بسم الله الرحمن الرحیم

التأویل

فهرست مباحث حدیث





****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Wednesday - 23/6/2021 - 12:5

عبارت کوتاه مجلسی در مورد تأویل باطل:

اول الالحاد سلوک التأویل من غیر دلیل و الله الهادی الی سواء السبیل

بحار ج 55 ص 47

در پایان بحث تفصیلیشان در مورد الحجب و السرادقات






****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Thursday - 24/6/2021 - 5:17

معانی التاویل فی کلام المفسرین

تفسير القرآن العزيز المسمى تفسير عبدالرزاق ج‏1 11

التفسير في اللغة هو الإيضاح و التبيين، و منه قوله تعالى في سورة الفرقان: و لا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا [الآية: 33]، أي بيانا و تفصيلا، و هو مأخوذ من الفسر أي الإبانة و الكشف. قال الفيروزآبادي في اللسان- فسر-: (الفسر: البيان، و كشف المغطى، و التفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل).




التفسير الكبير: تفسير القرآن العظيم (الطبرانى) ج‏1 38

التفسير و التأويل‏:

التفسير تفعيل من الفسر و هو البيان، تقول فسرت الشي‏ء بالتخفيف أفسره فسرا، و فسرته بالتشديد أفسره تفسيرا إذا بينته. و الفرق بين التفسير و التأويل أن التفسير هو بيان المراد باللفظ، و التأويل هو بيان المراد بالمعنى. و قد اختصت كلمة التفسير عند الإطلاق ببيان آيات القرآن، و كلمة التأويل بتوجيه الفهم إلى العمل و أداءه في الفعل على الوجه المقصود شرعا.

قال تعالى: و لا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا[2] و التفسير هو التفصيل بالمثال و ما يقرب المعنى إلى الأذهان؛ بإظهار المعنى المعقول على قصد مراد ال تأويلات أهل السنة ج‏1 182

ثانيا: التأويل‏

التأويل لغة:

يدور حول معنيين لا ثالث لهما:

الأول: بمعنى الرجوع و العود و العاقبة.

و الثاني: بمعنى تفسير الكلام و تبيين معناه.

و قد أشارت كتب اللغة إلى المعنيين، ففي اللسان أن التأويل من «الأول: الرجوع، آل الشي‏ء يئول أولا و مآلا: رجع ... و في الحديث «من صام الدهر فلا صام و لا آل»[3]، أي: لا رجع إلى خير، و أول الكلام و تأوله: دبره و قدره، و أوله و تأوله: فسره»[4].




تأويلات أهل السنة، ج‏1، ص: 183

و قد كثر استعمال لفظ «التأويل» في القرآن الكريم بمعنييه، فمن الأول قول الله تعالى:

هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله‏ [الأعراف: 53] يعني ما يئول إليه في وقت بعثهم و نشورهم.

و من الثاني قوله تعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله‏ [آل عمران: 7] فالتأويل هنا يعني التفسير و التعيين و التوضيح.

التأويل اصطلاحا:

التأويل عند السلف في تعريفه غيره عند الخلف؛ فالتأويل عند السلف يأتي على معنيين:

الأول: تفسير الكلام و بيان معناه، و بذلك يكون التأويل و التفسير مترادفين.

و الثاني: هو نفس المراد بالكلام، فإن كان الكلام طلبا كان تأويله نفس الفعل المطلوب، و إن كان خبرا كان تأويله نفس الشي‏ء المخبر به.

و بين هذا المعنى و الذي قبله فرق ظاهر، فالذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم و الكلام: كالتفسير و الشرح و الإيضاح، و يكون وجود التأويل فيه القلب و اللسان، و له الوجود الذهني و اللفظي و الرسمي. و أما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء أ كانت ماضية أم مستقبلية، فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا هو نفس طلوعها، و هذا في نظر ابن تيمية هو لغة القرآن التي نزل بها؛ و لهذا يمكن إرجاع كل ما جاء في القرآن الكريم من لفظ التأويل إلى هذا المعنى الثاني‏[5].

أما الخلف من المتفقهة و المتكلمين و المتصوفين و غيرهم فقد رأوا أن التأويل يعني:

صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.

و المتأول عندهم يحتاج إلى أمرين:

الأول: أن يبين احتمال اللفظ للمعنى الذي حمله عليه و ادعى أنه المراد.

الثاني: أن يبين الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح، و إلا كان تأويلا فاسدا و تلاعبا بالنصوص‏[6].

و من ثم قال الزركشي: «التأويل: التمييز بين المنقول و المستنبط؛ ليحمل على‏

تأويلات أهل السنة، ج‏1، ص: 184

الاعتماد في المنقول، و على النظر في المستنبط؛ تجويزا له و ازديادا»[7].

و أوضح من هذا ما قاله صاحب جمع الجوامع و شرحه: «التأويل: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح، فإن حمل عليه لدليل فصحيح، أو لما يظن دليلا في الواقع ففاسد، أو لا لشي‏ء فلعب لا تأويل»[8].

ثالثا: المعنى:

المعنى لغة و اصطلاحا:

يراد بالمعنى لغة: القصد و المراد، جاء في اللسان: «عنيت بالقول كذا: أردت، و معنى كل كلام و معناته و معنيته: مقصده، و يقال: عرفت ذلك في معنى كلامه و معناة كلامه و في معنى كلامه»[9].

و له علاقة بالإظهار و الوضوح، كما تقول: عنت القربة: إذا لم تحفظ ماءها بل أظهرته، و منه عنوان الكتاب، أي: الجزء الظاهر منه و المنبئ عما بداخله‏[10].

و تجدر الإشارة إلى أن هناك لفظا رابعا له اتصال ما بألفاظ التفسير و التأويل و المعنى، و هو لفظ البيان، و يعني: إظهار المتكلم المراد للسامع، و هو أعم من الألفاظ الثلاثة جميعا؛ لشموله كلا من بيان التغيير و بيان التقرير، و بيان الضرورة، و بيان التبديل‏[11].

الفرق بين التفسير و التأويل:

يمكن القول: إن حاصل ما تضمنته عبارات العلماء العديدة في هذا المقام لا يخرج عن اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن التفسير و التأويل ترجمة عن معنى واحد، بحيث إذا قلنا أحدهما على شي‏ء قلنا الآخر عليه بلا أدنى فرق، و إلى هذا ذهب أبو عبيد و الطبري و طائفة[12].

و الاتجاه الثاني: أن التفسير و التأويل يختلف مدلول أحدهما عن الآخر اصطلاحا كما اختلفا لغة، و قد حمل لواء هذا الاتجاه النيسابوري و الزركشي و الراغب الأصفهاني و غيرهم ... و قد تشددوا في التفريق بين اللفظين أيما تشدد، حتى قال النيسابوري‏

تأويلات أهل السنة، ج‏1، ص: 185

معرضا: «قد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير و التأويل ما اهتدوا إليه»[13].

و قد فرق العلماء بين اللفظين بفروق شتى، نورد أبرزها- خشية الإطالة- فمثلا الراغب الأصفهاني يقول: «التفسير أعم من التأويل، و أكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ، و التأويل في المعاني»[14].

و أبو طالب الثعلبي يفرق فيقول: «التفسير: بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا، كتفسير «الصراط» بالطريق، و «الصيب» بالمطر. و التأويل: تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول، و هو الرجوع لعاقبة الأمر، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد، و التفسير إخبار عن دليل المراد»[15].

و الماتريدي صاحبنا يقول: «التفسير: القطع على أن المراد من اللفظ هذا، و الشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، و إلا فتفسير بالرأي، و هو المنهي عنه، و التأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون قطع، و الشهادة على الله»[16].

و الأقوال كثيرة في التفريق بين التفسير و التأويل، بعضها يصل بمفهوم المصطلحين إلى حد التباين، و لعل أولاها بالقبول ما ذكره جملة من العلماء من أن التفسير يرجع إلى الرواية، و التأويل يرجع إلى الدراية و الاستنباط؛ لأن التفسير كشف و بيان عن مراد الله، و الكشف عن مراد الله لانجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي، و علموا ما أحاط به من حوادث و وقائع، و خالطوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم. أما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل، و هذا الترجيح يعتمد على الاجتهاد.

و من ثم قال الزركشي- فيما أشرنا إليه من قبل-: «و كأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير و التأويل، التمييز بين المنقول و المستنبط؛ ليحمل على الاعتماد

تأويلات أهل السنة، ج‏1، ص: 186

في المنقول، و على النظر في المستنبط»[17].

و خلاصة القول: أنه برغم الاختلاف بين المصطلحين، فإنهما يشتركان في معنى واحد، و هو محاولة الكشف عن حقيقة شي‏ء، و أنه حين يستخدم كل منهما في شرح ألفاظ القرآن و بيان معانيه فإنه يجمعهما هذا المعنى العام.[18]




تصحيح الوجوه و النظائر 141

التأويل‏[19]

أصل التأويل من الأول، و هو: الرجوع، يقال: آل الشي‏ء؛ إذا رجع، و أول الكلام تأويلا، إذا رده إلى الوجه الذي يعرف منه معناه، و قوله: يوم يأتي تأويله‏ [سورة الأعراف آية: 53]، أي: يأتي ما يؤول إليه أمرهم في البعث، و قوله تعالى: و ما يعلم تأويله إلا الله‏ [سورة آل عمران آية: 7]، أي: ما يرجع إليه معناه، و قيل:

و الراسخون في العلم يقولون آمنا به‏ [سورة آل عمران آية: 7]، أي: بالبعث، و ليس بالوجه؛ لأنه ليس للبعث هاهنا ذكر.

و التأويل في القرآن على خمسة أوجه:

الأول: و ما يعلم تأويله إلا الله‏ [سورة آل عمران آية: 7]، قال أبو علي رضي الله عنه يعني تفسير المتشابه به كله على حقائقه، و ذلك أن في القرآن أمورا مجملة، مثل أمر الساعة و أمر صغائر الذنوب التي شرط غفرانها باجتناب الكبائر، و استدل على هذا بقوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله‏ [سورة الأعراف آية: 53]، فجعل الموعود الذي وعدهم إياه في القرآن تأويلا للقرآن.

تصحيح الوجوه و النظائر، ص: 142

و جاء في التفسير أن التأويل هاهنا منتهي مدة ملك أمة محمد صلى الله عليه و سلم، و ذلك أن اليهود حسبوا ليعلموا ذلك، فأعلمهم الله أنه لا يعرف ذلك بالحساب، و إنما يعرف من قبل الله تعالى.

و التأويل و التفسير واحد، لأن معنى التأويل يعود إلى التفسير، و يفرق بينهما من وجه ذكرناه في" كتاب الفروق" و هو أن التفسير هو الإخبار عن إفراد أحاد الجملة، و التأويل:

الإخبار بمعنى الكلام، و قيل: التفسير إفراد ما انتظمه ظاهر التنزيل، و التأويل: الإخبار عن غرض المتكلم بكلامه.

و الثاني: عاقبة الأمر و ما يؤول إليه، و هو قوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله‏ [سورة الأعراف آية: 53]، يذكر قوما أوعدوا بالعذاب، فتطلعوا عاقبة ما أوعدوا به رادين له، فقال: هل ينظرون إلا تأويل ذلك المصير و تلك العاقبة، أي: مرجعه و مآبه.

و قوله: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله‏ [سورة يونس آية: 39]، أي: لم تأتهم عاقبة ما وعدهم في القرآن أنه كائن في الآخرة من الوعيد، و لم يعن أنه لم يأتهم العلم و تفسيره، لأن جميع ما في القرآن مفهوم المعنى، و لو كان فيه شي‏ء لا يفهم معناه لم يكن لإنزاله وجه.

و مثل ذلك قوله تعالى: ذلك خير و أحسن تأويلا* [سورة النساء آية: 59، الإسراء: 35]، أي: عاقبة.

و الثالث: تعبير الرؤيا، قال: يعلمك من تأويل الأحاديث‏ [سورة يوسف آية:

6]، يعني: تعبير الرؤيا. و قال: نبئنا بتأويله‏ [سورة يوسف آية: 36]، و قال: أنا أنبئكم بتأويله‏ [سورة يوسف آية: 45]، و قال: و علمتني من تأويل الأحاديث‏ [سورة يوسف آية: 101]، يعني: بجميع ذلك تعبير الرؤيا، و سميت الرؤيا أحاديث؛ لأن منها ما يصح، و منها ما لا يصح، مثل الأحاديث التي يتحدث بها صدقا و كذبا. فأما رؤيا الأنبياء عليهم السلام خاصة فيقين.

تصحيح الوجوه و النظائر، ص: 143

الرابع: التحقيق، قال: يا أبت هذا تأويل رءياي من قبل‏ [سورة يوسف آية:

100]، جاء في التفسير أنه أراد: تحقيق رؤياي، و هو حسن، و يجوز أن يكون معناه: تفسير رؤيا و: يا أبت‏ بالكسر على حذف ياء الإضافة، و يجوز بالفتح على حذف الألف المنقلبة عن ياء الإضافة، و أجاز الفراء الضم، و لم يجزه الزجاج، إلا أن التاء عوض عن ياء الإضافة، و قال علي بن عيسى: هو جائز، لأن العوض لا يمنع من الحذف.

الخامس: قوله: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله‏ [سورة يوسف آية:

37]، جاء في التفسير أنه أراد بألوانه قبل أن يأتيكما، و المراد بتسميته بألوانه و صفاته؛ كأنه يفسره لهما، فلهذا سماه تأويلا، و سمي تفسير الشي‏ء تأويلا، لأنه مآل لبيان معناه، و:

نبأتكما [سورة يوسف آية: 37]، أخبرتكما، و النبأ: الخبر العظيم، لا يكون إلا كذلك.

