللّٰه العالم- أن يقال: إنّ المراد من السبعة الأحرف هو الظاهر و الباطن، و باطن الباطن و هكذا إلى السبعة، و على هذا يحصل المناسبة في وقوعه جوابا لسؤال الراوي عن اختلاف الروايات و توطئة لقوله عليه السّلام: أدنى ما للإمام.
أمّا الأوّل: فيتّضح بعد بيان الثاني.
و أمّا الثاني: فلأنّ الظاهر مثلا إذا كان عامّا و كان في الباطن أزيد منه الخاصّ، بمعنى أنّه أودع الخاصّ عند الإمام عليه السّلام فهو عليه السّلام إن رأى مصلحة الوقت يفتي بما هو ظاهر القرآن و يستدلّ به، و إن رأى يفتي بما هو مودع عنده من مراده الباطني المخصوص علمه بالإمام عليه السّلام، و هكذا الحال في باطن الباطن إلى السبعة، بل إلى السبعين على حسب ما يستفاد من بعض الأخبار، و قوله عليه السّلام: عقيب هذا البيان: هذا عطاؤنا إلخ يدلّ على عظمة شأن المطلب و أنّه أعطاه مطلبا عظيما و نعمة جسيمة، و هو أيضا يناسب مع هذا المعنى.
و أمّا احتمال أن يكون المراد أنّ في القرآن عامّا و خاصّا و مطلقا و مقيّدا‌
______________________________
(1) الصافي: 1، المقدّمة الثامنة.
(2) الصافي: 1، المقدّمة الثامنة.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 140‌
و ناسخا و منسوخا فكذا في أحاديثنا، فيدفعه أنّ الظاهر كون قوله عليه السّلام: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف جوابا للسائل، و على هذا فيكون من قبيل الاستشهاد، و أيضا لا يبقى معنى لتفريع أنّ أدنى ما للإمام عليه السّلام أن يفتي بسبعة وجوه على المطلب المذكور، كما لا يخفى.
و أمّا رواية عيسى بن عبد اللّٰه فحملها على القراءات السبع بعيد، إذ أوّلا أيّ تضييق في قراءة الكلمة بالنصب مثلا أو بهيئة واحدة دون غيرهما حتّى يكون في جوازها بوجه آخر توسعة.
و ثانيا: التعبير عن وجوه القراءة بالإعراب و الهيئة المختلفين بالأحرف لا يخلو عن بعد، فإنّ الظاهر من الحرف هو اللغة.
و حينئذ فالظاهر في تفسير هذه الرواية أيضا- و اللّٰه العالم- أن يقال: إنّ طوائف العرب مختلفة في لهجاتهم عند التكلّم بالكلمة الواحدة، فربّ طائفة يتفوّهون بالكاف مكان الجيم، فيقولون: الحكر، مكان الحجر، و ربّ قوم يتفوّهون بالميم مكان اللام في «ال» كما قال قائلهم: أمن امبرّ امصيام في امسفر، إلى غير ذلك من أنحاء اللهجات، و نظيره ما نجده في الطوائف المختلفة من أهل لغتنا، فبعضهم يتفوّهون بالكسرة مقام الفتحة، و هكذا.
و على هذا فالنبيّ الأكرم صلّى اللّٰه عليه و آله سأل اللّٰه تعالى التوسعة على أمّته بملاحظة أنّه لو كان جميع الطوائف ملزمين بالتفوّه بألفاظ القرآن على حسب لغة الحجاز في لهجاتهم عند أداء الحروف كان شاقّا عليهم، و التوسعة يقتضي الرخصة لأهل كلّ لهجة في التفوّه بما يوافق لهجته، و هذا المعنى في غاية القرب بحسب اللفظ، لكن عيبه أنّه غير مفتى به، فلا يجوّزون في القراءة الصلاتية مع الاختيار تبديل الحروف حسب اقتضاء اللهجة.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 141‌
و أمّا الكلام في الجهة الثانية فلا إشعار في الخبر بكونه تفسيرا للسبعة الأحرف، فمن الممكن كونهما مطلبين مستقلّين، فأحدهما راجع إلى تقسيم القرآن بحسب المضامين و المطالب المندرجة في الآيات، و الآخر إمّا راجع إلى التقسيم إلى الظهر و البطن في كلّ آية أو إلى الترخيص للقارئ في سبعة لهجات.
و من هنا ظهر الكلام في الجهة الثالثة، فإنّ ما أثبته في الطائفة الاولى هو السبعة الأحرف بالمعنى الذي عرفت، و هو غير ما نفاه في الطائفة الثانية، فإنّهم تخيّلوا أنّ القراءات السبع كلّها قرآن، فردعهم الإمام عليه السّلام عن هذا المعنى الذي تخيّلوه، و قال عليه السّلام: إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، و لكن الاختلاف يجي‌ء من قبل الرواة، يعني ليس الاختلاف من عند اللّٰه تعالى كما تخيّله أعداء اللّٰه.
ثمّ إنّه يمكن أن يكون مراد القائل بتواتر القراءات هو السيرة العمليّة الجارية من المسلمين في عامّة الأعصار و الأمصار في قراءتهم القرآن على اتّباع القرّاء إذ المصاحف الموجودة الآن مأخوذة من السابقة، و هي من الطبقة العليا و هكذا، و هي مرسومة على طبق قراءة القرّاء، و كذا في حال القراءة يراعون قراءة هؤلاء القرّاء بلا ترجيح بينهم، كما هو المتداول الآن، فإنّا نقطع بأنّ هذا ليس شيئا مستحدثا، بل مستمرّ من لدن زمن أئمتنا المعصومين صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين، و هم قد اطّلعوا عليه و سكتوا عن الإنكار و الردع، و هو قرينة قطعيّة على الرضى بذلك، و اللّٰه العالم بحقائق الأمور.


كتاب الصلاة (للأراكي)، ج‌2، ص: 142‌
المسألة الرابعة في حكم من لا يحسن القراءة‌
إمّا لضيق الوقت و تقصيره في ترك التعلّم، أو لآفة في اللسان، قد عرفت أنّه يجب عليه الائتمام مع التمكّن منه، و كذا اتّباع القارئ أو القراءة من المصحف، و لو لم يقدر على شي‌ء من هذه الثلاثة ففيه تفصيل، لأنّ من لا يحسن القراءة على قسمين:
أحدهما: من لا يحسنها صحيحة و يحسنها ملحونة، و الثاني: غيره، و الأخير إمّا يعلم بعض فاتحة الكتاب أو لا، و على كلّ حال إمّا يعلم من غير الفاتحة قرآنا أ
________________________________________
اراكى، محمد على، كتاب الصلاة (للأراكي)، 2 جلد، دفتر جناب مؤلف، قم - ايران، اول، 1421 ه‍ ق