بسم الله الرحمن الرحیم

الحجّة بن الحسن عجّل اللّه تعالی فرجه الشریف


هم فاطمة و

الحجّة بن الحسن عجّل اللّه تعالی فرجه الشریف

ولادت الامام الحجة بن الحسن المهدي عج(255 - 000 هـ = 868 - 000 م)

مقاله جالب مهدويت از اهل سنت



http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



الكتاب: مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عدد الأجزاء: 95 جزءا
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي ومعه ملحق بتراجم الأعلام والأمكنة]


http://shamela.ws/browse.php/book-8322/page-21660
http://shamela.ws/browse.php/book-8322/page-21660#page-22060

http://www.alifta.com/Fatawa/FatawaDetails.aspx?languagename=ar&View=Page&PageID=6932&PageNo=1&BookID=2#P303


عقيدة الأمة في المهدي المنتظر
للشيخ: يوسف بن عبد الرحمن البرقاوي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد كثر الحديث والسؤال في هذه الأيام عن المهدي المنتظر، وذلك لكثرة من يدعيه في كل عصر من أهل الأهواء وأصحاب الأطماع من المرتزقة الذين اتخذوا هذه الدعوة جسرا للوصول إلى غايات وتحقيق أهداف.
وهناك من الناس من يتساءل عن أخبار المهدي على أمل البشرى والتفاؤل بالخير، وتغير الأحوال، وتفريج كرب الأمة مما نزل بها من بلاء وعناء، وما حل بها من كوارث ومصائب، وما لحق بها من آلام وأضرار، حيث تكالبت عليها قوى الشر والعدوان كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها (1)».
رواه أبو داود في سننه من حديث ثوبان -رضي الله عنه-.
وبالرجوع إلى أحداث التاريخ نجد أن قضية المهدي تستغل عبر القرون وعلى مر العصور من قبل أهل الأهواء، وذلك للوصول إلى منصب الحكم وقيادة الأمة لتحقيق أغراض فيها.
__________
(1) سنن أبو داود الملاحم (4297)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 278).
(49/303)
________________________________________
فكثيرا ما تروج هذه الدعوة الكاذبة على الدهماء والطغام من العوام فيصدقها الناس ويسيرون وراء كل ناعق بها، وما ذاك إلا لجهل الكثير من الأمة بعقيدته وواقع الحال، فالجهل أوقعهم في مثل هذه المزالق الشيطانية وأرداهم إلى المهالك، والتاريخ شاهد على ذلك، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة): (ادعى خلق كثير أنه المهدي، عدد لا يحصيه إلا الله) وسيأتي في موضعه.
المهدي من علامات الساعة الكبرى:
إن موضوع المهدي من علامات الساعة الكبرى وأشراطها العظمى التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشراط الساعة الكبرى من الأمور الغيبية التي كلف الله عباده بالتصديق بها والإيمان بمدلولها، وعقيدتنا تملي علينا وجوب الإيمان بذلك.
قال تعالى: {الم} (1) {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (2) {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (3)، والأمور الغيبية لا تثبت بالمنامات ولا بالإرهاصات والمكاشفات، كما أنها لا تثبت بالأوهام والتخيلات أو الادعاءات الكاذبة، إنما تثبت بالأدلة الشرعية من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالمغيبات لا تثبت بالاجتهادات العقلية ولا الآراء الشخصية إنما ذلك بالنصوص الشرعية العقلية، وهذا حال كل أمر غيبي. ولهذا جاء في كتاب لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية في
__________
(1) سورة البقرة الآية 1
(2) سورة البقرة الآية 2
(3) سورة البقرة الآية 3
(49/304)
________________________________________
عقيدة الفرقة المرضية) للعالم محمد السفاريني الحنبلي، ج 2 ص (70)، قال:
وما أتى بالنص من أشراط ... فكله حق بلا شطاط
منها الإمام الخاتم الفصيح ... محمد المهدي والمسيح
قال رحمه الله: من أشراط الساعة التي وردت فيها الأخبار وتواترت في مضمونها الآثار من العلامات العظمى وهي أولها أن يظهر الإمام (المهدي) المقتدى بأقواله وأفعاله الخاتم للأئمة فلا إمام بعده، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده.