و خرج لنا بعد وجه آخر، و هو قوله: و أحسن تأويلا* [سورة النساء آية: 59، الإسراء: 35]، قال مجاهد: أي: جزاء قلنا: و ذلك أن الجزاء هو الشي‏ء الذي آلوا إليه.[20]

الوجوه و النظائر لالفاظ كتاب الله العزيز ج‏1النص 197

تفسير التأويل‏ على خمسة أوجه‏

الملك* العاقبة* تعبير الرؤيا[21]* اللون* التحقيق*

فوجه منها؛ التأويل بمعنى: الملك‏[22]، قوله تعالى فى سورة آل عمران: ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله‏[23] يعنى: ابتغاء علم منتهى ملك محمد صلى الله عليه و سلم و أمته، و ذلك أن اليهود أرادوا أن يعلموا ذلك من قبل حساب الجمل، «و أن يعلموا»[24] متى ينقضى ملكه، و يعود إليهم‏[25]، و قال الله سبحانه: و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم‏[26] يعنى: و ما يعلم كم ملك محمد صلى الله عليه و سلم و أمته إلا الله تعالى.

و الوجه الثانى؛ التأويل بمعنى: «عاقبة»[27] ما وعد الله تعالى فى القرآن من الخير و الشر يوم القيامة؛ قوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله‏ يعنى: عاقبة ما فى القرآن على لسان الرسول‏[28] عليه الصلاة و السلام أنه كائن يوم القيامة، يعنى: الخير و الشر، يوم يأتي تأويله‏[29] يوم القيامة[30]؛ نظيرها فى سورة يونس: و لما يأتهم تأويله‏[31] يقول: لما يأتهم تأويل عاقبة ما وعد الله تعالى فى القرآن؛ و قال تعالى فى‏

الوجوه و النظائر لالفاظ كتاب الله العزيز، ج‏1النص، ص: 198

سورة النساء: ذلك خير و أحسن تأويلا[32] أى: و أحسن عاقبة؛ و قال تعالى فى سورة الكهف: ذلك تأويل ما لم تسطع‏[33] يعنى: عاقبة.

و الوجه الثالث: التأويل بمعنى: تعبير الرؤيا، قوله تعالى «فى سورة يوسف»[34]:

رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث‏[35]؛ نظيره: نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين‏[36].

و الوجه الرابع: تأويل بمعنى: ألوان؛ قوله تعالى فى سورة يوسف: و دخل معه السجن‏ إلى قوله تعالى: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله‏[37] يعنى:

بألوانه من‏ قبل أن يأتيكما[38] الطعام.

و الوجه الخامس؛ تأويل: بمعنى: تحقيق؛ قوله تعالى مخبرا[39] عن يوسف عليه السلام: يا أبت هذا تأويل رءياي من قبل‏[40] يعنى: تحقيق رؤياى‏[41].[42]




التحرير و التنوير ج‏1 14

و قد جرت عادة المفسرين بالخوض في بيان معنى التأويل، و هل هو مساو للتفسير

التحرير و التنوير، ج‏1، ص: 15

أو أخص منه أو مباين؟ و جماع القول في ذلك أن من العلماء من جعلهما متساويين، و إلى ذلك ذهب ثعلب و ابن الأعرابي و أبو عبيدة، و هو ظاهر كلام الراغب، و منهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر و التأويل للمتشابه، و منهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل فيكون هنا بالمعنى الأصولي، فإذا فسر قوله تعالى:

يخرج الحي من الميت* [الروم: 19] بإخراج الطير من البيضة، فهو التفسير، أو بإخراج المسلم من الكافر فهو التأويل، و هنا لك أقوال أخر لا عبرة بها، و هذه كلها اصطلاحات لا مشاحة فيها إلا أن اللغة و الآثار تشهد للقول الأول، لأن التأويل مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية المقصودة، و الغاية المقصودة من اللفظ هو معناه و ما أراده منه المتكلم به من المعاني فساوى التفسير، على أنه لا يطلق إلا على ما فيه تفصيل معنى خفي معقول قال الأعشى:

على أنها كانت تأول حبها

تأول ربعي السقاب فأصحبا

أي تبيين تفسير حبها أنه كان صغيرا في قلبه، فلم يزل يشب حتى صار كبيرا كهذا السقب أي ولد الناقة، الذي هو من السقاب الربيعية لم يزل يشب حتى كبر و صار له ولد يصحبه قاله أبو عبيدة، و قد قال الله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله‏ [الأعراف: 53] أي ينتظرون إلا بيانه الذي هو المراد منه، و

قال صلى الله عليه و سلم في دعائه لابن عباس: «اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل»

، أي فهم معاني القرآن، و

في حديث عائشة رضي الله عنها: «كان صلى الله عليه و سلم يقول في ركوعه سبحانك اللهم ربنا و بحمدك، اللهم اغفر لي يتأول القرآن»

أي يعمل بقوله تعالى: فسبح بحمد ربك و استغفره‏ [النصر: 3] فلذلك جمع في دعائه التسبيح و الحمد و ذكر لفظ الرب و طلب المغفرة فقولها «يتأول» صريح في أنه فسر الآية بالظاهر منها و لم يحملها على ما تشير إليه من انتهاء مدة الرسالة و قرب انتقاله صلى الله عليه و سلم، الذي فهمه منها عمر و ابن عباس رضي الله عنهما.[43]




الميزان في تفسير القرآن ج‏3 23

و التأويل‏ من الأول و هو الرجوع فتأويل المتشابه هو المرجع الذي يرجع إليه، و تأويل القرآن هو المأخذ الذي يأخذ منه معارفه.

و قد ذكر الله سبحانه لفظ التأويل في موارد من كلامه فقال سبحانه: «و لقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى و رحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق»: الأعراف- 53، أي بالحق فيما أخبروا به و أنبئوا أن الله هو مولاهم الحق، و أن ما يدعون من دونه هو الباطل، و أن النبوة حق، و أن الدين حق، و أن الله يبعث من في القبور، و بالجملة

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 24

كل ما يظهر حقيقته يوم القيامة من أنباء النبوة و أخبارها.

و من هنا ما قيل: إن التأويل في الآية هو الخارج الذي يطابقه الخبر الصادق كالأمور المشهودة يوم القيامة التي هي مطابقات (اسم مفعول) أخبار الأنبياء و الرسل و الكتب.

و يرده: أن التأويل على هذا يختص بالآيات المخبرة عن الصفات و بعض الأفعال و عن ما سيقع يوم القيامة، و أما الآيات المتضمنة لتشريع الأحكام فإنها لاشتمالها على الإنشاء لا مطابق لها في الخارج عنها، و كذا ما دل منها على ما يحكم به صريح العقل كعدة من أحكام الأخلاق فإن تأويلها معها، و كذا ما دل على قصص الأنبياء و الأمم الماضية فإن تأويلها على هذا المعنى يتقدمها من غير أن يتأخر إلى يوم القيامة مع، أن ظاهر الآية يضيف التأويل إلى الكتاب كله لا إلى قسم خاص من آياته.

و مثلها قوله تعالى: «و ما كان هذا القرآن أن يفترى‏ إلى أن قال: أم يقولون افتراه‏ إلى أن قال: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين»: يونس- 39، و الآيات كما ترى تضيف التأويل إلى مجموع الكتاب.

و لذلك ذكر بعضهم أن‏ التأويل‏ هو الأمر العيني الخارجي الذي يعتمد عليه الكلام، و هو في مورد الأخبار المخبر به الواقع في الخارج، إما سابقا كقصص الأنبياء و الأمم الماضية، و إما لاحقا كما في الآيات المخبرة عن صفات الله و أسمائه و مواعيده و كل ما سيظهر يوم القيامة، و في مورد الإنشاء كآيات الأحكام المصالح المتحققة في الخارج كما في قوله تعالى: «و أوفوا الكيل إذا كلتم و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و أحسن تأويلا»: إسراء- 35، فإن تأويل إيفاء الكيل و إقامة الوزن هو المصلحة المترتبة عليهما في المجتمع و هو استقامة أمر الاجتماع الإنساني.

و فيه أولا: أن ظاهر هذه الآية: أن التأويل أمر خارجي و أثر عيني مترتب على فعلهم الخارجي الذي هو إيفاء الكيل و إقامة الوزن لا الأمر التشريعي الذي يتضمنه قوله. و أوفوا الكيل إذا كلتم و زنوا الآية، فالتأويل أمر خارجي هو مرجع و مآل لأمر خارجي آخر فتوصيف آيات الكتاب بكونها ذات تأويل من جهة حكايتها

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 25

عن معان خارجية (كما في الإخبار) أو تعلقها بأفعال أو أمور خارجية (كما في الإنشاء) لها تأويل، فالوصف وصف بحال متعلق الشي‏ء لا بحال نفس الشي‏ء.

و ثانيا: أن التأويل و إن كان هو المرجع الذي يرجع و يئول إليه الشي‏ء لكنه رجوع خاص لا كل رجوع، فإن المرئوس يرجع إلى رئيسه و ليس بتأويل له، و العدد يرجع إلى الواحد و ليس بتأويل له، فلا محالة هو مرجع بنحو خاص لا مطلقا. يدل على ذلك قوله تعالى في قصة موسى و الخضر (ع): «سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا»: الكهف- 78، و قوله تعالى: «ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا»: الكهف- 82، و الذي نبأه لموسى صور و عناوين لما فعله (ع) في موارد ثلاث كان موسى (ع) قد غفل عن تلك الصور و العناوين، و تلقى بدلها صورا و عناوين أخرى أوجبت اعتراضه بها عليه، فالموارد الثلاث: هي قوله تعالى: «حتى إذا ركبا في السفينة خرقها»: الكهف- 71، و قوله تعالى: «حتى إذا لقيا غلاما فقتله»: الكهف- 74، و قوله تعالى: «حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه»: الكهف- 77.

و الذي تلقاه موسى (ع) من صور هذه القضايا و عناوينها قوله: «أ خرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا»: الكهف- 71، و قوله: «أ قتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا»: الكهف- 74، و قوله: «لو شئت لاتخذت عليه‏ أجرا»: الكهف- 77.

و الذي نبأ به الخضر من التأويل قوله: «أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا و أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا و كفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة و أقرب رحما، و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، و كان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما و يستخرجا كنزهما رحمة من ربك»: الكهف- 82، ثم أجاب عن جميع ما اعترض عليه موسى (ع) جملة بقوله: «و ما فعلته عن أمري»: الكهف- 82، فالذي أريد من التأويل في هذه الآيات كما ترى هو رجوع الشي‏ء إلى صورته و عنوانه نظير رجوع الضرب إلى التأديب و رجوع الفصد إلى العلاج، لا نظير رجوع قولنا: جاء زيد إلى مجي‏ء زيد في الخارج.

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 26

و يقرب من ذلك ما ورد من لفظ التأويل في عدة مواضع من قصة يوسف (ع) كقوله تعالى: «إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين»: يوسف- 4، و قوله تعالى: و رفع أبويه على العرش و خروا له سجدا و قال يا أبت هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا»: يوسف- 100، فرجوع ما رآه من الرؤيا إلى سجود أبويه و إخوته له و إن كان رجوعا لكنه من قبيل رجوع المثال إلى الممثل، و كذا قوله تعالى: «و قال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف و سبع سنبلات خضر و أخر يابسات، يا أيها الملأ أفتوني في رءياي إن كنتم للرءيا تعبرون، قالوا أضغاث أحلام و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، و قال الذي نجا منهما و ادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا إلى أن قال: قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون»: يوسف- 48.

و كذا قوله تعالى: «و دخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا، و قال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين‏ إلى أن قال: يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا و أما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان»: يوسف- 41.

و كذا قوله تعالى: «و يعلمك من تأويل الأحاديث»: يوسف- 61، و قوله تعالى: «و لنعلمه من تأويل الأحاديث»: يوسف- 21، و قوله تعالى: و علمتني من تأويل الأحاديث»: يوسف- 101، فقد استعمل التأويل في جميع هذه الموارد من قصة يوسف (ع) فيما يرجع إليه الرؤيا من الحوادث، و هو الذي كان يراه النائم فيما يناسبه من الصورة و المثال، فنسبة التأويل إلى ذي التأويل نسبة المعنى إلى صورته التي يظهر بها، و الحقيقة المتمثلة إلى مثالها الذي تتمثل به، كما كان الأمر يجري هذا المجرى فيما أوردناه من الآيات في قصة موسى و الخضر (ع)، و كذا في قوله تعالى: و أوفوا الكيل إذا كلتم‏ إلى قوله‏ و أحسن تأويلا الآية: إسراء- 35.

و التدبر في آيات القيامة يعطي أن المراد هو ذلك أيضا في لفظة التأويل في قوله تعالى: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله‏ الآية، و قوله تعالى «هل ينظرون‏

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 27

إلا تأويله يوم يأتي تأويله‏» الآية» فإن أمثال قوله تعالى: «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد»: ق- 22، تدل على أن مشاهدة وقوع ما أخبر به الكتاب و أنبأ به الأنبياء يوم القيامة من غير سنخ المشاهدة الحسية التي نعهدها في الدنيا كما أن نفس وقوعها و النظام الحاكم فيها غير ما نألفه في نشأتنا هذه، و سيجي‏ء مزيد بيان له فرجوع أخبار الكتاب و النبوة إلى مضامينها الظاهرة يوم القيامة ليس من قبيل رجوع الإخبار عن الأمور المستقبلة إلى تحقق مضامينها في المستقبل.

فقد تبين بما مر: أولا: أن كون الآية ذات تأويل ترجع إليه غير كونها متشابهة ترجع إلى آية محكمة.

و ثانيا: أن التأويل لا يختص بالآيات المتشابهة بل لجميع القرآن تأويل فللآية المحكمة تأويل كما أن للمتشابهة تأويلا.

