بسم الله الرحمن الرحیم
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 31
1- رسالة في ثقة
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 33
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
و منه سبحانه الاستعانة للتتميم و بعد فقد تكثّر في الغاية و على وجه الكمال لفظة «ثقة» في تراجم الرجال في الرجال «1»، و قد أعجبني رسم رسالة في تشريحها و شرح الحال، و لم يسبقني إليها سابق فيما أعلم من الأبدال، و لا أحسب أن يحوم أحد من بعد حيال هذا الخيال، و كان مدّة يتخاطر هذا الخيال بالبال، لكن تمانع عن الإقدام ضيق المجال، إلى أن ساعد في مرافقة التوفيق في الحال فضل من اللّه المنعم المفضال، و عليه التوكّل و به الاعتصام في عموم الأحوال، إنّه لا تخيب لديه الآمال، و أسأله سبحانه إكمال التوفيق بتوفيق الإكمال.
[في معنى الثقة]
فنقول: إنّ «ثقة» لغة- كما ينصرح من القاموس «2» و المصباح «3»- مصدر «وثق» من باب «ورث» بمعنى الائتمان، أي الاعتماد. و منه ما يقال: «بك ثقتي» إلّا أنّه قد كثر استعمالها بمعنى المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق.
__________________________________________________
(1). أي في كتب الرجال. و فى «ح»: «فى تراجم الرجال للرجال».
(2). القاموس المحيط 3: 416 (وثق).
(3). المصباح المنير 2: 647 (وثق).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 34
و عن السيّد السند العليّ القول بصيرورتها حقيقة متشرّعة في العادل «1». «2»
و ربّما يلوح الميل إليه من الشهيد الثاني في رهن المسالك حيث إنّه قال في شرح قول مصنّفه-: و لو تعذّر اقتصر على إقراضه من الثقة غالبا-:
و الظاهر أنّ المراد بالثقة في هذا و نظائره العدل؛ لأنّ ذلك هو المعتبر شرعا، مع احتمال الاكتفاء بالثقة العرفيّة، فإنّها أعمّ من الشرعيّة على ما يظهر الآن من عرف الناس «3».
لكن يمكن أن يقال: إنّ العبارة المذكورة كما تلائم دعوى الحقيقة المتشرّعة، كذلك تلائم دعوى الحقيقة الشرعيّة.
و ربّما يظهر منه التوقّف في رهن الروضة حيث إنّه بعد قول مصنّفه-: و لو تعذّر الرهن هنا، أقرض من ثقة عادل غالبا- قال:
هكذا اتّفقت النسخ، و الجمع بين الثقة و العدل تأكيد، أو حاول تفسير الثقة بالعدل- لوروده كثيرا في الأخبار «4» و كلام الأصحاب- محتملا «5» لما هو أعمّ «6».
لكن يمكن أن يقال: إنّ هذه العبارة لا تنافي دعوى الظهور في العدالة، كما اتّفق هذه الدعوى في العبارة المتقدّمة من رهن المسالك؛ إذ القول بالاحتمال للمعنى الأعمّ لا ينافي الظهور في الأخصّ، أعني العدالة.
لكن نقول: إنّه قد صرّح في الرعاية: «بأنّها مستعملة في أبواب الفقه أعمّ
__________________________________________________
(1). في «د»: «العدل».
(2). نقله عن صاحب الرياض السيّد الصدر الكاظمي في نهاية الدراية: 386.
(3). مسالك الأفهام 4: 36.
(4). انظر وسائل الشيعة 18: 98، أبواب صفات القاضي، ب 11.
(5). محاولة الشهيد الأوّل لتفسير الثقة بالعدل لاحتمال أن يراد بالثقة ما هو أعمّ من العدل، ففسّرها بالعدل فقط دفعا للاحتمال.
(6). الروضة البهية 4: 74.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 35
من العدالة» «1».
و تظهر الثمرة في المطالب الفقهيّة حيثما يذكر تلك اللفظة في الأخبار أو كلمات الفقهاء.
و من هذا الباب ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طلّق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها فقال: إنّي أريد مراجعتك فتزوّجي زوجا غيري، فقالت: قد تزوّجت زوجا غيرك و حلّلت لك نفسي، أ يصدّق قولها و يراجعها و كيف يصنع؟
قال: «إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها» «2».
و عن المسالك: «أنّ المراد بالثقة من تسكن [النفس] «3» إلى خبرها و إن لم تكن متّصفة بالعدالة المعتبرة شرعا» «4».
و عن صاحب المدارك في شرح النافع استظهار ذلك «5».
و عن بعض: أنّ الثقة هنا بمعنى العدل؛ لظهورها فيه، متأيّدا بتصريح المحقّق الثاني بأنّ الأحوط اشتراط الوثاقة بمعنى العدالة «6».
و كذا ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصيّة و له خدم و مماليك، كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك؟ قال: «إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس» «7».
__________________________________________________
(1). الرعاية في علم الدراية: 203.
(2). التهذيب 8: 34، ح 105، باب أحكام الطلاق؛ الاستبصار 3: 275، ح 980، باب من طلّق ثلاث تطليقات؛ وسائل الشيعة 15: 370، أبواب أقسام الطلاق، ب 11، ح 1.
(3). ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر.
(4). مسالك الأفهام 9: 180.
(5). نهاية المرام 2: 69.
(6). عدّة الرجال 1: 110.
(7). الكافي 7: 67، ح 3، باب من مات على غير وصيّة؛ الفقيه 4: 161، ح 563، باب من لم يوص و له
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 36
و تظهر الثمرة في استفادة العدالة من تلك اللفظة في توثيقات شيخنا المفيد في الإرشاد كما ذكر في حقّ جماعة «1»، بل قد عقد السيّد السند النجفي في أواخر رجاله «2» عنوانا لرجال الإرشاد، و ضبط فيه كلّ من أتى شيخنا المفيد فيه بكلام، توثيقا كان أو غيره.
إلّا أن يقال: إنّ توثيق شيخنا المفيد قد يكون على وجه الإضافة نحو: فلان من ثقات الكاظم عليه السّلام مثلا. و الإضافة فيه مظهرة عن إرادة المعنى اللغوي (و لو بناء على ثبوت الحقيقة المتشرّعة في الوثاقة) «3» كما هو المتعارف في العرف حيث يقال: «فلان من ثقات فلان» و الغرض الوثاقة بالمعنى اللغوي بلا شبهة.
نعم، تظهر الثمرة لو كان التوثيق في الإرشاد بقول مطلق؛ أي كان بلفظة «ثقة» كما هو المتداول في كلمات أرباب الرجال، و المقصود بالبحث عنه في المقام.
لكن يمكن القول بأنّ توثيق الإرشاد في حكم توثيق أهل الرجال، بناء على دلالة التوثيق في كلمات أرباب الرجال على العدالة من باب حذف المتعلّق، بل على جميع المشارب الآتية في بعض التذييلات في استفادة العدالة من لفظة «ثقة» في كلمات أرباب الرجال. فلا تكون توثيقات الإرشاد مورد ظهور الثمرة في تطوّر الحقيقة المتشرّعة في باب الوثاقة في العدالة.
و قد تأمّل بعض- نقلا- في دلالة توثيقات الإرشاد على العدالة، و سيأتي مزيد الكلام.
و تظهر الثمرة «4» أيضا في توثيقات الرواة، كما في توثيق هشام المشرقي من
__________________________________________________
ورثة؛ التهذيب 9: 240، ح 929، باب في الزيادات (كتاب الوصايا)؛ وسائل الشيعة 19: 422، كتاب الوصايا، ب 88، ح 2.
(1). الإرشاد: 270- 271.
(2). رجال السيّد بحر العلوم 4: 63.
(3). ما بين القوسين ليس في «ح».
(4). في «ح»: «الثمرات».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 37
حمدويه «1»، «2» لكنّ تفصيل الحال موكول إلى ما يأتي في بعض التذييلات، و إنّما الإشكال في كلمات أرباب الرجال حيث إنّ الأصحاب يكتفون بها في تصحيح الخبر و يعملون به، حتّى أنّ من لا يعمل بالحسن و الموثّق و القويّ يجعل الخبر صحيحا بتوسّط تلك اللفظة و يسكن إليه، بل من يعتبر ذكر السبب في التعديل يكتفي بها في العمل بالخبر، و من يعتبر تزكية العدلين يقنع بالتوثيق من عدل واحد في إطلاق الصحيح، و يقنع بالتوثيق في عدلين في العمل بالخبر، فاتّفاقهم منعقد في البين، فلابدّ من كون من ذكرت في ترجمته عدلا ضابطا إماميّا.
و ربّما يتوهّم استقرار الاصطلاح من أرباب الرجال على ذلك، أعني العدل الضابط الإماميّ، بل اشتهر هذا التوهّم في لسان العلماء و المحصّلين في هذه الأعصار، إلّا أنّه صرّح بعض بعدم التصريح بالاصطلاح من أحد من أرباب الرجال «3»، و ربّما حكي عن ثلّة دخول العدالة و الضبط في مفهومها «4».
و الظاهر أنّ الغرض كونها مصطلحة في الأمرين.
و عن شيخنا البهائي في بداية مشرقه التصريح بكونها مصطلحة في الأمرين.
و ليس بشيء؛ لأنّه قال:
إنّهم يريدون بقولهم: «فلان ثقة» أنّه عدل ضابط؛ لأنّ لفظة «الثقة» من الوثوق، و لا وثوق بمن يتساوى سهوه و ذكره، و هذا هو السرّ في عدولهم عن قولهم: «عدل» إلى قولهم: «ثقة» «5».
و لا خفاء في أنّ مقتضاه تعيين المقصود ب «ثقة» من باب الاجتهاد في المعنى اللغوي.
__________________________________________________
(1). حمدويه- بفتح المهملتين- (منه عفي عنه).
(2). رجال الكشّي 2: 790/ 955.
(3). انظر نهاية الدراية: 388- 389.
(4). مشرق الشمسين: 35- 38، و حكاه في نهاية الدراية: 390 عن جدّه في شرح الاستبصار.
(5). مشرق الشمسين: 39- 40.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 38
و دعوى كون المقصود ب «ثقة» هو المعنى اللغوي، فهو يخالف ما نسب إليه من وجهي: كونه من باب الاجتهاد لا الإخبار، و كونه في المعنى اللغوي لا الاصطلاحي.
و بوجه آخر: صدر عبارته و إن كان ظاهرا في تطرّق الاصطلاح لكنّ استدلاله على الدلالة على الضبط يقتضي عدم تطرّق الاصطلاح حيث إنّ مرجعه إلى إناطة صدق الوثاقة لغة بالضبط، و هذا ينافي تطرّق الاصطلاح، فلا أقلّ من توهين دلالة الصدر على تطرّق الاصطلاح، إذ لو كانت الدلالة «1» بواسطة إناطة صدق المعنى اللغوي، فلا مجال لكون الدلالة عليه من باب تطرّق الاصطلاح، فظهور الصدر في تطرّق الاصطلاح موهون بمنافاة الاستدلال في الذيل مع التطرّق.
و مقتضى كلام الشهد الثاني في الدراية كون تلك اللفظة- أعني «ثقة»- مصطلحة في العادل «2».
و قد ذكر العلّامة البهبهاني أنّ الرويّة المتعارفة المسلّمة أنّه إذا قال مثل النجاشي: «ثقة» و لم يتعرّض لفساد المذهب، الحكم بكون الراوي عدلا إماميّا؛ إمّا لاستقرار سيرة الإماميّين من أهل الرجال على التعرّض لفساد المذهب دون حسنه، أو لأنّ الظاهر التشيّع و الظاهر من الشيعة حسن العقيدة، أو لأنّهم وجدوا أنّهم اصطلحوا ذلك في الإمامي و إن أطلقوا على غيره مع القرينة، أو لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل، و مقتضاه عدم ثبوت الاصطلاح «3».
[لفظ «ثقة» في اصطلاح أرباب الرجال]
أقول: إنّه لم يأت أحد من أرباب الرجال بذكر تطرّق الاصطلاح في «ثقة» في
__________________________________________________
(1). في «ح»: «الدلالات».
(2). انظر الدراية: 70.
(3). تعليقة الوحيد البهبهاني: 5، و نقله عنه في مقباس الهداية 2: 149.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 39
عدل ضابط إماميّ «1»، أو عدل و يبعد كمال البعد ثبوت الاصطلاح من أرباب الرجال مع عدم تصريح به من أحد، كيف! و كلّ منهم يذكر في اوّل كتابه ما اصطلح عليه، بل كلّ مصنّف و مؤلّف في كلّ فنّ يذكر في أوّل كتابه ما اصطلح عليه، بل دعوى التطرّق الاصطلاح في المقام من باب التخرّص على الغيب، و مع هذا لو كان «ثقة» مصطلحة في عدل ضابط إماميّ أو عدل ضابط، يلزم استعمال اللفظ في معنى متعدّد في استعمال واحد، و هو غير واقع بعد الجواز حتّى في الاصطلاحات، فالبناء عليه بناء على ما يكون المظنون بظنّ متاخم «2» للعلم عدمه.
و مع هذا قد وقع «ثقة» في كلمات الرواة سؤالا و جوابا، و لم يقل أحد بتطرّق الاصطلاح في لسانهم، و الظاهر اتّحاد المفاد، فالظاهر الاستعمال في المعنى اللغوي.
و مع هذا وقع «ثقة» في كلام غير الإمامي كابن عقدة، و ابن فضّال، و ابن نمير، و ابن حجر، و الذهبي. و الظاهر وحدة المفاد، فالظاهر الاستعمال في المعنى اللغوي.
إلّا أن يقال: إنّ اصطلاح العامّة متّحد في العدالة مع الخاصّة كما يأتي، فيتأتّى اتّحاد المفاد مع ثبوت الاصطلاح.
لكن نقول: إنّ هذا المقال لا يجري في كلام ابن عقدة و ابن فضّال؛ لكون الأوّل زيديّا، و كون الثاني فطحيّا.
__________________________________________________
(1). و الكلام في الإماميّة أقلّ من الكلام في العدالة، و تقديم الكلام في الأخفّ كمّا أو كيفا أوقع في النفس و أليم بالطبيعة، بل هو المتعارف في التقرير و التحرير في عموم الفنون (منه عفي عنه).
(2). قوله: «متاخم» من باب المفاعلة لا التفاعل كما ربّما اشتبه على الألسن، و إلّا لقيل متتاخم، قال في القاموس في «تخم»: و أرضنا تتاخم أرضكم: تحادّها. فقوله: «تحادّها» أي حدّ أرضنا يواصل حدّ أرضكم، و في الصحاح: التخم منتهى كلّ قرية و أرض. و في المصباح: التخم حدّ الأرض، و الجمع تخوم، مثل فلس و فلوس (منه عفي عنه). القاموس 4: 84؛ الصحاح 5: 1877؛ المصباح المنير 1:
73 (تخم).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 40
و مع هذا، الاستقراء الكامل في كلمات أرباب الرجال- كما يأتي- يفيد الظنّ المتاخم للعلم، بل العلم بكون المقصود بالوثاقة في «ثقة» هو المعنى اللغوي، أعني الاعتماد، و لم يقل أحد بدلالة «ثقة» على الإماميّة، أو الضبط بالانفراد أو الاجتماع.
[أخذ الضبط في «ثقة»]
نعم، قال السيّد الداماد في الرواشح: «أمّا الضبط، و هو كون الراوي متحفّظا مستيقظا غير مغفّل و لا ساه و لا شاكّ في حالتي التحمّل و الأداء فمتضمّن في الثقة» «1».
لكنّ الظاهر أنّ المعنى الذي ذكره للضبط خارج عن «2» المعنيين المذكورين للضبط، و مع هذا يأتي في كلّ من الضبط و الإماميّة و العدالة ما يدلّ على عدم دلالة «ثقة» عليه، و مقتضاه عدم تجدّد الاصطلاح.
[الضبط المعدود من شرائط حجّيّة الخبر الواحد]
و بعد ذلك أقول «3»: إنّ الضبط المعدود من شرائط حجّيّة خبر الواحد يكون المقصود به- كما ينصرح من جماعة «4»- أن يكون الراوي ذكره «5» غالبا على نسيانه،
__________________________________________________
(1). الرواشح السماويّة: 117، الراشحة السادسة و الثلاثون.
(2). في «د»: «من».
(3). قوله: «و بعد ذلك أقول» إلى آخره، إنّما قدّمنا الكلام في الضبط على الكلام في الإماميّة، و الكلام في الإماميّة على الكلام في العدالة؛ لكون الكلام في الضبط أقلّ من الكلام في الإماميّة، و الكلام في الإماميّة أقلّ من الكلام في العدالة، و تقديم الكلام في الأخفّ كمّا أو كيفا أوقع في النفس و أليم بالطبيعة، بل هو المتعارف في التقرير و التحرير في عموم الفنون (منه عفي عنه).
(4). كالعراقي في ألفيّته، و شارحها السخاوي في فتح المغيث 1: 279، و انظر قوانين الاصول 1: 462.
(5). قوله: «ذكره» قد اشتهر في الناس أنّ الذكر باللسان ضدّ الإنصات- بالكسر- و الذكر بالقلب ضد
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 41
أي لا يكون كثير النسيان، كما هو- أعني غلبة الذكر و عدم كثرة النسيان- حال أكثر أفراد نوع الإنسان.
و إليه يرجع التفسير ب «أن لا يكون سهوه غالبا على ذكره و لا مساويا له» كما جرى عليه شيخنا البهائي في مشرقه «1»، فالمرجع إلى غلبة بقاء المحفوظ «2» في الخاطر، أي حدّا معتدّا به في قبال الزوال بسرعة بعد التمكّن من الحفظ، فليس الغرض البقاء مدّة العمر، كيف! و ما لا يبقى مدّة العمر أغلب ممّا يبقى.
و يرشد إلى ذلك- أعني ما ذكر في معنى الضبط- تفسير الضبط من السيّد السند المحسن الكاظمي بقوّة الحفظ بأن يحفظ ما سمعه غالبا، و لا يزول ما حفظه بسرعة «3».
إلّا أنّ علّة اشتراط الضبط بالمعنى المذكور تقتضي اشتراط غلبة التمكّن من الحفظ بالأولويّة أو بالالتزام. و لعلّه الأظهر. و نظيره أنّ عدّ التوحيد من اصول الدين يقتضي كون الإقرار بالألوهيّة من اصول الدين بالالتزام.
و الظاهر أنّ اشتراط خصوص غلبة الذكر من جهة كمال ندرة عدم التمكّن من الحفظ أو عدم وقوعه.
__________________________________________________
النسيان- بالضمّ- و هو المنقول عن جماعة منهم الفرّاء و الكسائي، لكن مقتضى ما في القاموس و المجمع أنّ الذكر- بالكسر- مطلقا، و هو المحكيّ عن بعض الأواخر في بيان صفات القاضي، و عن الماوردي عن بعض: أنّ الكسرة و الضمّة لغتان لمعنى، و هو ظاهر المصباح، و المنقول في المصباح عن جماعة منهم أبو عبيدة و ابن قتيبة، ففي المقام أقوال ثلاثة (منه عفي عنه). انظر المصباح المنير 1: 208.
(1). مشرق الشمسين: 39.
(2). ربّما اشترط الشهيد الثاني في الروضة في القاضي غلبة الحفظ، و نقله عن الشهيد الأوّل، و الغرض الصيانة عن اختلال المرافعات كما في اشتراط الكتابة، و ربّما نسب الوالد الماجد إلى الشهيدين اشتراط الاجتهاد بغلبة الحفظ (منه عفي عنه).
(3). عدّة الرجال 1: 104.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 42
[معنى الضبط لغة]
و على أيّ حال فالمعنى المذكور من باب اصطلاح أهل الاصول، بل أهل الدراية و الرجال كما قيل، و إلّا فالضبط قد فسّره في المجمع بالحفظ البليغ و الحزم- بالمهملة و المعجمة- و عدّ من الأخير ما يقال: رجل ضابط. قال: ضبط الشي ضبطا: حفظه حفظا بليغا، و الضبط: الحزم، و منه رجل ضابط، أي حازم «1».
و المقصود بالضبط- على الأخير- هو الإتقان في الأمور. و استعمال الضبط فيه معروف و متعارف في العرف.
و فسّره في الصحاح و القاموس بالحفظ بالحزم، و فسّر الحزم بضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة «2».
و ما صنعه في المجمع أوجه؛ إذ لا يتحصّل للحفظ بالحزم معنى غير الحفظ البليغ، و استعمال الضبط في مجرّد الإتقان معروف و متعارف في العرف، كما سمعت.
إلّا أن يقال: إنّ الاستعمال في الإتقان من باب المجاز، و ما ذكره في الصحاح و القاموس هو المعنى الحقيقى، و المجاز أولى من الاشتراك، فما ذكره في الصحاح و القاموس أولى ممّا ذكره في المجمع إن كان المقصود بما ذكره الاشتراك لا مجرّد الاستعمال، و إلّا فلا منافاة بين ما ذكره في الصحاح و القاموس و ما ذكره في المجمع.
لكنّه مدفوع بأنّ الصحاح و القاموس لا يقتصران في شرح الألفاظ على المعاني الحقيقيّة، بل يذكران كلّ ما استعمل فيه، فمقتضى اقتصارهما في معنى الضبط على الحفظ البليغ هو عدم الاستعمال في مجرّد الإتقان و لو مجازا، فيتأتّى
__________________________________________________
(1). مجمع البحرين 2: 4 (ضبط).
(2). الصحاح 3: 1139؛ القاموس المحيط 2: 384 (ضبط).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 43
التنافي بين مقالة المجمع و مقالة الصحاح و القاموس، بل دعوى الاستعمال في مجرّد الإتقان من صاحب المجمع أقوى؛ قضيّة تقدّم الإثبات على النفي.
و الحاصل أنّ مقالة المجمع و مقالة الصحاح و القاموس متّفقتان على الوضع للحفظ البليغ.
و أمّا «الحزم» فإن كان الغرض من مقالة المجمع الاشتراك، فتقدّم مقالة الصحّاح و القاموس؛ لتقدّم المجاز على الاشتراك. و إن كان الغرض مجرّد الاستعمال، فتقدّم مقالة الصحاح و القاموس؛ لتقدّم الإثبات على النفي.
و يمكن أن يقال: إنّ «بالحزم» في كلام الصحاح سهو، و كان الغرض أن يقول:
«و الحزم» و تبع القاموس للصحاح، فترجع مقالة الصحاح و القاموس إلى مقالة المجمع.
لكن نقول: إنّه على هذا لا ترجع مقالة الصحاح و القاموس إلى مقالة المجمع؛ لعدم اعتبار البليغ في مقالتهما، و اعتباره في مقالته، إلّا أن يقال: إنّ المقصود بالحفظ بالحزم في مقالة الصحاح و القاموس هو الحفظ البليغ، فترجع مقالة الصحاح و القاموس إلى مقالة المجمع.
و يمكن أن يقال: إنّ «الحزم» في عبارة المجمع معطوف على «البليغ» و هو سهو، و كان الغرض أن يقول: «و بالحزم» فالمرجع في مقالة المجمع إلى مقالة الصحاح و القاموس.
لكن نقول: إنّ الظاهر كون العطف على «الحفظ» و احتمال العطف على «البليغ» خلاف الظاهر.
و بعد يمكن أن يقال: إنّه يمكن إرجاع «الضبط» في جميع موارد استعماله إلى «الحفظ البليغ» و المقصود به الصيانة التامّة، لا حبس الشيء في الخاطر، فما ذكره في الصحاح و القاموس أوجه ممّا ذكره في المجمع لو كان «الحزم» في مقالة المجمع معطوفا على «البليغ» من باب العطف التفسيري، لا معطوفا على
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 44
«الحفظ». و كأنّ المقصود بالحزم في كلام صاحب الصحاح و القاموس هو «الحفظ البليغ».
[تعميم معنى الضبط]
و من العجيب ما قيل من أنّ ضبط الراوي كما يكون شرطا في حجّيّة الرواية، فكذا ضبط مطلق الناقل في النقليّات التي يكون خبر الواحد حجّة فيها، كاللغات بالمعنى الأعمّ و الرجال و نقل الإجماعات و غيرها؛ لأنّ المناط فيها الظنّ، و هو لا يحصل بدونه، و يكفي مؤونة ضبط النقلة في غير الروايات بالإخبار و ضيق المجال عن الاختبار «1» أصالة الضبط في البشر حتّى يثبت خلافه، بل كما أنّ الضبط بنفسه شرط في الحجّيّة، فكذلك الأضبطيّة من جملة المرجّحات بلا كلام، و قد صرّح به بعضهم «2».
و الوجه في ذلك: أنّ المدار في المرجّحات على أقوائيّة الظنّ في أحد الجانبين، فكما أنّ عدم الضبط مؤثّر في فقده، فضعفه مؤثّر في ضعفه، فيقوى الجانب الآخر. و هذا أيضا يجري في جميع الفنون النقليّة المشار إلى بعضها آنفا.
و طريق معرفة الأضبطيّة في الجميع إمّا الإخبار أو الاختبار، و من أعظم معدّاتها صرف ريعان العمر في فنّ و شأن، بخلاف تفريقه على الفنون و الشؤون، فإنّ الإنسان يشغله شأن عن شأن، و من هنا نحكم بتقديم الكليني بل الصدوق على الشيخ في الحديث، و النجاشي عليه في الرجال، و الصحاح على القاموس في اللغة، و بعض الفقهاء على بعض في نقل الإجماعات. و مع الشكّ فنحكم بالتساوي؛ لأنّ الزيادة تحتاج إلى دليل، و لا أصل هنا يقتضيها، بل الأمر بالعكس.
نعم، ربما نحكم بكون أحد الخبرين أتقن ضبطا من الآخر مع قطع النظر
__________________________________________________
(1). في «ح»: «الأخبار».
(2). وصول الأخيار: 77؛ لبّ اللباب للاسترابادي: 16؛ و انظر مقباس الهداية 1: 148.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 45
عن المخبرين نظرا إلى مدلولهما بأن يشتمل أحدهما على الزيادة؛ لأنّ السهو غالبا في السقط لا الزيادة.
و من هذا الباب أن يدّعي أحد اللغويّين الوضع للأعمّ، و الآخر الوضع للأخصّ، فإنّ ادّعاء النفي أقرب إلى الاشتباه؛ حيث إنّ المقصود بالضبط في المقام هو المعنى المصطلح، أعني غلبة الذكر كما سمعت.
و المقصود بالضبط في مثل اللغة بالمعنى الأعمّ و الرجال و نقل الإجماع- ممّا يكون المدار فيه على الاجتهاد و الفحص- هو المعنى اللغوي أو العرفي، أعني الإتقان الموجب للاطمئنان. و المدار في الضبط في ذلك على بعد الاشتباه، و لا مجال لاشتراط عدم غلبة النسيان فيه؛ لابتنائه على الاجتهاد دون السماع، كما أنّ المقصود بالضبط في الأضبطيّة- في ترجيح بعض الناقلين على بعض في الفنون النقليّة التي يكون المدار فيها على الاجتهاد و الفحص كاللغات بالمعنى الأعمّ و الرجال- هو المعنى اللغوي أو العرفي أيضا، فالمقصود بالأضبطيّة هو زيادة الإتقان الموجب للاطمئنان، فالمدار على أبعديّة الاشتباه في الاجتهاد.
و ترجيح الكليني على الشيخ- و إن كان للسماع مداخلة في فنّ الحديث- ليس من جهة غلبة نسيان الشيخ بالإضافة إلى الكليني، بل من جهة زياد الاطمئنان إلى الكليني بالإضافة إلى الشيخ، فالمقصود بالضبط في الأضبطيّة هنا هو المعنى اللغوي أو العرفي أيضا، أعني الإتقان، فالمقصود بالأضبطيّة هو الزيادة في المعنى المشار إليه للمعنى المصطلح عليه المقصود في المقام، فالاشتباه إنّما حصل من جهة عدم الفرق بين المعنى اللغوي و المعنى المصطلح عليه عند الاصوليّين في باب حجّيّة خبر الواحد.
و كيف كان، فالمقصود بالضبط فيما نحن فيه هو المعنى المقصود به في اشتراطه في حجّيّة خبر الواحد، أعني غلبة الذكر. و لا خفاء في أنّ الغالب من الناس هو الضابط، بل عدم الضبط بالمعنى المذكور من الأمراض النادرة.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 46
[الضبط غير داخل في معنى «ثقة»]
فنقول: إنّ الظاهر- بل بلا إشكال- أنّ الضبط عند أهل الرجال موكول و محال إلى الغلبة، و الضبط هو الأصل، و ليس داخلا في معنى اللفظ، أعني «ثقة».
و يرشد إلى ذلك التعرّض بسوء الحفظ في بعض التراجم نادرا، كما في ترجمة محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى «1»، و سماك «2» بن حرب «3»، و في ترجمة أبي بكر بن عيّاش: أنّه لمّا كبر ساء حفظه «4»؛ أنّ بناء الأصحاب على صحّة خبر من ذكر «ثقة» في ترجمته ليس في إحراز الضبط على استفادته من هذه اللفظة، بل على الحمل على الغالب «5».
و يرشد إليه بناؤهم على صحّة الخبر لو كان التوثيق بغير «ثقة» نحو «عدل» كما في ترجمة معاوية بن حكيم «6»، أو «العدل» كما في ترجمة أحمد بن محمّد الصائغ «7».
و قال النجاشي في ترجمة عبيد اللّه بن زياد: «و كان أبو القاسم بن سهل الواسطي العدل» «8» انتهى.
و في بعض أخبار العيون في باب ما جاء عن الرضا عليه السّلام من الأخبار في التوحيد
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 165/ 185 و فيها: «روى ابن عقدة، عن عبد اللّه بن إبراهيم بن قتيبة، عن ابن نمير، و سئل عن ابن أبي ليلى فقال: كان صدوقا مأمونا و لكنّه سيّء الحفظ جدّا».
(2). قوله: «و سماك» بكسر السين المهملة و تخفيف الميم كما في التوضيح (منه عفي عنه).
(3). انظر قاموس الرجال 5: 307/ 3421.
(4). انظر ميزان الاعتدال للذهبي 7: 337/ 10024.
(5). كذا.
(6). انظر خلاصة الأقوال: 167/ 3.
(7). الأمالي للصدوق: 144، ح 5، المجلس الثاني و الثلاثون؛ و 453، ح 5، المجلس الثالث و الثمانون.
و انظر منتهى المقال 1: 329/ 234.
(8). رجال النجاشي: 232/ 617. و فيه: «عبيد اللّه بن أبي زيد».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 47
توصيف الحسين بن محمّد الأشناني بالعدل «1»؛ لعدم اتّفاق دعوى تطرّق الاصطلاح في العدل بدخول الضبط في مفهومه. و على ذلك المنوال الحال في سائر ألفاظ التوثيق بناء على دلالتها على التوثيق.
و يرشد إليه أيضا بناؤهم على عدّ الخبر موثّقا لو كان من ذكر في ترجمته «ثقة سيّء المذهب» مثلا؛ لعدم اتّفاق دعوى دخول الضبط فيه من أحد؛ إذا «2» ما ادّعي الاصطلاح فيه إنّما هو «ثقة» في باب الإمامي.
و كذا بناؤهم على حسن الخبر لو كان الراوي ممدوحا؛ لعدم دخول الضبط في مدلول «3» ألفاظ المدح بلا كلام من أحد، (و كذا بناء المتأخّرين ممّن خمّس الأقسام بالقوي على قوّة الخبر لو كان الراوي سيّء المذهب و مذكورا بالمدح؛ لعدم دخول الضبط في مداليل ألفاظ المدح بلا كلام من أحد) «4» كما سمعت.
و ربّما استدلّ الفاضل الخواجوئي على ذلك بأنّ حبيب بن المعلّى الخثعمي قد وثّقه النجاشي بقوله: «ثقة ثقة» و هو غير ضابط «5»؛ حيث إنّه كثير السهو كما اعترف به نفسه على ما رواه في الفقيه في باب ما يصلّى فيه و ما لا يصلّى فيه من الثياب و جميع الأنواع أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: إنّي رجل كثير السهو، فما أحفظ صلاتي إلّا بخاتمي أحوّله من مكان إلى مكان؟ فقال: «لا بأس» «6» بناء على أنّ السائل هو الخثعمي بشاهدة ما ذكره في المشيخة بقوله: و ما كان فيه عن حبيب بن المعلّى فقد رويته عن أبي رضى اللّه عنه، عن سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن
__________________________________________________
(1). عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 141، ح 40، باب 11، في سؤال اليهودي. و الأشنان- بالضمّ و الكسر- معروف و بائعه الاشناني.
(2). كذا في النسخ، و الأنسب: «إذ».
(3). في «د»: «مداليل».
(4). ما بين القوسين ليس في «د».
(5). الفوائد الرجالية للخواجوئي: 176.
(6). الفقيه 1: 166، ح 777، باب ما يصلّى فيه و ما لا يصلّى فيه من الثياب.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 48
الوليد الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان، عن حبيب بن المعلّى الخثعمي «1».
و فيه: أنّه لعلّ الظاهر كون المقصود بكثرة السهو هو كثرة السهو في خصوص الصلاة، و كثرة السهو في الصلاة لا تستلزم كثرة السهو في غيرها، كيف و الوسواس في الصلاة أمر شائع، و لا يتعدّي الوسواس فيها إلى غيرها. مع أنّه يمكن أن يكون التوثيق المزبور مبنيّا على عدم الاطّلاع على الحديث المذكور، و إلّا لذكر في ترجمته؛ لتسلّم اشتراط الضبط في اعتبار الخبر و لو لم يكن الضبط داخلا في مدلول التوثيق، بل هذا يرشد إلى كون الغرض من كثرة السهو هو كثرة السهو في الصلاة بناء على بعد عدم اطّلاع النجاشي على كثرة سهو حبيب لو كان الغرض من كثرة السهو في الحديث هو عموم كثرة السهو.
[طريق معرفة ضبط الراوي]
و بما سمعت يظهر ضعف ما قيل من أنّه يعرف ضبط الراوي بأن يعتبر روايته برواية الثقات المعروفين بالضبط و الإتقان، فإن وافقهم في رواياته غالبا- و لو من حيث المعنى بحيث لا يخالفها أو تكون المخالفة نادرة- عرف حينئذ كونه ظابطا ثبتا، و إن وجد بعد اعتبار رواياته برواياتهم كثير المخالفة، عرف اختلاف «2» حاله بالضبط، و لم يحتجّ بحديثه.
و هذا الشرط إنّما يفتقر إليه فيمن يروي الأحاديث من حفظ أو يخرجها بغير الطرق المذكورة في المصنّفات، و أمّا رواية الاصول المشهورة فلا يعتبر فيها ذلك «3».
فإنّك خبير بأنّه مبنيّ على الاشتباه بين المعنيين للضبط- أعني المعنى
__________________________________________________
(1). الفقيه 4: 41 من المشيخة.
(2). كذا في النسخ و الأنسب: «اختلال»، كما في الفوائد الرجالية: 177.
(3). انظر الفوائد الرجالية: 177.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 49
المقصود به في اشتراطه في حجّيّة خبر الواحد، و المعنى الآخر المعروف المتعارف، بل هو المعنى الموضوع له- بحمل الضبط المشروط في حجّيّة خبر الواحد على المعنى المعروف، لكنّ المقالة السابقة مبنيّة على حمل الضبط المشروط في حجّيّة خبر الواحد على معناه المصطلح؛ لتصريحها بكون المقصود غلبة الذكر، و الاشتباه بين هذا المعنى و المعنى الآخر المعروف.
و بما سمعت يظهر أيضا ضعف ما قيل في باب حبيب بن مظاهر الأسدي «1» من أنّه ذكره العلّامة في القسم الأوّل «2» أي رجال الصحيح، و في الحاوي في القسم الثاني «3» أي رجال الحسن، و هو الأوفق؛ لأنّ الرجل و إن كان في أعلى درجة من الزهد و الورع و العبادة و التوفيق و السعادة إلّا أنّ الضبط في الحديث أمر آخر يحتاج إلى الثبوت، نظير ما ذكر بعض علماء الرجال في حقّ الصدوق- المجمع على عدالته- من أنّ توقّف بعض في اعتبار روايته لعلّه لعدم ثبوت ضبطه، فإنّ الشروط في اعتبار الخبر يكفي فيه أصالة الضبط، و لا حاجة فيه إلى الثبوت، و غيره لا يكون شرطا حتّى يحتاج إلى الثبوت. فالأمر مبنيّ أيضا على الاشتباه في الضبط بين المعنيين المتقدّمين.
و الظاهر أنّ هذه المقالة مبنيّة على حمل الضبط- المشروط في حجّيّة خبر الواحد- على المعنى المعروف.
__________________________________________________
(1). قوله: «ما قيل في حبيب بن مظاهر» مرجع ما قيل في باب حبيب إلى اعتبار الضبط بالمعنى المذكور في الدراية، و هو لا يخرج عن اعتبار الإتقان في «ثقة» بنفسه، و مرجع المقالة السابقة إلى اعتبار ما ذكر في «ثقة» باعتبار اشتهاره في اعتبار الخبر المدار في كلام أرباب الدراية. و أنت خبير بأنّه لا دليل على دخول الضبط بالمعنى المذكور في معنى «ثقة» مضافا إلى انتقاض القول بالدخول بسائر ألفاظ التوثيق و ألفاظ التحسين، أعني حسن الخبر، و باقي الكلام في اعتبار الضبط بالمعنى المذكور في اعتبار الخبر (منه عفي عنه).
(2). خلاصة الأقوال: 61/ 2.
(3). حاوي الأقوال 3: 102/ 1067.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 50
و لو قيل: إنّه لا بأس بكون المقصود بالضبط في معنى «ثقة» غير الضبط المشترط في حجّيّة خبر الواحد، أعني الإتقان، و هذا يحتاج إلى الثبوت.
قلت: إنّه لا دليل على اشتراط غير ما اشترط في حجّيّة خبر الواحد في الاصول، فيكفي أصالة الضبط بمعنى الإتقان، و لا حاجة إلى ثبوت الضبط بمعنى الإتقان، فلا حاجة إلى إفادة ثبوت الإتقان بلفظة «ثقة».
[الضبط في اصطلاح الاصوليّين و أرباب الدراية]
و بعد ما مرّ أقول: إنّ الظاهر اختلاف المقصود بالضبط- المشروط به حجّيّة خبر الواحد- في الاصول و الدراية؛ إذ الضبط- المشروط به حجّيّة خبر الواحد- في الدراية فسّر بكون الراوي متيقّظا غير مغفّل إن حدّث من حفظه، ضابطا لكتابه حافظا له من الغلط و التصحيف و التحريف إن حدّث منه، عارفا بما يختلّ به المعنى إن روى بالمعنى.
و ذكر أنّه يعرف ضبط الراوي بأن يعتبر روايته برواية الثقات المعروفين بالضبط و الإتقان، فإن وافقهم في رواياته غالبا- و لو من حيث المعنى بحيث لا يخالفها أو تكون المخالفة نادرة- عرف كونه ضابطا ثبتا، و إن وجد بعد اعتبار رواياته برواياتهم كثير المخالفة لهم عرف عدم ضبطه.
و هذا- أعني جعل المعيار في تشخيص ضبط الراوي على اعتبار رواياته بروايات الثقات المعروفين- يرشد إلى الاختلاف؛ حيث إنّ الضبط- بمعنى غلبة الذكر- لا حاجة فيه إلى التشخيص و الثبوت، بل يكفي فيه الأصل، كما صرّح به بعض، كما مرّ.
فنقول: إنّ المقصود بالضبط في كلام أرباب الدراية إنّما هو الإتقان الموجب للاطمئنان، و هو أمر يحتاج إلى الثبوت، و هو فوق الضبط باصطلاح الاصوليّين، كيف و غالب الناس من باب الضابط باصطلاح الاصوليّين، بخلاف اصطلاح أرباب
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 51
الدراية حتّى أنّه احتمل أن يكون عدم توثيق الصدوق بواسطة عدم ثبوت ضبطه.
لكن نقول: إنّ مجرّد غلبة الذكر- التي يكفي في إحرازها الأصل، أعني الضبط باصطلاح أهل الأصول- يكفي في الظنّ بالصدق و الصدور بناء على حجّيّة مطلق الظنّ، أو حجّيّة الظنون الخاصّة.
و أمّا الضبط بمعنى الإتقان- أعني الضبط باصطلاح أهل الدراية- فإنّما نحتاج إليه لو اعتبر الاطمئنان و غلبة الظنّ بالصدور. و لا دلالة في لفظة «ثقة» على الضبط باصطلاح أهل الدراية أيضا بعد اشتراطه بشهادة بناء الفقهاء على صحّة الخبر لو كان التوثيق بغير «ثقة» و كذا على كون الخبر موثّقا أو حسنا أو قويّا مع عدم دخول الضبط بالاصطلاح المذكور في غير «ثقة» في باب الإمامي من ألفاظ تعديل الإمامي أو غير الإمامي و ألفاظ المدح.
لكن نقول: إنّه لو بني على دخول الضبط في مدلول «ثقة» فالضبط باصطلاح أرباب الدراية أقرب بالدخول؛ لكون مؤانسة أهل الرجال مع الدراية أزيد بمراتب شتّى من مؤانستهم مع الأصول.
و بعد يمكن القول بانصراف «ثقة» إلى الضابط- سواء كان المقصود به الوثاقة بالمعنى اللغوي، أو العدالة بالمعنى المصطلح- من باب انصراف المطلق إلى الفرد الشائع، فيستفاد الضبط من نفس اللفظ لا الخارج، إلّا أنّه إنّما يتمّ في الضبط باصطلاح الاصوليّين، دون الضبط باصطلاح أرباب الدراية بناء على اختلاف الاصطلاح.
بل يمكن القول بإناطة صدق «ثقة» بالضبط بناء على كون المقصود به الوثاقة بالمعنى اللغوي، بل هذا المقال مقتضى ما سبق من المشرق «1»، إلّا أنّه إنّما يتمّ أيضا في الضبط باصطلاح الاصوليّين؛ لعدم الوثوق بإخبار كثير السهو.
و أمّا الضبط باصطلاح أرباب الدراية بناء على اختلاف الاصطلاح فهو إنّما
__________________________________________________
(1). انظر مشرق الشمسين: 39.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 52
ينوط به الاطمئنان و غلبة الظنّ، لا الوثوق الكافي فيه مجرّد الظنّ. و لا دلالة في «ثقة» على الضبط بالمعنى المشار إليه، لا من باب الصدق، و لا من باب الانصراف، فتدبّر.
ثمّ إنّه قد حكى السيّد السند النجفي في ترجمة المرعشي عن الشهيد و من وافقه أنّهم عرّفوا الصحيح بما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل عن مثله في جميع الطبقات، و أسقطوا قيد الضبط من الحدّ تعليلا بالاستغناء عنه بالعدالة المانعة عن نقل غير المضبوط «1»، و حكى عن الأكثر أنّهم جعلوا الضبط شرطا زائدا «2».
و فيه: أنّه لم يتّفق أخذ الضبط في حدّ الصحيح من أحد حتّى يتأتّى الخلاف بين الأكثر و الشهيد و من وافقه، بل الشهيد إنّما قدح في اشتراط الضبط بعد نقل اتّفاق أئمّة الأصول و الحديث على اشتراطه بكفاية اشتراط العدالة عن اشتراط الضبط «3».
و قد ذكر الفاضل الخواجوئي:
أنّه يؤيّد بل يؤكّد عدم الحاجة إلى اشتراط الضبط ما رواه النجاشي عن حمّاد بن عيسى قال: «سمعت من أبي عبد اللّه عليه السّلام سبعين حديثا، فلم أزل أدخل الشكّ على نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين» «4».
و روى الكشّي بسند صحيح عنه قال: «سمعت أنا و عبّاد بن صهيب البصري من أبي عبد اللّه عليه السّلام فحفظ عبّاد مائتي حديث، و كان يحدّث بها عنه عباد، و حفظت أنا سبعين حديثا، قال حمّاد: فلم أزل أشكّ حتّى
__________________________________________________
(1). رجال السيّد بحر العلوم 2: 192. و المقصود بالمرعشي هو السيّد الحسن بن حمزة بن علي بن ... بن عليّ بن أبي طالب، و يعرف بالطبري أيضا. انظر رجال السيّد بحر العلوم 2: 187.
(2). رجال السيّد بحر العلوم 2: 192.
(3). الرعاية في علم الدراية: 186.
(4). رجال النجاشي: 142/ 370.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 53
اقتصرت على هذه العشرين التي لم يدخلني فيها الشكوك» «1» فإنّه كالصريح في أنّ العدل لا يروي إلّا ما هو محفوظ عنده على الوجه المعتبر «2».
و أنت خبير بأنّ ما وقع من حمّاد- بعد معارضته بما وقع من عبّاد، و هو مصرّح بالتوثيق بناء على ظهور العبارة في عدم مراعاة عبّاد ما وقع رعايته من حمّاد- من باب شدّة الاحتياط، الخارجة عن طريقة الرواة، أو من باب تطرّق الشكوك الخارجة عن حال الرواة أيضا. و على التقديرين لا يجدي في المقصود؛ لفرض الخروج عن طريقة الرواة و حالهم.
و مع هذا، الأمر في باب حمّاد من باب التفطّن باحتمال الاختلال، و الغرض من الضبط الاحتراز عمّا لا يتفطّن باختلاله غير الضابط.
و أمّا الإماميّة فالظاهر أنّه تستفاد من عدم ذكر سوء المذهب؛ حيث إنّ الظاهر أنّ بناء أرباب الرجال على ذكر سوء المذهب دون الإماميّة، كما يظهر ذلك بالرجوع إلى كلماتهم.
نعم، ربّما ذكر قليلا في بعض التراجم حسن المذهب، كما في ترجمة حمدويه بن نصير حيث إنّه ذكر الشيخ في الرجال أنّه حسن المذهب «3»، و ذكر الشيخ في الرجال أيضا في ترجمة حنظلة بن زكريّا أنّه خاصّي «4»، و كذا في ترجمة حيدر بن شعيب «5»، و عبيد اللّه بن أبي زيد «6» و حسين بن عليّ بن سفيان «7».
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 2: 604/ 571.
(2). الفوائد الرجالية: 172.
(3). رجال الشيخ: 463/ 9؛ و انظر خلاصة الأقوال: 62/ 3.
(4). رجال الشيخ: 467/ 30.
(5). رجال الشيخ: 467/ 31؛ و انظر خلاصة الأقوال 58/ 2.
(6). رجال الشيخ: 481/ 31؛ و انظر منتهى المقال 4: 152/ 1661.
(7). رجال الشيخ: 466/ 27؛ و انظر خلاصة الأقوال: 50/ 9.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 54
و المقصود بالخاصّ هو الإمامي قبال العامي، و يرشد إليه قوله في الرجال في ترجمة العيّاشي: «و كان له مجلس للخاصّي و مجلس للعاميّ» «1».
لكن ربّما قيل: إنّ المقصود بالخاصّي كونه من خواصّهم عليهم السّلام، إلّا أنّه بعيد، كما أنّ كون المقصود بالعامّي ما يقابل العوام بعيد أيضا، لكن في بعض النسخ: «له مجلس للخاصّ «2» و مجلس للعامّ».
و ذكر الشيخ في الرجال في ترجمة حسن بن موسى أبي محمّد النوبختي:
«أنّه كان إماميّا حسن الاعتقاد» «3».
و ذكر النجاشي في ترجمة حبيب بن أوس: «أنّه كان إماميّا» «4» و في ترجمة عليّ بن إبراهيم بن هاشم: «أنّه صحيح المذهب» «5» و في ترجمة جعفر بن ورقاء «6»:
«أنّه كان صحيح المذهب» «7» و في ترجمة جعفر بن أحمد بن أيّوب: «أنّه كان صحيح الحديث و المذهب» «8» و ذكر النجاشي و الشيخ في الفهرست و الرجال في ترجمة بندار بن عبد اللّه: «أنّه إمامي» «9» و ذكر النجاشي في ترجمة أيّوب بن نوح:
«أنّه كان صحيح الاعتقاد» «10» و ذكر النجاشي و الشيخ في الفهرست و الرجال في
__________________________________________________
(1). رجال الشيخ: 497/ 32.
(2). في «د»: «للخاصي».
(3). رجال الشيخ: 462/ 4.
(4). رجال النجاشي: 141/ 367.
(5). رجال النجاشي: 262/ 687.
(6). قوله «ورقا» بفتح الواو و سكون الراء المهملة و القاف الممدودة كما في الإيضاح و التوضيح. (منه عفي عنه).
(7). رجال النجاشي: 124/ 319.
(8). رجال النجاشي: 121/ 310.
(9). رجال النجاشي: 114/ 294؛ الفهرست: 41/ 135؛ رجال الشيخ: 457/ 5. و «بندار» بضم الباء، و إسكان النون و الألف بعد المهملة و الراء أخيرا، كما جاء في خلاصة الأقوال: 27/ 2.
(10). رجال النجاشي: 102/ 254.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 55
ترجمة أحمد بن أبي رافع: «أنّه كان صحيح الاعتقاد و العقيدة» «1» إلى غير ذلك من تراجم اخرى ممّا لا يخرج عن القلّة بالإضافة إلى ما لم يتعرّض فيه لحسن المذهب، فالسكوت عن العقيدة يدلّ على حسنها.
و يرشد إلى ما ذكرناه ما ذكره صاحب الحاوي من أنّ إطلاق الأصحاب لذكر الرجل يقتضي كونه إماميّا، فلا يحتاج إلى التقييد بكونه «من أصحابنا» و شبهه، و لو صرّح به، كان تصريحا بما علم من العادة «2».
نعم، ربّما يقع نادرا خلاف ذلك، و الحمل على ما ذكرناه عند الإطلاق مع عدم الصارف متعيّن. و استجوده بعض المتأخّرين «3».
لكن يمكن أن يقال: إنّ دلالة عدم ذكر سوء المذهب على حسنه إنّما تختصّ بما لو كان الرجل مذكورا بالتوثيق أو المدح، و أمّا لو لم يذكر في ترجمته شيء فهو مجهول بالكلّيّة، و لا يدلّ عدم ذكر سوء المذهب على حسنه.
لكن نقول: إنّه لا يقدح هذا المقال في هذا المقام؛ لفرض التوثيق ب «ثقة».
هذا كلّه في غير ما كان موضوعا لذكر الإماميّين، و أمّا ما كان موضوعا لذكر الإماميّين ككتاب النجاشي- بناء على ما ذكره أوّل الكتاب من أنّ تأليفه لذكر سلف الإماميّة و مصنّفاتهم «4»، مضافا إلى ما عن السيّد الداماد و الشيخ محمّد من أنّ عدم ذكر النجاشي كون الرجل عاميّا يدلّ على عدم كونه عاميّا عنده «5»- فالأمر فيه أوضح.
و كذا الحال في معالم ابن شهر آشوب نظرا إلى ما ذكره ابن شهرآشوب
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 84/ 203؛ رجال الشيخ: 445/ 41؛ الفهرست: 32/ 96.
(2). حاوي الأقوال 1: 107.
(3). انظر منتهى المقال 1: 44، الفائدة الخامسة.
(4). رجال النجاشي: 3.
(5). الرواشح السماوية: 68، الراشحة الثامنة عشر. و نقله عن الشيخ محمّد في نهاية الدراية: 387.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 56
في أوّل المعالم من أنّه فهرس كتب الشيعة و أسماء المصنّفين منهم قديما «1».
و ربّما جعل بعض المتأخّرين الحال على هذا المنوال في الفهرست استدلالا بأنّه فهرست كتب الشيعة «2» و أسماء المصنّفين منهم، كما هو المصرّح به في نفسه «3».
لكنّه عجيب؛ حيث إنّه و إن قال الشيخ أوّل الكتاب:
فإنّي لمّا رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا و ما صنّفوه من التصانيف و رووه من الاصول، و لم أجد منهم أحدا استوفى ذلك و أحاطت به خزائنه من الكتب، و لم يتعرّض أحد منهم باستيفاء جميعه إلّا ما كان قصده أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسين بن عبيد اللّه «4» فإنّه عمل كتابين أحدهما ذكر فيه المصنّفات، و الآخر ذكر فيه الاصول، و استوفاهما على مبلغ ما وجده و قدر عليه، غير أنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا، و اخترم هو و عمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين و غيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه. و لما تكرّر من الشيخ- أدام اللّه علوّه و عزّه- الرغبة فيما يجري هذا المجرى و توالى منه البحث على ذلك و رأيته حريصا عليه عمدت إلى عمل كتاب يشتمل على ذكر المصنّفات
__________________________________________________
(1). معالم العلماء: 1.
(2). في «د» زيادة: «و أصولهم».
(3). انظر الفوائد الرجالية: 311.
(4). قوله: «أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه» الغضائري المعروف على ما جرى عليه جماعة، و عن الشهيد الثاني في إجازته لوالد شيخنا البهائي التصريح بكون ابن الغضائري هو والد أحمد أعني الحسين، و هو المحكي عن بعض من تأخّر عنه، و الحقّ هو الأوّل، و قد حرّرنا رسالة في حاله، فمن أراد تفصيل الحال فيه فليرجع إليها (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 57
و الاصول «1».
و ظاهر هذه العبارة أنّ تأليف الفهرست لبيان أرباب المصنّفات و الاصول من الإماميّة؛ حيث إنّ مقتضاها أنّ تأليف الفهرست لاستيفاء ما أراده شيوخ الطائفة من ضبط كتب أصحابنا و ما صنّفوه من التصانيف و الاصول، و قوله: «أصحابنا» «2» ظاهر في الإماميّة، لكنّه قال بعد ذلك بفاصلة قليلة:
فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين و أصحاب الاصول فلابدّ من أن أشير إلى ما قيل فيه من التجريح أو التعديل، و هل يعوّل على روايته أم لا، و ابيّن عن اعتقاده، و هل هو موافق للحقّ أو مخالف له؛ لأنّ كثيرا من مصنّفي أصحابنا و أصحاب الاصول ينتحلون المذاهب الفاسدة و إن كانت كتبهم معتمدة «3».