(49/305)
________________________________________
وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة:
قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1). جاء في مختصر ابن كثير، ج 1 ص (408)، قال ابن كثير: قال مجاهد: وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصوله الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى كتاب الله والسنة، كما قال الله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2)، فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10
(49/305)
________________________________________
بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال. وقال تعالى في وصف نبيه الكريم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (1) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (2) جاء في مختصر ابن كثير، ج 3 ص (396)، قال ابن كثير: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق (3)». رواه أحمد وأبو داود.
بهذا فقد أرشدنا القرآن الكريم عند الاختلاف في أمور الدين بالرجوع إلى كتاب الله العظيم وسنة نبيه الأمين فهما الميزان الواضح لمعرفة الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والسنة من البدعة، وبهما يعرف الخير من الشر.
فعلى هذا فقد وردت أحاديث صحيحة وصريحة في أخبار المهدي المنتظر في آخر الزمان. وقد جمع علماء الإسلام الأحاديث الواردة في شأنه والمتعلقة بأمر المهدي، فمن العلماء من أدرجها ضمن المؤلفات العامة في السنن والمسانيد وغيرها ذكرت في باب (أشراط الساعة) أو في باب (الفتن)، ومنهم من أفرد لها كتبا مستقلة في هذا الموضوع، مثل كتاب: (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر)، وغيره.
__________
(1) سورة النجم الآية 3
(2) سورة النجم الآية 4
(3) سنن أبو داود العلم (3646)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 162)، سنن الدارمي المقدمة (484).
(49/306)
________________________________________
ذكر بعض الكتب التي جمعت أحاديث المهدي:
1 - كتاب (العرف الوردي في أخبار المهدي) وهو ضمن كتاب (الحاوي للفتاوى)، للإمام جلال الدين السيوطي في الجزء الثاني، وقد جمع مؤلفه ما يقرب من مائتي حديث في هذا الموضوع، منها الحديث الصحيح والضعيف.
2 - كتاب (الفتن والملاحم) وهو المعروف بـ (النهاية) للحافظ عماد الدين ابن كثير، صاحب التفسير.
3 - كتاب (المنار المنيف) لابن قيم الجوزية، وقد حقق -رحمه الله- الأحاديث التي جمعها في أخبار المهدي فبين الصحيح والضعيف منها.
4 - كتاب (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) لابن حجر المكي، المتوفى سنة 974 هـ.
5 - كتاب (المشرب الوردي في مذهب المهدي) لملا علي قاري الحنفي، المتوفى سنة 1014 هـ.
6 - كتاب (فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر) لمرعي بن يوسف الحنبلي، المتوفى سنة 1033 هـ.
7 - كتاب (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر)، ليوسف بن يحيى بن علي السلمي الشافعي، المتوفى سنة 685 هـ.
وهناك مؤلفات أخرى في هذا الموضوع جمع مصنفوها
(49/307)
________________________________________
الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة، فمن أراد المزيد من الاطلاع فليراجع كتاب (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح) للإمام محمد بن علي الشوكاني، صاحب نيل الأوطار. وقال -رحمه الله- في كتابه المذكور:
والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول. انتهى وسيأتي في موضعه.
(49/308)
________________________________________
اختلاف الأقوال في المهدي المنتظر:
فالناس في المهدي على أقوال متعددة وآراء مختلفة، فمنهم المثبت لأمر المهدي المنتظر ومؤمن بظهوره في آخر الزمان، ومنهم المتردد في أمره والمتوقف في ذلك، وهناك المكذب والنافي لهذه الحقيقة الغيبية واعتبر ذلك من نسج الخيال ومن وضع أهل الأوهام.
وقد اختلفت الآراء في المهدي المنتظر على خمسة أقوال أذكرها بإيجاز:
القول الأول: هو قول أهل السنة والجماعة، الذين يؤمنون بالمهدي المنتظر، الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظهر في آخر الزمان، ليقضى على الشر والطغيان، ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، وذلك بين يدي
(49/308)
________________________________________
الساعة ومن علاماتها الكبرى، وهو موضوع بحثنا في هذا المقال.
القول الثاني: هو عبد الله السفاح الذي ولي أمر بني العباس، وأصحاب هذا الرأي يقولون: إن المهدي قد ظهر وحكم وانتهى زمانه ومضت أيامه، وهو مهدي بني العباس الذي ولي الخلافة وسلب الحكم من بني أمية وهو السفاح.
وقد ضعف هذا القول ابن قيم الجوزية في كتابه (المنار المنيف) قال -رحمه الله- في كتابه المذكور ص 149: القول الثاني: إن المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه، وقال ابن القيم واحتج أصحاب هذا القول بما رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا وكيع عن شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي (1)». قال ابن القيم: (علي بن زيد) قد روى له مسلم متابعة ولكن هو ضعيف وله مناكير تفرد بها فلا يحتج بما يتفرد به.
