محمد بن محمد بن محمد الغزالي




محمد بن محمد بن محمد الغزالي(450 - 505 هـ = 1058 - 1111 م)

شرح حال محمد الغزالي(450 - 505 هـ = 1058 - 1111 م)
تأييد سر العالمين غزالي
آدرس اينترتني سر العالمين در موضع اعتراف به غصب خلافت


الأعلام للزركلي (7/ 22)
الغَزالي
(450 - 505 هـ = 1058 - 1111 م)
محمد بن محمد بن محمد الغَزَالي الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام: فيلسوف، متصوف، له نحو مئتى مصنف. مولده ووفاته في الطابران (قصبة طوس، بخراسان) رحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر، وعاد إلى بلدته. نسبته إلى صناعة الغزل (عند من يقوله بتشديد الزاي) أو إلى غَزَالة (من قرى طوس) لمن قال بالتخفيف.
من كتبه (إحياء علوم الدين - ط) أربع مجلدات، و (تهافت الفلاسفة - ط) و (الاقتصاد في الاعتقاد - ط) و (محك النظر - ط) و (معارج القدس في أحوال النفس - خ) و (الفرق بين الصالح وغير الصالح - خ) و (مقاصد الفلاسفة - ط) و (المضنون به على غير أهله - ط) وفي نسبته إليه كلام، و (الوقف والابتداء - خ) في التفسير، و (البسيط - خ) في الفقه، و (المعارف العقلية - خ) و (المنقذ من الضلال - ط) و (بداية الهداية - ط) و (جواهر القرآن - ط) و (فضائح الباطنية - ط) قسم منه، ويعرف بالمستظهري، وبفضائح المعتزلة. و (التبر المسبوك في نصيحة الملوك - ط) كتبه بالفارسية، وترجم إلى العربية، و (الولدية - ط) رسالة أكثر فيها من قوله: أيها الولد، و (منهاج العابدين - ط) قيل: هو آخر تآليفه، و (إلجام العوام عن علم الكلام - ط) و (الطير - ط) رسالة، و (الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة - ط) و (شفاء العليل - خ) في أصول الفقه، و (المستصفى من علم الأصول - ط) مجلدان، و (المنخول من علم الأصول - خ) و (الوجيز - ط) في فروع الشافعية، و (ياقوت التأويل في تفسير التنزيل) كبير، قيل: في نحو أربعين مجلدا، و (أسرار الحج - ط) و (الإملاء عن إشكالات الإحياء - ط) و (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة - ط) و (عقيدة أهل السنة - ط) و (ميزان العمل - ط) و (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى - ط) وله كتب بالفارسية. ولطه عبد الباقي سرور كتاب (الغزالي - ط) في سيرته، ومثله ليوحنا قمير، ولجميل صليبا وكامل عياد، ولمحمد رضا ولزكي مبارك (الأخلاق عند الغزالي - ط) ولأحمد فريد الرفاعيّ (الغزالي - ط) ولمحمد رضا (أبو حامد الغزالي: حياته ومصنفاته - ط) ول أبي بكر عبد الرازق (في صحبة الغزالي - ط) ولسليمان دنيا (الحقيقة في نظر الغزالي - ط) وللشيخ محمد الخضري رسالة في (ترجمته وتعاليمه وآرائه) نشرت في المجلد 34 من مجلة المقتطف. وبالتركية (إمام غزّالي - ط) في تاريخه وفلسفته، لرضاء الدين بن فخر الدين، ولحسن عبد اللطيف عزام الفيومي، رسالة في (ما للغزالي وما عليه - ط) (1) .