و هذه العبارة صريحة في أنّ الفهرست موضوع لبيان أرباب المصنّفات و الاصول من الرواة الإماميّة و غيرهم، و جرى على تعميم أصحابنا في قوله:
__________________________________________________
(1). الفهرست: 1.
(2). قد ذكر جماعة منهم التفتازاني أنّ الأصحاب جمع صاحب، كطاهر و أطهار، و شاهد و أشهاد، و هو صريح المصباح قال: صحبته أصحبه صحبة، فأنا صاحب و الجمع صحب و أصحاب و صحابة، و هو ظاهر القاموس قال: و هم أصحاب و أصاحيب و صحبان و صحاب و صحابة و صحابة و صحب؛ حيث إنّ الظاهر من كلامه كون كلّ من الجموع المذكورة جمعا لمفرد واحد، و الظاهر أنّه أحال حال المفرد على الظهور، و ليس غير الصاحب ما يليق بهذه المرحلة، و هو ظاهر الحاشية المحكية عن الشهيد الثاني في المتن أيضا، و في الصحاح و المجمع أنّ جمع الصاحب صحب مثل راكب و ركب، و الأصحاب جمع صحب مثل فرخ و أفراخ. و قد حكم الخطّابي بأنّ الفاعل لا يجمع على أفعال وفاقا لما نقله عن الكشّاف و جرى على أنّ الأصحاب جمع صحب- بالكسر- كنمر و أنمار، أو صحب- بالسكون- كنهر و أنهار، و جعل الأطهار جمع طهر بالضمّ، نحو قفل و أقفال، و بنى على أنّ التوصيف بها المبالغة نحو: زيد عدل، و ربما احتمل بعض كون الأطهار جمع طهر بالفتح اسم جمع لطاهر، كصحب اسم جمع لصاحب. و قيل: إنّ الأشهاد جمع شهد كنهر و أنهار (منه عفي عنه).
(3). الفهرست: 2.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 58
«مصنّفي أصحابنا» للإماميّ و غيره بشهادة قوله: «ينتحلون المذاهب الفاسدة» و كذا قوله سابقا على ذلك: «و ابيّن عن اعتقاده و هل هو موافق للحقّ أو مخالف له» مع أنّه جرى على ذكر فساد العقيدة من العامية و غيرها في تراجم شتّى.
و نظير ما ذكر- أعني تعميم الأصحاب لغير الإمامي- قول العلّامة في الخلاصة في حقّ إسحاق بن عمّار من أنّه «شيخ أصحابنا، و كان فطحيّا» «1».
و كذا قول الشهيد في اللمعة عند الكلام في طلاق العدّة: «و قال بعض الأصحاب»؛ إذ المقصود بالبعض عبد اللّه بن بكير، كما ذكره الشارح الشهيد «2»؛ بل عنه- أعني الشارح في الحاشية-: أنّه استعمل الأصحاب لفظ «الصاحب» في غير الإمامي من فرق الشيعة «3».
و كذا ما نقله الكشّي عن محمّد بن مسعود من أنّ عبد اللّه بن بكير و جماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا «4».
فعلى ما ذكر لا مجال للاستدلال المذكور على دلالة عدم تعرّض الشيخ في الفهرست لفساد العقيدة على حسنها.
نعم، يمكن الاستدلال بأنّه قد التزم أن يبيّن العقيدة صحّة و فسادا، و هو قد أهمل بيان العقيدة في تراجم كثيرة و ما أشدّ كثرته، بل لم أقف على تصريح بالإماميّة في ترجمة. نعم، يتعرّض لفساد العقيدة، بل كثير ممّن لم يتعرّض لبيان عقيدته من الإماميّين قطعا، فلابدّ أن تكون طريقته جارية على عدم تعرّض الإماميّة، و كون من لم يتعرّض لبيان فساد عقيدته إماميّا.
لكن لا إشكال في عدم دلالة سكوت الكشّي عن سوء المذهب على الحسن؛
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 200/ 1.
(2). اللمعة (الروضة البهيّة) 6: 38.
(3). الروضة البهيّة: 131 (الطبعة الحجرية).
(4). رجال الكشّي 2: 635/ 639. و نقله عنه العلّامة في خلاصة الأقوال: 106/ 24.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 59
حيث إنّ كتابه موضوع لذكر رجال ورد في بابهم رواية بالمدح أو القدح ليس إلّا، كما صرّح به المولى التقيّ المجلسي «1»، بل يظهر هذا المقال بالتتبّع في الاختيار المختصر من كتابه «2» في هذه الأعصار على ما حرّرناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في الحسين بن محمّد الذي يروي عنه الكليني. نعم، يأتي بكلام يتعلّق بحال الشخص في بعض الأحيان.
و بالجملة، فليس استفادة إماميّته من ذكر «ثقة» في ترجمته بتوسّط دخولها بتطرّق الاصطلاح، بل إنّما هو بتوسّط السكوت عن سوء المذهب في غير كلام الكشّي. و أمّا كلامه فهو خال عن التوثيق و التجريح غالبا.
لكنّ الشهيد في الذكرى عند الكلام في عدد صلاة الجمعة قد استند على اعتبار الحكم بن مسكين بأنّه ذكره الكشّي و لم يتعرّض له بذمّ «3».
و فيه: أنّه لو جرى الكشّي على شرح الحال- و هو في غاية الندرة- فالسكوت عن المذهب ظاهر في الإماميّة، كما هو الحال في غير الكشّي، فمن كان إماميّا من أهل الرجال لو لم يكن كتابه موضوعا لذكر الإماميّين، لكان السكوت عن الذمّ لا دلالة فيه على الاعتبار كما هو الحال.
لكن قد يقال: إنّ طريقة أهل الرجال و سيرتهم المستمرّة التي كان أمرهم عليها من قديم الزمان- سواء كانوا من أصحابنا الإماميّة كالشيخ و النجاشي و الكشّي و غيرهم، أو من العامّة- أنّهم لا يسكتون عن مذهب الراوي و اعتقاده، إلّا فيمن ثبت عندهم موافقة مذهبه لمذهبهم و اعتقادهم، فإذا لم يذكروا من مذهبه شيئا، فظاهرهم أنّهم يعتقدون كونه موافقا لهم في الاعتقاد.
و بالجملة، بناؤهم على ذكر المخالفة و عدم العلم بالموافقة، لا على ذكر
__________________________________________________
(1). روضة المتّقين 14: 445.
(2). في «د» زيادة: «و المعروف من كتابه».
(3). ذكرى الشيعة 4/ 108؛ و انظر رجال الكشّي 2: 457/ 866.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 60
الموافقة إلّا لداع كدفع توهّم متوهّم، و إنكار منكر كان أو ربّما يكون لمخالطة «1» الرجل بالعامّة أو غير ذلك.
و الدليل عليه الاستقراء و التتبّع في كلمات أهل الرجال من العامّة و الخاصّة، و إنّا نراهم ساكتين عن ذكر المذهب فيمن نقطع بموافقة مذهبه لمذهبهم، و ذاكرين مخالفة من كان مشهورا بالمخالفة أو غير مشهور بها.
و كذا يذكرون عدم معلوميّة المذهب فيمن كان غير معلوم لهم، بل هذا هو مقتضى القواعد؛ حيث إنّ الغرض الأصلي لأهل الرجال من الخاصّة و العامّة بيان حال رجال رواياتهم الموجودة في كتبهم و فيما بين أصحابهم، لا بيان حال رجال جميع الروايات.
و لذا ترى أنّ الغالب في رجال روايات كلّ فريق من هو منهم، فيكون الغالب فيما هم بصدد بيان حاله هو الموافقة، فجعلها أصلا، و البناء على ذكر المخالفة و عدم العلم بالموافقة أولى من العكس و من ذكرهما معا؛ لما في ذلك من الاختصار المفقود في غيره.
فعلى هذا لو بنى أحد كتابه في ذكر رجال روايات أهل الإسلام من الخاصّة و العامّة، فالواجب ذكر الموافقة و المخالفة معا، أو البيان على أحدهما و الإشعار به، و كذا لو وضع كلّ من الخاصّة و العامّة كتابه في بيان رجال الآخر، فالمناسب البناء على ما هو الغالب فيهم و ذكر غيره، فلو تصدّى من غير الإماميّة لبيان حال رواتهم و وضع كتابا فيه- مثل أنّ ابن عقدة مع كونه زيديّا جاروديّا قد ألّف كتابا في الرجال الذين رووا عن مولانا الصادق عليه السّلام أربعة آلاف رجل، و أخرج لكلّ رجل الحديث الذي رواه كما في الخلاصة «2»- فالمناسب ذكر المخالفة و عدم العلم بالموافقة، كما هو طريقة أصحابنا.
__________________________________________________
(1). في «د»: «و لمخالطة».
(2). خلاصة الأقوال: 203/ 13.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 61
لكنّك خبير بأنّ عدّ الكشّي ممّن يدلّ سكوته عن فساد العقيدة على حسنها يظهر ضعفه بما تقدّم، كما أنّ دلالة سكوت النجاشي ليست من قبيل دلالة سكوت غيره ممّن يدلّ سكوته عن فساد العقيدة على حسنها لزيادة دلالته من جهة كون كتابه موضوعا لبيان الرجال الإماميّين كما مرّ حكايته. و هذه الجهة هي العمدة.
و مع هذا فما يدور عليه الرحى في تشخيص أحوال الرواة غالبا هو كلمات الإماميّين، و الظاهر من سكوتهم «1» الإماميّة، بل الغالب في الرواة الإماميّة، فالإماميّة هي الأصل، ففي موارد التوثيق ب «ثقة» يمكن أن يكون بناء الفقهاء على الإماميّة بواسطة حمل المشكوك فيه على الغالب لا بتوسّط «ثقة».
لكن يخدشه أنّه لم يثبت حال الغالب إلّا بالسكوت، ففي موارد السكوت و التوثيق يدّعي من يقول بتطرّق الاصطلاح باستناد بناء الفقهاء على الإماميّة إلى التوثيق، و لا مجال لاحتمال كون البناء مستندا إلى إلحاق المشكوك فيه بالغالب.
نعم، لو كان إماميّة الغالب ثابتة بالتنصيص لكان ما ذكر متّجها، مضافا إلى كون كتاب النجاشي موضوعا لبيان الإماميّين فقط، كما توهّم و قد تقدّم، إلّا أنّه قد التزم أن يبيّن حسن الاعتقاد و فساده، و هو قد أهمل بيان الاعتقاد في غاية الكثرة، بل لم يتعرّض لبيان الإماميّة إلّا نادرا، نعم يتعرّض لبيان فساد العقيدة، بل كثير ممّن لم يتعرّض لبيان عقيدته من الإماميّة، فلابدّ أن تكون طريقته جارية على عدم التعرّض للإماميّة، فسكوته ظاهر في حسن المذهب، و قد تقدّم هذا المقال و المنوال من الاستدلال، فليس استفادة الإماميّة من الفهرست بتوسّط «ثقة» أيضا.
و بعد ما مرّ أقول: إنّه لا إشكال و لا كلام من أحد في الحكم بحسن حديث الراوي و حسن مذهبه بمجرّد ذكره مدحه في الفهرست مثلا، و لا إشكال في عدم دلالة ألفاظ المدح على الإماميّة، فما يكفل مؤونة حسن المذهب في حسن الخبر
__________________________________________________
(1). في «د» زيادة: «الموافقة في المذهب باعتراف القائل الظاهر من سكوتهم الإمامية».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 62
فهو الكافل في ضمنه؛ إذ الظاهر وحدة السياق.
و أيضا لا إشكال و لا كلام في صحّة الخبر لو ذكر في ترجمة الراوي غير «ثقة» من ألفاظ التعديل، و لا كلام في عدم دلالة غير «ثقة» على الإماميّة، فما يكفل مؤونة الإماميّة في غير «ثقة» فهو الكافل فيها؛ لظهور وحدة السوق و السياق.
[تحقيق في دخول الإماميّة في مدلول «ثقة»]
و بعد ما مرّ أقول: إنّ دخول الإماميّة بنفسها في مدلول «ثقة» من باب الاصطلاح يقتضي التكرار بناء على دخول الإماميّة في العدالة، كما هو مقتضى ما اشتهر ممّا نقله فخر المحقّقين عن والده العلّامة على ما نقله الشهيد الثاني في بعض تعليقات الخلاصة في باب أبان بن عثمان من أنّه «لا فسق أعظم من عدم الإيمان» «1».
و كذا ما ذكره السيّد الداماد في الراشحة السادسة و الثلاثين من الرواشح من «أنّ الفسق شريطة وجوب التثبّت، و أعظم الفسوق عدم الإيمان» «2».
و كذا الاستدلال من جماعة على اشتراط الإيمان في الراوي في آية النبأ.
و كذا بعض كلمات الشيخ في العدّة في تضاعيف الكلام في حجّيّة خبر الواحد «3».
و كذا بعض كلمات صاحب المعالم في حاشية المعالم عند الكلام في حجّيّة خبر الواحد «4».
و كذا ما ذكره في المنتقى- نقلا- من أنّ قيد العدالة مغن عن التقييد بالإماميّ؛
__________________________________________________
(1). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 15؛ و انظر نقد الرجال للتفرشي 1: 46/ 22.
(2). الرواشح السماويّة: 115، الراشحة السادسة و الثلاثون.
(3). عدة الاصول 1: 66- 76.
(4). معالم الدين: 203- 205.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 63
لأنّ فاسد المذهب لا يتّصف بالعدالة «1»، كيف و العدالة حقيقة عرفيّة في معنى معروف؛ لا يجامع مع فساد العقيدة قطعا.
لكنّ الأظهر عدم الدخول، وفاقا لظاهر العلّامة الطوسي في التجريد فيما ذكره من أنّ الفسق الخروج عن طاعة اللّه مع الإيمان «2»، حيث إنّ الظاهر أنّ المقصود بالإيمان في كلامه هو الإسلام؛ لتعريفه الإيمان بالتصديق بالقلب و اللسان، فمقتضاه تطرّق العدالة بعدم الخروج عن الطاعة مع الإسلام، بل هو مقتضى صريح جماعة من اطّراد العدالة في الكفر.
و الوجه: عدم أخذ الإماميّة في تعريف العدالة من أحد من أصحابنا ممّن عرّف العدالة، إلّا أن يقال بانصراف التعريف إلى الإماميّ، و كذا اشتراك العدالة في الذكر بين الخاصّة و العامّة، فإنّ العامّة ذكروها في الفقه في مورد اشتراط العدالة و كذا في الاصول، كما في شرائط حجّيّة خبر الواحد، و كيف لا يقولون بتطرّق العدالة على أنفسهم و الظاهر وحدة الاصطلاح، بل الوحدة مقطوع بها، كيف و قد عرّف الحاجبي و العضدي العدالة- عند الكلام في اشتراطها في حجّيّة خبر الواحد- بما مرجعه أنّها ملكة نفسانيّة توجب الاجتناب عن الكبائر و الإصرار على الصغائر و خلاف المروّة.
و هذا تعريف المشهور من الخاصّة للعدالة، بل قد ذكر العلّامة السبزواري أنّ أخذ الملكة في جنس العدالة من العلّامة و من تبعه متابعة للرازي و من تبعه من العامّة «3».
و كذا تسلّم كون الموثّق ما كان في سنده عدل غير إماميّ، بل تعريفه بما دخل في طريقه من نصّ الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته؛ إذ الظاهر كونه مبنيّا
__________________________________________________
(1). منتقى الجمان 1: 5.
(2). كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 427.
(3). كفاية الأحكام: 279.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 64
على دلالة «ثقة» على العدالة كما عليه بناؤهم في «ثقة» في باب الإماميّ، فضلا عن أنّ الشهيد الثاني حكم في الدراية بافتراق الصحيح و الموثّق في خصوص المذهب و اشتراكهما في الوثاقة «1». و هذا في غاية الصراحة في اطّراد العدالة في سوء المذهب.
و ممّن صرّح باطّراد العدالة في الموثّق جمال الأصحاب في رسالته المعمولة في الطينة «2»، لكن عن التنقيح: «أنّ الموثّق ما يرويه المخالف العدل في مذهبه» «3».
و مقتضى كلام شيخنا البهائي في فاتحة مشرقه:
أنّ المدار في الصحيح على كون كلّ من رجال السند إماميّين مذكورين بالتوثيق، و في الموثّق على كون «4» رجال السند غير إماميّين مع كون الكلّ مذكورين بالتوثيق «5».
فمقتضى كلامه أنّ المدار في الصحيح و الموثّق على ذكر التوثيق لا العدالة، فلا دلالة في كلامه على عموم العدالة لغير الإمامي؛ لإمكان القول بعدم دلالة التوثيق أو توثيق غير الإماميّ على العدالة، و إن كان القول بعدم دلالة التوثيق على العدالة في غاية البعد، بل مقطوع العدم.
و الظاهر اشتراك التوثيق المعتبر في كلامه في باب الصحيح و الموثّق في غير المذهب، مع أنّ مقتضى ما سمعت عن الشهيد في الدراية كون المدار في الاصطلاح في الموثّق على العدالة، و الظاهر اتّحاد الاصطلاح و عدم الاختلاف في تشخيصه، فالظاهر شركة شيخنا البهائي للمشهور في باب الموثّق.
__________________________________________________
(1). الدراية: 23.
(2). الرسالة المعمولة في الطينة لآقا جمال الدين محمّد بن الآقا حسين الخوانساري، كتبها باسم الشاه سلطان حسين الصفوي. الذريعة 15: 197.
(3). التنقيح الرائع 1: 8.
(4). في «د» زيادة: «جميع».
(5). مشرق الشمسين: 26.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 65
و كذا قول أرباب الرجال في ترجمة غير الإمامي كثيرا «ثقة إلّا أنّه فطحيّ» مثلا، بناء على دلالة «ثقة» على العدالة كما هو المشهور؛ لاقتضاء الاستثناء عموم المستثنى منه للمستثنى، إلّا أن يكون الاستثناء من باب الانقطاع. لكنّه خلاف الظاهر.
إلّا أن يقال: إنّ «إلّا» هذه للاستدراك، و هي بمنزلة «غير» كما يرشد إليه ما يقال: «فطحيّ غير أنّه ثقة» كما في ترجمة أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال «1»، و كذا ما يقال: «أحفظ الناس غير أنّه فطحيّ» كما في ترجمة عليّ بن الحسن بن فضّال «2»؛ إذ المدار في الاستثناء على الدخول، و لا مجال هنا للدخول قطعا؛ إذ الشخص لا يتّصف بكونه إماميّا و فطحيّا، غاية الأمر أنّه يحتمل كونه موصوفا بالإماميّة و الفطحيّة، فبعد الاستدراك يظهر كونه فطحيّا، و أمّا لو قيل: «جاء القوم إلّا زيدا» فقبل الاستثناء يكون زيد داخلا في القوم بحسب مفاد القضيّة، و بالاستثناء يتأتّى الخروج.
و لا فرق في ذلك بين الإطلاق و العموم؛ إذ يصحّ الاستثناء من الأوّل كما يصحّ من الثاني، مثلا: يصحّ أن يقال: «أكرمت العالم إلّا زيدا» بناء على عدم عموم المفرد المعرّف باللّام، كما يصحّ أن يقال: «أكرمت جميع العلماء إلّا زيدا».
نعم، الاستدراك في المقام يكشف عن عموم «الثقة» بنفسه للفطحيّ، فلا فرق بين الاستثناء و الاستدراك في الثمرة، إلّا أن يقال: إنّ ما ذكر في الاستدراك مبنيّ على كون المدار فيه في المقام على تعيين أحد المحتملين بالسويّة.
لكن يمكن أن يكون الأمر من باب تعيين خلاف الظاهر، و إقامة القرينة على التجوّز بدخول الإماميّة في معنى «ثقة» و كون «إلّا» قرينة على عدم الدخول، إلّا أن يقال: إنّ ذلك- أعني كون الأمر من باب إقامة القرينة على التجوّز- خلاف الظاهر،
__________________________________________________
(1). الفهرست 24/ 72؛ رجال الشيخ: 383/ 17.
(2). رجال الكشّي 2: 812/ 1014.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 66
مع أنّه قد تكثّر الاستدراك ب «إلّا» و غيرها بحيث أوجب رفع ظهور «ثقة» في الإماميّة بناء على دخول الإماميّة في العدالة و إن كان السكوت عن سوء المذهب في كلام الإمامي- و لا سيّما من كان كتابه موضوعا للإماميّين- مقتضيا للحكم بالإماميّة، و كذا اشتراط الإيمان من غير من ندر ظاهرا في موارد اشتراط العدالة في الاصول كما في باب خبر الواحد، و كذا باب التقليد، و كذا في الفقه كما في صلاة الجماعة و القضاء و الشهادات.
نعم، اكتفى في اللمعة في باب القضاء بالعدالة. و اعتذر الشارح عن اشتراط الإيمان بدخوله في العدالة «1».
و يؤيّد ما ذكرنا- أعني عدم دخول الإماميّة- رواية البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «طلاق السنّة أن يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين كما قال اللّه في كتابه» «2» قلت: فإن أشهد رجلين ناصبين على الطلاق أيكون طلاقا؟ فقال: «من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن تعرف منه خيرا» «3».
و كذا رواية عبد اللّه بن المغيرة قال: قلت للرضا عليه السّلام: رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبين، قال: «كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» «4».
بل قيل: إنّهما محمولتان- بشهادة العدول عن جواب السؤال- على التعبير بما هو جامع بين التقيّة و الحقّ الذي لما زالوا يستعملونه، حتّى قالوا لبعض
__________________________________________________
(1). اللمعة «الروضة البهية» 3: 67.
(2). اشارة إلى قوله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
(3). الكافي 6: 67، ح 6، باب أنّه لا طلاق قبل النكاح؛ التهذيب 8: 49، ح 152، باب أحكام الطلاق؛ وسائل الشيعة 15: 282، أبواب مقدّمات الطلاق، ب 10، ح 4 مع تفاوت.
(4). الفقيه 3: 28، ح 83، باب من يجب ردّ شهادته و من يجب قبول شهادته؛ التهذيب 6: 284 ح 783، باب البيّنات؛ وسائل الشيعة 18: 294، كتاب الشهادات، باب 41، ح 21.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 67
أصحابهم في بعض نصوص الطلاق: قلنا معلّمين لهم: إنّكم لا تحسنون مثل هذا، أي فتجمعون بينهما بعبارة جامعة، فيراد حينئذ بمعرفة الخير و الصلاح في نفسه المؤمن العدل الذي قد يقال: إنّه مقتضى الفطرة، لا الناصب «1» الذي هو كافر إجماعا.
لكنّ المشهور اعتبار الإيمان و العدالة في الشهادة على الطلاق، و القول بكفاية الإسلام فيها «2» مع اعتبار العدالة في المذهب أو مطلقا نادر. و قد حرّرنا تفصيل الكلام في دخول الإيمان أو الإسلام في الأصول.
و بعد يمكن أن يقال: إنّ الغالب في الرواة الإماميّة، فإطلاق «ثقة» ينصرف إلى الإمامي من باب انصراف المطلق إلى الفرد الشائع، كما تقدّم نظيره في باب الضبط، فالدلالة على الإماميّة بنفس اللّفظ لا بالخارج، لكن تتطرّق الخدشة في دعوى الغلبة بما تقدّم في دعوى أصالة الإماميّة بواسطة الغلبة. و أيضا بناء على كون قولهم: «إلّا أنّه فطحيّ»- مثلا- من باب تعيين خلاف الظاهر و إقامة القرينة على التجوّز، فالظاهر من «ثقة» هو الدلالة على الإماميّة لو لم يرتفع ظهور «ثقة» في الدلالة على العدالة بواسطة كثرة الاستدراك ب «إلّا» و غيرها.
و تلخيص ما تقدّم من الكلام في تزييف القول بدلالة «ثقة» على الإماميّة
__________________________________________________
(1). قوله: «لا الناصب الذي هو كافر إجماعا» قال المولى التقي المجلسي في حاشية التهذيب: الظاهر أنّ المراد بالناصب من كان عمله خلاف الحقّ كما هو الشائع في الأخبار. هذا، و قد روى في الكافي في كتاب الإيمان و الكفر في باب فطرة الخلق على التوحيد أخبارا يكون مقتضى صريح أكثرها أنّ المقصود بالفطرة التي فطر الناس عليها هو التوحيد المتمثل بالإسلام و الإقرار بالوحدانيّة دالتي؟
للقبول، فلو ترك الإنسان عليها لم يفارقها لغيرها. و إنّما يعدل عنها لآفة من الآفات، فلا ينافي ذلك قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ و إليه يرجع ما في نصّ الأخبار من أنّ الفطرة هي الإسلام فطرهم اللّه حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، و كذا ما في بعض الأخبار من أنّ الفطرة هي المعرفة بأنّ اللّه هو الخالق (منه عفي عنه).
(2). التزم بهذا القول الشيخ في النهاية: 510، و الراوندي في فقه القرآن 2: 165.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 68
النقض بسائر ألفاظ التوثيق، و بألفاظ المدح مع السكوت عن المذاهب؛ و الحلّ تارة: بأنّ عمدة كتب الرجال من المتقدّمين كتاب الكشّي و النجاشي و فهرست الشيخ و رجاله.
أمّا كتاب الكشّي فهو مقصور غالبا على نقل الروايات القادحة و المادحة.
و أمّا كتاب النجاشي فهو مقصور على الإماميّين، فلا معنى لدلالة «ثقة» في كلامه بالاصطلاح على الإماميّة.
و أمّا الفهرست فهو و إن قيل بكونه موضوعا لبيان الإماميّين من أرباب الكتب و الاصول لكنّ الحقّ أنّه موضوع لبيان حال الإماميّين و غيرهم، إلّا أنّه التزم بيان حال الراوي من حيث حسن المذهب و سوئه، لكنّه لم يذكر إلّا سوء المذهب.
فالظاهر استقرار طريقته على بيان سوء المذهب و السكوت عن حسنه بإفادة الحسن بالسكوت، و لا أقلّ من احتمال كون استفادة الفقهاء حسن المذهب في موارد التوثيق من السكوت لا التوثيق، فانحصر الأمر في رجال الشيخ. و أين هذا من دعوى استقرار الاصطلاح في لسان أرباب الرجال.
و اخرى: باستقرار طريقة النجاشي و أمثاله على السكوت على الإماميّة على ما ذكره جماعة، بل استقرار أرباب الرجال من الإماميّ و غيره على السكوت عن موافقة المذهب فلعلّ استفادة الفقهاء إماميّة الراوي من جهة دلالة السكوت على الإماميّة، لا دلالة «ثقة» بالاصطلاح.
و ثالثة: بدعوى غلبة الإماميّة و لحوق المسكوت عنه بالغالب، فلعلّ بناء الفقهاء على إماميّة الراوي في موارد التوثيق من هذه الجهة، لا دلالة «ثقة» بالاصطلاح.
و رابعة: بدعوى انصراف «ثقة» إلى الإمامي من باب انصراف المطلق إلى الفرد الشائع، فلعلّ بناء الفقهاء على الإماميّة من هذه الجهة، لا من جهة تطرّق الاصطلاح.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 69
اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ حال الغالب لم يثبت إلّا بالسكوت، فجميع موارد التوثيق من موارد النزاع، و لا مجال لكون البناء [على] الإماميّة فيه من باب الحمل على الغالب أو انصراف «ثقة» إلى الغالب.
نعم، لو ثبتت الإماميّة بالتنصيص، لكان احتمال كون البناء على الإماميّة في موارد التوثيق من باب حمل المشكوك فيه على الغالب، أو انصراف «ثقة» إلى الغالب له وجه.
و خامسة: إنّ دخول الإماميّة في مدلول «ثقة» من باب الاصطلاح يقتضي التكرار؛ لاختصاص العدالة بالإماميّة. لكنّه مبنيّ على دخول الإماميّة في مدلول العدالة المصطلحة، و الأظهر عدم الدخول.
[لفظة «ثقة» و دلالتها على العدالة بالمعنى اللغوي و هو «الاعتماد»]
و أمّا العدالة فيمكن أن يقال: إنّ المقصود ب «ثقة» هو المعنى اللغوي أعني الاعتماد، و الأمر من باب حذف المتعلّق، فيبنى على حذف ما كان الظاهر كونه محذوفا، سواء كان واحدا أو متعدّدا، و سواء كان خاصّا أو عامّا.
و الظاهر في المقام و أمثاله كون المحذوف خاصّا، مثلا قد يقال: «التاجر الفلاني ثقة» و الغرض الاعتماد عليه في المال، و قد يقال: «إنّ الواعظ الفلاني ثقة» و الغرض الاعتماد عليه في النقل و ذكر الأخبار، و قد يقال: «إنّ العالم الفلاني ثقة» و الغرض الاعتماد عليه في المال بل مع الأقوال، و الظاهر من «بك ثقتي»- في الدعاء- هو الاعتماد في المغفرة.
و في كلمات أرباب الرجال لمّا كان المقام مقام ذكر الناقلين و رواة الأخبار فالظاهر الاعتماد في النقل و الأخبار، و لا دلالة في «ثقة» على العدالة، و لا اضطراب في الباب بناء على عدم اعتبار العدالة في اعتبار الخبر و لو بناء على اعتبار الظنون الخاصّة، كما هو الأظهر، بل الظاهر أنّه طريقة الفقهاء في كتبهم و إن نسب الشهيد
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 70
الثاني في الدراية القول باعتبار العدالة في اعتبار الخبر إلى جمهور أهل الحديث و الأصول «1»، بل ادّعى الإجماع عليه جماعة.
و أمّا التسمية بالصحيح فالمدار فيها على ذلك على ما كان كل واحد من رجاله إماميّا مصرّحا بالتوثيق ب «ثقة» أو غيره من ألفاظ التوثيق، نظير أنّ المدار في الموثّق- بناء على منافاة العدالة لسوء المذهب- على ما كان كلّ واحد من رجاله أو بعض رجاله غير إماميّ مصرّحا بالتوثيق.
و يرشد إلى ذلك أنّ الشيخ قد يقول في ترجمة بعض الرواة في موضع: «ثقة» و في موضع آخر يقول: «ثقة في الحديث» كما في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن أحمد؛ حيث إنّه في الرجال قال في حقّه في باب من لم يرو تارة: «ثقة» «2» و اخرى قال: «ثقة في الحديث» «3». و كذا [في] ترجمة الحسن بن عليّ بن فضّال؛ حيث إنّه قال في الفهرست: «ثقة في الحديث و في رواياته» «4» و قال في الرجال: «ثقة» «5» كما أنّ الشيخ قال في الفهرست في ترجمة أيّوب بن نوح: «ثقة» «6» و قال العلّامة في الخلاصة: «ثقة في رواياته» «7»، فإنّ مقتضى ما ذكر كون المقصود ب «ثقة» هو الوثاقة في الحديث، أي اعتبار الحديث من جهته و اعتباره في الإسناد، لكنّه مبنيّ على عدم دلالة «ثقة في الحديث» على العدالة كما هو الأظهر، كما يأتي.
و يمكن القدح فيما صنعه الشيخ باضطراب حركاته؛ حيث إنّه يأتي بتوثيق شخص في موضع، و يأتي بتضعيفه في موضع آخر، كما في سالم بن مكرم
__________________________________________________
(1). الدراية: 65.
(2). رجال الشيخ: 445/ 44.
(3). الفهرست: 30/ 90.
(4). الفهرست: 47/ 163.
(5). رجال الشيخ: 371/ 2.
(6). الفهرست: 16/ 59.
(7). خلاصة الأقوال: 12/ 1.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 71
الجمّال «1» و سهل بن زياد «2»، و كذا محمّد بن عليّ بن بلال حيث إنّه جرى على توثيقه في الرجال «3»، و عنه في كتاب الغيبة أنّه من المذمومين «4»؛ و مع ذلك قد عدّ في العدّة ممّن عملت الطائفة بأخباره عبد اللّه بن بكير «5»، و في الاستبصار في أوائل الطلاق صرّح بما يدلّ على فسقه و كذبه و أنّه يقول برأيه «6». و ادّعى في العدّة نقلا عن الطائفة: لم تزل تعمل بما يرويه عمّار بن موسى الساباطي «7»، و في التهذيب في باب بيع الواحد بالاثنين: «أنّه ضعّفه جماعة من أهل النقل، و ذكروا أنّ ما ينفرد بنقله لا يعمل به؛ لأنّه كان فطحيّا [غير أنّا لا نطعن عليه بهذه الطريقة؛ لأنّه و إن كان كذلك فهو] ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه» «8» و في الاستبصار في آخر باب السهو في المغرب: «أنّه ضعيف فاسد المذهب لا يعمل بما يختصّ بروايته» «9».
و مع ذلك كثيرا مّا يذكر الراوي تارة في أصحاب بعض الأئمّة عليهم السّلام و اخرى يذكره في باب من لم يرو.
و مزيد الكلام موكول إلى ما حرّرناه في الرسالة المعمولة في باب النجاشي.
و يرشد إليه أيضا ما يقال: «ثقة صحيح السماع» كما في ترجمة أحمد بن
__________________________________________________
(1). ضعّفه في الفهرست 79/ 337، و نقل عنه التوثيق في خلاصة الأقوال 227/ 2. انظر نقد الرجال 2: 297/ 2171؛ و منتهى المقال 3: 308/ 1251.
(2). ضعّفه في الفهرست: 80/ 339، و وثّقه في الرجال: 416/ 4.
(3). رجال الشيخ: 435/ 4.
(4). الغيبة: 353.
(5). عدّة الأصول 1: 150.
(6). الاستبصار 3: 279، ذيل الحديث 982، باب من طلّق امرأة ثلاث تطليقات ....
(7). عدة الاصول 1: 150، و فيه: «عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة مثل عبد اللّه بن بكير و غيره» و لم يصرّح باسمه.
(8). التهذيب 7: 101، ذيل الحديث: 435، باب بيع الواحد بالاثنين. و ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
(9). الاستبصار 1: 372، ذيل ح 1413، باب السهو في المغرب.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 72
محمّد بن طرخان «1»، «2» حيث إنّ الظاهر منه كون صحّة السماع تفسيرا للوثاقة و من باب ذكر المرادفات، كما هو المتعارف في موارد المدح، و لو لا ذلك يلزم أن يكون الأمر من باب التوصيف بالأدنى بعد الأعلى، و هو غير متعارف، بل ركيك، بل لا ريب و لا مرية في ركاكته؛ فمقتضاه أيضا كون المقصود ب «ثقة» هو الوثاقة في الإسناد؛ إذ الظاهر اتّحاد المقصود بثقة فيه و في ثقة في حال الانفراد.
و كذا ما يقال: «ثقة في الحديث» كما في ترجمة أنس بن عياض «3»، «4» و عبد السلام بن صالح «5»، و محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون «6»، بناء على كون المقصود بصحّة الحديث هو اعتبار الإسناد و التحرّز عن الكذب كما هو الأظهر و كون صحيح الحديث تفسير الثقة.
و كذا ما يقال: «ثقة صحيح الحديث، معتمد عليه» كما في ترجمة أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب «7»، و محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون «8».
و كذا ما يقال: «ثقة صحيح» كما في ترجمة عبّاس بن معروف «9»، و جرير بن عبد الحميد «10»، و أبان بن أبي رجا «11»، أو «كان ثقة» كما في ترجمة عمر بن محمّد بن
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 87/ 210؛ خلاصة الأقوال: 20/ 46.
(2). قوله: «طرخان» بفتح الطاء المهملة و الراء و الخاء المعجمة و النون (منه عفي عنه).
(3). رجال النجاشي: 106/ 269؛ خلاصة الأقوال: 22/ 3. و فيهما: «ثقة صحيح الحديث».
(4). قوله: «عياض» بكسر العين المهملة و تخفيف الياء (منه عفي عنه).
(5). رجال النجاشي: 245/ 643، و فيه: «ثقة صحيح الحديث». و في رجال الكشّي 2: 872، ح 1148. و فيه: «نقيّ الحديث».
(6). رجال النجاشي: 373/ 1020، و فيه: «ثقة صحيح الحديث».
(7). رجال النجاشي: 74/ 179.
(8). رجال النجاشي: 373/ 1020.
(9). رجال الشيخ: 382/ 34؛ خلاصة الأقوال: 118/ 4.
(10). انظر رجال الشيخ: 177/ 43، و فيه: «كوفي نزل الري من أصحاب الصادق عليه السّلام».
(11). لا ترجمة له يوافق.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 73
عبد الرحمن «1» بناء على كون المقصود بالصحّة هو صحّة الرواية و الإسناد، كما هو الأظهر.
و كذا ما يقال: «ثقة مأمون على الحديث» كما في ترجمة عبد السلام بن صالح أبي الصلت الهروي «2».
و كذا ما يقال: «ثقة مسكون إلى روايته» كما في ترجمة عبد اللّه بن الصلت «3».
و كذا ما يقال: «ثقة صدوق» كما في ترجمة يعقوب بن يزيد بن حمّاد «4»، و عليّ بن عبد اللّه بن غالب «5»، و محمّد بن أحمد بن أبي قتادة «6»، و ريّان «7» بن الصلت «8»، و عليّ بن محمّد بن شيران «9»، «10» و عبد اللّه بن إبراهيم ابن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب «11».
و كذا ما يقال: «ثقة يعوّل عليه» كما في ترجمة عليّ بن الحسن بن رباط البجليّ «12». «13»
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 119/ 2.
(2). رجال الشيخ: 396/ 5.
(3). رجال النجاشي: 217/ 564.
(4). رجال النجاشي: 450/ 1215.
(5). رجال النجاشي: 275/ 722؛ خلاصة الأقوال 102/ 65.
(6). رجال النجاشي: 337/ 902؛ خلاصة الأقوال 154/ 82.
(7). قوله: «وريان» بالراء المفتوحة و المثناة التحتانية المشدّدة (منه عفي عنه).
(8). خلاصة الأقوال: 70/ 1.
(9). قوله: «شيران» بالشين المعجمة و المثناة التحتانية و الراء و النون (منه عفي عنه).
(10). خلاصة الأقوال: 101/ 57.
(11). رجال النجاشي: 216/ 562؛ خلاصة الأقوال: 110/ 38.
(12). «البجلي» قال في المصباح: بجيلة قبيلة من اليمن و النسبة إليها بجلي بفتحتين، مثل حنفي في النسبة إلى بني حنيفة، و بجلة مثال تمرة قبيلة أيضا، و النسبة إليها على لفظها.
(13). رجال النجاشي: 251/ 659؛ خلاصة الأقوال: 99/ 39.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 74
و كذا ما يقال: «ثقة معتمد عليه» كما في ترجمة إسماعيل بن مهران «1».
و كذا ما يقال: «ثقة يعوّل عليه» كما في ترجمة هارون بن موسى «2».
و كذا ما يقال: «ثقة مصدّق لا يطعن عليه» كما في ترجمة يعقوب بن إسحاق السكّيت «3». «4»
و كذا ما يقال: «ثقة صادقا فيما يرويه» كما في ترجمة زرارة «5».
و كذا ما يقال: «ثقة أعتمد على روايته» كما ذكره في الخلاصة في ترجمة إبراهيم بن أبي محمود «6».
و كذا ما يقال: «كان ثقة ثقة، معتمدا على ما يرويه» كما في ترجمة عبد الرحمن بن أبي نجران «7». «8»
و كذا ما يقال: «ثقة نقيّ الحديث، صحيح الحكايات» كما في ترجمة عمرو بن عثمان «9»، فتدبّر «10».
و كذا ما يقال: «الثقة الصدوق، لا يطعن عليه» كما في ترجمة يحيى بن زكريّا بن شيبان «11».
__________________________________________________
(1). الفهرست: 11/ 32.
(2). انظر رجال النجاشي: 439/ 1184، و فيه: «ثقة معتمد لا يطعن عليه». و انظر خلاصة الأقوال: 180/ 1.
(3). قوله: «السكيت» بالسين المهملة المكسورة و الكاف المشدّدة المكسورة و المثناة التحتانية الساكنة و المثناة الفوقانية (منه عفي عنه).
(4). رجال النجاشي: 449/ 1214؛ الخلاصة: 186/ 5.
(5). رجال النجاشي: 175/ 463؛ خلاصة الأقوال: 76/ 2.
(6). خلاصة الأقوال: 3/ 3.
(7). قوله: «نجران» بالجيم و الراء بين نونين (منه عفي عنه).
(8). رجال النجاشي: 235/ 622؛ خلاصة الأقوال: 114/ 7.
(9). رجال النجاشي: 287/ 766؛ خلاصة الأقوال 121/ 6.
(10). «فتدبّر» إشارة إلى تخلّل الفصل بين ثقة و نقي الحديث (منه عفي عنه).
(11). رجال النجاشي: 442/ 1190؛ خلاصة الأقوال: 182/ 8.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 75
و كذا ما يقال: «ثقة جيّد الحديث، نقيّ الرواية، معتمد عليه» كما في ترجمة سهل بن راذويه «1». «2»
و كذا ما يقال: «ثقة ثبت» كما في ترجمة إسماعيل بن جعفر «3»، و «ثقة ثقة ثبت» كما في ترجمة حسين بن إشكيب «4»، «5» و عبد اللّه بن محمّد الأسدي «6»، و عبد الرحمن بن الحجّاج «7»، بناء على كون «الثبت» بمعنى «المعتمد» و عدم دلالته على العدالة كما هو الأظهر، كما حرّرناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في أبي داوود الذي يروي عنه الكليني.
و كذا ما يقال: «ثقة سالم فيما يرويه» كما في ترجمة إسماعيل بن شعيب «8».
و كذا ما يقال: «ثقة سليم» كما في ترجمة زياد بن أبي غياث «9»، أو «كان سليما» كما في ترجمة محمّد بن أحمد بن عبد اللّه بن مهران «10»؛ بناء على كون المقصود بالسليم السلامة في الرواية، كما هو مقتضى ما يقال: «سالم فيما يرويه» كما سمعت.
__________________________________________________
(1). «راذويه» بالراء و الدال المعجمة بعد الألف (منه عفي عنه).
(2). رجال النجاشي: 186/ 492؛ خلاصة الأقوال: 81/ 3.
(3). انظر قاموس الرجال 2: 41/ 794؛ و منتهى المقال 2: 51/ 338.
(4). قوله: «إشكيب» بكسر الهمزة و سكون الشين المعجمة و المثناة التحتانية و الباء الموحّدة، كما ذكره في الإيضاح و في بعض تعليقات الكافي بخطّ العلّامة المجلسي في باب مولد الصاحب عجّل اللّه فرجه عند ذكر الحديث المشتمل سنده على الحسين بن إشكيب: إنّ بعض أهل الرجال صحّحوا بالسين المهملة (منه عفي عنه).
(5). رجال النجاشي: 44/ 88؛ خلاصة الأقوال: 49/ 8، و فيها: «اسكيب» بالسين غير المعجمة.
(6). رجال النجاشي: 226/ 595؛ خلاصة الأقوال: 105/ 18.
(7). رجال النجاشي: 237/ 630.
(8). الفهرست: 11/ 33؛ خلاصة الأقوال: 9/ 7.
(9). رجال النجاشي: 171/ 452.
(10). رجال النجاشي: 346/ 935.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 76
لكن قال الصدوق في مشيخة الفقيه في باب أبي حمزة الثمالي: «و هو ثقة عدل» «1». و الظاهر منه كون العدالة تفسيرا للوثاقة، فمقتضاه دلالة «ثقة» على العدالة.
لكنّه لا يقاوم ما تقدّم ممّا يقتضي عدم دلالة «ثقة» على العدالة، مع أنّ الظاهر أنّ الأمر في المقام من باب الترقّي من الأدنى إلى الأعلى بكون الغرض من الوثاقة الاعتماد بالنقل و الإخبار، فلا دلالة في «ثقة» على العدالة.
و يرشد إليه أيضا أنّه ربّما اتّفق التوثيق في كلام بعض الرواة كما مرّ و يأتي، و لا كلام في أنّ المراد بالتوثيق المذكور هو المعنى اللغوي. و الظاهر اتّحاد المقصود به مع المقصود بالتوثيق المتنازع فيه، أعني التوثيق المذكور في كلام الإمامي من أرباب الرجال.
و يرشد إليه أيضا أنّه تكرّر توثيق الإماميّ من بعض الرواة و أهل الرجال كما سيأتي، و إرادة العدالة من هذا التوثيق بعيدة، و الظاهر اتّحاد المقصود بالتوثيق المذكور في كلام الإماميّ من أرباب الرجال، و هو المتنازع فيه.
و يرشد إليه أيضا أنّه قد يقال: «ثقة عند العامّة» أو «ثقة في العامّة» أو «كان ثقة عند العامّة» أو «وثّقه العامّة» كما يأتي، و إرادة العدالة من الوثاقة فيما ذكره بعيدة. و الظاهر اتّحاد المقصود بالوثاقة فيما ذكر، و المقصود بها في التوثيق المتنازع فيه.
و يرشد إليه أيضا أنّه قد يقال: «ثقة عند المخالف و المؤلف» كما ذكره الشهيد الثاني في بعض تعليقات الخلاصة في حقّ عبد السلام بن صالح، قال:
«و من البعيد كمال البعد الاتّفاق على العدالة بالمعنى المصطلح من المخالف و المؤالف في شخص فضلا عن أشخاص كثيرة بخلاف الاعتماد و الصدق» «2»
__________________________________________________
(1). الفقيه 4: 36 من المشيخة.
(2). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 56.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 77
(فالظاهر أنّ المقصود بالوثاقة فيما ذكر هو الاعتماد و الصدق) «1» و يطّرد هذا في غير ذلك؛ لظهور وحدة السياق.
و يرشد إليه أيضا أنّه قال الشيخ في الرجال في ترجمة محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد: «ثقة» «2». و قال العلّامة في الخلاصة: «موثوق به» «3» إذ الاصطلاح بعد ثبوته لا يطرّد في موثوق به، و لا مجال لاستعماله في العدالة.
و الظاهر اتّحاد المقصود ب «ثقة» و «موثوق به»، و كذا اتّحاد المقصود ب «ثقة» هنا و في سائر الموارد؛ لظهور وحدة السياق.
و يرشد إليه أيضا كثرة الألفاظ الدالّة على الوثوق بالنقل و الاعتماد في الإسناد، نحو: «ثقة في الحديث» و «ثقة في الرواية» و «ثقة في رواياته» بناء على عدم دلالتها على العدالة كما هو الأظهر، كما مرّ و يأتي، و «مسكون إلى روايته» و «مأمون على الحديث» و «صحيح الرواية» و «متقن لما يرويه» «4» و «صدوق» بناء على عدم دلالة طائقة منها على العدالة، كما حرّرناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في أبي داوود الذي يروي عنه الكليني؛ إذ مقتضى قضيّة إلحاق المشكوك فيه بالغالب منه البناء في «ثقة» على كون الغرض الاعتماد في الإسناد.
و يرشد إليه أيضا ما يقال: «ليس بذاك الثقة» إذ المقصود به- كما لعلّه الظاهر- أنّه ليس ممّن يوثق به وثوقا تامّا، بل فيه نوع وثوق؛ فلا مجال لكون المقصود بالوثاقة فيه العدالة، بناء على كونها هي نفس الاجتناب، كما هو الأظهر؛ لعدم قابليّة العدالة على ذلك للتفاضل، كيف و الأعدام لا تمايز فيها،
__________________________________________________
(1). ما بين القوسين ليس في «ح».
(2). رجال الشيخ: 439/ 23.
(3). خلاصة الأقوال: 147/ 43.
(4). في «د» زيادة: «و صادق فيما يرويه».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 78
حتّى صار من المثل.
و من ذلك الاستدلال على اعتبار الملكة في العدالة بتضافر النصوص «1» و الفتاوى باعتبار الأعدليّة في موارد، كتشاحّ الإمامين، و تعارض الشاهدين، و اختلاف الروايتين و نحو ذلك، و سيأتي مزيد الكلام.
و أمّا لو كانت العدالة هي الملكة، فلابدّ من كون الغرض في المقام هو نفي زيادة الملكة، و هو بعيد و خلاف الظاهر و خلاف المتعارف في المحاورات، فالمقصود بالوثاقة في المقام هو الاعتماد في النقل، و الغرض نفي زيادة الاعتماد في النقل، و الظاهر اتّحاد المقصود بالوثاقة في المقام و في «ثقة».
و يرشد إليه أيضا أنّه قد يقال: «أوثق من أبيه أو أخيه» بل قد يقال: «أوثق الناس و أصدقهم لهجة» كما سيأتي؛ حيث إنّ العدالة لا تقبل التفاضل أو التوصيف بالتفاضل فيها بعيد، كما يظهر ممّا سمعت آنفا، فالمقصود الزيادة في الوثاقة في الإسناد، و لا سيّما مع تعقّب الأوثق بالأصدق لهجة. و الظاهر اتّحاد المقصود بالوثاقة في «الأوثق» و «ثقة».
و يمكن أن يقال: إنّ المقصود ب «ثقة» و إن كان هو الاعتماد إلّا أنّ الظاهر في المقام الاعتماد في جميع المراحل، أي الاعتماد في الدين، فتأتّى الدلالة على العدالة و لو بناء على كون العدالة من باب الملكة، بل تثبت العدالة على جميع الأقوال في معنى الكبيرة و عددها، و كذا تتأتّى الدلالة على الضبط؛ إذ لا وثوق بخبر غير الضابط و إن كانت هذه الدلالة غير محتاج إليها لكفاية أصالة الضبط.
__________________________________________________
(1). قوله «بتضافر النصوص» بالصاد المعجمة، قد ذكر الفاضل الخوانساري في تعليقات الروضة في كتاب البيع عند الكلام في جواز بيع المسك في فأره قال: إنّه تداول كتابة التضافر بالظاء المعجمة. و الذي يظهر من كتب اللغة أنّه بالضاد المعجمة، قال في الصحاح: و تضافروا على الشيء: تظاهروا عليه.
انتهى. و في المصباح: و تضافر القوم: تعاونوا، و ضافرته: عاونته. و في المجمع: و تضافروا على الشيء:
تعاونوا عليه، انتهى. و قد رأيت في خطّ من كان عارفا بأمثال ذلك الكتابة بالضاد (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 79
و ليس الأمر من باب عموم حذف المقتضي؛ إذ الكلام فيه على ما حرّرناه في الاصول في إخبار المتعدّد مع عدم إمكان إضمار العامّ، و المضمر في المقام من باب العامّ.
و يرشد إلى ذلك أيضا ما يقال في بعض التراجم: «إنّه كان على ظاهر العدالة و الثقة» إذ الظاهر كون الأمر من باب الإرداف بالمرادف.
و يرشد إلى ذلك أيضا فهم المشهور حيث إنّ معظم الطائفة بنوا على الدلالة؛ إذ يكتفى بها في اعتبار الخبر، و هذا المرشد كامل قويّ.
لكن يمكن أن يقال: إنّه- بعد الإغماض عن الاستقراء الكامل المتقدّم النادر اتّفاق مثله في الرجال و غيره- لا يثبت العدالة مع ما ذكر، بناء على اعتبار المروّة في العدالة؛ لصدق الوثاقة و الاعتماد في الدين مع ارتكاب خلاف المروّة.
لكنّه يندفع بأنّ ارتكاب خلاف المروّة من الإنسان لا يتّفق إلّا في نادر الأحيان؛ لكونه موجبا تحفة «1» عرضه و منافيا لدنياه المنحصر فيها همّه و خياله، فالظاهر- بظهور قويّ- عدم ارتكاب خلاف المروّة، فالأصل المروّة، و يكفي في إحراز الأصل، بخلاف التكاليف الشرعيّة، فإنّ ديدن الإنسان مستقرّ غالبا على مخالفتها إلّا من عصمه اللّه، و كأنّه لا يستشعر بغير الدنيا، و لا يدري ما سواها.
قال سيّد الأوصياء- عليه آلاف التحيّة و الثناء- على ما في الديوان المنسوب إليه:
أبنىّ إنّ من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكلّ رزيّة في ماله و إذا اصيب بدينه لا يشعر
«2» كلام الإمام إمام الكلام، و لعمري إنّ الرباعي المذكور في حواشي الإعجاز من
__________________________________________________
(1). كذا في النسخ.
(2). الديوان المنسوب لأمير المؤمنين عليه السّلام: 67.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 80
باب علوّ المفاد، بل الحال على هذا الحال في أكثر أشعار الديوان، و قد حرّرنا في الاصول أنّ علوّ مفاد أشعاره يوجب جبر ضعف الأشعار، كما هو الحال في الصحيفة السجاديّة؛ لارتفاع مضامينها مع قطع النظر عن المحاسن اللفظيّة، بل علوّ المفاد من وجوه الإعجاز.
و يرشد إليه ما ذكر من أنّ عثمان بن مظعون أسلم بسماع قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ «1» «2» لاحتوائه على جميع مراتب الخير و الشرّ بما لا يحتوي عليه غيره من الآيات، و ليس هذا إلّا من باب علوّ المفاد.
و بما تقدّم يظهر ضعف ما قيل من أنّ «ثقة» حقيقة اصطلاحيّة في عدل ضابط إماميّ معتمد عليه في الدين، مع أنّ دخول «المعتمد عليه في الدين» لا يساعده كلام أحد من أهل الرجال، و لم يقل به أحد من غيرهم، فظهور ضعفه بمكان، على أنّ أخذ الاعتماد عليه في الدين يغني عن أخذ العدالة، كما يظهر ممّا يأتي.
__________________________________________________
(1). النحل (16): 90.
(2). مجمع البيان 3: 380؛ و نقله عنه في نور الثقلين 3/ 78.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 81
تذييلات
الأوّل [الإشكال على الأخذ بتوثيقات أهل الرجال]
إنّه يتطرّق على الأخذ بتوثيقات أهل الرجال و جرحهم إشكال مشهور، و هو: أنّ مذهب النجاشي- مثلا- من علماء الرجال في العدالة غير معلوم لنا، فكيف يصحّ لنا الأخذ بالجرح و التعديل منه بدون ذكر السبب، فربّما يأتي بالتعديل و الجرح بما لا نراه موجبا للجرح و التعديل.