وأصحاب هذا الرأي قالوا بأن الرايات أقبلت من خراسان يحملها أبو مسلم الخراساني أيام السفاح، واستولى بها على ملك بني أمية، وقد انتهى أمره، ومضى زمانه، وهو المهدي المذكور في الحديث.
القول الثالث: هو قول الشيعة الكيسانية والشيعة الإمامية، وسيأتي بيان ذلك مفصلا في هذا البحث في موضعه.
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (5/ 277).
(49/309)
________________________________________
القول الرابع: هم دعاة المهدي الذي يزعمونها ادعاء وكذبا وزورا، وهؤلاء هم دعاة الضلالة المغرضون الذين يتسترون وراء هذه الدعوة طمعا بالملك ورغبة في استلام السلطة وحبا بالرياسة لتحقيق أطماع والوصول إلى غايات رسمها الشيطان لهم، وكثير من الضلال من أهل الأهواء ادعى أنه المهدي المنتظر يريد إصلاح أمر الأمة على حد زعمه وذلك منذ عصر بني العباس إلى يومنا هذا، وسيأتي بيانه في موضعه مفصلا.
القول الخامس: هم نفاة المهدي وأنه لا مهدي إلا عيسى ابن مريم، وهناك من نفى قضية المهدي مطلقا وكذلك نفى نزول عيسى -عليه السلام - واعتبر الأحاديث الواردة في ذلك هي رمز لنصرة المسلمين وإعزازهم.
وقد نفى بعض العلماء قديما وحديثا ظهور المهدي وأنه لا مهدي إلا عيسى ابن مريم مستدلين بالحديث التالي: عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم (1)» رواه ابن ماجه في سننه.
ويرى البعض من العلماء أن قضية المهدي من وضع الشيعة والفرق الباطنية وسيأتي في موضعه.
أجوبة العلماء على حديث: «لا مهدي إلا عيسى (2)»:
وقد ضعف علماء الإسلام حديث أنس المتقدم، حيث يوجد في سنده راو مجهول، وهو (محمد بن خالد الجندي) كما
__________
(1) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
(2) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
(49/310)
________________________________________
صرح بذلك العلماء المختصون ومن ذلك:
1 - كلام ابن قيم الجوزية: جاء في كتاب (المنار المنيف) لابن القيم ص 141 قال: وسئلت عن حديث «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم (1)» فكيف يأتلف هذا مع أحاديث المهدي وخروجه؟ وما وجه الجمع بينهما؟ وهل في المهدي حديث أم لا؟
فقال ابن القيم: فأما حديث «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم (2)» فرواه ابن ماجه في سننه، وهو مما تفرد به محمد بن خالد، قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتابه (مناقب الشافعي): محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل.
وقال أيضا: وقال البيهقي: تفرد به محمد بن خالد هذا، وقد قال الحاكم أبو عبد الله: هو مجهول.
2 - كلام القرطبي: جاء في كتاب (التذكرة في أحوال الآخرة) للإمام الحافظ القرطبي ص 61 قال: فقوله: «لا مهدي إلا عيسى (3)» يعارض أحاديث هذا الباب، فقيل: إن هذا الحديث لا يصح لأنه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندي، وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: الجندي هذا مجهول. . . إلى أن قال القرطبي: ويحتمل أن يكون قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا مهدي إلا عيسى (4)» أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض. انتهى.
__________
(1) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
(2) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
(3) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
(4) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
(49/311)
________________________________________
3 - كلام ابن كثير: جاء في كتابه (النهاية) ص 33 قال الحافظ ابن كثير: أما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه، وساق الحديث بسنده إلى أن قال: عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم (1)».
قال ابن كثير: فإنه حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن شيخ الشافعي، وروي من غير واحد أيضا، وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم بل قد روي عن ابن معين أنه وثقه. . . إلى أن قال ابن كثير: وهذا الحديث فيما يظهر ببادئ الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها بعده وعند التأمل لا ينافيها بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق، المهدي عيسى ابن مريم، ولا ينافي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا، والله أعلم.
__________
(1) صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2949)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 394).
(49/312)
________________________________________
ذكر بعض نفاة المهدي:
1 - وممن نفى ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان أبو محمد بن الوليد البغدادي، معتمدا على الحديث المتقدم «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم (1)».