__________
(1) وفيات الأعيان 1: 463 وطبقات الشافعية 4: 101 وشذرات الذهب 4: 10 وإشراق التاريخ - خ. و Brock 1: 535 (419) S 1: 744. والوافي بالوفيات 1: 277 ومفتاح السعادة 2: 191 - 210 وتبيين كذب المفتري 291 - 306 ومعجم المطبوعات 1408 - 1416 و Princeton انظر فهرسته وآداب اللغة 3: 97 والفهرس التمهيدي 164 وفي اللباب 2: 170 ما يستفاد منه أن تخفيف الزاي في الغزالي، خلاف المشهور. وقد أشرت إلى هذا في ترجمة أخيه (أحمد بن محمد) المتوفى سنة 520 هـ






تاريخ الإسلام ت بشار (11/ 62)
120 - محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، الإمام زين الدين أبو حامد الغزالي، الطوسي، الفقيه الشافعي، حجة الإسلام. [المتوفى: 505 هـ]
قرأ قطعة من الفقه بطوس على أحمد الراذكاني، ثم قدم نيسابور في طائفة من طلبة الفقه، فجد واجتهد، ولزم إمام الحرمين أبا المعالي حتى تخرج عن مدة قريبة، وصار أنظر أهل زمانه، وواحد أقرانه، وأعاد للطلبة، وأخذ في التصنيف والتعليق.
وكان الإمام أبو المعالي مع علو درجته وفرط ذكائه، لا يطيب له تصديه [ص:63] للتصانيف، وإن كان في الظاهر متبجحا به.
ثم إن أبا حامد خرج إلى المعسكر، فأقبل عليه نظام الملك، وناظر الأقران بحضرته، فظهر اسمه، وشاع أمره، فولاه النظام تدريس مدرسته ببغداد، ورسم له بالمصير إليها، فقدمها، وأعجب الكل مناظرته، وما لقي الرجل مثل نفسه، ثم أقبل على علم الأصول، وصنف فيها وفي المذهب والخلاف، وعظمت حشمته ببغداد، حتى كانت تغلب حشمة الأمراء والأكابر، فانقلب الأمر من وجه آخر، وظهر عليه بعد مطالعة العلوم الدقيقة، وممارسة التصانيف طريق التزهد والتأله فترك الحشمة، وطرح الرتبة، وتزود للمعاد، وقصد بيت الله، وحج، ورجع على طريق الشام، وزار القدس، وأقام بدمشق مدة سنين، وصنف بها " إحياء علوم الدين " وكتاب " الأربعين "، و " القسطاس "، و " محك النظر "، وغير ذلك.
وأخذ في مجاهدة النفس، وتغيير الأخلاق، وتهذيب الباطن، وانقلب شيطان الرعونة، وطلب الرياسة والتخلق بالأخلاق الذميمة، إلى سكون النفس، وكرم الأخلاق، والفراغ عن الرسوم، وتزيا بزي الصالحين.
ثم عاد إلى وطنه، لازما بيته، مشتغلا بالتفكير، ملازما للوقت، فبقي على ذلك مدة، وظهرت له التصانيف، ولم يبد في أيامه مناقضة لما كان فيه، ولا اعتراض لأحد على مآثره، حتى انتهت نوبة الوزارة إلى فخر الملك، وقد سمع وتحقق بمكان أبي حامد وكمال فضله، فحضره وسمع كلامه، فطلب منه أن لا تبقى أنفاسه وفوائده عقيمة، لا استفادة منها ولا اقتباس من أنوارها، وألح عليه كل الإلحاح، وتشدد في الاقتراح إلى أن أجاب إلى الخروج، وقدم نيسابور، وكان الليث غائبا عن عرينه، والأمر خافيا في مستور قضاء الله ومكنونه، ورسم له بأن يدرس بها - بالمدرسة النظامية - فلم يجد بدا من ذلك.
