بسم الله الرحمن الرحيم

حسبنا-حسبكم كتاب الله

حسبنا-حسبكم كتاب الله
فهرست مطالب رزیّة يوم الخميس




التحرير والتنوير (6/ 104)
فالخارج عن الكتاب من الأدلة: وهو السنة، والإجماع، والقياس، إنما نشأ عن القرآن وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: «لعن الله والواشمات والمستوشمات والواصلات والمستوصلات والمنتمصات للحسن المغيرات خلق الله» فبلغ كلامه امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: «لعنت كذا وكذا» فذكرته، فقال عبد الله: «وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله» ، فقالت المرأة: «لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته» ، فقال: «لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه» : قال الله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر: 7] » اه.
فكلام ابن مسعود يشير إلى أن القرآن هو جامع أصول الأحكام، وأنه الحجة على جميع المسلمين، إذ قد بلغ لجميعهم ولا يسعهم جهل ما فيه، فلو أن المسلمين لم تكن عندهم أثارة من علم غير القرآن لكفاهم في إقامة الدين، لأن كلياته وأوامره المفصلة ظاهرة الدلالة، ومجملاته تبعث المسلمين على تعرف بيانها من استقراء أعمال الرسول وسلف الأمة، المتلقين عنه، ولذلك لما اختلف الأصحاب في شأن كتابة النبيء لهم كتابا في مرضه قال عمر: حسبنا كتاب الله، فلو أن أحدا قصر نفسه على علم القرآن فوجد أقيموا الصلاة [البقرة: 43] وآتوا حقه يوم حصاده [الأنعام: 141] وكتب عليكم الصيام [البقرة: 183] وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة: 196] ، لتطلب بيان ذلك مما تقرر من عمل سلف الأمة،وأيضا ففي القرآن تعليم طرق الاستدلال الشرعية كقوله: لعلمه الذين يستنبطونه منهم [النساء: 83] .




مصنف عبد الرزاق الصنعاني (5/ 438)
عبد الرزاق،

9757 - عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما احتضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده؟» فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا [ص:439] يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول: ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا» قال عبد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم



مسند أحمد ط الرسالة (5/ 135)
2990 - حدثنى وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت يونس، يحدث، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال: " هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده " وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. قال: فاختلف أهل البيت، فاختصموا، فمنهم من يقول: يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف، وغم (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " قوموا عني ". فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم (2)
__________
(1) في (ظ9) : وغمر، وفي (ظ14) : وعمق، وأشير في هامشها إلى أنه في نسخة أخرى: وغمر.
(2) إسناده صحيح على شرط الشيخين. يونس: هو ابن يزيد الأيلي.
وأخرجه البخاري (114) من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس، بهذا الإسناد.
وسيأتي برقم (3111) ، وانظر (1935) .
قوله: "قد غلبه الوجع"، قال السندي: أي: فإحضار الكتاب فيه يؤدي إلى تعبه، فلا يناسب.
واللغط: الصوت والجلبة.
وغم: من الاغتمام، وهو احتباس النفس عن الخروج، من الغم: التغطية والستر.
والرزية: هي المصيبة.
وقوله: "هلم أكتب لكم كتابا ... "، قال القرطبي وغيره: هو أمر وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه== من باب الإرشاد إلى الأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقوله تعالى: (تبيانا لكل شيء) ، ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله، وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره، وما يتضمنه من زيادة الإيضاح، ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم، لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم، امتثلوا.
واختلف في المراد بالكتاب، فقيل: كان أراد أن يكتب كتابا ينمص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف، وقيل: بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف، قاله سفيان بن عيينة، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة: "ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"، أخرجه مسلم وللبخاري معناه، ومع ذلك فلم يكتب، والأول أظهر لقول عمر: حسبنا كتاب الله، أي: كافينا، مع أنه يشمل الوجه الثاني، لأنه بعض أفراده، والله أعلم. وانظر "شرح مسلم" للنووي 11/89-92، و"فتح الباري" لابن حجر 7/133-134.






مسند أحمد ط الرسالة (5/ 222)
3111 - حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال وفيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هلم أكتب لكم كتابا (1) لا تضلوا بعده أبدا " فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم (2) القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، وفيهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قوموا " قال عبيد الله: وكان ابن عباس، يقول: " إن الرزية، كل الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم " (1)
__________
(1) في (م) و (س) و (ق) و (ص) : لن.
(2) في (م) و (س) و (ق) و (ص) : وعندنا.
(1) إسناده صحيح على شرط الشيخين. وهو في "مصنف عبد الرزاق" (9757) .
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري (4432) و (5669) ، ومسلم (1637) (22) ، والنسائي في "الكبرى" (5852) و (8516) ، وابن حبان (6597) .
وأخرجه البخاري (5669) و (7366) من طريق هشام بن يوسف الصنعاني، عن معمر، به. وانظر (2990) .





صحيح البخاري (6/ 9)
4432 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده»، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:10] قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا، كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا» قال عبيد الله، فكان يقول ابن عباس: «إن الرزية كل الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، لاختلافهم ولغطهم»
__________
[تعليق مصطفى البغا]
4169 (4/1612) -[ ش أخرجه مسلم في الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه رقم رقم 1637
(هلموا) تعالوا وأقبلوا علي. (بعضهم) هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه]
[ر 114]


صحيح البخاري (7/ 120)
5669 - حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام، عن معمر، وحدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال، فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده» فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا» قال عبيد الله: فكان ابن عباس، يقول: «إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم»
__________
[تعليق مصطفى البغا]
5345 (5/2146) -[ ر 114]




صحيح مسلم (3/ 1259)
22 - (1637) وحدثني محمد بن رافع، وعبد بن حميد، قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده»، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، فاختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا»، قال عبيد الله: فكان ابن عباس، يقول: «إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم»
__________