و ثالثا: أن التأويل ليس من المفاهيم التي هي مداليل للألفاظ بل هو من الأمور الخارجية العينية، و اتصاف الآيات بكونها ذات تأويل من قبيل الوصف بحال المتعلق، و أما إطلاق التأويل و إرادة المعنى المخالف لظاهر اللفظ، فاستعمال مولد نشأ بعد نزول القرآن لا دليل أصلا على كونه هو المراد من قوله تعالى: و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله‏ الآية، كما لا دليل على أكثر المعاني المذكورة للتأويل مما سننقله عن قريب.[44]

الميزان في تفسير القرآن ج‏3 44

3 ما معنى التأويل‏؟

فسر قوم من المفسرين‏ التأويل‏ بالتفسير و هو المراد من الكلام و إذ كان المراد من بعض الآيات معلوما بالضرورة كان المراد بالتأويل على هذا من قوله تعالى‏ و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله‏ الآية هو المعنى المراد بالآية، المتشابهة، فلا طريق إلى العلم بالآيات المتشابه على هذا القول لغير الله سبحانه أو لغيره و غير الراسخين في العلم.

و قالت طائفة أخرى: إن المراد بالتأويل: هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ، و قد شاع هذا المعنى بحيث عاد اللفظ حقيقة ثانية فيه بعد ما كان بحسب اللفظ لمعنى مطلق الإرجاع أو المرجع.

و كيف كان فهذا المعنى هو الشائع عند المتأخرين كما أن المعنى الأول هو الذي كان شائعا بين قدماء المفسرين سواء فيه من كان يقول: إن التأويل لا يعلمه إلا الله، و من كان يقول إن الراسخين في العلم أيضا يعلمونه كما نقل‏

عن ابن عباس أنه كان يقول": أنا من الراسخين في العلم و أنا أعلم تأويله.

و ذهب طائفة أخرى: إلى أن التأويل معنى من معاني الآية لا يعلمه إلا الله تعالى، أو لا يعلمه إلا الله و الراسخون في العلم مع عدم كونه خلاف ظاهر اللفظ، فيرجع الأمر إلى أن للآية المتشابهة معاني متعددة بعضها تحت بعض، منها ما هو تحت اللفظ يناله جميع الأفهام، و منها ما هو أبعد منه لا يناله إلا الله سبحانه أو هو تعالى و الراسخون في العلم.

و قد اختلفت أنظارهم في كيفية ارتباط هذه المعاني باللفظ فإن من المتيقن أنها من حيث كونها مرادة من اللفظ ليست في عرض واحد و إلا لزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد و هو غير جائز على ما بين في محله، فهي لا محالة معان مترتبة في‏

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 45

الطول: فقيل: إنها لوازم معنى اللفظ إلا أنها لوازم مترتبة بحيث يكون للفظ معنى مطابقي و له لازم و للازمه لازم و هكذا، و قيل: إنها معان مترتبة بعضها على بعض ترتب الباطن على ظاهره، فإرادة المعنى المعهود المألوف إرادة لمعنى اللفظ و إرادة لباطنه بعين إرادته نفسه كما إنك إذا قلت: اسقني فلا تطلب بذاك إلا السقي و هو بعينه طلب للإرواء، و طلب لرفع الحاجة الوجودية، و طلب للكمال الوجودي و ليس هناك أربعة أوامر و مطالب، بل الطلب الواحد المتعلق بالسقي متعلق بعينه بهذه الأمور التي بعضها في باطن بعض و السقي مرتبط بها و معتمد عليها.

و هاهنا قول رابع: و هو أن التأويل ليس من قبيل المعاني المرادة باللفظ بل هو الأمر العيني الذي يعتمد عليه الكلام، فإن كان الكلام حكما إنشائيا كالأمر و النهي فتأويله المصلحة التي توجب إنشاء الحكم و جعله و تشريعه، فتأويل قوله: أقيموا الصلاة مثلا هو الحالة النورانية الخارجية التي تقوم بنفس المصلي في الخارج فتنهاه عن الفحشاء و المنكر، و إن كان الكلام خبريا فإن كان إخبارا عن الحوادث الماضية كان تأويله نفس الحادثة الواقعة في ظرف الماضي كالآيات المشتملة على أخبار الأنبياء و الأمم الماضية فتأويلها نفس القضايا الواقعة في الماضي، و إن كان إخبارا عن الحوادث و الأمور الحالية و المستقبلة فهو على قسمين: فإما أن يكون المخبر به من الأمور التي تناله الحواس أو تدركه العقول كان أيضا تأويله ما هو في الخارج من القضية الواقعة كقوله تعالى: «و فيكم سماعون لهم»: التوبة- 47، و قوله تعالى: «غلبت الروم في أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين»: الروم- 4 و إن كان من الأمور المستقبلة الغيبية التي لا تناله حواسنا الدنيوية و لا يدرك حقيقتها عقولنا كالأمور المربوطة بيوم القيامة و وقت الساعة و حشر الأموات و الجمع و السؤال و الحساب و تطاير الكتب، أو كان مما هو خارج من سنخ الزمان و إدراك العقول كحقيقة صفاته و أفعاله تعالى فتأويلها أيضا نفس حقائقها الخارجية.

و الفرق بين هذا القسم أعني الآيات المبينة لحال صفات الله تعالى و أفعاله و ما يلحق بها من أحوال يوم القيامة و نحوها و بين الأقسام الأخر أن الأقسام الأخر يمكن حصول العلم بتأويلها بخلاف هذا القسم، فإنه لا يعلم حقيقة تأويله إلا الله تعالى، نعم يمكن أن يناله الراسخون في العلم بتعليم الله تعالى بعض النيل على قدر ما تسعه عقولهم،

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 46

و أما حقيقة الأمر الذي هو حق التأويل فهو مما استأثر الله سبحانه بعلمه.

فهذا هو الذي يتحصل من مذاهبهم في معنى التأويل، و هي أربعة.

و هاهنا أقوال أخر ذكروها هي في الحقيقة من شعب القول الأول و إن تحاشى القائلون بها عن قبوله.

فمن جملتها أن التفسير أعم من التأويل و أكثر استعماله في الألفاظ و مفرداتها و أكثر استعمال التأويل في المعاني و الجمل، و أكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية، و يستعمل التفسير فيها و في غيرها.

و من جملتها: أن التفسير بيان معنى اللفظ الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا و التأويل تشخيص أحد محتملات اللفظ بالدليل استنباطا.

و من جملتها: أن التفسير بيان المعنى المقطوع من اللفظ و التأويل ترجيع أحد المحتملات من المعاني غير المقطوع بها، و هو قريب من سابقه.

و من جملتها: أن التفسير بيان دليل المراد و التأويل بيان حقيقة المراد، مثاله:

قوله تعالى: إن ربك لبالمرصاد فتفسيره: أن المرصاد مفعال من قولهم: رصد يرصد إذا راقب، و تأويله التحذير عن التهاون بأمر الله و الغفلة عنه.

و من جملتها: أن التفسير بيان المعنى الظاهر من اللفظ و التأويل بيان المعنى المشكل.

و من جملتها: أن التفسير يتعلق بالرواية و التأويل يتعلق بالدراية.

و من جملتها: أن التفسير يتعلق بالاتباع و السماع و التأويل يتعلق بالاستنباط و النظر. فهذه سبعة أقوال هي في الحقيقة من شعب القول الأول الذي نقلناه، يرد عليها ما يرد عليه و كيف كان فلا يصح الركون إلى شي‏ء من هذه الأقوال الأربعة و ما ينشعب منها.

أما إجمالا: فلأنك قد عرفت: أن المراد بتأويل الآية ليس مفهوما من المفاهيم تدل عليه الآية سواء كان مخالفا لظاهرها أو موافقا، بل هو من قبيل الأمور الخارجية، و لا كل أمر خارجي حتى يكون المصداق الخارجي للخبر تأويلا له، بل أمر خارجي‏

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 47

مخصوص نسبته إلى الكلام نسبة الممثل إلى المثل بفتحتين و الباطن إلى الظاهر.

و أما تفصيلا فيرد على القول الأول: أن أقل ما يلزمه أن يكون بعض الآيات القرآنية لا ينال تأويلها أي تفسيرها أي المراد من مداليلها اللفظية عامة الأفهام، و ليس في القرآن آيات كذلك بل القرآن ناطق بأنه إنما أنزل قرآنا ليناله الأفهام، و لا مناص لصاحب هذا القول إلا أن يختار أن الآيات المتشابهة إنما هي فواتح السور من الحروف المقطعة حيث لا ينال معانيها عامة الأفهام، و يرد عليه: أنه لا دليل عليه، و مجرد كون التأويل مشتملا على معنى الرجوع و كون التفسير أيضا غير خال عن معنى الرجوع لا يوجب كون التأويل هو التفسير كما أن الأم مرجع لأولادها و ليست بتأويل لهم، و الرئيس مرجع للمرءوس و ليس بتأويل له.

على أن ابتغاء الفتنة عد في الآية خاصة مستقلة للتشابه و هو يوجد في غير فواتح السور فإن أكثر الفتن المحدثة في الإسلام إنما حدثت باتباع علل الأحكام و آيات الصفات و غيرها.

و أما القول الثاني فيرد عليه: أن لازمه وجود آيات في القرآن أريد بها معان يخالفها ظاهرها الذي يوجب الفتنة في الدين بتنافيه مع المحكمات، و مرجعه إلى أن في القرآن اختلافا بين الآيات لا يرتفع إلا بصرف بعضها عن ظواهرها إلى معان لا يفهمها عامة الأفهام، و هذا يبطل الاحتجاج الذي في قوله تعالى: «أ فلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»: النساء- 82، إذ لو كان ارتفاع اختلاف آية مع آية بأن يقال: إنه أريد بإحداهما أو بهما معا غير ما يدل عليه الظاهر بل معنى تأويلي باصطلاحهم لا يعلمه إلا الله سبحانه مثلا لم تنجح حجة الآية، فإن انتفاء الاختلاف بالتأويل باصطلاحهم في كل مجموع من الكلام و لو كان لغير الله أمر ممكن، و لا دلالة فيه على كونه غير كلام البشر، إذ من الواضح أن كل كلام حتى القطعي الكذب و اللغو يمكن إرجاعه إلى الصدق و الحق بالتأويل و الصرف عن ظاهره، فلا يدل ارتفاع الاختلاف بهذا المعنى عن مجموع كلام على كونه كلام من يتعالى عن اختلاف الأحوال، و تناقض الآراء، و السهو و النسيان و الخطاء و التكامل بمرور الزمان كما هو المعني بالاحتجاج في الآية، فالآية بلسان احتجاجها صريح في أن القرآن معرض لعامة الأفهام، و مسرح للبحث و التأمل و التدبر، و ليس فيه آية أريد

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 48

بها معنى يخالف ظاهر الكلام العربي و لا أن فيه أحجية و تعمية.

و أما القول الثالث فيرد عليه: أن اشتمال الآيات القرآنية على معان مترتبة بعضها فوق بعض و بعضها تحت بعض مما لا ينكره إلا من حرم نعمة التدبر، إلا أنها جميعا- و خاصة لو قلنا إنها لوازم المعنى- مداليل لفظية مختلفة من حيث الانفهام و ذكاء السامع المتدبر و بلادته، و هذا لا يلائم قوله تعالى في وصف التأويل: و ما يعلم تأويله إلا الله‏، فإن المعارف العالية و المسائل الدقيقة لا يختلف فيها الأذهان من حيث التقوى و طهارة النفس بل من حيث الحدة و عدمها، و إن كانت التقوى و طهارة النفس معينين في فهم المعارف الطاهرة الإلهية لكن ذلك ليس على نحو الدوران و العلية كما هو ظاهر قوله‏ و ما يعلم تأويله إلا الله‏.

و أما القول الرابع فيرد عليه: أنه و إن أصاب في بعض كلامه لكنه أخطأ في بعضه الآخر فإنه و إن أصاب في القول بأن التأويل لا يختص بالمتشابه بل يوجد لجميع القرآن، و أن التأويل ليس من سنخ المدلول اللفظي بل هو أمر خارجي يبتني عليه الكلام لكنه أخطأ في عد كل أمر خارجي مرتبط بمضمون الكلام حتى مصاديق الأخبار الحاكية عن الحوادث الماضية و المستقبلة تأويلا للكلام، و في حصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات و آيات القيامة.

توضيحه: أن المراد حينئذ من التأويل في قوله تعالى: و ابتغاء تأويله‏ «إلخ» إما أن يكون تأويل القرآن برجوع ضميره إلى الكتاب فلا يستقيم قوله: و ما يعلم تأويله إلا الله‏ «إلخ» فإن كثيرا من تأويل القرآن و هو تأويلات القصص بل الأحكام أيضا و آيات الأخلاق مما يمكن أن يعلمه غيره تعالى و غير الراسخين في العلم من الناس حتى الزائغون قلبا على قوله فإن الحوادث التي تدل عليها آيات القصص يتساوى في إدراكها جميع الناس من غير أن يحرم عنه بعضهم، و كذا الحقائق الخلقية و المصالح التي يوجدها العمل بالأحكام من العبادات و المعاملات و سائر الأمور المشرعة.

و إن كان المراد بالتأويل فيه تأويل المتشابه فقط استقام الحصر في قوله: و ما يعلم تأويله إلا الله‏ إلخ، و أفاد أن غيره تعالى و غير الراسخين في العلم مثلا لا ينبغي لهم ابتغاء تأويل المتشابه، و هو يؤدي إلى الفتنة و إضلال الناس لكن لا وجه لحصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات و القيامة فإن الفتنة و الضلال كما يوجد في تأويلها

الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 49

يوجد في تأويل غيرها من آيات الأحكام و القصص و غيرهما كأن يقول القائل (و قد قيل) إن المراد من تشريع الأحكام إحياء الاجتماع الإنساني بإصلاح شأنه بما ينطبق على الصلاح، فلو فرض أن صلاح المجتمع في غير الحكم المشرع، أو أنه لا ينطبق على صلاح الوقت وجب اتباعه و إلغاء الحكم الديني المشرع. و كأن يقول القائل (و قد قيل) إن المراد من كرامات الأنبياء المنقولة في القرآن أمور عادية، و إنما نقل بألفاظ ظاهرها خلاف العادة لصلاح استمالة قلوب العامة لانجذاب نفوسهم و خضوع قلوبهم لما يتخيلونه خارقا للعادة قاهرا لقوانين الطبيعة. و يوجد في المذاهب المنشعبة المحدثة في الإسلام شي‏ء كثير من هذه الأقاويل، و جميعها من التأويل في القرآن ابتغاء للفتنة بلا شك، فلا وجه لقصر المتشابه على آيات الصفات و آيات القيامة.