قال هذا كله وأكثر منه عبد الغافر بن إسماعيل في " تاريخه "، ثم قال: ولقد زرته مرارا، وما كنت أحدس في نفسي مع ما عهدته في سالف الزمان عليه من الزعارة، وإيحاش الناس، والنظر إليهم بعين الازدراء، والاستخفاف بهم كبرا وخيلاء واغترارا بما رزق من البسطة في النطق، والخاطر، والعبارة، [ص:64] وطلب الجاه، والعلو في المنزلة أنه صار على الضد، وتصفي من تلك الكدورات، وكنت أظن أنه متلفع بجلباب التكلف، متنمس بما صار إليه، فتحققت بعد السبر والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون، وأن الرجل أفاق بعد الجنون، وحكى لنا في ليال كيفية أحواله، من ابتداء ما ظهر له طريق التأله، وغلبة الحال عليه، بعد تبحره في العلوم، واستطالته على الكل بكلامه، والاستعداد الذي خصه الله به في تحصيل أنواع العلوم، وتمكنه من البحث والنظر، حتى تبرم بالاشتغال بالعلوم العرية عن المعاملة، وتفكر في العاقبة، وما ينفع في الآخرة، فابتدأ بصحبة أبي علي الفارمذي، فأخذ منه استفتاح الطريقة، وامتثل ما كان يشير به عليه من القيام بوظائف العبادات، والإمعان في النوافل، واستدامة الأذكار والاجتهاد والجد، طلبا للنجاة، إلى أن جاز تلك العقاب، وتكلف تلك المشاق، وما حصل على ما كان يرومه.
ثم حكى أنه راجع العلوم، وخاض في الفنون، وعاود الجد في العلوم الدقيقة، والتقى بأربابها، حتى تفتحت له أبوابها، وبقي مدة في الوقائع، وتكافؤ الأدلة، وأطراف المسائل.
ثم حكى أنه فتح عليه باب من الخوف، بحيث شغله عن كل شيء، وحمله على الإعراض عما سواه، حتى سهل ذلك عليه، وهكذا إلى أن ارتاض كل الرياضة، وظهرت له الحقائق، وصار ما كنا نظن به ناموسا وتخلقا، طبعا وتحققا، وأن ذلك أثر السعادة المقدرة له من الله تعالى.
ثم سألناه عن كيفية رغبته في الخروج من بيته، والرجوع إلى ما دعي إليه من أمر نيسابور، فقال معتذرا: ما كنت أجوز في ديني أن أقف عن الدعوة، ومنفعة الطالبين، وقد خف علي أن أبوح بالحق، وأنطق به، وأدعو إليه، وكان صادقا في ذلك، فلما خف أمر الوزير، وعلم أن وقوفه على ما كان فيه ظهور وحشة وخيال طلب جاه وحشمة، ترك ذلك قبل أن يترك، وعاد إلى بيته، واتخذ في جواره مدرسة لطلبة العلم، وخانقاها للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف الحاضرين، من ختم القرآن، ومجالسته أصحاب القلوب، والقعود للتدريس لطالبه، إلى أن توفاه الله بعد مقاساة أنواع من القصد، والمناوأة من الخصوم، والسعي به إلى الملوك، وكفاية الله إياه، وحفظه وصيانته عن أن تنوشه أيدي النكبات، أو ينتهك ستر دينه بشيء من الزلات. [ص:65]
وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ومجالسة أهله، ومطالعة "الصحيحين"، ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن بيسير من الأيام، ولم يتفق له أن يروي، ولم يعقب إلا البنات.
وكان له من الأسباب إرثا وكسبا ما يقوم بكفايته، وقد عرضت عليه أموال فما قبلها.
ومما كان يعترض به عليه، وقوع خلل من جهة النحو يقع في أثناء كلامه، وروجع فيه، فأنصف من نفسه، واعترف بأنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلف الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي تعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها.
ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب "كيمياء السعادة والعلوم"، وشرح بعض الصور والمسائل، بحيث لا يوافق مراسم الشرع، وظواهر ما عليه قواعد الإسلام، وكان الأولى به، والحق أحق ما يقال، ترك ذلك التصنيف، والإعراض عن الشرح له، فإن العوام ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا أشياء من ذلك تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل على أن المنصف اللبيب إذا رجع إلى نفسه، علم أن أكثر ما ذكره مما رمز إليه إشارات الشرع، وإن لم يبح به، ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة مرموزة، ومصرحا بها، متفرقة، وليس لفظ منه إلا وكما يشعر أحد وجوهه بكلام موهوم، فإنه يشعر سائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة، فلا يجب إذا حمله إلا على ما يوافق، ولا ينبغي أن يتعلق به في الرد عليه متعلق، إذا أمكنه أن يبين له وجها، وكان الأولى به أن يترك الإفصاح بذلك كما تقدم.