[شرح محمد فؤاد عبد الباقي]
[ ش (لما حضر) أي حضره الموت]
بسم الله الرحمن الرحيم



شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 189)
وفى قول عمر: حسبنا كتاب الله، حين قال النبى (صلى الله عليه وسلم) : تمت ائتونى بكتاب أكتب لكم - فيه من فقه عمر وفضله أنه خشى أن يكتب النبى أمورا ربما عجز عنها فاستحق عليها العقوبة، وإنما قال: حسبنا كتاب الله، لقوله: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام: 38] ، فعلم أن الله تعالى لا يتوفى نبيه حتى يكمل لهم دينهم، لقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) [المائدة: 3] ، فقنع عمر بهذا، وأراد الترفيه عن النبى (صلى الله عليه وسلم) ، لاشتداد مرضه وغلبة الوجع عليه. فعمر أفقه من ابن عباس حين اكتفى بالقرآن الذى أكمل الله فيه الدين، ولم يكتف بذلك ابن عباس،



المعلم بفوائد مسلم (2/ 356)
718 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ائتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضلُّوا بعْدَهُ أبَدًا فَقَالُوا: إن النَّبِيءَ - صلى الله عليه وسلم - هَجر" (29)، وفي بعض طرقه "فقال عمر: إِنَّ النَّبِيء - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ القُرْءَانُ حَسْبُنَا كِتَابُ الله" (ص 1257 و 1259).
قال الشيخ: إِن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من أن يكذب على الله أو يفسد ما يبلغة عنه، وهو مع هذا غير معصوم من الأمراض وما يكونُ من بعض عوارضها مِمَا لا يعود بنقص في منزلته ولا فساد فيما مَهَّدَ مِن شريعته. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - لما سُحِر يُخيل إليه أنه عمِل الشيءَ وما عمِلَه ولم يجر ها هنا منه - صلى الله عليه وسلم - من الكلام ما يُعَدُّ مناقضًا لما قدم من الأحكام والشرائع (30) ولا الكلام في نفسه دال على الهذيان الذي يكون عن الحميات.
وقد بقي كثير من الأحكام عظيم خطرها في الشرع (31) غير منصوص عليها ولكنه قد نص على أصولها وَوَكَل العلماء إلى الاستنباط فيقول كل إنسان منهم بقدر ما يظهر له. وقد يقع بسبب اختلافهم فيما استنبطوه في بعض المسائل هَرج وفتن ولو وقع النص عليها لارتفع الخلاف وذهب الهَرْج.
ولعله - صلى الله عليه وسلم - كَان أراد أن يتعرض لبعض هذه المسائل، وقد قال بعض العلماء: الأظهر عندي أنه أراد - صلى الله عليه وسلم - أن ينص على الإِمامة بعده ليرتفع بنصه عليها تلك الفتن العظيمة التي منها حرب صِفِّين والجَمَل، وهذا الذي قاله غير بعيد.
فإن قيل: كيف حسن الاختلاف مع قوله - صلى الله عليه وسلم - "أئتوني أَكْتُب لكم كتابا" (32) وكيف يعصونه فيما أمر؟ قلنا: لا خلاف أن الأوامر تقارنها قرائن تنقلها من الندب إلى الوجوب عند من قال: إِن أصلها على الندب، ومن الوجوب إلى الندب عند من قال: إِن أصلها على الوجوب. وتنقل القرائن أيضاً صيغة افعل إِلى الإِباحة وإِلى التعجيز. وإلى غير ذلك من ضروب المعاني فلعلّه ظهر منه - صلى الله عليه وسلم - من القرائن ما دل على أنه لم يُوجب ذلك عليهم بل جعله إِلى تخييرهم، فاختلف اختيارهم بحسب اجتهادهم وهو يدل على رجوعهم إِلى الاجتهاد في الشّرعيات، فأدى عمر اجتهادُه إِلى الامتناع مِن هذا، ولعله استلوح أن ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - صدر من غير قصد إليه جازم وهو المعني بقولهم: "هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وبقول عمر -رَضي الله عنه-: غَلَبَ عليه الوَجَعُ وما ضَامَّهُ من القرائن الدالة على أنه عن غير قصد جازم على حسب ما كانوا يعهدونه من قصوده - صلى الله عليه وسلم - في بلاغ الشريعة وأنه لا يجري مجرى غيره من طرق البلاغ التي اعتادُوها منه - صلى الله عليه وسلم - ظهر ذلك لعمر ولم يظهر للآخرين ما ظهر لعمر فخالفوه. ولعل عمر هجس في نفسه أَن المنافقين قد يتطرقون إلى القدْح فيما اشتهر من قواعد الإِسلام وبلَّغه - صلى الله عليه وسلم - لسائر المسلمين بكتاب يكتب (33) في خلوة وآحاد ويضيفون إليه ما يشبّهون به على الذين في قلوبهم مرض. ولهذا قال: "عندكم القرآن حسبنا كتاب الله".
قال أهل اللغة: هجر العليل بمعنى هذَى.
قال الشيخ -وفقه الله- فقد قدمنا نحن (34) بيان القول فيما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - وبيّنا ما لا يجوز عليه وما يجوز.




إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 380)
قال الإمام القاضى - رحمه الله -: رواية مسلم فى هذا: " العجز ": وكذا وقع فى كثير من الطرق، وهو أصح من رواية مَنْ روى: " هجر " و " يهجر " إذ هذا كله لا يصح منه - عليه السلام - ولا يصح أن يعتقد عليه وإنما جاء هذا لِمَنْ قائله على طريق الإنكار لمن قال: لا تكتبوا، أى لا تتركوا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتجعلوه كأمر من هجر فى كلامه، أو هو لا يهجر، كما قال تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} (1) أى أنت لا تهلكنا




إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 381)
وقول عمر - رضى الله عنه -: " حسبنا كتاب الله ": رد على مَنْ نازعه لا على أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: خشى عمر - رضى الله عنه - أن يُكتب فى الكتاب ما لعلهم يعجزون عنه فيحصلون بالحرج بالمخالفة، وأن الأرفق بهم سعة الاجتهاد ورحمة الخلاف وثواب المخطئ والمصيبة مع تقرر أصول الشريعة، وكمال الدين، وتمام النعمة. وقيل: قد يكون امتناع عمر إشفاقًا على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تكليفه فى تلك الحال إملاء كتاب؛ ولذلك قال:




