سال بعدالفهرستسال قبل

شرح حال شیخ مفید قده در الفوائد الرجالية


شرح حال محمد بن محمد بن النعمان الشيخ المفيد(336 - 413 هـ = 947 - 1022 م)



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)؛ ج‌3، ص: 311
محمد بن محمد بن النعمان: أبو عبد اللّه المفيد- رحمه اللّه-
شيخ المشايخ الجلّة «3» و رئيس رؤساء الملة، فاتح أبواب التحقيق‌
______________________________
(1) راجع: تلخيص الأقوال (الوسيط) في الألقاب بعنوان (ماجيلويه).
(2) راجع: مشيخة الصدوق آخر كتاب (من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 120) فانه قال فيها: «... و ما كان فيه عن علي بن محمد الحضيني فقد رويته عن محمد بن علي ما جيلويه،- رضي اللّه عنه- عن عمه محمد بن أبي القاسم ...» الخ، و أشار الى ذلك الأسترابادي في ألقاب منهج المقال (ص 399) فانه قال:
«ماجيلويه يلقب به محمد بن علي بن محمد بن أبي القاسم، و جده محمد بن أبي القاسم، و لكن روى الصدوق في مواضع من الفقيه عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم».
(3) شهرة الشيخ المفيد- رحمه اللّه- تغنينا عن الاطالة في ترجمته، و قد أطراه المخالف و المؤالف ممن ذكره سيدنا- طاب ثراه- في الأصل، و ممن أطراه من أعلام السنة ممن لم يذكرهم سيدنا- قدس سره- ابن الجوزي في (المنتظم: ج 8 ص 11) طبع حيدرآباد دكن، قال: «محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد اللّه المعروف بابن المعلم، شيخ الإمامية و عالمها، صنف على مذهبهم، و من أصحابه المرتضى، و كان لابن المعلم مجلس نظر بداره، بدرب رياح، يحضره كافة العلماء، و كانت له منزلة عند أمراء الأطراف بميلهم الى مذهبه، توفي في رمضان هذه السنة (أي سنة 413 ه‍) و رثاه المرتضى ...» ثمّ ذكر ثلاثة أبيات من مرثيته، و تجد القصيدة-



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 312‌
بنصب الأدلة، و الكاسر بشقائق بيانه الرشيق حجج الفرق المضلة، اجتمعت فيه خلال الفضل، و انتهت اليه رئاسة الكل، و انفق الجميع على علمه و فضله و فقهه و عدالته و ثقته و جلالته. و كان- رضي اللّه عنه- كثير المحاسن، جم المناقب، حديد الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، واسع الرواية، خبيرا بالرجال و الأخبار و الأشعار. و كان أوثق أهل زمانه في الحديث و أعرفهم بالفقه و الكلام، و كل من تأخر عنه استفاد منه.
______________________________
- في ديوان الشريف المرتضى (ج 3 ص 204- ص 206)، و مطلعها:
من على هذه الديار أقاما * أوضفا ملبس عليه و داما
عج بنا نندب الذين تولوا * باقتياد المنون عاما فعاما
و ترجم له أيضا ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان: ج 5 ص 368) طبع حيدرآباد دكن، فقال: «عالم الرافضة أبو عبد اللّه بن المعلم صاحب التصانيف البديعة و هي مائتا تصنيف، له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيّعه ثمانون ألف رافضي، مات سنة 413 ه‍، و كان كثير التقشف و التخشع و الإكباب على العلم، تخرج به جماعة، و برع في المقالة الإمامية حتى كان يقال: له على كل إمام منة، و كان أبوه معلما بواسط و ولد بها، و قتل بعكبرا، و يقال: إن عضد الدولة كان يزوره في داره، و يعوده إذا مرض، و قال الشريف أبو يعلى الجعفرى- و كان تزوج بنت المفيد-: ما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعة، ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يتلو القرآن».
و ترجم له أيضا ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب: ج 3 ص 199) فقال: «توفي سنة 413 ه‍ المفيد أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، و يعرف أيضا بابن المعلم، عالم الشيعة، و إمام الرافضة، و صاحب التصانيف الكثيرة» ثمّ أورد ما قال فيه ابن أبي طي مما ذكره سيدنا- طاب ثراه- في الأصل.