وقد سمعت أنه سمع من "سنن أبي داود"، عن القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي، وسمع من أبي عبد الله محمد بن أحمد الخواري، مع ابنيه الشيخين: عبد الجبار، وعبد الحميد، كتاب "المولد" لابن أبي عاصم، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الحارث، عن أبي الشيخ، عنه.
قلت: ما نقم عبد الغافر على أبي حامد من تلك الألفاظ التي في "كيمياء السعادة" فلأبي حامد أمثاله في بعض تواليفه، حتى قال فيه، أظنه تلميذه ابن [ص:66] العربي: بلغ شيخنا أبو حامد الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم فما استطاع، رأيت غير واحد من الأئمة يقولون، إنه رد على الفلاسفة في مواضع، ووافقهم عليها في بعض تواليفه، ووقع في شكوك، نسأل الله السلامة واليقين، ولكنه متأله حسن القصد.
وللإمام أبي عبد الله محمد بن علي المازري الصقلي كلام على "الإحياء" يدل على تبحره وتحقيقه، يقول فيه: وبعد فقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم "بإحياء علوم الدين"، وذكرتم أن آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفة انتصرت وتعصبت لإشهاره، وطائفة منه حذرت وعنه نفرت، وطائفة لعنته أظهرت، وكتبه حرقت، ولم تنفردوا أهل المغرب باستعلام ما عندي، بل كاتبني أهل المشرق بمثل ذلك، فوجب عندي إبانة الحق، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب سوى نبذ منه، فإن نفس الله في العمر، مددت في هذا الكتاب الأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس، واعلموا أن هذا الرجل، وإن لم أكن قرأت كتابه، فقد رأيت تلامذته وأصحابه، فكل منهم يحكي لي نوعا من حاله وطريقته، استلوح منها من مذاهبه وسيرته، ما قام لي مقام العيان، فأنا أقتصر في هذا الإملاء على ذكر حال الرجل، وحال كتابه، وذكر جمل من مذاهب الموحدين، والفلاسفة، والمتصوفة وأصحاب الإشارات، فإن كتابه متردد بين هذه الطرائق الثلاث، لا تعدوها، ثم أتبع ذلك بذكر حيل أهل مذهب على أهل مذهب آخر، ثم أبين عن طرق الغرور، وأكشف عما دفن من خيال الباطل، ليحذر من الوقوع في حبال صائده.
ثم أثنى المازري على أبي حامد في الفقه، وقال: هو بالفقه أعرف منه بأصوله، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين، فإنه صنف فيه أيضا، وليس بالمستبحر فيها، ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول، فكسبته قراءة الفلسفة جرأة على المعاني، وتسهلا للهجوم على الحقائق، لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها، وليس لها حكم شرع يزعها، ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها، وعرفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة، ومصنفها فيلسوف قد خاض في علم الشرع والنقل، فمزج ما بين [ص:67] العلمين، وذكر الفلسفة، وحسنها في قلوب أهل الشرع بآيات يتلوها عندها، وأحاديث يذكرها.
ثم كان في هذا الزمان المتأخر رجل من الفلاسفة يعرف بابن سينا، ملأ الدنيا تواليف في علوم الفلسفة، وهو فيها إمام كبير، وقد أداه قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره، وقد رأيت جملا من دواوينه، ووجدت هذا الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة.
إلى أن قال: وأما مذاهب الصوفية، فلست أدري على من عول فيها، لكني رأيت فيما علق عنه بعض أصحابه، أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي، وعندي أنه عليه عول في مذاهب الصوفية، وقد أعلمت أن أبا حيان ألف ديوانا عظيما في هذا الفن، ولم ينقل إلينا شيء منه.