حديث رزية يوم الخميس في الصحيحين (ص: 31، بترقيم الشاملة آليا)
المؤلف: أبو ذر عبد القادر بن مصطفى بن عبد الرزاق المحمدي
المطلب الثالث
قول عمر - رضي الله عنه - حسبكم كتاب الله
وأما ما ادعوه من اعتراض عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (عندكم كتاب الله، حسبنا كتاب الله) وأنه لم يمتثل أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أراد من كتابة الكتاب، فالرد عليه: أنه ليس في قول عمر هذا الاحتمال، أي اعتراض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدم امتثال أمره كما قد يتوهم، ويرد عليهم:
1 - أنّ قول عمر - رضي الله عنه -: (حسبنا كتاب الله) حسم للخلاف الذي وقع بين الحاضرين لا على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ظاهر من قوله: (عندكم كتاب الله) فإن المخاطب جمع وهم المخالفون لعمر - رضي الله عنه - في رأيه. وإلا فعمر - رضي الله عنه - هو من اشد الناس إتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم لو ادعى مدعٍ أنّ عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان ممن قال بقول عمر - رضي الله عنه - أو ممن خالفه لما وجد إلى ذلك سبيلاً فاحتمال الأمرين جائز.
2 - أنّه ظهر لعمر - رضي الله عنه - ومن كان على رأيه من الصحابة، أن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكتابة الكتاب ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، وقد نبه على هذا القاضي عياض (1)، والقرطبي (2)، والنووي (3)، وابن حجر (4).
ثم إنه قد ثبت بعد هذا صحة اجتهاد عمر - صلى الله عليه وسلم - وذلك بترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتابة الكتاب، ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم، لأنه لن يترك التبليغ لمخالفة من خالف، ولهذا عد هذا من موافقات عمر - رضي الله عنه -.
قال القرطبي في سبب اختلافهم:"وسبب ذلك أن ذلك كله إنما حمل عليه الاجتهاد المسوغ، والقصد الصالح، وكل مجتهد مصيب، أو أحدهما مصيب، والآخر غير مأثوم بل مأجور كما قررناه في الأصول " (5).
__________
(1) إكمال المعلم 5/ 381.
(2) المفهم 4/ 560.
(3) شرح مسلم 11/ 78.
(4) فتح الباري 8/ 134.
(5) المفهم 4/ 560.






فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 3822، بترقيم الشاملة آليا)
الرد على من زعم أن عمر اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم

[السؤال]
ـ[أولا الرسول صل الله عليه وآله مذكور في القرآن (ما ينطق عن الهوى) فكيف يتحدث عمر مع الرسول صل الله عليه وآله بهذه الطريقة وهو على فراش المرض، ألا يقرأ القرآن، ألا يعلم من يخاطب، ألا تقولون إنه سيد الكون وهو حبيب الله. فكيف هذا؟ فكيف أصلا من أنتم لتقولوا عن الرسول صل الله عليه وآله ما قلتم، من هو عمر ليقول عن الرسول صل الله عليه وآله قد غلب عليه الوجع من هو؟]ـ

[الفتوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

وبعد فقد روى البخاري ومسلم عن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا.

وسياق الحديث يرد على تحامل السائل على عمر رضي الله عنه؛ فإنه ليس في قول عمر هذا أي اعتراض على رسول الله وعدم امتثال أمره كما توهم هو.

وبيان هذا من عدة وجوه:

الوجه الأول: أنه ظهر لعمر رضي الله عنه ومن كان على رأيه من الصحابة، أن أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بكتابة الكتاب ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، وقد نبه على هذا القاضي عياض، والقرطبي، والنووي، وابن حجر.

ثم إنه قد ثبت بعد هذا صحة اجتهاد عمر رضي الله عنه، وذلك بترك الرسول عليه الصلاة والسلام كتابة الكتاب، ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم، ولا يعقل أن يكون الرسول ترك أمرا واجبا وقصر في أدائه، كيف وهو المبلغ عن ربه قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا {المائدة:3}

فلو كان الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بكتابة الكتاب، ما كان ليتركه لمخالفة من خالف، كما أنه لم يترك الدعوة في بداية عهدها لمعارضة قومه وشدة أذيتهم له، بل بلغ ما أمر به، وما ثناه ذلك عن دعوته، حتى هلك من هلك عن بينة، وحيي من حيي عن بينة.

فظهر بهذا أن كتابة الكتاب لم تكن واجبة عليه، وإلا ما تركها، وقد نص على ذلك العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر -رحمهما الله-. وحينئذ يكون توجيه إرادته له أولا، ثم تركه له بعد ذلك ما ذكره النووي حيث قال: كان النبي هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحي إليه ذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول.

الوجه الثاني: أن قول عمر رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله، رد على من نازعه لا على أمر النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا ظاهر من قوله: عندكم كتاب الله فإن المخاطب جمع وهم المخالفون لعمر رضي الله عنه في رأيه.

الوجه الثالث: أن عمر رضي الله عنه كان بعيد النظر، ثاقب البصيرة، سديد الرأي، وقد رأى أن الأولى ترك كتابة الكتاب -بعد أن تقرر عنده أن الأمر به ليس على الوجوب- وذلك لمصلحة شرعية راجحة للعلماء في توجيهها أقوال: فقيل: شفقته على رسول الله عليه الصلاة والسلام مما يلحقه من كتابة الكتاب مع شدة المرض، ويشهد لهذا قوله: إن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد غلبه الوجع فكره أن يتكلف رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يشق ويثقل عليه، مع استحضاره قوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء {الأنعام: 38} ، وقوله: تبيانا لكل شيء. {النحل: 89}

وقيل: إنه خشي تطرق المنافقين، ومن في قلبه مرض، لما كتب في ذلك الكتاب في الخلوة، وأن يتقولوا في ذلك الأقاويل، نص على ذلك القاضي عياض وغيره من أهل العلم.

وقيل: إنه خشي أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد، لما فيه من الأجر والتوسعة على الأمة.