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 313‌
و ممن قرأ عليه: السيد الأجل الاوحد المرتضى علم الهدى، و أخوه السيد الرضي، و شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي- رحمه اللّه- و أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفرى، و أبو يعلى سلار بن عبد العزيز الديلمي و الشيخ الثقة الجليل بقية السفراء أبو الفرج على بن الحسين الحمداني، و غيرهم من المشايخ الأجلاء و الفقهاء العظماء.
______________________________
- اما الخطيب البغدادي فقد ترجم له في (تاريخ بغداد: ج 3 ص 331) طبع مصر و أورد بعد ذلك في الشيخ المفيد كلمات بذيئة، و لكن ليس بمستغرب منه (فان الإتاء ينضح بما فيه).
و معاصره ابن النديم ترجم له في موضعين من (الفهرست): ففى (ص 366) طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة، قال: «ابن المعلم أبو عبد اللّه، في عصرنا انتهت رئاسة متكلمي الشيعة اليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعا»، و في (ص 293) قال:
«ابن المعلم أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان، في زماننا اليه انتهت رئاسة أصحابه من الشيعة الامامية في الفقه و الكلام و الآثار، و مولده سنة 338».
و قال الذهبي في (ميزان الاعتدال: ج 4 ص 26) طبع مصر سنة 1382 ه‍:
«محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد اللّه بن المعلم الرافضي الملقب بالشيخ المفيد، له تصانيف كثيرة، مات سنة 413 ه‍، و كان ذا عظمة و جلالة في دولة عضد الدولة»، و ذكره مرة أخرى (ص 30) و زاد قوله: «صاحب التصانيف البديعة و هي مائتا مصنف، و له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيّعه ثمانون الف رافضي»‌
و بعد وفاته رثاه كل من السيد المرتضى و المهيار الديلمي بمراث مثبتة في ديوانيهما المطبوعين، و أخبار الشيخ المفيد كثيرة، و قد ترجم له في اكثر المعاجم الرجالية» و ورد ذكره في طرق الإجازات، و كتبت في حياته رسائل.
أما مشايخه و الذين يروي عنهم من الفريقين فهم كثيرون، و قد ذكر-



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 314‌
و هو يروى عن شيخيه الصدوقين: أبي القاسم جعفر بن قولويه، و أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه، و السيد العالم الزاهد أبي محمد الحسن ابن حمزة العلوى، و الفقيه الفاضل المشهور أبي علي محمد بن أحمد بن الجنيد و محمد بن أحمد بن داود و أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، و غيرهم‌
قال ابن ادريس في (مستطرفات السرائر): «إن المفيد- رحمه اللّه- كان من أهل (عكبراء) و انحدر الى بغداد مع أبيه، و بدأ بقراءة العلم على الشيخ أبي عبد اللّه المعروف بالجعل، ثمّ حضر مجلس علي بن عيسى الرماني، و كان متكلما فأتاه رجل من أهل البصرة و سأله، عن يوم الغدير و الغار، فقال الرماني:
أما خبر الغار فدراية، و أما خبر الغدير فرواية، و الرواية لا توجب ما توجبه الدراية. فانصرف البصري، و لم يحر جوابا يرد به. قال المفيد- رحمه اللّه-: فقلت: أيها الشيخ، مسألة فقال: هات مسألتك؟ فقلت:
ما تقول فيمن قاتل إماما عادلا؟ فقال: كافر، ثمّ استدرك، فقال:
فاسق، فقلت: ما تقول في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟ فقال:
إمام عادل. فقلت: فما تقول في يوم الجمل و طلحة و الزبير؟ فقال:
تابا، قلت: أما خبر الجمل فدراية. و أما خبر التوبة فرواية، فقال لي:
كنت حاضرا، و قد سألني البصري؟ فقلت: نعم رواية برواية، و دراية بدراية. فقال: بمن تعرف، و على من تقرأ؟ قلت: أعرف بابن المعلم‌
______________________________
- صاحب مقدمة (بحار الأنوار) الطبع الجديد جملة منهم و انهاهم الى (59) شيخا فراجعها.
و أما تلامذته و الراوون عنه من الفريقين فهم كثيرون أحصى منهم صاحب المقدمة المذكورة (15) شخصا، و هؤلاء الذين وصلت اليه يد التتبع.
و قد ذكر صاحب مستدرك الوسائل في الخاتمة (ج 3 ص 520- ص 521) جماعة منهم، فراجعه.



