بسم الله الرحمن الرحیم
العناوین الفقهیه، ج 2، ص 214-217
قاعدة: قد مر أن البيع مورده العين ،
و لا ريب أن العين تشتمل على أوصاف كثيرة تختلف بها الرغبات و تتفاوت بها القيم، فهل المعاوضة على ذات العين المبيعة بحيث لا مدخل في الصفات في العوض، أو على المجموع المركب من الذات و الوصف؟
و بعبارة اخرى: هل الأوصاف تقابل بالأعواض أم لا؟ و لا يختص الكلام بالبيع، بل يعم سائر المعاوضات العينية و غيرها، حتى أن المنفعة أيضا قد تلاحظ بذاتها كالسكنى و الركوب و نحو ذلك و قد تلاحظ بالنسبة إلى أوصاف المنفعة كالاعتبارات التي بها تزيد الرغبة على المنفعة و تنقص فيصير النزاع في أن كل معوض من عين أو منفعة في العقد هل المقابل بالعوض أصله و مادته، أم هو مع أوصافه؟
و هنا بحثان: أحدهما: بالنسبة إلى سائر الصفات غير وصف الصحة. و ثانيهما: بالنسبة إلى وصف الصحة.
فنقول في الأول: لا ريب أن الصفات مما يوجب زيادة في القيمة و نقصا فيها ، فإن الحنطة مثلا إذا كانت حمراء لها قيمة، و إذا كانت صفراء فلها قيمة أخرى، و قس على ذلك غيرها من الأعيان الأخر، فإنها تتفاوت قيمتها بملاحظة كونها في مكان دون آخر، أو في زمان دون آخر، و في الأعيان المعمولة بالنسبة إلى كون عاملها الشخص الفلاني أو غيره.
فكون الأوصاف مما تختلف بها القيم مما لا شبهة فيه، و من هنا يعتبر في التخلص عن الغرر و الجهالة ذكر الأوصاف التي تتفاوت بها الرغبات كما نذكرها في مسألة الغرر و إذا خرج المعوض على خلاف الوصف يتسلط العاقد على الفسخ كما ذكروه في خيار الوصف اعتمادا على أدلة نفي الضرر، كما نبهنا عليه في تلك القاعدة. لكن الظاهر من الأصحاب الاتفاق على أن الأوصاف بأنفسها غير مقابلة بالعوض بحيث يكون قسط من الثمن بإزائها، بل المعوض عبارة عن جوهر الشيء و مادته، و أما اعتباراته و أوصافه فهي موجبة لزيادة القيمة و نقصانها، لا أنها أيضا جزء من المعوض، و لذلك نصوا على أن فوات الأوصاف لا يوجب التبعيض في الصفقة، بل يوجب الخيار نظرا إلى لزوم الضرر، لكنه لم يفت من المعوض جزء حتى يسقط من العوض شيء في مقابله، و مجرد اختلاف القيمةباختلافها لا يوجب كونها جزءا من العوض، فلا تذهل.
و المراد بالأوصاف التي نذكرها هنا ليست أوصاف النوع المميزة بين الأنواع بحيث يختلف باختلافها الماهيات كما في الحنطة و الشعير و البقر و الغنم فإنها داخلة في الماهية ملحوظة في صدق الاسم، و بفواتها يختلف الجنس و يوجب بطلان المعاملة،
و بالجملة: الكلام في أوصاف الأصناف، دون أوصاف الأنواع التي يعبر عنها بالفصول المنوعة. فإن قيل: إن المبيع إذا كان مثلا هي الحنطة الحمراء ثم بانت على خلاف الوصف، فلا ريب أن الوصف و إن لم يكن ذاتيا للحنطة لكن بعد اعتبار قيديته في المبيع يصير جزءا صوريا من المبيع كالنوع، فإما أن يكون فواتها مبطلا للمعاملة كما [لو] خرج من غير الجنس، و إما أن يكون موجبا لتبعض الصفقة، إذ العوض إنما بذل في مقابل هذا المجموع المركب. قلنا: اعتبار ذلك قيدا في المبيع لا يقتضي كونه جزءا من المعوض، فإن من المعلوم أن المعوض عبارة عن الحنطة و كون الوصف المأخوذ فيه نظير الشرط، و الوجه فيه احتمال انفكاك الوصف عنه، و هذا ميزانه العرف، فإذا لم يكن في نظر أهل العرف جزءا للمبيع فلا يكون شيء من العوض في مقابله، و القيود الاعتبارية في المفاهيم و إن كانت كالأجزاء [منها] في المفهوم لكنها لا يقع عليها المعاملة، فإن قولنا: (بعت الحنطة الحمراء) معناه: بعت الحنطة الموصوفة، لا بعت الحنطة و الوصف، فتدبر. و بالجملة: في المعاوضات كلها من البيع و الصلح و المزارعة و المساقاة و الإجارة و غير ذلك لا عبرة بالأوصاف في مقابلة العوض بمعنى: أنه لا يسقط من العوض شيء في مقابل فوات الوصف، بل: إما أن يقبل كذلك أو يترك، و كما لا ينقص بفواته شيء لا يزيد بزيادته أيضا شيء آخر. و من هنا أيضا نقول: لو دفع إلى القابل ما هو على وصف أحسن و أعلى مما ذكر في المعاملة وجب القبول و إن لم يكن هذا عين ذلك الوصف المشروط، لأن الوصف ليس معوضا حتى تبطل المعاوضة بتغيره، و اعتباره إنما هو لعدم الضرر، و متى ما دفع إليه الدافع ما هو أعلى فلا ضرر، و العين المبيعة قد وجدت فوجب القبول.