ولا يبعد أن يكون عمر رضي الله عنه لاحظ هذه الأمور كلها، أو كان لاجتهاده وجوه أخرى لم يطلع عليها العلماء، كما خفيت قبل ذلك على من كان خالفه من الصحابة، ووافقه عليها الرسول عليه الصلاة والسلام بتركه كتابة الكتاب، ولهذا عد العلماء هذه الحادثة من دلائل فقهه ودقة نظره.

قال النووي: وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث، على أنه من دلائل فقه عمر، وفضائله، ودقيق نظره.

الوجه الرابع: أن عمر رضي الله عنه كان مجتهدا في موقفه من كتابة الكتاب، والمجتهد في الدين معذور على كل حال، بل مأجور لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم اخطأ فله أجر رواه البخاري ومسلم.

فكيف وقد كان اجتهاد عمر بحضور رسول الله عليه الصلاة والسلام فلم يؤثمه، ولم يذمه به، بل وافقه على ما أراد من ترك كتابة الكتاب، ومن ثم عد ذلك من موافقاته رضي الله عنه.

وبهذا يظهر بطلان طعن السائل في عمر رضي الله عنه وعن جميع الصحابة في هذه الحادثة، وبيان توجيه مواقفهم التوجيه الصحيح اللائق بمقاماتهم العظيمة في الدين من خلال النصوص وكلام أهل العلم.

ويراجع في ذلك منهاج السنة النبوية ابن تيمية، والشفا للقاضي عياض، وشرح صحيح مسلم للنووي، وفتح الباري لابن حجر،

وبالنسبة لوصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكونه سيد الكون فراجع فيه الفتوى رقم: 63515.

وننصح السائل بأن يخلص لله في تحريه الحق، وأن يجعل غايته رضا الله عز وجل عنه، وليس التعصب لمذهب ما واحتقار أهل مذهب آخر. هدانا الله جميعا إلى صراطه المستقيم.

والله أعلم.

[تاريخ الفتوى]
12 جمادي الأولى 1430






فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 3914، بترقيم الشاملة آليا)
سبب امتناع عمر هو إشفاقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم

[السؤال]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهذي ورفض أن يعطيه أوراقا وقلما لكي يوصي بالخلافة للإمام علي رضي الله عنه وما هو التفسير الصحيح لهذه الحادثة التي حصلت قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام؟.]ـ

[الفتوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن مجمل القصة المسؤول عنها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد عليه المرض قبل وفاته بثلاثة أيام أمر طائفة من الصحابة كانوا عنده فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأتوه بكتاب ينص فيه على الأحكام ليرتفع الخلاف، وقيل هو لتعيين خليفة بعده ويشهد للأخير ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.
فلما اختلف الحاضرون حول تلبية الطلب وعدمه وكثر لغطهم أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج، كما في البخاري عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع.
ويظهر منها أنهم كانوا طائفتين، طائفة أرادت تلبية الطلب وطائفة امتنعت، وكان من الذين امتنعوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسبب امتناعه هو ومن معه من الصحابة من إيتاء النبي صلى الله عليه وسلم بما طلب أنهم اشفقوا على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم فهموا أن الأمر لا يعدو كونه إرشادا أو نصحا، وليس أمر وجوب.
قال ابن حجر في الفتح: كان عمر رضي الله عنه فهم من ذلك أنه يقتضي التطويل، قال القرطبي وغيره ائتوني أمر وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء [الأنعام:38] . وقوله تعالى: تبيانا لكل شيء [النحل: 89] . ولهذا قال عمر حسبنا كتاب الله.
فبان من هذا أنه لا صحة لقول من يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يوصي بالخلافة من بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك لأنه لم يرد ذكر لعلي في هذه القصة إطلاقا، وإنما كان ذلك لأبي بكر رضي الله عنه عند أول مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلى كما جاء ذلك في حديث عائشة المتقدم.
والله أعلم.

[تاريخ الفتوى]
27 صفر 1424





فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 3937، بترقيم الشاملة آليا)
دفاع عن أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه

[السؤال]
ـ[قرأت في الفتوى رقم 31412 تبريركم لموقف سيدنا عمر حين امتنع عن تنفيذ أمر النبي وبصراحة تبريركم ليس مقنعا إذ ما دام الرسول قد أمر بأمر يجب تنفيذه على الفور ولا مجال للنية الحسنة حينها عملا بنص الآية: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" فأرجو منكم ردا يثلج الصدر ويذهب الشبهات؟]ـ

[الفتوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو أحد الخلفاء الأربعة الذين ورد فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه، وورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. رواه أحمد والترمذي وحسنه.

واعلم أن الخلاف قد وقع بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته في فهم المراد من أمره، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم.

قال الحافظ في الفتح: قال السهيلي: وغيره في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه.

ورجح كثير من أهل العلم رأي الطائفة التي بادرت إلى الصلاة قبل وصول بني قريظة، قال ابن القيم في الهدي ما حاصله: كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين امتثال الأمر في الإسراع وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت، ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله، وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الأمر لكنهم لم يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى.

وسبب امتناع عمر رضي الله عنه هو ومن معه من الصحابة من إيتاء النبي صلى الله عليه وسلم بما طلب أنهم أشفقوا عليه صلى الله عليه وسلم، وأنهم فهموا أن الأمر لا يعدو كونه إرشادا أو نصحا، وليس أمر وجوب، قال القرطبي رحمه الله: فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب. وقوله تعالى: تبيانا لكل شيء. ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله. انتهى نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري.

ومن المعلوم عن أهل العلم أنه ليس كل أمر من الشارع تجب المبادرة بامتثاله، بل إن من الأوامر ما هو على التراخي ومنها ما هو على الفور، فتأخير الصحابة لامتثال هذا الأمر اجتهاد منهم رضي الله عنهم، والمجتهد مأجور ولو أخطأ في اجتهاده، ففي الحديث المتفق عليه: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فاخطأ فله أجر.

والله أعلم.

[تاريخ الفتوى]
05 شعبان 1427




فتاوى الشبكة الإسلامية (3/ 624، بترقيم الشاملة آليا)
شرح حديث: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده

[السؤال]
ـ[حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن معمر وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.