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 315‌
و أقرأ على أبي عبد اللّه الجعل. فقال: موضعك، فدخل منزله و أخرج معه رقعة قد كتبها و ألصقها. و قال لي: أوصل هذه الرقعة الى أبي عبد اللّه، فجئت بها اليه، فجعل يقرأها، و يضحك، و قال: أي شي‌ء جرى لك في مجلسه؟ فقد أوصاني بك و لقبك (المفيد) فذكرت له المجلس بقصته، فتبسم» «1».
و ذكر الشيخ ورام بن أبي الفراس في كتابه: «أن الشيخ المفيد لما انحدر من «عكبرا» الى بغداد للتحصيل، اشتغل بالقراءة على الشيخ أبي عبد اللّه المعروف ب‍ (الجعل) ثمّ على أبي ياسر، و كان أبو ياسر ربما عجز عن البحث معه، و الخروج من عهدته، فأشار اليه بالمضي إلى على بن عيسى الرماني الذي هو من أعاظم علماء الكلام، و أرسل معه من يدله على منزله، فلما مضى- و كان مجلس الرماني مشحونا من الفضلاء- جلس الشيخ في صف النعال، و بقي يتدرج للقرب كلما خلا المجلس شيئا فشيئا لاستفادة المسائل من صاحب المجلس، فاتفق أن رجلا من أهل البصرة دخل و سأل الرماني عن خبر الغار و الغدير» «2» ثمّ ساق الكلام على الوجه الذي حكيناه عن ابن ادريس‌
و في (مجالس المؤمنين) عن مصابيح القلوب «3» حكاية هذه القصة‌
______________________________
(1) أنظر: مستطرفات السرائر، فيما استطرفه من كتاب (العيون و المحاسن) للشيخ المفيد- رحمه اللّه- طبع إيران سنة 1270 ه‍‌
(2) راجع: كتاب تنبيه الخواطر و نزهة النواظر- المشهور بمجموعة ورام- لأبي الحسين الشيخ ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري المتوفى بالجلة ثاني شهر محرم سنة 605 ه‍ (ج 2 ص 302) طبع إيران المطبعة الإسلامية.
(3) مصابيح القلوب، فارسي في المواعظ و النصائح و شرح ستة و خمسين حديثا من الأحاديث النبوية، تأليف المولى أبي سعيد الحسن بن الحسين الشيعي-