بل الشيخ يكتفي في نفس العدالة بظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق «1» لو لم يكن اكتفاؤه به في باب الكاشف عن العدالة، فكيف يتأتّى التعويل «2» على التعديل منه بمن يقول باعتبار الملكة في العدالة كما هو المشهور «3».
بل الجرح و التعديل من النجاشي و نحوه مأخوذ من كلام القدماء، كابن نوح، و ابن عقدة، و نصر بن الصباح و غيرهم، و نحن لا نعرف مذهبهم أيضا بالفحوى، مع أنّه قد أخذ الفقهاء بأسرهم «4» بالجرح و التعديل من النجاشي و الشيخ و الكشّي
__________________________________________________
(1). الخلاف 1: 229، كتاب الشهادات؛ و انظر غنائم الأيّام 2: 36.
(2). في «ح»: «التأويل».
(3). كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد 2: 372، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 289.
(4). قوله: «بأسرهم» أي بجميعهم، و استعمال الأسر في الجميع في أمثال المقام شائع في الكلمات، و الأسر كان مسار مصدر أسر كضرب، و هو الشدّ كما في القاموس. و ظاهر الصحاح أنّه الشدّ بالقدّ
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 82
لو اتّفق منه الجرح أو التعديل، و كذا ابن داوود من دون إشكال و كلام، حتّى أنّ من لا يعمل بغير الصحيح أو يعتبر في اعتبار الخبر تزكية العدلين يأخذ بالتعديل منهم.
و عمدة الإشكال إنّما هي في الأخذ بالتوثيق، و إلّا فلا إشكال في إفادة الجرح للشكّ و لو مع عدم الاطّلاع على مذهب الجارح في الجرح. و فيه الكفاية في عدم اعتبار (الخبر بناء على اعتبار العدالة في اعتبار الخبر، أو خروج الخبر عن مصداق الصحيح بناء على عدم الاعتبار في الاعتبار؛ لاعتبار) «1» العدالة في صدق اسم الصحيح بلا غبار.
و من ذلك أنّ عمدة الحاجة إلى ذكر السبب إنّما هي في التعديل دون الجرح؛ لكفاية عدم ثبوت العدالة في المعاملة بمعاملة الفسق.
نعم، البناء على الجرح اجتهادا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البناء على العدالة، فيتأتّى في الأخذ بالتوثيق منهم من الإشكال، و كذا تتأتّى الحاجة إلى ذكر السبب
__________________________________________________
وضعا، لكن استعمل بمعنى القدّ حيث إنّه سكت عن معناه رأسا، و أحاله على معنى فعله و هو الشدّ بالقد، ثمّ قال: و هذا الشيء لك بأسره، أي بقده، أي بجميعه. و ربّما فسّر الخطابي في تعليقاته على الشرح المختصر على التلخيص بالقدّ الذي يشدّ به الأسير. و فيه نظر. و فسّره في المجمع بالجميع، و ليس بشيء. و لعلّ التعريض إليه المقصود بما قاله السيّد السند شارح الصحيفة السجادية في شرح دعاء مولانا السيّد السجاد زين العباد- عليه آلاف تحية ربّ العباد- في دعاء يوم الفطر: إنّ تفسير من فسّر الأسر بالجميع غير جيّد، و الأسير- كما في الصحاح و المجمع- الأخيذ، أخذا من الأسار، و الأسار هو القدّ. و منه قول السيّد السجّاد- عليه آلاف الثناء من ربّ العباد-: «فأصبح طليق عفوك و أسار سخطك و عتيق صنعك من وثاق عدلك» و كانوا يشدّون الأخيذ بالأسار، فسمّي كلّ أخيذ أسيرا، و من لم يشدّ به. و الظاهر أنّ استعمال الأسر في الجميع بمناسبة أنّ الأسير إذا ذهب بأسره فذهب بجميعه. و من هذا القبيل ما يقال: برمّته، و هي بالضم و التشديد كما في المجمع، و بالكسر كما في القاموس، و أصله- كما في الصحاح- أنّ رجلا دفع إلى رجل بعيرا بحبل في عنقه، فقيل ذلك لكلّ من دفع شيئا بجملته، بل نقول: إنّ المتتبّع في الكلمات يجد استعماله في كلّ شيء بجميعه، و أكثر استعماله في كلماته في حواشي المغني (منه عفي عنه).
(1). ما بين القوسين ليس في «ح».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 83
بناء على اشتراط ذكر السبب.
و لعلّ أصل الإشكال من شيخنا البهائي، إلّا أنّه إنّما يبتني على القول باشتراط قبول الجرح و التعديل بذكر السبب مطلقا، أو في الجملة.
و الظاهر. أنّ الإشكال في الأخذ بالجرح و التعديل من الإماميّين من أهل الرجال مع أنّ الأخذ بالجرح و التعديل من غيره أمره صعب؛ لتطرّق الكلام في قبول الجرح و التعديل منه بعد تشخيص العدالة عنده، فالظاهر عدم دخوله في مورد الإشكال، و إلّا لذكر زيادة صعوبة الأمر فيه.
و الظاهر أيضا أنّ الإشكال في الأخذ بالتوثيق إنّما هو في الأخذ به في حقّ الإمامي و البناء على صحّة الخبر، لكنّه يطّرد في الأخذ بالتوثيق في حقّ غير الإماميّ و البناء على كون الخبر من الموثّق بناء على كون المدار في الخبر الموثّق على عدالة غير الإماميّ، بل الأمر هنا أصعب؛ لابتناء الأخذ بالتوثيق بعد قول المجتهد باطّراد العدالة في غير الإماميّ على قول الموثّق بالاطّراد.
و نظير الإشكال المذكور الإشكال في اعتبار مراسيل ابن أبي عمير، بناء على أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة، كما نقله جماعة كثيرة باحتمال اكتفاء ابن أبي عمير في العلالة بظهور و عدم ظهور الفسق؛ لعدم ثبوت ما هو المدار في العدالة عنده.
و كذا ما يأتي من الإشكال في نقل الإجماع ممّن يقول بطريقة الدخول كالسيّد المرتضى «1» و من تبعه «2»، أو طريقة اللّطف كالشيخ «3» و من تبعه «4» بالنسبة إلى من يقول بالحدس و فساد الطريقتين كما هو مشرب الأواخر «5».
بل يأتي نظير الإشكال المشار إليه في كلّ مورد اختلفت فيه مقالة الفاعل
__________________________________________________
(1). الذريعة إلى اصول الشريعة 2: 632.
(2). المحقّق في معارج الاصول: 126، و العلّامة في تهذيب الاصول: 65. و انظر معالم الدين: 174.
(3). عدّة الاصول 2: 602.
(4). حكي عن الميرداماد ذهابه إلى مذهب الشيخ الطوسي، و انظر فرائد الاصول 1: 86.
(5). نقله الشيخ في الفرائد 1: 86.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 84
و القابل، و منه ما لو اختلفت مقالة الموجب و القابل في العقود.
[الجواب عن الإشكال]
و قد أجاب سيّدنا- و أصل الجواب من المحقّق القمّي «1»-: بأنّ الجارح و المعدّل و إن أمكنه أن يبني الأمر في الجرح و التعديل على مذهبه على وجه (الإيجاب الجزئي قبال السلب الكلّي من القائل بالقبول على الإطلاق، و لا يلزم التدليس على وجه) «2» السلب الجزئي قبال الإيجاب الكلّي من القائل المذكور إلّا أنّه لو كان التزكية و الجرح لعامّة المكلّفين، أو لمن كان قوله حجّة عليه، يكون الظاهر موافقة المراد لمذهب القائل، و لا يصحّ الإطلاق في محلّ الخلاف؛ لكونه تدليسا.
و توضيحه: أنّ احتمال أن يكون جرحهم و تعديلهم على وفق مذهبهم خاصّة مع علمهم بالاختلاف و تفاوت المذاهب في غاية البعد؛ لأنّ تصنيفهم و تأليفهم لم يكن لمقلّديهم لعدم حاجتهم إليه، و لا لأهل عصرهم خاصّة حتّى يقال: إنّه صنّفه للعارفين بطريقته، سيّما و طريقة أهل العصر من العلماء عدم الرجوع إلى كتب معاصريهم من جهة الاستناد غالبا، و إنّما تنفع المصنّفات بعد الموت في الأغلب سيّما إذا تباعد الزمان، فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقاؤها أبد الدهر، و أن تكون مرجعا لمن يأتي بعدهم، و أن ينتفعوا بها، و إذا لو حظ هذا المعنى مع عدالة المصنّفين و ورعهم و تقواهم و فطانتهم يظهر أنّ مرادهم من العدالة المعنى الذي هو مسلّم عند الكلّ، حتّى ينتفع الجميع بما ذكروه من التعديل.
و احتمال الغفلة عن ذلك المعنى حين التأليف مع تمادي زمانه بعيد أيضا من مثل هؤلاء الفحول الصالحين.
و يدلّ على ما ذكرناه اتّفاق أصحابنا على قبولهما مطلقين، فإنّهم لم يزالوا
__________________________________________________
(1). القوانين المحكمة 1: 495.
(2). ما بين القوسين ليس في «د».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 85
يحكمون بعدالة الرواة، و يستندون في ذلك إلى الشيخ و النجاشي و ابن الغضائري و غيرهم من علماء الرجال، فإذا رجعنا إلى دفاترهم لم نجد في كلامهم «1» إلّا الإطلاق، غير أنّهم لا يعوّلون إلّا على أرباب البصائر التامّة في هذا الشأن كالمذكورين، دون من ضعف مقامه إلّا أن يذكر السبب، و كذلك وجدناهم يحكمون بالضعف و يقفون من الأخذ بالخبر إذا رماه واحد من هؤلاء بالضعف.
و بالجملة، لا إشكال في قبول التعديل من علماء الرجال من دون ذكر السبب؛ لظهور إرادتهم ما هو متّفق عليه في زمانهم؛ لكون دأب المصنّفين و طريقتهم في تصانيفهم و تآليفهم ذلك؛ لمنافاة إرادة غيره لمقصودهم الذي هو رجوع من تأخّر عنهم إليها و انتفاعهم بها، و لا يطلقون إلّا إذا كان المراد ما لا خلاف فيه، و إن أرادوا ما فيه خلاف، فطريقتهم الإشارة إلى ذكر السبب، أو بيان ما وقع الخلاف فيه. و كذلك الجرح، فلا يخرجون مطلقا إلّا بما كان عند الكلّ جرحا.
فإن قلت: إنّ ما ذكرت من إرادة المعنى الذي هو متّفق عليه و إن كان يستلزم تعميم النفع لكنّه مفوّت لفائدة اخرى، و هي أنّه قد يكون مذهب المجتهدين اللاحقين أنّ العدالة هي المعنى الأدنى، فلا يعلم حينئذ هل كان متّصفا بهذا المعنى أم لا؟ فلو لم يسقط المؤلّف اعتبار هذا المقدار لكان النفع «2» أكثر.
قلنا:- مع أنّ هذا النفع بالنسبة إلى الأول أقلّ؛ لذهاب الأكثر إلى المعنى الأعلى، و القول بالمعنى الأدنى بالنسبة إليه نادر كما يظهر من التتبّع في كلمات القوم، بل ادّعى بعضهم اتّفاق الكلمة على المعنى الأعلى فيه- إنّا نراهم يمدحون الرجل بمدائح كثيرة توجب العدالة بمعنى حسن الظاهر، بل و أكثر منه، و مع ذلك لا يصرّحون بعدالتهم، فمن ليس مذهبه في العدالة المعنى الأعمّ فليأخذ بمقتضى
__________________________________________________
(1). في «د»: «كلماتهم».
(2). في «د» زيادة: «بالنسبة».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 86
هذا المدح و يجعله عدالة.
و هذا من أعظم الشواهد على أنّهم أرادوا بالعدالة المعنى الأعمّ، فهم لاحظوا الأطراف و أخذوا بمجامع النفع.
بل نقول «1»: إنّ ما يظهر بالتتبّع أنّهم لا يختلفون في أنّ العدالة هي الملكة التي تبعث على ملازمة التقوى، و المشهور صرّحوا باعتبار المروّة «2» و لم يذكره بعضهم كشيخنا المفيد «3» و جماعة أخرى، و نسبه في كنز العرفان إلى الفقهاء «4»، فظاهرهم إجماعهم على اعتباره و ليس بذلك البعيد؛ لأنّ ما ذكره الساكتون عنه في معنى العدالة يلزمه غالبا، فلعلّ سكوتهم كان لذلك.
نعم، جماعة من المتأخّرين صرّحوا بعدم اعتباره «5».
و لا يثمر خلافهم ثمرة فيما نحن بصدده، فإنّ الكلام في تعديل أهل الرجال، و الظاهر اعتبار المروّة عندهم.
سلّمنا عدم اعتباره، لكنّ العدالة المعتبرة في قبول الرواية هي التي توجب الثقة و الاعتماد، و من لا مروّة له لا اعتماد عليه غالبا، فإنّ عدمها في الأغلب إما لخبل و ضعف عقل أو لقّلة الحياء، فإنّ من لا حياء له يصنع ما يشاء. و كفاك شاهدا في ذلك قول من قيل له: لم تركت حديث فلان: رأيته يركض على برذون.
و أمّا اختلافهم في الكاشف عن العدالة فلا يضرّ ذلك؛ لما مرّ من أنّ العدالة التي تعتبر هنا هي ما توجب الثقة و الاعتماد، و لا يحصل ذلك من مجرّد ظهور
__________________________________________________
(1). قوله: «بل نقول» هذا الكلام في دفع الإشكال من جهة الخلاف في اعتبار المروّة في العدالة (منه عفي عنه).
(2). انظر غنائم الأيّام 2: 32.
(3). انظر المقنعة: 725، و السرائر 1: 280، و ج 2: 118، و انظر غنائم الأيّام 2: 32.
(4). كنز العرفان 2: 384.
(5). حكاه في غنائم الأيّام 2: 38.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 87
الإسلام مع عدم ظهور الفسق، بل مجرّد حسن الظاهر أيضا، بل لا يحصل إلّا مع العلم أو الظنّ بالملكة المذكورة؛ فقولهم: «فلان ثقة» لا يحتمل الاعتماد فيه على ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر، بل لابدّ أن يكون اعتمادهم فيه على ظهور الملكة، و اختلافهم في عدد الكبائر «1» غير قادح أيضا، فإنّ الوثوق «2» لا يحصل إلّا بمن كان له ملكة الاجتناب عن جميع الذنوب؛ إذ من يصدر عنه الذنب «3»- و لو كان صغيرة- لا يحصل الوثوق به من كلّ وجه، فلا أقلّ من هذه الجهة.
فالحكم بتوثيق الرجل على الإطلاق لا يتمّ إلّا بعد ظهور ثبوت ملكة اجتناب الكبائر و لو كانت ممّا اختلف في كونها كبيرة؛ لأنّه إمّا أن يكون عند الرجل معصية أو لا، فإن كان الأوّل فله ملكة الاجتناب عنه، و إن كان الثاني فلا يضرّ فعله؛ لكونه مباحا له و إن كان حراما في الواقع، فيكون مرتكبا للمباح لا الحرام. ففعل المعصية في الجملة و إن لا يضرّ بعدالة الرجل لكنّه يقدح في الوثوق به من كلّ وجه، كما هو الظاهر من قولهم: «فلان ثقة».
فيظهر من جميع ما ذكر أنّ الظاهر من توثيق علماء الرجال إرادة ما يلزم العدالة عند الكلّ، و لو لم يكن لنا إلّا اتّفاق الطائفة على قبول التعديل من أهل الرجال و لو كان بدون ذكر السبب، لكفانا في قبول قولهم مع عدم ذكره؛ لكشفه عن إرادة ما اتّفقت عليه كلمتهم؛ فلا إشكال أصلا و لو على القول باعتبار ذكر السبب.
__________________________________________________
(1). قوله: «و اختلافهم في عدد الكبائر» إلى آخره، هذا الكلام في دفع الإشكال من جهة الخلاف في عدد الكبائر، لا التمسّك بالوثاقة من كلّ جهة على الإطلاق، فهو لا يتمّ إلّا بمداخلة المعنى اللغوي، غاية الأمر أنّ التمسّك بإطلاق اللفظ الموضوع له. و بعبارة اخرى: اللفظ الموضوع له عنه الإطلاق، فهو ينافي القول بتجدّد الاصطلاح في «ثقة». (منه عفي عنه).
(2). في «د»: «التوثيق».
(3). في «ح»: «الذنوب».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 88
[في الإيراد على الجواب بعشرة وجوه]
أقول: إنّ الجواب المذكور دائر بين دفع الإشكال من جهة الاختلاف في معنى العدالة و الاختلاف في اعتبار المروّة فيها، و الخلاف في كاشف العدالة، و الخلاف في عدد الكبائر. و ما يدفع به الإشكال من الجهة الأولى يدفع به الإشكال من سائر الجهات أيضا، فما دفع به الإشكال في سائر الجهات من باب مزيد الجواب.
و كيف كان يتطرّق الإيراد على الجواب المذكور كما حرّرناه في الأصول بوجوه عشرة:
فأوّلا: بأنّه لم يثبت كون «ثقة» في كلمات علماء الرجال مستعملة في العدالة بالمعنى المصطلح، كما هو مبنى صدر الجواب المذكور.
و ثانيا: بأنّه لم يثبت كون النجاشي- مثلا- عارفا بأحكام العدالة و مسائلها، حتّى يتمكّن من أخذ المرتبة العليا للعدالة.
و ثالثا: بأنّه كيف يتمكّن النجاشي- مثلا- على تقدير كونه عارفا بمسائل العدالة من أخذ المرتبة العليا للعدالة و إن كان مقصوده من توثيقاته انتفاع عامّة من تأخّر، مع أنّ بعض الأقوال في الكبيرة قد حدثت في هذه الأعصار «1»، مع أنّه من أين علم أنّ كتابه يصير مرجعا و محلّ انتفاع عامّة من تأخّر حتّى يأخذ بما يوجب النفع لهم، أي المرتبة العليا للعدالة.
و رابعا: بأنّ البناء في جميع الفنون على رسم الشخص معتقده في كتابه، ألا ترى أنّ متون الفقه بل متون الفنون بحذافيرها لا تزيد على مختار المصنّف غالبا، و المقصود بها انتفاع الغير أيضا، فلا مجال للقول بلزوم أن يلغي من صنّف في الرجال معتقده، و يجري على ما يوافق مذاق جميع من تأخّر عنه.
__________________________________________________
(1). انظر غنائم الأيّام 2: 33.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 89
و إن قلت: إنّ مجرّد ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق لا حاجة إلى ذكره و رسمه.
قلت: إنّ كثيرا من أهل الإسلام ظاهر الفسق، فليس حفظ الأشخاص الظاهر منهم الإسلام- غير الظاهر منهم الفسق- غير محتاج إليه للمصنّف، بناء على اكتفائه في العدالة بمجرّد ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق و إن كان مجرّد ظهور الإسلام لا حاجة إلى رسمه.
نعم، لو كان المقصود ب «ثقة» هو العدالة- بمعنى مجرّد ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق- لكان على من ارتكب التوثيق أن ينبّه على مراده، إلّا أنّه لو كان المقصود هو المعنى المتجدّد- أي العدالة و لو بالمعنى الأعمّ- لكان على أرباب الرجال التنبيه على الاصطلاح، و لم يصدر من أحد منهم، مع أنّ كلّا منهم يصرّح [في] أوّل كتابه باصطلاحاته لو كان له اصطلاح، بل كلّ مصنّف في كلّ فنّ لو كان له اصطلاح ينبّه على اصطلاحه مفتتح كتابه.
و خامسا: بأنّ المحقّق السبزواري نفى القول بالملكه ممّن تقدّم على العلّامة و قال: «إنّ الظاهر أنّ العلامّة اقتفى في ذلك الكلام الرازي و من تبعه من العامّة» «1».
و العلّامة المجلسي نفى القول باعتبار المروّة عن كثير من القدماء «2»، فكيف يتّجه الأخذ بالتوثيق ممّن يقول بكون العدالة من باب الملكة، أو يعتبر المروّة في العدالة!؟
و سادسا: بأنّ دعوى عدم حصول الوثوق بمن لا مروّة له قد صدر أيضا ممّن اعتبر المروّة في العدالة، و قد زيّفناه في محلّه، مضافا إلى ما تقدّم.
و بوجه آخر: إن كانت الوثاقة في «ثقة» مستعملة في العدالة، فلا دلالة فيها على المروّة بناء على عدم اعتبارها. و إن كانت مستعملة في الاعتماد- و هو المعنى
__________________________________________________
(1). كفاية الأحكام: 279.
(2). البحار 85: 30 و 32.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 90
اللغوي- فلا دلالة فيها على العدالة. و إن كان الغرض الاستعمال في العدالة و الاعتماد معا- كما ربّما قيل- فيظهر ضعفه بما مرّ.
و سابعا: بأنّه لو كان الوثوق لا يحصل بمجرّد حسن الظاهر- كما في ذيل الجواب المذكور- فلا حاجة إلى القول بكون المأخوذ في التوثيق هو العدالة بالمعنى الأعلى المحتاج إلى ارتكاب تكلّف تامّ و تجشّم تمام، كما في صدر الجواب المذكور.
و ثامنا: بأنّ دعوى كون المقصود بالتوثيق هو كون الشخص مجتنبا عن جميع المعاصي- كما في ذيل الجواب المذكور- بعيدة، كيف و هذه المرتبة لا تتّفق إلّا لأندر نادر، و الموثّقون في غاية الكثرة. و تاسعا: بأنّ مقتضى ذيل الجواب أنّ المقصود بالتوثيق هو ما يلزم العدالة، و مقتضى صدر الجواب كون المقصود به نفس العدالة، فالتنافي في البين بيّن.
و عاشرا: بأنّه كيف يتأتّى الاعتماد على مجرّد الاتّفاق في هذه المعركة العظمى من دون الاستناد إلى مدرك وثيق، و سند سديد.
ثمّ إنّ المحقّق القمّي «1» هو الأصل في الجواب المذكور كما مرّ، و الجواب المذكور منه ينافي ما اختاره في باب قبول الجرح و التعديل بدون ذكر السبب، من التفصيل بين ما لو علم بموافقة مذهب الجارح و المعدّل لمذهب المجتهد- فيما يتحقّق به الجرح و التعديل- فالقبول، و غيره فالعدم؛ حيث إنّ مقتضى التفصيل المذكور بعدم القبول في صورة عدم علم المزكّي له بموافقة مذهب المزكّى لمذهبه.
إلّا أن يقال: إنّ قوله في التفصيل المذكور بعدم القبول في صورة عدم علم المزكّي له بموافقة مذهب المزكّى منصرف إلى ما لو لم تكن التزكية مبنيّة على الأخذ بالمرتبة العليا (و منصبّ فيه، إلّا أن يقال: إنّ الغالب من أفراد التزكية إنّما هو
__________________________________________________
(1). القوانين المحكمة 1: 495.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 91
تزكية الراوي، و المحقّق المفصّل جرى على كون تزكية الراوي مبنيّة على الأخذ بالمرتبة العليا) «1»، فلا مجال للتفصيل المشار إليه في تزكية الراوي.
[جواب آخر من وجهين]
و قد يجاب أيضا بأنّ المدار في التوثيقات إنّما هو على قول العلماء المعتمدين و المشاهير المطّلعين على سرّ اشتراط العدالة، و لا شكّ أنّهم عالمون بما يخلّ بها بحيث يوجب ردّ حديث صاحبها، بل لا يراد «2» بالعدالة هنا إلّا أمر معلوم لا يجوز التجاوز عنه، بل المراد بها ما يتوقّي بها صاحبها عمّا يوجب الاختلاف في المقال، و ذلك أمر مختلف باختلاف الناس و الأحوال، و إنّما عرّفت العدالة بما عرفت بناء على الغالب.
و الظاهر أنّ المقصود به الجواب من وجهين:
أحدهما: أنّ أرباب التوثيق المتصدّين له أشخاص معتمدون معروفون، عارفون باشتراط العدالة في الرواية و بالأمور المخلّة المنافية للعدالة، و الموجبة لردّ الرواية، فهم يلاحظون في التوثيقات جميع الأمور المعتبرة في العدالة قطعا.
و الآخر: أنّ المقصود بالعدالة المشروطة في الراوي ليس ما هو المعنى المصطلح المعروف، بل الحالة الرادعة عن الكذب الموجب لاختلال المقال بين الراوي و المروي عنه.
و هذه تختلف باختلاف الناس، فبعض الأشخاص يكفي في إمساكه عن الكذب أدنى حالة رادعة، و بعضهم يحتاج إمساكه عن الكذب إلى حالة رادعة قويّة بواسطة قوّة الميل إلى الكذب، كما أنّها تختلف باختلاف الأحوال، فربّ
__________________________________________________
(1). ما بين القوسين ليس في «ح».
(2). قوله: «بل لا يراد» مدار هذه الفقرة على إجمال المراد بالعدالة، و تفسير الإجمال في الفقرة اللاحقة (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 92
شخص لا يميل إلى الكذب في واقعة لعدم تطرّق منفعة عليه، و يكفي في إمساكه عن الكذب أدنى حالة رادعة، لكنّه في واقعة اخرى يميل كلّ الميل إلى الكذب؛ لكونه موجبا لزيادة الشأن مثلا، فإمساكه عن الكذب هنا لابدّ له من قوّة الحالة الرادعة.
فلا ضير في اختلاف المذاهب في العدالة؛ لأنّ المختلف فيه غير ما هو المراد هنا، و المختلف فيه هو المعروف بما عرّف به، إلّا أنّ التعريف باعتبار الغالب؛ حيث إنّ العدالة المعتبرة في غالب الموارد هي العدالة بالمعنى المعرّف به.
أقول: إنّ الوجه الأخير لعلّه مأخوذ من كلام الشيخ الطوسي في العدّة؛ حيث إنّه حكم بأنّ العدالة المشروطة في الراوي مغايرة للعدالة المشروطة في الشهادة، و جعل العدالة المطلوبة في الرواة حاصلة مع الفسق بأفعال الجوارح و إن كان الفسق بأفعال الجوارح مانعا عن قبول الشهادة «1».
لكن في كلّ من الوجهين نظر:
أمّا الأوّل: فلأنّ معروفيّة أرباب التوثيق و معرفتهم باشتراط العدالة و منافيات العدالة إنّما تقتضي أن يلاحظوا ما جرى عليه مذهبهم، غاية الأمر لحاظ أعلى مذاهب من تقدّم عليهم، و لا تقتضي أن يراعوا ما لا يتخيّلوه من المذاهب المتأخّرة؛ فالإشكال بحاله و لم يندفع بوجه.
و أمّا الثاني: فلأنّ صرف العدالة في كلام أرباب الاشتراط عن ظاهرها- أعني المعنى المصطلح- بدون الصارف تصرّف مردود، كيف! و ما نقله فخر المحقّقين عن العلّامة في باب أبان بن عثمان «2» معروف- و قد تقدّم- حيث إنّ مقتضاه اعتبار
__________________________________________________
(1). عدّة الاصول 1: 152.
(2). حكاه الشهيد الثاني في تعليقته على خلاصة الأقوال: 15. و انظر نقد الرجال 1: 46/ 22.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 93
العدالة بالمعنى المصطلح في اعتبار الخبر.
و مع ذلك لا شكّ في كون العدالة المعتبرة في إطلاق اسم الصحّة على الخبر إنّما هي العدالة بالمعنى المصطلح و المفروض اتّفاق أرباب الاصطلاح في الصحّة على القناعة ب «ثقة» في الحكم بالصحّة، فيتأتّى الإشكال و لا يندفع بالجواب المذكور.
مضافا إلى أنّه لا شكّ في أنّ العدالة المعتبرة- بناء على اعتبار تزكية العدلين- إنّما هي العدالة بالمعنى المصطلح، مع أنّه لا شكّ أيضا في القناعة ب «ثقة» في تزكية العدلين.
[جواب آخر و ردّ]
و قد يجاب أيضا: بأنّ تعديلات أهل الرجال إنّما هي بلفظة «ثقة» و هي حقيقة اصطلاحيّة في عدل ضابط معتمد عليه في الدين، و اندفاع الإشكال بالجزء الأخير؛ حيث إنّه يفيد الملكة المكشوفة بحسن الظاهر، و لا أقلّ من ذلك.
و يظهر ضعفه- بعد اشتماله على أخذ العدالة في معنى «ثقة» و اشتماله على أخذ الضبط و الإماميّة فيه أيضا- بما تقدّم من أنّ أخذ «المعتمد عليه في الدين» لا يساعد كلام أحد من أهل الرجال، و لم يقل به غير المجيب، و مع هذا الملكة المكشوفة بحسن الظاهر يكفي فيها الملكة المشار إليها، و لا تكفل مؤونة الاجتناب عمّا اختلف في كونه كبيرة و لم يكن كبيرة عند الراوي، إلّا أن يقال: إنّه لا يتأتّى حسن الظاهر مع ارتكاب ما اختلف في كونه كبيرة، و مع ذلك لو كان الاعتماد عليه في الدين مفيدا للملكة المكشوفة بحسن الظاهر لكان أخذه مغنيا عن أخذ العدالة.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 94
[جواب آخر]
و قد يجاب أيضا «1»: بأنّ تحصيل العلم برأي جماعة من المزكّين أمر ممكن بغير شكّ من جهة القرائن الحاليّة و المقاليّة، إلّا أنّها خفيّة المواقع، متفرّقة المواضع، فلا يهتدي إلى جهاتها و لا يقدر على جمع أشتاتها إلّا من عظم في طلب الإصابة جدّه، و كثر في التصفّح في الآثار كدّه، و لم يخرج عن حكم الإخلاص في تلك الأحوال قصده.
و يضعّف- بعد عدم انتهاضه في تزكية من لم يمكن تحصيل العلم برأيه، و صريح الجواب يقتضي عدم إمكان العلم برأي بعض المزكّين لتخصيص من أمكن تحصيل العلم برأيه بجماعة المزكّى- بأنّه قد يعلم كون رأي المزكّي ممّا لا يكفي عند المزكّي له، كما هو الحال في تزكية الشيخ بناء على كون المدار عنده في العدالة على مجرّد ظهور الإسلام و عدم ظهور الفسق «2»، فلم ينفع العلم برأي المزكّي في دفع الإشكال.
[جواب آخر]
و قد يجاب أيضا بأنّ الذي جرت به عادة القوم في التعديل إنّما هو التوثيق بالذي نقول و يتجاوز ما نريد كقولهم: «ثقة ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة» أو «ورع» أو «تقي» أو نحو ذلك، و أقلّه أن يقولوا: «ثقة» و لا يقال لمن لا يعرف منه إلّا ظاهر الإسلام و لم يظهر منه الفسق و لو لعدم الاختبار: إنّه ثقة، و إنّما الثقة ذاك الذي يوثق به و يعتمد عليه و لا يرتاب فيه، و أقلّ مراتبه ما جاء في صحيحة
__________________________________________________
(1). قوله «و قد يجاب أيضا بأنّ تحصيل» إلى آخره، هذا الجواب من المنتقى، و هو قد ادّعى أيضا جواز العلم بعدالة الرواة على المنوال المذكور، كما يأتي نقله (منه عفي عنه).
(2). مذهبه في الخلاف 1: 229، كتاب الشهادات؛ و انظر غنائم الأيام 2: 36.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 95
ابن أبي يعفور «1».
و إن شئت فارجع إلى نفسك، فإنّك لا توثّق إلّا من اختبرت و جرّبت فلم تجد عليه وصمة و لم تعثر على عائبة، فما ظنّك بأجلّاء الثقات من العلماء الأعلام؟
أتراهم يوثّقون من يرتكب الكبائر و لو على مذهب البعض، و لا يعبأ بالمعاصي و لو عند البعض؟ كلّا، حتّى يتحرّج و يتجنّب عن الشبهات، و يكون بمكانة من الورع و التقوى، أفترى بعد هذا من إشكال في توثيق الثقة.
و هذا أوجه الوجوه في الجواب، لكنّ مرجعه إلى أنّ الظاهر من كون الرجل ثقة- و إن كان المقصود بالثقة هو المعنى اللغوي- هو كونه حاويا لكلّ ما يمكن أن يتخيّل اعتباره في العدالة، و دونه الكلام.
نعم، يمكن القول بأنّ الظاهر من «ثقة»- و إن كان المقصود به معناه اللغوي- كون الشخص متحرّزا عن الكبائر و الإصرار على الصغائر، أي صاحب الملكة المكشوفة بحسن الظاهر، بناء على كون الظاهر في المقام الاعتماد في جميع المراحل.
إلّا أنّه يتأتّى الإشكال مضافا إلى ما مرّ بناء على لزوم الاختبار في كاشف العدالة، لكنّه إشكال آخر برأسه يتأتّى على سائر الأجوبة أيضا غير الجواب الرابع، و يأتي الكلام فيه.
نعم، المروّة- بناء على اعتبارها- هي الأصل في الإنسان بمعنى الظاهر «2»، كما
__________________________________________________
(1). الفقيه 3: 24، ح 65، باب العدالة؛ وسائل الشيعة 18: 288، كتاب الشهادات، ب 41، ح 1.
(2). قوله: «بمعنى الظاهر» لكن يتأتّى الإشكال في اعتبار الظاهر بناء على اعتبار العلم في كاشف العدالة، كما هو مقتضى القول باعتبار الاختبار المفيد للعلم. هذا بناء على كون الكلام في كاشف العدالة في الكاشف عن ملكة الاجتناب عن الكبائر و الإصرار على الصغائر، لا مطلق الملكة الأعمّ من ملكة الاجتناب عن منافيات المروّة في العدالة و كون المروّة من باب الملكة كما هو مقتضى غير واحد من تعاريف المروّة. و بما سمعت يظهر حال ظهور الضبط و الظنّ به، و كذا الحال في ظهور الإماميّة و الظنّ به (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 96
أنّ الظاهر في الإنسان الضبط، فهو الأصل. و كذا الإماميّة في الرواة بناء على غلبة الإماميّة فيهم، فهي الأصل و الظاهر فيهم أيضا. و قد تقدّم الكلام في هذه المراحل.
و يمكن الجواب بأنّ الأمر من باب الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة؛ لاكتفاء المشهور بل الكلّ في صحّة الخبر بالتوثيق ب «ثقة» ففيه الكفاية، نظير دعوى عدم كفاية شهادة المشايخ الثلاثة على اعتبار أخبار الكتب الأربعة بعد دلالة عباراتهم على الاعتبار؛ لكون الأمر من باب الخبر الصحيح المهجور بين المشهور.
و يظهر الكلام فيه بما مرّ من أنّ الاعتماد على مجرّد الشهرة في هذه المعركة العظمى من دون الاستناد إلى مدرك صحيح غير صحيح.
و مع هذا نقول: إنّه يمكن أن يكون ما صنعه المشهور مبنيّا على دلالة الوثاقة بالمعنى اللغوي (على الاعتماد على العدالة من باب الاشتباه، و نظيره غير عزير، بل يأتي عن بعض القول بالدلالة على) «1» العدالة في «ثقة في الحديث» بل ظاهر البعض الاتّفاق عليه، و يأتي عن بعض آخر القول بالدلالة على العدالة في «رجل صدق» و «صدوق» فلا اعتماد على الشهرة، و لا يتحصّل منها الظنّ.
[جواب آخر]
و يمكن الجواب أيضا بأنّ العدالة المشروطة- بناء على الاشراط- هي العدالة عند الراوي كما سبق، و لا ارتياب في أنّ التوثيق ب «ثقة» يكفل مؤونة ذلك، بمعنى أنّ المستفاد ب «ثقة» هو كون الرجل مجتنبا عن كبائر يعلم بكبرها، و الإصرار على ما يعلم بحرمتها على وجه الصغر.
__________________________________________________
(1). بدل ما بين القوسين في «د»: «أعني».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 97
لكن نقول: إنّه إنّما يتمّ ذلك على تقدير كون من يوثّق- كالنجاشي- مثلا- يفرّق بين الكبائر و الصغائر.
نعم، على تقدير كون من يوثّق غير معروف بين الكبائر و الصغائر يبعد كمال البعد أن يكون الراوي الموثّق مرتكبا لما يعلمه كبيرة، أو مصرّا على ما يعلمه صغيرة، إلّا أن يقال: إنّه لعلّ الراوي أيضا لم يعلم بالفرق بين الكبائر و الصغائر، لكن كان يظهر منه آثار الزهد و الورع، إلّا أنّه كان يرتكب بعض الكبائر غير عالم بحرمته، فوثّق من وثّقه و هو لا يعلم بالحرمة أيضا.
إلّا أن يقال: إنّ الراوي لو لم يعلم بحرمة ما ارتكبه و كبره، فلا بأس عليه، لكن لو كان الراوي مسامحا في أخذ المسائل، فعليه البأس.
إلّا أن يقال: إنّ الظاهر من «ثقة» عند الإطلاق- أو ملاحظة الطريقة في مقام التوثيق من أيّ شخص كان- أنّ الراوي لا يرتكب ما يعلم بحرمته على وجه الكبر، و لا يصرّ على ما يعلم بحرمته على وجه الصغر، و لا يكون مسامحا في أخذ المسائل، فلو كان ارتكب كبيرة، لكان عن جهل بحرمتها مع عدم التسامح، أي الجزم بالجواز. و نظيره كثيرا مّا يتّفق، و لا بأس به.
لكن يمكن القدح في الجواب بناء على جواز نقض الفتوى بالفتوى، نظير أنّه ربّما تكون قبالة الوقف بعض أجزائها من المسائل الخلافيّة، فلو ثبت كون الواقف بانيا في وقفه على تقليد من كان يرى صحّته، يجوز للمجتهد الحيّ إبطالها في غير مقام المرافعة بالنسبة إلى ما يأتي، دون ما تقدّم، بناء على جواز نقض الفتوى بالفتوى في الاستمراريّات، كما يجوز له الإبطال بالنسبة إلى ما يأتي في مقام المرافعة، بناء على جواز نقض الفتوى بالحكم في الاستمراريّات.
إلّا أن يقال: إنّه يتأتّى القدح لو كان النقض واجبا، و أمّا على تقدير الجواز فلا
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 98
يتأتّى القدح «1»؛ لفرض جواز عدم النقض.
إلّا أن يقال: إنّ المقصود من الجواز في جواز النقض هو الجواز المقابل للحرمة، لا الجواز المقابل للوجوب، و المقصود به الوجوب «2» كما في عنوان جواز العمل بخبر الواحد.
و يمكن القدح في الجواب أيضا: بأنّ المدار في الجواب إمّا على كون المقصود بالوثاقة هو المعنى اللغوي، أو المعنى المصطلح مع كفاية العدالة باعتقاد الراوي.
أمّا على الأوّل، فإن قلنا بكون الغرض الاعتماد في النقل، فلا جدوى في الجواب، و إن قلنا بكون الغرض الاعتماد في جميع المراحل، فهو يكفي، كما يظهر ممّا مرّ، و لا حاجة إلى الجواب المذكور.
و أمّا على الثاني، فالجواب مدفوع بعدم ثبوت الاصطلاح، كما يظهر ممّا تقدّم.
و بعد ما مرّ أقول: إنّ الذي يظهر بالتتبّع و الاستقراء- كما يظهر ممّا تقدّم على سبيل الظنّ المتقارب إلى العلم، بل العلم- أنّ المقصود بالوثاقة في «ثقة» هو الاعتماد في الإسناد، و استفادة العدالة منها من باب الغفلة، و لمثله عدم اعتبار الإتقان عندي، إلّا على تقدير كونه من أدقّاء النظر و أرباب التعميق، كما حرّرناه في الاصول.
و بهذا المقال يتأتّى أيضا الجواب عن الإشكال، لكن من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، نظير الجواب الثاني؛ لابتنائه على كون المقصود بالعدالة المشروطة في اعتبار الخبر هو التحرّز عن الكذب، كما يظهر ممّا مرّ.
__________________________________________________
(1). في «د» زيادة: «لا».
(2). في «ح»: «الجواب».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 99
الثاني [إشكال آخر على قبول توثيقات أهل الرجال]
إنّه يتطرّق في قبول توثيقات أهل الرجال إشكال آخر على القول بلزوم الاختبار بالعشرة، أو تزكية العدلين في كاشف العدالة، كما هو صريح طائفة من الكلمات، بل نسبه في الذخيرة «1»- كما عن البحار «2»- إلى المشهور بين المتأخّرين، بل نسبه في المسالك إلى المشهور «3»، بل ظاهر المدارك إطباق الأصحاب عليه «4»؛ حيث إنّه لا يتمكّن المجتهد من الاختبار، و لا من تزكية العدلين؛ إذ غاية الأمر ثبوت تزكية كلّ واحد من أجزاء السند بتزكية عدلين، و هو بعد ندرته لا جدوى فيه؛ للزوم ثبوت عدالة العدلين أيضا بتزكية العدلين، و كذا الحال في العدلين إلى أن يدور أو يتسلسل.
و المفروض- كما تقدّم- الاتّفاق على قبول التوثيقات في العمل بالخبر، بناء على اشتراط العدالة، و عمدة الإشكال إنّما هي بناء عليه، أو في التسمية بالصحيح بناء على عدم الاشتراط.
و هذا الإشكال مبنيّ على الخلاف في (الكاشف، كما أنّ الخلاف السالف مبنيّ على الخلاف في الكشف، و إن سلف قليل من الكلام في الكاشف في الخلاف في) «5» المنكشف بالتبع، لكن لو أمكن للمجتهد حصول العلم بالعدالة، ففيه الكفاية و لو بناء على اعتبار الاختبار؛ قضيّة حجّيّة العلم مطلقا. و على هذا
__________________________________________________
(1). الذخيرة: 306.
(2). البحار 85: 33.
(3). مسالك الأفهام 1: 313.
(4). مدارك الأحكام 4: 66.
(5). ما بين القوسين ليس في «د».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 100
المنوال الحال في غير المجتهد.
و في المعارج: «عدالة الراوي تعلم باشتهارها بين أهل النقل» «1».
و مقتضى صريح المنتقى إمكان العلم بعدالة كثير من الماضين بلا شكّ، من جهة القرائن الحاليّة و المقاليّة «2».
و مقتضى كلام الفاضل التستري في بعض التعليقات على أوائل التهذيب كون التوثيقات مبنيّة على العلم، و تبعه السيّد السند التفرشي في ترجمة أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد «3».
لكن في كلام السيّد السند المحسن الكاظمي دعوى استقرار سيرة أهل الرجال من قديم الدهر على الكتفاء في التزكية بتزكية الواحد «4».
و قيل: إنّ المستفاد من كلام النجاشي و الشيخ و غيرهما أنّ اعتقادهم في الجرح و التعديل على النقل من واحد. و قد يقال: إنّ الظاهر من سيرة أهل الرجال أنّ مزكّي الرواة للطبقة اللاحقين غير عالمين بتحقّق العدالة فيمن زكّاه، بل و لا ظانّين بظنّ العشرة و لو بحسن الظاهر، و كذلك الجارحون، بل إنّا نعلم أنّ بناءهم في كلّ منهما على الركون على أقوال من سلف منهم، بل ربّما يعلّلون ترجيحاتهم صريحا بذلك.
و الأظهر أنّه لو كان التوثيق من قدماء أرباب الرجال كفضل بن شاذان، و ابن عقدة، و علي بن الحسن بن علي بن فضّال، و غيرهم ممّن كان يتفق ملاقاته مع الموثّق، أو كونهما متقاربي العصر بحيث كان حصول العلم لمن كان يرتكب التوثيق سهلا، فالظاهر كون التوثيق مبنيّا على العلم بناء على كون الغرض الوثاقة
__________________________________________________
(1). معارج الاصول: 150.
(2). منتقى الجمان 1: 21.
(3). نقد الرجال 1: 153/ 306.
(4). عدّة الرجال 1: 175.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 101
بالمعنى اللغوي، و إلّا فاستكشاف الملكة بالعلم و لا سيّما بالاختبار محلّ الإشكال و لو كان من يوثّق يلاقي الموثّق.
و على هذا المنوال الحال في كلام غير القدماء من المتوسّطين و المتأخّرين بالنسبة إلى من كان يعاصره أو يقارب عصره أو كان بعيدا عن عصره، لكن كانت وثاقته في كمال الاشتهار بحيث لا يشوبه شوب الغبار.
و أمّا بالنسبة إلى غيرهم فلا شبهة في أنّ التوثيق في كثير من الموارد في كلام المتأخّرين- كالعلّامة البهبهاني و غيره- مبنيّ على الظنّ و الاجتهاد، و يمكن أن يكون مبنيّا على العلم في بعض الأحيان.
و أمّا المتوسّطون فيمكن أن تكون توثيقاتهم فيما لم يظهر كونه مبنيّا على الظنّ- كما هو الغالب- مبنيّة على العلم، و يمكن أن يكون المدار على توثيقات القدماء، أو الاستنباط من القرائن الخارجة، أو الشياع الموجب للظنّ.
هذا هو الكلام في المزكّي من حيث حصول الاختبار و العلم له.
و أمّا المزكّى له فلا يتيسّر له العلم غالبا، و لا إشكال في عدم اتّفاق سند كان جميع أجزائه ثابت العدالة بتزكية العدلين على حسب ما تقدّم، فاعتبار تزكية العدلين- من المعارج «1» و المنتقى «2» و كذا الفاضل التستري و السيّد السند التفرشي في ترجمة أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد «3»، و كذا في ترجمة أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار «4»، بل ترجمة الحسين بن الحسن بن أبان «5»، و هو المحكيّ عن كاشف اللثام- لا اعتبار به، فغاية الأمر التزكية من شخصين غير ثابت عدالتهما
__________________________________________________
(1). معارج الاصول: 150.
(2). منتقى الجمان 1: 16.
(3). نقد الرجال 1: 153/ 306.
(4). نقد الرجال 1: 172/ 343.
(5). نقد الرجال 2: 84/ 1428.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 102
بالعدلين.
و الأظهر عدم دخول التوثيقات في الخبر و لا الشهادة؛ لكون المدار في كلّ منهما على القول، و التوثيقات من باب المكتوب، بل لا جدوى في دخولها في باب الخبر؛ لعدم تماميّة ما استدلّ به على حجّيّة خبر الواحد.
فنقول: إنّ في المقام ظنونا: الظنّ الناشئ من تزكية الإمامي العدل أو الممدوح، و غير الإمامي العدل أو الممدوح، و الظنّ الناشئ عن القرائن، بل الظنّ الناشئ من تزكية المجهول؛ إذ لا منافاة بين جهالة الشخص و إفادة تزكيته للظنّ.
و الأوّل و إن كان هو القدر المتيقّن في الاعتبار و الكفاية، بل طريقة الفقهاء- إلّا من شذّ- مستقرّة تحصيلا و نقلا على الاكتفاء به، حتّى أنّ المحقّق لم يجر في الفقه على تزكية العدلين و إن بنى في المعارج على اعتبار تزكية العدلين «1»، و كذا صاحب المعالم لم يقتصر في الفقه على تزكية العدلين و إن بنى في المعالم على اعتبار تزكية العدلين «2».
و تفصيل الحال موكول إلى ما حرّرناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمّد بن الحسن، بل لو لم يكن ذلك كافيا، يلزم إهمال الفقه و انهدام الشريعة.
لكن مقتضى سيرة الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير و إخوانه «3» هو كفاية مطلق الظنّ؛ إذ الظاهر أنّ السيرة المذكورة من جهة قضاء الاستقراء في روايات ابن أبي عمير و إخوانه بعدم الرواية إلّا عن ثقة.
و ليس المتحصّل في الباب غير الظنّ الناشئ عن القرينة، بل هو مقتضى نقل الإجماع على قيام الظنّ مقام العلم كلّما تعذّر العلم، كما نقله صاحب المعالم عن
__________________________________________________
(1). معارج الاصول: 150.
(2). معالم الدين: 204.
(3). في «د»: «و أضرابه».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 103
السيّد المرتضى في بحث أمر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط «1»، بل نقله صاحب المعالم أيضا في غير موضع من كلامه عن السيّد المرتضى في بحث حجّيّة خبر الواحد «2»، بل هو مقتضى حجّيّته مطلقا في نفس الأحكام، بل هو مقتضى كفاية مطلق الظنّ في باب العدالة لو لم نقل بلزوم قوّة الظنّ، و لا يكون المقصود هو الوثاقة بالمعنى اللغوي، و إن أمكن القول بأنّ المدار في التصحيح على العدالة و إن كان المدار في التوثيق على الوثاقة بالمعنى اللغوي؛ قضيّة الاصطلاح في الصحّة، إلّا أن يمنع عن حصول الظنّ بالعدالة بناء على كون المدار في التوثيق على الوثاقة بالمعنى اللغوي؛ لابتناء التصحيح على التوثيق ب «ثقة» غالبا، بل يمكن دعوى القطع بعدم الفرق بين الظنّ الناشئ من تزكية العدل الإمامي و غيره.
هذا كلّه بناء على كون الحجّيّة من الأحكام الوضعيّة مع اعتبار أصالة العدم، و إلّا فالتعدّي عن الظنّ الناشئ من تزكية العدل الإمامي أسهل. و تمام الكلام في الرسالة المعمولة في تصحيح الغير.
الثالث [في اصطلاح: «ثقة ثقة»]
إنّه قد تكرّر «3» «ثقة» في تراجم جماعة من الرواة من النجاشي و ابن الغضائري، كما صرّح به ابن داوود، و هو قد ذكر أنّ من وقع في ترجمته التكرار من النجاشي أربعة و ثلاثون رجلا، و زاد ابن الغضائري خمسة رجال على ما ذكره النجاشي «4»، و ربما اتّفق ذلك من ابن داوود، كما أنّه ربّما اتّفق من الشيخ في الفهرست كما في
__________________________________________________
(1). معالم الدين: 83؛ و انظر الذريعة إلى اصول الشريعة 1: 163.
(2). معالم الدين: 193؛ و انظر الذريعة 1: 528.
(3). في «د» زيادة: «صورة».
(4). رجال ابن داوود: 207 و 208.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 104
ترجمة أحمد بن داوود بن عليّ القمّي «1».
و قال العلّامة في الخلاصة: «خالد بن عبد الرحمن: قال ابن عقدة: عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي حكيمة عن ابن نمير إنّه ثقة ثقة» «2» و مقتضى هذا أنّ التوثيق قد اتّفق من ابن نمير، لكن قال ابن داوود: «خالد بن عبد الرحمن، قال العقيقي: ثقة ثقة» «3» و مقتضاه كون التوثيق من العقيقي، فمعنى العبارة المذكورة كون عبد الرحمن راويا عن ابن أبي حكيمة عن ابن نمير. و على هذا لابدّ من كون أنّه غلطا، لكنّ ذلك خلاف المتعارف في كلماتهم؛ إذ المتعارف ذكر المروي عنه فقط.
و يرشد إلى الأوّل: أنّ العلّامة حكى في ترجمة حمّاد بن شعيب، عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي حكيمة، عن ابن نمير «أنّه صدوق» «4». و كذا غيره ممّن كان جاريا على نقل ابن عقدة.
و يمكن أن يكون مقصود ابن داوود أنّه ذكر العقيقي توثيق خالد بن عبد الرحمن من الغير. لكنّه خلاف الظاهر و خلاف المتعارف في كلمات أرباب الرجال حيث ينقلون عن ابن الغضائري و النجاشي، الّلهمّ إلّا أن يكون طريقة ابن عقدة جارية على النقل.
و في الخلاصة: «إبراهيم بن مهزم- بفتح الزاي- الأسدي ثقة ثقة» «5». و كذا في ترجمة الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة «6»، و ترجمة داوود بن أسد «7»،
__________________________________________________
(1). الفهرست: 29/ 87.
(2). خلاصة الأقوال: 66/ 11.
(3). رجال ابن داوود: 87/ 555، و فيه: «خالد بن عبد الرحمن أبو الهيثم العطّار».
(4). خلاصة الأقوال: 57/ 7.
(5). خلاصة الأقوال: 6/ 19.
(6). خلاصة الأقوال: 44/ 43.
(7). خلاصة الأقوال: 69/ 7.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 105
و ترجمة عبد الصمد بن بشير «1».
و فيها في ترجمة خلّاد الصفّار: «قال ابن عقدة: عن عبد اللّه بن إبراهيم بن قتيبة، عن ابن نمير: إنّه ثقة ثقة» «2».
و حكى الكشّي عن حمدويه أنّه سئل عليّ بن الحسن عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، فقال: «ثقة ثقة عين» «3».
قوله: «علي بن الحسن» الظاهر أنّه عليّ بن الحسن بن فضّال؛ لأنّه عدّ من كتبه الرجال، فإنّ اطّلاعه على أحوال الرجال يقتضي مناسبته للسؤال عن الحال، و لأنّه أشهر من عليّ بن الحسن الطاطري فضلا عن غيره، و الشهرة من المرجّحات في باب المشترك في الأسانيد و غيرها، و عليه تدور رحى المحاورات العرفيّة، و إن أنكر المحقّق القمّي الترجيح بالشهرة في باب المشترك، لكنّه ليس بالوجه.
و قد تعرّضنا للكلام فيه في الاصول، و كذا في الرسالة المعمولة في حجّيّة الظنّ، و كذا في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمّد بن الحسن.
مضافا إلى أنّ الكشّي حكى عن حمدويه عن عليّ بن الحسن بن فضّال توثيق مسمع «4» بن كردين «5»، و كذا حكى الكشّي عن ابن مسعود عن عليّ بن الحسن بن
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 131/ 13.
(2). خلاصة الأقوال: 67/ 9.
(3). رجال الكشّي 2: 564/ 1065.
(4). قوله: «مسمع بن كردين» عن خطّ الشهيد عن يحيى بن سعيد عن كردويه. و كردين اسم مسمع، و يرشد إليه أنّه روى في الفقيه في باب من يجب ردّ شهادته و من يجب قبول شهادته، عن مسمع كردين، و في باب الصيد و الذبائح عن كردين المسمع، و أنه روى في التهذيب عند الكلام في غسل المقتول فردا عن مسمع كردين، فلفظة «بن» في رواية الكشّي غلط، و كذا فيما رواه في الفقيه في باب ما يستحبّ من الدعاء في كلّ صباح و مساء عن مسمع كردين (منه عفي عنه).