رواه البخاري هذا الحديث يستخدمه أهل البدع من أدلتهم على أهل السنة ويبين أن سيدنا عمر بن الخطاب يتجاوز على النبي فأرجو منكم أن تكتبوا شيئا تبينوا المعنى الحقيقي لهذه الرواية لكي يفهمها هؤلاء ولا يعودوا يستخدموها كأدلة ضد أهل السنة والجماعة؟]ـ

[الفتوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن هؤلاء القوم لا يلتفت إلى كلامهم في عمر ولا في غيره من الصحابة الكرام، وليس في الحديث المذكور حجة لهم على ما يدعونه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل هو من فضائل عمر وفقهه وفهمه الثاقب لدين الله، ولو لم يوافق رأيه الصواب- كما وقع له في عدة مواقف معروفة- لما تنازل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة مهما كان الأمر.

وننقل لك هنا بعض ما قاله أهل العلم في هذا الموضوع، فقد جاء في شرح مسلم للإمام النووي قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحي إليه بذلك، ثم ظهر له أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول، وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها؛ لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله؛ لقوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء، وقوله: اليوم أكملت لكم دينكم، فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة، وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه. قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أواخر كتابه دلائل النبوة: إنما قصد عمر التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره؛ لقوله تعالى: بلغ ما أنزل إليك، كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه.

والله أعلم.

[تاريخ الفتوى]
06 شوال 1429




فتاوى الشبكة الإسلامية (4/ 429، بترقيم الشاملة آليا)
براءة عمر رضي الله عنه مما نسب إليه

[السؤال]
ـ[لماذا قال عمر بن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم عند مرضه أنه يهجر؟]ـ

[الفتوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلعل السائل يقصد ما جاء في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني بالكتف أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه، فقال: ذروني..، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ... الحديث. وفي رواية مسلم: يهجر.
ومعنى الهجر -كما قال أهل العلم- الهذيان الذي يصدر من المريض والكلام الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مستحيل لأنه معصوم في صحته ومرضه، لقول الله تعالى: وما ينطق عن الهوى {النجم: 3} .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقا.
وعمر ليس هو القائل لهذا القول، وإنما قاله بعض الصحابة رضوان الله عليهم ردا على عمر ومن معه عندما قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم كتاب الله تعالى.
فكأن القائل لذلك قاله مستفهما ومنكرا على من توقف في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر بإحضار اللوح والدواة فكأنه قال: كيف تتوقف في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ أتظن أنه يهذي في مرضه كما يقع لغيره من المرض؟ امتثل أمره وأحضر له ما أراد فإنه لا يقول إلا الحق..
قال النووي في شرح مسلم: وقد اختلف العلماء في الكتاب الذي هم به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أراد أن ينص على الخلافة لئلا يقع نزاع وفتن، وقيل: أراد أن يبين مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، ثم ظهر له أن المصلحة في تركه، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره، لقول الله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك {المائدة: 67} .
كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه.
وأما قول عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم كتاب الله حسبنا كتاب الله فهو رد على من نازعه وليس على النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما قصد التخفيف عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تلك الحالة وللتنبيه على ما جاء في كتاب الله تعالى: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء {النحل: 89} .
اليوم أكملت لكم دينكم {المائدة: 3} . ما فرطنا في الكتاب من شيء {الأنعام: 38} .
فعلم أن الله تعالى أكمل دينه وأن الأمة لن تضل ما تمسكت بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب النبي صلى الله عليه وسلم أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فكان عمر أفقه من ابن عباس ومن وافقه.
هذا باختصار ملخص ما ذكره الإمام النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح عن هذه الواقعة وبه يتبين لك معنى يهجر وأنها ليست من كلام عمر رضي الله عنه.
والله أعلم.

[تاريخ الفتوى]
20 رجب 1426




فتاوى الشبكة الإسلامية (8/ 306، بترقيم الشاملة آليا)
ثناء رسول الله على عمر، ورفق عمر بالنبي وهو في مرض الموت

[السؤال]
ـ[يقول عمر للنبي صلي الله عليه وآله وسلم: {إن الرجل ليحجر} يعني أن النبي ليحجر العياذ بالله في زمان قرب وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، هذه رواية موجودة في کتاب صحيح البخاري باب قول المريض؟]ـ

[الفتوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا لم نر هذا الحديث بهذه الصيغة في شيء من النسخ الموجودة من صحيح البخاري، وقد ثبت عن عمر إجلاله للنبي ومحبته له صلى الله عليه وسلم ولآل بيته، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل عمر رضي الله عنه عدة أحاديث، وثبت عن علي أخبار كثيرة في فضل عمر رضي الله عنهما وبيان منزلته ونحن سنذكر لك طرفا من كل ذلك.

فقد ذكر السيوطي بعض الأحاديث الواردة في فضل عمر في تاريخ الخلفاء وبعضها في كتابه (الغرر في فضائل عمر) ، وهو كتاب جمع فيه أربعين حديثا في فضائل عمر رضي الله عنه ...

ومن الأحاديث الثابتة في فضله قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وقوله: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: والذي نفسي بيده؛ ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها من يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين. رواه البخاري.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني رأيت في النوم أني أعطيت عسا مملوءا لبنا فشربت منه حتى تملأت حتى رأيته في عرق بين الجلد واللحم ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب، فقالوا: يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأت منه ففضلت فضلة وأعطيتها عمر بن الخطاب، فقال: أصبتم. رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة. ففتحت له، فإذا أبو بكر فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة. ففتحت له، فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله ثم قال: الله المستعان.. رواه البخاري.

وعن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان. رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر. رواه البخاري.

وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. قال السيوطي: حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره ...

وقال الهيثمي في المجمع: عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله إيمانا، يقول ذلك ثلاث مرات. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح غير الجهم بن أبي الجهم وهو ثقة.

وعن ابن مسعود قال: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. رواه الطبراني وإسناده حسن.

وعن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث عن السكينة تنزل على لسان عمر. رواه الطبراني.. ورجاله ثقات ...