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 316‌
مع القاضي عبد الجبار «1» المشهور- شيخ المعتزلة- بوجه آخر: قال:
«... بينما القاضي عبد الجبار ذات يوم في مجلسه في بغداد- و مجلسه مملوء من علماء الفريقين- إذ حضر الشيخ و جلس في صف النعال، ثمّ قال للقاضي: إن لي سؤالا، فان أجزت بحضور هؤلاء الائمة؟ فقال له القاضي: سل، فقال: ما تقول في هذا الخبر الذي ترويه طائفة من الشيعة:
«من كنت مولاه فعلي مولاه» أ هو مسلم صحيح عن النبي- صلى اللّه عليه و آله و سلم- يوم الغدير؟ فقال: نعم: خبر صحيح، فقال الشيخ: ما المراد بلفظ «المولى» في الخبر؟ فقال: هو بمعنى أولى. قال الشيخ: فما هذا الخلاف و الخصومة بين الشيعة و السنة؟ فقال القاضي: أيها الأخ هذا الخبر رواية، و خلافة أبي بكر دراية، و العاقل لا يعادل الرواية بالدراية. فقال الشيخ: فما تقول في قول النبي (ص) لعلي- عليه السلام-: (حربك حربي و سلمك سلمي)؟ قال القاضى:
الحديث صحيح. قال: فما تقول في أصحاب الجمل؟ فقال القاضي: ايها‌
______________________________
السبزواري الذي كان حيا سنة 753 ه‍، لأنه فرغ بهذا التاريخ من تأليف كتابه (راحة الأرواح)، و قد ترجم له الميرزا عبد اللّه أفندي في (رياض العلماء) و شيخنا الحجة الطهراني في كتابه (الحقائق الراهنة في تراجم المائة الثامنة) و غيرهما من أرباب المعاجم الرجالية.
(1) عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني الأسدآبادي، أبو الحسين قاض أصولي، كان شيخ المعتزلة في عصره، و هم يلقبونه قاضي القضاة، و لا يطلقون هذا اللقب على غيره، و لي القضاء بالري، و مات فيها سنة 415 ه‍، و له تصانيف كثيرة، ترجم له السبكي في طبقات الشافعية (ج 3 ص 219) و ابن حجر في لسان الميزان (ج 3 ص 386) و الخطيب في تاريخ بغداد (ج 11 ص 113) و غير هؤلاء من أرباب المعاجم.



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 317‌
الاخ، إنهم تابوا، فقال الشيخ: أيها القاضي، الحرب دراية، و التوبة رواية، و أنت قد قررت- في حديث الغدير- أن الرواية لا تعارض الدراية فبهت القاضي، و لم يحر جوابا، و وضع رأسه ساعة، ثمّ رفع رأسه، و قال: من أنت؟ فقال له الشيخ: خادمك محمد بن محمد بن النعمان الحارثي. فقام القاضى من مقامه، و أخذ بيد الشيخ و أجلسه على مسنده فقال: أنت (المفيد حقا) فتغيرت وجوه علماء المجلس مما فعله القاضي بالشيخ المفيد، فلما أبصر القاضي ذلك منهم، قال: أيها الفضلاء العلماء إن هذا الرجل ألزمني، و أنا عجزت عن جوابه، فان كان أحد منكم عنده جواب عما ذكره فليذكره ليقوم الرجل و يرجع الى مكانه الاول.
فلما انفصل المجلس شاعت القصة و اتصلت بعضد الدولة، فأرسل إلى الشيخ و سأله، فحكى له ذلك، فخلع عليه خلعة سنية، و أمر له بفرس محلى بالزينة، و أمر له بوظيفة تجري عليه» «1».
و حكى الشيخ الجليل أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي- في آخر كتاب الاحتجاج-: «أنه ورد من الناحية المقدسة في أيام بقيت من صفر سنة عشر و أربعمائة كتاب الى الشيخ المفيد- طاب ثراه- ذكر موصله: أنه تحمله من ناحية متصلة بالحجاز. و هذه صورته:
(للاخ السديد و الولي الرشيد و الشيخ المفيد أبى عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان- أدام اللّه إعزازه- من مستودع العهد المأخوذ على العباد: بسم اللّه الرحمن الرحيم، أما بعد، سلام عليك، أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين، فانا نحمد اليك اللّه الذي لا إله إلا هو، و نسأله الصلاة على سيدنا و مولانا و نبينا محمد و آله الطاهرين، و نعلمك- أدام‌
______________________________
(1) راجع: مجالس المؤمنين للقاضي نور اللّه التسترى المتوفى سنة 1019 ه‍ (ج 1 ص 464) طبع إيران سنة 1375 ه‍.