إذا عرفت ما مر علمت: أن الحق في تفسير التأويل‏ أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم أو موعظة أو حكمة، و أنه موجود لجميع الآيات القرآنية: محكمها و متشابهها، و أنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ، و إنما قيدها الله سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب فهي كالأمثال تضرب ليقرب بها المقاصد و توضح بحسب ما يناسب فهم السامع كما قال تعالى: «و الكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم»: الزخرف- 4 و في القرآن تصريحات و تلويحات بهذا المعنى.

على أنك قد عرفت فيما مر من البيان أن القرآن لم يستعمل لفظ التأويل في الموارد التي- استعملها و هي ستة عشر موردا على ما عدت- إلا في المعنى الذي ذكرناه.[45]




التأويل في مختلف المذاهب و الآراء 9

مفهوم التأويل‏

التأويل من «الأول» و هو الرجوع إلى الأصل. قال الراغب: و منه «الموئل» للموضع الذي يرجع إليه، و ذلك هو رد الشي‏ء إلى الغاية المرادة منه، علما كان أو فعلا. ففي العلم نحو: و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم‏[46]. و في الفعل كقول الشاعر:

و للنوى قبل يوم البين تأويل‏[47]

و قوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله‏[48]، أي: بيانه الذي هو غايته المقصودة منه، و قوله: ذلك خير و أحسن تأويلا[49] و[50]، أي: أحسن مآلا و عاقبة.

و الفرق بين «الأول» و «الرجوع»: أن «الرجوع» مأخوذ فيه العودة إلى حيث بدأ،

التأويل في مختلف المذاهب و الآراء، ص: 10

يقال: رجع، أي: عاد إلى موضعه حيث كان. أما «الأول» فهو الانتهاء إلى الشي‏ء الذي هو أصله و حقيقته، من غير أن يلحظ في مفهومه العودة.

و عليه فالتأويل: إرجاع لظاهر الكلام أو العمل إلى حيث حقيقته و أصله المراد منه، كما في باب المتشابهات من الأفعال‏[51] و الأقوال‏[52].

و هناك مصطلح آخر للتأويل، بمعنى: إرجاع ظاهر التعبير- الذي يبدو خاصا حسب التنزيل- إلى مفهوم عام يكون هو المقصود الأصل من الكلام. و قد اصطلحوا عليه بالبطن في مقابلة ظهر الآية، أي: المعنى العام الخابئ وراء ستار ظاهر اللفظ، و الذي انطوت عليه الآية في فحواها العام.

فالتأويل في باب المتشابهات هو توجيهها إلى وجهها المقبول، أما التأويل بمعنى البطن في مقابلة الظهر فهو الأخذ بمفهوم الآية العام بعد إعفاء ملابساتها الخاصة التي كانت تجعلها قيد التاريخ، و لتصبح الآية ذات رسالة خالدة عبر الدهور[53].

و جاء التأويل أيضا بمعنى تعبير الرؤيا في مواضع من سورة يوسف‏[54]، باعتبار أنها ترمز و تؤول إلى معان خافية يكشفها المعبر حسبما أوتي من علم بتأويل الأحاديث.

أما التأويل في دارج اللغة فيعني: الانتهاء إلى مآل الأمر و عاقبته المتوقعة، من خير أو شر: و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و أحسن تأويلا[55] أي: أحسن‏

التأويل في مختلف المذاهب و الآراء، ص: 11

مآلا و عاقبة، هل ينظرون إلا تأويله‏ أي: ماذا يؤول إليه أمر الإسلام‏ يوم يأتي تأويله‏[56]، أي: تبدو لهم عاقبته السيئة لهم‏ و لات حين مناص‏[57].

و قوله: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله‏[58]، أي: كذبوا بهذا القرآن حيث لم يعرفوه المعرفة التامة و من جميع وجوهه، بل عرفوا منه معرفة ظاهرة سطحية، و من غير تعمق في اللب و الحقيقة، و من ثم كذبوا به، و لما يأتهم تأويله‏ أي: و بعد لم يتبين لهم حقيقته الحقة الناصعة. فالتأويل هنا بمعنى التبيين الكاشف عن حقيقة الحال، و الناس أعداء ما جهلوا.

و التأويل بمعنى التفسير المتعمق فيه كان هو الشائع عند السلف، و منه دعاء النبي صلى الله عليه و اله لابن عباس: «اللهم، فقهه في الدين، و علمه التأويل»[59].

و الفقه هو الفهم الدقيق، كما أن التأويل هو التفسير العميق، و هكذا دأب أبو جعفر الطبري على التعبير بالتأويل في تفسيره للآيات. و لعل التعبير بالتأويل في باب المتشابهات جاء أيضا من ذلك، حيث هو تفسير متعمق فيه، لا يصلح له سوى من كان راسخا في العلم.

و عليه، فالتأويل بجميع التعابير الواردة فيه، سواء أكان بمعنى توجيه المتشابه أم الأخذ بمفهوم الآية العام أو تعبير الرؤيا أو عاقبة الأمر و مآله، كل ذلك يرجع إلى مفهوم واحد، و هو تفسير الشي‏ء تفسيرا يكشف النقاب عن وجه المراد تماما و كمالا، و لا يدع لطرو الشك أو الشبهة فيه مجالا.

و الكلام هنا يقع في موضعين: في التأويل بمعنى توجيه المتشابه من قول أو فعل، و التأويل بمعنى تبيين المفهوم العام الذي انطوت عليه الآية، و إليك:

التأويل في مختلف المذاهب و الآراء، ص: 13

تأويل المتشابه‏

أما تأويل المتشابه فهو بمعنى توجيهه حيث يقبله العقل و يرتضيه الشرع. و هذا قد يكون في عمل متشابه، حيث أحاطت به هالة من إبهام ربما كان مثيرا للريب، كما في أعمال قام بها صاحب موسى، حيث أثار من ريبه ليقوم باستيضاحه عن جلي الأمر؛ مستنكرا عليه تارة بقوله: لقد جئت شيئا إمرا و أخرى: لقد جئت شيئا نكرا فكانت الإجابة المبررة: سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا[60].

و قد يكون في كلام متشابه حيث علاه غبار إبهام و شبهة، كما في متشابهات القرآن، و هو موضع بحثنا هنا.

إذن، فالمتشابه من الكلام هو ما تشابه المراد منه، و احتمل وجوها لا يدرى وجه الصواب فيها ظاهرا. و هذا في قلة من آيات الذكر الحكيم، تعود إلى أوصافه تعالى الجمال و الكمال‏[61]، فلا يبلغ الواصفون حقيقة مفادها إلا النابهون الراسخون في العلم.

و هذا في مقابلة الأكثرية القاطعة من الآيات المحكمات، ذوات الدلالات الناصعة الواضحة البرهان.

التأويل في مختلف المذاهب و الآراء، ص: 14

التأويل نوع تفسير:

و عليه، فالتأويل- في باب المتشابهات- نوع تفسير يضم إلى رفع الإبهام عن وجه الآية، دفع الإشكال عنها أيضا؛ ليكون رفعا و دفعا معا.

إذ أن التفسير هو كشف القناع عن اللفظ المشكل، أي: رفع الإبهام عن وجهه، و الإبهام قد لا يكون عن شبهة، و إنما يكون عن غموض في التعبير أو إجمال في البيان، لا سيما و القرآن نزل حسب مناسبات و أسباب مستدعية لنزول وحي لعلاجها، فلا محالة كانت الآية- بلسان تعبيرها- ناظرة إلى تلك المناسبة أو السبب، فما لم تعرف المناسبة، و لم يعلم سبب النزول، لم ينكشف وجه المعنى تماما.

و كذا أكثرية آيات الأحكام- بما أنها نزلت لبيان أصول التشريع الإسلامي- فإنها مجملة المفاد، و إنما يفصلها و يبين تفاصيلها تبيين الرسول صلى الله عليه و اله‏[62] و خلفائه الكبار[63].

فما لم يراجع السنة الشريفة، لا يرتفع الإجمال من وجه الآية، و هكذا غير ذلك من أسباب الإجمال في تعابير القرآن، و يكون من وظيفة المفسر الخبير أن يقوم برفعها حسبما أوتي من حول و قوة.

و أما تأويل المتشابهات فهو مضافا إلى كونه عملية الكشف و رفع الإبهام عن وجه الآية، فإنه في نفس الوقت يعني بدفع الشبهة أو الشبهات المثارة حولها أيضا.

فهو أخص من التفسير و نوع منه.

و هكذا التأويل بمعنى الكشف عن المفهوم العام الخابئ وراء ستار اللفظ، نوع تفسير يعني بالمفاهيم الباطنة، و التي تشكل رسالة الآية الخالدة، يكشفها المفسر المضطلع الخبير، حسبما يأتي الكلام عنه.

إذن فالتأويل بكلا المعنيين، هو نوع تفسير يعود إلى عالم المفاهيم، و موطنها الذهن، يتجلى باللفظ و التعبير، و بالكتابة على الصحائف.

التأويل في مختلف المذاهب و الآراء، ص: 15

أما كونه ذات عين خارج الذهن و ملموسا بالحس كما حسبه ابن تيمية، أو ذات عين بسيطة خارج الألفاظ و المفاهيم كما تصوره سيدنا العلامة الطباطبائي، فهذا و ذاك قد يبدوان غريبين عن المتفاهم المألوف لدى السلف و الخلف. و سيوافيك الكلام عن ذلك.[64]




التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب ج‏1 20

معاني التأويل‏

جاء استعمال لفظ «التأويل» في القرآن على ثلاثة وجوه:

1- تأويل المتشابه، بمعنى توجيهه حيث يصح و يقبله العقل و النقل، إما في متشابه القول، كما في قوله تعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله ..[65]، أو في متشابه الفعل، كما في قوله: سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا[66].

2- تعبير الرؤيا، و قد جاء مكررا في سورة يوسف في ثمانية مواضع:

(6 و 21 و 36 و 37 و 44 و 45 و 100 و 101) 3- مآل الأمر و عاقبته، و ما ينتهى إليه الأمر في نهاية المطاف، قال تعالى: و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و أحسن تأويلا[67]، أي أعود نفعا و أحسن عاقبة.

و لعل منه قوله: .. فإن تنازعتم في شي‏ء فردوه إلى الله و الرسول، إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر، ذلك خير و أحسن تأويلا[68]، أي أنتج فائدة و أفضل مآلا.

و يحتمل أوجه تفسيرا و أتقن تخريجا للمعنى المراد، نظير قوله تعالى:

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 21

و لو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم‏[69]، و قال تعالى: هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله‏[70]، أي هل ينتظرون ما ذا يؤول إليه أمر الشريعة و القرآن، لكن لا يطول بهم الانتظار يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين‏[71]، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار[72]، و لات حين مناص‏.[73] 4- و المعنى الرابع- للتأويل- جاء استعماله في كلام السلف: مفهوم عام، منتزع من فحوى الآية الواردة بشأن خاص؛ حيث العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.

و قد عبر عنه بالبطن المنطوي عليه دلالة الآية في واقع المراد، في مقابلة الظهر المدلول عليه بالوضع و الاستعمال، حسب ظاهر الكلام.

قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ما في القرآن آية إلا و لها ظهر و بطن».

سئل الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام عن هذا الحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،

فقال: «ظهره تنزيله و بطنه تأويله، منه ما قد مضى و منه ما لم يكن، يجري كما تجري الشمس و القمر»[74].

و

قال عليه السلام: «و لو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم، ماتت الآية و لما بقي من القرآن شي‏ء. و لكن القرآن يجري أوله على آخره، ما دامت‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 22

السماوات و الأرض، و لكل قوم آية يتلونها، هم منها من خير أو شر»[75].

و

في الحديث عنه صلى الله عليه و آله و سلم: «إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، و هو علي بن أبي طالب»[76].

فإنه صلى الله عليه و آله و سلم قاتل على تنزيل القرآن؛ حيث كان ينزل بشأن قريش و مشركي العرب ممن عاند الحق و عارض ظهور الإسلام. أما علي عليه السلام فقد قاتل أشباه القوم ممن عارضوا بقاء الإسلام، على نمط معارضة أسلافهم في البدء.

و لهذا المعنى عرض عريض، و لعله هو الكافل لشمول القرآن و عمومه لكل الأزمان و الأحيان. فلولا تلك المفاهيم العامة، المنتزعة من موارد خاصة- وردت الآية بشأنها بالذات- لما بقيت لأكثر الآيات كثير فائدة، سوى تلاوتها و ترتيلها ليل نهار.

و إليك بعض الأمثلة على ذلك:

مفاهيم عامة منتزعة من الآيات‏

قال تعالى: و اعلموا أنما غنمتم من شي‏ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربى‏[77].

نزلت بشأن غنائم بدر، و غاية ما هناك أن عمت غنائم جميع الحروب، على شرائطها.

لكن الإمام أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام نراه يأخذ بعموم الموصول، و يفسر «الغنيمة» بمطلق الفائدة، و أرباح المكاسب و التجارات، يربحها أرباب‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 23

الصناعات و التجارات و غيرهم طول عامهم، في كل سنة بشكل عام.

قال عليه السلام: «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى:

و اعلموا أنما غنمتم من شي‏ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربى‏.

و هكذا

عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام: «الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[78].

و قال تعالى: و أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[79].

