الفوائد الاصولیه، ص 602-603
و امّا عن الثانى باحد وجهين:
احدهما- ان التكاليف الصادرة تقية انّما صدرت على نحو التورية، بان يكون قد اريد منها بعض التأويلات البعيدة مثل ان يراد بقوله: اغسل رجليك فى الوضوء معنى لا ينافى المسح، او يكون الحكم فى نظره مقيدا بصورة التقية عند العمل او نحو ذلك فى المثال او فى غيره.
فيكون قد لبس الحكم على المخاطبين و طلب ما هو مطلوب فى نفس الامر و ان وقع المخاطب فى خلاف الواقع بل ربما ظهر ذلك من بعض كلمات بعض الائمة- صلوات اللّه عليهم- فى مواضع عديدة على ما هو ببالى، و بالجملة ففى الاخبار شبه ما فى الكتاب المنزل من الظواهر و البطون فليس فيها تكليف مخالف لمقتضى صفة المكلف به.
و الثانى- ان التكليف الصادر على وجه التقية انما هو تكليف صورى و هو فى الإنشاءات نظير الكذب فى الاخبار فهو خارج عن محل الكلام، فان الكلام فى الطلب الواقعى، و الّا فاى عاقل ينكر جواز ان يقول المولى الحكيم لاجل التقية مكان قوله: افعل الفعل الفلانى، لا تفعله مع فرض كون الفعل الفلانى فى غاية الحسن و نهاية المصلحة عند المولى.
و ان شئت فقل ان الكلام فى الاحكام المنزلة من اللّه- عزّ اسمه- على نبيّه- صلى الله عليه و آله- و امّا الإنشاءات الصادرة عن الائمة- عليهم السلام- الذين هم المختصون بالتقية بيان للتكليف لا تكليف حقيقى الّا على سبيل الحكاية و التبليغ.
کتاب الطهاره، ج 5، ص 325-326
هذا كلّه، مع أنّ لنا أن نكتفي بالأصل و نستدلّ على طهارته[طهاره المرتد الفطری بعد التوبه] بما دلّ على طهارة المسلمين .و السند في دعوى إسلامه أمران: الأوّل: ما ورد في بيان الإسلام و أنّه الإقرار بالشهادتين و الإقرار بما جاء به النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله ، غاية الأمر تقييد ذلك بواسطة ما ورد: من أنّه إذا وقع الاستخفاف وقع الكفر ، و أنّ من جحد الفرائض كان كافراً بغير المستخفّ و غير الجاحد، و لا شكّ أنّ الشخص يصدق عليه بعد التوبة جميع ما ذكر و أنّه غير مستخفّ و لا جاحد. و دعوى: كون الاستحقاق و الجحود علّة محدثة للكفر، ممنوعة: بأنّ كفر الاستخفاف ككفر الجحود عبارة عن نفس صفة الاستخفاف، لا أنّه شيء حاصل بسبب الاستخفاف و يقبل البقاء بعد انتفاء الاستخفاف. الثاني: أنّه لا شكّ في كونه مكلّفاً بالإسلام، و هو يدلّ على كونه ممكناً في حقّه و مجزياً عنه. و دعوى: أنّ التكليف لا ينافيه الامتناع بالاختيار، مدفوعة مضافاً إلى ما تقرّر في موضعه : من منافاة الامتناع للتكليف و إن كان عن الاختيار إذا خرج عن الاختيار -: بأنّ الكلام في ظاهر أدلّة التكليف، حيث إنّ الظاهر منها إمكان المكلّف به و عدم امتناعه، فيمكن أن يعارض بها أدلّة عدم قبول التوبة، و لا أقلّ من ذلك، لكنّها نصّ بالنسبة إلى أدلّة عدم القبول؛ لعدم إمكان إخراج المرتدّ عن أدلّة التكليف و إن ادّعى إمكان ذلك بعض المعاصرين ، لكنّه كما ترى و عدم إمكان حمل التكاليف بالنسبة إليهم على التكليف الصوري للتسجيل عليهم و إثبات العقاب؛ لأنّه استعمال اللفظ في أكثر من معنى، مع أنّ التكليف على هذا الوجه مع علم المكلّف بالحال قبيح جدّاً أيضاً.