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 318‌
الله توفيقك لنصرة الحق و أجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق-: أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة و تكليفك فيها ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم اللّه بطاعته، و كفاهم المهم برعايته لهم و حراسته، فقف- أيدك اللّه بعونه على أعدائه المارقين من دينه- على ما نذكره، و اعمل في تأديته الى من تسكن اليه بما نرسمه إن شاء اللّه تعالى» ثمّ إنه- عليه السلام- أمره بالاعتصام بالتقية، و أخبر فيه ببعض الملاحم الكائنة في تلك السنة و ما بعدها (و نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام): هذا كتابنا اليك أيها الأخ الولي، و المخلص في و دنا الصفي، و الناصر لنا الوفي، حرسك اللّه بعينه التى لا تنام، فاحتفظ به و لا تظهر خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا، و أد ما فيه الى من تسكن اليه، و أوص جماعتهم بالعمل عليه ان شاء اللّه تعالى، و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين»‌
قال الطبرسي: «و ورد عليه كتاب آخر من قبله- صلوات اللّه عليه- يوم الخميس الثالث و العشرين من ذي الحجة سنة اثنتى عشرة و اربعمائة، نسخته من عبد اللّه المرابط في سبيله الى ملهم الحق و دليله:
بسم اللّه الرحمن الرحيم: سلام عليك أيها الناصر للحق الداعي اليه بكلمة الصدق، فانا نحمد اليك اللّه الذي لا إله إلا هو، إلهنا و آله آبائنا الأولين، و نسأله الصلاة على سيدنا و مولانا محمد خاتم النبيين و على أهل بيته الطاهرين، و بعد، فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك اللّه بالسبب الذي وهبه لك من أوليائه، و حرسك به من كيد أعدائه، و شفعنا «1» فيك من مستقر لنا ناضب «2» في شمراخ من بهماء، صرنا اليه- آنفا- من‌
______________________________
(1) الظاهر: و سمعنا ذلك (منه قدس سره)
(2) نضبت المفازة: بعدت (منه رحمه اللّه)



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 319‌
عمى ليل ألجأنا اليه السباريت «1» من الايمان. و يوشك أن يكون هبوطنا منه الى صحصح «2» من غير بعد من الدهر و لا تطاول من الزمان، و يأتيك نبأ منا بما تتجدد لنا من حال، فتعرف بذلك ما تعمده من الزلفة الينا بالأعمال، و اللّه موفقك لذلك برحمته. فلتكن- حرسك اللّه بعينه التي لا تنام- أن تقابل لذلك ففيه، تبسل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين، يبتهج لدمارها المؤمنون، و يحزن لذلك المجرمون، و آية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق مستحل للدم المحرم يعمد بكيده أهل الإيمان و لا يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم و العدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض و السماء، فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، و ليثقوا بالكفاية و إن راعتهم بهم الخطوب، و العاقبة بجميل صنع اللّه سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب، و نحن نعهد اليك، أيها الولي المجاهد فينا الظالمين أيدك اللّه بنصره الذى أيد به السلف من أوليائنا الصالحين. إنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين و اخرج ما عليه الى مستحقه كان آمنا من فتنتنا المطلة و محنتنا للظلمة المضلة. و من بخل منهم بما أعان اللّه من نعمته على من أمر بصلته، فانه يكون خاسرا بذلك لأولاه و أخراه، و لو أن أشياعنا- وفقهم اللّه لطاعته- على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، و لتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة و صدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه و لا نؤثره منهم. و اللّه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل، و صلاته على سيدنا البشير النذير محمد و آله الطاهرين. و كتب في غرة شوال سنة‌
______________________________
(1) السبروت: الارض القفر (منه رحمه اللّه).
(2) صحصح: ما استوى من الارض (منه رحمه اللّه).