نزلت بشأن الإعداد للجهاد، دفاعا عن حريم الإسلام، فكان مفروضا على أصحاب الثروات القيام بنفقات الجهاد، دون سيطرة العدو الذي لا يبقي و لا يذر.

لكن «السبيل» لا يعني القتال فحسب، فهو يعم سبيل إعلاء كلمة الدين و تحكيم كلمة الله في الأرض، و يتلخص في تثبيت أركان الحكم الإسلامي في البلاد، في جميع أبعاده: الإداري و الاجتماعي و التربوي و السياسي و العسكري، و ما شابه. و هذا إنما يقوم بالمال؛ حيث المال طاقة يمكن تبديلها إلى أي طاقة شئت، و من ثم قالوا: قوام الملك بالمال .. فالدولة القائمة بذاتها إنما تكون قائمة إذا كانت تملك الثروة اللازمة لإدارة البلاد في جميع مناحيها.

و هذا المال يجب توفره على أيدي العائشين تحت لواء الدولة الحاكمة، و يكون مفروضا عليهم دفع الضرائب و الجبايات، كل حسب مكنته و ثروته، الأمر الذي يكون شيئا وراء الأخماس و الزكوات التي لها مصارف خاصة، لا تعني شئون الدولة فحسب.

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 24

و هذه هي (المالية) التي يكون تقديرها و توزيعها على الأموال و الممتلكات، حسب حاجة الدولة و تقديرها، و من ثم لم يتعين جانب تقديرها في الشريعة، على خلاف الزكوات و الأخماس؛ حيث تعين المقدار و المصرف و المورد فيها بالنص.

فقد فرض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق في كل فرس في كل عام دينارين، و على البراذين دينارا.[80]

ضابطة التأويل‏

و مما يجدر التنبه له أن للأخذ بدلائل الكلام- سواء أ كانت جلية أم خفية- شرائط و معايير، لا بد من مراعاتها للحصول على الفهم الدقيق. فكما أن لتفسير الكلام- و هو الكشف عن المعاني الظاهرية للقرآن- قواعد و أصول مقررة في علم الأصول و المنطق، كذلك كانت لتأويل الكلام- و هو الحصول على المعاني الباطنية للقرآن- شرائط و معايير، لا ينبغي إعفاؤها و إلا كان تأويلا بغير مقياس، بل كان من التفسير بالرأي الممقوت.

و ليعلم أن التأويل- و هو من الدلالات الباطنية للكلام- داخل في قسم الدلالات الالتزامية غير البينة، فهو من دلالة الألفاظ لكنها غير البينة، و دلالة الألفاظ جميعا مبتنية على معايير يشرحها علم الميزان؛ فكان التأويل- و هو دلالة باطنة- بحاجة إلى معيار معروف كي يخرجه عن كونه تفسيرا بالرأي.

فمن شرائط التأويل الصحيح- أي التأويل المقبول في مقابلة التأويل المرفوض- أولا: رعاية المناسبة القريبة بين ظهر الكلام و بطنه، أي بين الدلالة

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 25

الظاهرية و هذه الدلالة الباطنية للكلام، فلا تكون أجنبية، لا مناسبة بينها و بين اللفظ أبدا. فإذا كان التأويل- كما عرفناه- هو المفهوم العام المنتزع من فحوى الكلام، كان لا بد أن هناك مناسبة لفظية أو معنوية استدعت هذا الانتزاع.

مثلا: لفظة «الميزان» وضعت لآلة الوزن المعروفة ذات الكفتين، و قد جاء الأمر بإقامتها و عدم البخس فيها، في قوله تعالى: و أقيموا الوزن بالقسط و لا تخسروا الميزان‏[81].

لكنا إذا جردنا اللفظ من قرائن الوضع و غيره و أخلصناه من ملابسات الأنس الذهني، فقد أخذنا بمفهومه العام: كل ما يوزن به الشي‏ء، أي شي‏ء كان ماديا أم معنويا، فإنه يشمل كل مقياس أو معيار كان يقاس به أو يوزن به في جميع شئون الحياة، و لا يختص بهذه الآلة المادية فحسب.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي: فالميزان آلة التعديل في النقصان و الرجحان، و الوزن يعدل في ذلك. و لو لا الميزان لتعذر الوصول إلى كثير من الحقوق؛ فلذلك نبه تعالى على النعمة فيه و الهداية إليه. و قيل: المراد بالميزان: العدل؛ لأن المعادلة موازنة الأسباب‏[82].

و

روى محمد بن العباس المعروف بماهيار (ت ح 330)- في كتابه الذي وضعه لبيان تأويل الآيات- بإسناده إلى الإمام الصادق عليه السلام قال: الميزان الذي وضعه الله للأنام، هو الإمام العادل الذي يحكم بالعدل، و بالعدل تقوم السماوات و الأرض، و قد أمر الناس أن لا يطغوا عليه و يطيعوه بالقسط و العدل، و لا يبخسوا من حقه،

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 26

أو يتوانوا في امتثال أوامره.[83]

و هكذا قوله تعالى: قل أ رأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين‏[84] كانت دلالة الآية في ظاهر تعبيرها واضحة؛ إن نعمة الوجود و وسائل العيش و التداوم في الحياة، كلها مرهونة بإرادته تعالى وفق تدبيره الشامل لكافة أنحاء الوجود.

و الله تعالى هو الذي مهد هذه البسيطة لإمكان الحياة عليها، و لو لا فضل الله و رحمته لعباده لضاقت عليهم الأرض بما رحبت.

هذا هو ظاهر الآية الكريمة، حسب دلالة الوضع و المتفاهم العام.

و للإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام بيان يمس جانب باطن الآية و دلالة فحواها العام،

قال: «إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فما ذا تصنعون».

و

قال الإمام علي الرضا عليه السلام: «ماؤكم: أبوابكم الأئمة، و الأئمة: أبواب الله.

فمن يأتيكم بماء معين، أي يأتيكم بعلم الإمام»[85].

لا شك أن استعارة «الماء المعين» للعلم النافع، و لا سيما المستند إلى وحي السماء- من نبي أو وصي نبي- أمر معروف و متناسب لا غبار عليه.

فكما أن الماء أصل الحياة المادية و المنشأ الأول لإمكان المعيشة على الأرض، كذلك العلم النافع. و علم الشريعة بالذات، هو الأساس لإمكان الحياة

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 27

المعنوية التي هي سعادة الوجود و البقاء مع الخلود.

يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم‏[86].

لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين‏[87].

فهنا قد لوحظ الماء- و هو أصل الحياة- في مفهومه العام المنتزع منه الشامل للعلم، فيعم الحياة المادية و المعنوية.

و أيضا قوله تعالى: فلينظر الإنسان إلى طعامه ...[88]، أي فليمعن النظر في طعامه، كيف عملت الطبيعة في تهيئته و تمهيد إمكان الحصول عليه، و لم يأته عفوا، و من غير سابقة مقدمات و تمهيدات. لو أمعن النظر فيها؛ لعرف مقدار فضله تعالى عليه، و لطفه و رحمته؛ و بذلك يكون تناول الطعام له سائغا، و مستدعيا للقيام بالشكر الواجب.

هذا، و

قد روى ثقة الإسلام الكليني بإسناده إلى زيد الشحام، قال: سألت الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قلت: ما طعامه؟ قال: «علمه الذي يأخذه عمن يأخذه».[89].

و المناسبة هنا- أيضا- ظاهرة؛ لأن العلم غذاء الروح، و لا بد من الاحتياط في الأخذ من منابعه الأصيلة، و لا سيما علم الشريعة و أحكام الدين الحنيف.

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 28

و ثانيا: مراعاة النظم و الدقة في إلغاء الخصوصيات المكتنفة بالكلام؛ ليخلص صفوه و يجلو لبابه في مفهومه العام، الأمر الذي يكفله قانون «السبر و التقسيم» من قوانين علم الميزان (علم المنطق) و المعبر عنه في علم الأصول: بتنقيح المناط، الذي يستعمله الفقهاء للوقوف على الملاك القطعي لحكم شرعي؛ ليدور التكليف أو الوضع معه نفيا و إثباتا، و لتكون العبرة بعموم الفحوى المستفاد، لا بخصوص العنوان الوارد في لسان الدليل. و هذا أمر معروف في الفقه، و له شرائط معروفة.

و مثال تطبيقه على معنى قرآني، قوله تعالى- حكاية عن موسى عليه السلام-: قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين‏[90].

هذه قوله نبي الله موسى عليه السلام قالها تعهدا منه لله تعالى، تجاه ما أنعم عليه من البسطة في العلم و الجسم: و لما بلغ أشده و استوى آتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين‏[91] قضى على عدو له بوكزة وكزه بها، فحسب أنه قد فرط منه ما لا ينبغي له، فاستغفر ربه فغفر له. فقال ذلك تعهدا منه لله، أن لا يستخدم قواه و قدره الذاتية، و التي منحه الله بها، في سبيل الفساد في الأرض، و لا يجعل ما آتاه الله من إمكانات معنوية و مادية في خدمة أهل الإجرام.

هذا ما يخص الآية في ظاهر تعبيرها بالذات.

و هل هذا أمر يخص موسى عليه السلام لكونه نبيا و من الصالحين، أم هو حكم عقلي بات يشمل عامة أصحاب القدرات، من علماء و أدباء و حكماء و أرباب صنائع و فنون، و كل من آتاه الله العلم و الحكمة و فصل الخطاب؟ لا ينبغي في‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 29

شريعة العقل أن يجعل ذلك ذريعة سهلة في متناول أهل العبث و الاستكبار في الأرض، بل يجعلها وسيلة ناجحة في سبيل إسعاد العباد و إحياء البلاد هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها[92].

و هذا الفحوى العام للآية الكريمة إنما يعرف وفق قانون «السبر و التقسيم» و إلغاء الخصوصيات المكتنفة بالموضوع، فيتنقح ملاك الحكم العام.

و في القرآن كثير من هذا القبيل، إنما الشأن في إمعان النظر و التدبر في الذكر الحكيم؛ و بذلك يبدو وجه استفادة فرض الأخماس من آية الغنيمة، و دفع الضرائب من آية الإنفاق في سبيل الله.

مزاعم في التأويل‏

هناك من حسب من تأويل القرآن شيئا وراء المفاهيم الذهنية أو التعابير الكلامية، و كان من نمط الأعيان الخارجية، و كان ما ورد في القرآن من حكم و آداب و تكاليف و أحكام كلها تعود إليه؛ إذ تنتزع منه و تنتهي إليه في نهاية المطاف، فكان ذلك تأويلا للقرآن في جميع آياته الكريمة.

و قد اختلفوا في تبيين تلك الحقيقة التي تعود إليها جميع الحقائق القرآنية في أصول معارفه و الأحكام:

ذكر ابن تيمية- في رسالة وضعها بشأن المتشابه و التأويل-: أن التأويل في عرف المتأخرين صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معنى مرجوح؛ لدليل يقترن به. فالتأويل- على هذا- يحتاج إلى دليل، و المتأول عليه وظيفتان: بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي يدعيه، و بيان الدليل الموجب للصرف إليه عن المعنى الظاهر.

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 30

قال: و أما التأويل- في عرف السلف- فله معينان: أحدهما: ما يرادف التفسير و البيان، و هو الذي عناه مجاهد بقوله: إن العلماء يعلمون تأويل القرآن، أي تفسيره و تبيينه.

و الثاني: نفس المراد بالكلام، إن كان طلبا فتأويله نفس العمل المطلوب، و إن كان خبرا فتأويله نفس الشي‏ء المخبر به.

قال: و بين هذا المعنى- الأخير- و الذي قبله- الذي جاء أولا في عرف السلف، و الذي جاء في عرف المتأخرين- بون؛ فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم و الكلام كالتفسير و الشرح و الإيضاح و يكون وجود التأويل في القلب و اللسان، له الوجود الذهني و اللفظي و الرسمي.

و أما هذا- المعنى الثاني في عرف السلف- فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء كانت ماضية أو مستقبلة. فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا نفس طلوعها.

قال: و هذا الوضع و العرف الثالث- الذي جاء ثانيا في عرف السلف- هو لغة القرآن التي نزل بها[93].

و قال في تفسير سورة الإخلاص- بعد كلام تفصيلي له عن تأويل المتشابه من الآيات، و أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله، و استعظام أن يكون جبرائيل و محمد صلى الله عليه و آله و سلم و الصحابة و التابعون لهم بإحسان و أئمة المسلمين لا يعرفون تأويل متشابه القرآن، و يكون الله تعالى قد استأثر بعلم معاني هذه الآيات كما استأثر بعلم الساعة، و أنهم جميعا كانوا يقرءون ألفاظا لا يفهمون لها معنى، كما

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 31

يقرأ أحدنا كلاما ليس من لغته فلا يعرف معناه، من قال ذلك فقد كذب على القوم، و المأثور عنهم متواترا يناقض هذا الزعم، و أنهم يفهمون معنى المتشابه كما يفهمون معنى المحكم- قال بعد ذلك:

فإن قيل: هذا يقدح فيما ذكرتم من الفرق بين التأويل الذي يراد به التفسير، و بين التأويل الذي في كتاب الله.

قيل: لا يقدح في ذلك، فإن معرفة تفسير اللفظ و معناه و تصوره في القلب، غير معرفة الحقيقة الموجودة في الخارج، المرادة بذلك الكلام.

فإن الشي‏ء له وجود في الأعيان، و وجود في الأذهان، و وجود في اللسان، و وجود في البيان. فالكلام لفظ له معنى في القلب، و يكتب ذلك اللفظ بالخط.

فإذا عرف الكلام و تصور معناه في القلب و عبر عنه باللسان، فهذا غير الحقيقة الموجودة في الخارج، و ليس كل من عرف الأول عرف عين الثاني.

مثال ذلك: أن أهل الكتاب يعلمون ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و خبره و نعته، و هذا معرفة الكلام و معناه و تفسيره، و تأويل ذلك هو نفس محمد المبعوث؛ فالمعرفة بعينه معرفة تأويل ذلك الكلام.