(5). رجال الكشّي 2: 598/ 560. و فيه: «قال محمّد بن مسعود: سألت أبا الحسن عليّ بن الحسن بن فضّال عن مسمع كردين، فقال: هو ابن مالك من أهل البصرة، و كان ثقة».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 106
فضّال: «أنّ أحمد بن عائذ صالح» «1» و كذا «أنّ إسماعيل جفينة «2» صالح» «3» فهذا يرشد إلى أنّ المقصود بعليّ بن الحسن هنا هو عليّ بن الحسن بن فضّال.
و كذا يرشد [ذلك] إلى أنّ المقصود بعليّ بن الحسن في توثيق محمّد بن إسماعيل بن بزيع- على ما نقله الكشّي عن حمدويه «4»- هو عليّ بن الحسن بن فضّال من قبيل حمل المطلق على المقيّد، بناء على عدم اشتراط اتّحاد الراوي بالنسبة إلى ما رواه ابن مسعود.
و كذا يرشد ذلك إلى أنّ المقصود بعليّ بن الحسن في توثيق الحسن بن صدقة و أخيه مصدّق- على ما نقله ابن عقدة كما في الخلاصة «5»- هو عليّ بن الحسن بن فضّال، بناء على عدم.
اشتراط ما في حكم حمل المطلق على المقيّد باتّحاد الراوي.
هذا، و هل الصورة الثانية صورة كالاولى أو بالنون؟ جزم الشهيد الثاني في الدراية بالأوّل «6»، و هو مقتضى كلام ابن داوود «7».
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 2: 653/ 671.
(2). قوله: «إسماعيل جفينة» قال في التوضيح: إسماعيل بن عبد الرحمن جفينة، بضمّ الجيم و فتح الفاء و النون بعد الياء على وزن سكينة، و قيل: حقيبة بفتح الحاء المهملة و كسر القاف و الباء الموحّدة بعد الياء كمدينة، كما اختاره في خلاصة الأقوال، و اللقب للابن لا للأب. انتهى. و ما اختاره في التوضيح نقله في خلاصة الأقوال عن قائل (منه عفي عنه).
(3). رجال الكشّي 2: 634/ 637. و فيه في الموردين: «بن حقيبة».
(4). رجال الكشّي 2: 835/ 1065.
(5). خلاصة الأقوال: 173/ 26.
(6). الدراية: 76.
(7). رجال ابن داوود: 207- 208.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 107
و ربّما يقتضي القول بالثاني ما قاله في القاموس من أنّ «ثقة نقة» من الاتباع «1»، و كذا ما نقله صاحب المعالم في حاشية الدراية نقلا عن جماعة من أهل اللغة، منهم ابن دريد في الجمهرة من أنّ من جملة الاتباع «ثقة نقة» و عن نفسه التوقّف «2»، بل عليه جرى الفاضل الهندي في بعض الحواشي على قرب الإسناد.
و الأظهر القول بالأوّل؛ لأنّه المتراءى في النسخ، مع أنّه لو كانت بالنون لكانت على زنة «عدة» و لم يوجد «ونق ينق»، و أما النقى فهو من نقي، الّلهمّ إلّا أن يكون الأمر مبنيّا على حسبان كون «نقة» من نقي من باب الاشتباه. و هو غير بعيد.
و أمّا حديث الاتباع فلا يجدي في القول بالنون في الباب؛ لأنّ المقصود به إرداف المستعمل بالمهمل، و هو مقطوع العدم في المقام، بل في كلام سائر أرباب التصنيف و التأليف حتّى من أتى بأقلّ قليل.
[هل يدلّ تكرار «ثقة» على زيادة العدالة أو لا؟]
ثمّ إنّ التكرار بناء على اتّحاد الصورة هل يدلّ على زيادة العدالة أو لا؟ صرّح الشهيد الثاني بالأوّل «3»، لكنّه عبّر بزيادة المدح.
و هو كما ترى؛ لفرض دلالة الأولى على العدالة، إلّا أن يكون المقصود بزيادة المدح هو زيادة العدالة إطلاقا للمدح على العدالة، كما في ترجمة إسماعيل بن جابر الجعفي حيث إنّه ذكر الشيخ في الرجال نقلا «أنّه ثقة ممدوح» «4».
أقول: إنّ الاستقراء يقتضي بعدم إرادة زيادة العدالة و عدم الدلالة عليها؛ حيث إنّ جمعا من أجلّاء الرواة- نحو زرارة و أضرابه- لم يتكرّر التوثيق في تراجمهم، بل جماعة من الموثّقين بالمكرّر من النجاشي قد ذكرهم ابن داوود في
__________________________________________________
(1). القاموس المحيط 4: 399 (نقى).
(2). جمهرة اللغة 3: 1253، العمود الثاني، باب جمهرة من الاتباع. و انظر مقباس الهداية 2: 161.
(3). البداية: 76.
(4). رجال الشيخ: 160/ 93.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 108
باب الضعفاء، كما صرّح به نفسه «1»؛ فهذا يكشف عن كون الجماعة مورد إنكار السابقين على النجاشي.
و ربّما يقال: إنّ حسن التأكيد في مقام إنكار المخاطب كما بيّن في علم المعاني في بحث الإسناد الخبري «2»، و هاهنا لا يعقل الإنكار من المخاطب، فلابدّ أن يكون من السابقين من أهل الخبرة.
و فيه: أنّ التأكيد في مقام الإنكار لازم، كما هو المصرّح به في المحل المذكور، نعم حسنه في مقام تردّد المخاطب. الّلهمّ إلّا أن يكون المقصود بالحسن اللزوم قبال الركاكة، مع أنّ مقام المدح و الذمّ مخالف مع سائر المقامات؛ فإنّه كثيرا مّا يؤكّد المدح و الذمّ من جهة شدّة التثبيت، لكن مع ذلك القول بكون كلّ من تكرّر التوثيق في حقّه محلّ الإنكار لا يخلو عن الإشكال.
بل في ترجمة عبد اللّه بن المغيرة «أنّه ثقة ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته و دينه و ورعه» «3». و مقتضاه كونه مصونا و محصونا عن تطرّق و صمة الإنكار.
و بعد، فالقول بالدلالة على زيادة العدالة مبنيّ على قبول العدالة، و هو مبنيّ على كونها من باب الملكة.
و أمّا بناء على كونها هي نفس الاجتناب فلا يتمّ الأمر إلّا بالعناية، كما يظهر ممّا يأتي.
و أمّا القول بالدلالة على المدح- لو قيل به- فليس بشيء؛ لدلالة الصورة الأولى على العدالة بالفرض. و الظاهر كمال الظهور اتّحاد مفاد الصورتين، فلا مجال لدلالة الصورة الثانية على المدح.
__________________________________________________
(1). رجال ابن داوود: 256/ 300 حيث ذكر عبد الرحمن بن الحجّاج في الضعفاء في حين أنّه ذكره في من قال عنه النجاشي: ثقة ثقة. انظر ص 207.
(2). مختصر المعاني: 130.
(3). رجال النجاشي: 215/ 561؛ خلاصة الأقوال: 109/ 34.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 109
و أمّا القول بالدلالة على زيادة المدح بالمعنى المقابل للعدالة لو اتّفق القول به، فقد سمعت القول فيه.
و لو كان المقصود بالوثاقة في «ثقة» هو المعنى اللغوي، فالتكرار يفيد زيادة المدح، كما أنّ الأصل- أعني «ثقة»- يفيد المدح، إلّا أنّه يوجب صحّة الحديث لو كان المدار في الصحّة على مجرّد ذكر «ثقة» في ترجمة الرجل.
و بعد ما مرّ أقول: إنّه على تقدير اتّحاد الصورة- كما هو المفروض- لا إشكال في كون الأمر من باب التأكيد، لكنّ الداعي على التأكيد لا مجال لكونه هو إفادة المدح.
إلّا أن يقال: إنّ زيادة الملكة من باب المدح و إن كان أصل الملكة مقابلا للمدح. فلو كان الداعي إفادة زيادة الملكة، فالمفاد المدح، فلا بأس بإفادة المدح.
إلّا أن يقال: إنّ المدح بزيادة الملكة بعيد.
و لا مجال أيضا لكون الداعي إفادة زيادة المدح بالمعنى المقابل للعدالة أو إفادة زيادة العدالة، بناء على كون العدالة من باب الاجتناب، و كون الداعي إفادة زيادة الملكة بعيد كما سمعت، و ليس في البين ما يصلح للدلالة على كون الداعي دفع توهّم الضعف، فيمكن أن يكون الداعي هو التفنّن في الكلام.
الرابع [في اصطلاح: «كان ثقة»]
أنّه قد ذكر في كثير من التراجم «كان ثقة» كما في ترجمة سلّار «1»،
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 86/ 10.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 110
و داوود بن النعمان «1»، و ريّان بن الصّلت «2»، «3» و عبد العزيز بن عبد اللّه بن يونس «4»، و حمّاد بن عيسى «5»، و حميد بن زياد «6»، و جعفر بن محمّد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب «7». «8» و لا خفاء في كون «الكون» في المقام ناقصا؛ لكون المدار في التماميّة على كون «الكون» بمعنى مصدر الفعل اللازم، أي الحصول، و لا مجال له في المقام، فاحتمال التماميّة في «الكون» من شيخنا السيّد في كمال النقصان.
و الظاهر- بل بلا إشكال- أنّه بمثابة «ثقة» بمعنى دلالته على وثاقة الراوي إلى آخر أيّامه، لا دلالته على سبق الوثاقة في برهة من الزمان مع السكوت عمّا عدا البرهة، سواء كان مع العلم بحال ما بعد البرهة أو عدم العلم به، مع بعد كون الأمر في الموارد الكثيرة من باب الأخير، أعني سبق الوثاقة و الشكّ في آخر الأمر؛ فيتعيّن كون الفرض امتداد الوثاقة.
و مع هذا نقول: إنّ التعبير ب «كان» في غير إفادة الوثاقة كثير أيضا، نحو: «كان ضعيفا» و: «كان ضعيف الحديث» و: «كان فاسد المذهب» و: «كان غاليا» و: «كان خطّابيّا في مذهبه» و: «كان عاميّا» و: «كان شيخ المتكلّمين» و هكذا.
و لا ريب أنّ المقصود في هذه الموارد هو الامتداد، فالظاهر أنّ المقصود
__________________________________________________
(1). انظر خلاصة الأقوال: 69/ 6 و فيها: «ثقة عين». و «كان ثقة» مذكورة في حقّ أخيه عليّ بن النعمان في رجال النجاشي: 274/ 719.
(2). قوله: «ريّان بن الصلت» بفتح الراء المهملة و تشديد الياء المثنّاة التحتانيّة (منه عفي عنه).
(3). رجال النجاشي: 165/ 437؛ خلاصة الأقوال: 70/ 1.
(4). رجال الشيخ: 431/ 26.
(5). رجال النجاشي: 142/ 370؛ خلاصة الأقوال: 56/ 2.
(6). رجال النجاشي: 132/ 339.
(7). رجال النجاشي: 122/ 314؛ خلاصة الأقوال: 33/ 17.
(8). في «د» زيادة: «و غيرهم».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 111
ب «كان ثقة» هو امتداد الوثاقة؛ قضيّة ظهور اتّحاد السياق.
و بالجملة، فالظاهر أنّ التعبير ب «كان ثقة» بدل «ثقة» من باب التفنّن في الكلام، و التعبير بهما من باب التعبير عن المعنى المتّحد بالوجه المختلف. بل الاستقراء في كلمات الرجال يوجب القطع بذلك، بل من جهة وضوح الأمر أنّه لم يتعرّض ل «كان ثقة»- فيما ظفرت به- غير شيخنا السيّد.
و يمكن أن يقال: إنّ دلالة «كان ثقة» على الوثاقة أقوى من دلالة «ثقة» بملاحظة أنّ «كان» من باب الربط بين المبتدأ و الخبر، و الرابطة المطويّة في الجملة إذا اظهرت «1» تكون الدلالة على الثبوت أقوى.
لكن نقول: إنّ قوّة الدلالة محلّ المنع؛ إذ لا اعتداد بالفرق بين الإخبار و الإظهار على تقدير ظهور الإخبار كما في المضمار، و الأمر فيه من باب التصريح بما علم ضمنا.
و على هذا العيار المعيار في سائر موارد التصريح بما علم ضمنا بلا عثار، كيف!؟ و لا فرق بين أن يقال: «صلّى زيد أوّل الزوال» أو يقال: «كان زيد يصلّي أوّل الزوال» و أمثال هذا لا تحصى.
نعم، الإخبار لو كان غير ظاهر، فالإظهار يوجب قوّة الدلالة بلا عثار.
لكن يمكن أن يقال: إنّ الإطناب أصرح و أقوى دلالة؛ لبعده عن الغفلة، نظير ما ذكرناه في الأصول في باب الترجيح في تعارض الأخبار: من أنّ طول الكلام في أحد المتعارضين- كما في بعض الأخبار الدالّة على وقوع الاختلاف «2» في القرآن- يوجب ترجيحه بقوّة الظنّ في جانبه؛ لبعد طول الكلام عن الوضع.
لكنّ المقالة المذكورة تجدي في قوّة الظنّ بالواقع، لا قوّة الدلالة، مع أنّ طول الكلام بهذا المقدار القليل لا اعتداد به عرفا، مضافا إلى ما سمعت من أنّ
__________________________________________________
(1). في «ح»: «ظهرت».
(2). في «د»: «الاختلال».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 112
الاستقراء في كلمات أرباب الرجال يقتضي القطع بأنّ «كان ثقة» بمثابة «ثقة» و لم يقصد من «كان ثقة» أزيد ممّا قصد ب «ثقة».
هذا هو الكلام في شرح الحال من اللاحق للسابق كما هو غالب الوقوع في الرجال؛ لندرة تعرّض المعاصر للمعاصر، بل ندرة لياقة المعاصر للتعرّض، بل التوثيق المزبور مفقود الأثر في الرجال، إلّا في باب السؤالات من بعض الرواة عن حال بعض آخر منهم لو فرض كون المسؤول عن حاله في الحياة، و تلك السؤالات مذكورة في الرجال و تأتي طائفة منها.
و أمّا لو كان التوثيق المزبور في كلام المعاصر، فظاهره الرجوع إلى حال التوثيق، و لا أقلّ من السكوت عن الحال حال التوثيق. و أمّا الزمان المتأخّر عن الإخبار فهو مسكوت عنه، كما هو ظاهر غاية الظهور.
و ربّما احتمل شيخنا السيّد وجوها في المقام: كون التوثيق المزبور بمثابة «ثقة» و كونه آكد، و كون المراد الوثاقة في برهة من الزمان مع السكوت عمّا لحق، أو الدلالة على الرجوع، و التفصيل بين ما إذا صدر من لاحق فالثاني، أو معاصر فالثالث. و اختار الأخير؛ نظرا- في كونه بمثابة «ثقة» لو كان من اللاحق- إلى أنّه و إن أفاد سبق زمان الوثاقة لكن بالنسبة إلى الإخبار من جملة أزمان وجود الموضوع، المتقدّمة بحذافيرها على زمان الإخبار في كونه آكد إلى قضيّة كون الإظهار أقوى من الإضمار؛ لكون الأمر في «كان» من باب إظهار الرابطة المطويّة.
و في السكوت عمّا لحق من برهة من زمان الوثاقة إلى أنّه إذا أخبر المعاصر بذلك أفاد الوثاقة في برهة من أزمنة وجود الموضوع المتقدّمة على زمان الإخبار، و هو ساكت عن حاله زمان الإخبار و فيما بعده لو لم يشعر بالخلاف في زمان الإخبار.
و لا بأس بما ذكره إلّا دعوى التأكّد، فإنّها يظهر الكلام فيها بما مرّ. و الظاهر أنّ المقصود بالتأكّد هو قوّة الدلالة على الوثاقة، لا الدلالة على قوّة الوثاقة، كما يمكن دعوى التأكّد بالوجه الأخير في «ثقة ثقة» و إلّا فدعوى التأكّد ظاهرة الفساد. لكنّ
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 113
الظاهر أنّها غير مرادة كما سمعت، بل لا إشكال في عدم إرادتها بشهادة ما ذكره في الاستناد.
و مع ذلك، التفصيل المزبور لا وقع له بملاحظة ندرة تعرّض المعاصر للمعاصر بعد ندرة لياقة المعاصر للتعرّض، بل عدم اتّفاق التوثيق المزبور من المعاصر، كما مرّ.
و بما سمعت يظهر الحال في «كان ثقة في الحديث» كما في ترجمة أحمد بن إبراهيم أبي رافع «1»، و حمّاد بن عيسى «2»، و عليّ بن الحسن الطاطريّ «3»، و «كان من ثقات أصحابنا» كما في ترجمة ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي «4»، و «كان وجها من أصحابنا» كما في ترجمة ثعلبة بن ميمون «5». و كذا الحال في «كان ضعيفا» كما في ترجمة عبد الرحمن بن كثير «6»، و «كان ضعيفا في الحديث» كما في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك «7»، لو قلنا باطّراد الكلام في الأخيرين.
الخامس [في اصطلاح: «كما يكون ثقة»]
أنّه قد ذكر في بعض التراجم «كما يكون الثقة» كما في ترجمة سليمان بن خالد، حيث إنّه سأل حمدويه- على ما نقله الكشّي- عن أيّوب بن نوح عن حال
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 84/ 203.
(2). رجال النجاشي: 142/ 370. و فيه: «كان ثقة في حديثه».
(3). رجال النجاشي: 254/ 667. و فيه: «كان فقيها ثقة في حديثه»؛ خلاصة الأقوال: 232/ 4.
(4). رجال النجاشي: 115/ 296. و فيه: «كان من خيار أصحابنا و ثقاتهم».
(5). رجال النجاشي: 117/ 302. و فيه: «كان وجها في أصحابنا»؛ خلاصة الأقوال: 30/ 1.
(6). رجال النجاشي: 234/ 621؛ خلاصة الأقوال: 239/ 3.
(7). رجال النجاشي: 122/ 313؛ خلاصة الأقوال: 210/ 3.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 114
سليمان بن خالد بقوله: «أثقة هو؟» فقال: «كما يكون الثقة» «1».
و الظاهر عدم اتّفاق تلك الكلمة و لا ما بمنزلتها نحو «كالثقة» في ترجمة اخرى.
نعم، قال في آخر الخلاصة عند شرح حال طرق الشيخ في حقّ حميد بن زياد: «و كأنّه ثقة لا ثقة» «2».
و بالجملة، فهل تلك الكلمة بمنزلة «ثقة» فمفادها الوثاقة- نظير أنّه سأل حمدويه- على ما نقله الكشّي- عن حال هشام المشرقي بقوله: «ثقة هو؟» فقال:
«ثقة» «3»- أو لا؟ و على الثاني المفاد المدح أو الذمّ؟
مقتضى توثيق سليمان بن خالد من العلّامة في الخلاصة «4» هو القول بالدلالة على الوثاقة؛ قضيّة أنّ الظاهر كون منشأ التوثيق هو الكلمة المذكورة، كما يقتضيه الكلام الآتي من الشهيد الثاني أيضا.
و يقتضي القول بذلك صريح الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة حيث قال:
سليمان بن خالد لم يوثّقه النجاشي و لا الشيخ الطوسي، و لكن روى الكشّي عن حمدويه أنّه سأل أيّوب بن نوح «أثقة هو؟» فقال: «كما يكون الثقة» فالأصل في توثيقه أيّوب بن نوح، و ناهيك به «5».
و هو مقتضى تصحيحه رواية سليمان بن خالد في المسالك في مسألة وجوب توجيه المحتضر نحو القبلة «6».
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 2: 645/ 664.
(2). خلاصة الأقوال: 276، و فيه: «و كان ثقة إلّا أنّه واقفي».
(3). رجال الكشّي 2: 498، ذيل الرقم: 956.
(4). خلاصة الأقوال: 77/ 2.
(5). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 38، و انظر رجال الكشّي 1: 664، ح 664.
(6). مسالك الأفهام 1: 78، و الرواية في الكافي 3: 127، ح 3، باب توجيه الميّت إلى القبلة؛ و التهذيب
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 115
و يقتضي القول به ما صنعه المحدّث الحرّ في آخر الوسائل حيث حكى عن الكشّي نقل توثيقه عن أيّوب بن نوح «1».
و جنح إليه المحدّث الجزائري في غاية المرام «2» حيث تنظّر فيما يأتي من صاحب المدارك من عدم ثبوت توثيق سليمان بن خالد «3».
و مال إليه العلّامة البهبهاني في تعليقات المدارك «4» كلّ الميل؛ حيث أورد على ما يأتي من صاحب المدارك «5» بمسلّميّة كون سليمان بن خالد ثقة عندهم حتّى صاحب المدارك- يعني في غير ما يأتي من كلامه- بل مقتضاه الاتّفاق على القول بالدلالة.
و مال إليه السيّد السند النجفي في المصابيح أيضا كلّ الميل حيث أورد على ما يأتي من صاحب المدارك بأنّه عجيب، و المناقشة في العبارة المنقولة عن أيّوب بن نوح- بأنّها ليست نصّا في التوثيق؛ لاحتمال أن يكون المراد منها القرب من الوثاقة كما يقتضيه حرف التشبيه- ساقطة. قال: «و لذا اتّفق أصحابنا على عدّ روايات سليمان بن خالد من الصحاح، و لم يتوقّف في ذلك أحد منهم حتّى هذا الفاضل في غير هذا المقام».
و ارتضاه في الرياض حيث حكم بصحّة رواية سليمان بن خالد في المسألة
__________________________________________________
1: 286، ح 835، باب تلقين المحتضرين و توجيههم عند الوفاة؛ و وسائل الشيعة 2: 661، أبواب الاحتضار، ب 35، ح 2.
(1). وسائل الشيعة 20: 211.
(2). غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام للسيّد الجزائري المتوفّى سنة 1112 و هو في ثمان مجلّدات.
انظر الذريعة 16: 18/ 72.
(3). مدارك الأحكام 2: 53.
(4). تعليقة العلّامة البهبهاني على المدارك: 82.
(5). مدارك الأحكام 2: 53.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 116
المذكورة على الصحيح «1».
و ربّما نسب بعض الفحول إلى العلّامة في المختلف «2» و صاحب المدارك «3» و السيّد في الرياض «4» تصحيح ما رواه سليمان بن خالد في رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصلاة «5». لكن كلّ من الأوّلين عبّر بالصحيح عن سليمان بن خالد، و مثله لا يدلّ على كون رجال السند بأجمعهم رجال الصحيح، فلا دلالة في التصحيح منهما على كون سليمان بن خالد من رجال الصحيح.
و لعلّ نسبة التصحيح إليهما من جهة عدم الفرق بين أن يقال: «روى فلان في الصحيح عن الصادق عليه السّلام» و أن يقال: «روي في الصحيح عن فلان» حيث إنّ الأوّل يدلّ على كون جميع رجال السند رجال الصحيح حتّى فلان، و أمّا الثاني فهو يدلّ على كون من قبل فلان من رجال الصحيح.
و قد جرى صاحب المدارك على القول بعدم الدلالة على الوثاقة حيث إنّه في المسألة المذكورة- بعد ما ذكر كلام جدّه في تصحيح رواية سليمان بن خالد «6»- ردّه بأنّه لم يثبت توثيقه، و في بعض النسخ نقلا «في توثيقه كلام» «7».
و هو مقتضى تعبيره عن رواية سليمان بن خالد ب «الرواية» دون الصحيحة، مع أنّ دأبه رعاية اصطلاح المتأخّرين في مسألة من ذكر بعد الوضوء أنّه ترك
__________________________________________________
(1). رياض المسائل 2: 135.
(2). انظر مختلف الشيعة 2: 511 المسألة 369.
(3). انظر مدارك الأحكام 4: 381.
(4). انظر رياض المسائل 4: 363.
(5). الكافي 3: 379، ح 3، باب الرجل يصلّي وحده ثمّ يعيد في الجماعة؛ التهذيب 3: 274، ح 792، باب فضل المساجد و الصلاة فيها؛ وسائل الشيعة 5: 458، أبواب صلاة الجماعة، ب 56، ح 1.
(6). روض الجنان: 93.
(7). مدارك الأحكام 2: 53.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 117
الاستنجاء؛ حيث إنّه حكى عن الصدوق تفصيلا، و قال: «و كأنّه استند إلى رواية سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام «1»، و الظاهر أنّ المنشأ هو سليمان» «2».
و يقتضي القول به ما صنعه بعض في بعض المواضع حيث عبّر ب «الصحيح» عن سليمان بن خالد، و كذا ما ذكره الفاضل التستري في حاشية الخلاصة في قوله:
«قال الكشّي: حمدويه، قال: سألت أبا الحسن أيوب ابن نوح بن درّاج النخعي عن سليمان بن خالد أثقة هو؟ فقال: كما يكون الثقة» «3» فلاحظه و لا تعتمد مهما أمكن؛ حيث إنّ غرضه الاعتراض على العلّامة بأنّ منشأ توثيقه كلمة «أيّوب بن نوح» و لا دلالة فيه على التوثيق، فلا تعتمد على الخبر الواحد مهما أمكن.
و بالجملة، مبنى القول بالدلالة على الوثاقة هو كون الكاف استعلائيّة، و قد عدّ في المغني من معان الكاف: الاستعلاء، بل نقله عن الأخفش و الكوفيّين. قال:
«و إنّ بعضهم قيل له: كيف أصبحت؟ قال: كخير، أي على خير. و قيل: المعنى بخير. ثمّ قال: و قيل في «كن كما أنت»: إنّ المعنى على ما أنت عليه» «4». فساق الكلام في اختلاف النحوييّن في أعاريب هذا المثال.
و عدّ في التوضيح الاستعلاء من معاني الكاف أيضا، و جعل منه قول بعضهم «5»: «كخير» في جواب من قال: «كيف أصبحت» و حكى عن الأخفش أنّه جعل منه قولهم: «كن كما أنت» و من هذا قوله صلّى اللّه عليه و آله نقلا: «كن كما أنت» لمن مشى وراءه تقليدا، تهكّما.
__________________________________________________
(1). التهذيب 1: 49، ح 142، باب الأحداث الموجبة للطهارة؛ الاستبصار 1: 54، ح 158، باب وجوب الاستنجاء من الغائط و البول؛ وسائل الشيعة 1: 209، أبواب نواقض الوضوء، ب 18، ح 9.
(2). مدارك الأحكام 1: 258؛ و انظر المقنع: 11.
(3). رجال الكشّي 1: 664/ 664.
(4). مغني اللبيب 1: 235.
(5). قوله: «بعضهم» هو رؤبة، كما في التصريح (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 118
و مبنى القول بعدم الدلالة كون الكاف للتشبيه، إلّا أنّه على هذا إمّا أن يكون الغرض المشابهة الحقيقيّة، أي في الباطن و الظاهر، فالغرض المدح؛ أو يكون الغرض المشابهة في الظاهر مع الاطّلاع على مخالفة الباطن، فالغرض الذمّ؛ لرجوع الأمر إلى التدليس، أو مع عدم الاطّلاع على الباطن، فالغرض ظهور الصلاح كما تعارف أن يقال: «فلان ظاهر الصلاح» فيرجع الأمر إلى المدح، لكن بناء على كفاية حسن الظاهر تعبّدا في كاشف العدالة تثبت العدالة، بخلاف ما لو كان الغرض المشابهة الحقيقيّة في الباطن و الظاهر؛ لرجوع الأمر إلى الاطّلاع على عدم العدالة و الإخباريّة.
و الظاهر- بل بلا إشكال- أنّ «الكون» في المقام يكون ناقصا، سواء كانت الكاف للاستعلاء أو التشبيه، و الخبر محذوف أي عليه، إلّا على تقدير كون «ما» بمعنى «من» و أمّا «ما» فهي موصولة إمّا بمعنى الحالة أو الحقيقة. و هي على التقديرين من باب الحقيقة؛ لكون الأمر من باب إطلاق الكلّي على الفرد، و الأمر فيه من باب الحقيقة في الغالب، كما يظهر بملاحظة ما حرّرناه في الأصول عند الكلام في أنّ المقيّد من باب الحقيقة أو المجاز.
و احتمال كونها بمعنى «من» لا اعتداد به، و لا سيّما مع لزوم تعريف الخبر في الثقة؛ حيث إنّه على ذلك يكون خبرا ل «يكون» و هو نادر.
و على تقدير كون الكاف للاستعلاء يمكن أن يكون «الثقة» من باب المبتدأ المؤخّر، و «كما» يكون من باب الخبر المقدّم، و الضمير في «يكون» راجع إلى سليمان، و الأمر من قبيل «الأمير زيد»، فيستفاد كمال الوثاقة من جهة تعريف المبتدأ؛ بل تقديم الخبر يفيد أيضا كمال الوثاقة بناء على دلالة تقديم ما حقّه التأخير على الحصر.
لكنّ الاحتمال المذكور بعيد.
و على تقدير كون الكاف للتشبيه يمكن أيضا أن يكون «الثقة» من باب المبتدأ
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 119
المؤخّر و «كما» يكون من باب الخبر المقدّم، و الأمر نحو: «كزيد الأسد» و يستفاد كمال الوثاقة من جهة جعل ما من شأنه أن يشبّه به مشبّها، و من جهة تقديم الخبر بناء على إفادة تقديم ما حقّه التأخير للحصر.
لكنّ الوجه المذكور أيضا خلاف الظاهر.
و لعلّ الأظهر القول بالدلالة على الوثاقة بدعوى ظهور الكاف في الاستعلاء في المقام عرفا، لكن لو قيل: «كالثقة» فالظاهر عدم دلالته على الوثاقة.
لكن يمكن أن يقال: إنّه على تقدير كون الكاف للاستعلاء لا يتجاوز المفاد عن «ثقة».
و دعوى الدلالة على قوّة الوثاقة بملاحظة الدلالة على كون الأمر من باب الاستيلاء على الملكة لا الاتّصاف بها بالتجشّم و الكلفة كما ترى؛ فيلزم اللغو في المقال، و هو بعيد.
إلّا أن يقال: إنّ الإطناب أقوى دلالة و أصرح، و الداعي إليه قوّة الدلالة و الصراحة؛ فلا يلزم اللغو.
و أيضا يمكن أن يقال: إنّ التوثيق بالوجه المزبور عادم النظير «1» و لو من غير أرباب تدوين كتب الرجال بعد قلّة استعمال الكاف في الاستعلاء، فيتّجه حمل الكاف على التشبيه مع إجمال الحال من حيث الاطّلاع على الباطن، فيرجع الأمر إلى الذمّ أو عدمه، فيرجع الأمر إلى حسن الظاهر فقط. و الغرض على التقديرين تشبيه حال سليمان بن خالد بحال الثقة، و إلّا فتشبيه نفسه بحال الثقة أو حقيقته كما ترى.
و بعد، فبعد دلالة «كما يكون الثقة» على الوثاقة ثبوت العدالة محلّ الإشكال، بل لا تثبت العدالة؛ لاختصاص الاصطلاح بكلمات أهل الرجال، فلا تثبت العدالة
__________________________________________________
(1). في «ح»: «التنظير».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 120
ب «ثقة» في كلمات الرواة فضلا عن الثقة، و يظهر الأمر مزيد الظهور بما يأتي.
بقي أنّ سليمان بن خالد قد عدّه الشيخ المفيد في الإرشاد ممّن روى النصّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام على ابنه أبي الحسن موسى عليه السّلام، من شيوخ أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام و خاصّة بطانته و ثقاته الفقهاء الصالحين «1».
و قد ردّ العلّامة في المنتهى في مسألة عدم جواز غير الماء في البول رواية بأنّ راويها سليمان بن خالد و لم ينصّ الأصحاب على تعديله، بل ذكر أنّه خرج مع زيد بن علي فقطعت يده، كذا قال النجاشيّ. و قال الشيخ: قطعت إصبعه. قالا:
و لم يخرج [معه] من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام غيره «2».
و ذكر المقدّس في باب بيع الثمار: أنّ سليمان بن خالد فيه قول «3»، و المقصود بالقول هو كونه زيديّا، كما قيل.
و قد حكم في الروضة في كتاب إحياء الموات بضعف رواية سليمان بن خالد «4». و هو إمّا من جهة بنائه على عدم اعتبار الخبر الموثّق بناء على دلالة الكلمة المذكورة في حقّه على الوثاقة، و فساد مذهب سليمان بن خالد، و بملاحظة ما نقله النجاشي و الشيخ من أنّه خرج مع زيد و لم يخرج معه من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام غيره فقطعت يده أو إصبعه «5»، إلّا أن حكى في الخلاصة أنّه تاب «6»؛ أو من جهة عدم دلالة الكلمة المشار إليها على الوثاقة.
و يرشد إلى الأوّل ما مرّ من حكم الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة بدلالة
__________________________________________________
(1). الإرشاد 2: 216.
(2). منتهى المطلب 1: 262؛ رجال النجاشي: 183/ 483؛ رجال الشيخ: 207/ 76.
(3). مجمع الفائدة و البرهان 8: 200.
(4). الروضة البهية 7: 140.
(5). رجال النجاشي: 183/ 484؛ رجال الشيخ: 207/ 76.
(6). خلاصة الأقوال: 77/ 2.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 121
الكلمة المذكورة على التوثيق «1».
و قال المولى التقي المجلسي في شرح مشيخة الفقيه- بعد نقل الروايات التي رواها الكشّي في ترجمته-: لا شكّ في ثقته كما يظهر من الأخبار. و حكم بدلالة ما في باب الكتمان من الكافي- عن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أخبرت بما أخبرتك به أحدا؟» قلت: لا، إلّا سليمان بن خالد. قال: «أحسنت، أما سمعت قول الشاعر:
فلا يعدون سرّي و سرّك ثالثا ألا كلّ سرّ جاوز اثنين شائع»
«2»- على كون سليمان بن خالد من أصحاب السرّ الصادق عليه السّلام «3».
و في حاشية الكافي بخطّ العلّامة المجلسي: «فيه مدح عظيم لسليمان بن خالد بل توثيق».
و ظاهر الفاضل الخوانساري في تعليقات الروضة في كتاب إحياء الموات «4»- عند تضعيف الشهيد الثاني رواية سليمان بن خالد كما تقدّم- التوقّف في مذهب سليمان بن خالد بعد وثاقته و قال بالأخرة: المعمول بين المتأخّرين الحكم بصحّة رواياته من جهة، و لو كانت موثّقة، فمن الموثّقات القويّة «5».
و يمكن استفادة حسن حاله ممّا رواه في الكافي في باب المؤمن و علاماته و صفاته:
بالإسناد عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام:
«يا سليمان أتدري من المسلم؟» قلت: جعلت فداك، أنت أعلم. قال:
__________________________________________________
(1). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 38.
(2). الكافي 2: 177، ح 9، باب الكتمان.
(3). روضة المتّقين 14: 143.
(4). الروضة البهية 7: 140.
(5). حاشية آقا جمال على الروضة: 478.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 122
«المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده» ثمّ قال: «و تدري من المؤمن؟» قال: قلت: أنت أعلم. قال: «إنّ المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم و أنفسهم، و المسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة «1» تعنّته» «2».
إذ اللطف المستفاد منه من أبي جعفر عليه السّلام بالنسبة إلى سليمان يكشف عن حسن حاله.
لكنّ الراوي لهذا الحديث- كالحديث السابق- هو نفس سليمان، فالأمر من باب الشهادة على النفس.
إلّا أن يقال: إنه تتأتّى الاستفاضة، بناء على كون المدار في الاستفاضة على ما فوق الواحد.
إلّا أن يقال: إنّ المدار في الاستفاضة على تعدّد الرواة عن المعصوم عرضا، و من هذا أنّه لو تعدّد الراوي عن الراوي المتّحد عن المعصوم عليه السّلام لا تتأتّى الاستفاضة، و الراوي للحديثين هنا عن المعصوم عليه السّلام متّحد.
إلّا أن يقال: إنّه و إن لم تتأتّ الاستفاضة في المقام لكن ما يتأتّى في المقام في حكم الاستفاضة؛ إذ المدار في الاستفاضة على بعد الكذب، و من هذا أنّه لو اختصّت بعض الأخبار المستفيضة بحكم، لا توجب الاستفاضة جبر ضعف السند بالنسبة إلى ذلك الحكم، و بعد الكذب يتأتّى في المقام أيضا؛ حيث إنّ عدم اعتبار الشهادة على النفس إنّما هو من جهة قرب إخبار الشخص بما ينفعه بالكذب، و لو تعدّدت رواية الشخص، يبعد كونه كاذبا في الكلّ.
__________________________________________________
(1). قوله: «أو يدفعه دفعة تعنّته» بأن يسأل منه شيئا فيردّه بردّ يصير سببا لخذلانه، بل إن لم يكن عنده شيء يجب أن يردّه بردّ جميل، كما نقله العلّامة المجلسي في الحاشية بخطّه الشريف عن والده المولى التقي قال: و يحتمل أن يكون كناية عن مطلق الضرر الفاحش. و العنت: المشقّة و الفساد و الهلاك و الإثم و الغلط و الخطأ، ذكره الجزري (منه عفي عنه).
(2). الكافي 2: 184، ح 12، باب المؤمن و علاماته و صفاته.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 123
نعم، لابدّ هنا من مزيد العدد في حصول الظنّ بالصدق.
إلّا أن يقال: فعلى ما ذكر لا يتأتّى اعتبار الحديثين المذكورين بناء على كون المدار في الاستفاضة ما فوق الاثنين؛ للزوم مزيد العدد في حصول الظنّ بالصدق.
و لإتمام الكلام مقام آخر.
و قد روى الكليني- في باب أنّ من اصطفاه اللّه من عباده و أورثهم كتابه هم الأئمّة عليهم السّلام- بسنده عن سليمان بن خالد:
عن الصادق عليه السّلام قال: سألته عن قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «1» فقال: «أيّ شيء تقولون أنتم؟» قلت: إنّها في الفاطميّين. قال: «ليس حيث تذهب» إلى آخر الحديث «2».
و قد ضبطنا موارد اتّفق فيها الخطأ في فهم الراوي بالنسبة إلى المراد من اللفظ في شرح زيارة عاشوراء، و الرسالة المعمولة في حجّيّة الظنّ، و غيرهما.
السادس [في اصطلاح: «ثقة في الحديث» و ...]
أنّه كثيرا مّا ذكر في التراجم «ثقة في الحديث» كما في ترجمة أحمد بن بشير «3»، و أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال «4»، و أحمد بن محمّد بن عاصم «5»،
__________________________________________________
(1). فاطر (35): 32.
(2). الكافي 1: 215، ح 2، باب إن من اصطفاه اللّه من عباده و أورثهم كتابه هم الأئمّة عليهم السّلام.
(3). لم يكن كذلك؛ حيث نبّه على ضعفه النجاشي في رجاله: 348/ 939 في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، و ضعّفه الشيخ في الرجال: 412/ 54 و 55، و العلّامة في خلاصة الأقوال: 205/ 19.
(4). رجال النجاشي: 80/ 194؛ الفهرست: 24/ 72؛ خلاصة الأقوال: 203/ 10.
(5). الفهرست: 28/ 85.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 124
و الحسين بن أبي سعيد «1»، و الحسين بن أحمد بن المغيرة «2»، و عليّ بن الحسن الطاطري «3»، و عمّار بن موسى «4» و غيرهم.
فهل التوثيق المذكور مفيد للعدالة ك «ثقة» فيكون الحديث باعتباره من باب الصحيح إن كان الراوي إماميّا، و من باب الموثّق إن كان الراوي غير إمامي؛ أو مفيد للمدح، فيكون الحديث باعتبار من باب الحسن إن كان الراوي إماميّا، و من باب القويّ إن كان الراوي غير إمامي؟
عن المشهور القول بالأوّل، و يظهر من بعض الأصحاب المصير إليه؛ نظرا إلى ظهور كون منشأ الوثاقة في الحديث هو العدالة، بل ظاهر البعض الاتّفاق عليه، و هو مقتضى ما في حاشية كتاب النجاشي عند ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري. و الظاهر أنّ الحاشية بخطّ صاحب المعالم، كما أنّ في ظهر الكتاب خطّه و خاتمه من كفاية شهادة القرائن مع تزكية النجاشي حيث إنّ النجاشي قال: «ثقة في الحديث» «5». و المدار في التزكية على التعديل، بلا محيص عن كون المقالة المذكورة مبنيّة على دلالة «ثقة في الحديث» على العدالة.
و الأظهر القول بالأخير؛ نظرا إلى عدم استلزام الوثوق بالحديث للعدالة، و عدم ظهوره فيها.
أمّا الأوّل: فلأنّ كثيرا من الناس يصدر منه الغيبة و لا يكذبون، و يطمئنّ
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 38/ 78. و فيه: «ثقة في حديثه».
(2). رجال النجاشي: 86/ 165. و فيه: «ثقة فيما يرويه»؛ خلاصة الأقوال: 217/ 11.
(3). رجال النجاشي: 254/ 667. و فيه: «و كان فقيها ثقة في حديثه».
(4). رجال النجاشي: 290/ 779. و فيه: «أبو الفضل، مولى و إخوته قيس و صباح رووا عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام، و كانوا ثقات في الرواية»؛ و في التهذيب 7: 101 بعد كلام طويل قال: «ثقة في النقل». و قال في الاستبصار 1: 372/ 1413: «ضعيف فاسد المذهب لا يعمل ...».
(5). رجال النجاشي: 348/ 939.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 125
النفس «1» بأخبارهم. و الظاهر أنّ المنشأ أنّ الكذب قبيح في أنظار الناس و موجب لانتهاك العرض، و هم- و لا سيّما أرباب الاحتشام منهم- يتجنّبون غاية التجنّب عمّا يوجب النقص في دنياهم؛ و لذا يتجنّبون عن الكذب، بخلاف الغيبة، فإنّه لا قبح فيها عندهم؛ لكونها من باب الصدق، و لذا ربّما يعتذر المغتاب عن ارتكابها بارتكاب الصدق، بل كثير من الناس يرتكب بعض المعاصي و يترك بعضا آخر من المعاصي؛ بل من يرتكب جميع المعاصي نادر أو منعدم؛ فلا منافاة بين الفسق و الوثوق بالحديث، بل لا منافاة بين ارتكاب معصية و لو مع الإصرار و ترك معصية اخرى بالكلّيّة.
و من تأمّل في أحوال الناس يجد أنّ كثيرا منهم صاحب ملكة الاجتناب عن بعض المعاصي مع ارتكاب بعض آخر و لو كان متعدّدا و حتّى مع الإصرار؛ بل ربّما يستبعد الكذب من بعض من يأتي بالفسق الفظيع كالزنا و اللواط من أرباب الاحتشام و تطمئنّ النفس بخبره، بل من يأتي بالفسق الفظيع من غير أرباب الاحتشام يحصل الظنّ بخبره و تطمئنّ النفس به.
و أمّا الثاني: فلأنّ غاية الأمر في دعوى الظهور أن يقال: إنّ الغالب فيمن يتحرّز عن الكذب العدالة، فيحمل المشكوك فيه على الغالب.
و هو مدفوع بأنّه لو لم يكن الغالب فيمن يتحرّز عن الكذب الفسق فلا أقلّ من المساواة، و مع هذا يترجّح جانب المخبر به بإخباره، بل الغالب- بحيث يكون خلافه في كمال الندرة- أنّ الإخبار يخرج طرف المخبر به عن حدّ التساوي مع الطرف الآخر كما كان الإخبار يوجب رجحانا فيه، بل الإخبار و لو ممّن يأتي بالفسق الفظيع من غير أرباب الاحتشام يوجب الرسوخ في النفس، و يتعسّر زوال أثره، كما يشاهد فيما لو أخبر عن شخص بمذاكرة سوء بالاضافة إلى شخص
__________________________________________________
(1). في «ح»: «الناس».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 126
آخر، فإنّه يترسّخ مضمون الخبر في نفس الشخص الثاني، و لا يرتفع و لو بالمبالغة في كون الإخبار كذبا من الشخص الأوّل في مقام الاعتذار، و إن أمكن كون عسر الارتفاع بواسطة حسبان كون الاعتذار من باب الاستبراء عن السوء، بخلاف الإخبار فإنّه بحسبان كونه غير معلّل بالغرض يتسارع نفوذه، و من عجيب الإخبار أنّ المريض بمرض ضعف القلب ربّما يهلك بل هلك بالإخبار بالخبر الموحش و لو من الصبيان فضلا عن النسوان، بل هلاكه بالإخبار بالخبر الموحش في كمال السهولة، بل هلك همّام ببيان صفات المؤمن من أمير المؤمنين عليه السّلام بعد سؤاله عنها كما رواه في الكافي في باب المؤمن و علاماته و صفاته «1».
و إن قلت: إنّ الظاهر من الوثوق بالحديث بنفسه- مع قطع النظر عن الغلبة- كونه مستندا إلى العدالة.
قلت: إنّه محلّ المنع، و من هذا أنّه لا مجال للقول بالدلالة على العدالة لو قيل: «صدوق» كما في بعض التراجم، فضلا عمّا لو قيل: «صادق» و إن يأتي القول بالدلالة على العدالة فيهما من بعض.
هذا كلّه على تقدير عموم العدالة لسوء المذهب، و إلّا فاتّفاق «ثقة في الحديث» في ترجمة غير الإمامي يمانع عن ظهوره في العدالة، إلّا أن يقال: إنّ الظواهر لا ترتفع بالتخلّف في بعض المواضع، بل الظهور الغير المتخلّف مفقود الأثر.
و من هذا أنّ «ثقة» بناء على دلالتها على العدالة لا يرتفع ظهورها في العدالة على القول باعتبار الإماميّة في العدالة بواسطة اتّفاقها في ترجمة غير الإمامي، اللّهمّ إلّا أن يدّعى كثرة اتّفاق «ثقة في الحديث» في غير الإمامي بحيث توجب ارتفاع الظهور في العدالة، كما سبق دعوى كثرة اتّفاق «ثقة» في غير الإمامي بحيث
__________________________________________________
(1). الكافي 2: 177، ح 1، باب المؤمن و علاماته و صفاته.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 127
تمانع عن دلالة «ثقة» على الإماميّة بناء على دلالتها عليها.
و أمّا الاستدلال- المتقدّم- على إفادة العدالة فيندفع بأنّ الظهور المذكور إن كان المقصود به الوضوح كما هو ظاهر العبارة، فلا ينفع في المقصود في كمال الوضوح؛ لوضوح المنع. و إن كان المقصود به الظنّ قبال العلم، بكون الغرض أنّ الظاهر استناد الوثوق في الحديث إلى الوثاقة- و لعلّ الظاهر أنّه المقصود و إن كان خلاف ظاهر العبارة- فقد سمعت الكلام فيه.
و ربّما يستدلّ على إفادة العدالة بأنّ الشيخ ربّما يقول في ترجمة شخص في موضع: «ثقة» و في موضع آخر يقول في ترجمته: «ثقة في الحديث» كما تقدّم، فمقتضاه كون المقصود بالوثوق في الحديث هو العدالة، بناء على دلالة «ثقة» بقول مطلق على العدالة.
أقول: إنّه ليس الاستدلال بذلك على دلالة «ثقة في الحديث» على العدالة أولى من الاستدلال به على عدم دلالة «ثقة» على العدالة، بل قد تقدّم تأييده لعدم الدلالة، أي عدم دلالة «ثقة» على العدالة، فضلا عمّا مرّ من الكلام في دلالتها على العدالة.
و بالجملة، فلا إشكال في عدم استلزام الوثوق بالحديث للعدالة، و ظهوره فيها محلّ الإشكال، بل الظاهر العدم، فالدلالة على العدالة و الظنّ بها في المقام محلّ الإشكال، بل الظاهر العدم، فالغرض الاعتماد في الإسناد و الحديث بالمعنى اللغوي.
و يرشد إليه ما في ترجمة حمّاد بن عيسى «1»، و ظريف «2» بن ناصح «3» من أنّه «كان ثقة في حديثه، صدوقا» حيث إنّ الظاهر كون الأمر من باب ذكر المرادفات.
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 142/ 370.
(2). قوله: «و ظريف بن ناصح» بالظاء المعجمة (منه عفي عنه).
(3). رجال النجاشي: 209/ 553؛ خلاصة الأقوال: 91/ 2.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 128
و يظهر الحال بما تقدّم في أصل المقصود، أعني «ثقة».
و كذا ما يقال: «كان ثقة في حديثه مسبكونا إلى روايته» كما في ترجمة رفاعة بن موسى النخّاس «1»، و أحمد بن محمّد بن جعفر «2»، و أحمد بن عبد اللّه بن أحمد «3».
و كذا ما يقال: «كان ثقة في حديثه، متقنا لما يرويه» كما في ترجمة أحمد بن علي بن العباس بن نوح «4».
فلو قال بعض أهل الرجال: «ثقة في الحديث» و قال آخر: «ليس ثقة» فلا تعارض بناء على دلالة «ثقة» على العدالة. لكنّ الحديث من جهة «ثقة في الحديث» إنّما يكون قويّا لو كان الراوي غير إمامي، بناء على دلالة توثيق غير الإمامي على عدالته، و عدم دخول الإماميّة في العدالة، و إلّا فيكون الحديث موثّقا؛ لعدم الفرق قطعا.
و قد ذكرنا بعض الكلام في المقام في الرسالة المعمولة في مفطريّة الغليان.
[في اصطلاح: «ثقة في روايته»]
و بما ذكرنا يظهر الحال في «ثقة في روايته» كما في ترجمة أيّوب بن نوح «5»، و «ثقة في رواياته» كما في ترجمة الحسن بن عليّ بن فضّال «6»، و «ثقة في الروايات» كما في ترجمة هشام بن الحكم «7»، و «ثقة فيما يرويه» كما في ترجمة
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 166/ 438؛ خلاصة الأقوال: 71/ 1.
(2). رجال النجاشي: 84/ 202.
(3). رجال النجاشي: 85/ 205؛ خلاصة الأقوال 17/ 25.
(4). رجال النجاشي: 86/ 209؛ خلاصة الأقوال: 19/ 45.
(5). رجال النجاشي: 102/ 254؛ خلاصة الأقوال: 12/ 1. و فيها: «ثقة في رواياته».
(6). الفهرست: 47/ 163. و فيه: «ثقة في الحديث و في رواياته».
(7). رجال النجاشي: 433/ 1164.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 129
الحسين بن أحمد بن المغيرة «1»، و «ثقة في النقل» كما ذكر «2» في حقّ عمّار الساباطي «3»، و كذا الحال في «صالح الحديث» كما في ترجمة بسّام «4» بن عبد اللّه «5».
و بما ذكرنا يظهر الحال أيضا في «صادق» و «رجل صدق» «6» على سبيل التوصيف أو الإضافة.
لكنّ مقتضى صريح صاحب الحاوي القول بالدلالة على العدالة؛ حيث إنّه استدلّ على عدالة قاسم بن عبد الرحمن بما رواه في أواخر روضة الكافي عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ ابن النعمان، عن القاسم شريك المفضّل: «و كان رجل صدق» «7».
قوله: «رجل صدق» الظاهر- بل بلا إشكال- أنّه على سبيل الإضافة، كما في قوله سبحانه مَقْعَدِ صِدْقٍ «8» و لِسانَ صِدْقٍ «9» و كما يقال: شاهد صدق، و قرين سوء، و ميتة سوء، و نسخة الأصل، و إلّا فلو كان على سبيل التوصيف، لكان اللازم نصب الرجل و الصدق.
و ربّما حمل العبارة على الغلط حسبان كون الأمر من باب التوصيف
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 68/ 165.
(2). قوله: «كما ذكر في حقّ عمّار الساباطي» إنّما قلنا: «في حقّ» دون ترجمة؛ لأنّ الظاهر في الترجمة ما ذكر في الرجال في شرح الحال و ما ذكر إنّما ذكره الشيخ في التهذيب (منه عفي عنه).
(3). التهذيب 7: 101، ذيل ح 435، باب بيع الواحد بالاثنين .... و انظر منتهى المقال 5: 92/ 2139.
(4). قوله: «في ترجمة بسّام بن عبد اللّه» على ما عن أبي حاتم، و عن آخر: أنّه صالح، و عن ثالث: أنّه ثقة. هذا و في ترجمة أحمد بن هلال أنّه صالح يعرف منها و ينكر. هذا و بسّام بفتح الباء الموحّدة و تشديد السين المهملة (منه عفي عنه).
(5). تهذيب الكمال 58/ 664؛ و انظر منتهى المقال 2: 142/ 441.
(6). «صدق» في ترجمة نجيّة بن الحارث: «إنّه صادق» (منه عفي عنه).
(7). حاوي الأقوال 2: 168/ 521. و الرواية في الكافي 8: 374، ح 562.
(8). القمر (54): 55.
(9). مريم (19): 50.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 130
بملاحظة لزوم النصب، و قد اتّفقت تلك العبارة في بعض أخبار نوادر نكاح الكافي المذكور في آخر كتاب النكاح قبل كتاب العقيقة في قصّة زوج أخ القاضي، المعروفة «1».
و قيل: قد جرى أهل العربيّة و العرب على أنّهم إذا نسبوا شيئا إلى الخير و الصلاح أضافوه إلى لفظة «صدق» كما يقال: «رجل صدق» يعني رجلا صالحا، و ليس المراد بالصدق حينئذ ما يقابل الكذب؛ و منه قوله تعالى: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ «2». و ذكر ذلك القاموس «3» و سائر أرباب اللغة.
و بالجملة، مقتضى صريح كلام بعض رجوع الضمير في «كان» إلى القاسم، و احتمل بعض رجوعه إلى مفضّل، و الأوّل أظهر.
و نظير ذلك في التعرّض لحال الراوي في أثناء السند ما عن الصدوق في كمال الدين ممّا هذا لفظه:
حدّثنا الشريف الدّين الصدوق أبو عليّ محمّد بن أحمد بن زيارة بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن علي بن محمّد بن قتيبة «4».