جاء في كتاب (منهاج السنة) لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 211، ج 4 بعد أن ذكر بعض الأحاديث الصحيحة التي تفيد خروج المهدي، قال رحمه الله: وهذه الأحاديث غلط فيها
__________
(1) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
(49/312)
________________________________________
طوائف؛ طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم (1)». قال: وهذا الحديث ضعيف وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس مما يعتمد عليه، وأسهب في ذلك.
2 - وممن أنكر أحاديث المهدي المؤرخ المشهور عبد الرحمن بن خلدون المغربي المتوفى سنة 808 هـ والمعروف عنه أنه ضعف جميع أحاديث المهدي كما جاء في مقدمة تاريخه المشهورة من صفحة 199 لغاية صفحة 209 الفصل الثاني والخمسون تحت عنوان (في أمر الفاطمي) طبعة بيروت عام 1988 م.
وقد تعقب ابن خلدون بعض العلماء ورد عليهم في هذا الموضوع وممن تعقبه:
أ- صديق حسن خان القنوجي المتوفى سنة 1307 هـ قال -رحمه الله- في كتابه (الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة): ولا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه، وقال: لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأذلة بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر. انتهى.
ب- وكذلك رد على ابن خلدون الشيخ محمد شاكر في
__________
(1) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
(49/313)
________________________________________
تخريجه أحاديث مسند الإمام أحمد بن حنبل قال -رحمه الله-: أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحما لم يكن من رجالها، وقال: إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته (المهدي) تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة، وقال: إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين " الجرح مقدم على التعديل " ولو اطلع على أقوالهم وفقهها لما قال شيئا مما قال. انتهى.
ج- وممن أنكر على ابن خلدون وخطأه في تضعيفه أحاديث المهدي، الشيخ " محمد شمس الحق العظيم أبادي " في كتابه (عون المعبود شرح سنن أبي داود) ص 361 ج 11، قال: وقد بالغ الإمام المؤرخ ابن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ. انتهى.
أقول: والحق أن الذي حمل العلامة ابن خلدون على تضعيف أحاديث المهدي هو أمران اثنان والله تعالى أعلم.
الأول: كما قال العلماء فيه أن ابن خلدون مؤرخ مشهور وليس محدثا ولا من رجال الحديث وليس هو من أهل الاختصاص بعلوم الحديث ولهذا ضعفها وردها.
الثاني: لكثرة دعاة المهدوية فقد كثر عبر القرون في كل عصر وزمان من يظهر ويزعم أنه المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، فسرعان ما ينكشف أمره ويتضح حاله بأنه مفتر على الله بدعواه الكاذبة سفاك للدماء مفسد في الأرض.
ولهذا فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته وفي تاريخه الكثير
(49/314)
________________________________________
من دعاة المهدوية في بلاد المغرب والمشرق فقد جاء في مقدمته ص 208 قال: ومن ذلك ظهر في (غمارة) سنة 709 هـ رجل يعرف بالعباس وادعى أنه الفاطمي واتبعه الدهماء من (غمارة) ودخل مدينة فاس عنوة - أي بالقوة- وحرق أسواقها وارتحل إلى بلد (المزمة) فقتل بها غيلة ولم يتم أمره، وقال: وكثير من هذا النمط، وقد أسهب في ذكر دعاة المهدوية المضللة. فهذا من الدوافع التي دفعت ابن خلدون على رفض أحاديث المهدي لكثرة من يدعيها ويتستر بها.
3 - وممن أنكر أحاديث المهدي من علماء العصر الشيخ محي الدين عبد الحميد، يقول في تعليقه على كتاب (الحاوي للفتاوي للسيوطي) ص 166 ج 2 في (العرف الوردي في أخبار المهدي) قال: يرى بعض الباحثين أن كل ما ورد عن المهدي وعن الدجال من الإسرائيليات. انتهى.
4 - وممن أنكر أحاديث المهدي وظهوره الأستاذ المعاصر أبو عبية في تعليقه على كتاب (الفتن والملاحم) لابن كثير قال بما معناه: إن كل ما جاء من الأحاديث في شأن المهدي ونزول عيسى ابن مريم والدجال إنما هو رمز لانتصار الحق على الباطل. انتهى.
فقد حمل فضيلة الشيخ الأحاديث الواردة بشأن المهدي على غير ظاهرها ومدلولها وحقيقتها ولا شك أن هذا تكلف منه.