و كذلك الإنسان قد يعرف الحج و المشاعر، كالبيت و المساجد و منى و عرفة و مزدلفة، و يفهم معنى ذلك و لا يعرف الأمكنة حتى يشاهدها، فيعرف أن الكعبة المشاهدة هي المذكورة في قوله: و لله على الناس حج البيت‏ و كذلك أرض عرفات و غيرها.

و كذلك الرؤيا يراها الرجل، و يذكر له العابر تأويلها فيفهمه و يتصوره، ثم إذا كان ذلك فهو تأويل الرؤيا، ليس تأويلها نفس علمه و تصوره و كلامه؛ و لهذا قال يوسف الصديق: هذا تأويل رءياي من قبل‏ و قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما فقد أنبأهما بالتأويل قبل أن يأتي التأويل،

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 32

فنحن نعلم تأويل ما ذكر الله في القرآن من الوعد و الوعيد، و إن كنا لا نعرف متى يقع هذا التأويل المذكور في قوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله‏[94].

و قد أشاد السيد محمد رشيد رضا (منشئ مجلة المنار المصرية) من هذه النظرة التيمية بشأن تأويل القرآن، و أعجبته غاية الإعجاب. قال- بعد أن نقل عن شيخه الأستاذ محمد عبده، أن التأويل بمعنى ما يؤول إليه الشي‏ء و ينطبق عليه، لا بمعنى ما يفسر به‏[95]-: ليس في كتب التفسير المتداولة ما يروي الغليل في هذه المسألة، و ما ذكرناه آنفا هو صفوة ما قالوه، و خيرة كلام الأستاذ الإمام. و قد رأينا أن نرجع بعد كتابته إلى كلام في المتشابه و التأويل، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، فرجعنا إليه و قرأناه بإمعان، فإذا هو منتهى التحقيق و العرفان، و البيان الذي ليس وراءه بيان، أثبت فيه أنه ليس في القرآن كلام لا يفهم معناه، و أن المتشابه إضافي إذا اشتبه فيه الضعيف لا يشتبه فيه الراسخ، و أن التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى هو ما تؤول إليه تلك الآيات في الواقع، ككيفية صفاته تعالى، و كيفية عالم الغيب، و كيفية قدرته تعالى و تعلقها بالإيجاد و الإعدام، و كيفية استوائه على‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 33

العرش. و لا كيفية عذاب أهل النار، و لا نعيم أهل الجنة، كما قال تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين‏[96] فليست نار الآخرة كنار الدنيا، و إنما هي شي‏ء آخر. و ليست ثمرات الجنة و لبنها و عسلها من جنس المعهود لنا في هذا العالم، و إنما هو شي‏ء آخر يليق بذلك العالم و يناسبه.

قال: و إننا نبين ذلك بالإطناب الذي يحتمله المقام، مستمدين من كلام هذا الحبر العظيم، ناقلين بعض ما كتبه‏[97]. و جعل ينقل ما سرده ابن تيمية بإسهاب.

و هذا الذي ذكره ابن تيمية و أشاد به رشيد رضا، لا يعدو ما يعود إليه أمر الشي‏ء، أخذا بالمفهوم اللغوي لمادة التأويل. أما العين الخارجية بالذات فلعله من اشتباه المصداق بالمفهوم، فإن الوجود العيني للأشياء هي عين تشخصاتها المعبر عنها بالمصاديق الخارجية، و لم يعهد إطلاق لفظ «التأويل» على المصداق في متعارف الاستعمال إلا أن يكون من عرفهما الخاص، و لا مشاحة في الاصطلاح.

و على أي تقدير، فإنهما لم يأتيا بشي‏ء جديد، فإن مسألة الوجودات الأربعة للأشياء (الذهني و اللفظي و الكتبي و العيني) أمر تعارف عليه أرباب المنطق منذ عهد قديم، إلا أن الشي‏ء الذي لم يتعارف عليه هو إطلاق اسم «التأويل» على العين الخارجية، باعتبارها مصداقا للوجودات الثلاثة المنتزعة عنها، سوى كونه مصطلحا جديدا غير معروف.

و لسيدنا العلامة الطباطبائي كلام تحقيقي لطيف حول مسألة التأويل، يراه‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 34

متغايرا مع المفاهيم، بعيدا عن جنس الألفاظ و المعاني و التعابير، و إنما هي حقائق راهنة، موطنها خارج الأذهان و العبارات.

إنه رحمه الله تعرض لكلام ابن تيمية، فصححه من جهة، و خطأه من جهة أخرى؛ صححه من جهة قوله: بشمول التأويل لجميع آي القرآن، محكمه و متشابهه، و قوله: بأنه خارج الأذهان و العبارات. لكن خطأه في حصره للتأويل في العين الخارجية البحت، فإنه مصداق و ليس بتأويل. إنما التأويل حقائق راهنة، هي مصالح واقعية و أهداف و غايات مقصودة من وراء التكاليف و الأحكام، و كذا الحكم و المواعظ و الآداب، و حتى القصص و الأخبار و الآثار التي جاءت في القرآن.

قال- مناقشا لرأي ابن تيمية-:

«إنه و إن أصاب في بعض كلامه، لكنه أخطأ في بعضه الآخر. إنه أصاب في القول بأن التأويل لا يختص بالمتشابه، بل هو عام لجميع القرآن، و كذا القول: بأن التأويل ليس من سنخ المدلول اللفظي، بل هو أمر خارجي يبتنى عليه الكلام. لكنه أخطأ في عد كل أمر خارجي مرتبط بمضمون الكلام- حتى مصاديق الأخبار الحاكية عن الحوادث الماضية و المستقبلة- تأويلا للكلام»[98].

ثم قال: «الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية، من حكم أو موعظة أو حكمة، و أنه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها و متشابهها، و أنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ، بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ. و إنما قيدها الله سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب، فهي كالأمثال تضرب‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 35

ليقرب بها المقاصد و توضح، بحسب ما يناسب فهم السامع، كما قال تعالى:

و الكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم‏[99].

و قال- في شرح الآية-:

«إن هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروا عربيا، و إنما ألبس لباس القراءة و العربية ليعقله الناس، و إلا فإنه- و هو في أم الكتاب- عند الله علي لا تصعد إليه العقول، حكيم لا يوجد فيه فصل و فصل. فالكتاب المبين- في الآية- هو أصل القرآن العربي المبين، و للقرآن موقع هو في الكتاب المكنون، و أن التنزيل حصل بعده، و هو الذي عبر عنه بأم الكتاب و باللوح المحفوظ. فالكتاب المبين الذي هو أصل القرآن و حكمه الخالي عن التفصيل، أمر وراء هذا المنزل، و إنما هذا بمنزلة اللباس لذاك. إن هذا المعنى، أعني كون القرآن في مرتبة التنزيل بالنسبة إلى الكتاب المبين، و نحن نسميه بحقيقة الكتاب، بمنزلة اللباس من المتلبس، و بمنزلة المثال من الحقيقة، و بمنزلة المثل من الغرض المقصود بالكلام ...»[100].

و أضاف: «فالحقيقة الخارجية التي توجب تشريع حكم من الأحكام أو بيان معرفة من المعارف الإلهية أو وقوع حادثة هي مضمون قصة من القصص القرآنية، و إن لم تكن أمرا يدل عليه بالمطابقة نفس الأمر و النهي أو البيان أو الواقعة الكذائية، إلا أن الحكم أو البيان أو الحادثة، لما كان كل منها ينشأ منها و يظهر منها، فهو أثرها الحاكي لها بنحو من الحكاية و الإشارة»[101].

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 36

و أخيرا لخص كلامه في بيان التأويل بما يلي:

«التأويل في عرف القرآن هو الحقيقة التي يتضمنها الشي‏ء و يؤول إليها و يبتنى عليها، كتأويل الرؤيا، و هو تعبيرها، و تأويل الحكم، و هو ملاكه، و تأويل الفعل، و هو مصلحته و غايته الحقيقية، و تأويل الواقعة، و هو علتها الواقعية، و هكذا»[102] غير أن وقفة فاحصة عند كلام هذا المحقق العلامة، تجعلنا نتردد في التوافق معه، إنه رحمه الله لو كان اقتصر على ما لخصه أخيرا، من جعل ملاكات الأحكام و المصالح و الغايات الملحوظة في التشريعات و التكاليف تأويلا، أي أصلا لها و مرجعها الأساسي لكل ذلك المذكور؛ لأمكننا مرافقته.

لكنه توسع في ذلك، و فرض من تأويل آي القرآن كلها أمرا بسيطا ذا إحكام رصين، ليس فيه شي‏ء من هذه التجزئة و التفصيل الموجود في القرآن الحاضر الذي يتداوله المسلمون منذ أول يومهم فإلى ما لا نهاية، فإن ذاك عار عن كونه آية آية و سورة سورة، وجودا واحدا بسيطا صرفا، مستقرا في محل أرفع، في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون.

و فرض من القرآن ذا وجودين: وجودا ظاهريا يتشكل في ألفاظ و عبارات ذوات مفاهيم معروفة، و هو الذي يتلى و يقرأ و يدرس، و يتداوله الناس حسبما ألفوه طوال عهد الإسلام.

و وجودا آخر باطنيا، هو وجوده الحقيقي الأصيل، المترفع عن أن تناله العقول و الأحلام، فضلا عن الأوهام، و ذلك الوجود الحقيقي الرفيع هو تأويل‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 37

القرآن، أي أصله و مرجعه الأصيل.

قال- بصدد بيان نزول القرآن دفعة واحدة في ليلة القدر من شهر رمضان، و أنه لم يكن هذا القرآن المتلو الذي بأيدي الناس، فإنه نزل تدريجا بلا ريب-:

«و الذي يعطيه التدبر في آيات الكتاب أمر آخر، فإن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة القدر إنما عبرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدال على الدفعة، دون التنزيل، و اعتبار الدفعة إما بلحاظ المجموع أو البعض، و إما لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي، الذي يقضي فيه بالتفرق و التفصيل و الانبساط و التدريج، هو المصحح لكونه واحدا غير تدريجي و نازلا بالإنزال دون التنزيل؛ و هذا هو اللائح من الآيات الكريمة: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت‏[103] فإن هذا الإحكام مقابل التفصيل، و التفصيل هو جعله فصلا فصلا و قطعة قطعة؛ فالإحكام كونه بحيث لا يتفصل فيه جزء من جزء، و لا يتميز بعض من بعض؛ لرجوعه إلى معنى واحد لا أجزاء فيه و لا فصول. و الآية ناطقة بأن هذا التفصيل المشاهد في القرآن، إنما طرأ عليه بعد كونه محكما غير مفصل، و أوضح منه قوله تعالى: حم و الكتاب المبين. إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم‏[104] فإنه ظاهر في أن هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروا عربيا، و إنما ألبس لباس القراءة و العربية ليعقله الناس، و إلا فإنه في أم الكتاب عند الله علي لا يصعد إليه العقول، حكيم لا يوجد فيه فصل فصل. فالكتاب المبين الذي هو أصل القرآن و حكمه‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 38

الخالي عن التفصيل أمر وراء هذا المنزل و إنما هذا بمنزلة اللباس لذاك.[105] ثم أحال تمام الكلام إلى بيانه الآتي حول آية المتشابهات، قال هناك:

«الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية، و أنه موجود لجميع الآيات، و أنه ليس من قبيل المفاهيم بل من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ، و إنما قيدها الله بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا، قال تعالى: إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم‏[106] و في القرآن تصريحات و تلويحات بهذا المعنى‏[107].

و بعد، فلنتساءل: ما هو السبب الداعي لفرض وجودين للقرآن الكريم:

وجودا لديه تعالى في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون، عاريا عن التجزئة و التفصيل، متعاليا عن شبكات الألفاظ و العبارات؛ و وجودا أرضيا نزل تدريجا لهداية الناس، و ألبس لباس العربية لعلهم يعقلونه؟! و لعله للنظر إلى قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ...[108] و قوله: حم و الكتاب المبين. إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا[109] و قوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر ...[110].

و

قد ورد في الحديث- من طرق الفريقين-: أن القرآن نزل جملة واحدة في‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 39

ليلة القدر، ثم نزل تدريجا طوال عشرين عاما»[111].

و لذلك فرض علامتنا الطباطبائي وجودين للقرآن الكريم و نزولين. و كان نزوله الدفعي بوجوده البسيط الذي كان بمنزلة الروح لهذا القرآن، النازل تدريجا بوجوده التفصيلي.

و بذلك نراه قد جمع بين ظواهر الآيات و دلالة الروايات، و أيد ذلك بالفارق اللغوي بين لفظتي «الإنزال» و «التنزيل».

لكن تشريف شهر رمضان إنما كان بنزول هذا القرآن المعهود لدى المخاطبين بهذا الخطاب، لا بأمر لا يعرفونه! على أن القرآن النازل في هذا الشهر، قد وصف بكونه‏ هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان‏[112] و معلوم أن الهداية و البينات، إنما هي بهذا الكتاب الذي يتداولونه، لا بكتاب مكنون عند الله محفوظ لديه في مكان علي لا تناله الأيدي و الأبصار.

كما أن الذي يبتغيه أهل الزيغ لأجل الفساد في الأرض، هو تفسير الآيات على غير وجهها، لا وجودا آخر للقرآن، هو في أعلى عليين.

فقوله رحمه الله: «و أنه موجود لجميع الآيات محكمها و متشابهها، و أنه ليس من قبيل المفاهيم بل من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ ...» غير مفهوم لنا.

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 40

و الفرق بين «الإنزال» و «التنزيل» أمر أبدعه الراغب الأصبهاني، و لا شاهد له.

قال: و إنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل؛ لما روي أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم نزل نجما فنجما. و لفظ الإنزال أعم من التنزيل، قال:

لو أنزلنا هذا القرآن على جبل‏[113] و لم يقل: لو نزلنا، تنبيها إنا لو خولناه مرة ما خولناك مرارا.