ثم ذكر المازري توهنه أكثر ما في "الإحياء" من الأحاديث، وقال: عادة المتورعين أن لا يقولوا: قال مالك، قال الشافعي، فيما لم يثبت عندهم، وفي كتابه مذاهب وآراء في العمليات هي خارجة عن مذاهب الأئمة، واستحسانات عليها طلاوة، لا تستأهل أن يفتى بها، وإذا تأملت الكتاب وجدت فيه من الأحاديث والفتوى ما قلته، فيستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له، مثل قص الأظفار أن تبدأ بالسبابة، لأن لها الفضل على بقية الأصابع، لأنها المسبحة، ثم تقص ما يليها من الوسطى، لأنها ناحية اليمين، وتختم بإبهام اليمنى، وذكر في ذلك أثرا.
وقال: من مات بعد بلوغه ولم يعلم أن البارئ قديم، مات مسلما إجماعا، ومن تساهل في حكاية الإجماع في مثل هذا الذي الأقرب أن يكون فيه الإجماع يعكس ما قال، فحقيق أن لا يوثق بما نقل.
وقد رأيت له في الجزء الأول أنه ذكر أن في علومه هذه ما لا يسوغ أن تودع في كتاب، فليت شعري، أحق هو أو باطل؟ فإن كان باطلا فصدق، وإن كان حقا، وهو مراده بلا شك، فلم لا يودع في الكتب، ألغموضه ودقته؟ فإن كان هو فهمه، فما المانع من أن يفهمه غيره؟!. [ص:68]
قال الطرطوشي محمد بن الوليد في رسالة له إلى ابن مظفر: فأما ما ذكرت من أمر الغزالي، فرأيت الرجل وكلمته، فرأيته جليلا من أهل العلم، قد نهضت به فضائله، واجتمع فيه العقل والفهم، وممارسة العلوم طول عمره، وكان على ذلك معظم زمانه، ثم بدا له عن طريق العالم، ودخل في غمار العمال، ثم تصوف، فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب العقول، ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة، ورموز الحلاج، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين، فلما عمل "الإحياء" عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه وشحن كتابه بالموضوعات.
وقال أبو عمرو بن الصلاح: فصل لبيان أشياء مهمة أنكرت على الغزالي في مصنفاته، ولم يرتضها أهل مذهبه وغيرهم من الشذوذ في تصرفاته، منها قوله في المنطق: هو مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط به، فلا ثقة له بمعلومه أصلا، وهذا مردود، فكل صحيح الذهن منطقي بالطبع، وكيف غفل الشيخ أبو حامد حال مشايخه ومشايخهم من الأئمة، وما رفعوا بالمنطق رأسا.
قال ابن الصلاح: وأما كتاب "المضنون به على غير أهله"، فمعاذ الله أن يكون له، شاهدت على نسخة به بخط القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله بن الشهرزوري أنه موضوع على الغزالي، وأنه مخترع من كتاب "مقاصد الفلاسفة"، وقد نقضه بكتاب "التهافت".
وقال أبو بكر الطرطوشي: شحن الغزالي كتابه "الإحياء" بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا أعلم كتابا على بسيط الأرض أكثر كذبا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوة اكتسابا، فليس نبي في زعمهم أكثر من شخص فاضل، تخلق بمحاسن الأخلاق، وجانب سفسافها، وساس نفسه، حتى ملك قيادها، فلا تغلبه شهواته، ولا يقهره سوء أخلاقه، ثم ساس الخلق بتلك الأخلاق، وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق.
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمته: ثم حج، ودخل [ص:69] الشام، وأقام بها نحوا من عشر سنين، وصنف، وأخذ نفسه بالمجاهدة، وكان مقامه بدمشق في المنارة الغربية من الجامع.
وقد سمع "صحيح البخاري" من أبي سهل محمد بن عبيد الله الحفصي، وقدم دمشق في سنة تسع وثمانين.
قلت: وجالس بها الفقيه نصرا المقدسي.
وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان: إنه لزم إمام الحرمين، فلما توفي خرج إلى نظام الملك، فبالغ في إكرامه، وولاه نظامية بغداد، فسار إليها في سنة اربع وثمانين، وأقبل عليه أهل العراق، وارتفع شأنه، ثم ترك ذلك في سنة ثمان وثمانين، وتزهد، وحج، ورجع إلى دمشق، فأشغل بها مدة بالزاوية الغربية، ثم انتقل إلى بيت المقدس، وجد في العبادة، ثم قصد مصر، وأقام مدة بالإسكندرية، ويقال: إنه عزم على المضي إلى الأمير يوسف بن تاشفين سلطان مراكش، فبلغه نعيه، ثم أنه عاد إلى وطنه بطوس.
وصنف التصانيف: "البسيط"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، و"الخلاصة" في الفقه، و"إحياء علوم الدين"، وفي الأصول: "المستصفى"، و"المنخول"، و"اللباب"، و"بداية الهداية"، و"كيمياء السعادة"، و"المأخذ"، و"التحصين"، و"المعتقد"، و"إلجام العوام"، و"الرد على الباطنية"، و"المقاصد في اعتقاد الأوائل"، و"جواهر القرآن"، و"الغاية القصوى"، و"فضائح الإباحية"، و"غور الدور"، وله: "المنتخل في علم الجدل"، وكتاب "تهافت الفلاسفة"، وكتاب "محك النظر"، و"معيار العلم"، و"المضنون به على غير أهله"، و"شرح الأسماء الحسنى"، و"مشكاة الأنوار"، و"المنقذ من الضلال"، و"حقيقة القولين"، وغير ذلك من الكتب، وقد تصدر للإملاء.
ولد سنة خمسين وأربعمائة.
وقال عبد الغافر: توفي يوم الإثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس، ودفن بمقبرة الطابران، وهي قصبة بلاد طوس. [ص:70]
وقولهم: الغزالي، والعطاري، والخبازي، نسبة إلى الصنائع بلغة العجم، وإنما ينبغي أن يقال: الغزال، والعطار، ونحوه.
وللغزالي أخ واعظ مدرس له القبول التام في التذكير، واسمه: أبو الفتوح أحمد، درس بالنظامية ببغداد، نيابة عن أخيه لما ترك التدريس، قليلا، وبقي إلى حدود سنة عشرين وخمسمائة.
وقال ابن النجار في تاريخه: الغزالي إمام الفقهاء على الإطلاق، ورباني الأمة بالاتفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه، برع في المذهب، والأصول، والخلاف، والجدل، والمنطق، وقرأ الحكمة، والفلسفة، وفهم كلامهم، وتصدى للرد عليهم، وكان شديد الذكاء، قوي الإدراك ذا فطنة ثاقبة، وغوص على المعاني، حتى قيل: إنه ألف كتابه "المنخول"، فلما رآه أبو المعالي قال: دفنتني وأنا حي، فهلا صبرت حتى أموت، لأن كتابك غطى على كتابي.
ثم روى ابن النجار بسنده، أن والد الغزالي كان رجلا من أرباب المهن يغزل الصوف، ويبيعه في دكانه بطوس، فلما احتضر أوصى بولديه محمد وأحمد إلى صديق له صوفي صالح، فعلمهما الخط، وفني ما خلف لهما أبوهما، وتعذر عليهما القوت، فقال: أرى لكما أن تلجأ إلى المدرسة كأنكما طالبان للفقه، عسى يحصل لكما مقدار قوتكما، ففعلا ذلك.
وقال أبو العباس أحمد الخطيبي: كنت يوما في حلقة الغزالي، رحمه الله، فقال: مات أبي، وخلف لي ولأخي مقدارا يسيرا، ففني، بحيث تعذر القوت علينا، وصرنا إلى مدرسة نطلب الفقه، ليس المراد سوى تحصيل القوت، وكان تعلمنا لذلك لا لله، فأبى أن يكون إلا لله.