و قد استظهر منه بعض التوثيق لمحمّد بن أحمد، و كذا الحال في بعض الروايات المذكورة في ترجمة يونس بن عبد الرحمن «5».
و كذا الحال في قول النجاشي في ترجمة محمّد بن يوسف الصنعاني: «له
__________________________________________________
(1). الكافي 5: 556، ح 10، باب نوادر.
(2). يونس (10): 93.
(3). القاموس المحيط 3: 261، (صدق).
(4). إكمال الدين: 239، ح 60، الباب الثاني و العشرون. و فيه: «شريف الدين» بدلا عن الشريف الدين، و «زئارة» بدلا عن زيارة.
(5). رجال الكشّي 2: 779- 783/ 910 و 911 و 919 و 929 و 931.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 131
كتاب أخبرنا به محمّد بن عثمان المعدّل» «1».
و بالجملة، قد أجاد من أورد على الاستدلال المذكور بأنّ العبارة المذكورة لا تدلّ على توثيق قاسم بن عبد الرحمن؛ لأنّ الصدق أعمّ من العدالة؛ لجواز أن يكون الرجل صادقا و ليس بعادل.
لكن نقول: إنّ مجرّد الجواز لا يكفي في الإيراد، و لا يتمّ الإيراد إلّا بإضافة عدم ظهور الصدق في العدالة.
[في اصطلاح: «صدوق»]
و بما ذكرنا يظهر الحال أيضا في «صدوق».
لكن مقتضى صريح صاحب الحاوي عند الكلام في يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب «2»، و محمّد بن أحمد بن زيارة بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام «3» القول بالدلالة على العدالة أيضا.
و ليس بالوجه.
[في اصطلاح: «صادق اللهجة» و «أصدق لهجة»]
و كذا الحال في «صادق اللهجة» كما في ترجمة داوود بن أبي زيد «4»، و «أصدق لهجة» كما ذكر في ترجمة حسن بن علي بن فضّال في حقّ محمّد بن عبد اللّه بن زرارة «5».
و ربما قال بعض في الثاني بالدلالة على التوثيق، و منع عنه بعض آخر «6».
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 357/ 956.
(2). حاوي الأقوال 2: 388/ 721.
(3). حاوي الأقوال 2: 172/ 712 مع تفاوت في سلسلة النسب؛ و انظر منتهى المقال 5: 333/ 2464.
(4). الفهرست: 68/ 283؛ رجال الشيخ: 415/ 2؛ خلاصة الأقوال: 68/ 4.
(5). رجال النجاشي: 34/ 72.
(6). انظر الوجيزة: 306/ 1698؛ و روضة المتّقين 14: 216؛ و تعليقة الوحيد البهبهاني: 302.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 132
[في اصطلاح: «يصدق علينا»]
و كذا الحال في «يصدق علينا» كما نقله في الخلاصة في ترجمة عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام «1».
و بعد ما مرّ أقول: إنّه يمكن أن يقال: إنّ الوثاقة في الحديث و إن لم تكن مستلزمة للعدالة و لم تكن ظاهرة في العدالة بنفسها و لا بواسطة الغلبة لكنّ الظاهر من التوصيف بالوثاقة في الحديث و تدوينه في الكتاب كونه بواسطة استئناس العدالة و لو بمذهب الراوي، فالوثاقة في الحديث عنوان للعدالة و رشحة من رشحاتها.
فعلى هذا تثبت العدالة ب «ثقة في الحديث» فضلا عن «ثقة» بناء على عدم دلالته على العدالة. و كذا الحال في «صادق» و «صدوق» و غيرهما ممّا مرّ.
و بوجه آخر: توصيف معلوم الفسق بالوثاقة في الحديث بعيد، و الجهل بالحال من حيث الفسق و العدالة مع الاطّلاع على الوثاقة في الحديث بعيد أيضا.
فالظاهر أنّ التوصيف بالوثاقة في الحديث من جهة الاطّلاع على العدالة.
و بوجه ثالث: الوثاقة في الحديث و إن لم تكن بنفسها و لا بواسطة الغلبة ظاهرة في العدالة لكنّ الظاهر هنا أنّ الوثاقة من جهة العدالة.
ثمّ إنّ الصدق بنفسه خال عن الحسن كالقبح، و لا يقتضي استحقاق المدح، كما لا يقتضي استحقاق الذمّ، و إن كان الكذب قبيحا مقتضيا لاستحقاق الذمّ على ما يظهر في النظر، و إن كان الظاهر انطباق أرباب الفنون على حسن الصدق، كيف! و لو كان غالب محاورات الشخص في اليوم و الليل من باب الصدق لا مجال للقول باستحقاقه المدح الموفور، و لا ملازمة بين قبح الكذب و حسن الصدق من جهة التضادّ، كيف! و التضادّ غاية أمره اقتضاء خلوّ الصدق عن القبح، و لا يستلزم التضادّ اشتمال الصدق على الحسن، كيف! و المباح ضدّ للحرام كما أنّ الواجب ضدّ له. و لا تقتضي مضادّة الوجوب و الحرمة انحصار الضدّ فيها.
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 107/ 25.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 133
نعم، ربّما يكون الصدق في بعض الموارد حسنا لاستحقاق المدح، كما لو كان شاقّا على النفس و موجبا لكسر القوّة الشهويّة أو القوّة الغضبيّة، كما أنّ المواظبة على الصدق حسن و موجب لاستحقاق المدح باعتبار حسن المواظبة على ترك القبيح؛ أعني الكذب و مشقّة المواظبة على ترك الحرام. و إلّا فالمواظبة على المباح لا تخرج عن الإباحة.
و من ذلك مدح إبراهيم و إدريس- على نبيّنا و آله و عليهما السلام- من اللّه سبحانه في كتابه الكريم بالصدّيق «1» بناء على كون المقصود بالصدّيق كثير الصدق، لا كثير التصديق للحقّ من غيوب اللّه سبحانه و آياته و كتبه و رسله.
و قد حرّرنا الكلام في الأصول، و كذا في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمّد بن الحسن.
فقولهم: «ثقة في الحديث» يوجب حسن الحديث أو قوّته لو قلنا: إنّ المدار في الحسن و القوّة على اعتقاد المترجم، لا المجتهد، بناء على خلوّ الصدق عن الحسن. لكن لا يتأتّى اعتبار الخبر نظير ما لو ذكر في ترجمة الراوي «أنّ له كتابا» حيث إنّه يوجب حسن الخبر أو قوّته؛ قضيّة عدم اختصاص المدح الموجب للحسن و القوّة بما يفيد الظنّ بالصدق، لكن لا يتأتّى اعتبار الخبر.
و يمكن أن يقال: إنّ ذكر كون الراوي صادقا في ترجمته يوجب الظنّ بالصدور و إن لم يكن من باب المدح، فيكون الحديث معتبرا و إن لم يتّصف بالحسن و القوّة، لكنّه يوجب مزيد قسم سادس على الأقسام الخمسة المعروفة في هذه الأعصار.
بقي أنّه قد ذكر في ترجمة الضحّاك أبي مالك الحضرمي «أنّه كان متكلّما ثقة ثقة في الحديث» «2». و الثاني إمّا تأكيد أو استئناف، و على التقديرين إمّا أن يكون الأوّل خبرا بعد خبر، أو من باب الاستئناف.
__________________________________________________
(1). وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم (19): 41 و وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم (19): 56.
(2). رجال النجاشي: 205/ 546.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 134
السابع [في اصطلاح: «ثقة في نفسه»]
أنّه ربّما يقال في ترجمة الراوي: «ثقة في نفسه» كما اتّفق في ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس «1». و الظاهر أنّ الغرض الاحتراز عمّن روي عن المذكور بالتوثيق أو روى المذكور بالتوثيق عنه كلّا أو بعضا.
و يرشد إليه قول العلّامة في الخلاصة في الترجمة المذكورة: «لا بأس به بنفسه، و لكن في بعض من يروي عنه» «2».
الثامن [في دلالة «لا أحسبه إلّا ثقة» على التوثيق و عدمه]
أنّه لو قيل: «لا أحسبه إلّا ثقة» فهل هو معتبر و كاف في التوثيق، أم لا؟
تأمّل فيه بعض نقلا بملاحظة أنّ المدار في حجّيّة الظنّ في باب التوثيقات على العلم، و القدر المتيقّن منه ما لو كان التوثيق مبنيّا على العلم، و أمّا لو كان مبنيّا على الظنّ فالإجماع على الحجّيّة غير ثابت «3».
قال العلّامة البهبهاني: «و التأمّل فيه ظاهر» «4».
أقول: إنّ التوثيق بناء على كون المقصود به التعديل بالعدالة المصطلحة- كما
__________________________________________________
(1). التحرير الطاووسي: 22/ 11. و انظر تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 8.
(2). خلاصة الأقوال: 7/ 25. و فيه: «لا بأس في نفسه».
(3). المتأمّل هو الشيخ محمّد، كما حكاه عنه الحائري في منتهى المقال 1: 95.
(4). تعليقة الوحيد البهبهاني: 11؛ و نقله عنه الحائري في منتهى المقال 1: 95.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 135
هو المشهور- فالعلم بالعدالة في كمال الإشكال، سواء كان الغرض العدالة بالملكة أو بالاجتناب. فلو كان المدار في أكثر التوثيقات على الظنّ، فلا فرق بين ما لو كان ظاهر التوثيق الابتناء على العلم، و ما لو كان صريحا في الابتناء على الظنّ، مع أنّ مقتضى سيرة الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير و أضرابه هو كفاية مطلق الظنّ بالوثاقة؛ إذ الظاهر أنّ السيرة المسطورة من جهة قضاء الاستقراء في روايات ابن أبي عمير و أضرابه بعدم الرواية إلّا عن ثقة.
و ليس المتحصّل في الباب إلّا الظنّ، على أنّه لو كان التوثيق مبنيّا على العلم فلا يتحصّل منه أزيد من الظنّ.
و لا فرق بين الظنّ المستند إلى العلم و الظنّ المستند إلى الظنّ، غاية الأمر أنّ الظنّ الأوّل أقوى من الظنّ الثاني، لكن لا اعتداد بهذا المقدار القليل من القوّة، مضافا إلى أنّ الظن بالعدالة يكفي، بناء على دلالة التوثيق على العدالة، كما حرّرناه في محلّه.
التاسع [في «أخبرني فلان الثقة»]
أنّه لو قال الراوي: «أخبرني فلان الثقة» فربّما تردّد بعض في اعتبار التوثيق المستفاد منه.
أقول: إنّه إن كان منشأ التردّد هو كون التوثيق من الراوي، فلا فرق بين الراوي و النجاشي بعد إحراز الراوي شرط اعتبار توثيقه كعدالته، بناء على اعتبار العدالة في اعتبار التوثيق. و لا فرق في ذلك بين كون التزكية من باب الشهادة أو الخبر أو الظنّ الاجتهادي، و إن كان المنشأ هو كون التوثيق المشار إليه من باب التركيب التوصيفي في كلمات أرباب الرجال في باب الكنى و الألقاب أيضا.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 136
نعم، بناء على كون التزكية من باب الشهادة أو الخبر يمكن الإشكال في صدق الشهادة أو الخبر على التركيب التوصيفي، فضلا عن الشمول.
إلّا أنّه يمكن دعوى القطع بعدم الفرق بين التركيب الإسنادي و التركيب التوصيفي.
العاشر [في قول الراوي: «حدّثني الثقة» و «سمعت الثقة»]
أنّه لو قال الراوي: «حدّثني الثقة»- و منه ما رواه في الكافي باب نادر في حال الغيبة- بالإسناد عن أبي إسحاق، قال: «حدّثني الثقة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام أنّهم سمعوا عليه السّلام ...» «1» إلى آخره، و كذا ما رواه في الكافي- في باب شهادة الواحد- بالإسناد عن منصور بن حازم، قال: «حدّثني الثقة عن أبي الحسن عليه السّلام» «2».
و كذا ما رواه الصدوق في إكمال الدين- في باب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السّلام من وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمّة عليهم السّلام- بالإسناد عن هشام بن سالم أبي إسحاق الهمداني قال: «حدّثني ثقة من أصحابنا أنّه سمع أمير المؤمنين عليه السّلام يقول» «3» إلى آخره. و كذا ما رواه في التهذيب في زيادات الطهارة «4»، و في الاستبصار في باب الماء المستعمل، بالإسناد عن ابن مسكان قال: «حدّثني صاحب لي ثقة أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام» «5» إلى آخره. و كذا ما رواه في التهذيب في باب البيّنات من أبواب القضاء «6»، و في الاستبصار في كتاب الشهادات في باب ما يجوز شهادة النساء فيه
__________________________________________________
(1). الكافي 1: 335، ح 3، باب نادر في حال الغيبة.
(2). الكافي 7: 386، ح 6، باب شهادة الواحد و يمين المدّعي.
(3). إكمال الدين: 302، ح 10، الباب السادس و العشرون.
(4). التهذيب 1: 417، ح 1308، باب في زيادات الطهارة.
(5). الاستبصار 1: 28، ح 72، باب الماء المستعمل.
(6). التهذيب 6: 272، ح 738، باب البيّنات.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 137
و ما لا يجوز، بالإسناد عن منصور بن حازم قال: «حدّثني الثقة عن أبي الحسن عليه السّلام» «1»- فالأمر من باب توثيق مجهول العين.
و قد اختلف فيه في الأصول على القول بالاعتبار و عدمه.
و الأظهر القول بالاعتبار، كما يظهر بملاحظة ما حرّرناه في الأصول، و كذا في رسالة تصحيح الغير.
و بما سمعت يظهر الحال فيما لو قال الراوي: «سمعت الثقة» كما في ما رواه الكشّي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن عن القتيبي عن الفضل قال: «سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا عليه السّلام» «2» إلى آخره.
ثمّ إنّ الفرق بين هذا العنوان و العنوان السابق أنّ المذكور هنا مجهول، و في العنوان السابق معلوم معيّن و لا خفاء.
الحادي عشر [في اصطلاح «ثقة عند العامّة» و ...]
أنّه قد يقال: «ثقة» أو «كان ثقة عند العامّة» كما في ترجمة عبد العزيز بن أبي سلمة «3»، و محمّد بن شهاب الزهري «4»؛ أو «ثقة في العامّة» كما في ترجمة معاوية بن عمّار، لكن في حقّ أبيه «5» «6»؛ أو «وثّقه العامّة» كما في ترجمة أبي الأسود
__________________________________________________
(1). الاستبصار 3: 31، ح 106، باب ما يجوز فيه شهادة النساء.
(2). رجال الكشّي 2: 782/ 926.
(3). رجال الشيخ: 239/ 193.
(4). انظر نقد الرجال 4: 230/ 4775؛ و ص 324/ 5077؛ و منتهى المقال 6: 79/ 2676.
(5). رجال النجاشي: 411/ 1096. و فيه: «و كان أبوه ثقة في العامّة وجها».
(6). قوله: «لكن في حقّ أبيه» قال الفاضل التقي المجلسي: يعني يوثّقونه و يعظّمونه، لا أنّه عامّي المذهب (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 138
الدؤلي «1» «2».
أقول: إنّ الظاهر من تقييد التوثيق بالعامّة هو عدم الوثاقة بمعنى ثبوت العدم عند الخاصّة، فلا جدوى فيه؛ لعدم إفادة الظنّ بالوثاقة بمعنى الدلالة و الصدق، بل الظنّ بالعدم.
و أمّا لو كان الأمر من باب عدم ثبوت الوثاقة عند الخاصّة، فلا إشكال لو كان المقصود بالوثاقة الصدق بحصول الظنّ به.
و أمّا لو كان المقصود العدالة، فالأظهر عدم ممانعة عاميّة ظرف ثبوت الوثاقة- بعد إحراز الإماميّة بوجه من الوجوه المتقدّمة- عن ثبوت العدالة في اعتبار الخبر أو اتّصافه بالصحّة، كما ربّما يتراءى بادئ الرأي بملاحظة مخالفة العدالة عند العامّة مع العدالة عند الخاصّة، و كون العدالة المعتبرة في اعتبار الخبر أو اتّصافه بالصحّة هي العدالة عند الخاصّة؛ نظرا إلى ما تقدّم من اتّحاد اصطلاح الخاصّة و العامّة في العدالة، بل قد تقدّم أنّ السبزواري قد ذكر أنّ أخذ الملكة في جنس العدالة من العلّامة من باب المتابعة للرازي و من تبعه من العامّة «3».
نعم، الاختلاف في باب الكبائر من حيث الماهيّة أو من حيث العدد، أو في باب منافيات المروّة من حيث القدح في العدالة، أو في باب كاشف العدالة لا يختصّ بالمقام، بل يطّرد في التوثيق الصادر من الإمامي، فلو فرضنا الاتّحاد في المذهب يتأتّى الظنّ بالعدالة؛ و فيه الكفاية كما يظهر ممّا تقدّم.
__________________________________________________
(1). قوله: «أبي الأسود الدؤلي» بضم الهمزة بعدها مفتوحة و يقال: الديلي بكسر المهملة و سكون المثناة التحتانيّة، و ربّما قيل: الدولي بضم الواو بعد الدال المضمومة. اسمه ظالم بن عمرو، و الفاضل الاسترابادي قد ضبطه على الوجه الأوسط (منه عفي عنه).
(2). انظر نقد الرجال 2: 435/ 2687؛ و ج 5: 120/ 5920؛ و منتهى المقال 7: 111/ 3344.
(3). كفاية الأحكام: 279.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 139
و من قبيل المقام ما ذكره الشهيد في الدراية «1»، و كذا في حاشية الخلاصة نقلا عند ترجمة يحيى بن وثاب «2» من أنّ أصحابنا الذين صنّفوا في الرجال تركوا ذكر الأعمش، و لقد كان حريّا بالذكر لاستقامة فضله، و قد ذكره العامّة في كتبهم و أثنوا عليه، مع اعترافهم بتشيّعه «3».
و مقصوده بالأعمش هو سليمان بن مهران، و قد يطلق الأعمش على إسماعيل بن عبد اللّه «4»، لكن قد تعرّض لحال الأعمش- من قبل الشهيد- الشيخ في الرجال «5» و ابن داوود «6» و من بعده السيّد الداماد «7»، و شيخنا البهائي في حاشية الخلاصة، و العلّامة البهبهاني «8» و الفاضل الخواجوئي «9» على ما حكي عنهم.
قال شيخنا البهائي نقلا: و كان إماميّ المذهب كما هو مذكور في كتب المخالفين، و له مع أبي حنيفة حكاية تدلّ على حسن حاله أوردها الغزالي في الإحياء، و عن ابن حجر: أنّه ثقة حافظ عارف بالقراءات و ورع لكنّه مدلّس «10»، و عن الذهبي أنّه أحد الأعلام «11».
__________________________________________________
(1). الدراية: 65.
(2). قوله: «يحى بن وثّاب» بالثاء المثلثة المشدّدة (منه عفي عنه).
(3). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 86. و انظر تهذيب التهذيب 4: 195/ 386؛ و تهذيب الكمال 12: 87/ 2570.
(4). رجال الشيخ: 215/ 72؛ و 160/ 101. و انظر نقد الرجال للتفرشي 5: 270/ 6376.
(5). رجال الشيخ: 206/ 72.
(6). رجال ابن داوود: 106/ 729.
(7). الرواشح السماوية: 59، الراشحة الحادية عشرة.
(8). تعليقة الوحيد البهبهاني: 404.
(9). الفوائد الرجالية: 309.
(10). انظر لسان الميزان 3: 107/ 353، و ليس فيه ما في المتن.
(11). ميزان الاعتدال 3: 315/ 3520 و فيه: «أحد الأئمّة الثقات». و انظر تذكرة الحفّاظ 1: 154.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 140
الثاني عشر [لفظة «ثقة» من لسان غير الإماميّين]
أنّه على القول بتطرّق الاصطلاح في «ثقة» فهل يختصّ الاصطلاح بكلمات الإماميّين من أهل الرجال، أو يطّرد في كلمات غير الإماميّين كابن عقدة، و ابن فضّال، و ابن حجر، و الذهبي؟
الأظهر الأوّل بل لا إشكال فيه؛ إذ الظاهر أنّ من قال بتطرّق الاصطلاح إنّما قال به في كلمات الإماميّين من أرباب تدوين الرجال، فلا يتعدّى إلى غير الإمامي، و لا سيّما لو كان توثيقه بغير التدوين، كما لو كان في جواب السؤال، لكن يتّجه القول بثبوت العدالة لو قلنا بثبوتها فيما لو قيل: «ثقة عند العامّة» مثلا، كما تقدّم في التذييل السابق.
الثالث عشر [لفظة «ثقة» من لسان الرواة]
أنّه بناء على ثبوت الاصطلاح في «ثقة» في الكلمات المدوّنة من أرباب الرجال لا ينبغي الإشكال في كونها في لسان الرواة و أمثالهم «1» مستعملة في المعنى اللغوي، ف «ثقة» في السؤال عن الوثاقة في كلام حمدويه في باب سليمان بن خالد «2»- كما تقدّم- و في كلام الكشّي في باب هشام المشرقي «3»، و في كلام
__________________________________________________
(1). في ترجمة أبي حمزة الثمالي روى الكشّي بسنده عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الثقة يقول:
سمعت الرضا عليه السّلام يقول: «إنّه في زمانه كلقمان في زمانه». و قال الكشّى في ترجمة عبد اللّه بن محمّد بن خالد الطيالسي فقال: ما علمته إلّا ثقة خيرا (منه عفي عنه).
(2). رجال الكشّي 2: 664/ 664.
(3). رجال الكشّي 2: 789، ذيل الرقم 955.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 141
ابن مسعود في باب سالم بن مكرم «1» محمولة على المعنى اللغوي.
و كذا الحال في الجواب ب «كما يكون الثقة» من أيّوب بن نوح في الجواب عن الأوّل «2»، و «ثقة» من حمدويه في الجواب عن الثاني «3».
و على هذا المنوال الحال في «ثقاتنا» في كلام عليّ بن إبراهيم بن هاشم حيث إنّه قال في أوائل تفسيره: «و نحن ذاكرون و مخبرون بما ينتهى إلينا و رواه مشايخنا و ثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم و أوجب ولايتهم» «4» فلا دلالة فيه على عدالة الرواة الذين رووا عنهم، فلا دلالة فيه على عدالة والده إبراهيم بملاحظة كونه ممّن روى عنه بل أكثر الرواية عنه، كما ربّما استدلّ به على عدالته مضافا إلى روايته كثيرا عن المجهول و المصرّح بالضعف.
لكن يمكن أن يقال: إنّ الجواب ب «ثقة» يمكن استفادة العدالة من (باب عموم حذف المتعلّق بناء على استفادة العدالة من) «5» «ثقة» في كلمات أرباب الرجال بناء على كونه مستعملا في المعنى اللغوي.
إلّا أن يقال: إنّه لو كان السؤال عن الوثاقة في النقل، فينصرف إطلاق الجواب إليه، و لا يتأتّى عموم المتعلّق المحذوف لو ادّعي «6» في كلمات أرباب الرجال.
إلّا أن يذبّ بما ذكرناه بالأخرة في دلالة التوصيف بالوثاقة في الحديث على العدالة، أنّ الظاهر أنّ التوصيف بالوثاقة في الحديث بواسطة استئناس العدالة و لو بمذهب الراوي.
إلّا أن يقال: إنّ العمدة في الوجه المشار إليه حكاية تدوين التوصيف بالوثاقة
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 2: 641/ 661.
(2). رجال الكشّي 2: 664/ 664.
(3). رجال الكشّي 2: 789، ذيل الرقم 955.
(4). تفسير القمّي 1: 4.
(5). ما بين القوسين ليس في «د».
(6). في «د»: زيادة: «في ثقة».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 142
في الحديث في الكتاب، و إلّا فمجرّد التوصيف بالوثاقة في الحديث لا يكون الظاهر كونه بواسطة استئناس العدالة. و يظهر الأمر مزيد الظهور بما مرّ في التذييل السادس.
لكن نقول: إنّ مقتضى بعض المشارب المتقدّمة في استفادة العدالة من «ثقة» في كلمات أرباب الرجال- كدعوى أنّ الظاهر من كون الرجل ثقة و إن كان المقصود بالثقة هو المعنى اللغوي- هو كونه حاويا لأعلى مراتب العدالة، و لا أقلّ ممّا جاء في صحيحة ابن أبي يعفور «1» اطّراد استفادة العدالة في المقام، بل هذا الوجه يجري في «ثقاتنا» في كلام عليّ بن إبراهيم، لكن لا يجري فيه عموم المتعلّق المحذوف لكونه واردا مورد الإجمال؛ إذ ليس الغرض فيه إحراز مرتبة وثاقة الثقة و تشخيصها على التفصيل، فعدم ظهور الخاصّ لا يوجب ظهور إضمار العامّ.
و بما سمعت يظهر الحال في توثيق شيخنا المفيد في الإرشاد «2» و قد تقدّم بعض الكلام في بداءة الرسالة.
الرابع عشر [في توثيق غير الإمامي للإمامي]
أنّه كثيرا مّا يقع «ثقة» في كلام غير الإمامي توثيقا للإمامي أو غيره، فهل التوثيق المزبور معتبر، أو لا؟
و من توثيق غير الإمامي للإمامي: توثيق عليّ بن الحسن بن فضّال لمحمّد بن
__________________________________________________
(1). الفقيه 3: 24، ح 65، باب العدالة؛ وسائل الشيعة 18: 288 كتاب الشهادات، ب 41، ح 1.
(2). الإرشاد: 270- 271.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 143
إسماعيل بن بزيع «1» و مسمع «2»، و توثيق الحسن بن عليّ بن فضّال «3» لداود بن فرقد «4»، و إسماعيل بن فضل «5»، و عجلان «6»، «7» و مروك «8» بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة «9»، و جميل «10» بن درّاج «11».
و كذا توثيق ابن نمير لخالد بن عبد الرحمن «12»، و حميد بن حمّاد، و حرث «13» بن غصيني «14» «15».
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 330/ 893.
(2). رجال الكشّي 2: 598/ 560.
(3). قوله: «الحسن بن عليّ بن فضّال» هذا مبنيّ على حمل عليّ بن الحسن عن السؤال عليّ بن فضّال، و قد تقدّم شرح الحال (منه عفي عنه).
(4). انظر خلاصة الأقوال: 68/ 2.
(5). رجال الكشّي 2: 482/ 393.
(6). رجال الكشّي 2: 685/ 722.
(7). قوله: «و عجلان» بفتح العين المهملة و سكون الجيم (منه عفي عنه).
(8). قوله: «و مروك» بفتح الميم و سكون الراء المهملة و فتح الواو و الكاف (منه عفي عنه).
(9). رجال الكشّي 2: 835، ح 1063.
(10). رجال النجاشي: 126/ 328.
(11). قوله: «و جميل بن درّاج» بضمّ الدال المهملة و تشديد الراء المهملة أيضا كما ذكره في التوضيح، و ذكره الوالد الماجد في بعض فوائده، و هو المحكيّ عن الفاضل الخليل في شرح الكافي في باب الستر منه، و هو المناسب مع المنقول عنه أو الظاهر أنّ المنقول عنه أو الظاهر هو الظاهر. قال في القاموس:
و درّاج ك «شدّاد»: النمّام، و القنفذ، و موضع، ك «رمّان»: طائر. لكن في الإيضاح في ترجمة أيّوب بن نوح الضبط بفتح الدال (منه عفي عنه).
(12). نقله العلّامة في خلاصة الأقوال: 66/ 11.
(13). خلاصة الأقوال: 59/ 3.
(14). قوله: «غصيني» بضم الغين المعجمة و فتح الصاد المهملة. (منه عفي عنه).
(15). نقله العلّامة في خلاصة الأقوال: 55/ 13.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 144
و كذا توثيق ابن عقدة للحسن و الحسين بني علوان «1»، و الحكم بن حكيم «2» بناء على كون المقصود بأبي العبّاس في كلام النجاشي هو ابن عقدة لا ابن نوح، و يأتي الكلام فيه.
و كذا توثيق ابن حجر لإسماعيل بن أبان «3» و حبيش «4»، و كذا توثيق الذهبي لأنس بن عيّاض «5».
و من توثيق غير الإمامي لغير الإمامي: توثيق ابن حجر لابن نمير «6» و ابنه «7».
قال الفاضل الاسترابادي في باب الكنى: «و إنّما ذكرتهما لأنّ العلّامة في مواضع يروي عن ابن عقدة عنهما التوثيق و غيره فينبغي معرفتهما» «8».
و بالجملة، فمقتضى طائفة من الكلمات عدم اعتبار توثيق غير الإمامي، كما عن الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة عند الكلام في إبراهيم بن عمر من أنّ «ابن عقدة زيديّ المذهب لا يعتمد على توثيقه» «9» و ما ذكره صاحب التوضيح «10» في حاشية التوضيح عند الكلام في حميد بن حمّاد من أنّه «روى ابن عقدة أنّه ثقة»
__________________________________________________
(1). نقله العلّامة في خلاصة الأقوال: 216/ 6.
(2). رجال النجاشي: 137/ 353؛ خلاصة الأقوال: 60/ 2.
(3). تقريب التهذيب 1: 89/ 411.
(4). تقريب التهذيب 1: 187/ 1120. و انظر منتهى المقال 2: 332/ 671.
(5). تذكرة الحفّاظ 1: 323.
(6). تقريب التهذيب 1: 542/ 3679. و اسمه «عبد اللّه بن نمير».
(7). تقريب التهذيب 2: 100/ 6073. و اسمه «محمّد بن عبد اللّه بن نمير».
(8). منهج المقال: 398.
(9). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 7.
(10). نقله عن ابن عقدة في خلاصة الأقوال: 59/ 3 و لعلّ المراد من التوضيح هو كتاب توضيح المقال، و هو الرجال الصغير للميرزا محمد الاسترابادي، كما ذكر في كشف الحجب، و الوسيط يسمّى تلخيص المقال، و الكبير يسمّى منهج المقال. انظر الذريعة 4: 498.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 145
و هو لا يقتضي التوثيق كما لا يخفى.
و ربّما يظهر من العلّامة في المختلف في بحث مسّ خطّ المصحف- على ما عن شيخنا البهائي في حاشية الخلاصة- القول بالاعتبار «1»، و هو مقتضى ما عن شيخنا البهائي في حاشية الخلاصة القول بالاعتبار، و هو مقتضى ما عن شيخنا البهائي في حاشية المشرق في باب حكم بن حكيم من:
أنّ ابن عقدة و إن كان زيديّا إلّا أنّه ثقة مأمون، و تعديل غير الإماميّ إذا كان ثقة لمن هو إماميّ حقيق بالاعتبار و الاعتماد، فإنّ الفضل ما شهدت به الأعداء. نعم، جرح غير الإمامي لا عبرة به و إن كان الجارح ثقة «2».
لكن ربّما يظهر منه بملاحظة التعليل «بأنّ الفضل ما شهدت به الأعداء» عدم اختصاص الاعتبار بما لو كان التوثيق للإماميّ.
أقول: إنّه يتأتّى الكلام في المقام تارة من جهة الناقل، و أخرى من جهة المنقول.
أمّا الأوّل: فالحقّ عدم ممانعة سوء المذهب عن قبول التوثيق بعد إفادة الظنّ؛ لكفاية الظنّ في توثيقات أرباب الرجال و كفاية الظنّ بالعدالة، بل بناء على اعتبار خبر الموثّق على القول بالظنون الخاصّة أو اعتبار حجّيّة مطلق الظنّ، إلّا أن يقال:
إنّ الخبر في المقام يتعلّق بالموضوع؛ لكون الوثاقة من باب الموضوع و لو بناء على كونها بمعنى العدالة و كون العدالة من باب الحكم الوضعي، كما احتملناه في الأصول لكون الحكم الوضعي من حيث الوجود كتطرّق النجاسة من باب الموضوع كما هو الحال في الحكم التكليفي من حيث الوجود، لكنّ الأظهر أنّ الحكم من حيث الوجود تكليفيّا كان أو وضعيّا في حكم الموضوع لا من جنس الموضوع.
__________________________________________________
(1). مختلف الشيعة 1: 139.
(2). مشرق الشمسين: 68.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 146
لكن نقول: إنّ الإخبار في الأخبار الشرعيّة يتعلّق بالموضوع أيضا؛ لتعلّق الأخبار بالإخبار عن المعصوم بلا واسطة أو مع الواسطة أو بنفس تلفّظ المعصوم، و الإخبار المشار إليه حجّة، غاية الأمر إفادة الإخبار في باب الأخبار المشار إليها للحكم دون غيرها، و هو لا يوجب الفرق.
و أمّا الثاني فنقول: إنّه إن كان الموثق من غير العامّة كما لو كان زيديّا أو واقفيّا، فلا جدوى في توثيقه في صحّة الخبر أو العمل به بناء على اعتبار العدالة؛ لعدم ثبوت حال العدالة عنده، بناء على اطّراد الاصطلاح في كلمات غير الإماميّين من أرباب الرجال كما هو الأظهر كما مرّ.
و أمّا لو كان الموثّق من العامّة فقد تقدّم أنّ اصطلاحهم في العدالة متّحد مع اصطلاح الخاصّة فيها، إلّا أنّ الاختلاف في المذهب في خصوصيّات العدالة لا يمانع عن قبول التوثيق، إلّا أنّه يطّرد في توثيقات غير الإماميّ.
هذا كلّه على تقدير اطّراد الاصطلاح في «ثقة» في كلمات غير الإماميّين من أهل الرجال، و أمّا على تقدير عدم اطّراد الاصطلاح فعلى القول بعدم انفكاك الاعتماد اللغوي عن العدالة أو ظهوره فيها يتأتّى الاستناد إلى توثيق غير الإماميّ، سواء كان من العامّة أو من غيرهم. و أمّا لو قيل بالانفكاك، فغاية الأمر المدح، و يبتنى قبوله على كفاية الظنّ في الرجال.
هذا كلّه لو كان التوثيق في الكلمات، و إلّا فلو كان في جواب السؤال من الرواة، فلا مجال للقول باطّراد الاصطلاح في محاوراتهم، و تتأتّى الدلالة على العدالة بناء على استلزام الاعتماد للعدالة أو ظهوره فيها، و إلّا فالمرجع إلى المدح، و يبتنى قبوله على كفاية الظنّ في الرجال كما سمعت.
هذا كلّه في توثيق غير الإماميّ للإماميّ.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 147
[توثيق غير الإمامي لغير الإمامي]
و أمّا توثيق غير الإمامي لغير الإمامي فلا إشكال في كفايته على القول بحجّيّة خبر الموثّق بناء على كون المدار في الموثّق على مجرّد ذكر التوثيق؛ قضيّة عدم تطرّق العدالة مع سوء المذهب. و أمّا بناء على كون المدار في الموثّق على العدالة بناء على تطرّق العدالة مع سوء المذهب، فكما يكفي توثيق الإمامي للإمامي فكذا يكفي توثيق غير الإمامي لغير الإمامي، و لا إشكال في كفايته. و أمّا على القول بعدم حجّيّة خبر الموثّق فلا حاجة إلى الكلام في المقام.
الخامس عشر [تردّد التوثيق بين عوده إلى صاحب الترجمة أو إلى غيره]
أنّه ربّما ذكر التوثيق في الترجمة، لكن يتردّد التوثيق بين عوده إلى صاحب الترجمة المذكورة بالأصالة، و عوده إلى غيره المذكور بالتبع.
و من هذا الباب قول النجاشيّ في ترجمة الحسن بن علي بن نعمان الأعلم:
«ثقة له كتاب نوادر، صحيح الحديث، كثير الفوائد» «1» حيث إنّ قوله: «ثقة» يحتمل عوده إلى حسن، و يحتمل عوده إلى أبيه.
و قد جرى الفاضل الاسترابادي على العود إلى حسن «2»؛ نظرا إلى سوق العبارة؛ لأنّ الكلام في حسن، لا أبيه.
و جنح إليه المحدّث الجزائري في شرح التهذيب قال: كما يعلم من تتبّع كتاب النجاشي و ذلك أنّه وثّق الأب في الإبن في بابه و من عادته أنّه إذا وثّق الأب من الابن يكون التوثيق راجعا إلى الابن.
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 40/ 81.
(2). منهج المقال: 105.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 148
و عن الفاضل العناية القول به نظرا إلى أنّ النجاشي لا يذكر التوثيق لرجل مرّتين، سواء ذكر فيه بالأصالة أو بالتبع، كما في محمّد بن عطيّة الموثّق في أخيه حسن لا في ترجمته «1»، و أنّ التأسيس خير من التأكيد، و لا سيّما في كلام النجاشيّ، فإنّه في نهاية الوجازة و البلاغة كما لا يخفى على المتتبّع، و أنّ المقصود بالذكر هو حسن؛ فمقتضاه عود التوثيق إليه.
و هو مقتضى ما عن شيخنا البهائي في مشرق الشمسين «2»، و صاحب المعالم في المنتقى من تصحيح حديث الحسن.
و جنح السيد السند التفرشي «3» و السيد السند النجفي في المصابيح إلى العود إلى عليّ، نظرا إلى أنّ ما ذكره النجاشي في ترجمة عليّ بن النعمان- حيث قال:
«عليّ بن النعمان الأعلم، و أخوه داوود أعلى منه، و ابنه الحسن بن علي و ابنه أحمد رويا الحديث، و كان عليّ ثقة وجها ثبتا صحيحا، له كتاب» «4»- قرينة على العود إلى عليّ.
و حكى الفاضل الاسترابادي في الوسيط «5» عن العلّامة في المنتهى و المختلف:
عدّ حديث الحسن من الحسن اقتصارا على القدر المتيقّن.
و الظاهر أنّ الغرض أنّ العلّامة في الكتابين جرى على اشتباه الحال، و لهذا جرى على حسن حديث الحسن؛ لكونه هو القدر المتيقّن بملاحظة قوله: «له كتاب نوادر صحيح». و حكى عن بعض التوقّف.
و كذا قول الشيخ في الرجال «6»، و العلّامة في الخلاصة في ترجمة محمّد بن
__________________________________________________
(1). مجمع الرجال 2: 120.
(2). مشرق الشمسين: 97.
(3). نقد الرجال 2: 50/ 1336.
(4). رجال النجاشي: 274/ 719.
(5). الوسيط للاسترابادي (مخطوط).
(6). رجال الشيخ: 289/ 146.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 149
سالم بن شريح: «و يقال له: سالم الحذّاء، و سالم الأشجع، و سالم بن أبي واصل، و سالم بن شريح بالشّين المعجمة و هو ثقة» «1».
و ربّما جرى العلّامة على عود التوثيق في كلام الشيخ إلى محمد، قضيّة ذكره في القسم الأوّل، لكن قد احتمل المحقّق الشيخ محمّد العود إلى سالم، قال: «بل ربّما يدّعى مساواته لاحتمال العود إلى محمّد، بل ربّما يظهر العود إلى سالم».
هذا، و قد ذكر السيّد السند الماجد في بعض حواشي الحبل المتين: أنّ الحسين بن الحسن بن أبان ذكره الشيخ في ترجمة محمّد بن أورمة، فقال: يروي عنه الحسين بن الحسن بن أبان و هو ثقة «2». و احتمال عود الضمير إلى محمّد بعيد جدّا، و توثيق الرجل في غير بابه كثير في كلامهم.
أقول: إنّ العبارة المذكورة عبارة الشيخ في الرجال ما نقل، و إلّا فعبارة الفهرست «3» خالية عن العبارة المذكورة رأسا، و ليس فيما نقل عن الرجال قوله:
«و هو ثقة».
نعم، قال ابن داوود في ترجمة محمّد بن اورمة: «لم [جخ] ضعيف روى عنه الحسين بن الحسن بن أبان و هو ثقة». لكن على هذا يتعيّن عود التوثيق إلى الحسن؛ لفرض تضعيف محمّد.
لكنّ الظاهر أنّ نسخة السيّد المشار إليه من ابن داوود، و ليس بشيء.
و اورمة بإسكان الواو بين الهمزة و الراء المضمومتين قبل الميم، على ما ذكره السيّد الداماد، و حكى عن العلّامة في الخلاصة أنّه قد تقدّم الراء على الواو، فتوهّم من ذلك غير المتمهّر أنّ محمّد بن ارومة بتقديم الراء، و هو خبط فظيع «4».
و مقصوده بغير المتمهّر هو الفاضل الاسترابادي؛ حيث إنّه قد طرح الاتّحاد
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 138/ 7.
(2). رجال الشيخ: 392/ 75؛ و 512/ 112.
(3). انظر الفهرست: 143/ 619.
(4). الرواشح السماوية: 108، الراشحة الرابعة و الثلاثون.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 150
بين محمّد بن اورمة و محمّد بن ارومة «1».
فالمرجع إلى ثبوت اسمين لشخص واحد، كما أنّ المرجع فيما ذكره السيّد الداماد إلى ثبوت اسمين لشخصين، و مستند السيّد الداماد على التعدّد بقدر العنوان في كلام الشيخ في الرجال حيث إنّه قد عنون محمّد بن اورمة في باب «من لم يرو» «2»، و ذكره في الفهرست و قال: «له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد» «3» و عنون محمّد بن ارومة في باب أصحاب الرضا «4» عليه السّلام. لكن تعدّد العنوان على الوجه المذكور بل مطلقا مع الاتّحاد غير عزيز في رجال الشيخ.
و تفصيل الحال فيه موكول إلى الرسالة المعمولة في حال النجاشي و غيرها.
و ربّما حكى السيّد الداماد أنّ المذكور في أصحاب الرضا عليه السّلام على ما كان يحضره من نسخ كتاب الرجال «محمّد بن اروية» لا اورمة، و لا ارومة «5».
و من قبيل ذلك قول النجاشي و العلّامة في الخلاصة في ترجمة محمّد بن عبد الحميد بن سالم: «روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام و كان ثقة» «6».
و قد بنى الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة على عود التوثيق إلى عبد الحميد «7».
و عنه في بعض تعليقات رجال ابن داوود ما يستفاد منه عود التوثيق إلى محمّد «8»، و عليه جرى المدقّق الشيرواني في فروعه.
و حكم سبطه بأنّ عود التوثيق إلى عبد الحميد لا يخلو عن بعد؛ لأنّ العنوان
__________________________________________________
(1). منهج المقال: 284.
(2). رجال الشيخ: 512/ 112.
(3). الفهرست: 143/ 620.
(4). رجال الشيخ: 392/ 75.
(5). الرواشح السماوية: 108، الراشحة الرابعة و الثلاثون.
(6). رجال النجاشي: 339/ 906؛ خلاصة الأقوال: 154/ 84.
(7). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 73. قال: «هذه عبارة النجاشي، و ظاهرها أنّ الموثّق الأب لا الابن».
(8). انظر رجال ابن داوود: 177/ 1439، و 177/ 1441.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 151
لمحمّد، و ذكر الأب لعارض، فمن المستبعد توثيق الأب، قال: «إلّا أنّ الأمر لا يخلو عن اشتباه» «1».
قوله: «فمن المستبعد توثيق الأب» قال السيّد السند النجفي- كما يأتي-:
«و هو غريب من مثله، فإنّ مثل ذلك كثير في كلام النجاشي، كما يظهر بأدنى إلمام بكتابه» «2».
و عن شيخنا البهائي في حاشية الخلاصة: الحكم بالإجمال؛ تعليلا بأنّ اسم «كان» يمكن عوده إلى كلّ من الأب و الابن.
و حكم المولى التقي المجلسي بأنّ العبارة محتملة لتوثيق الأب و الابن قال:
«و إن كان في الابن أظهر» «3».
و كذا قول النجاشيّ: «محمّد بن إسماعيل بن بزيع، أبو جعفر مولى المنصور أبي جعفر، و ولد بزيع بيت منهم حمزة بن بزيع، كان من صالحي هذه الطائفة و ثقاتهم كثير العمل، له كتب» «4» و عن بعض النسخ الواو قبل «كان».
فمقتضى ما عن ابن داوود من ذكر ذيل العبارة- أعني قوله: «كان» إلى آخره «5»- في شأن محمّد بن إسماعيل بن بزيع: رجوع الضمير في «كان» إلى محمّد بن إسماعيل، و عود التوثيق إليه.
و جرى على ذلك شيخنا البهائي أيضا في مشرقه حاكيا عن حواشيه على الخلاصة، و كذا العلّامة البهبهاني «6».
__________________________________________________
(1). انظر منتهى المقال 6: 87/ 2691.
(2). رجال السيّد بحر العلوم 3: 288.
(3). روضة المتّقين 14: 377.
(4). رجال النجاشي: 330/ 893.
(5). رجال ابن داوود: 165/ 1314.
(6). تعليقة البهبهاني على خلاصة الأقوال: 126.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 152
و مقتضى ما صنعه العلّامة حيث ذكر قوله: «كان» إلى آخره، في شأن حمزة «1» هو رجوع الضمير إلى حمزة و عدد التوثيق إليه. و عدّه في فواتح المنتقى ممّا وقع للمتأخّرين من الأوهام في باب التزكية من جهة قلّة التأمّل و خفّة المراجعة؛ اعتمادا في التأليف على طريقة الإكثار، مع مباينته في الغالب لتدقيق النظر و تحرير الاعتبار «2».
و حكم الفاضل الاسترابادي بكونه اشتباها «3».
و ظاهر المحقّق القمّي في القوانين في بحث تعارض الجرح و التعديل- بل جماعة من المحقّقين على ما نقله-: كون الرجوع إلى حمزة من باب التوهّم «4».
و ظاهر السيّد السند التفرشي التوقّف «5».
و كذا قول الشيخ في الرجال في ترجمة حمّاد بن ضمخة «6»: «و روى عنه وهيب بن حفص، و كان ثقة» «7».
و قد احتمل الفاضل الاسترابادي رجوع التوثيق إلى وهيب «8».
و الظاهر أنّ أرباب العود إلى المذكور بالتبع لا ينكرون عود ما تأخّر عن التوثيق إلى صاحب الترجمة.
و نظير ذلك أنّه قال النجاشي- على ما نقله الشيخ عبد النبي-: «جعفر بن
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 54/ 5.
(2). منتقى الجمان 1: 16.
(3). منهج المقال: 283.
(4). القوانين المحكمة: 475.
(5). نقد الرجال 2: 163/ 1693.
(6). قوله: «ضمخة» بالضاد المعجمة المفتوحة و الخاء المعجمة بعد الميم كما عن خلاصة الأقوال، و سكون الميم و الحاء المهملة كما عن ابن داوود عن خطّ الشيخ. (منه عفي عنه).
(7). رجال الشيخ: 174/ 149.
(8). منهج المقال: 122.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 153
يحيى بن العلاء أبو محمّد الرازي ثقة و أبوه أيضا، روى أبوه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام» «1» و قال في الخلاصة: «روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام» «2».
و ذكر الفاضل الشيخ عبد النبي أنّه يفهم من عبارة الخلاصة أنّ جعفرا روى عن الصادق عليه السّلام و لم أظفر به في رجال الصادق عليه السّلام «3».
و قال المحقّق الشيخ محمّد: الذي رأيته في نسخة النجاشي هذه صورته:
جعفر بن يحيى بن العلاء أبو جعفر الرازي ثقة و أبوه أيضا، روى أبوه عن أبي عبد اللّه، و فيها إبهام.
و أيضا قال النجاشي في ترجمة الحسن بن أبي قتادة: «و روى أبو قتادة عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام له كتاب نوادر» «4».
و تردّد بعض في رجوع الضمير المجرور إلى حسن، و رجوعه إلى أبي قتادة «5».
و أيضا قال النجاشي: «الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي ثقة و أبوه روى عن الباقر و الصادق، و هو يروي كتاب أبيه عنه «6».
و قد جرى العلّامة و ابن داوود- نقلا- على رجوع ضمير «روى» إلى الحسن «7» بكون الغرض من قوله: «و أبوه» المشاركة في الوثاقة.
و جرى المولى التقي المجلسي الرجوع إلى الأب بكون قوله: «و أبوه» مبتدأ،
__________________________________________________
(1). حاوي الأقوال 1: 247/ 133؛ رجال النجاشي: 126/ 327.
(2). خلاصة الأقوال: 33/ 22.
(3). حاوي الأقوال 1: 247/ 133.
(4). رجال النجاشي: 37/ 74.
(5). نقله عن البعض في منتهى المقال 2: 358/ 698.
(6). رجال النجاشي: 49/ 106.
(7). خلاصة الأقوال: 43/ 29؛ رجال ابن داود: 75/ 436، و انظر 135/ 1016.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 154
و قوله: «روى» خبرا له «1».
و أيضا قال الشيخ في الفهرست في ترجمة محمّد بن جعفر بن عون الأسدي:
«و كان أبوه وجها، روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى» «2».
و قيل: إنّ الضمير في «عنه» راجع إلى «أبوه»، لا إلى محمّد.
و أيضا قال النجاشي: «جميل بن درّاج، و درّاج يكنّى بأبي الصبيح، و أخوه نوح بن درّاج القاضي، كان أيضا من أصحابنا. و كان يخفي أمره، و كان أكبر من نوح، و عمي في آخر عمره، و مات في أيّام الرّضا عليه السّلام» «3».
و قد جرى العلّامة في الخلاصة على كون الضمير في قوله: «مات» إلى «درّاج» حيث قال: «و مات درّاج في زمان الرّضا عليه السّلام» «4»
اللهمّ إلّا أن يكون «جميل» سقط سهوا، كما ربّما احتمل «5».
و قد استظهر المحقّق الشيخ محمّد عوده إلى جميل، و جنح إليه بعض آخر، و احتمل العود إلى نوح، و جعل احتمال العود إلى درّاج غير واضح.
لكنّك خبير بظهور فساد العود إلى «درّاج» لتخلّل قوله: «و كان أكبر من نوح» للزوم عوده إلى «جميل» لكون نوح ابن درّاج، و لا مجال لإظهار أكبريّة درّاج من نوح؛ للزوم أكبريّة الولد من الوالد، و الظاهر رجوع الضمير في قوله: «عمي» و قوله: «مات» إلى ما يرجع إليه الضمير في «كان».
و أيضا قال النجاشي في ترجمة سعد بن عبد اللّه: «و كان أبوه عبد اللّه بن أبي خلف قليل الحديث، روى عن الحكم بن مسكين، و روى عنه أحمد بن
__________________________________________________
(1). روضة المتّقين 14: 353.
(2). الفهرست 151/ 656؛ و انظر رجال النجاشي: 373/ 1020.
(3). رجال النجاشي: 126/ 328.
(4). خلاصة الأقوال: 34/ 1.
(5). انظر منتهى المقال 2: 290/ 614.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 155
محمّد بن عيسى، و صنّف سعد كتبا كثيرة» «1». حيث إنّه يحتمل رجوع الضمير المرفوع في «روى» و رجوع الضمير المجرور في «روى عنه» إلى سعد و أبيه.
و يؤيّد الثاني قوله: «صنّف سعد» للزوم الإظهار بعد الإضمار بناء على الأوّل.
بل رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن سعد لا يناسبها الطبقة؛ لرواية الكليني عن سعد بلا واسطة، و عن أحمد بن محمّد بن عيسى مع الواسطة، و رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن سعد كما يظهر بملاحظة الأسانيد، و كذا ملاحظة ترجمة أحمد بن محمّد بن عيسى في كلام النجاشي «2».
و أيضا قال النجاشي في ترجمة سهيل بن زياد الواسطي: «أمّه بنت محمّد بن نعمان بن جعفر الأحول مؤمن الطاق، شيخنا المتكلّم» «3».
و قد جرى العلّامة في الخلاصة على عود «شيخنا المتكلّم» إلى سهيل «4»، بل عليه جرى العلّامة البهباني «5». و جرى المحقّق الشيخ محمّد على عوده إلى مؤمن الطاق؛ فالشيخ المتكلّم هو محمّد بن النعمان، و هو مقتضى ما صنعه ابن داوود، و كذا الشيخ عبد النبي حيث جعلا سهيل من الضعفاء «6»؛ إذ في قوله: «شيخنا المتكلّم» مدح بليغ. إلّا أن يقال: إنّ المدح بمثل ذلك لا يوجب اعتبار الشخص، و لا يوجب حسن الحديث؛ لعدم إفادته الظنّ بالصدق.
و يرشد إليه أنّ العلّامة أرجعه إلى سهيل، و مع هذا ذكره في عداد الضعفاء «7».
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 177/ 467.
(2). رجال النجاشي: 81/ 189.
(3). رجال النجاشي: 192/ 513؛ و انظر منتهى المقال 3: 431/ 1410.
(4). خلاصة الأقوال: 229/ 3.
(5). تعليقة الوحيد البهبهاني: 178.
(6). رجال ابن داوود: 249/ 230؛ حاوي الأقوال 4: 505/ 1625.
(7). خلاصة الأقوال: 229/ 3.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 156
لكنّك خبير بأنّ المدح الغير المفيد للظنّ بالصدور يوجب حسن الحديث و إن لم يوجب اعتباره.
هذا، و ابن جعفر الأحول كما فيه سمعت من عبارة النجاشي إنّما هو في بعض نسخ كتاب النجاشي و نقله الفاضل الاسترابادي و السيّد السند التفرشي «1» عن النجاشي، لكنّ الظاهر أنّه غلط، و الصواب ابن أبي جعفر؛ لأنّ النجاشي و كذا الشيخ في الفهرست- كما عن الرجال- في ترجمة محمّد بن النعمان جعلاه هو أبا جعفر الأحول «2». و ربّما ضرب في بعض نسخ النجاشي على الابن و كتب «أبو» و هو غلط أيضا؛ لأنّه يقتضي كون سهيل هو أبا جعفر الأحول، و يظهر فساده بما سمعت.
و أيضا قال النجاشي في ترجمة جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه: «و كان أبوه يلقّب مسلمة من خيار أصحاب سعد» «3».