و يرد عليه ما حكاه الله عن قوله العرب: لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة[114].

و كذلك قوله تعالى: و قالوا لو لا نزل عليه آية من ربه‏[115].

و قوله: و يقول الذين آمنوا لو لا نزلت سورة[116].

و قوله: و لو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه ...[117].

و قوله: لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا[118].

كما جمع بين التعبيرين بشأن أمر واحد في قوله تعالى: و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم و لعلهم يتفكرون‏[119].

كما جاء استعمال «الإنزال» بشأن التدريجيات أيضا:

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 41

أنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم‏[120].

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات‏[121].

لأن الكتاب الذي منه محكم و متشابه، هو هذا الكتاب الذي نزل تدريجا.

أ فغير الله أبتغي حكما و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا[122]؛ إذ الذي نزل مفصلا هو هذا القرآن الذي نزل منجما.

و أخيرا فما هي الفائدة المتوخاة من وراء نزول القرآن دفعة واحدة إلى السماء الدنيا أو إلى السماء الرابعة، في البيت المعمور أو بيت العزة- على الاختلاف في ألفاظ الروايات-، ثم نزوله بعد ذلك تدريجا في طول عهد الرسالة؟

و هل لوجود القرآن بوجوده البسيط الروحاني- في ذلك المكان الرفيع- فائدة تعود على أهل السماوات أو سكان الأرضين؟

و أجاب الفخر الرازي عن ذلك، و علل وجود القرآن هناك، في مكان أنزل من العرش و أقرب إلى الأرض؛ ليسهل التناول منه لجبرائيل عند مسيس الحاجة.[123] و علل بعض الأساتذة المعاصرين ذلك، بأن الرابط بين ذلك القرآن المحفوظ لديه تعالى، و هذا القرآن المعروض على الناس، هو «رابط العلية» فكل ما في هذا القرآن من حكم و مواعظ و آداب، و تعاليم و معارف و أحكام، إنما تنشأ مما حواه‏

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 42

ذلك القرآن، على بساطته و علو رفعته؛ فهذا إشعاع من ذلك النور الساطع، و إفاضة من ذلك المقام الرفيع.[124] غير أن هذا كله تكلف في التأويل، و تمحل في القول بلا دليل، و لعلنا في غنى عن البسط فيه و التذييل.

و أما الآيات التي استندوا إليها لإثبات وجود آخر للقرآن محفوظ عند الله، في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ... فهي تعني أمرا آخر غير ما راموه.

و ليعلم أن المقصود من الكتاب المكنون، هو: علم الله المخزون، المعبر عنه ب (اللوح المحفوظ) أيضا، و هكذا التعبير ب (ام الكتاب) كناية عن علمه تعالى الذاتي الأزلي، بما يكون مع الأبد.

و قد ذكر العلامة الطباطبائي- في تفسير سورة الرعد حديثا

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «كل أمر يريده الله، فهو في علمه قبل أن يضعه، و ليس شي‏ء يبدو له إلا و قد كان في علمه»

قال ذلك تفسيرا لقوله تعالى: يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب‏[125].

فقوله تعالى: و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم‏[126] يعني قضى الله في علمه الأزلي الحتم أن القرآن- في مسيرته الخالدة- سوف يشغل مقاما عليا، مترفعا عن أن تناله أيدي السفهاء، حكيما مستحكما قوائمه، لا يتضعضع و لا يتزلزل، يشق طريقه إلى الأمام بسلام‏[127].

التفسير و المفسرون فى ثوبه القشيب، ج‏1، ص: 43

و كذا قوله: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ[128] أي هكذا قدر في علمه تعالى المكنون‏[129].

و هكذا ذكر الطبرسي و غيره في تفسير قوله تعالى: إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون‏[130] أنه إشارة إلى مقامه الرفيع عند الله، و قد جرى في علمه تعالى أنه محفوظ عن مناوشة المناوئين.

قال سيد قطب: «إنه لقرآن كريم‏: كريم بمصدره، و كريم بذاته، و كريم باتجاهاته. في كتاب مكنون: مصون، و تفسير ذلك في قوله تعالى بعده: لا يمسه إلا المطهرون‏. فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به، فهذا نفي لهذا الزعم.

فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله و حفظه، إنما تنزل به الملائكة المطهرون؛ و لذلك قال- بعدها-: تنزيل من رب العالمين‏، أي لا تنزيل من الشياطين»[131].[132]

شارع بما يزيل الإيهام الذي ربما علق في أذهانهم عند ما سمعوا الخطاب؛

التفسير الكبير: تفسير القرآن العظيم (الطبرانى)، ج‏1، ص: 39

فيرتبط التفسير بتكوين المعنى في الذهن بما يخدم في فهم النص و وعيه له. و التأويل هو رد الشي‏ء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو عملا؛ أي إرجاعه إلى أصله؛ فالتأويل عملا بالطاعة لله و رسوله، و التأويل علما بإرجاع محل التنازع و الاختلاف إلى مظانه من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شي‏ء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلا[133].

و التأويل على ضربين: الأول: تأويل شرعي للنص، و الآخر: تأويل عقلي.

و إذا علم أن المراد بالتأويل- على وجه العموم- ما يفيد في توجيه المعنى في دلالة الخطاب إلى طريقة القيام بالعمل و إنفاذه على وجهه الشرعي؛ أو بما يخدم فكرة الموجه للدلالة إلى مقاصده و غاياته. و الأول منهما؛ و هو التأويل الشرعي للنص؛ و هو المطلوب من المكلفين لفهم خطاب الشارع على قصد مراد الله سبحانه و تعالى؛ و يثمر للمكلف عند الله الأجر و الثواب و تتحقق العبادة في إنجازه. و الثاني: هو التأويل العقلي؛ فهو تحكم في توجيه دلالة النص إلى ما يفيد غرض المكلف و بما يخدم غاياته و أهدافه على قصد مراده البشري أو الشخصي أو المذهبي أو الطائفي؛ و هذا ليس مرادا في عرف الشارع كما سيظهر إن شاء الله. و على ما يبدو أن هذا النوع من التأويل وقع به غالب المتكلمين، و لإظهار المعنى بما يبني فكرة التأويل و مفهومه في عقلية المسلم نقول:

خاطب الله الناس، بكلامه في القرآن الكريم، و بما أمر به رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم أن يبين لهم ما أجمل في الكتاب أو عم أو أطلق. و جاء الخطاب بلسان عربي مبين، فصيح يحمل في دلالاته معاني تفهم منه من سياق النص مباشرة، أو من مفردات ألفاظ النص، أي تفهم المعاني المرادة بإدراك دلالة اللفظ باللغة العربية، أو بإدراك دلالة السياق بمعهود العرب و عرف لسانهم و خطابهم، أو تدرك المعاني من معرفة أسباب نزول النص و أسباب ورود البيان السني للكتاب. فيدرك المرء دلالة النص من تفسير ألفاظه و مرامي معانيه على الواقع، أو تأويله إلى ما يفيد العمل الفكري الذي‏

التفسير الكبير: تفسير القرآن العظيم (الطبرانى)، ج‏1، ص: 40

يجري في ذهن المكلف لتوجيه الرأي و الايمان و المعتقدات و الأحكام؛ أو إلى ما يفيد مباشرة العمل بإنفاذه على جوارح المرء و بأهليته الفردية أو الجماعية المجتمعية. لهذا لا يوجد في القرآن الكريم ما لا يعقل المكلف ألفاظه أو لا يفهم معانيه. فعقل الألفاظ و ما يحتاجه هذا التعقل الشرعي من مطلوب خبري على مستوى اللغة و الأثر و الحديث هو التفسير؛ و هو بيان معاني ألفاظ القرآن و فهم معانيه و استخراج أحكامه و حكمه؛ باستمداد ذلك من علم اللغة بما تدل عليه الألفاظ منها إلى معانيها؛ و بمعرفة علم النحو و التصريف و علم البيان الذي يلزم المرء الباحث بأساليب العرب في المخاطبة و التعلم و الإفهام، و علم القراءات و ما تحمله من دلالات السياق في التعبير عن المراد، و ما إلى ذلك مما يعرف بالعلوم الشرعية و ما يخدمها من علوم الآلة و العربية.

أما التأويل؛ فهو معرفة دلالة الخطاب على الواقع باعتباره نصا مسموعا يخبر عن قصد مراد الشارع من المكلف، و بوصفه كلا متماسكا و وحدة واحدة غير مجزأة تفيد المستمع بإنشاء الفكر عن الواقع و تكوين معنى يعبر به عنه و تبعث فيه إلى طلب ما يلزمه العمل.

و لم يكن عند سلف الأمة تفريق بين التفسير و التأويل في القصد المراد، لأن كليهما يلزم الآخر، و لم يكن عندهم تفريق بين الفكر و العمل من حيث أن الفكر للعمل و ليس بينهما مفاصلة إلا الصدق في المباشرة. و ليس الحال كما فرق المتأخرون.

فالتأويل عند السلف هو إفادة المستمع أو من في حكمه بإنشاء الفكر في ذهنه و تقصد العمل به؛ فالتفسير بيان المعنى في الخطاب، و التأويل بيان العمل و توجيه دلالة الخطاب إليه؛ و أحدهما يقتضي الآخر.

لهذا كان التفسير هو بيان المعنى بحسب مقتضى اللغة و دلالة اللسان بمعهود العرب حين إدراكهم للخطاب و وعيهم به، أي بما تدركه العرب و تفهمه على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم. و التأويل؛ هو بيان هذا المعنى على وجه يفيد العمل بمقتضى هذا المعهود من لسان العرب و معهودهم و بمقتضى ما جاء من السنة المطهرة في بيانه. لهذا

التفسير الكبير: تفسير القرآن العظيم (الطبرانى)، ج‏1، ص: 41

قال سفيان بن عيينة: (السنة هي تأويل الأمر و النهي)[134]، و لقد جاء الأمر و النهي في القرآن الكريم، و جاءت السنة لتبين للناس طريقة العمل بهما، فالتأويل هنا؛ توجيه المعنى المراد في دلالة النص إلى معهود العرب للعمل بها وفق النسق المخصوص للمكلف حين مباشرته في الواقع. و على هذا يكون التفسير هو النظام المعرفي في إيجاد الفكر و تكوينه في ذهن المكلف، و التأويل هو الأثر الوظيفي للتفسير؛ و كلاهما في حقيقته المعرفية لا ينفصل عن الآخر، فهو لازم له.

فالتأويل عند السلف رضوان الله عليهم، بمعنى التفسير العملي للنص بترجمته في سلوك المكلف و حركته حين ممارسة الحياة؛ فهو إدراك قصد مراد الشارع و وعيه له فكرا و عملا، تفكيرا و تطبيقا لهذا تصف عائشة رضي الله عنها فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ركوعه، بأنه يتأول القرآن، فتقول: [كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في سجوده و ركوعه:

سبحانك اللهم ربنا و بحمدك. يتأول القرآن‏][135] أي يفعل ما أمر به في القرآن الكريم من السجود و الركوع و الذكر فيهما على ما أمر به. و يقول جابر رضي الله عنه في خبر حجة الوداع: [و رسول الله بين أظهرنا ينزل عليه القرآن و هو يعلم تأويله، فما عمل به من شي‏ء عملنا به‏][136] أي تأويل الرسول صلى الله عليه و سلم بيان لطريقة العمل بالكتاب؛ و هذا التأويل هو السنة و الطريقة و التفسير هو العلم الذي تعبر عنه السنة و تترجمه بالفعل، و لهذا يقول أبو عبيدة و غيره: (الفقهاء أعلم بالتأويل من أهل اللغة)؛ قلت: لأن الفقه هو

التفسير الكبير: تفسير القرآن العظيم (الطبرانى)، ج‏1، ص: 42

العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية[137]. و بهذا يظهر الفرق بين دلالتي التفسير و التأويل. و حقيقة المفسر هو الذي يهتم بدلالة الألفاظ على الواقع فكريا، و لا يغفل الناحية العملية، أي التأويل للنص في مجال القول و العمل.[138]

 

[1] صنعانى، عبدالرزاق بن همام، تفسير القرآن العزيز المسمّى تفسير عبدالرزاق، 2جلد، دار المعرفة - لبنان - بيروت، چاپ: 1، 1411 ه.ق.

[2] ( 2) الفرقان/ 33.

[3] ( 3) ذكره بلفظه ابن الأثير في النهاية( 1/ 63).

و له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو

أخرجه البخاري( 4/ 741) كتاب الصوم باب حق الأهل في الصوم( 1977)، و مسلم( 2/ 814- 815) كتاب الصيام باب النهي عن صوم الدهر( 186/ 1159)، و أحمد( 2/ 164، 188، 190، 195، 212)، و عبد الرزاق( 7863)، و الحميدي( 590)، و عبد بن حميد( 321)، و الترمذي( 2/ 132) كتاب الصوم باب ما جاء في سرد الصوم( 770)، و ابن ماجه( 3/ 194) كتاب الصيام باب ما جاء في صيام الدهر( 1706)، و النسائي( 4/ 206) كتاب الصيام باب ذكر الاختلاف على عطاء في الخبر فيه، و ابن خزيمة( 2109)، و الخطيب في تاريخه( 1/ 307) من طريق أبي العباس الشاعر عن عبد الله بن عمرو ... فذكره مطولا و قال في آخره قال النبي صلى الله عليه و سلم« لا صام من صام الأبد» مرتين.

[4] ( 4) ابن منظور: لسان العرب مادة( أول)( 1/ 171)، و ينظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط( أول)( 3/ 331).

[5] ( 1) ينظر: د. الذهبي: التفسير و المفسرون( 1/ 19).

[6] ( 2) ينظر: السابق( 1/ 19، 20).

[7] ( 1) البرهان في علوم القرآن( 2/ 171، 172).