وقال أسعد الميهني: سمعت الغزالي يقول: هاجرت إلى أبي نصر الإسماعيلي بجرجان، فأقمت إلى أن أخذت عنه "التعليقة".
قال ابن النجار: قرأت على أبي القاسم الأسدي العابد بالثغر، عن أبي محمد عبد الله بن علي الأشيري، قال: سمعت أبا محمد عبد المؤمن بن علي [ص:71] القيسي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت السوسي يقول: أبو حامد الغزالي قرع الباب وفتح لنا.
قال ابن النجار: بلغني أن أبا المعالي الجويني كان يصف تلامذته يقول: الغزالي بحر مغرق، وإلكيا أسد مخرق، والخوافي نار تحرق.
وقال أبو محمد العثماني، وغيره: سمعنا محمد بن يحيى بن عبد المنعم العبدري المؤدب يقول: رأيت بالإسكندرية سنة خمسمائة كأن الشمس طلعت من مغربها، فعبره لي عابر ببدعة تحدث فيهم، فبعد أيام وصل الخبر بإحراق كتب الغزالي بالمرية.
وقال أبو عامر العبدري الحافظ: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي يحلف بالله أنه أبصر في نومه كأنه ينظر في كتب الغزالي، فإذا هي كلها تصاوير.
قلت: للغزالي غلط كثير، وتناقض في تواليفه العقلية، ودخول في الفلسفة، وشكوك، ومن تأمل كتبه العقلية رأى العجائب، وكان مزجي البضاعة من الآثار، على سعة علومه، وجلالة قدره، وعظمته، وقد روى عنه أبو بكر ابن العربي الإمام "صحيح البخاري"، بروايته عن الحفصي، فيما حكى ابن الحداد الفاسي، ولم يكن هذا بثقة، فالله أعلم.






المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (17/ 124)
3799- محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي
[6] :
ذكر أنه ولد سنة خمسين وأربعمائة، وتفقه على أبي المعالي الجويني، وبرع/ 47/ ب في النظر في مدة قريبة، وقاوم الأقران وتفقه وتوحد، وصنف الكتب الحسان في الأصول والفروع التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها وتحقيق الكلام فيها، حتى أنه صنف في حياة أستاذه الجويني، فنظر الجويني في كتابه المسمى «بالمنخول» ، فقال له: دفنتي وأنا حي هلا صبرت حتى أموت؟ وأراد أن كتابك قد غطى على كتابي، ووقع له القبول من نظام الملك، فرسم له التدريس بمدرسته ببغداد، فدخل بغداد في سنة أربع وثمانين ودرس بها وحضره الأئمة الكبار كابن عقيل وأبي الخطاب، وتعجبوا من كلامه واعتقدوه فائدة، ونقلوا كلامه في مصنفاتهم، ثم إنه ترك التدريس والرئاسة، ولبس الخام الغليظ، ولازم الصوم، وكان لا يأكل إلا من أجرة النسخ، وحج وعاد ثم رحل إلى الشام، وأقام ببيت المقدس ودمشق مدة يطوف المشاهد، وأخذ في تصنيف كتاب «الإحياء» في القدس، ثم أتمه بدمشق إلا أنه وضعه على مذهب الصوفية، وترك فيه قانون الفقه، مثل أنه ذكر في محو الجاه، ومجاهدة النفس أن رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره ثم لبس ثيابه فوقها، ثم خرج يمشي على مهل حتى لحقوه فأخذوها منه وسمي سارق الحمام.
وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح لأن الفقه يحكم بقبح هذا، فإنه متى كان للحمام حافظ وسرق سارق قطع، ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض لأمر يأثم الناس به في حقه.
وذكر أن رجلا اشترى لحما فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته فعلقه في عنقه ومشى.