وقد ثبت عن آل البيت رضي الله عنهم الثناء على عمر وتقديره، فمما ثبت في ذلك عن علي رضي الله عنه أنه زوجه بنته أم كلثوم وهي من بنات فاطمة رضي الله عنها، ومن ثناء علي على عمر رضي الله عنهما ما في الصحيحين عن ابن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس يقول: وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم قال: فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إليه فإذا هو علي فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما.

وعن علي قال: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ما كنا نبعد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن السكينة تنطق على لسان عمر. رواه الطبراني في الأوسط، وقال الهيثمي: إسناده حسن.

وعن الزهري عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين؛ إلا النبيين والمرسلين. رواه الترمذي وصححه السيوطي والألباني.

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان أحبهم إلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس.

وفي رواية عن ابن عباس أنه قال: شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر رضي الله عنه، وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. رواها الإمام أحمد وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين..

وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35953، 64577، 56194، 31042، 62984.

وإنما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع.

والواضح من هذا أن عمر أراد الرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد التحجير عليه، قال النووي في شرح مسلم: وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله؛ لقوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء. وقوله: اليوم أكملت لكم دينكم. فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة، وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه. قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أواخر كتابه دلائل النبوة: إنما قصد عمر التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره؛ لقوله تعالى: بلغ ما أنزل إليك. كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه، وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك مما ذكره في الحديث ...

وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر دليل على استصوابه، قال الخطابي: ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال؛ لكنه لما رأى ما غلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فتجد المنافقون بذلك سبيلا إلى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم. انتهى.

وقال الشيخ تقي الدين في المنهاج ردا على من طعن في عمر بسبب هذا: وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبه فقد جاء مبينا؛ كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.

وفي صحيح البخاري عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، قالت عائشة: واثكلاه والله إني لأظنك تحب موتي فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ويدفع الله ويأبى المؤمنون.

وأما عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبي صلى الله عليه وسلم من شدة المرض أو كان من أقواله المعروفة والمرض جائز على الأنبياء، ولهذا قال ما له أهجر فشك في ذلك ولم يجزم بأنه هجر والشك جائز على عمر فإنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد شك بشبهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان مريضا فلم يدر أكلامه كان من وهج المرض كما يعرض للمريض أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله ... والنبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع علم أن الكتاب لا يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه، كما قال: ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليا كان هو المستحق للإمامة فيقولون: إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصا جليا ظاهرا معروفا، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب ... انتهى.

والله أعلم.

[تاريخ الفتوى]
08 جمادي الأولى 1429





موقع الإسلام سؤال وجواب (1/ 1108، بترقيم الشاملة آليا)
امتناع عمر ومن معه من إحضار كتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه

[السؤال]
ـ[يقول أحد أصدقائي الشيعة إن عمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق رضي الله عنهما قد عصيا النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان في فراش موته، طلب النبي صلى الله عليه وسلم وقتها من الصحابة أن يحضروا ورقة، وقلما، ولكنهم رفضوا أن يحضروهما، ووفقا لما يقوله الشيعة فإن الصحابة قد ضلوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بأن يكون علي رضي الله عنه خليفة من بعده، وقد أثبتوا لي هذه الأمور بالحديث الذي يقول بأن عمر بن الخطاب عصى محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنك كنت ترى الغضب على وجهه، وأريد أن أقول بأن صديقي هذا قد أثر في أحد أصدقائي الذين ليس لديهم أية معلومات عن الإسلام. هل يمكنكم أن تشرحوا لي لماذا عصى عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكنكم أيضا أن تخبروني كيف التعامل مع أمثال هؤلاء؟ . أرجو أن تقدموا لي المصادر. شكرا جزيلا لكم.]ـ