و قد جرى السيّد السند التفرشي على عود قوله: «من خيار أصحاب سعد» إلى محمّد؛ حيث إنّه في ترجمة محمّد بن جعفر حكى عن النجاشي: أنّه ذكر كونه من خيار أصحاب سعد، ثمّ حكى وثاقة أكثر أصحاب سعد فقال: «و كان قول النجاشي: من خيار أصحاب سعد، يدلّ على توثيقه» «4».
و أيضا قال النجاشي في ترجمة عليّ بن أبي حمزة: «و له أخ يسمّى جعفر بن أبي حمزة، روى عن أبي الحسن موسى عليه السّلام و روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ثمّ وقف» «5».
و قد جرى بعض على رجوع الرواية عن أبي الحسن إلى جعفر بن أبي حمزة، نظير عود التوثيق في أصل العنوان المبحوث عنه في المقام
__________________________________________________
(1). منهج المقال: 177؛ نقد الرجال 2/ 386/ 2495.
(2). الفهرست: 80/ 341.
(3). رجال النجاشي: 123/ 318.
(4). نقد الرجال 4: 305/ 5017.
(5). رجال النجاشي: 249/ 656.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 157
إلى المذكور، و عود الكلام المتأخّر عن التوثيق إلى صاحب الترجمة.
و قد سمعت أنّ الظاهر أنّ أحدا من أرباب عود التوثيق إلى المذكور بالتبع لا ينكر عود الكلام المتأخّر عن التوثيق إلى صاحب الترجمة؛ و كذلك أورد البعض المذكور بخروج الوقف عن المصطلح؛ لكونه مصطلحا في الوقف على الكاظم عليه السّلام «1». و جرى بعض آخر على عود الرواية عن أبي الحسن عليه السّلام إلى عليّ بن أبي حمزة، كالرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و استراح عن المحذور المذكور.
و أيضا قال النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل:
«و جدّه عمر بن يزيد بيّاع السابري روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام» «2».
قيل: قوله: «روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام» يقتضي أنّ ضمير «روى» يعود إلى «أحمد» و يحتمل عوده إلى «عمر بن يزيد».
و أيضا قال النجاشي في ترجمة سليمان بن داوود المنقري: «أنّه روى عنه جماعة من أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمد عليهما السّلام» «3».
و قد حكم بعض الأعلام برجوع قوله: «من أصحاب جعفر بن محمد عليهما السّلام» إلى قوله: «جماعة من أصحابنا».
و الأظهر رجوعه إلى «سليمان» بكونه خبرا بعد خبر؛ لأنّ شرح الحال موكول إلى ما حرّرناه في الرسالة المعمولة في سليمان بن داوود المنقري، و حفص بن غياث، و القاسم بن محمّد.
و أيضا قال الكشّي في ترجمة علي بن الحكم: «حمدويه عن محمّد بن عيسى: أنّ عليّ بن الحكم هو ابن أخت داوود بن النعمان بيّاع الأنماط، و هو
__________________________________________________
(1). في «د» زيادة: «و استراح عن المحذور المذكور بخروج الوقف عن المصطلح؛ لكونه مصطلحا في الوقف على الكاظم عليه السّلام».
(2). رجال النجاشي: 83/ 200.
(3). رجال النجاشي: 184/ 488.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 158
نسيب بني الزبير الصيارفة» «1».
قيل:- و غير بعيد- أن يكون الضمير في «و هو» عائد إلى داوود بن النعمان «2».
و أيضا قال السيّد السند التفرشي في ترجمة محمّد بن علي ماجيلويه:
«و ذكره محمّد بن عليّ بن بابويه في مشيخته كثيرا و قال: رضى اللّه عنه «3»، و روى عن محمّد بن يحيى بن العطار «4»، و عليّ بن إبراهيم بن هاشم «5»، و غيرهما «6». «7»
قيل: الضمير- يعني الضمير في «روى»- راجع إلى صاحب العنوان و إن احتمل عوده إلى محمّد بن عليّ بن بابويه.
و مزيد الكلام موكول إلى ما حرّرناه في الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن علي بن محمّد.
و أيضا قد روى الكشّي بسنده عن محمّد بن عيسى قال: «أخبرني يونس أنّ أبا الحسن ضمن لي الجنّة» «8».
فمقتضى ذكر الحديث من الكشّي في ترجمة يونس كون المضمون له هو يونس، بكون ياء المتكلّم عبارة عن محمّد بن عيسى.
و أيضا في أواخر روضة الكافي: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن القاسم شريك المفضّل، و كان رجل صدق» «9».
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 2: 570/ 1079.
(2). التحرير الطاووسي: 370/ 259؛ و انظر منتهى المقال 4: 403/ 2006.
(3). الفقيه 4: 6 و 18 و 70 و 120 و ....
(4). كما في الفقيه 4: 22.
(5). كما في الفقيه 4: 18.
(6). مثل عمّه محمّد بن أبي القاسم؛ الفقيه 4: 6.
(7). نقد الرجال 4: 280/ 4938.
(8). رجال الكشّي 2: 779/ 911.
(9). الكافي 8: 374، ح 562.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 159
و قد جرى غير واحد على رجوع «كان» إلى القاسم، و احتمل بعض رجوعه إلى المفضّل.
أقول: إنّ المقام مقام بيان حال صاحب الترجمة، فمقتضى المقام عود التوثيق إلى صاحب الترجمة، فلابدّ من البناء عليه؛ قضيّة ظهور اللفظ. فكما أنّ أصل الدلالة في العموم و الإطلاق و المفهوم مبنيّ على مقام البيان على التحقيق، فكذا يبني في المدلول على ما يقتضيه مقام البيان؛ لظهور اللفظ فيما يقتضيه مقام البيان، و هو المتّبع و عليه المعوّل.
بل نقول: إنّه إذا ذكر في الكلام ما هو مقصود بالذات، و عقّب ببعض التوابع و المتعلّقات المقصودة بالعرض كالمضاف إليه مثلا، ثمّ ذكر ما لابدّ أن يرجع إلى مرجع كضمير أو حرف جرّ أو قيد آخر، فالظاهر رجوعه إلى ما هو المقصود بالذات. و هذه قاعدة مطّردة، مثلا: في «غلام زيد من العلماء جاءني» يكون الظاهر أنّ المراد توصيف المضاف بالعلم لا المضاف إليه.
و من هذا أنّ الظاهر في «محمّد بن علي الثاني» في دعاء أيّام رجب «1» كون «الثاني» صفة لمحمّد في قبال محمّد بن علي الأوّل مولانا الباقر عليه السّلام، لا صفة لعليّ، مع قطع النظر عن عدم صحّة كونه صفة لعليّ؛ إذ على المضاف إليه هو عليّ بن موسى، و هو عليّ الثالث؛ لسبق عليّ بن أبي طالب مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام و عليّ ابن الحسين مولانا السيّد السجّاد.
و إن أمكن تصحيح توصيف المضاف إليه بكون الغرض الثاني من أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام، فالأمر في المقام المذكور من باب قيام قرينة الحال و المقام على الرجوع إلى المقصود بالأصالة، فلابدّ أن يبنى عليه.
و من باب القاعدة المذكورة أنّه قد يدّعى الإجماع بعد المستثنى منه
__________________________________________________
(1). مصباح المتهجّد: 805.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 160
و المستثنى، كما يقال: «لا عدّة على من لم يدخل بها، عدا المتوفّى عنها زوجها إجماعا». و الظاهر عود دعوى الإجماع إلى المستثنى منه.
و أيضا قد روى في التهذيب بالإسناد عن إسماعيل بن جابر قال:
دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبّله و هو ميّت، قلت: جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمسّ الميّت بعد ما يموت، و من مسّه فعليه الغسل؟ فقال: «أمّا بحرارته فلا بأس، إنّما ذاك إذا برد» «1».
قال الفاضل الخواجوئي في بعض فوائده: «الأكبر صفة للابن لا لإسماعيل، فلا يتوهّم أنّه كان له ابنان مسمّيان بإسماعيل الأكبر و الأصغر».
و أيضا قد روى المحدّث الحرّفي طهارة الوسائل- في باب ما يستحبّ من الأغسال في شهر رمضان- عن ابن طاووس في الإقبال عن كتاب الأغسال لأحمد بن محمّد عبّاس الجوهري عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:
لمّا كان أوّل ليلة من شهر رمضان قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحمد اللّه و أثنى عليه، إلى أن قال: «حتى إذا كان أوّل ليلة من العشر من شهر رمضان قام و شمّر و شدّ المئزر و برز من بيته و اعتكف و أحيى الليل كلّه، و كان يغتسل كلّ ليلة منه بين العشاءين» «2».
و نقل السيد السند النجفي في المصابيح عن المحدّث المذكور في حاشية الوسائل: أنّ الظاهر عود الضمير في قوله عليه السّلام: «في كلّ ليلة منه» إلى الشهر، فإنّه أقرب؛ لوجوه، و يحتمل عوده إلى العشر. قال السيّد السند المذكور: و لعلّ تلك الوجوه تذكير الضمير، و قرب المرجع، و تغيير الأسلوب عن الماضي
__________________________________________________
(1). التهذيب 1: 429، ح 1366 باب تلقين الميت؛ وسائل الشيعة 3: 290، أبواب غسل المس، ب 1، ح 2.
(2). الإقبال: 21 بتفاوت، و فيه: «بن محمّد بن عياش»؛ وسائل الشيعة 2: 953، أبواب الأغسال المسنونة، ب 14، ح 6.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 161
إلى المضارع، و قوله: «و كان يغتسل» إذ كان المناسب «و اغتسل» لو كان الضمير راجعا إلى العشر.
و الأظهر الرجوع إلى العشر. و عليه جرى السيّد السند المذكور؛ تعليلا بأنّه المحدّث عنه في آخر الحديث. قال: و تذكير الضمير هيّن، لكن تعليله يحتاج إلى تحريره بما يظهر ممّا مرّ، و أمّا المساهلة في الضمير فإنّما هي مبتنية على توهّم كون حال الضمير في باب العدد من الثلاثة إلى العشرة حال التميز، لكنّه ليس الأمر كذلك، بل الضمير يذكّر في الرجوع إلى المذكّر، و يؤنّث في الرجوع إلى المؤنّث. و يظهر الحال بالرجوع إلى التصريح؛ إذ فيه: ثلاثة من الشجر غرستها و خمسة من التمر أكلتها، بل عدم ذكر حال الضمير في باب العدد من باب الحوالة على القانون المعهود.
و الظاهر أنّ نظر العلّامة المجلسي فيما ذكره في زاد المعاد من ورود رواية باستحباب الغسل في كلّ ليلة من شهر رمضان «1» إلى ما رواه في الوسائل «2» و ما ذكره في الحاشية، و إلّا فقد روى تلك الرواية في طهارة البحار في باب الأغسال و أحكامها «3» و هي خالية عن قوله: «من شهر رمضان بعد العشر».
و نفى السيّد السند النجفي الاطّلاع على استحباب الغسل في جميع ليالي شهر رمضان في شيء من كتب الأخبار.
و يرشد إلى كون الضمير في تلك الرواية راجعا إلى العشر: ما رواه المحدّث المذكور عن ابن طاووس بالإسناد عن بعض الأصحاب عن الصادق عليه السّلام قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في
__________________________________________________
(1). زاد المعاد: 98.
(2). وسائل الشيعة 2: 953، أبواب الأغسال المسنونة، ب 14، ح 6؛ الإقبال: 21.
(3). البحار 78: 18، ح 24.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 162
كلّ ليلة» «1». بناء على كون المقصود بالعشر في الرواية المتقدّمة هو العشر الأواخر، كما هو الظاهر، بل بلا إشكال فيه؛ بل اختصاص العشر الأواخر بالاهتمام لاختصاصه بالاعتكاف، و كذا اختصاصه بطيّ الفراش كما في بعض الأخبار «2» مظهر عن اختصاصه بالغسل. إلّا أن يقال: إنّه يرجع الأمر إلى القياس.
[كلام في شهر رمضان]
هذا، و لمّا ذكر في المقام «شهر رمضان» فقد أعجبني ذكر كلامين بالمناسبة:
أحدهما: أنّ المنقول عن سيبويه و أكثر النحوييّن جواز إضافة لفظ «الشهر» إلى أسماء الشهور بحذافيرها «3».
و عن الأزهري: أنّ العرب تذكر الشهور كلّها بدون لفظ الشهر، إلّا شهري ربيع و شهر رمضان «4».
و عن بعض: أنّ العرب قد تستعمل «الشهر» مع ذي القعدة، و عن بعض: أنّه التزمت العرب لفظ «شهر» مع ربيع؛ لأنّ لفظ «ربيع» مشترك بين الشهر و الفصل، فالتزموا لفظ «شهر» مع اسم الشهر؛ للفرق بينهما.
و عن ثعلب: أنّه خصّت العرب شهر ربيع و شهر رمضان بذكر «شهر» معها من دون غيرها من الشهور ليدلّ على موضع الاسم «5».
و أنت خبير بأنّ الوجه المذكور لا يقتضي اختصاص الشهر بربيعين و رمضان.
و عن الزمخشري: «أنّ مجموع المضاف و المضاف إليه في قولك: شهر
__________________________________________________
(1). الإقبال: 195؛ البحار 78: 19، ح 25؛ وسائل الشيعة 1: 953، أبواب الأغسال المسنونة، ب 14، ح 10.
(2). انظر وسائل الشيعة 7: 397، كتاب الاعتكاف، ب 1.
(3). كتاب سيبويه 1: 134.
(4). نقله عنه في مجمع البحرين 4: 209 (رمض).
(5). انظر تمهيد القواعد: 383.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 163
رمضان، هو العلم» «1».
و عن التفتازاني في شرح الكشّاف: أنّهم أطبقوا على أنّ العلم في ثلاثة أشهر هو مجموع المضاف و المضاف إليه، شهر رمضان و شهر ربيع الأوّل و شهر ربيع الآخر، و في البواقي لا يضاف إليه.
و عن ابن درستويه: أنّ الضابط في ذلك أنّ ما كان من أسماء الشهور اسما للشهر أو صفة قامت مقام الاسم، هو الذي لا يجوز أن يضاف إليه الشهر و لا يذكر معه، كالمحرّم؛ إذ معناه الشهر المحرّم، و كصفر؛ إذ هو معرفة و ليس بصفة، و رجب و هو كذلك، و شعبان و هو بمنزلة عطشان، و شوّال و هو صفة جرت مجرى الاسم و صارت معرفة، و ذي القعدة و هو صفة قامت مقام الموصوف، و المراد القعود عن التصرّف كقولك: الرجل ذو الجلسة، فإذا حذفت الرجل قلت:
ذو الجلسة، و ذو الحجّة مثله. و أمّا الربيعان و رمضان فليست بأسماء للشهر و لا صفات له، فلابدّ من إضافة لفظ «شهر» إليها. و يدلّ على ذلك إنّ رمضان «فعلان» من الرمض، كقولك: شهر الغليان، و ليس الغليان بأشهر، و لكنّ الشهر شهر الغليان. و ربيع اسم للغيث، و ليس الغيث بالشهر.
و أنت خبير بأنّه يمكن أن يكون الغيث اسما للشهر، كصفر و رجب، إلّا أنّ الأمر هنا على هذا التقدير يكون من باب الاشتراك، بخلاف صفر و رجب، و يمكن أن يكون رمضان من باب الاسم أو الصفة الجارية مجرى الاسم نحو شعبان؛ فليست الضابطة منتهضة.
و عن القائلين بكون العلم في شهر رمضان هو مجموع المضاف و المضاف إليه «2» الاعتذار عمّا روي من أنّ «من صام رمضان» إلى آخره «3»، بكونه من باب
__________________________________________________
(1). الكشّاف 1: 226، ذيل الآية 185 من سورة البقرة.
(2). كما هو مذهب الزمخشري في الكشّاف 1: 226.
(3). الكشّاف 1: 227.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 164
الحذف لجواز الحذف من «1» العلم «2».
الثاني: أنّه قد روي من طريق الخاصّة و العامّة النهي عن التلفّظ برمضان من دون إضافة الشهر؛ تعليلا في بعض طرق الخاصّة بأنّ رمضان من أسماء اللّه سبحانه «3».
و عن الشهيد الأوّل في النكت ما هذا لفظه:
نهي عن التلفّظ برمضان، بل يقال: شهر رمضان في أحاديث «4»، أجودها ما أسنده بعض الأفاضل «5» إلى الكاظم عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «لا تقولوا:
رمضان، فإنّكم لا تدرون ما رمضان، من قاله فليتصدّق و ليصم كفارة لقوله، و لكن قولوا كما قال اللّه عزّ و جلّ: شَهْرُ رَمَضانَ «6»» «7».
و عن الشهيدين في الدروس و التمهيد: أنّ النهي المذكور للتنزيه «8». و علّل أوّلهما بأنّ الأخبار مملوءة من لفظ رمضان «9». و ربما حكى في الدروس نقلا عن بعض العامّة أنّه لم ينقل من أحد من العلماء أنّ رمضان من أسماء اللّه سبحانه.
و أيضا قد روى في الكافي بالإسناد عن أبان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
إنّ للجمعة حقّا و حرمة، فإيّاك أن تضيّع أو تقصّر في شيء من عبادة اللّه و التقرّب إليه بالعمل الصالح و ترك المحارم كلّها، فإنّ اللّه يضاعف فيه
__________________________________________________
(1). في «د»: «من الأعلام».
(2). الكتاب لابن درستويه: 90.
(3). الكافي 4: 69، ح 1 و 2، باب في النهي عن قول رمضان؛ وسائل الشيعة 7: 231، أبواب أحكام شهر رمضان، ب 19، ح 1- 4.
(4). انظر وسائل الشيعة 7: 231، أبواب أحكام شهر رمضان، ب 19، ح 1- 4.
(5). منهم السيّد ابن طاووس في الإقبال: 3.
(6). البقرة (2): 185.
(7). غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 299.
(8). الدروس الشرعيّة 1: 286؛ تمهيد القواعد: 383.
(9). الدروس الشرعيّة 1: 286.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 165
الحسنات، و يمحو فيه السيّئات، و يرفع فيه الدرجات، قال: و ذكر أنّ يومه مثل ليلته فإن استطعت أن تحييها بالصلاة و الدعاء فافعل، فإنّ ربّك ينزل في أوّل ليلة الجمعة إلى السماء الدنيا، فيضاعف فيه الحسنات، و يمحو فيه السيئات، و إنّ اللّه واسع كريم «1».
قال في الوافي:
«يومه مثل ليلته» يعني هما متماثلان في الحقّ و الحرمة، و الأظهر أنّ التقديم و التأخير وقعا سهوا من النسّاخ «2».
أقول: إنّه لو تردّد الأمر- بعد ذكر ما كان مقصودا بالأصالة و مشروحا بذكر آثاره- بين كون ذلك مشبّها به و كونه مشبّها، فالأظهر الأوّل، فالظاهر أنّ العبارة في الأصل «ليلته مثل يومه» و العكس إنّما وقع من الرواة أو النسّاخ، مضافا إلى أنّ شرح حال الليلة بعد ذلك في قوله عليه السّلام: «فإنّ ربّك ينزل في أوّل ليلة الجمعة» إلى آخره، يرشد إلى ذلك، فضلا عن تعاهد فضيلة ليلة الجمعة بحيث يعرفها عموم الناس حتّى النسوان و الصبيان، خصوصا الفقراء؛ حيث إنّهم يعتقدون في السؤال حتّى في يوم الخميس بليلة الجمعة، فهي التي تناسب لجعلها أصلا. و تشبيه اليوم إليها قضاء لحقّ التشبيه؛ حيث إنّ المدار فيه على تعاهد وجه الشبه في المشبّه به.
و بالجملة، قد تقوم القرينة على الرجوع إلى المقصود بالتبع، فالمدار على القرينة.
و من ذلك ما في زيارة الصدّيقة الطاهرة- روحي و روح العالمين لها الفدا-: «يا أمّ الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنّة، و السلام عليك يا بنت محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «3» و ما في دعاء عديلة: «بعد الرسول المختار، عليّ قامع
__________________________________________________
(1). الكافي 3: 414، ح 6، باب فضل يوم الجمعة و ليلته.
(2). الوافي 8: 1082، ح 7775، أبواب فضل صلاة الجمعة.
(3). البلد الأمين للكفعمي: 278.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 166
الكفّار» «1» فقد بان استنكار إنكار بعض وقوع توصيف المضاف إليه في كلام العرب.
و كذا ما رواه في الكافي بالإسناد عن سيف بن عميرة عن عليّ بن المغيرة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتمتّع بأمة المرأة بغير إذنها، قال: «لا بأس» «2» حيث إنّه طرحه الأصحاب غير الشيخ في النهاية كما في الروضة «3». و الطرح من جهة عدم جواز التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، لكنّه مبنيّ على رجوع الضمير إلى الأمة. و كذا الحال في العمل بذلك و هو الأظهر؛ إذ الظاهر في الأذهان اشتراط إذن المالك في أمثال تمتّع الأمة، و الظاهر أنّه كان السؤال عن تمتّع الأمة بغير إذن المرأة. و ربّما احتمل رجوع الضمير إلى الأمة، و ليس بشيء.
و مع هذا نقول: إنّه على تقدير عود التوثيق إلى المذكور بالتبع يلزم خلوّ الترجمة عن التعرّض لحال صاحب الترجمة من حيث الوثاقة و عدمها؛ لفرض عدم ذكر شيء آخر يوجب تشريح الحال، و هو بعيد.
إلّا أن يقال: إنّه يمكن أن يكون صاحب الترجمة مجهول الحال، كما هو الحال في المجاهيل؛ حيث إنّه يعنون المجهول و يسكت عن حاله، أو يقال: إنّ وضع كتاب النجاشي- كما يفصح عنه التفحّص، و يدلّ عليه كلامه في أوّله «4»- على ذكر أصحاب الأصول و المصنّفات، و بيان الطريق إلى كتبهم من دون التزام الجرح
__________________________________________________
(1). في سفينة البحار 6: 177- 178: الدعاء منقول عن فخر المحقّقين في آخر رسالته المسمّاة بارشاد المسترشدين في حاشية مستدرك وسائل الشيعة 1: 93 (الطبعة الحجريّة) و قال في ذيله: و أمّا دعاء العديلة المعروفة فهو من مؤلفات بعض أهل العلم، ليس بمأثور و لا موجود في كتب حملة الأحاديث.
(2). وجدناه في التهذيب 7: 257، ح 1114، باب تفصيل أحكام النكاح؛ و الاستبصار 3: 219، ح 795، باب أنّه لا يجوز العقد على الإماء إلّا بإذن مواليهنّ؛ و وسائل الشيعة 14: 463، أبواب المتعة، ب 14، ح 2.
(3). الروضة البهية 5: 143.
(4). رجال النجاشي: 3.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 167
و التعديل، فإنّ التراجم خالية عنهما في الأغلب
[توثيق البعض في ترجمة الغير]
و مع هذا نقول: إنّه على تقدير عود التوثيق إلى المذكور بالتبع يلزم توثيقه في غير ترجمته لو كانت ترجمته ساكتة عن حاله، و يلزم تكرار التوثيق لو كانت ترجمته ناطقة بتوثيقه، و التأسيس أولى من التأكيد، كما ذكره الفاضل العناية «1»، إلّا أنّ هذا الحديث مشهور، لكنّ المدار في باب الألفاظ على الظهور، و لا عبرة بغيره.
و الظاهر أنّ المقصود منه الأولويّة في باب المتّصل و إن يتأتّى القدح فيه بظهور التكرار في التأكيد و لو أمكن التأسيس. نعم يمكن دعوى غلبة التأسيس في باب المنفصل أيضا، لكن لا سكون و لا ركون إليه في أمثال المقام.
و مع هذا نقول: إنّه قد ذكر الفاضل العناية أنّ النجاشي لم يذكر التوثيق لرجل مرّتين، سواء ذكره فيه بالأصالة أو بالتبع، كما في محمّد بن عطيّة في ترجمة أخيه الحسن «2».
لكن يمكن القدح فيه صدرا و ذيلا:
أمّا الأوّل: فبأنّ دعوى عدم تكرار التوثيق في باب المذكور بالتبع من باب المصادرة على المدّعى.
و أمّا الثاني: فبأنّ ما ذكره من توثيق النجاشي محمّد بن عطيّة في ترجمة أخيه الحسن غير ثابت على وجه التسلّم، كما هو ظاهر كلامه؛ إذ قال النجاشي في ترجمة الحسن بن عطية: «ثقة، و أخواه أيضا محمّد و عليّ كلّهم رووا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام» «3».
__________________________________________________
(1). مجمع الرجال 5: 262.
(2). مجمع الرجال 2: 120.
(3). رجال النجاشي: 46/ 93.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 168
و هذه العبارة تحتمل وجهين:
أن يكون الغرض وثاقة الأخوين أيضا كالحسن، فيكون كلّهم استئنافا.
و نظيره قوله في ترجمة بسطام بن الحصين: «كان وجها في أصحابنا و أبوه و عمومته، و كان أوجههم إسماعيل» «1».
و أن يكون الغرض رواية الحسن و أخويه كلّا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فيكون كلّهم تأكيدا.
و قد بنى الشيخ عبد النبي على كون الغرض من قوله: «و أخواه» من العطف و الاستئناف من قوله: «رووا» «2». و توقّف الفاضل الاسترابادي «3» و السيّد السند التفرشي «4».
فالبناء على توثيق محمّد بن عطيّة على وجه التسلّم- كما هو ظاهر كلامه- كما ترى و لو على تقدير ظهور كون الغرض وثاقة الحسن و أخويه.
و أيضا ظاهر كلامه اختصاص الموثّق في ترجمة الحسن بن محمّد بن عطيّة، مع أنّ التوثيق لو ثبت مشترك بينه و بين عليّ.
و أيضا ظاهر كلامه اختصاص الموثّق في ترجمة الغير- في كلام النجاشي- بمحمد بن عطيّة، مع أنّ النجاشي قد وثّق جمعا كثيرا في ترجمة الغير؛ حيث إنّه وثّق في ترجمة حسن بن عمرو بن منهال «5» أباه «6»، و في ترجمة إسماعيل بن عبد الخالق عمومته: الشهاب و عبد الرحيم و وهب و أباه عبد الخالق «7»، و في ترجمة
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي 110/ 281.
(2). حاوي الأقوال 1: 271/ 160.
(3). منهج المقال: 101.
(4). نقد الرجال 1: 273/ 695.
(5). قوله: «منهال» بكسر الميم و سكون النون (منه عفي عنه).
(6). رجال النجاشي 57/ 133.
(7). رجال النجاشي: 27/ 50.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 169
عمرو بن إلياس أخويه يعقوبا و رقيما «1»، في ترجمة إبراهيم بن أبي بكر أخاه إسماعيل بن أبي السمّال «2»، و في ترجمة مندل «3» أخاه حيّان بن عليّ «4»، و في ترجمة جعفر بن يحيى أباه «5»، و في ترجمة حفص بن سوقة «6» أخويه زيادا و محمّدا «7»، و في ترجمة عبيد اللّه بن عليّ بن أبي شعبة أباه و اخوته و هم محمّد و عمران و عبد الأعلى «8»، و في ترجمة حسن بن عليّ بن أبي المغيرة أباه «9»، و في ترجمة عبد اللّه بن أبي عبد اللّه أخاه الحسن «10»، و في ترجمة إسحاق بن عمّار بن أبي حيّان إخوته، و هم يونس و يوسف و قيس و إسماعيل «11»، و في ترجمة الحسن بن أحمد بن محمّد أباه و جدّه «12»، و في ترجمة بسطام بن سابور إخوته زكريّا و زيادا و حفصا «13»، و في ترجمة إسماعيل بن همّام أباه و جدّه «14»، و في ترجمة عمر بن سالم أخاه حفصا «15».
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 289/ 773.
(2). رجال النجاشي: 31/ 3.
(3). قوله: «مندل» بفتح الميم و سكون النون و فتح الدال المهملة و بعدها اللام كما في خلاصة الأقوال.
و في حاشية التوضيح: نقل تثليث الميم عن قائل (منه عفي عنه).
(4). رجال النجاشي: 422/ 1131.
(5). رجال النجاشي: 126/ 327؛ خلاصة الأقوال: 33/ 22.
(6). قوله: «سوقة» بضم السين المهملة و سكون الواو (منه عفي عنه).
(7). رجال النجاشي 135/ 348؛ خلاصة الأقوال 58/ 5.
(8). رجال النجاشي: 230/ 612.
(9). رجال النجاشي: 49/ 106؛ خلاصة الأقوال: 43/ 29.
(10). رجال النجاشي: 219/ 572.
(11). رجال النجاشي: 71/ 169.
(12). رجال النجاشي: 65/ 151؛ خلاصة الأقوال: 44/ 46.
(13). رجال النجاشي: 110/ 280؛ خلاصة الأقوال: 26/ 1.
(14). رجال النجاشي: 30/ 62؛ خلاصة الأقوال: 10/ 19.
(15). رجال النجاشي: 285/ 758؛ خلاصة الأقوال: 119/ 7.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 170
و بما سمعت يظهر غرابة استبعاد عود التوثيق في ترجمة محمّد بن عبد الحميد إلى عبد الحميد من سبط الشهيد الثاني «1»، مضافا إلى ما ذكره السيّد السند النجفي من قوله- كما تقدّم-: «و هو غريب من مثله، فإنّ مثل ذلك كثير في كلام النجاشي، كما يظهر بأدنى إلمام بكتابه» «2».
و مع ذلك كلّه أقول: إنّه لابدّ من التأمّل و التحرّي في الموارد، فإنّ كلمات أرباب الرجال لم يراع فيها كثيرا ما كان ينبغي مراعاته و رعايته، كما أنّه في بعض التراجم كان التوصيف مختصّا بالمذكور بالتبع، و خلا الترجمة عن التعرّض لحال صاحب الترجمة من حيث الوثاقة و عدمها.
قال النجاشيّ: «الحسين بن القاسم بن محمّد بن أيّوب بن شمون «3» أبو عبد اللّه الكاتب، و كان أبوه القاسم من جملة أصحابنا» «4».
و مع قطع النظر عمّا ذكر قد يقتضي بعض القرائن الدقيقة عود التوثيق إلى المذكور بالتّبع. مثلا: لو كان قول النجاشي في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع «كان صالحا ثقة» بدل قوله: «كان من صالحي هذه الطائفة و ثقاتهم» «5» كان الظاهر عوده إلى حمزة، إذ الظاهر أنّ تخصيص حمزة بالذكر من بين ولد بزيع المذكورين بالتبع من جهة اختصاصه بالصلاح و الوثاقة.
و قد يؤيّد بعض القرائن عود التوثيق إلى المذكور بالأصالة، نظير ما يؤيّد عود «الموت في أيّام الرضا عليه السّلام» في ترجمة جميل بن درّاج إلى «جميل» لا إلى درّاج، من لزوم ذكر أكبريّة الولد عن الوالد على تقدير العود إلى درّاج، كما يظهر ممّا مرّ «6».
__________________________________________________
(1). حكاه عن الشيخ محمّد في منتهى المقال 6: 87/ 2691، و 4: 85/ 1567.
(2). رجال السيّد بحر العلوم 3: 288.
(3). قوله: «شمونّ» بفتح الشين المعجمة و ضمّ الميم و تشديد النون أخيرا (منه عفي عنه).
(4). رجال النجاشي: 66/ 157. فيه: «من أجلّة أصحابنا».
(5). رجال النجاشي: 330/ 893.
(6). انظر رجال النجاشي: 126/ 328؛ خلاصة الأقوال 34/ 1.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 171
و كذا ما يؤيّد عود «الرواية عن الكاظم عليه السّلام» في ترجمة علي بن أبي حمزة إلى «عليّ» لا إلى جعفر، من لزوم الوقف على الصادق عليه السّلام على تقدير العود إلى جعفر، كما يظهر ممّا مرّ «1».
و كذا ما يؤيّد عود «الشيخوخة» في ترجمة الحسين بن محمّد «2» إلى محمّد بن إبراهيم، لا جعفر من عدّ كتاب الغيبة في ترجمة محمّد بن إبراهيم من كتبه كما يظهر ممّا يأتي «3». فلابدّ من التأمّل و التحرّي في الموارد.
و أمّا ما استدلّ به السيّد السند التفرشي على عود التوثيق في ترجمة حسن بن علي بن النعمان إلى عليّ «4» فهو بظاهره ظاهر الفساد؛ إذ توثيق عليّ في ترجمته لا يقتضي عود التوثيق في ترجمة ابنه إليه، اللهمّ إلّا أن يكون غرضه أنّ ذكر كون علي في ترجمته على أعلى من علي، و السكوت عن حال ابنيه يكشف عن عدم اعتبارهما.
نعم، يمكن أن يقال: إنّه على تقدير عود التوثيق إلى عليّ يلزم خلوّ المبتدأ- و هو أبوه- عن الخبر.
إلّا أنّه يضعّف «5» بأنّ الخبر هو الأعلم، و ليس الأعلم صفة كما هو مبنى المقالة المذكورة، و الغرض إظهار كون عليّ هو الأعلم و الإخبار به عنه يكشف عنه ترجمة عليّ، المتقدّمة؛ إذ الأعلم فيه خبر لعليّ كما لا يخفى.
و الظاهر أنّه من جهة كون عليّ معروفا بالأعلميّة أو «6» كون الأعلميّة أمرا نادر
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 249/ 656؛ خلاصة الأقوال 231/ 1.
(2). انظر منتهى المقال 5: 286/ 2397.
(3). رجال النجاشي: 383/ 1043؛ و انظر منتهى المقال 5: 286/ 2397.
(4). نقد الرجال 2: 50/ 1336.
(5). في «د»: «ضعيف».
(6). في «د»: «و».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 172
الوجود قليل الوقوع، إذ الظاهر أنّ المقصود بالأعلم هو مشقوق الشفة العليا خلاف الأفلح بالفاء و الحاء المهملة حيث إنّه بمعنى مشقوق الشفة السفلى.
قال في الصحاح: «و علم الرجل يعلم علما إذا صار أعلم، و هو المشقوق الشفة العليا و المرأة علماء» «1».
و في المصباح: «و العلمة و العلم محرّكتين شقّ بالشفة العليا، يقال: علم الرجال علما إذا صار أعلم، و المرأة علماء مثل أحمر و حمراء» «2».
و في المجمع: «الأعلم مشقوق الشفة العليا، يقال: علم الرجل علما إذا صار أعلم، و المرأة علماء، مثل: أحمر و حمراء» «3».
لكن قال في القاموس: «العلمة و العلم محرّكتين شقّ في الشفة العليا، أو في أحد جانبيها، علم كفرح فهو أعلم» «4».
و مقتضاه اشتراك الأعلم بين مشقوق الشفة العليا و مشقوق أحد جانبيها.
لكنّه نادر بالإضافة إلى كلمات صاحب الصحاح و المصباح و المجمع، المقتضية لاتّحاد المعنى و تعيّنه في مشقوق الشفة العليا، بل الظاهر أنّ الأعلم في مشقوق الشفة العليا أشهر على تقدير الاشتراك؛ لبعد عدم الاطّلاع على المعنى الآخر عن مشقوق أحد جانبي الشفة العليا على تقدير الاشتراك.
فالظاهر أنّ المقصود بالأعلم في المقام هو مشقوق الشفة العليا، و هو على تقدير الاشتراك، فتدبّر «5».
__________________________________________________
(1). الصحاح 5: 1990 (علم).
(2). المصباح المنير: 427 (علم).
(3). مجمع البحرين 2: 238 (علم).
(4). القاموس المحيط 4: 155 (علم).
(5). «فتدبّر» إشارة إلى بعد الاقتصار على أحد معنيي المشترك بواسطة الاشتهار على الاطّلاع على المعنى الآخر (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 173
و مقتضى صريح القاموس أنّ الأفلح مشقوق الشفة السفلى و لو كان الأعلم مشتركا، قال: الأفلح محرّكة في الشفة السفلى «1». و قد حكى في التوضيح في بحث الإضافة و بحث النداء عن الأعلم مضمونا، و ذكر في التصريح في البحث الأوّل أنّه لقّب بالأعلم؛ لأنه كان مشقوق الشفة العليا.
[لو اتّفق التوثيق في أواسط العنوان أو آخره:]
بقي أنّه لو اتّفق التوثيق في أواسط العنوان أو آخره، فحينئذ لا مجال لعوده إلى صاحب العنوان، و يتردّد الأمر بين عوده إلى المضاف أو المضاف إليه. و لا ترجيح للعود إلى المضاف على العود إلى المضاف إليه؛ لكون المضاف مثل المضاف إليه في جهة التبعيّة لصاحب العنوان، فلا ترجيح له عليه؛ لانحصار جهة رجحان المضاف على المضاف إليه في جهة الأصليّة، أعني كونه مقصودا بالأصالة، و المفروض كونه مثل المضاف إليه في التبعيّة؛ بل القرب يقرّب العود إلى المضاف إليه، نظير الاستثناء الوارد عقيب الجمل المتعاطفة على القول بكونه موضوعا لمطلق الإخراج بناء على العود إلى الأخيرة.
و نظير ذلك قول النجاشي: «أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن عامر- و هو الذي قتل مع الحسين بن علي بكربلاء- ابن حسّان بن شريح» «2» إلى آخره؛ حيث إنّ قوله: «هو الذي قتل مع الحسين بن عليّ» لا مجال لعوده إلى أحمد بن عامر، فيتردّد عوده بين العود إلى وهب و إلى عامر، إلّا أنّ الظاهر العود إلى عامر، لكن جرى بعض الأعلام على العود إلى وهب.
و كذا قول النجاشي في ترجمة الحسين بن عليّ بن الحسين بن محمّد بن يوسف الوزير: «و أمّه فاطمة بنت أبي عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر
__________________________________________________
(1). القاموس المحيط 1: 249 (فلح).
(2). رجال النجاشي: 100/ 250.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 174
النعماني، شيخنا صاحب كتاب الغيبة» «1» حيث إنّ قوله: «شيخنا» لا مجال لعوده إلى الحسين صاحب العنوان، بل الظاهر عوده إلى جعفر، كما أنّ الظاهر عود النعماني إليه، لكنّه عائد إلى محمّد بن إبراهيم بشهادة عدّ كتاب الغيبة من كتبه في الترجمة المعقودة له «2».
بل يمكن القول بأنّ قوله: «و أمّه»- إلى آخره- كلام مستأنف، و المقصود بالأصالة في هذا الباب هو محمّد بن إبراهيم من باب تعريف فاطمة، فالعود إلى محمّد جار على وفق الظاهر.
هذا كلّه في أواسط عناوين الرجال أو أواخرها.
[لو اتّفق التوثيق في أواسط الأسانيد]
و أمّا لو كان التوثيق في أواسط أسانيد كتب الأخبار أو أواخرها «3» فحينئذ كلّ من رجال السند من البدو و إلى الختم سواء في الأصالة و التبعيّة، و ليس رأس السند مقصودا بالأصالة؛ إذ الغرض نقل الحديث عن المعصوم، و لا تفاوت فيه بين رأس السند و غيره. و لا مجال فيه لخيال العود إلى رأس العنوان، و عدم العود إليه هنا أظهر، لكن يختلف حال المضاف و المضاف إليه هنا و فيما سبق، أعني ما لو اتّفق التوثيق في أواسط العنوان أو آخره في كتب الرجال، حيث إنّ المضاف هنا مقصود بالأصالة بالإضافة إلى المضاف إليه؛ لصدور النقل عن المضاف، بخلاف
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي 69/ 167.
(2). رجال النجاشي: 383/ 1043.
(3). في مشيخة الفقيه: «و ما كان فيه عن عبد اللّه بن سنان فقد رويته عن أبي رضي اللّه عنه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أيّوب بن نوح عن محمد بن أبي عمير عن عبد اللّه بن سنان، و هو الذي ذكر عند الصادق عليه السّلام، فقال: أما إنّه يزيد على السن خيرا».
قوله: «و هو» إلى آخره، قيل: مدح لعبد اللّه بن سنان. و يمكن أين يكون مدحا لأبيه (منه مدّ ظلّه العالي).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 175
ما سبق، فإنّ المضاف فيه يساوي المضاف إليه في التبعيّة، فالمقصود بالأصالة هنا يتعدّد على حسب تعدّد المضاف. و أمّا فيما سبق فالمقصود بالأصالة واحد، و هو المبدوء به العنوان.
تنبيه
قال ابن هشام في المغني في الباب الخامس في باب التابع:
مسألة: نحو سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «1» يجوز فيه كون الأعلى صفة للاسم أو صفة للربّ، و أمّا نحو «جاءني غلام زيد الظريف» فالصفة للمضاف، و لا تكون للمضاف إليه إلّا بدليل؛ لأنّ المضاف إليه جيء به لغرض التخصيص، و لم يؤت به لذاته، و عكسه: «و كلّ فتى يتّقي فائز» فالصفة للمضاف إليه؛ لأنّ المضاف إنّما جيء به لقصد التعميم، لا للحكم عليه و لذلك ضعف قوله:
و كلّ أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلّا الفرقدان
«2» و تحرير كلامه أنّه إذا كان بين المضاف و المضاف إليه اتّحاد نحو سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «3» ففي الصفة من حيث الرجوع إلى المضاف أو المضاف إليه و جهان.
و إن لم يكن بين المضاف و المضاف إليه اتّحاد بوجه، فإمّا أن يكون ذكر المضاف إليه بتبع ذكر المضاف- كما هو الغالب- فالصفة للمضاف، و إمّا أن يكون المضاف من قبيل التوطئة و التمهيد لذكر المضاف إليه- كما في إضافة ألفاظ العموم إلى
__________________________________________________
(1). الأعلى (86): 1.
(2). مغني اللبيب 2: 739، و البيت لعمرو بن معديكرب، كما في كتاب سيبويه 1: 371، و في اللسان باب الألف الليّنة، حرف إلّا. و نسبه في المؤتلف و المختلف: 116 لحضرمي بن عامر، و في حاشية كتاب سيبويه لسوار بن المضرب، و هو في الخزانة 2: 52، و انظر أيضا مغنى اللبيب 1: 101.
(3). الأعلى (86): 1.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 176
المضاف إليه- فالصفة للمضاف إليه.
و لا بأس بما ذكره، بل قد أجاد فيما أفاد.
لكن يرد عليه أنّ ما ذكره من جواز الوجهين في باب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «1» يضعّف بترجيح قرب المضاف إليه للعود إليه، نظير عود الاستثناء الوارد عقيب الجمل المتعاطفة إلى الأخيرة، بناء على كون أدوات الاستثناء موضوعة لمطلق الإخراج، كما هو الأظهر.
و أمّا بناء على كونها موضوعة للإخراج عن الأخيرة من باب وضع الهيئة التركيبيّة، أعني الاستثناء الوارد عقيب الجمل، فلا يشابه المقام؛ لعدم تمكّنه من العود إلى غير الأخيرة من باب الحقيقة، كما هو المفروض في المقام.
و أيضا ما يقتضيه كلامه- من أنّ المضاف في إضافة ألفاظ العموم إنّما جيء به لقصد التعميم، لا للحكم عليه- إن كان المقصود بالحكم هو الحمل كما هو ظاهر الحكم، فهو ظاهر الفساد؛ لظهور كثرة الحمل على العمومات. و منه المثال المذكور في كلامه، أعني قوله: «كلّ فتى يتّقي فائز» بل قد يحمل على العموم، و يكون العموم مقصودا بالأصالة في قبال من ينكر العموم و يسلّم ثبوت الحكم في بعض الأفراد «2»؛ فلو لا الحمل على العموم لما تأتي المقابلة، و لما صحّ التكذيب.
و إن كان المقصود بالحكم هو إجراء شيء على سبيل التوصيف أو نحوه، لا الحمل و لا الأعمّ من الحمل- كما هو الظاهر بشهادة ظهور فساد الحمل على الحمل «3»، و نقل التضعيف ممّن ضعّف، و هو الحاجبي على ما يظهر من كلام ابن هشام في بحث «إلّا»؛ إذ التضعيف إنّما هو من جهة توصيف الكلّ ب «إلّا» بملاحظة أنّه لو كانت «إلّا» صفة للأخ لقيل: «إلّا الفرقدين». و كون «إلّا» صفة موكول بيانه إلى
__________________________________________________
(1). الأعلى (86): 1.
(2). في «د» زيادة: «و كذا قد يتّفق تكذيب التعميم بعد التعميم مع تسليم ثبوت الحكم في بعض الأفراد».
(3). قوله: «الحمل على الحمل» أي حمل الحكم على الحمل (منه مدّ ظلّه العالي).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 177
ما ذكره ابن هشام في ثاني أقسام «إلّا» «1»- فتتطرّق المؤاخذة عنه بأنّه لو تمانع قصد التعميم عن التوصيف لتمانع عن الحمل أيضا بل بالفحوى، و قد سمعت كثرة الحمل، بل اتّفاق الحمل في المثال المذكور في كلامه، بل كون التعميم في قبال إنكار العموم في بعض الموارد، مع أنّه قد يكون المضاف إليه في التبعيّة كما في أواسط العنوان و آخره، فحينئذ لا ترجيح للمضاف على المضاف إليه في عدد الوصف إليه، بل يقرّب القرب العود إلى المضاف إليه، كما تقدّم.
السادس عشر [تردّد التوثيق بين عوده إلى صاحب الترجمة] [و عوده إليه و إلى غيره]
أنّه ربّما ذكر التوثيق في ترجمة، و يتردّد بين عوده إلى صاحب الترجمة، و عوده إليه و إلى غيره المذكور بالتبع.
و الفرق بين هذا العنوان و العنوان المتقدّم أنّ التردّد في العنوان المتقدّم بين عود التوثيق إلى صاحب الترجمة و عوده إلى غيره المذكور بالتبع، نظير قصر القلب، و التردّد في هذا العنوان بين عود التوثيق إلى صاحب الترجمة، و عوده إليه و إلى غيره، نظير قصر الإفراد.
و بوجه آخر: الفرق أنّ التردّد في العنوان السابق في اختصاص التوثيق بصاحب الترجمة و اختصاصه بغيره، و التردّد في هذا العنوان في اختصاص التوثيق بصاحب الترجمة و عمومه لغيره.
و بالجملة، لابدّ من التحرّي و التأمّل في العموم، فإن ثبت العموم فعليه المدار، و إلّا فيقتصر في الوثاقة على القدر الثابت، و هو وثاقة صاحب الترجمة.
__________________________________________________
(1). مغني اللبيب 1: 101.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 178
و من هذا الباب قول النجاشي في ترجمة إبراهيم بن أبي بكر: «ثقة هو و أخوه إسماعيل، رويا عن أبي الحسن عليه السّلام» «1». حيث إنّ قوله: «ثقة هو و أخوه» يحتمل فيه أن يكون «ثقة» خبرا لمبتدأ محذوف، أي هو ثقة؛ فيكون «هو و أخوه إسماعيل رويا عن أبي الحسن» جملة أخرى، فيختصّ التوثيق بإبراهيم، كما جرى عليه الفاضل الاسترابادي «2»، و يحتمل أن يكون «ثقة هو و أخوه إسماعيل» جملة مستقلّة، و «رويا» جملة أخرى؛ كما هو مقتضى ما صار إليه العلّامة في الخلاصة من توثيق إسماعيل «3»؛ إذ الظاهر كون منشأ التوثيق كلام النجاشي.
السابع عشر [تردّد الوصف بين كونه صفة لرأس الكلام و لذيله]
أنّه ربما ذكر التوثيق في كلمات أرباب الرجال في باب الكنى على وجه التوصيف، و تردّد كونه صفة لما قبله المذكور بالتبع، و كونه صفة للعنوان، أعني صاحب الترجمة.
و بعبارة اخرى: يتردّد الأمر بين كونه صفة لرأس الكلام، و كونه صفة لذيله، كما قيل: «أبو عبد اللّه العاصمي أحمد بن العاصم الثقة» «4» حيث إنّه تتردّد لفظة «الثقة» بين كونها صفة لعاصم، و كونها صفة لأبي عبد اللّه.
و نظيره من التوصيف ب «ثقة» في باب الكنى متكرّر، بل نظير هذا العنوان من
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 21/ 30.
(2). منهج المقال: 19.
(3). انظر خلاصة الأقوال: 199/ 1. و إليك عبارته: «و هو أخو إبراهيم كان واقفيّا، قال النجاشي: إنّه ثقة واقفي، فلا أعتمد على روايته». و قال في منتهى المقال 2: 47/ 330 بعد نقل قول خلاصة الأقوال:
«و لا يخفى أنّه لا يفهم من العبارة المذكورة توثيقه أيضا».
(4). رجال الشيخ: 454/ 97؛ الفهرست: 28/ 85.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 179
التوصيف بغير «ثقة» على المساق المذكور في باب الأسامي في حواشي عدم التناهي؛ حيث إنّه يذكر المضاف و المضاف إليه و يذكر صفة بعد المضاف إليه، فتتردّد الصفة بين العود إلى المضاف إليه.
و منه أنّه وقع الكلام في عيسى بن أبي منصور شلقان في كون شلقان صفة لعيسى أو لأبيه، فمقتضى كلام الشيخ في الرجال أنّه صفة لأبي منصور حيث إنّه عنون عيسى بن شلقان «1».
و صريح ما نقله الكشّي عن حمدويه «2» يقتضي كونه صفة لعيسى.
و قال الفاضل الاسترابادي في حاشية المنهج: «قد فهم من كلام الكليني في باب الهجرة «3» ما يؤيّد صريحا «4» أنّ شلقان هو عيسى، لا أبوه» «5».
و أيضا قال النجاشي: «أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل» «6». و قال الشيخ عبد النبي: «الظاهر أنّ الصيقل صفة لأحمد لا لعمر» «7».
و أيضا قد احتمل الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة في أحمد بن إبراهيم علّان كون «علّان» صفة للوالد أو ولديه «8». لكن لعلّ الأوّل أظهر؛ لبعد تلقّب شخصين فضلا عن أخوين بلقب واحد.
__________________________________________________
(1). رجال الشيخ: 257/ 558 و 561 و 566.
(2). رجال الكشّي 2: 621/ 600.
(3). الكافي 2: 258، ح 4، باب الهجرة.
(4). قوله: «ما يؤيّد صريحا» إلى آخره، هو ما رواه الكليني في أصول الكافي في باب الهجرة بسنده عن عليّ بن حديد عن عمّه مرازم بن حكيم قال: كان عند أبي عبد اللّه عليه السّلام رجل من أصحابنا يلقّب شلقان، و كان قد صيّره في نفقته فهجره، فقال لي: يا مرازم تكلّم عيسى ساعة؟ فقلت: نعم، قال: قد أصبت لا خير في المهاجرة». قوله: «فهجره» كأنّ المناسب «فهجرته منه». (منه عفي عنه).
(5). حاشية منهج المقال: 254.
(6). رجال النجاشي 83/ 200.
(7). انظر حاوي الأقوال 1: 173/ 62؛ و 1: 311/ 201؛ و 2: 125/ 468؛ و 4: 137/ 1870.
(8). انظر خلاصة الأقوال 18: 31.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 180
و أيضا في حمزة بن محمّد الطيّار جعل العلّامة في الخلاصة الطيّار صفة لمحمّد، و لذا عنون بحمزة بن الطيّار «1»، و جعله ابن داوود صفة لحمزة، و لذا عنون بحمزة الطيّار. بل حكى عن بعض الأصحاب أنّه ذكر حمزة ابن الطيّار، و حكم بكونه التباسا «2». و الظاهر أنّ مقصوده ببعض الأصحاب هو العلّامة في الخلاصة.
أقول: إنّ هذا العنوان و العنوان الرابع عشر متراضعان من لبن واحد؛ لاشتراكهما في تعقيب المذكور بالتبع بالتوثيق المتردّد بين العود إليه، و العود إلى المذكور بالأصالة؛ فالظاهر كون الثقة صفة لرأس العنوان، أعني عود التوثيق إلى المذكور بالأصالة، كما أنّ الظاهر في ذكر الوصف بعد المضاف إليه كونه صفة للمضاف. و يظهر المستند في دعوى الظهور بما تقدّم في العنوان المتقدّم.
لكن نقول: عليك بالتأمّل في الموارد في كلمات أرباب الرجال كما سمعت في العنوان السابق، بل في باب الأوصاف بعد المضاف إليه يتعيّن الرجوع إلى المضاف إليه في طائفة من الموارد، نحو: «يا ابن محمّد المصطفى»، و «يا ابن عليّ المرتضى» و «يا ابن فاطمة الزهراء» و من هذا الباب صدور فقرات زيارة وارث «3».
و نظير ذلك قول ابن الغضائري على ما نقله العلّامة في الخلاصة في قوله:
«عمر بن ثابت أبي المقدام ضعيف»، قاله ابن الغضائري، و قال في كتابه الآخر:
عمر بن أبي المقدام ثابت» إلى آخره «4»، حيث إنّ مقتضاه رجوع الكنية بالصراحة في العبارة الاولى إلى اللقب، أعني الثابت، و رجوع اللقب في العبارة الثانية إلى الكنية. فقد وقع الأمر في الكنية و اللقب على خلاف الظاهر، و المتعارف من العود إلى المضاف.
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 53/ 2.
(2). رجال ابن داوود 85/ 534.
(3). كامل الزيارات: 226.
(4). خلاصة الأقوال: 241/ 10.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 181
و مع ذلك يمكن أن يقال: إنّ دعوى الظهور في المقام إنّما تتمّ لو كان التوصيف في ذيل تشريح الحال، كما في باب الأسامي. و أمّا في باب الكنى فليس الغرض فيه شرح الحال و تفصيل المقال، بل الغرض مجرّد تشخيص المسمّى بالكنية ممّن تقدّم في باب الأسامي، فليس الظاهر كون الثقة وصفا للرأس، بل الحال في كسوة الإجمال.
لكنّه يندفع بأنّه في كثير من الموارد في باب الكنى ينصرح كون الغرض شرح الحال، كما يقال: «ثقة» أو «وثّقه النجاشي» أو قال: «و له كتب» و هكذا، بل قد يقال بعد التوصيف بالثقة- كما تقدّم-: و ليس المتقدّم إلّا و ثاقة رأس العنوان، بل كثيرا ما يشرح الحال بالبسط أو نوع البسط في المقام «1»، لكن لا يظهر بذلك كون الغرض من باب الكنى شرح الحال، بل لا إشكال في أنّ الغرض من أغلب باب الكنى ليس شرح الحال ففي ما تقدّم اسمه كان الغرض تشخيص الاسم، و لا يظهر كون الوصف صفة للرأس.