5 - وممن استبعد ظهور المهدي المنتظر الداعية الشيخ أبو
(49/315)
________________________________________
الأعلى المودودي في كتابه (البيانات) قال -رحمه الله-: ولا يمكن بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف (بالمهدوية) يجب على كل مسلم أن يؤمن به ويترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا والآخرة. انتهى.
6 - ومن نفاة المهدي المنتظر الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقه على (تحفة الأحوذي لشرح جامع الترمذي) للحافظ محمد عبد الرحمن المباركفوري المتوفى سنة 1353 هـ. قال المعلق: ص 474 ج 6: يرى الكثيرون من العلماء أن كل ما ورد من أحاديث المهدي إنما هي موضع شك، وأنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من وضع الشيعة. انتهى.
أقول: والحق أن الأحاديث الواردة في شأن المهدي دلت على ظهور إمام للمسلمين في آخر الزمان عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام كما سيأتي في موضعه.
ولا شك أن هذه الأقوال المتقدمة التي نفت ظهور المهدي هي أقوال مردودة للأدلة الصحيحة الصريحة الثابتة في كتب الحديث في باب أشراط الساعة وعلاماتها والتي تفيد خروج المهدي في نهاية الدنيا، فلا مجال لردها ولا مبرر لرفضها ولا معنى لتأويلها عن ظاهرها وصرفها عن حقيقتها فهي نصوص واضحة في هذا الباب. والله أعلم وإليه المآب.
(49/316)
________________________________________
ذكر دعاة المهدوية:
ولو استعرضنا كتب التاريخ والسير لوجدنا أن دعاة المهدوية كثيرون في كل عصر وزمان وبدون حصر وقد ذكر العلامة ابن خلدون في مقدمته وفي تاريخه عددا من دعاة المهدوية في بلاد المغرب وفي بلاد المشرق، وقد تقدمت الإشارة لذلك، ففي مقدمته ضعف أحاديث المهدي وردها ثم ذكر طائفة ممن ادعى أنه المهدي المنتظر من ص 199 لغاية 209. وأيضا ذكر عددا من ذلك في تاريخه في الجزء الثالث ص 335 وما بعدها.
بدأ بذكر من ادعى المهدوية في البحرين وهجر من القرامطة.
وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة) ص 212 ج 4 قال -رحمه الله- بعد أن ذكر بعض دعاة المهدي قال: ومثل عدة آخرين ادعوا ذلك منهم من قبل ومنهم من ادعى ذلك فيه أصحابه وهؤلاء كثيرون لا يحصي عددهم إلا الله. . . إلى أن قال: وأعرف في زماننا غير واحد من المشايخ الذين فيهم زهد وعبادة يظن كل منهم أنه المهدي وربما يخاطب أحدهم بذلك مرات متعددة ويكون المخاطب له بذلك الشيطان وهو يظن أنه خطاب من قبل الله تعالى. . وأسهب في الموضوع.
وأسوق للقارئ الكريم بعض دعاة المهدوية:
1 - وممن ادعى أنه المهدي المنتظر (عبيد الله بن ميمون القداح) مؤسس الدولة الفاطمية.
جاء في كتاب (منهاج السنة) لشيخ الإسلام ابن تيمية
(49/317)
________________________________________
ص 211 ج 4 قال رحمه الله: إن طوائف كثيرة ادعى كل منهم أنه المهدي المبشر به، مثل مهدي القرامطة الباطنية الذي أقام دعوتهم بالمغرب من ولد ميمون القداح، وادعوا هذا من ولد محمد بن إسماعيل وإلى ذلك انتسب الإسماعيلية، وهم ملاحدة في الباطن خارجون عن جميع الملل أكفر من الغالية النصيرية، ومذهبهم مركب من مذهب المجوس والصابئة والفلاسفة مع إظهار التشيع وجدهم رجل يهودي كان ربيبا لرجل مجوسي، وقد كانت لهم دولة وأتباع وقد صنف العلماء كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم مثل كتاب القاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبد الجبار الهمداني، وكتاب الغزالي ونحوهم.
وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) ص 161 ج 11 بعد أن ذكر أعمال القرامطة الوحشية الإجرامية في معقل الإسلام والمسلمين قال: وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنيع أنهم كفار زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنة ببلاد أفريقية من أرض المغرب ويلقب أميرهم بالمهدي وهو: (أبو محمد عبيد الله بن ميمون القداح) وقد كان صباغا بسلمية وكان يهوديا، فادعى أنه أسلم ثم سافر من سلمية فدخل بلاد أفريقية فادعى أنه شريف فاطمي فصدقه على ذلك طائفة كثيرة من البربر وغيرهم من الجهلة، وصارت لهم دولة فملك مدينة سجلماسة ثم ابتنى مدينة وسماها المهدية، وكان قرار ملكه بها وكان هؤلاء القرامطة يراسلونه ويدعون إليه.
قال ابن قيم الجوزية في كتابه (المنار المنيف) ص 153:
(49/318)
________________________________________
ثم خرج المهدي الملحد (عبيد الله بن ميمون القداح) وكان جده يهوديا من بيت مجوس فانتسب بالكذب والزور، واستفحل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام، واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم. وكانوا يدعون الإلهية ويدعون أن للشريعة باطنا يخالف ظاهرها، وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين، فتستروا بالرفض والانتساب كذبا لآل البيت ودانوا بدين أهل الإلحاد وروجوه، ولم يزل أمرهم ظاهرا إلى أن أنقذ الله الأمة منهم ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب، فاستنقذ الملة الإسلامية منهم وأبادهم وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم.
20 - وممن ادعى أنه المهدي المنتظر (محمد بن تومرت) في بلاد المغرب وهو من جبل السوس في أقصى بلاد المغرب، جاء في (منهاج السنة) ص 213 ج 4، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وممن ادعى أنه المهدي ابن تومرت الذي خرج أيضا في بلاد المغرب وسمى أصحابه (الموحدين)، وكان يقال له في خطبهم (الإمام المعصوم والمهدي المعلوم)، وقد علم بالاضطرار أنه ليس هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
قال ابن خلكان في تاريخه (وفيات الأعيان) ص 45 ج 5، قال: (المهدي بن تومرت) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المنعوت بالمهدي الهرغي صاحب دعوة عبد المؤمن بن علي بالمغرب - وكان ابن تومرت ينتسب إلى الحسن بن
(49/319)
________________________________________
علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- إلى أن قال: وهو من جبل السوس في أقصى بلاد المغرب. وأسهب في الكلام عنه لغاية ص 55، وأيضا ذكره ابن خلدون في تاريخه ص 300 ج 6 قال ابن القيم في كتابه المنار المنيف ص 153: أما مهدي المغاربة محمد بن تومرت فإنه رجل كذاب ظالم متغلب بالباطل ملك بالظلم والتغلب والتحيل فقتل النفوس وأباح حريم المسلمين وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم وكان شرا على الملة من الحجاج بن يوسف بكثير.
وقال: وكان يودع بطن الأرض في القبور جماعة من أصحابه أحياء، يأمرهم أن يقولوا للناس أنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يردم عليهم ليلا لئلا يكذبوه بعد ذلك. وسمى أصحابه الجهمية (الموحدين) نفاة صفات الرب وكلامه وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه ورؤية المؤمنين له يوم القيامة، واستباح قتل من خالفهم من أهل العلم والإيمان وتسمى بالمهدي المعصوم. انتهى.
3 - وممن زعم أتباعه أنه المهدي المنتظر (الغازي الشهيد الإمام الأمجد أحمد البريلوي) جاء في كتاب (عون المعبود شرح سنن أبي داود) للشيخ محمد شمس الحق العظيم أبادي ص 365 ج 11 قال بعد أن تكلم عن دعاة المهدوية وأطال في ذلك: ويقرب من هذا ما زعم أكثر العوام وبعض الخواص بحق الغازي الشهيد الإمام السيد أحمد البريلوي -رضي الله عنه- أنه المهدي الموعود المبشر في الأحاديث وأنه لم يستشهد في معركة
(49/320)
________________________________________
الغزو بل إنه اختفى عن أعين الناس وهو حي موجود في هذا العالم إلى الآن، حتى أفرط بعضهم فقال: إنا لقيناه في مكة المعظمة حول المطاف ثم غاب بعد ذلك، ويزعمون أنه سيعود وسيخرج بعد مرور الزمان فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. وقال الشيخ: هذا غلط وباطل، وأسهب في بيان بطلان ذلك.