[الجواب]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز لك مصادقة أحد أفراد تلك الطائفة التي تنتسب إلى الإسلام، ثم هي تطعن في أصوله وحملته الذين بلغوه للناس، وتعتقد تحريف القرآن، والعصمة للبشر، وتحكم على الصحابة بالردة إلا قليلا منهم.
والواجب عليك تجاه هؤلاء وأمثالهم أن تهجرهم , وتحذر الناس من شرهم وضلالهم.
وينظر أجوبة الأسئلة (91665) و (96231) و (126041) .
ثانيا:
لفظ الحديث الذي وردت فيه القصة التي يذكرها لك الرافضي هو:
عن ابن عباس قال: لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم قال: وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال: (هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده) قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله، واختلف أهل البيت، واختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قوموا عني) .
قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
رواه البخاري (6932) ومسلم (1637) .
1. أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين حضروه في مرضه بإحضار ورقة وقلم ليملي عليهم شيئا لم يكن يتعلق بوحي جديد، لم يبلغه للناس، ولا بأمر شرعي يحتاجه الناس في دينهم، ثم ترك إعلامهم به لأجل ما حصل. والدليل على ذلك أمور:
أ. أن هذه الحادثة كانت يوم الخميس، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، أي: بعده بأربعة أيام، وكان بإمكانه الطلب من آخرين كتابة ذلك الكتاب، فلما لم يفعل صلى الله عليه وسلم: علمنا أنه لم يكن وحيا فيكتمه.
ب. أن الله تعالى قد أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه قد بلغ ما أوحي إليه، وقد امتن الله تعالى على هذه الأمة بإكمال الدين، وإتمام النعمة، والقول بأن ما لم يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم هو من الدين الذي تحتاجه الأمة عامة، فيه اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة، وفيه تكذيب للرب تعالى في خبره بإكمال الدين وإتمام النعمة على العباد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه، أو بلغه في ذلك الوقت؛ إذ لو كان كذلك: لما ترك صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 315، 316) .
وقال - رحمه الله -:
ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته: لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبينه، ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحد؛ فإنه أطوع الخلق له، فعلم أنه لما ترك الكتاب: لم يكن الكتاب واجبا، ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب: لفعله.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 12) .
ج. ويؤيد ما ذكرناه: اختلاف الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهم أمره، والوقوف على حقيقة معناه؛ وإلا لسارع الجميع إلى تنفيذه، وقد ثبت عنهم أنهم خلعوا نعالهم في الصلاة لمجرد رؤيته صلى الله عليه وسلم يخلع نعله فيها، ودون أن يأمرهم بذلك، فهل مثل هؤلاء يخالفون أمرا يعتقدونه من الوحي؟! حاشاهم، ولذلك قام بعضهم بإحضار ورقة وقلم، كما طلب منهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، وامتنع آخرون، ظانين أنه صلى الله عليه وسلم قد يكون غلبه الوجع، أو يكون أمره إرشاد.
قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله -:
وقوله: (ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده) : لا شك في أن (ائتوني) أمر، وطلب، توجه لكل من حضر، فكان حق كل من حضر المبادرة للامتثال، ولا سيما وقد قرنه بقوله: (لا تضلون بعده) ، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه، ولطائفة معه: أن هذا الأمر ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء، كما قال تعالى: (تبيانا لكل شيء) ، مع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع، فكره أن يتكلف من ذلك ما يشق ويثقل عليه، فظهر لهم: أن الأولى ألا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى: أن يكتب؛ متمسكة بظاهر الأمر، واغتناما لزيادة الإيضاح، ورفع الإشكال.
فيا ليت ذلك لو وقع، وحصل! ولكن قدر الله، وما شاء فعل، ومع ذلك: فلا عتب، ولا لوم على الطائفة الأولى؛ إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذمهم، بل قال للجميع: (دعوني فالذي أنا فيه خير) .
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (15 / 18) .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
قال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك: لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم.
" فتح الباري " (8 / 133، 134) .
2. عزمه صلى الله عليه وسلم على الكتابة: إما أن يكون بوحي نسخ، أو باجتهاد تبين أن المصلحة في تركه.
قال النووي - رحمه الله -:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحى إليه بذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك، ونسخ ذلك الأمر الأول.
" شرح مسلم " (11 / 90) ، ونقل نحوه الحافظ ابن حجر عن المازري. ينظر: " فتح الباري " (8 / 134) .
3. الرافضة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالخلافة بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فما لهم ولهذه الحادثة، وما حاجتهم للتلاعب بها، وادعاء أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب وصية لعلي رضي الله عنه بعده؟! ولماذا لا تكون الوصية التي كانت ستكتب في هذا الكتاب: هي وصيته لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة من بعده؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي: فهو ضال، باتفاق عامة الناس، من علماء السنة، والشيعة، أما أهل السنة: فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليا كان هو المستحق للإمامة: فيقولون: إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصا جليا ظاهرا معروفا، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 11) .
4. قد ثبت بأصح إسناد أن النبي صلى الله عليه أراد أن يوصي لأبي بكر الصديق بالخلافة بعده، ثم ترك الأمر، وقال بأن المؤمنين لن يرضوا بغيره خليفة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه (لقد هممت - أو أردت - أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد؛ أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون - أو: يدفع الله ويأبى المؤمنون -) رواه البخاري (5342) - واللفظ له - ومسلم (2387) بلفظ:
(ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) .
ولسنا بالذي يهتم لهذا، لأنه قد أبى الله والمؤمنون أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر.
5. وما يحصل من مراجعة بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض المسائل لا يعكر على صفة الاستجابة، والمتابعة للشرع؛ لأنهم يراجعونه صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الوحي بالجزم بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فيسارعون بعدها لتنفيذ الأمر.
قال النووي - رحمه الله -:
قال الخطابي: وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة: فلا يراجعه فيه أحد منهم.
" شرح مسلم " (11 / 91) .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور، ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم: امتثلوا.
" فتح الباري " (1 / 209) .
6. قول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": لم يكن خطابا مع النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أجل من أن يفعل ذلك، وإنما كان مخاطبا من اعترض عليه بالامتناع عن إحضار كتاب.
قال النووي - رحمه الله -:
وقول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": رد على من نازعه، لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
" شرح مسلم " (11 / 93) .
7. وقد وجه العلماء رحمهم الله امتناع عمر رضي الله عنه عن إحضار كتاب ليكتبه النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهات عديدة، منها:
أ. إشفاقه على النبي صلى الله عليه وسلم من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب، وأن تدخل عليه مشقة من ذلك كما قال: " إن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد به الوجع ".
ب. خشيته من طعن المنافقين ومن في قلبه مرض، في ذلك الكتاب، والتشكيك بناقليه، والطعن فيهم، وفي عدالتهم.
ج. خشيته " أن يكتب أمورا يعجزون عنها، فييقعوا في الحرج بالمخالفة، ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد، وحكم النظر، وطلب الصواب، فيكون المصيب والمخطئ مأجورا ".
انظر: " دلائل النبوة " (7 / 184) ، " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " للقاضي عياض (2 / 194) ، " شرح مسلم " للنووي (11 / 91) ، " فتح الباري " (1 / 209) .
8. وأما كلام ابن عباس رضي الله عنهما: فليس فيه طعن بالصحابة رضي الله عنهم، وهو ممن بايع الصديق، والفاروق بعده، وإنما أراد أن الحائل نفسه كان مصيبة؛ لظهور الفتنة بعد ذلك، والطعن في أولئك الأعلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وقول ابن عباس " إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب ": يقتضي أن هذا الحائل كان رزية، وهو رزية في حق من شك في خلافة الصديق، أو اشتبه عليه الأمر؛ فإنه لو كان هناك كتاب: لزال هذا الشك، فأما من علم أن خلافته حق: فلا رزية في حقه، ولله الحمد.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 11) .
10. وقول ابن عباس رضي الله عنه هذا إنما هو اجتهاد منه، ولا شك أن عمر أعلم وأجل من ابن عباس، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ترك الكتابة، وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر، هو ترجيح لرأيه، وتصويب لفعله.
قال النووي - رحمه الله -:
فكان عمر أفقه من ابن عباس، وموافقيه.
" شرح مسلم " (11 / 90) .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر: إشارة إلى تصويبه رأيه، وأشار بقوله " حسبنا كتاب الله " إلى قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ، ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه؛ إذ لو كان من هذا القبيل: لم يتركه صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم.
ولا يعارض ذلك قول بن عباس " إن الرزية " الخ؛ لأن عمر كان أفقه منه قطعا.
" فتح الباري " (8 / 134) .
وبه يتبين لك بطلان ادعاء الرافضة، في طعنهم في الصحابة رضي الله عنهم، وخصوصا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويتبين صدق السلف في أنهم أكذب الطوائف المنتسبة للإسلام، فاحذرهم على دينك أخي السائل، ونسأل الله لك الثبات على الإسلام والسنة.
وانظر - للمزيد حول عقائد الرافضة - أجوبة الأسئلة: (113676) و (4569) و (1148) و (21500) .
والله أعلم