و أمّا ما لم يتقدّم اسمه كان الغرض شرح حاله، فالظاهر كون الوصف صفة للمضاف على حسب الحال في ذكر الوصف بعد المضاف إليه في باب الأسامي، لكن نقول: إنّه مع ذلك لا ينبغي التقاعد عن التأمّل في خصوص الموارد.
الثامن عشر [تردّد التوثيق بين كونه من الناقل و المنقول عنه]
أنّه قد يتردّد التوثيق بين كونه من الناقل و المنقول عنه كما في قول الكشّي في ترجمة ثعلبة بن ميمون: «حمدويه، عن محمّد بن عيسى أنّ ثعلبة بن ميمون
__________________________________________________
(1). في «ح»: «المقال».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 182
مولى محمّد بن قيس الأنصاري، و هو ثقة، خير، فاضل، مقدّم، معلوم، معدود في العلماء و الفقهاء و الأجلّة من هذه العصابة» «1»؛ لتردّد التوثيق فيه بين كونه من كلام الكشّي كما هو مقتضى كلام السيّد السند التفرشي «2»، و كونه من كلام محمّد بن عيسى، و هو مقتضى عدم توثيق ثعلبة من العلّامة في الخلاصة «3» و ابن داوود «4»؛ إذ الظاهر أنّه بملاحظة الظاهر «5» اشتراك محمّد بن عيسى و كون التوثيق منه، و إلّا فحمدويه منصوص بالتوثيق في الخلاصة «6» و الكشّي «7»، و وثّقه النجاشي «8» و كذا الشيخ في الرجال «9» و لعلّه الأظهر؛ لبعد نقل مجرّد المولويّة بواسطتين كما هو الحال على تقدير كون التوثيق من الكشّي لعدم الاهتمام به؛ فلا يليق بالنقل بالواسطتين، بل نقل المولويّة قليل أو مفقود الأثر، بخلاف الوثاقة فإنّها محلّ الاهتمام تمام الاهتمام.
و ربما احتمل الشيخ عبد النبيّ كون التوثيق من حمدويه «10». و ضعفه ظاهر.
و مثل ذلك قول ابن عقدة في ترجمة الحسن بن صدقة على ما في الخلاصة نقلا: «أخبرنا عليّ بن الحسن قال: الحسن بن صدقة المدائني أحسبه أزديّا، و أخوه مصدّق، رويا عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام و كانوا ثقات» «11» لتردّد
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 2: 711/ 776. و قوله: «معدود» لم يرد فيه.
(2). نقد الرجال 1: 319/ 867.
(3). خلاصة الأقوال: 30/ 1.
(4). رجال ابن داوود: 60/ 286.
(5). كلمة «الظاهر» زيادة من «ح».
(6). خلاصة الأقوال: 30/ 1.
(7). رجال الكشّي 2: 711/ 776.
(8). رجال النجاشي 1: 412/ 302.
(9). رجال الشيخ: 421/ 9.
(10). حاوي الأقوال 1: 233/ 116.
(11). خلاصة الأقوال: 45/ 51.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 183
التوثيق بين كونه من ابن عقدة كما عن ظاهر الخلاصة «1»، و كونه من عليّ بن الحسن كما هو صريح بعض.
و كذا ما رواه الكشّي في ترجمة زكريّا بن سابور حيث قال: «محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جعفر بن أحمد بن أيّوب قال: حدّثني العمركي عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن سعيد بن يسار أنّه حضر أحد ابني سابور و كان لهما ورع و اخبات» «2» لتردّد قوله: «و كان» إلى آخره «3» بين كونه عن ابن مسعود و سعيد.
إلّا أنّ الظاهر الأخير كما جرى عليه غير واحد؛ قضيّة القرب، مضافا إلى بعد تتميم الشخص كلام غيره، كما هو الحال على الأوّل.
و ربّما احتمل الأوّل.
و تظهر الثمرة فيما لو كان الناقل أو المنقول عنه مورد الاعتبار بالعدالة أو الحسن دون الآخر، أو كانت الواسطة متعدّدة، مع عدم اعتبار بعض الوسائط لو كان الناقل الأوّل و المنقول عنه كلاهما معتبرين على تقدير تخلّل الواسطة.
و كذا قول النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال: «أبو الحسين، و قيل: أبو عبد اللّه يقال: إنّه كان فطحيّا، و كان ثقة في الحديث» «4» حيث إنّ قوله: «و كان ثقة في الحديث» متردّد بين كونه من كلام النجاشي، و كونه من كلام القائل.
لكن يمكن القول بظهور الأخير؛ نظرا إلى أنّ فطحيّة أحمد المذكور أظهر
__________________________________________________
(1). المصدر السابق.
(2). رجال الكشّي 2: 626/ 614.
(3). قوله: «لتردّد قوله» إلى آخره، بين كونه من ابن مسعود و سعيد. و يحتمل كونه من الكشّي نظير احتمال كون التوثيق في باب ثعلبة بن ميمون من الكشّي، و احتمال كون التوثيق في باب ثعلبة بن ميمون من حمدويه (منه عفي عنه).
(4). رجال النجاشي: 80/ 194.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 184
و أشهر من وثاقته، فلو لم تثبت فطحيّته عند النجاشي فوثاقته أولى بعدم الثبوت عنده، اللهمّ إلّا أن يمنع عن الأولويّة.
و ربّما احتمل بعض كونه من كلام القائل؛ نظرا إلى ما ذكر، و مقتضاه ظهور كونه من كلام النجاشي مع قطع النظر عمّا ما ذكر.
و ليس بالوجه.
و كذا قول النجاشي في ترجمة محمّد بن سنان: «و قال أبو العبّاس [أحمد بن] محمّد بن سعيد: إنّه روى عن الرضا عليه السّلام قال: و له مسائل عنه معروفة، و هو رجل ضعيف لا يعوّل عليه و لا يلتفت إليه» «1» حيث إنّ بعضا جرى على كون قوله: «و هو رجل ضعيف»- إلى آخره- من كلام أحمد و هو ابن عقدة، و تردّد بعض الأعلام- كالسيّد السند النجفي- بين كونه من كلام أحمد، و كونه من كلام النجاشي «2».
لكن نقول: إنّ وقوع التضعيف من النجاشي في ترجمة المدائني «3» يرشد إلى كون الكلام المشار إليه من النجاشي.
و ربّما يشبه المقام قول الكشّي في ترجمة سعد بن سعد الأحوص:
حدّثني محمّد بن قولويه قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه القمّي، قال:
حدّثني أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى، عن رجل، عن عليّ بن الحسين بن داوود القمّي قال: سمعت أبا جعفر الثاني عليه السّلام يذكر صفوان بن يحيى و محمّد بن سنان بخير، و قال: «رضي اللّه عنهما برضاي عنهما، فما خالفاني قطّ» «4».
حيث إنّه احتمل الشيخ محمّد في قوله: «و قال» كونه ابتداء حديث مرسل من
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 328/ 888. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2). رجال السيّد بحر العلوم 1: 256.
(3). انظر منتهى المقال 5: 70؛ و 7: 438.
(4). رجال الكشّي 2: 792/ 963.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 185
الكشّي، و كونه متّصلا بما قبله من المنقول عنه، أعني عليّ بن الحسين. و ظاهر العلّامة هو الثاني «1». و هو الظاهر.
و كذا ما رواه في كامل الزيارة عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«كلّ الطين محرّم على ابن آدم ما خلاطين قبر الحسين عليه السّلام» و وجدت في حديث الحسن بن بهران الفارسي، عن محمّد بن أبي سيّار، عن يعقوب، عن يزيد يرفع الحديث إلى الصادق عليه السّلام قال: «من باع طين قبر الحسين عليه السّلام فإنّه يبيع لحم الحسين عليه السّلام و يشتريه» «2».
حيث إنّه قوله: «و وجدت» متردّد بين كونه من كلام صاحب كامل الزيارة، و كونه من كلام سماعة. لكنّ الظاهر هنا هو الأوّل.
و يرشد إليه أنّه روى الرواية في البحار «3» عن كامل الزيارة على الوجه المسطور.
التاسع عشر [تردّد التوثيق بين كونه من الإمامي و غيره]
أنّه قد يتردّد التوثيق بين كونه من الإمامي و كونه من غيره، كما في ترجمة حكم بن حكيم حيث إنّه قال النجاشي:
الحكم بن الحكيم- بضمّ الحاء- أبو خلّاد الصيرفي، كوفيّ، مولى ثقة، روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ذكر ذلك أبو العبّاس في كتاب الرجال، ثمّ قال:
و قال ابن نوح: هو ابن عمّ خلّاد بن عيسى «4».
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 78/ 2.
(2). كامل الزيارة: 300، ح 4؛ وسائل الشيعة 16: 397، أبواب الأطعمة المحرّمة، ب 59، ح 4 و 5.
(3). البحار 98: 130، ح 48.
(4). رجال النجاشي: 137/ 353.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 186
و أبو العبّاس مشترك بين ابن عقدة و ابن نوح. لكن نقول: إنّ تردّد التوثيق مبنيّ على كون اسم الإشارة في قوله: «ذكر ذلك» راجعا إلى جميع ما تقدّم من قوله: «كوفي مولى ثقة روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام» أو من صدر العنوان لا إلى خصوص الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. و هو خلاف الظاهر.
لكن يمكن أن يقال: إنّ النقل عن ابن نوح بالأخرة يكشف عن كون المقصود بأبي العبّاس هو ابن عقدة.
و على أيّ حال فلا بأس بالتردّد المذكور بناء على ما تقدّم من كفاية توثيق غير الإمامي.
العشرون [نقل الراوي عدالة نفسه]
أنّه لا نفع و لا جدوى فيما ينقله الراوي ممّا يدلّ على وثاقته في وثاقته، أعني عدالته في عدالته، بناء على اعتبار العدالة في اعتبار الخبر؛ لأنّ ثبوت عدالته بنقله بناء على اعتبار العدالة في اعتبار الخبر يستلزم الدور.
لكن لو فرض حصول الظنّ بعدالة الراوي ممّا ينقله بنفسه، فعليه الاعتبار على القول باعتبار عدالة الراوي بناء على كفاية الظنّ في الرجال، أو كفاية الظنّ بالعدالة.
و نظيره ثبوت الاجتهاد بادّعاء الشخص بناء على كفاية الظنّ بالاجتهاد، لكنّ حصول الظنّ بصدق الراوي فيما نقله مع فرض الجهل بحاله و عدم وجود شيء آخر غير ما ينقله بعيد و إن يتأتّى الظنّ بصدقه لو نقل شيئا آخر؛ لشدّة قرب إخبار الشخص بما ينفعه بالكذب، و استقرار سيرة الناس على عدم قبول إخبار الشخص بما ينفعه، بخلاف الإخبار بشيء آخر، فإنّ سيرة الناس مستقرّة على القبول، و النفوس متسارعة إليه، بل يمتنع مساواة حال الشيء نفيا و إثباتا قبل
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 187
الإخبار و بعده، و عدم رجحان المخبر به بالإخبار.
و على منوال حال ما ينقله الراوي ممّا يدلّ على وثاقته: ما ينقله الراوي ممّا يدلّ على حسن حاله، لكن لو كان ممدوحا و نقل ما يدلّ على عدالته، تثبت عدالته بنقله، سواء كان إماميّا أو غير إمامي على القول باطّراد العدالة في سوء المذهب، بناء على عدم اعتبار الإيمان في اعتبار الخبر.
كما أنّه لو كان ثابت العدالة أو حسن الحال بالمعاشرة، و نقل ما يدلّ على عدالته أو حسن حاله، تتقوّى ثبوت عدالته و حسن حاله، و يحصل الظنّ بثبوت ما ينقله.
لكنّ هذا الفرض لا يتّفق في رواة الأخبار، كما أنّه لو كان ما ينقله من باب الإخبار عن المعصوم، و كان متن الخبر المروي عن المعصوم مقرونا بما يشتمل على الإعجاز من المحاسن البديعية أو المفاد العال، يحصل الظنّ بالصدق و صدور الخبر عن المعصوم؛ فتثبت العدالة أو حسن الحال.
إلّا أن يقال: إنّ اشتمال الخبر على الإعجاز لا يقتضي صدور جميع أجزاء الخبر، فلا بأس بعدم حصول الظنّ بالصدور بالنسبة إلى ما يقتضي العدالة أو حسن الحال.
لكن نقول: إنّه يمكن الظنّ بالعدالة أو حسن الحال من باب عدم التفطّن و الغفلة عمّا ذكر من عدم استلزام اشتمال «1» الخبر للإعجاز للظنّ بصدور جميع الأجزاء.
و أيضا لو أكثر في نقل ما يفيد العدالة أو حسن الحال، و بلغ النقل حدّ إفادة العلم، فعليه التعويل. و كذا الحال لو تجاوز النقل عن الاستفاضة و لم يبلغ حدّه إفادة العلم، بناء على حصول الظنّ بالصدق و إن كان الأمر من باب الشهادة على
__________________________________________________
(1). في «د»: «احتمال».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 188
النفس، و يقرب إخبار الشخص بما ينفع بحاله بالكذب لفرض انجبار الانكسار بمزيد العدد. و قد تقدّم مزيد الكلام.
و قد أكثر الشهيد الثاني في تعليقات الخلاصة تضعيف ما ينقله الراوي من الخبر في حقّه ممّا يقتضي عدالته أو حسن حاله تعليلا بأنّه شهادة للنفس «1».
فقد حكى في الخلاصة في ترجمة جابر المكفوف عن ابن عقدة، عن عليّ بن الحسن، عن عباس بن عامر، عن جابر المكفوف، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام [قال: دخلت عليه عليه السّلام] فقال: «أما يصلونك؟» فقلت: ربّما فعلوا، فوصلني بثلاثين دينارا، ثمّ قال: «يا جابر كم من عبد إن غاب لم يفقدوه، و إن شهد لم يعرفوه في أطمار «2» لو
__________________________________________________
(1). سيأتي تخريجها لا حقا.
(2). قوله: «في أطمار» قال في الصحاح: الطمر بالكسر الثوب الخلق. و الجمع أطمار. و قال في المغرب نقلا: الطمر بالكسر الثوب الخلق. و الجمع أطمار. و معنى الحديث أنّه لا يبالى به بحقارته، و هو مع ذلك من الفضل في دينه و الخشوع لربّه، بحيث إذا دعاه استجاب دعاءه، و القسم على اللّه أن يقول:
بحقّك فافعل كذا، و إنّما عدّي ب «على» لأنّه ضمن معنى التحكّم و عن الدرّ و القدر يقال: برّت يمين فلان إذا صدقت و أبرره إليه، أي أمضاها على الصدق. و في المجمع: و برّ اللّه قسمه أي صدّقه. و منه: لو أقسم على اللّه لأبرّ قسمه، أي لو حلف على وقوع شيء لأبرّه أي صدّقه و صدّق يمينه، و معناه أنّه لو حلف يمينا على أن يفعل الشيء أو لا يفعله جاء الأمر فيه على ما يوافق يمينه و إن أحقر عند الناس. و قيل:
لو دعاه لأجابه. أقول: إنّ الجار و المجرور المذكور أعني قوله: «في أطمار» إمّا أن يكون متعلّقا بقوله: «يعرفوه» و لعلّه الأظهر، أو يكون خبرا لمبتدأ محذوف، أي هو في أطمار. و قوله: «لأبرّ قسمه» لو كان الغرض إجابة الدعاء لكان الضمير في «أبرّ» راجعا إلى اللّه، و كذا الحال لو كان الغرض تصديق اليمين؛ إذ الغرض على هذا أنّ اللّه سبحانه قدّم الأمر على طبق يمين العبد الموصوف لعلوّ منزلته كما يرشد إليه عبارة المجمع، و إلّا فلو كان الضمير راجعا إلى العبد الموصوف- كما ربّما يتوهّم- فلا مناسبة للمقام بالمقام؛ إذ المقام إنّما يقتضي إظهار علوّ منزلة العبد الموصوف، و لا يتأتّى علوّ المنزلة على ذلك؛ بخلاف ما لو كان الغرض تصديق اليمين من اللّه سبحانه، أو إجابة الدعا، و لعلّ الأظهر كون الغرض إجابة الدعاء (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 189
أقسم على اللّه لأبرّ قسمه» «1».
و أورد الشهيد الثاني بأنّه من باب الشهادة للنفس.
و حكى في الخلاصة في ترجمة صالح بن ميثم أنّه قال له أبو جعفر عليه السّلام: «إنّي أحبّك حبّا شديدا» «2».
و أورد الشهيد الثاني بأنّه شهادة للنفس.
و حكى في الخلاصة في ترجمة عليّ بن سويد عن الكشّي أنّه روى بسنده عن عليّ بن سويد أنّه قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام، فذكر حديثا عن أبي الحسن [موسى] عليه السّلام يشهد بأنّه نزل من آل محمّد عليهم السّلام منزلة خاصّة، و غير ذلك من إلهام الرشد و البصيرة في أمر دينه «3».
و أورد الشهيد الثاني بأنّه مع عدم سلامة سنده شهادة للنفس «4».
و حكى في الخلاصة في ترجمة زكريّا بن سابق عن الكشّي أنّه روى بسنده عن زكريّا أنّه وصف الأئمّة لأبي عبد اللّه عليه السّلام و ما يشهد بصحّة الإيمان منه «5».
و أورد الشهيد الثاني بأنّه شهادة الرجل لنفسه «6».
و حكى في الخلاصة في ترجمة حمران بن أعين عن الكشّي أنّه روى بسنده عن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال له: «أنت من شيعتنا في الدنيا و الآخرة» «7».
و أورد الشهيد الثاني بأنّه شهادة لنفسه «8».
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 35/ 3.
(2). خلاصة الأقوال: 88/ 3.
(3). خلاصة الأقوال: 92/ 5؛ رجال الكشّي 2: 753/ 859.
(4). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 44.
(5). خلاصة الأقوال: 75/ 2؛ رجال الكشّي 2: 717/ 793.
(6). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 37.
(7). خلاصة الأقوال: 63/ 5؛ رجال الكشّي 1: 412/ 304.
(8). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 33.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 190
و حكي في الخلاصة في ترجمة عبد الملك بن عمرو أنّه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّي لأدعو لك حتّى اسمّي دابّتك، أو قال: ادعو لدابّتك» «1».
و أورد الشهيد الثاني بأنّه ينتهي إلى المدح، لكنّه شهادة لنفسه «2».
و حكى في الخلاصة في ترجمة عليّ بن ميمون أنّه قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله، فقلت له: إنّي أدين اللّه بولايتك و ولاية آبائك و أجدادك عليهم السّلام فادع اللّه أن يثبّتني، فقال: «رحمك اللّه رحمك اللّه» و استقرب قبول روايته استنادا إلى دعاء الصادق عليه السّلام «3».
و أورد الشهيد على الاستناد إلى الدعاء بأنّه شهادة لنفسه «4».
و حكى في الخلاصة في ترجمة الحسين بن المنذر عن الكشّي أنّه روى عن الصادق عليه السّلام «أنّه من فراخ الشيعة» ثمّ قال: و هذه الرواية لا تثبت عندي عدالته، لكنّها مرجّحة لقبول قوله «5».
و أورد الشهيد الثاني بأنّه شهادة لنفسه «6».
و الظاهر من الكلمات المذكورة من العلّامة و لا سيّما ما ذكره من قبول رواية عليّ بن ميمون «7» كفاية ما ينقله الراوي في حقّه في حقّه، لكن مقتضى ما ذكره في باب الحسين بن المنذر عدم الكفاية في إثبات العدالة دون الترجيح لقبول القول.
و يأتي الكلام فيه عن قريب.
و قال في ترجمة عبد اللّه بن ميمون عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يا ابن ميمون كم
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 115/ 7؛ و انظر رجال الكشّي 2: 687/ 730.
(2). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 55.
(3). خلاصة الأقوال: 96/ 27؛ و انظر رجال الكشّي 2: 661/ 680.
(4). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 46.
(5). خلاصة الأقوال: 50/ 12؛ رجال الكشّي 2: 669/ 693.
(6). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 28.
(7). خلاصة الأقوال 96/ 27.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 191
أنتم بمكّة؟» قلت: نحن أربعة، قال: «إنّكم نور اللّه في ظلمات الأرض» «1». فقال:
و هذا لا يفيد العدالة؛ لأنّه شهادة منه لنفسه «2».
و ذكر في ترجمة كليب بن معاوية: أنّ رواية الكشّي عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن كليب بن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3» ما يشهد بصحّة عقيدته شهادة لنفسه، فيتوقّف في تعديله «4».
و مقتضى هذين الكلامين المذكورين منه عدم كفاية ما ينقله الراوي في حقّه في حقّه.
و حكم الشيخ عبد النبي في باب يزيد أبي خالد القمّاط بأنّ ما نقله حمدويه عن يزيد المذكور- من أنّه ناظر زيدا فظهر عليه فأعجب الصادق عليه السّلام- من باب الشهادة للنفس «5».
و ربّما قيل: إنّه يظهر من الشيخ عبد النبيّ أنّ الشهادة للنفس قد تقبل؛ تعليلا بأنّه روى الكشّي في ترجمة زيد الشحّام أنّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اسمّى في تلك الأسامي يعني في كتاب أصحاب اليمين؟ قال: «نعم». و قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: «أنت من شيعتنا يا زيد كأنّي أنظر إليك في درجة من الجنّة» «6».
و أورد الشيخ عبد النبيّ بضعف الروايتين من دون إضافة عدم اعتبار الشهادة للنفس «7». لكن يحتمل أن يكون ترك الإضافة من باب الغفلة.
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال 108/ 29؛ رجال الكشّي 2: 687/ 731 و 732.
(2). خلاصة الأقوال: 108/ 29.
(3). رجال الكشّي 2: 631/ 628.
(4). خلاصة الأقوال: 135/ 4.
(5). حاوي الأقوال 2: 346/ 732.
(6). رجال الكشّي 2: 627/ 618.
(7). حاوي الأقوال 1: 379/ 275.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 192
الحادي و العشرون [ثبوت خلاف التوثيق في بعض الموارد]
أنّه بناء على ثبوت الاصطلاح في «ثقة» في العدل الضابط الإمامي لو ثبت انتفاء العدالة أو الضبط أو الإماميّة وحدانيّا و ثنائيّا على الثاني من جانب الموثّق في محلّ آخر أو من غيره، فهل يوجب ذلك انتفاء الوثوق بالتوثيق فيما عدا ما ثبت خلافه بوجه من الوجوه المذكورة أم لا؟
الأظهر الأخير؛ لكون الأمر من قبيل العامّ المخصّص و النصّ المشتمل على خلاف الإجماع، إلّا أنّ الحقّ في الأخير أنّ عدم اعتبار خلاف الإجماع يوجب عدم اعتبار غيره لو كان عدم اعتبار ذلك مستلزما لعدم اعتبار الغير، لكنّ المفروض في المقام عدم الاستلزام.
نعم، لو تكثّر ما ذكر، فهو يكشف عن عدم مبالاة الموثّق، و ينتفي الوثوق بتوثيقه في غير موارد ثبوت الخلاف.
الثاني و العشرون [ما لا يكفي في إثبات الوثاقة يكفي في الترجيح]
أنّ مقتضى طائفة من كلمات العلّامة في الخلاصة أنّ ما لا يكفي في إثبات الوثاقة- بمعنى العدالة- من الخبر- لقصور الدلالة على العدالة و قصور السند- يكفي في الترجيح.
فقد حكى في الخلاصة في ترجمة خيثمة «1» بن عبد الرحمن، عن العقيقي «أنّه
__________________________________________________
(1). قوله: «خيثمة» بفتح الخاء المعجمة و سكون الياء (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 193
كان فاضلا» فقال: «و هذا لا يقتضي التعديل و إن كان من المرجّحات» «1».
و حكم فيها في ترجمة عمران بن عبد اللّه بعدم ثبوت عدالته بالحديثين المذكورين في كلام الكشّي، فقال: «بل هما من المرجّحات» «2».
و أورد الشهيد الثاني في الحاشية بأنّه لا وجه لكونهما من المرجّحات مع ضعف السند «3».
و حكم فيها في ترجمة الحكم بن عبد الرحمن «بأنّ ما نقله ابن عقدة عن الفضل بن يوسف من أنّه قال: الحكم بن عبد الرحمن ثقة ثقة لا أعتمد عليه في التعديل، لكنّه مرجّح» «4».
و حكم فيها في ترجمة حمّاد السمندري بعد نقل رواية عن الكشّي «بأنّ هذا الحديث من المرجّحات، لا أنّه من الدلائل على التعديل» «5».
و حكم فيها في ترجمة سفيان بن أبي ليلى بعد نقل حديث من الكشّي «بأنّه لم يثبت بهذا عدالة المشار إليه، بل هو من المرجّحات» «6».
و أورد الشهيد الثاني بأنّ في كونه من المرجّحات نظرا واضحا.
و حكم فيها في ترجمة علي بن الحسين بن عبيد اللّه بعد نقل رواية عن الكشّي «بأنّ هذه الرواية لا تدلّ على عدالة الرجل، لكنّها من المرجّحات» «7».
و أورد الشهيد الثاني «بأنّ كونها من المرجّحات محلّ النظر» «8».
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 66/ 8.
(2). خلاصة الأقوال: 124/ 3؛ و انظر رجال الكشّي 2: 624/ 608 و 609 و 610.
(3). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 59.
(4). خلاصة الأقوال: 60/ 4.
(5). خلاصة الأقوال: 57/ 5.
(6). خلاصة الأقوال: 81/ 2؛ رجال الكشّي 1: 327/ 178.
(7). خلاصة الأقوال: 98/ 34.
(8). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 48.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 194
و حكم فيها في ترجمة عبد الرحمن بن حسن- بعد نقل أنّه حافظ حسن الحفظ عن النجاشي- «بأنّ هذا لا يقتضي التعديل، بل هو مرجّح» «1».
و حكم فيها في ترجمة عيسى بن جعفر بن عاصم بعد نقل رواية عن الكشّي «بأنّ هذه الرواية لا توجب تعديلا، و لكنّها من المرجّحات» «2».
و أورد الشهيد الثاني بأنّ كونها من المرجّحات إنّما يتمّ مع صحّة السند، و أمّا مع الضعف فلا كما لا يخفى.
و حكم فيها في ترجمة الحسين بن منذر- كما مرّ- «بأنّ ما رواه عن الصادق عليه السّلام من أنّه من فراخ الشيعة لا يثبت عدالته، لكنّها مرجّحة لقبول قوله» «3».
و مقتضاه تسليم الفرق بين إثبات العدالة، و الترجيح، و إلّا لأضاف القدح بكونه من باب الشهادة للنفس، كما ارتكب العلّامة القدح به.
و اعتذر الفاضل الاسترابادي بأنّه لا يبعد أن يكون مراد العلّامة أنّ الرواية المذكورة مرجّحة عند التعارض و مويّدة، أو مرجّحة مطلقا، أمّا الاعتماد على مجرّد ذلك فشيء آخر «4».
أقول: إنّه يمكن أن يكون مقصود العلّامة أنّ الخبر المذكور- الموصوف بالقصور؛ لكونه من باب الشهادة للنفس- لا يكفي في إثبات العدالة، بناء على اعتبار العدالة في اعتبار الخبر، لكنّه يوجب الظنّ بالعدالة، أو يثبت رجحان الإسناد و الظنّ بالصدق، أي المدح في صورة قصور السند، أو يثبت المدح في صورة قصور الدلالة.
لكنّك خبير بأنّه لو لم تثبت العدالة فلا يثبت المدح أيضا؛ إذ يلزم في ثبوت
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 114/ 10؛ و انظر رجال النجاشي: 236/ 626.
(2). خلاصة الأقوال: 121/ 1؛ و انظر رجال الكشّي 2: 863/ 1122.
(3). خلاصة الأقوال: 50/ 12.
(4). منهج المقال: 117.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 195
المدح و إحراز حسن الحديث ما يلزم في ثبوت العدالة و إحراز صحّة الحديث، و يكفي فيه ما يكفي فيه. نعم، يتأتّى الظنّ بالعدالة.
هذا في صورة قصور السند، و أمّا في صورة قصور الدلالة فلا بأس بدعوى ثبوت المدح، و يكفي فيه ما يكفي فيه.
و أمّا ما احتمله الفاضل الاسترابادي من الوجهين فيمكن أن يكون المقصود به كفاية الرواية القاصرة في ترجيح أحد المتعارضين لو تعارضا في عدالة الرجل و عدم عدالته، أو تأييد الرواية المعتبرة، أي الموصوف راويها بالعدالة لو وردت بعدالة الرجل.
لكنّك خبير بأنّه لو تقاصرت الدلالة فكان غاية الأمر الدلالة على المدح، فهذا لا يوجب ترجيح ما يدلّ على العدالة لو تعارض مع ما يدلّ على عدم الدلالة.
و يمكن أن يكون المقصود الكفاية في ترجيح رواية الراوي في المسائل الفقهية لو تعارضت روايتان و كانت رواية الراوي المشار إليه موافقة لإحدى الروايتين؛ لعدم اشتراط الترجيح في تعارض الخبرين بالعدالة، و إن كان اعتبار الخبر في حال الانفراد مشروطا و منوطا بالعدالة؛ لكفاية مطلق الظنّ في باب الترجيح، أو الكفاية في تأييد رواية الراوي المشار إليه لرواية معتبرة لو وردت في الفقه و اتّفق مفاد الروايتين.
و يمكن أن يكون المقصود بالترجيح عند التعارض هو ترجيح الرواية القاصرة، أو تأييدها لرواية الراوي المشار إليه لو وقع التعارض بين روايته و رواية أخرى في مسألة فقهيّة، أو وقعت رواية الراوي المشار إليه في الفقه منفردة.
لكنّك خبير بأنّه يمكن أن يكون من رواة الرواية الاخرى [من] ثبتت عدالته بوجه أقوى، فلا مجال لترجيح رواية الراوي المشار إليه، مع أنّه يمكن أن يكون في سند رواية الراوي المشار إليه من كان ثبوت عدالته بوجه أضعف من ثبوت عدالة رواة الرواية الاخرى كلّا أو بعضا. و إن كان عدالة الراوي المشار إليه أقوى
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 196
ثبوتا من عدالة كلّ من رواة الرواية الاخرى. فلا مجال لترجيح رواية الراوي المشار إليه أيضا.
ثمّ إنّه يشبه كلام العلّامة كلام ابن الغضائري حيث يقول: إنّ حديثه يعرف تارة و ينكر أخرى، و يجوز أن يخرج شاهدا، كما في ترجمة إسحاق بن عبد العزيز «1». و نظيره غير عزيز.
قوله: «و يجوز أن يخرج شاهدا» الغرض الجواز على تقدير الإنكار أو مطلقا.
و لعلّ الغرض تأييد الرواية المعتبرة.
و ربّما فسّر صدر العبارة المذكورة- و هو بالانفراد غير عزيز الذكر أيضا- بأنّ الغرض أنّه إن روى عن الثقات فمعروف و حسن، و إن روى عن الضعفاء أو روى المراسيل فهو منكر.
الثالث و العشرون [في تصاريف «ثقة»]
أنّه بناء على ثبوت الاصطلاح في «ثقة» في كلمات الرجال، و دلالتها على العدالة، هل يطّرد الاصطلاح في تصاريفها، أم لا؟
و من هذا الباب ما نقله النجاشي عن أصحابنا من أنّ «الحسن بن محمّد بن جمهور كان أوثق من أبيه» «2».
و كذا ما ذكره النجاشي من أنّ «عليّ بن أسباط كان أوثق الناس و أصدقهم لهجة» «3».
__________________________________________________
(1). حكاه عنه في خلاصة الأقوال: 201/ 7.
(2). رجال النجاشي: 62/ 144.
(3). رجال النجاشي: 252/ 663.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 197
و كذا ما ذكره الشيخ في الفهرست من أنّ «ابن أبي عمير كان أوثق الناس عند الخاصّة و العامّة» «1».
و كذا ما نقله العلّامة في الخلاصة عن ابن عقدة من أنّ «الحسن بن علوان كان أوثق من أخيه الحسن و من أحمد عند أصحابنا» «2».
و كذا ما ذكره ابن الغضائري في ترجمة حسن بن عليّ بن أبي حمزة من أنّ أباه أوثق منه «3»، بناء على اجتماع العدالة مع سوء المذهب، و إلّا فليس الثقة في الأوثق بمعنى العدالة قطعا.
لكن يمكن أن يقال: إنّ المقصود بالأوثقيّة فيه هو كون الوثوق إلى الأب أزيد، مع اشتراك الوالد و الولد في الضعف. و المرجع إلى الوثوق القليل بالنسبة إلى الأب، و عدم الوثوق رأسا بالنسبة إلى الولد.
قال ابن الغضائري: «إنّه واقف ابن واقف ضعيف في نفسه و أبوه أوثق منه» «4».
فقد بان ضعف الاستدلال بذلك على وثاقة عليّ بن أبي حمزة.
و من ذلك الباب أيضا ما قاله العلّامة في الخلاصة في ترجمة محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد من أنّه موثوق به «5».
أقول: إنّه لا مجال لاطّراد الاصطلاح؛ إذ الاصطلاح غير قابل للسراية، كيف و من الواضح اختصاص الاصطلاح تعيينا أو تعيّنا بالمادّة الخاصّة مع الهيئة المخصوصة و كونه من شؤون شخص اللفظ الخاصّ.
نعم، الظاهر أنّ التعبير بالمشتقّات على حسب المعنى المصطلح بالمصدر،
__________________________________________________
(1). الفهرست: 142/ 616.
(2). خلاصة الأقوال: 216/ 6.
(3). خلاصة الأقوال: 212/ 7.
(4). خلاصة الأقوال: 212/ 7.
(5). خلاصة الأقوال: 147/ 43.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 198
فيتأتّى الاصطلاح في المشتقّات بالتعيّن «1» على حسب المعنى المصطلح في المصدر بالتعيين كما هو المفروض.
لكن تطرّق الاصطلاح في أحد المتضادّين لا يقتضي كون استعمالات الضدّ الآخر فيما يضادّ ذلك المعنى المصطلح عليه، كما أنّ تطرّق الاصطلاح في أحد المتضادّين لا يقتضي تطرّق الاصطلاح المضادّ لذلك الاصطلاح في الضدّ الآخر، و قد حرّرنا في الأصول تطرّق النقل على العدالة دون الفسق.
[في تصاريف لفظ «الصحيح»]
و نظير ذلك أنّ الظاهر أنّ استعمالات الصحّة و تصاريفها في لسان المتأخّرين على حسب الاصطلاح في الصحيح. و دعوى: أنّ الاصطلاح إنّما هو في الصحّة لكنّه يسري إلى صروف تصاريفها و شقوق اشتقاقها، ليست بشيء؛ إذ الظاهر- بل بلا إشكال- أنّ الاصطلاح قد وقع في الصحيح كالموثّق و الحسن، فلا يتجاوز عنه، مع أنّه لو كان الاصطلاح واقعا في الصحّة فلا يرى إلى تصاريفها؛ لوضوح عدم اطّراد الصحّة التي وقع فيها الاصطلاح في التصاريف.
نعم، ما اطّرد فيها إنّما هو المهملتان، لكن لم يتطرّق الاصطلاح عليهما؛ فما وقع فيه الاصطلاح لم يطّرد، و ما اطّرد لم يقع فيه الاصطلاح.
هذا كلّه بناء على ثبوت الاشتقاق. و أمّا بناء على إنكاره- كما نصرناه «2» في الأصول- فالأمر أظهر.
__________________________________________________
(1). في «د»: «بالتعيين».
(2). في «د»: «أشرنا».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 199
و ربما يشبه المقام ما حرّرناه في الأصول في تضعيف «1» دعوى صيرورة العمومات الشرعيّة مجازات مشهورة في الخصوص من أنّ المناط في صيرورة اللفظ مجازا مشهورا هو كون غالب استعمال شخص اللفظ استعماله في المعنى المجازي، و لم يثبت في العمومات الشرعيّة الغلبة الشخصيّة بكون الغالب في استعمال كلّ واحد منها استعماله في الخاصّ، بل غاية ما في الباب إنّما هي كون الغالب في أفراد هذا النوع هو التجوّز و لو في الاستعمال الواحد الذي نحن مطّلع عليه بالنسبة إلى كلّ واحد من الأفراد. و أين ذلك من المجاز المشهور؟
نعم، ما ذكر إنّما يتّجه فيما كان عمومه بغير السور، كالجمع المعرّف باللام، أو كان عمومه بالسور و قلنا فيه بكون العامّ هو المسور، و أمّا لو كان عمومه بالسور و قلنا فيه بكون [العامّ] هو السور فغلبة التخصيص- و لو بالنسبة إلى الموارد- توجب صيرورة الخصوص من باب المجاز المشهور.
و يعد، فلو قيل في ترجمة: «موثوق به» كما في ترجمة محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد «2» كما مرّ، أو «نثق به» فلا مجال للاستعمال في العدالة و لو بناء على ثبوت الاصطلاح في «ثقة».
نعم، عموم المتعلّق المحذوف المقتضي لثبوت العدالة- لو ثبت العموم- أمر آخر، فبعض تصاريف «ثقة» بناء على ثبوت الاصطلاح فيها يمكن استعماله في العدالة، كالثقات و كالأوثق، بناء على كون العدالة هي الملكة، أو نفس الاجتناب مع ارتكاب العناية كما يظهر ممّا يأتي. و من هذا الباب الثقة، بل يمكن القول باطّراد الاصطلاح فيها. و بعضها لا يمكن استعماله في العدالة.
__________________________________________________
(1). في «د»: «تزييف».
(2). خلاصة الأقوال: 147/ 43.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 200
الرابع و العشرون [لو قيل: «فلان أوثق من فلان»]
أنّه لو قيل: «فلان أوثق من فلان» كما تقدّم في حسن بن علوان «1»، و حسن بن محمّد بن جمهور «2» و علي بن أبي حمزة «3»، فالظاهر- بل بلا إشكال- دلالته على وثاقة المفضّل عليه بالمعنى اللغوي أو الاصطلاحي.
لكن قد تقدّم الكلام في دلالة قول ابن الغضائري- في ترجمة حسن بن عليّ بن أبي حمزة «من أنّ أباه أوثق منه» «4»- على وثاقة عليّ.
و نظير ذلك ما لو قيل: «فلان أصدق من فلان» كما في ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي فضّال من أنّ «محمّد بن عبد اللّه أصدق من أحمد بن الحسن بن علي بن فضال» «5» ففيه دلالة على صدق المفضّل عليه، بل على عدالته، بناء على دلالة الصدق على العدالة كما تقدّم من بعض، بل فيه دلالة على عدالة المفضّل بناء على دلالة الصدق على العدالة على تقدير عدالة المفضّل عليه.
إلّا أن يقال: إنّ الزيادة في الصدق- سواء كان الكذب بالتعمّد أو الخطأ- لا تقتضي العدالة فضلا عن الأعدليّة، فلو كان المفضّل عليه عادلا إنّما تكون الأصدقيّة منه باعتبار قلّة الخطأ؛ لعدم إقدام العادل على الكذب بالتعمّد و إن جاز الإقدام نادرا من باب اللمم؛ لكونه من الصغائر أو لم يناف الإقدام بمجرّده للعدالة
__________________________________________________
(1). خلاصة الأقوال: 216/ 6.
(2). رجال النجاشي: 62/ 144.
(3). خلاصة الأقوال: 212/ 7.
(4). المصدر السابق.
(5). رجال النجاشي: 34/ 72. و فيه: «... قال: و كان و اللّه محمّد بن عبد اللّه أصدق لهجة من أحمد بن الحسن، فإنّه فاضل ديّن».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 201
لو كان الكذب بالتعمّد من باب الكبائر، بناء على زوال العدالة بمجرّد ارتكاب الكبيرة، بناء على كون العدالة من باب الملكة، أو لعدم إصرار العادل على الكذب بالتعمّد، بناء على ظهور الأصدقيّة في اتّفاق الكذب من المفضّل عليه كثيرا.
نعم، بناء على دلالة الصدق على العدالة تتأتّى الدلالة على عدالة المفضّل بناء على قبول العدالة للتفاضل، بل مطلقا؛ لإمكان الدلالة على العدالة و قصد إفادة العدالة مع عدم قبول العدالة للزيادة من باب عدم تفطّن المترجم بمسألة القبول رأسا، لا نفيا و لا إثباتا.
الخامس و العشرون [لو قيل: «فلان أوجه من فلان»]
أنّه لو قيل: فلان أوجه من فلان، و كان المفضّل عليه ثقة، فهل يدلّ التفضيل على وثاقة المفضّل، أم لا؟
و الفرق بين هذا العنوان و العنوان السابق أنّ الكلام في العنوان السابق في الدلالة على وثاقة المفضّل عليه، و الكلام هنا في الدلالة على وثاقة المفضّل.
و بالجملة، قد حكى النجاشي في ترجمة الحسين بن أبي العلاء عن ابن عقدة أنّه قال: «أحمد بن الحسين مولى بني عامر و أخواه عليّ و عبد الحميد و كان الحسين أوجههم» «1».
و ربما يحكى عن بعض استفادة التوثيق من ذلك؛ تعليلا بأنّ عبد الحميد ثقة، و الأوجه من الثقة يكون ثقة.
و أورد بأنّ الوجاهة المستفادة من التفضيل لا تستلزم الوثاقة.
و يرد عليه: أنّ الوجاهة و إن لا تستلزم بنفسها للوثاقة لكنّ التفضيل على الثقة
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 52/ 117.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 202
ظاهر في كون مزيد الوجاهة بمزيد الوثاقة. و الظهور يكفي و لا حاجة إلى الاستلزام، كيف! و في باب الألفاظ يكفي الظنّ و الظهور بالنسبة إلى المراد بل الموضوع له، على المشهور فيهما.
كيف و قد عدّ الأصوليّون من المنطوق الغير الصريح المدلول بدلالة الإشارة نحو دلالة آيتي الحمل «1» على كون أقلّ الحمل ستّة أشهر، على ما اشتهر التمثيل به؛ و إن أوردنا عليه بعدم الدلالة في محلّه.
و لا شكّ أنّه لا تتمّ دلالة الآيتين على أقلّ الحمل إلّا بانضمام مقدّمة خارجيّة، هي عدم جواز التناقض في كلام اللّه سبحانه، كما أنّ المعدود في كلام الأصوليّين من المنطوق الغير الصريح المدلول بدلالة الإيماء و التنبيه.
و المدار فيها على العلّيّة بملاحظة قضيّة بعد الاقتران لو لا العلّيّة، نحو دلالة الأمر بالكفّارة على علّيّة المواقعة في واقعة الأعرابي، و قضيّة بعد الاقتران أيضا خارجيّة.
بل دلالة ترك الاستفصال على العموم حديث معروف، و لا يتمّ إلّا بمداخلة العقل كما قيل؛ لفرض إسناد الدلالة إلى الترك، إلّا أنّ الأظهر أنّ الدلالة مستندة إلى اللفظ فقط، مضافا إلى أنّ حديث البناء في المطلق على الفرد الشائع بواسطة الظهور و الانصراف ممّا شاع و ذاع، مع ظهور عدم استلزام المطلق للفرد الشائع.
نعم، ربّما وقع التمسّك بعدم استلزام العامّ للخاصّ من المشهور في باب عدم دلالة الاستعمال على الحقيقة.
إلّا أنّه يضعّف بما سمعت، فلا بأس باحتمال كون مزيد الوجاهة في غير الوثاقة؛ لعدم منافاته للظهور المفروض، مضافا إلى أنّ الاحتمال المشار إليه ضعيف غير معتدّ به.
هذا، و قوله: «كان الحسين أوجههم» يمكن أن يكون من كلام النجاشي،
__________________________________________________
(1). البقرة (2): 233؛ الأحقاف (46): 15.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 203
و يمكن أن يكون من كلام ابن عقدة. و جرى بعض على القول بالأوّل.
السادس و العشرون [لو قيل: هل فلان ثقة؟ فقيل: نعم]
أنّه لو قيل: «هل فلان ثقة؟» فقيل: «نعم» فالظاهر عدم إفادة الجواب للعدالة، و لا كون السؤال عنها، بناء على ثبوت الاصطلاح في «ثقة»؛ لما تقدّم من اختصاص القول به بالكلمات المدوّنة في علم الرجال.
نعم، بناء على عدم انفكاك الاعتماد عن العدالة تتأتّى استفادة العدالة من الجواب في الباب؛ لكون الجواب ب «ثقة» بمنزلة التصريح بثقة، فكما تتأتّى استفادة العدالة منها، تتأتّى استفادة العدالة من الجواب ب «نعم».
و من هذا الباب أنّه قيل لمولانا الرّضا عليه السّلام: أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ منه معالم ديني؟ فقال: «نعم» «1».
إلّا أن يقال: إنّ قول القائل: «آخذ منه معالم ديني» يكشف عن كون السؤال عن العدالة، فالجواب يدلّ على العدالة. و الأمر في السؤال و الجواب من باب قيام القرينة، فيخرج الأمر عن مورد الكلام، إذ الكلام في صورة خلوّ السؤال عن القرينة بتمحّض السؤال في السؤال عن الوثاقة، كما هو الحال في جميع موارد البحث عن مداليل الألفاظ.
إلّا أن يقال: إنّه مبنيّ على كون الغرض من أخذ معالم الدين هو التقليد؛ لاشتراطه بالعدالة. و أمّا لو كان الغرض هو مجرّد الاستعلام عن السنّة، فلا دلالة فيه على كون السؤال عن العدالة؛ إذ كان المدار في قبول الرواية في أعصار الحضور على الصدق و الاعتماد، كما أنّ الحقّ عدم اشتراط العدالة في حجّيّة خبر
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 2: 779/ 910.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 204
الواحد في أعصار الغيبة، و لو بناء على حجّيّة الظنون الخاصّة.
السابع و العشرون [لو قيل: «فلان من ثقات الصادق عليه السّلام»]
أنّه لو قيل في كلمات أهل الرجال: «فلان من ثقات مولانا الصادق عليه السّلام» مثلا، فيمكن أن يقال: إنّ الإضافة قرينة على كون الغرض المعنى اللغوي، كما هو المتعارف في الاستعمالات العرفيّة، كما يقال: «زيد من ثقات العالم الفلاني».
إلّا أن يقال: إنّه بعد ثبوت الاصطلاح في «ثقة» فيما يدلّ على العدالة لابدّ من الحمل عليه؛ لعدم قيام ما يعاند الحمل عليه، كما هو الحال في حمل الألفاظ على معانيها الحقيقيّة.
إلّا أن يقال: إنّ قرينة المجاز لا يلزم فيها التعاند، بل يكفي مجرّد كونها مظهرة عن إرادة المعنى المجازي، و من هذا الباب حمل المطلق على المقيّد فيما لو قيل:
«أعتق رقبة مؤمنة» مثلا، مع عدم ثبوت «1» وحدة المطلوب من الخارج، بناء على كون التقييد من باب المجاز. و من هذا جواز الجمع بين القول بالتقييد بالصفة مع عدم حجّيّة مفهوم الوصف.
و تفصيل الحال موكول إلى ما حرّرناه في الأصول.
و من ذلك الباب أيضا التخصيص ببدل البعض، و كذا حمل الجمع المعرّف
__________________________________________________
(1). قوله: «مع عدم ثبوت» إلى آخره، حيث إنّه لو ثبت وحدة المطلوب من الخارج يتأتّى التعاند من جهة التعيين و التخيير. و إن قلت: إنّ مع عدم ثبوت وحدة المطلوب من الخارج لابدّ في التقييد من فهم وحدة المطلوب عرفا، فيتأتّى التعاند. قلت: إنّ العرف يحكم أوّلا بكون المقصود من المطلق هو التقييد و يلزمه وحدة المطلوب، و ليس الأمر على سبيل التدريج بأن يحكم العرف بالوحدة أوّلا ثمّ يحكم بكون المقصود بالمطلق المقيّد، حتّى يكون التقييد مسبوقا بثبوت التعاند. (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 205
باللام، و المفرد المعرّف باللام، بناء على كونهما موضوعين للعموم على المعهود مع عدم تعاند العهد للحمل على العموم، بل بناء على عدم وضعهما للعموم و ظهورهما فيه يكون الأمر من باب ارتكاب خلاف الظاهر مع عدم معاندة العهد للحمل على الظاهر؛ إذ لا فرق في قرينة خلاف الظاهر من حيث اشتراط المعاندة للظاهر بين كون خلاف الظاهر من باب الحقيقة أو المجاز.
و من ذلك الباب أيضا تخصيص العامّ بإرجاع الضمير إلى بعض أفراده، و كذا تخصيص العامّ بالسبب و كذا الكناية على القول بكونها من باب المجازية، فلا بأس في المقام بحمل الوثاقة على المعنى اللغوي، قضيّة ظهور الإضافة في كون الفرض المعنى اللغوي، مع عدم معاندة الإضافة للحمل على المعنى المصطلح.
الثامن و العشرون [في الجواب عن السؤال عن الوثاقة بالصلاح]
أنّه قد حكى الكشّي في ترجمة سالم بن مكرم «1» عن ابن مسعود أنّه سأل أبا الحسن عليّ بن الحسن عن وثاقة سالم بن مكرم بقوله: «ثقة؟» فقال: «صالح» «2».
و الظاهر أنّ المقصود بعليّ بن الحسن هو عليّ بن الحسن بن فضّال بملاحظة ما تقدّم من أنّه قد عدّ من كتب عليّ بن الحسن بن فضّال كتاب الرجال؛ حيث إنّ اطّلاعه على أحوال الرجال يقتضي مناسبة للسؤال عن الحال.
و بملاحظة ما تقدّم ممّا نقله الكشّي عن حمدويه عن عليّ بن الحسن بن
__________________________________________________
(1). قوله: «مكرم» بضم الميم و إسكان الكاف و فتح الراء كما عن التوضيح. هذا، و يشبه السؤال و الجواب المذكورين ما نقله الكشّي عن ابن مسعود أنّه سأل علي بن الحسن عن خالد بن جرير الذي يروي عنه الحسن بن محبوب، فقال: كان صالحا (منه عفي عنه).
(2). رجال الكشّي 1: 352/ 661.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 206
فضّال توثيق مسمع «1» بناء على عدم اشتراط ما يتأتّى في الأسانيد ممّا في حكم حمل المطلق على المقيّد باتّحاد الراوي.
و بملاحظة ما نقله الكشّي في ترجمة أحمد بن عائذ عن ابن مسعود أنّه قال:
«سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن أحمد بن عائذ كيف هو؟ قال: صالح» «2».
و كذا ما نقله الكشّي أيضا في ترجمة إسماعيل حقيبة عن ابن مسعود أنّه قال:
«سألت علي بن الحسن بن فضّال عن إسماعيل حقيبة، قال: صالح» «3».
و بملاحظة أنّ أحمد بن عائذ- على ما ذكره النجاشي- صحب سالم بن مكرم و أخذ عنه، و قد سمعت سؤال ابن مسعود عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن حاله «4»؛ فالظاهر كون المسؤول عنه في المتصاحبين متّحدا في البين.
و ربّما يقال: إنّ المقصود بعليّ بن الحسن في المقام هو عليّ بن الحسن الطاطري.
و يظهر ضعفه بما سمعت، مضافا إلى اشتهار عليّ بن الحسن بن فضّال.
و بالجملة، فقد حكى الفاضل الخواجوئي أنّه يظهر من الجواب المذكور أنّ الصلاح فوق الوثاقة، أو بالعكس.
و استظهر الأوّل تعليلا بأنّ الصالح هو الخالص عن كلّ فساد، و حكى عن قائل أنّ الصالح هو المقيم بما يلزمه من حقوق اللّه و حقوق الناس.
و حكى عن الزجّاج في معاني القرآن أنّ الصالح هو الذي يؤدّي إلى الناس حقوقهم.
أقول: إنّه يمكن القول بمساواة الصلاح للوثاقة بناء على كون المقصود بالوثاقة العدالة، فيكون الجواب بالوثاقة كما تقدّم في جواب حمدويه عن الكشّي
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 1: 310/ 560.
(2). رجال الكشّي 2: 653/ 671.
(3). رجال الكشّي 2: 634/ 637.
(4). رجال النجاشي: 98- 99/ 246. رجال الكشّي 2: 653/ 671.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 207
في باب هشام المشرقي «1».
لكن يمكن أن يقال: إنّه بناء على تطرّق الاصطلاح في «ثقة» إنّما هو في الكلمات المدوّنة من أرباب الرجال و لم يتطرّق الاصطلاح عليه في محاورات الرواة كما مرّ، فالسؤال في المقام إنّما كان عن الوثاقة بالمعنى اللغوي، أعني الاعتماد.
و الظاهر في المقام كون الغرض الاعتماد في جميع المراحل أي العدالة؛ إذ الظاهر أنّ الداعي على السؤال هو تعرّف صدق المسؤول عن وثاقته أعني السالم؛ لأنّه كان المدار في أعصار الحضور على الصدق، و هذا يتأتّى و لو قلنا بأنّ الغرض من «ثقة» في كلمات أرباب الرجال هو بيان حال الراوي، و لا ينحصر الغرض في إظهار الصدق.
فالظاهر الاعتماد في جميع المراحل أي العدالة؛ إذ ليس في البين ما يوجب الانصراف إلى بعض المراحل أعني النقل.
أو قلنا: إنّ الظاهر من تدوين الوثاقة بالمعنى اللغوي هو كونها من جهة استئناس العدالة، أو قلنا بكون الغرض من «ثقة» في كلمات أرباب الرجال العدالة بملاحظة اشتراطها ممّن اشترط.