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 320‌
اثنتي عشرة و أربعمائة (نسخة التوقيع باليد العليا صلوات اللّه و سلامه على صاحبها): هذا كتابنا اليك أيها الولي الملهم للحق العلي باملائنا و خط ثقتنا فاخفه عن كل أحد و اطوه و اجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن الى أمانته من أوليائنا شملهم اللّه ببركتنا و دعائنا ان شاء اللّه، و الحمد للّه و الصلاة على سيدنا محمد و آله الطاهرين» «1».
و حكي عن الشيخ يحيى بن بطريق الحلي- صاحب كتاب العمدة و غيره-: انه «ذكر في رسالة نهج العلوم لتزكية الشيخ المفيد- رضي اللّه عنه- طريقين: أحدهما- ما يشترك بينه و بين غيره من أصحابنا الثقات، و ثانيهما- ما يختص به، و هو ما ترويه كافة الشيعة و تتلقاه بالقبول: أن مولانا صاحب الأمر- صلوات اللّه عليه و على آبائه- كتب اليه ثلاثة كتب، في كل سنة كتابا، و كان نسخة عنوان الكتاب: للاخ السديد و الولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان أدام اللّه إعزازه»- و ذكر بعض ما تقدم- ثمّ قال-: «و هذا أوفى مدح و تزكية، و أزكى ثناء و تطرية بقول إمام الأمة و خلف الائمة عليهم السلام» «2».
و قد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلغ و دعواه المشاهدة المنفية بعد الغيبة الكبرى.
و يمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن و اشتمال التوقيع على الملاحم‌
______________________________
(1) راجع: في هذين الكتابين تفصيلا-: الاحتجاج للطبرسي (ج 2 ص 318- 325) طبع النجف الأشرف- على ما فيهما من أغلاط مطبعية غير مغتفرة-.
(2) الحاكى عن ابن بطريق في رسالته (نهج العلوم الى نفي المعدوم): هو العلامة المحدث الشيخ يوسف البحراني أستاذ سيدنا- طاب ثراه- راجع (لؤلؤة البحرين: ص 367) طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍، و نقل ذلك عن (اللؤلؤة) أيضا صاحب (روضات الجنات) في ترجمة الشيخ المفيد (ص 563) أما كتاب نهج العلوم- هذا- فهو من المخطوطات المفقودة في زماننا.



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 321‌
الملاحم و الاخبار عن الغيب الذى لا يطلع عليه إلا اللّه و أولياؤه باظهاره لهم، و إن المشاهدة المنفية: أن يشاهد الامام و يعلم أنه الحجة- عليه السلام- حال مشاهدته له، و لم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك.
و قد يمنع- أيضا- امتناعها في شأن الخواص، و ان اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، و دلالة بعض الآثار.
و كان مولد المفيد- طاب ثراه- يوم الحادى عشر من ذى القعدة سنة ست و ثلاثين و ثلاثمائة- على قول النجاشي- «1» أو سنة ثمان و ثلاثين- على ما ذكره للشيخ رحمه اللّه- «2».
و توفي- رحمه اللّه- ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة و أربعمائة، و صلى عليه السيد المرتضى- رضي اللّه عنه- في (ميدان الأشنان) «3» و ضاق على الناس مع سعته، و دفن في داره سنين، ثمّ نقل الى مقابر قريش بالقرب من السيد الإمام أبي جعفر الجواد- عليه السلام- عند الرجلين الى جنب قبر شيخه الصدوق أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، و كان يوم وفاته يوما لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه و كثرة البكاء من المخالف و المؤالف- قاله الشيخ و النجاشي و غيرهما-.
و يعلم من تأريخ تولده و وفاته- رضي اللّه عنه-: أنه عمر خمسا أو سبعا- و سبعين سنة، و أنه أدرك جميع الطبقة الثامنة، و ثلاث عشرة‌
______________________________
(1) راجع: رجال النجاشي: ص 315 طبع إيران.
(2) ذكر ذلك في كتابه (الفهرست: ص 158 برقم 696) طبع النجف الاشرف سنة 1356 ه‍.
(3) قال الحموي في (معجم البلدان بمادة أشنان): «قنطرة الأشنان- بالضم-: محلة كانت ببغداد ...».