ومما يجدر بالذكر: أن الجماعة البريلوية والتي تؤمن بالمهدي (أحمد البريلوي) منتشرة في بعض بلدان العالم على غرار الجماعة القاديانية. ولقد قمت بزيارة مركز الجماعة البريلوية في هولندا في العاصمة (أمستردام) في شهر شعبان عام 1406 هـ وذلك للوقوف على نحلتهم، وعندي المعلومات الكافية عنهم، ولهم مركز كبير يتبعه مسجد واسع أطلق عليه (مسجد طيبة) من أجمل المساجد في أوروبا وله أربع منارات ولعل خروج إمامهم المذكور من هذا المسجد حيث سموه بمسجد طيبة ليوافق اسم المدينة المنورة والتي يخرج منها المهدي الحق آخر الزمان، وتسمى هذه الجماعة بالنورانية حيث يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم نور وليس بشرا إلى غير ذلك من الاعتقاد الباطل وهم خليط من عرب وعجم.
4 - وممن ادعى المهدوية (حمدان قرمط) من القرامطة في ناحية العراق.
قال العلامة ابن خلدون المؤرخ المشهور في تاريخه المجلد
(49/321)
________________________________________
الثالث ص 335 تحتق عنوان (ابتداء القرامطة) قال -رحمه الله-:
وكان ابتداء القرامطة أن رجلا ظهر بسواد الكوفة سنة ثمان وسبعين ومائتين يتسم بالزهد، وكان يدعى قرمط يقال لركوبه على ثور كان صاحبه يدعى قرميطة فعرب، وقيل اسمه حمدان ولقبه قرمط، وزعم أنه داعية لأهل البيت للمنتظر منهم، فقبض عليه الهيصم عامل الكوفة وحبسه، ففر من حبسه وزعم أن الأغلال لا تمنعه، ثم زعم أنه الذي بشر به (أحمد بن محمد بن الحنفية) وقال في كتاب تناقلته القرامطة خلاصته: أن حمدان قرمط هو داعية المسيح وهو المهدي وأن المسيح تصور له بصورة إنسان وقال له: إنك الداعية وإنك الحجة وإنك روح القدس، وعرفه أن الصلاة أربع ركعات قبل طلوع الشمس، وركعتان قبل غروبها، وأن القبلة إلى بيت المقدس، وألغى صيام رمضان تخفيفا على الناس، واستباح لهم المحارم، وأباح شرب الخمور، إلى غير ذلك، وقد أطال ابن خلدون في بيان كفره وضلاله وإلحاده وأسهب في ذلك.
قال الحافظ عماد الدين ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية ص 61 ج 11 في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين هجرية: وفيها تحركت القرامطة وهم فرقة من الزنادقة والملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس الذين يعتقدون بنبوة زرادشت ومزدك وكانا يبيحان المحرمات وهم أتباع كل ناعق إلى باطل.
5 - وقد ذكر الشريف البرزنجي في كتابه (الإشاعة لأشراط الساعة) ص 119 لغاية ص 122 ذكر عددا ممن ادعى المهدوية
(49/322)
________________________________________
في الهند وبلاد الأكراد وبلاد العرب، ثم قال -رحمه الله-: فهؤلاء الذين ادعوا المهدوية بالباطل واتبعهم بعض السفهاء وحصلت منهم فتن وفساد كبير في الدين، وأسهب في ذلك.
أقول: ولا شك أن المهدوية لعبت دورا كبيرا في تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها حيث تستر دعاتها من الزنادقة والمغرضين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، واستغلوا هذه الدعوة متسترين وراءها بالإسلام ظاهرا، يظهرون الخير للأمة ويبطنون الحقد والعداء لها، فأخذت دعوتهم في نهجها تتحول إلى طابع سياسي حتى تمكن أربابها من الوصول إلى الحكم وهذا هو الهدف المنشود والمطمع المقصود الذي يحلم به دعاة المهدوية، فلما توصلوا إلى مراكز السلطة حققوا أغراضهم في هذه الأمة.
(49/323)
________________________________________
دعاة المهدوية سفاكون للدماء:
يتضح لنا من خلال استعراضنا لكتب التاريخ والسير، نجد أن كل من ادعى أنه المهدي المنتظر عبر القرون يعتمدون في نشر دعوتهم على العنف والقوة وحمل الناس على دعوتهم بالسيف وذلك لقهر الأمة حتى تنقاد إليهم وتستسلم لهم ولذا كثر البطش والقتل في الأمة على أيدي هؤلاء السفاحين.