وهذا في غاية القبح/ ومثله كثير ليس هذا موضعه. 48/ أوقد جمعت أغلاط الكتاب وسميته «إعلام الإحياء بأغلاط الإحياء» [1] وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمى «بتلبيس إبليس» مثل ما ذكر في كتاب النكاح أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تزعم أنك رسول الله، وهذا محال، وإنما كان سبب إعراضه فيما وضعه عن مقتضى الفقه أنه صحب الصوفية فرأى حالتهم الغاية، وقال: إني أخذت الطريقة من أبي علي الفارمذي، وامتثلت ما كان يشير به من وظائف العبادات واستدامة الذكر إلى أن جزت تلك العقابت وتكلفت تلك المشاق وما حصلت ما كنت أطلبه.
ثم أنه نظر في كتاب أبي طالب المكي وكلام المتصوفة القدماء فاجتذبه ذلك بمرة عما يوجبه الفقه، وذكر في كتاب الإحياء من الأحاديث الموضوعة وما لا يصح غير قليل، وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل، فليته عرض تلك الأحاديث على من يعرف، وإنما نقل نقل حاطب ليل.
وكان قد صنف للمستظهر كتابا في الرد على الباطنية، وذكر في آخر مواعظ الخلفاء، فقال: روي أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم ابعث إلى من إفطارك، فبعث إليه نخالة مقلوة، فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل، ثم أفطر عليها، وجامع زوجته فجاءت بعبد العزيز، فلما بلغ ولد له عمر بن عبد العزيز.
وهذا من أقبح الأشياء، لأن عمر ابن عم سليمان، وهو الذي ولاه فقد جعله ابن ابنه، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا.
وكان بعض الناس شغف بكتاب الإحياء فاعلمته بعيوبه، ثم كتبته له فأسقطت ما 48/ ب يصلح إسقاطه/ وزدت ما [يصلح أن] [1] يزاد.
ثم أن أبا حامد عاد إلى وطنه مشتغلا بتعبده، فلما صار الوزارة إلى فخر الملك أحضره وسمع كلامه وألزمه بالخروج إلى نيسابور، فخرج ودرس، ثم عاد إلى وطنه واتخذ في جواره مدرسة ورباطا للصوفية [2] ، وبنى دارا حسنة، وغرس فيها بستانا، وتشاغل بحفظ القرآن وسمع الصحاح.
سمعت إسماعيل بن علي الموصلي الواعظ يحكى عن أبي منصور الرزاز الفقيه، قال: دخل أبو حامد بغداد فقومنا ملبوسه ومركوبة خمسمائة دينار، فلما تزهد وسافر وعاد إلى بغداد فقومنا ملبوسه خمسة عشر قيراطا.
وحدثني بعض الفقهاء، عن أنوشروان- وكان قد وزر للخليفة-، أنه زار أبا حامد الغزالي، فقال له أبو حامد: زمانك محسوب [عليك] [1] وأنت كالمستأجر فتوفرك على ذلك أولى من زيارتي، فخرج أنوشروان، وهو يقول: لا إله إلا الله، هذا الذي كان في أول عمره يستزيدني فضل لقب في ألقابه كان يلبس الذهب والحرير فآل أمره إلى هذا الحال.
توفي أبو حامد يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة من هذه السنة بطوس، ودفن بها وسأله قبيل الموت بعض أصحابه: أوص، فقال: عليك بالإخلاص، فلم يزل يكررها حتى مات.





تاريخ الإسلام ت تدمري (35/ 115)
122- محمد بن محمد بن محمد بن أحمد [1] .
الإمام زين الدين أبو حامد الغزالي، الطوسي، الفقيه الشافعي، حجة الإسلام.
.........

تاريخ الإسلام ت تدمري (35/ 128)
قلت: للغزالي غلط كثير، وتناقض في تواليفه، ودخول في الفلسفة، وشكوك. ومن تأمل كتبه العقلية رأى العجائب. وكان مزجي البضاعة من الآثار، على سعة علومه، وجلالة قدره، وعظمته.
وقد روى عنه أبو بكر بن العربي الإمام «صحيح البخاري» ، بروايته عن الحفصي، فيما حكى ابن الحداد الفاسي، ولم يكن هذا بثقة، فالله أعلم [1] .