[المصدر]
الإسلام سؤال وجواب




موقع الإسلام سؤال وجواب (1/ 1137، بترقيم الشاملة آليا)
صديقه الشيعي يدعوه إلى التشيع، ويطعن في عمر رضي الله عنه

[السؤال]
ـ[صديقي الشيعي يقول إنه حين قربت وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان في بيته الكثير من الناس وكان بينهم عمر بن الخطاب فقال له الرسول دعني أكتب لكم شيئا حتى لا تضلوا بعدي أبدا، فقال عمر: إن الرسول تحت تأثير الحمى، وربما أنه لا يعي ما يقول، ولدينا القرآن وهو كتاب الله يكفينا. ارتفع صوت من عند رسول الله وهم يتناقشون ثم انقسموا إلى قسمين فبعضهم قال: لنستمع إلى الرسول لعله يقول لنا ما يحفظنا من الضلال بعده، والقسم الآخر كرر ما قاله عمر بن الخطاب، وعندما زادت الفرقة بينهم وارتفع صوتهم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا بعيدا عني) . قال صديقي الشيعي: إن هذا موجود في صحيح البخاري جزء 4 صفحة 4. فإذا كان هذا صحيحا فلماذا فعل هذا عمر بن الخطاب؟ صديقي قال لي لاحقا إن عمر بن الخطاب كان يرى بأنه ليس مقيدا بسنة الرسول وكان يفعل ما يراه هو، ويؤكد هذا ما فعله حين أصبح خليفة فقد كانت أفعاله تناقض السنة وقد حرم ما أباح الله، وأباح ما حرم الله. فهل هذا صحيح؟ مع أن هذا مذكور في كتب أهل السنة؟ أنا سني وأريد أن أعرف الحقيقة لأن صديقي يريد أن يحولني إلى شيعي.]ـ

[الجواب]
الحمد لله
ليس الأمر كما فهمه هذا الشيعي المتطاول على أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه، وإنما قال بعضهم: (أهجر) على سبيل الإنكار على من توقف في امتثال أمره بإحضار ما يلزم للكتابة، فكأنه قال: كيف تتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه، امتثل أمره وأحضر ما طلب، فإنه لا يقول إلا الحق.
وربما كان قائل العبارة ممن أسلم حديثا.. وإلا فإنه متقرر عند الصحابة الأجلاء وعلى رأسهم عمر الفاروق أنه صلى الله عليه وسلم معصوم في جميع أحواله.
وإن مقالة عمر: حسبنا كتاب الله، فقد قال النووي: اتفق العلماء على أن قول عمر: (حسبنا كتاب الله) من قوة فقهه، ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد على العلماء، وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويب رأيه، ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (قوموا) لما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر. ويراجع فتح الباري (8/133،134) ويراجع كلام ابن تيمية في المنهاج (6/24) .
وأما دعوى هذا الشيعي البغيض أن عمر يخالف السنة فهي كذبة صلعاء وفرية مكشوفة.. فقد عرف عمر رضي الله عنه بتمام التأسي والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكان وقافا على كتاب الله، وقد كان فوق ذلك حيث كان محدثا ملهما يأتي الوحي موافقا لرأيه في عدة مسائل.
قال شيخ الإسلام: "أما عمر فقد ثبت من علمه وفضله ما لم يثبت لأحد غير الصديق". "المنهاج" (6/20) .
قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك) أخرجه البخاري.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأعرفنا بالله) .
وننصحك بمفارقة هذا الشيعي بعد دعوته وتذكيره من قبل طلبة العلم، وعليك أن تتخذ أصدقاء من أهل السنة والصلاح زادك الله هداية وتوفيقا.
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.

[المصدر]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله




رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم (ص: 367، بترقيم الشاملة آليا)
المؤلف: عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى
... قلت: وهذا عندى من أقوى ما يتمسك به فى الرد على الرافضة ومن قال بقولهم، لأن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر، هو إقرار منه صلى الله عليه وسلم بتصويب رأيه، ويأخذ هذا الإقرار حكم المرفوع المسند.




مجموع الفتاوى (17/ 41)
المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ)
وروى النسائي وغيره {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى بيد عمر بن الخطاب شيئا من التوراة فقال: لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم.} وفي رواية {ما وسعه إلا اتباعي.} وفي لفظ: {فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه عمر ذلك فقال له بعض الأنصار: يا ابن الخطاب ألا ترى إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا.} ولهذا كان الصحابة ينهون عن اتباع كتب غير القرآن. وعمر انتفع بهذا حتى أنه لما فتحت الإسكندرية وجد فيها كتب كثيرة من كتب الروم فكتبوا فيها إلى عمر فأمر بها أن تحرق وقال: حسبنا كتاب الله. وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن خليل حدثنا علي بن مسهر حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن خليفة بن قيس عن خالد بن عرفطة قال: كنت عند عمر بن الخطاب إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس. فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العبدي؟ قال: نعم. قال: وأنت النازل بالسوس؟ قال: نعم. فضربه بقناة معه فقال له: ما ذنبي؟ قال...



منهاج السنة النبوية (6/ 24)
وأما عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من شدة المرض، أو كان من أقواله المعروفة؟ والمرض جائز على الأنبياء، ولهذا قال: " ما له؟ أهجر (3) ؟ " فشك في ذلك ولم يجزم بأنه هجر، والشك جائز على عمر، فإنه لا معصوم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما وقد شك (4) بشبهة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مريضا، فلم يدر أكلامه (5) كان من وهج المرض، كما يعرض للمريض، أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله؟ وكذلك (6) . ظن أنه لم يمت حتى تبين أنه قد مات (7) .