فالصلاح في الجواب فوق الوثاقة، بناء على ظهوره عرفا في العدالة أو ما فوقها، و إلّا فيمكن القول بظهوره في الصلاح في النقل، بل هذا مقتضى ظهور تطابق الجواب و السؤال، لفرض كون السؤال عن الاعتماد في النقل.
[في اتّحاد سالم بن مكرم مع سالم بن أبي سلمة]
ثمّ إنّ سالم بن مكرم يكنّى بأبي خديجة، و قال النجاشي: «إنّ كنيته كانت أبا خديجة، و الصادق عليه السّلام كنّاه أبا سلمة» «2». لكن ذكر الشيخ في الفهرست أنّ أبا سلمة
__________________________________________________
(1). رجال الكشّي 2: 790، ذيل الرقم 955.
(2). رجال النجاشي: 188/ 501.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 208
كنية مكرم «1».
و قد وقع الكلام في اتّحاد سالم بن مكرم مع سالم بن أبي سلمة و تعدّدهما.
فمقتضى ما سمعت من الشيخ في الفهرست طرح الاتّحاد، و مال إليه السيّد السند التفرشي «2» و جرى النجاشي على التعدّد.
و يكنّى بأبي خديجة سالم بن سلمة أيضا، كما هو مقتضى صريح ابن داوود في ترجمة سالم بن سلمة «3»، و كذا السيّد السند التفرشي في باب الكنى «4».
لكن مقتضى كلام العلّامة في الخلاصة في باب الكنى انحصار المكنّى في سالم بن مكرم «5»، بل مقتضى صنيعة الكشّي و النجاشي حيث لم يذكرا سالم بن سلمة انحصار سالم في ابن مكرم.
لكن ذكر الشيخ في الرجال سالم بن سلمة «6»، و لم يذكر سالم بن مكرم، فمقتضاه انحصار سالم في ابن سلمة.
فتارة يتأتّى الكلام في اتّحاد سالم بن مكرم، و أخرى في انحصار سالم في ابن مكرم و ابن سلمة و تعدّدهما.
[الكلام في «صالح مرضي»]
بقي أنّه قد ذكر الصلاح في حقّ جماعة، كإبراهيم بن محمّد بن العباس «7»
__________________________________________________
(1). الفهرست: 79/ 337.
(2). نقد الرجال 2: 298/ 2171.
(3). رجال ابن داوود: 100/ 668.
(4). نقد الرجال 5: 154/ 5992.
(5). خلاصة الأقوال: 227/ 2.
(6). رجال الشيخ: 217/ 117.
(7). رجال الشيخ: 438/ 6؛ خلاصة الأقوال 7/ 28.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 209
الختلي «1»، و عبد اللّه بن طاهر «2»، و شهاب بن عبد ربّه، و إخوانه عبد الرحيم و عبد الخالق و وهب «3».
و مقتضى صريح الشهيد الثاني في الدراية عدم دلالته على العدالة «4»، و مقتضى ما عن بعض- من تضعيف نوح بن شعيب «5» مع ما ذكره الشيخ في الرجال في ترجمته من أنّه «كان فقيها صالحا مرضيّا» «6»- عدم الدلالة على المدح أيضا، و مقتضى ما عن المنتقى في باب ما يمنع منه الجنب أو يكره- من عدّ حديث نوح بن شعيب حسنا «7»- الدلالة على المدح.
و ربّما يقال بالدلالة على العدالة استنادا إلى عموم المتعلّق المحذوف اللازم بارتكاب حذفه على حسب لزوم المتعلّق للصلاح، و ليس ما يليق بالحذف أمرا خاصّا، فلابدّ من إضمار العامّ حذرا من لزوم الإجمال المخالف للظاهر، بل الحكمة كما هو مشرب البعض.
و فيه: أنّه يمكن دعوى ظهور كون المضمر النقل أو الحديث أو الرواية بقرينة المقام، كما تقدّم في «ثقة»، و ليس هاهنا ما كان يؤيّد إضمار العموم في «ثقة» من فهم المشهور المعارض بالاستقراء المتقدّم، بل الاستقراء مقدّم عليه.
__________________________________________________
(1). قوله: «الختلي» بضمّ الخاء المعجمة و بعدها تاء منقّطة فوقها نقطتين، كما في خلاصة الأقوال، و في القاموس: الختل كسكر: كورة بما وراء النهر (منه عفي عنه).
(2). رجال الشيخ: 479/ 11.
(3). رجال الكشّي 2: 712/ 778 و 779.
(4). الدراية: 77.
(5). ذكره عبد النبيّ في الضعاف، انظر حاوي الأقوال 339/ 2104، و انظر منتهى المقال 6:
390/ 3133.
(6). رجال الشيخ: 408/ 1.
(7). منتقى الجمان 1: 179.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 210
بل يرشد إلى إضمار الحديث ما يقال: «صالح في الحديث» كما هو مقتضى كلام الشهيد الثاني في الدراية «1». و كذا ما يقال: «صالح الرواية» كما في ترجمة أحمد بن هلال «2».
لكنّ «الصلاح»- المستعمل في الشخص- في العرف لا يكون في قبال الفاسد، بل إنّما هو يستعمل في العادل، أو من هو أعلى درجة منه، بل قد قوبل الصلاح بالسوء في بعض الأخبار «3».
و على أيّ حال لا إشكال في الدلالة على المدح.
و بما تقدّم يظهر القول بالدلالة على المدح، و القول بعدم الدلالة عليه في «صالح مرضي».
و جرى بعض فيه على القول بالدلالة على العدالة، و استفاده من العلّامة حيث إنّه عدّ نوح بن شعيب من القسم الأوّل، مع أنّه ذكر في ترجمته أنّه كان فقيها «4».
و لا مجال لدلالته على العدالة، و الظاهر أنّ المنشأ ما ذكره الشيخ، و سقط «الصالح مرضي» عن القلم، و لا بأس به.
و قد ضبطنا ما وقع من العلّامة من أمثال ما ذكر في الرسالة المعمولة في النجاشي.
و لعلّ القول بعدم الدلالة على العدالة أظهر. نعم، لا إشكال في الدلالة على المدح.
__________________________________________________
(1). الدراية: 77.
(2). رجال النجاشي: 83/ 199.
(3). قوله: «في بعض الأخبار» هو [ما] روى الكشّي بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان بلال عبدا صالحا و كان صهيب عبد سوء» و في ترجمة نصر بن مزاحم «أنّه صالح للأمر» (منه مدّ ظلّه العالي).
رجال الكشّي 1: 190/ 79؛ رجال النجاشي: 427/ 1148.
(4). انظر خلاصة الأقوال: 174/ 1.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 211
التاسع و العشرون [اعتماد النجاشي على جميع من رووا عنه]
أنّ المستفاد من طريقة النجاشي من عدم الرواية عن الضعفاء و المتّهمين- كما يظهر ممّا حرّرناه في الرسالة المعمولة في بابه- اعتماده على جميع من روى عنه، و وثوقه بهم، و سلامة مذاهبهم و رواياتهم عن الضعف و الغمز. و مزيد الكلام موكول إلى الرسالة المشار إليها.
الثلاثون [مقتضى حكم النجاشي في طائفة] [من الطرق بالضعف اعتبار سائر الطرق]
أنّه قد حكم النجاشي في طائفة من الطرق بالضعف أو الجهالة، و مقتضاه اعتبار سائر الطرق و وثاقة رجاله فيما سكت عن حاله و لا سيّما مع إكثار النقل.
و من أراد مزيد الكلام فليراجع إلى الرسالة المسبوقة بالذكر.
الواحد و الثلاثون [في قولهم: «يعتمد المراسيل»]
أنّ السيّد السند النجفي جعل قولهم في مقام التضعيف: «يعتمد المراسيل و يروي عن الضعفاء و المجاهيل» في قصره التوثيق من القائل لكلّ من هو يروي عنه.
و لعلّه لا يخلو عن قوّة.
و ربّما جعل من باب التوثيق قولهم: «ضعّفه أصحابنا» أو «غمز عليه أصحابنا،
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 212
أو بعض أصحابنا» من غير تعيين؛ تعليلا بأنّه لو لا الوثوق بالكلّ لما حسن هذا الإطلاق، بل وجب تعيين المضعّف و الغامز أو التنبيه إلّا أنّه من الثقات.
أقول: إنّ أمر التضعيف سهل؛ لسهولة رفع الظنّ، بخلاف حصول الظنّ.
و يكفي في عدم اعتبار الخبر عدم حصول الظنّ بالصدور، و لا حاجة إلى حصول الظنّ بعدم الصدور، بناء على اعتبار الظنّ «1» الشخصي في الخبر الصحيح كما هو الأظهر. و لا كلام في اعتباره في غير الخبر الصحيح، فنقل التضعيف- و لو من بعض الأصحاب- مع عدم ثبوت وثاقته يكفي في الضعف.
إلّا أن يقال: إنّ بعض الأصحاب لعلّه كان غير إماميّ، و كان تضعيفه من جهة الإماميّة.
لكنّه بعيد؛ إذ الظاهر أنّ التضعيف بقول مطلق بأمر مسلّم كونه موجبا للتضعيف، و مع ذلك نقل التضعيف أو الغمز من أصحابنا يوجب الظنّ بالضعف، و فيه الكفاية.
و ربّما يستفاد من السيّد السند المشار إليه دلالة رواية أرباب الرجال بمجرّدها على التوثيق؛ نظرا إلى اعتذارهم عن الرواية عن ابن فضّال و الطاطريّين و أمثالهم من الفطحيّة و الواقفيّة و غيرهم بعمل الأصحاب برواياتهم؛ لكونهم ثقاتا في النقل، و اعتذارهم عن ذكر ابن عقدة باختلاطه بأصحابنا، و مداخلته لهم، و عظم محلّه و ثقته و أمانته، و اعتذار النجاشي عن ذكر من لا يعتدّ به بالتزامه ذكر من صنّف من أصحابنا أو المنتهين إليهم. قال في محمّد بن عبد الملك بن محمّد بن التبان «2»: «كان معتزليّا ثمّ أظهر الانتقال و لم يكن ساكنا، و قد ضمنّا أن نذكر كلّ من ينتهي إلى هذه الطائفة» «3». و قال في باب مفضّل بن عمرو: «إنّه كوفي فاسد
__________________________________________________
(1). في «د» زيادة: «بعدم الصدور بناء على اعتبار الظنّ».
(2). قوله: «التبان» بالتاء المثنّاة الفوقانيّة و الباء الموحّدة و النون (منه عفي عنه).
(3). رجال النجاشي: 403/ 1069.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 213
المذهب، مضطرب الرواية لا يعبأ به و إنّما ذكرناه للشرط الذي قدّمناه» «1».
أقول: إنّه لم أظفر بالاعتذار عن الرواية عن بني فضّال و أمثالهم في الرجال بما ذكر. و أمّا الاعتذار عن ذكر ابن عقدة فإنّما هو من الشيخ في الفهرست، إلّا أنّه اعتذر عن ذكره في كتابه مع كون كتابه لبيان الإماميّين من أرباب الأصول و التصانيف، و ذكر الأصول و المصنّفات، كما يشهد به كلامه صدر الفهرست «2».
و اعتذار النجاشيّ فيما ذكره على هذا المنوال، فإنّه اعتذر عن ذكر فاسد المذهب في كتابه الموضوع لذكر الإماميّين من أرباب التصانيف و تصانيفهم، كما يرشد إليه كلامه صدر كتابه أيضا.
قوله: «أو المنتهين إليهم» لا يتحصّل له حاصل، مع أنّه مبنيّ على كون قوله:
«من ينتهي» من الانتهاء صحيحا، و ليس كذلك، بل النسخة «ينتمي». و يصحّ المعنى مع الانتماء.
الثاني و الثلاثون [لو صدر التوثيق من مجهول الحال و تحصّل الظنّ بالوثاقة]
أنّه لو صدر التوثيق من شخص مجهول الحال، أو فاسق غير ممدوح، و تحصّل الظنّ بالوثاقة بمعنى العدالة أو الاعتماد في الاستناد، فهل يعوّل على التوثيق المذكور أم لا يعوّل عليه، بناء على عدم اعتبار الظنّ الناشئ من الخبر الضعيف في باب إثبات الأحكام الشرعيّة و لو بناء على حجّيّة مطلق الظنّ؛ لقيام الإجماع على عدم اعتبار ذلك؟
و بعبارة اخرى: لو ارتكب التوثيق من لا يقبل خبره في باب إثبات الأحكام
__________________________________________________
(1). رجال النجاشي: 416/ 1112.
(2). الفهرست: 1- 2.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 214
الشرعيّة بناء على حجّيّة مطلق الظنّ، فهل يقبل توثيقه أم لا؟
أقول: إنّ الأظهر التعويل بناء على كفاية الظنّ بالعدالة على تقدير كون الوثاقة مفيدة للعدالة. و لعلّ الحال على هذا المنوال بناء على عدم كفاية الظنّ بالعدالة؛ إذ مدرك اعتبار الظنّ في الرجال- على ما حرّرناه في محلّه- هو الإجماع المستنقذ من استقرار طريقة الأصحاب على الاكتفاء بالقرينة؛ كما يرشد إليه سيرة الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير؛ حيث إنّه من جهة قضاء الاستقراء في روايته بعدم روايته من الثقة، و ليس هذا إلّا من جهة الاكتفاء بمطلق القرينة؛ إذ لا خصوصيّة في هذه القرينة قطعا، و يدخل التوثيق المعنون في باب القرينة، و لو لم يدخل فيها، فلا فرق بينه و بينها قطعا، فيتأتّى التعويل عليه.
إلّا أن يقال: إنّه و إن لم يتأتّ الإجماع على عدم اعتبار التوثيق المشار إليه لكن قيام الإجماع على عدم اعتبار الخبر الضعيف- الخالي عن الانجبار في إثبات الأحكام الشرعيّة و لو على القول بحجّيّة مطلق الظنّ- يوهن القطع بعدم الفرق في المقام على فرض خروج التوثيق المشار إليه عن القرينة.
الثالث و الثلاثون [توثيقات المفيد في الارشاد تفيد العدالة أم لا؟]
إنّ توثيقات الشيخ المفيد في الإرشاد هل تفيد العدالة، أم لا؟
قد تقدّم أنّ السيّد السند النجفي قد عقد في أواخر رجاله عنوانا لرجال الإرشاد، و ضبط كلّ من أتى الشيخ المفيد بكلام في حقّه «1».
و بالجملة، تأمّل في المقام بعض- نقلا- تعليلا باتّفاق التوثيق في جماعة قد وقع الاتّفاق على ضعفهم.
__________________________________________________
(1). رجال السيد بحر العلوم 4: 63.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 215
فهو ربّما يرشد إلى كون الغرض من التوثيق أمرا آخرا غير العدالة، و لا أقلّ من توهين الدلالة على العدالة.
و قال العلّامة البهبهاني: «و عندي أنّ استفادة العدالة منها لا يخلو عن تأمّل، كما لا يخفى على المتأمّل في الإرشاد في مقامات التوثيق. نعم، يستفاد منها القوّة و الاعتماد» «1».
أقول: إنّ مورد الكلام ما لو كان التوثيق بلفظ «ثقة»، و أمّا لو كان بغير «ثقة»- كما تقدّم أنّه ذكر في حقّ جماعة أنّهم من ثقات الكاظم عليه السّلام- فهو خارج عن مورد الكلام؛ إذ لو اتّفق ذلك في كلام أهل الرجال، يتأتّى الكلام في دلالته على العدالة، كما يظهر ممّا مرّ.
و الكلام في المقام إنّما يختصّ بما كانت جهة عدم إفادته للعدالة مختصّة بالصدور عن الشيخ في الإرشاد، و مورد هذا المضمون منحصر فيما لو كان التوثيق ب «ثقة».
و على أيّ حال، فقد تقدّم أنّه يمكن القول بدلالة التوثيق ب «ثقة» في الإرشاد على العدالة لو قلنا بدلالة «ثقة» في كلمات أهل الرجال على العدالة من باب عموم حذف المتعلّق، بل يمكن استفادة العدالة من التوثيق المشار إليه بناء على جميع المشارب المتقدّمة في الجواب عن الإشكال المتقدّم في الأخذ بتوثيقات أهل الرجال و جرحهم.
نعم، لو كانت دلالة التوثيق ب «ثقة» في كلمات أهل الرجال على العدالة من باب تطرّق الاصطلاح، فلا مجال لدلالة التوثيق المشار إليه على العدالة.
هذا، و التأمّل المذكور من العلّامة البهبهاني ينافي التمسّك منه في باب محمّد بن سنان بتوثيق الشيخ المفيد في الإرشاد «2» خصوصا مع كون التوثيق على وجه
__________________________________________________
(1). تعليقة الوحيد البهبهاني (المطبوعة مع منهج المقال للاسترابادي): 11.
(2). تعليقة الوحيد البهبهاني: 298؛ الإرشاد 2: 248.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 216
الإضافة إلى مولانا الصادق عليه السّلام، و لا سيّما مع معارضة التوثيق بالتضعيف المحكي عن الشيخ المفيد في رسالته في الردّ على الصدوق في أنّ شهر رمضان لا ينقص «1».
لكنّه تفطّن بأصل المنافاة، قال: «و يمكن العلاج، و سيجيء في ترجمته» «2».
و لعلّ الغرض من العلاج عدم ابتناء توثيق محمّد بن سنان على دلالة توثيق الشيخ المفيد على العدالة انحصار ما يدلّ على وثاقته و عدالته في ذلك.
لكنّك خبير بأنّ هذا العلاج لا يعالج المنافاة، بل يعالج القول بوثاقة محمّد بن سنان مع القول بعدم توثيق شيخنا المفيد في الإرشاد على العدالة. و أين هذه المعالجة من معالجة الجمع بين التمسّك بتوثيق الشيخ المفيد في الإرشاد لمحمّد بن سنان، و التأمّل في دلالة توثيقات الشيخ المفيد في الإرشاد على العدالة و هي المقصود، و أين إحدى المعالجتين عن الأخرى؟ بل في البين بعد المشرقين.
الرابع و الثلاثون [رواية المعصوم عن الراوي هل تقتضي العدالة أم لا؟]
إنّ رواية المعصوم عن الراوي هل تقتضي العدالة، أم لا؟
أقول: إنّه قد اتّفق هذا العنوان في باب جابر بن عبد اللّه الأنصاري؛ حيث إنّه روى الكشّي بالإسناد عن محمّد بن مسلم و زرارة قال: سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن أحاديث، فرواها عن جابر «3».
و يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من الرواية ابتناؤها على الاطمئنان بنقل الراوي.
و الظاهر أنّ الاطمئنان إنّما كان مبنيّا على استكشاف العدالة، فالظاهر من الرواية
__________________________________________________
(1). الرسالة العددية (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد) 9: 20.
(2). تعليقة الوحيد البهبهاني: 11.
(3). رجال الكشّي 1: 205- 235/ 86- 93.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 217
ابتناؤها على انكشاف العدالة، فالرواية تقتضي العدالة. و الأمر بمنزلة أن يقول المعصوم عليه السّلام في حقّ الراوي المروي عنه: «ثقة».
الخامس و الثلاثون [في مشاركة «الحسن» «الصحيح» في أصل العدالة]
أنّه قد حكم السيّد السند النجفي بأنّ «الحسن» يشارك «الصحيح» في أصل العدالة، و إنّما يخالفه في الكاشف عنها، فإنّه في الصحيح هو التوثيق أو ما يستلزم، بخلاف الحسن؛ فإنّ الكاشف فيه حسن الظاهر المكتفى به في ثبوت العدالة على أصحّ الأقوال.
و بهذا رفع التنافي بين القول بحجّيّة الحسن، مع القول باشتراط العدالة في اعتبار الخبر، كما نقله عن المشهور.
أقول: إنّ المدار في حسن الظاهر المذكور في كلام المشهور على حسن الظاهر المعلوم برأي العين، و في حكمه حسن الظاهر المعلوم بالسمع قضيّة حجّيّة العلم. و أمّا حسن الظاهر المظنون بتوسّط الخبر- و لا سيّما لو كان مستفادا من الخبر، كما في موارد المدح بمثل «عظيم المنزلة»- فلم تثبت قناعة المشهور به في العدالة، بل لا إشكال في عدم القناعة، كيف! و تعليق الحكم على الموضوع في كلمات الفقهاء يقتضي إناطة الحكم بالموضوع واقعا.
و يرشد إليه عدم اعتبار الظنّ بالموضوع من حيث التحصيل «1» عند المشهور.
و كيف! و مدرك اعتبار حسن الظاهر إنّما هو صحيحة ابن أبي يعفور، و المدار فيها و لا سيّما ما رواه في التهذيبين على مشاهدة التعاهد للجماعة في أوقاتها «2».
__________________________________________________
(1). في «د»: «التحصل».
(2). التهذيب 6: 241، ح 596، باب البيّنات؛ الاستبصار 3: 12، ح 33، باب العدالة المعتبرة في الشهادة؛ وسائل الشيعة 18: 288، كتاب الشهادات، ب 41، ح 1 و 2.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 218
نعم، قد اخذ في الصحيحة المشار إليها على ما رواه في الفقيه أنّه إذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: «لا نعلم منه إلّا خيرا» «1».
إلّا أنّه لا يجدي في اعتبار الإخبار بحسن الظاهر فقط؛ لأنّه قد اخذ السؤال منضمّا إلى مشاهدة التعاهد، فلا دلالة فيه على اعتبار الإخبار بحسن الظاهر فقط.
و مزيد الكلام موكول إلى ما حرّرناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمّد بن الحسن.
السادس و الثلاثون [في ردّ توثيقات العلّامة]
أنّه قد حكم صاحب المعالم- على ما حكى عنه نجله الزكيّ شفاها- بعدم اعتبار توثيقات العلّامة؛ تعليلا بكثرة أوهام العلّامة، و قلّة مراجعته في الرجال، و أخذه من كتاب ابن طاووس و هو مشتمل على أوهام.
كما أنّه قد حكم النجل المشار إليه بعدم اعتبار تصحيحات العلّامة؛ تعليلا بكثرة ما وقع له من الأوهام في توثيق الرجال. قال: نعم، يشكل الحال في توثيق الشيخ؛ لأنّه كثير الأوهام أيضا. ثمّ قال: الاضطراب قد علم من العلّامة في التصحيح كما يعرف من المنتهى.
و يقتضي القول بذلك ما ذكره الشهيد الثاني في بعض تعليقات الخلاصة عند ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس من «أنّ الغالب من طريقة العلّامة في الخلاصة متابعة السيّد جمال الدين بن طاووس، حتّى شاركه في كثير من الأوهام» «2».
و كذا ما ذكره السيّد السند التفرشي في ترجمة حذيفة بن منصور من «أنّ
__________________________________________________
(1). الفقيه 3: 24، ح 65، باب العدالة؛ وسائل الشيعة 18: 288، كتاب الشهادات، ب 41، ح 1.
(2). تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 8.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 219
العلّامة في الخلاصة كثيرا ما وثّق الرجل بمحض توثيق النجاشي أو الشيخ، و إن كان ضعّفه ابن الغضائري أو غيره» و عدّ جماعة «1».
و حكى المولى التقي المجلسي عن صاحب المعالم أنّه لم يعتبر توثيق العلّامة، و السيّد بن طاووس، و الشهيد الثاني بل أكثر الأصحاب؛ تمسّكا بأنّهم ناقلون عن القدماء «2».
كما أنّه قد حكم المولى المشار إليه بعدم اعتبار تصحيحات العلّامة؛ تعليلا بكثرة تصحيحه بالصحّة عند القدماء، فلا يجدي في الصحّة باصطلاح المتأخّرين، و مع ذلك العلّامة كان شديد العجلة كما علم بالاستقراء في الخلاصة، كما أشار إليه النجل المشار إليه في بعض التراجم.
و قيل: و كأنّ تجديد النظر لم يكن من عادته، كما لا يخفى على المتتبّع «3».
و إن قلت: إنّه يرجع إليه دعوى قلّة المراجعة من صاحب المعالم كما تقدّم.
قلت: إنّ قلّة المراجعة إنّما تستدعي العجل في الجملة، و أمّا شدّة العجل بحيث تمانعت عن تجديد النظر فهي أخصّ من العجل، و الأمر فيه أشدّ.
و إن قلت: إنّ المقصود من قلّة المراجعة إنّما هو تجديد النظر، فيتّحد ذلك مع دعوى قلّة المراجعة فيما تقدّم.
قلت: إنّ المدّعى فيما تقدّم إنّما هو قلّة الرجوع إلى كلمات أرباب الرجال، كما هو صريح العبارة المتقدّمة، و أين هذا من قلّة الرجوع إلى ما تألّف المقصود بقلّة تجديد النظر؟
__________________________________________________
(1). نقد الرجال 1: 407/ 1195. و الجماعة مثل: محمّد بن عيسى اليقطيني، و محمّد بن إسماعيل بن محمّد، و محمّد بن خالد؛ و انظر خلاصة الأقوال- حسب الترتيب-: 141/ 22؛ 154/ 89؛ 139/ 14.
(2). روضة المتّقين 14: 17.
(3). لؤلؤة البحرين: 226.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 220
السابع و الثلاثون [كلام ابن داوود في التوثيق أو نقله]
أنّه قد ذكر المولى التقي المجلسي أنّ كلام ابن داوود و من تأخّر عنه: ثقة جش، أومح، أوست، من باب التوثيق و نقل التوثيق، و بعبارة اخرى من باب الدراية و الرواية و على منوال «ثقة» حال غير ثقة.
و ليس بالوجه؛ حيث إنّ الظاهر- بل بلا إشكال- أنّ الأمر من باب صرف النقل و الرواية، بل الظاهر أنّ المقالة المذكورة مختصّة بالمولى المشار إليه.
الثامن و الثلاثون [في قولهم: «ليس بذاك الثقة»]
أنّه قد يقال على ما يقال في بعض التراجم: «ليس بذاك الثقة» و ربّما قيل بإشعاره إلى نوع من المدح؛ بملاحظة أنّ الظاهر كون الغرض أنّه ليس بحيث يوثق به وثوقا تامّا، فمقتضاه ثبوت نوع من الوثوق.
و لعلّه لا بأس به.
و تحريره أنّ مقتضى ورود النفي على المقيّد كون المتقي و المسلوب كمال الوثوق، فمقتضاه ثبوت نوع من الوثوق.
هذا، و لا مجال لكون المقصود بالوثاقة في المقام هو العدالة؛ بناء على كونها هي نفس الاجتناب كما هو الأظهر؛ لعدم قابليّة العدالة للمرتبة و التفاضل على ذلك، كيف! و الأعدام لا تتمايز حتّى صار من المثل، و من ذلك الاستدلال على اعتبار الملكة في العدالة بتضافر النصوص و الفتاوى باعتبار الأعدليّة في موارد، كتشاحّ الإمامين، و تعارض الشاهدين، و اختلاف الروايتين.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 221
فالعدالة لابدّ أن تكون من الملكة؛ لأنّ اعتبار الأعدليّة يكشف عن قبول العدالة للمرتبة، فلابدّ أن تكون من الأمور الوجوديّة؛ لأنّ الأعدام لا تمايز فيها و لا تقبل التفاضل، فبطل كونها نفس الاجتناب، و لابدّ من كونها هي الملكة؛ فالمقصود بالثقة في «ليس بذاك الثقة» هو المعنى اللغوي أعني الاعتماد، و هو من الأمور القلبيّة و الموجودات النفسانيّة.
لكن يشكل الاستدلال المذكور بعد النقض بالأورع في بعض موارد ذكر الأعدل؛ حيث إنّ الورع ليس من باب الملكة، بل بمعنى ترك المحارم، بل بالأترك في بعض أخبار التثليث من قول أمير المؤمنين عليه السّلام في مرسلة الصدوق: «فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك» «1» و إن كان الظاهر أنّ المقصود أنّ من تباعد عن فعل المشتبهات فهو عن فعل الحرام البيّن أبعد بأنّ الترك و إن لا يقبل التفاضل كيفا باعتبار المتعلّق- و بعبارة اخرى لا يقبل الشدّة و الضعف- إلّا أنّه يقبل التفاضل كمّا باعتبار المتعلّق؛ حيث إنّه ربّما يترك شخص معصية، و آخر معصيتين، و ثالث ثلاثة، أو يترك شخص معصية في زمان، و يترك اخرى في زمان زائدا على ذلك الزمان، و هكذا. و التفاضل في اسم التفضيل لا يلزم أن يكون من جهة الكيف.
فإن قلت: إنّ المفروض في العادل كونه مجتنبا عن الكبائر و الإصرار على الصغائر، فكيف يكون أحد العادلين أزيد تجنّبا عن الآخر؟
قلت: في المقام عرض عريض؛ حيث إنّ أحدهما ربّما يتكرّر منه ارتكاب كبيرة و يتوب كلّ مرّة، و الآخر لا يرتكب الكبيرة رأسا، أو يتكرّر منه ارتكاب كبيرة واحدة مع التوبة كلّ مرّة، و هو أزيد تجنّبا من الأوّل، و هكذا. بل ربّما يتجنّب أحدهما عن الشبهات تجنّبا عن المحرّمات الواقعيّة، و الآخر يقتصر على
__________________________________________________
(1). الفقيه 4: 53، ح 193، باب نوادر الحدود؛ وسائل الشيعة 18: 118، أبواب صفات القاضي، ب 12، ح 22.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 222
الاجتناب عمّا ثبت حرمته؛ فتجنّب الأوّل أزيد.
لكنّ الوجه المذكور بعيد في «ليس بذاك الثقة» فالظاهر أنّ المقصود بالوثاقة فيه الاعتماد.
و يمكن أن يقال: إنّه لو كانت العدالة من باب الملكة، فلابدّ من كون الغرض في المقام هو نفي زيادة الملكة.
و هو بعيد و خلاف الظاهر المتعارف في المحاورات، كما مرّ، فالمقصود بالوثاقة في المقام هو الاعتماد و لو كانت العدالة من باب الملكة.
[في قولهم: «ليس بذاك الثقة في الحديث»]
و بما ذكرنا يظهر الحال في «ليس بذاك الثقة في الحديث» كما ذكره في الفهرست في ترجمة أحمد بن عليّ أبي العبّاس الرازي الخضيب الأيادي «1»، و لعلّه سقط «في الحديث» في كلام من ذكر أنّه ذكر ليس بذاك الثقة في بعض التراجم.
ثمّ إنّه قد يقال: «ليس بذاك» كما ذكره النجاشي في ترجمة أحمد المذكور نقلا عن بعض الأصحاب «2» و حنظلة بن زكريّا «3» و فضل «4» بن أبي قرّة «5»، «6»
__________________________________________________
(1). الفهرست: 30/ 91؛ خلاصة الأقوال: 204/ 14، و فيه: «لم يكن بذاك الثقة».
(2). رجال النجاشي: 97/ 240.
(3). رجال النجاشي: 147/ 380. و فيه: «لم يكن بذلك».
(4). و قيل في تفسير «ليس بذاك» في ترجمة فضل بن أبي قرّة أي: في كمال الفقه. هذا، و في ترجمة عبد الرحمن بن نهيك «لم يكن في الحديث بذاك» و في ترجمة عيسى بن المستفاد «و لم يكن بذاك».
(منه عفي عنه).
(5). رجال النجاشي: 308/ 842؛ خلاصة الأقوال: 246/ 3. و فيه: «لم يكن بذاك».
(6). قوله: «أبي قرة» بالقاف المضمومة و الراء المهملة المشدّدة (منه عفي عنه).
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 223
و مصعب «1» بن يزيد «2».
و قد جرى غير واحد على دلالته على العموم.
و ظاهر الكلام المحكي عن العلّامة البهبهاني الميل إلى دلالته على نوع من المدح؛ بملاحظة أنّه من قبيل «ليس بذاك الثقة»، و الغرض أنّه ليس بذاك في الوثاقة، فالمقصود أنّه ليس بحيث يوثق به وثوقا تامّا، و مقتضاه ثبوت نوع من الوثوق.
أقول: إنّ المقام و إن يقتضي تعيين المضمر في الوثاقة بمعنى الاعتماد في النقل على حسب ما تقدّم في «ثقة» خصوصا بملاحظة «ليس بذاك الثقة» لكن ذكر النجاشي و العلّامة في الخلاصة في ترجمة عليّ بن أبي صالح أنّه «لم يكن بذاك في المذهب و الحديث و إلى الضعف ما هو «3»» «4» و مقتضاه عموم المضمر بمعنى التعدّد، كما هو الحال في باب عموم المقتضي لو لم نقل بظهور العموم في نفسه، ف «ليس بذاك» بمنزلة «ليس على ما ينبغي» كما تعارف في الكلمات، بل يستعمل «ليس بذالك» في كلام غير أهل الرجال في تضعيف الكلام، حيث يقال: «فلان كذا و ليس بذاك».
لكن يمكن أن يقال: إنّه بعد فرض ظهور المضمر في الوثاقة فظهور خلاف الظهور على وجه الندور لا يوجب الفتور و القصور في الظهور، فلا يرتفع ظهور المضمر في الوثاقة لمجرّد قوله: «ليس بذاك في المذهب و الحديث».
و أمّا كون المضمر كمال الوثوق أو نفس الوثوق، فلعلّ القول بالأخير أوثق.
و الأمر من باب اختلاف رجوع النفي إلى القيد و المقيّد باختلاف كونه مذكورا
__________________________________________________
(1). قوله: «مصعب» بضمّ الميم و سكون الصاد المهملة و فتح العين المهملة و الباء الموحّدة (منه عفي عنه).
(2). رجال النجاشي: 419/ 1122؛ خلاصة الأقوال: 261/ 13.
(3). قوله: «و إلى الضعف ما هو» الظاهر أنّ «ما» نافية، و الغرض أنّه ليس على حدّ الضعف، فالغرض أنّه لم يبلغ إلى الضعف؛ فالمقصود أنّه قريب إلى الضعف (منه عفي عنه).
(4). رجال النجاشي: 257/ 657؛ خلاصة الأقوال: 234/ 21.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 224
و غير مذكور، نظير رجوع النفي إلى الطبيعة في النكرة المنفيّة ب «لا» المشابهة ب «ليس» مع رجوع النفي إلى الوحدة لو كانت مذكورة، و كذا رجوع نفي الوجوب الظاهر في الوجوب التعييني إلى الطبيعة مع رجوع النفي إلى التعيين لو كان مذكورا.
[في قولهم: «حديثه ليس بذاك النقي»]
بقي أنّه قد يقال: «حديثه ليس بذلك النقي» كما ذكره النجاشي و العلّامة في الخلاصة في ترجمة أحمد بن أبي زاهر «1» «2»، و سالم بن أبي سلمة «3».
و الظاهر أنّ الغرض نفي كمال النقاوة، مثل «ليس بذاك الثقة» فيفيد الاعتبار في الجملة.
و الظاهر أنّ المقصود بالنقاوة «4» هو خلوّ روايات الراوي عن العيوب، كما يرشد إليه ما في ترجمة حذيفة «5» بن منصور من أنّ حديثه غير نقي يروي الصحيح و السقيم «6».
لكن مقتضاه كون المقصود بالحديث هو المعنى المصطلح، فلا دلالة في «حديثه ليس بذلك النقي» على اعتبار الإسناد.
إلّا أن يقال: إنّ الظاهر من إظهار اعتبار الحديث من جهة من فوق الراوي هو الفراغ عن اعتبار الحديث من جهة الراوي؛ لبعد إظهار اعتبار الحديث من جهة من فوق الراوي لو كان الراوي غير معتبر، بل يلزم اللغو في الإظهار، و اللّه العالم.
__________________________________________________
(1). قوله: «زاهر» بالزاي (منه عفي عنه).
(2). رجال النجاشي: 88/ 215؛ خلاصة الأقوال: 203/ 11.
(3). رجال النجاشي: 190/ 509؛ خلاصة الأقوال: 228/ 4.
(4). قال ابن الغضائري في ترجمة محمّد بن اورمة: حديثه نقيّ لا فساد فيه، و لم أر شيئا ينسب إليه تضطرب فيه النفس (منه عفي عنه).
(5). قوله: «حذيفة» بضم الحاء المهملة و فتح الذال المعجمة (منه مدّ ظله العالي).
(6). انظر خلاصة الأقوال: 60/ 2.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 225
خاتمة
و العصر إنّ الإنسان لفى خسران و لعمري يعجز بنان البيان و تبيان البيان عن تشريح ما فيه من الطغيان، و ناهيك في شرح حاله آيات القرآن، و كأنّه نار، و كلّ شعرة من شعارها شرارة من النار، و كلّ نفس من أنفاسه على شعار الشعار، و لو لم يكن في هذه النشأة إلّا المعاشرة مع شرّ الأشرار لكفى في البلاء و الابتلاء بربّ البراري و البحار، كيف و قد قال اللّه سبحانه: وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ «1» و الفتنة المجعولة من جانب اللّه سبحانه غير محتاجه إلى شرح الحال.
و لا يتفطّن بما ذكرناه في الميزان هذا الحيوان إلّا من شرب كأسا كاملا من المعرفة و الفرقان و بالغ في التأمّل في ميدان الميزان صديقه عدوّ الدوران، فكيف ظنّك بعدوّ البنيان، إنّ الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلّا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل مّا هم، إذا نظرت أنّ حاله مع اللّه سبحانه بحيث إذا مسّه الضرّ يدعوه بجنبه أو قائما أو قاعدا، فلمّا كشف عنه ضرّه مرّ كأن لم يدع الضرّ مسّه و إذا مسّه الضرّ في البحر ضلّ من يدعوه إلّا إيّاه، فلمّا نجّاه إلى البرّ أعرض، لصرت مأيوسا من حبّه، و ليس بروز الحبّ منه إلّا من جانب اللّه سبحانه من باب فوق المعتاد في الأيّام، كجعل النار من باب البرد و السلام.
الظلم من شيم الرجال و إن تجد ذا عفّة فلعلّة لا يظلم
لو خبّرتهم جوزاء خبري لما طلعت مخافة أن تكادا
هم الذباب تحت الثياب فلا تكن على أحد منهم بمعتمد
لا تركننّ إلى قوم تعلمهم فكلّهم مبغض في زيّ أحباب
و كيف يسوغ توقّع الحبّ منه! و هو من باب البلاء و الابتلاء كما سمعت، بل
__________________________________________________
(1). الفرقان (25): 20.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 226
هو من باب العدوّ، كما هو مقتضى قوله سبحانه: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ «1» بناء على كون الخطاب لآدم و حوّاء خطابا لذرّيتهما.
و كيف يسوغ توقّع الحبّ منه! و قد قال اللّه سبحانه: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ «2» بناء على كون «من» زائدة، و لعلّه الأظهر، لا للتبعيض، و ليس المقصود هو المعانعة عن العبادة و نيل الأجور الاخرويّة قضيّة قوله سبحانه: وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «3» و قضيّة التعرّض للممانعة المشار إليها بعد تلك الآية في قوله سبحانه: إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ «4».
و كيف يسوغ توقّع الحبّ منه و هو عدوّ لنفسه قضيّة ما فيه من الأهواء المهلكة الموجبة لرادئة حاله في الدنيا و الآخرة، كما هو مقتضى بعض الأخبار، بل مضرّة عداوته أزيد من سفرة أعدائه بمراتب كثيرة؛ حيث إنّ ما يتأتّى من مقدار تضييعه بفعله لا يتمكّن منه أعداؤه إلّا بمقدّمات كثيرة، بل ربّما لا يتمكّن من ذلك المقدار رأسا.
و أمّا عقله فغالب أفراده صرف الجنون، و في بعض الكلمات «أنّ عقل أربعين رجلا يوازن عقل شاة» تعليلا بأنّ الشاة ترتدع بردع الراوي، و الإنسان لا يرتدع بروادع اللّه سبحانه و الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام، و لعمري أنّ هذا الكلام بلغ سماء الكلام.
و بالجملة، من كان حاله في الطغيان على ما سمعت، فكيف يليق بوصول الفيض من جانب اللّه سبحانه إليه، و ما أبعد طول مسافة المجاهدة التي تحتاج إليها في القابليّة للإفاضة؛ فبالغ في المجاهدة و تهذيب الأخلاق، و طهّر بيتك للطائفين
__________________________________________________
(1). البقرة (2): 36.
(2). التغابن (64): 14.
(3). التغابن (64): 14.
(4). التغابن (64): 15.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 227
و العاكفين، و ولّ وجهك شطر كعبة المقصود، واجب الوجود و خالق الموجود، و توجّه إلى وليّ الخير و الجود، و اتّق اللّه حقّ تقاته، فإنّه لا يناله إلّا التقوى، و لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ «1»، و لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ «2».
و كن كثير الذكر للّه سبحانه، و قد بالغ سبحانه في تعظيم ذكره حتّى جعل التسمية في ذبح الهدي من ثمرات الحجّ؛ فإنّ مقتضاه كلام العظم في ذكر اللّه سبحانه و لا تخدعنّك هذه الدار بزبرج غدّار، فإنّ ما عند اللّه خير للأبرار، فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ «3» فما متاع الحياة الدنيا إلّا الغرور و ما صفقتها إلّا خاسرة عند أرباب الشعور، و إنّما الآخرة هي التجارة التي لن تبور، و ليس قصر الطرف على دار العبور إلّا من قصار القصور، و الركون إليها من الجنون، بل الجنون فنون، و الركون إليها من أسوء فنون الجنون.
و لن تتيسّر لك القوّة القدسيّة إلّا بكمال التقوى. كيف، و هذه المرتبة مرتبة النيابة، و لا تتيسّر لأرباب الشقاوة. فانظر أنّ النيابة تلو الربوبيّة بتوسّط النبوّة و الإمامة، فصاحب هذه المرتبة لابدّ له من الكمالات النفسانيّة ما يوجب اللياقة للدرجة الثالثة من الدرجات المتعقّبة للربوبيّة.
و أنصف هل يكون السبع الجامع لجميع النقائص حريّا لمرتبة تلو الإمامة بلا واسطة، و تلو الربوبيّة بواسطتين؟ كلّا و حاشا. و لو أمكن جريان المعجزة على يد الكاذب لأمكن حصول تلك القوّة لغير القابل.
و ربّما تحمّل شدّة المحنة في طول المدّة من لم يتّفق له كمال التقوى، فلم يتحصّل له تلك القوّة، بخلاف بعض من لم يكن له استعداد تلك القوّة، لكن
__________________________________________________
(1). الحج (22): 37.
(2). البقرة (2): 177.
(3). فاطر (35): 5.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 228
بتوسّط التقوى تحصل له القوّة، و ترتّب عليه آثار محمودة و حسن الذكر أبد المدّة، فالتقوى أمام المقصود، بل لا مقصود غير هذا المقصود. و باللّه من الفتوى و الحكم بغير ما أنزل وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ «1» فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «2» فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «3» وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «4» و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ «5».
فانظر أنّه كيف يتجاسر غير القابل على العصيان، و أرباب الزنا و اللواط و الشرب يخفون العصيان، و كيف يلعن هذا على عمر و هو أسوء حالا منه بمراتب شتّى لا تحصى؛ لأنّ عمر لم يرتكب ما ارتكبه إلّا بخيال رئاسة وجه الأرض، و هذا- أعني غير القابل- لم يرتكب ما ارتكبه إلّا بخيال رئاسة قليلة، و لا سيّما بعض من ركب هذا المركب.
و كيف يتوقّع هذا التمكين من أرباب الديوان و هو أضعف عنصرا عنهم بمراتب كثيرة أيضا؛ لأنّه لم يتمكّن من العصيان إلّا ما فعله، و على منوال حال ذلك حال الإجازة من الأهل فضلا من غير الأهل استدعاء لانتشار الاسم و توجّه الوجوه.
ثمّ- العياذ باللّه- كيف يتجاسر الإنسان ذو الطغيان بالعيان على عصيان خالق الإنس و الجانّ، و مع هذا يظهر النيابة عن إمام الزمان عليه آلاف التحيّة من اللّه الرّحيم الرحمن! و لعمري يهزأ الكفّار من هذه النيابة و هذا الإيمان، فبئس المطيّة التي امتطت أنفسنا من هواها، فواها لها، فواها لها لما سوّلت لها ظنونها و مناها و تبّا لها لجرأتها على سيّدها و مولاها، آه وا نفساه، آه وا نفساه لا تنفس نفسا لغير الدنيا و لا تتخاطر على خاطرها الآخرة، بل كأنّها لا تستشعر بغير الدنيا و لا تعقل.
__________________________________________________
(1). المائدة (5): 44.
(2). المائدة (5): 47.
(3). المائدة (5): 45.
(4). الشعراء (26): 227.
(5). الأنعام (6): 67.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 229
و لنعم ما في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام:
أبنيّ إنّ من الرجال بهمية في صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكلّ رزية في ماله و إذا أصيب بدينه لا يشعر «1»
بقي أنّه قد أعجبني أن أذكر في المضمار طائفة من الأخبار:
فقد روى الكليني نقلا بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
إذا رأيتم العالم محبّا لدنياه فاتّهموه على أمر دينكم، فإنّ محبّ كلّ شيء يحوط ما أحبّ.
و قال: أوحى اللّه إلى داوود على نبيّنا و آله و عليه السلام لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا، فيصدّك عن طريق محبّتي، فإنّ أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم «2».
و روى الصدوق في الخصال بإسناده إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:
لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم و صومهم «3» و طنطنتهم بالليل، و لكن انظروا إلى صدق الحديث و أداء الأمانة «4».
و روى الصدوق أيضا في الخصال في مرسل إسماعيل بن مهران و عليّ بن أسبأط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال في العلماء:
من يحبّ أن يخزن علمه و لا يؤخذ عنه، فذاك في الدرك الأسفل من النار؛ و من العلماء من إذا وعظ عنف، فذاك في الدرك الثاني من النار؛ و من العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذي الثروة و الشرف و لا يرى له
__________________________________________________
(1). الديوان المنسوب لأمير المؤمنين عليه السّلام: 67.
(2). الكافي 1: 46، ح 4، باب المستأكل بعلمه و المباهي به.
(3). في المصادر زيادة: «و كثرة الحجّ و المعروف».
(4). الأمالي للصدوق: 303، ح 6، المجلس الخمسون؛ عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 51، ح 197، باب 31؛ الاختصاص: 229. و لم نجد هذه الرواية في الخصال.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 230
في المساكين وضعا، فذاك في الدرك الثالث من النار؛ و من العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة و السلاطين فإن ردّ عليه شيء من قوله أو قصر في شيء من أمره غضب، فذاك في الدرك الرابع من النار، و من العلماء من يطلب أحاديث اليهود و النصارى ليعزّز به علمه و يكثر به حديثه، فذاك في الدرك الخامس من النار؛ و من العلماء من يضع نفسه للفتيا و يقول: سلوني، و لعلّه لا يصيب حرفا واحدا و اللّه لا يحبّ المتكلّفين، فذاك في الدرك السادس من النار؛ و من العلماء من لا يتّخذ علمه مروّة و عقلا، فذاك في الدرك السابع من النار «1».
و روى الصدوق نقلا «2» بسنده أيضا عن كميل بن زياد النخعي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:
يا كميل إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، إحفظ عنّي ما أقول لك:
الناس ثلاثة: عالم ربّاني، و متعلّم على سبيل نجاة، و همج رعاع «3» أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، و لم يلجأوا إلى ركن وثيق.
يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك و أنت تحرس المال، و المال تنقصه النفقة و العلم يزكو على الإنفاق.
يا كميل، [محبّة] «4» العلم دين يدان اللّه، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته، و جميل الأحدوثة بعد وفاته.
__________________________________________________
(1). الخصال: 352، ح 33، و نقله عنه الفيض في المحجّة البيضاء 1: 129.
(2). قوله: «و روى الصدوق نقلا» أيضا قد شرح شيخنا البهائي أجزاء الخبر في الأربعين [: 423] في شرح الحديث السادس و الثلاثين، و رواه العلّامة المجلسي في أوائل البحار بطرق متعدّدة و شرح أجزاءه أيضا، و هو مذكور في نهج البلاغة (منه مدّ ظله العالي).
(3). الرعاع: كسحاب، العوام و السفلة و أمثالهم، الواحد رعاعة و منه إنّ الموسم يجمع رعاع الناس. أي أسقاطهم و أخلاطهم. مجمع البحرين 1: 194.
(4). الزيادة من المصدر.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 231
يا كميل، مات خزّان المال و العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة و أمثالهم في القلوب موجودة، آه آه إنّ هاهنا- و أشار بيده إلى صدره- لعلما جمّا، لو أصبت له حملة، بلى أصبت له لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين في الدنيا، و يستظهر بحجج اللّه على خلقه و بنعمه على عباده، أو منقادا للحقّ لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشكّ في قلبه بأوّل عارض من شبهة ألا لا ذا و لا ذاك، أو منهوما باللّذات سلس القياد للشهوات أو مغرى بالجمع و الإدّخار ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة؛ كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة، إمّا ظاهر مشهور أو مستتر مغمور؛ لئلّا تبطل حجج اللّه و بيّناته، و كم ذا و أين؟ اولئك و اللّه الأقلّون عددا و الأعظمون خطرا، بهم يحفظ اللّه حججه و بيّناته حتّى يودعوها نظراءهم، و يزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الأمور، و باشروا روح اليقين، و استلانوا ما استوعره المترفون، و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون، و صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى، اولئك خلفاء اللّه في أرضه، و الدعاة إلى دينه، آه آه شوقا إلى رؤيتهم «1».
و قد روى الطبرسي في الاحتجاج عن الرّضا عليه السّلام أنّه قال: قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:
إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته و هديه، و تماوت في منطقه، و تخاضع في حركاته فرويدا لا يغرّنّكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا و ركوب المحارم «2» منها لضعف نيّته و مهانته و جبن قلبه، فنصب الدين فخّا لها،
__________________________________________________
(1). الخصال: 186، ح 257؛ كمال الدين: 289، ح 2، باب 26؛ و انظر الأمالي للمفيد: 247، ح 3، المجلس 29.
(2). في المصدر: «الحرام».
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 232
فهو لا يزال يختل الناس بظاهره، فإن تمكّن من حرام اقتحمه. و إذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويدا لا يغرّنّكم فإنّ شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام و إن كثر، و يحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرّما، فإذا وجدتموه يعفّ عن ذلك فرويدا لا يغرّنّكم حتّى تنظروا ما عقده عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثمّ لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر ممّا يصلحه بعقله، فإذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرّكم حتى تنظروا أمع هواه يغلب على عقله، أم يكون مع عقله على هواه؟ و كيف محبّته للرئاسات الباطلة و زهده فيها؟ فإنّ في الناس من خسر الدنيا و الآخرة، يترك الدنيا للدنيا، و يرى أنّ لذّة الرئاسات الباطلة أفضل من لذّة الأموال و النعم المباحة المحلّلة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة، حتّى إذا قيل له: اتّق اللّه، أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم و لبئس المهاد، فهو يخبط خبط عشواء، يقوده أوّل باطل إلى أبعد غايات الخسارة، و يمدّه ربّه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه، فهو يحلّل ما حرّم اللّه، و يحرّم ما أحلّ اللّه، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد شقي من أجلها، فأولئك الذين غضب اللّه عليهم و لعنهم و أعدّ لهم عذابا أليما. و لكنّ الرجل كلّ الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر اللّه، و قواه مبذولة في رضا اللّه، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل، و يعلم أنّ قليل ما يحتمله من ضرائها يؤدّيه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد و لا تنفد، و أنّ كثير ما يلحقه من سرّائها إن اتّبع هواه يؤدّيه إلى عذاب لا انقطاع له و لا يزول؛ فذلكم الرجل نعم الرجل، فبه فتمسّكوا و بسنّته فاقتدوا و إلى ربّكم فتوسّلوا، فإنّه لا يردّ له دعوة و لا يخيب له طلبة «1».
__________________________________________________
(1). الاحتجاج 2: 321.
الرسائل الرجالية، ج1، ص: 233
و أكثر هذه الأخبار يجدي في مقام الاستبصار و اختيار الأخيار، و ينجي عن الاعتذار بظاهر الغرّار، و الغدّار، و فيها إرشاد إلى مسالك مهالك أعيان الإنسان، و كشف الغطاء و الرموز عن نكت السرائر بكافي البيان و شافي التبيان.
و لعمري إن كلّا من الأخيرين منها و لا سيّما الأخير في علوّ المفاد بمكان و أيّ مكان، و احتوى من مجمع البيان كنز العرفان و من بحار الأنوار عوالي اللآلي و منتقى الجمان، بل علّو المفاد من حيث الميزان على حدّ الإعجاز، كما هو الشأن في بعض آيات القرآن، أعني آية الأمر بالعدل و الإحسان «1»؛ حيث إنّه لعلوّ مفاده صار موجبا لدخول بعض الكفّار في الإيمان على ما ذكر في بعض تفاسير القرآن.
و لنعم النصائح المذكورة في أخبار الأئمّة أمناء الرحمان، و أقرب شبها بها النصائح المحكيّة عن لقمان، بل اتّفاق مثلها في كلام غيرهم خارج عن حدّ الإمكان.
و قد فرغ منه ابن محمّد إبراهيم أبو المعالي الشريف، و الحمد للّه المفضل المكرم المنعام على تراكم الوجوه و أقسام الإكرام، و له الشكر التمام فوق التمام على إتمام التوفيق بتوفيق الإتمام، و السلام من السلام فوق كلّ سلام على نبيّه الأتمّ من تمام الأنام، و الخاتم الذي نصب إليه الأنبياء الأوّلون الأعاظم الكرام عين الرجاء لشفاعته لدى قيام الساعة و ساعة القيام، سيّما ابن عمّه باب مدينة علمه و خليفته في التبليغ و إحكام الأحكام من بداية العبادات إلى نهاية الإحكام و العروة الوثقى التي لا يكون لها انفصال و لا انفصام، الذي كان في نصبه للخلافة إكمال الدين و إتمام الإنعام، و على أهل بيته مصابيح الظلام و مفاتيح دار السلام ما تعاقب الليالي بالأيّام و تتابع الشهور بالأعوام.
__________________________________________________
(1). النحل (16): 90.