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 322‌
سنة من التاسعة، و لم يدرك شيئا من الغيبة الصغرى «1».
فانها انقضت بوفاة أبي الحسن علي بن محمد السمري- آخر السفراء- سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة، و هي سنة تناثر النجوم. و ولادة المفيد متأخرة عنها بسبع سنين أو اكثر.
و في (مجالس المؤمنين) «2»: «إن هذه الأبيات لصاحب الأمر- عجل اللّه فرجه- وجدت مكتوبة على قبره:
لا صوت الناعي بفقدك إنه يوم على آل الرسول عظيم
إن كنت قد غببت في جدث الثرى فالعدل و التوحيد فيه مقيم
و القائم المهدي يفرح كلما تليت عليك من الدروس علوم
و قد ذكر شيخنا المفيد جماعة من أكابر العامة، و أثنوا عليه غاية الثناء:
منهم اليافعي في (تأريخه) المسمى ب‍ (مرآة الجنان في تأريخ المشاهير الأعيان) قال- عند ذكر سنة ثلاث عشرة و اربعمائة-: «و فيها توفي عالم الشيعة و إمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد و بابن المعلم البارع في الكلام و الفقه و الجدل. و كان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة و العظمة في الدولة البويهية. قال ابن أبى طي-: و كان كثير‌
______________________________
(1) لا يخفى أن سيدنا- طاب ثراه- جعل أصحاب الطبقة الثامنة و الذين لم يدركوا شيئا من الغيبة الصغرى من الطبقة التاسعة أمثال الشيخ المفيد- رحمه اللّه- و هذا يناقض ما ذكره (ص 199) من هذا الجزء، حيث ذكر محمد بن أحمد المعروف بأبي الفضل الصابوني و جعله من الطبقة السابعة، و ممن أدرك الغيبتين الصغرى و الكبرى، فكيف الجمع بين هذين الكلامين المتناقضين في ترتيب الطبقات فلاحظ جيدا لعلك تهتدي الى دفع التناقض.
(2) راجع: مجالس المؤمنين (ج 1 ص 477) طبع إيران سنة 1375 ه‍.



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 323‌
الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة و الصوم، خشن اللباس، و قال غيره: كان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد، و كان شيخا ربعة نحيفا أسمر. عاش ستا و سبعين سنة، و له اكثر من مائتي مصنف و كانت جنازته مشهودة، شيعه ثمانون ألفا من الرافضة و الشيعة، و أراح اللّه منه و كان موته في رمضان» «1».
و في مجالس المؤمنين- عن تأريخ ابن كثير الشامي-: أنه قال فيه:
«محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد اللّه المعروف بابن المعلم، شيخ الروافض و المصنف لهم و الحامي عنهم، كانت ملوك الأطراف تعتقد به، لكثرة الميل إلى الشيعة في ذلك الزمان، و كان يحضر مجلسه خلق عظيم من جميع طوائف العلماء. و من تلامذته: الشريف المرتضى، و رثاه بأبيات حسنة» «2»‌
و قال النجاشي- رضي اللّه عنه- في نسبه: «محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن نعمان بن سعيد بن جبير بن وهب بن هلال بن أوس بن سعيد بن سنان بن عبد اللّه بن عبد الدار بن رئاب ابن قطرب بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث ابن كعب بن علة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشخب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان ...» «3»‌
______________________________
(1) راجع: مرآة الجنان لليافعي في حوادث سنة 413 ه‍، طبع حيدرآباد دكن.
(2) راجع: مجالس المؤمنين (ج 1 ص 465).
(3) راجع: رجال النجاشي: ص 311 طبع إيران و يختلف ما هو مطبوع من رجال النجاشي مع ما ذكره سيدنا- طاب ثراه- في الأصل في بعض الاسماء، و لعله لكثرة الأغلاط فيما هو مطبوع في رجال النجاشي، فلاحظ.



الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، ج‌3، ص: 324‌
________________________________________
بروجردى، سيد مهدى بحر العلوم،


الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)، 4 جلد، مكتبة الصادق، تهران - ايران، اول، 1405 ه‍ ق