[8] ( 2) د. الذهبي: التفسير و المفسرون( 1/ 20) نقلا عن جمع الجوامع( 2/ 56).

[9] ( 3) اللسان، مادة( عنى).

[10] ( 4) ينظر: السابق، المادة نفسها.

[11] ( 5) ينظر: الجرجاني: التعريفات، مادة( أول).

[12] ( 6) ينظر: السيوطي: الإتقان في علوم القرآن( 2/ 173).

[13] ( 1) السابق، الصفحة نفسها.

[14] ( 2) د. الذهبي: التفسير و المفسرون( 1/ 21)، و د. السيد خليل: نشأة التفسير في الكتب المقدسة و القرآن ص 29 نقلا عن: مقدمة في التفسير للراغب ص 402، 403.

[15] ( 3) السيوطي: الإتقان في علوم القرآن( 2/ 173). و ينظر: د. أبو شهبة: الإسرائيليات و الموضوعات في كتب التفسير ص 43.

[16] ( 4) السيوطي: الإتقان في علوم القرآن( 2/ 173)، و التفسير و المفسرون( 1/ 21، 22).

[17] ( 1) البرهان في علوم القرآن( 2/ 171، 172).

[18] ماتريدى، محمد بن محمد، تأويلات أهل السنة (تفسير الماتريدى)، 10جلد، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - لبنان - بيروت، چاپ: 1، 1426 ه.ق.

[19] ( 1) قال الجرجاني: التأويل في الأصل: الترجيع. و في الشرع: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله، إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا للكتاب و السنة، مثل قوله تعالى:" يخرج الحي من الميت*" إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا، و إن أراد به إخراج المؤمن من الكافر، أو العالم من الجاهل، كان تأويلا.

و قال أيضا في موضع آخر: و الفرق بين التأويل و البيان، أن التأويل ما يذكر في كلام لا يفهم منه معنى محصل في أول وهلة، و البيان ما يذكر فيما يفهم ذلك لنوع خفاء بالنسبة إلى البعض.[ التعريفات: التأويل، و بيان التفسير].

[20] عسكرى، حسن بن عبدالله، تصحيح الوجوه و النظائر، 1جلد، مكتبة الثقافة الدينية - مصر - قاهره، چاپ: 1، 1428 ه.ق.

[21] ( 1) فى م:« التعبير».

[22] ( 2) فى م:« التأويل يعنى: منتهى ملك محمد- صلى الله عليه و سلم- و أمته».

[23] ( 3) الآية رقم 7. فى( تنوير المقباس: 34)« أى: طلب عاقبة هذه الأمة، لكى يرجع الملك إليهم».

[24] ( 4) الإثبات عن م.

[25] ( 5) فى م:« و يرجع إلى اليهود»

[26] ( 6) الآية رقم 7.

[27] ( 7) الإثبات عن م. و جاء فيها« تأويله يعنى ..»

[28] ( 8) فى م:« ألسنة الرسل ...».

[29] ( 9) سورة الأعراف/ 53.

[30] ( 10) كما روى عن ابن عباس:( تفسير الطبرى 12: 497) و فى( تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 168)« ... أى هل ينتظرون إلا عاقبته. يريد ما وعدهم الله من أنه كائن ...».

[31] ( 11) الآية رقم 39. فى( غريب القرآن للسجستانى: 168)« أى: مصير و مرجع و عاقبة» و بنحوه فى( اللسان- مادة:

أ. و. ل».

[32] ( 1) الآية رقم 59.

[33] ( 2) الآية رقم 82. و فى( تفسير الطبرى 16: 7)« يقول: ما تئول إليه و ترجع ...» و فى( تفسير القرطبى 11: 39) و( تنوير المقباس: 188)« أى: تفسير».

[34] ( 3) الإثبات عن م.

[35] ( 4) الآية رقم 101.« أى عبارة الرؤيا»( توجيه القرآن للمقرئ- الورقة: 255).

[36] ( 5) سورة يوسف/ 36.

[37] ( 6)« أى بلونه و جنسه»:( تنوير المقباس: 149).

[38] ( 7) الآيتان رقم 36، 37.

[39] ( 8) فى م:« التأويل يعنى: التحقيق قوله تعالى خبرا عن يوسف».

[40] ( 9) الآية المائة.

[41] ( 10)( تفسير القرطبى 9: 264) و( غرائب القرآن للنيسابورى 13: 48) و( توجيه القرآن للمقرئ- الورقة: 255) و فى( تنوير المقباس: 154)« تعبير رؤياى من قبل».

[42] دامغانى، حسين بن محمد، الوجوه و النظائر لالفاظ كتاب الله العزيز، 2جلد، جمهورية مصر العربية، وزارة الاوقاف، المجلس الاعلى للشئون الاسلامية، لجنة احياء التراث الاسلامي - مصر - قاهره، چاپ: 1، 1416 ه.ق.

[43] ابن‏عاشور، محمدطاهر، تفسير التحرير و التنوير المعروف بتفسير ابن عاشور، 30جلد، مؤسسة التاريخ العربي - لبنان - بيروت، چاپ: 1، 1420 ه.ق.

[44] طباطبايى، محمدحسين، الميزان في تفسير القرآن، 20جلد، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - لبنان - بيروت، چاپ: 2، 1390 ه.ق.

[45] طباطبايى، محمدحسين، الميزان في تفسير القرآن، 20جلد، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - لبنان - بيروت، چاپ: 2، 1390 ه.ق.

[46] ( 1). آل عمران 3: 7.

[47] ( 2). النوى: التحول من مكان الى مكان، أو الوجه الذي ينويه المسافر. أي: و لهذا التحول و التجوال قبل يوم الفراق نهاية و عاقبة ينتهي إليها، كما في قول معقر:

فألقت عصاها و استقر بها النوى‏

كما قر عينا بالإياب المسافر

[48] ( 3). الأعراف 7: 53.

[49] ( 4). النساء 4: 59.

[50] ( 5). المفردات للراغب: 31 مادة« أول».

[51] ( 1). كما في قصة صاحب موسى: سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا الكهف 18: 78، أي: تفسيره على الوجه المقبول.

[52] ( 2). كما في الآية: 7 من سورة آل عمران.

[53] ( 3). و ذلك لأن كثيرا من الآيات نزلت علاجا لمشكلة عارضة تخص أناسا بأشخاصهم و في ظروف خاصة، فلو بقيت الآية على ظاهرها لكادت تكون عقيمة لا تحمل رسالتها العامة الخالدة، و القرآن نزل هدى للعالمين.

و سنشرح هذه الناحية بتفصيل.

[54] ( 4). الآيات: 6 و 21 و 36 و 37 و 44 و 45 و 100 و 101.

[55] ( 5). الإسراء 17: 35.

[56] ( 1). الأعراف 7: 53.

[57] ( 2). ص 38: 3.

[58] ( 3). يونس 10: 39.

[59] ( 4). أسد الغابة 3: 192- 195، الإصابة 2: 330- 334.

[60] ( 1). الكهف 18: 71، 74، 78.

[61] ( 2). و المتشابهات الأصل في القرآن لا تتجاوز المأتين آية حسبما أحصيناه، فلا تعود بالقدح على القرآن، و كونه بلسان عربي مبين، و أنه جاء هدى و بصائر للعالمين.

[62] ( 1). حسب قوله تعالى: و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم .. النحل 16: 44.

[63] ( 2). وفق حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين.

[64] معرفت، محمدهادى، التأويل في مختلف المذاهب و آلاراء، 1جلد، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، المعاونية الثقافية، مركز التحقيقات و الدراسات العلمية - ايران - تهران، چاپ: 1، 1385 ه.ش.

[65] ( 1) آل عمران/ 7.

[66] ( 2) الكهف/ 78، 82.

[67] ( 3) الإسراء/ 35.

[68] ( 4) النساء/ 59.

[69] ( 1) النساء/ 83.

[70] ( 2) الأعراف/ 53.

[71] ( 3) الفرقان/ 22.

[72] ( 4) الاحقاف/ 35.

[73] ( 5) ص/ 3.

[74] ( 6) بصائر الدرجات، الصفار، ص 195.

[75] ( 1) تفسير العياشي، ج 1، ص 10، رقم 7.

[76] ( 2) المصدر نفسه، ص 15، رقم 6.

[77] ( 3) الأنفال/ 41.

[78] ( 1) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 6، ص 350، كتاب الخمس، باب 8، رقم 5 و 6.

[79] ( 2) البقرة/ 195.

[80] ( 1) الوسائل، ج 6، ص 51.

[81] ( 1) الرحمن/ 9.

[82] ( 2) التبيان، ج 9، ص 463.

[83] ( 1) نقلا بالمعنى، راجع: تأويل الآيات الظاهرة للسيد شرف الدين الاسترابادي، ج 2، ص 632- 633.

[84] ( 2) الملك/ 30.

[85] ( 3) تفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 727، و راجع: تأويل الآيات الظاهرة، ج 2، ص 708.

[86] ( 1) الأنفال/ 24.

[87] ( 2) آل عمران/ 164.

[88] ( 3) عبس/ 24.

[89] ( 4) تفسير البرهان، ج 4، ص 429.

[90] ( 1) القصص/ 17.

[91] ( 2) القصص/ 14.

[92] ( 1) هود/ 61.

[93] ( 1) رسالة الإكليل، مطبوعة ضمن المجموعة الثانية من رسائله ص 10 و 17- 18.

[94] ( 1) راجع: رسالته في تفسير سورة الإخلاص، ص 102- 103. و نقله محمد رشيد رضا في تفسير المنار، ج 3، ص 195- 196.

[95] ( 2) يرى الأستاذ عبده من متشابهات القرآن، الأمور الأخروية التي ورد ذكرها في القرآن، لأنها من ضرورة الدين و من مقاصد الوحي؛ حيث العقيدة بأحوال الآخرة من أركان الدين، فيجب الإيمان بها، الأمر الذي لا يمكن الوقوف على حقيقتها إلا بعد مشاهدتها في الآخرة، فهي تأويلها ذلك اليوم، كما قال تعالى: يوم يأتي تأويله، يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق الأعراف/ 53( المنار، ج 3، ص 167)

[96] ( 1) السجدة/ 17.

[97] ( 2) تفسير المنار، ج 3، ص 172- 196.

[98] ( 1) الميزان، ج 3، ص 48.

[99] ( 1) الميزان، ج 3، ص 49، الزخرف/ 4.

[100] ( 2) الميزان، ج 2، ص 14- 16.

[101] ( 3) المصدر نفسه، ج 3، ص 53.

[102] ( 1) الميزان، ج 13، ص 376.

[103] ( 1) هود/ 1.

[104] ( 2) الزخرف/ 4.

[105] ( 1) الميزان، ج 2، ص 14- 16.

[106] ( 2) الزخرف/ 4.

[107] ( 3) الميزان، ج 3، ص 49.

[108] ( 4) البقرة/ 185.

[109] ( 5) الدخان/ 5.

[110] ( 6) القدر/ 1.

[111] ( 1) بحار الأنوار، ج 94، ص 14، رقم 23.

[112] ( 2) البقرة/ 185.

[113] ( 1) الحشر/ 21.

[114] ( 2) الفرقان/ 32.

[115] ( 3) الأنعام/ 37.

[116] ( 4) محمد/ 20.

[117] ( 5) الأنعام/ 7.

[118] ( 6) الإسراء/ 95.

[119] ( 7) النحل/ 44.

[120] ( 1) البقرة/ 22.

[121] ( 2) آل عمران/ 7.

[122] ( 3) الأنعام/ 114.

[123] ( 4) التفسير الكبير، ج 5، ص 85.

[124] ( 1) مباني و روشهاى تفسير، ص 73.

[125] ( 2) تفسير الميزان، ج 11، ص 420، الرعد/ 39.

[126] ( 3) الزخرف/ 4.

[127] ( 4) راجع: الطبرسي، مجمع البيان، ج 9، ص 39. و الطوسي، التبيان، ج 9، ص 179. و أبا الفتوح الرازي، ج 10، ص 74. و الفخر الرازي، ج 27، ص 194.

[128] ( 1) البروج، 22.

[129] ( 2) راجع: تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد، ص 29. و الفخر الرازي، ج 23، ص 66 و ج 28، ص 152.

[130] ( 3) الواقعة/ 80.

[131] ( 4) في ظلال القرآن، ج 7، ص 706. و راجع: المجمع، ج 9، ص 226.

[132] معرفت، محمدهادى، التفسير و المفسرون في ثوبة القشيب، 2جلد، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية - ايران - مشهد مقدس، چاپ: 1، 1418 ه.ق.

[133] ( 1) النساء/ 59.

[134] ( 1) ينظر: الرسالة التدمرية لابن تيمية: ص 60؛ طبع المكتب الإسلامي. و الصواعق المرسلة على الجهمية و المعطلة لابن قيم الجوزية: الفصل الرابع: ج 1 ص 206- 207.

[135] ( 2) عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت:( كان النبي صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول في ركوعه و سجوده: سبحانك اللهم ربنا و بحمدك، اللهم اغفر لي. يتأول القرآن). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب التسبيح: الحديث( 817). قال ابن حجر في الفتح: قوله( يتأول القرآن) أي يفعل ما أمر به فيه. و مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب ما يقال في الركوع:

الحديث( 217/ 484).

[136] ( 3) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب حجة النبي صلى الله عليه و سلم: الحديث( 147/ 1218) و هو شطر حديث طويل.

[137] ( 1) ينظر: الصواعق المرسلة على الجهمية و المعطلة لابن قيم الجوزية: ج 1 ص 175- 206، و الرسالة التدمرية مجمل اعتقاد السلف: ص 60. و البرهان في علوم القرآن للزركشي: ج 1 ص 13 و ما بعدها.

[138] طبرانى، سليمان بن احمد، التفسير الكبير: تفسير القرآن العظيم (الطبرانى)، 6جلد، دار الكتاب الثقافي - اردن - اربد، چاپ: 1، 2008 م.














فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است