کتاب الحج، ص 82-84
(و) اعلم أنّ الحجّ كغيره من الفروع لا خلاف عندنا في أنّه (يجب على الكافر) كما يجب على المسلم، - خلافا لأبي حنيفة (و) لكن (لا يصحّ منه إلاّ بالإسلام)؛ لما دلّ من النصّ و الإجماع على أنّه لا ينفع مع الكفر عمل ، مضافا إلى فحوى ما دلّعلى بطلان عبادة المخالف و عموم بعضها للكافر، مثل ما دلّ على اشتراط صحّة العمل بدلالة الإمام عليه السّلام. فإن أسلم و كان واجدا لشروط الحجّ وجب عليه كغيره. و إن زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله . و إن مضت عليه مع الاستطاعة أعوام عندنا، كما في كشف اللثام . و استظهر في المدارك عدم سقوطه منه بناء على ما تقدّم منه في باب الزكاة من عدم العمل بهذه الرواية . و لا وجه له بعد موافقتها لقوله تعالى: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ و بعد تلقّيها بالقبول و إن كانت مخالفة للأصول.
ثمّ إنّه لو زال استطاعته و بقي على الكفر فهو مستقرّ في ذمّته، بمعنى العقاب عليه و إن كان يسقط عنه لو أسلم نظير تكليفه بالقضاء، لا بمعنى طلب الفعل منه مستجمعا للشرائط الّتي منها الإسلام، حتّى يقال بسقوطه عنه بمجرّد الإسلام؛ إذ يلزم من ذلك عدم قدرته على إتيان الفعل بوصف كونه مطلوبا؛ لعدم كونه مطلوبا، لا مع الإسلام و لا معه
و من هنا قد يستشكل في صحّة مثل هذا التكليف هنا و في باب قضاء العبادات. و يمكن أن يدفع بالتزام عدم طلب الفعل منه حقيقة، إلاّ أنّه لمّا فوّت الفعل المطلوب المحبوب منه، المبغوض تركه - حيث إنّ ما يفوت منه حال الكفر من الصلاة أداء و قضاء و من الحجّ في حال الاستطاعة و بعد زوالها، لا شك في مطلوبيّته و مبغوضيّة تركه قبل أن يصدر منه الإسلام الموجب لأن يغفر لهم ما قد سلف - أمكن أن يجعل هذا المعنى - أعني مطلوبيّة الفعل مع مبغوضيّة الترك - في قالب التكليف. و لا مانع من هذا التكليف إلاّ عدم تأتّي صدور الفعل لا في حال الكفر؛ لعدم صحّته، و لا في حال الإسلام؛ لعدم وجوبه. لكنّ هذا إنّما يمنع لو علم المكلّف بسقوط الوجوب حال الإسلام، و المفروض عدم علم الكفّار بذلك، فلم يكن مانع من تكليفهم الصوريّ الموجب لاستحقاق الباني على إطاعته للثواب و إن علم بعد البناء على الاطاعة عدم تكليفه واقعا بالفعل، و لاستحقاق المعرض عنه للعقاب. و إن علم الآمر بأنّه لن يتحقّق منه الإطاعة أو بمجرّد الإقدام بالإسلام يرتفع الأمر، فهو بعينه نظير التكليف بالفعل ثمّ نسخه قبل حضور وقت العمل. إلاّ أنّ المسوّغ للتكليف هناك لعلّه الابتلاء و الامتحان، و فيما نحن فيه إرادة رفع مفسدة ترك ما كان محبوبا على وجه عدم الرضا بالترك. فمقصود الشارع من أمر الكافر بالحجّ بعد زوال الاستطاعة هو إزالة مفسدة ترك الحجّ عن الكافر في زمان كفره، فهو لطف له من هذه الجهة،
و هذا بعينه هو المقصود من التكاليف الحقيقيّة، فإنّ المقصود من التكليف مع إرادة الفعل حقيقة هو تعريض المكلّف للثواب فكذلك المقصود هنا من التكليف تخليصه من عقاب الترك الحاصل على موته كافرا. فهذا التكليف أقرب إلى التكليف الحقيقيّ، من التكليف المنسوخ قبل حضور وقت العمل، نظرا إلى أنّ الفعل المكلّف به في التكليف المنسوخ ليس مشتملا على مصلحة و لا تركه على مفسدة، بخلاف الفعل المكلّف به فيما نحن فيه، فإنّ في فعله مصلحة ملزمة و في تركه مفسدة موبقة، حتّى أنّ جبّه بالإسلام لأجل التفضّل و التسهّل، لا لصيرورته بالإسلام لغوا خاليا عن المصلحة. فتدبّر.