فأعمال ابن تومرت الإجرامية وأصحابه من بعده في بلاد المغرب، ودولة العبيديين الباطنية في بلاد المسلمين، والقرامطة في جهة المشرق، لدليل ناطق يشهده التاريخ بأن هؤلاء زنادقة ملاحدة تستروا بالمهدوية يحملون وسام المهدي كذبا وزورا
(49/323)
________________________________________
وادعاء، وهذا الذي دفع العلامة ابن خلدون بالمجازفة على رد الأحاديث الواردة في شأن المهدي المنتظر وهذا الذي حمله على تضعيفها كلها؛ لأن المهدوية أصبحت شعارا لسفك الدماء وعاملا لقهر العباد يتستر بها أهل الأهواء للانقضاض على الأمة الإسلامية والفتك بها وهذا ما حصل حيث عانت منهم الأمة الويلات.
وكتب التاريخ مشحونة بالأحداث والوقائع التي عانتها الأمة من جراء هذه الدعوة المزعومة الكاذبة ومن ذلك:
(49/324)
________________________________________
أعمالهم الإجرامية في بلاد المغرب:
أ- فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته وتاريخه العديد ممن ادعى أنه المهدي وما جرى على أيديهم من نكبات وويلات تعرضت لها الأمة، وتقدمت الإشارة لذلك. وأيضا فقد ذكر ابن خلدون أعمال العنف والقتل التي قام بها خليفة المهدي ابن تومرت في بلاد المغرب.
وقد مات محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين سنة أربع وعشرين وخمسمائة للهجرة، وقد عهد ابن تومرت بأمره من بعده لكبير أصحابه (عبد المؤمن بن علي الكومي)، وقد ذكر المؤرخون الأحداث التي جرت على أيدي المذكور عبد المؤمن وأبنائه من بعده، وجاء ذلك في تاريخ ابن خلدون في المجلد السادس من صفحة 305 لغاية 311 تحت عنوان: (الخبر عن دولة عبد المؤمن خليفة المهدي والخلفاء الأربعة من بنيه). ب- وجاء في وفيات الأعيان لابن خلكان ص 45 ج 5
(49/324)
________________________________________
تحت عنوان (المهدي بن تومرت) قال: هو أبو عبد الله محمد بن تومرت المنعوت بالمهدي الهرغي صاحب دعوة عبد المؤمن بن علي بالمغرب وكان ينسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- إلى أن قال: وهو من جبل السوس في أقصى بلاد المغرب - ثم أسهب في بيان دعوته ونحلته.
خلاصة القول قال: إن محمدا لم يزل حتى جهز جيشا عدد رجاله عشرة آلاف مقاتل بين فارس وراجل وفيهم عبد المؤمن - فنزل القوم لحصار مراكش وأقاموا عليها شهرا ثم كسروا كسرة شنيعة وهرب من سلم من القتل، وحضرت الوفاة محمد بن تومرت وأوصى من حضر من القائمين أن النصر لهم فلا يضجروا وليعاودوا القتال. . . وأطال ابن خلكان إلى أن قال ص 49: وتوجه عبد المؤمن وأعوانه جميعا إلى مراكش وملكها (أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين) وكان ملكا عظيما حليما ورعا عادلا متواضعا. . . وأسهب في الحديث عن المهدوية وأعمالها في دولة بني تاشفين.
وقال ابن خلكان في (وفيات الأعيان) ص 126 ج 7:
ولما خرج عبد المؤمن بن علي المتقدم ذكره قاصدا بلاد المغرب ليأخذها من علي بن يوسف بن تاشفين، فوصل إلى وهران - وسمى ذلك الموضع (بالرباط) - ثم توجه إلى تلمسان - وهي مدينة قديمة- ثم توجه إلى مدينة فاس وحاصرها وأخذها في سنة أربعين وخمسمائة، ثم قصد مراكش وفيها (إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين) حيث تولى إسحاق الأمر بعد موت أبيه (علي)
(49/325)
________________________________________
سنة سبع وثلاثين وخمسمائة في شهر رجب. وحاصر عبد المؤمن مراكش أحد عشر شهرا فأخذها ثم نزل عبد المؤمن القصر بعد مقتل إسحاق وذلك في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وانقرضت دولة بني تاشفين. وهكذا تفعل دعاة المهدوية حتى يتوصلوا إلى كرسي الملك والحكم.
وقال ابن خلكان: يوسف بن تاشفين اللمتوني أمير المسلمين وملك الملثمين وهو الذي اختط مدينة مراكش وكان موضعها مكمنا للصوص، وكان يوسف هذا رجلا شجاعا عادلا مقداما- وأطال ابن خلكان في ترجمته، ومن أراد المزيد من الاطلاع على أعمال المهدوية في بلاد المغرب فليراجع المجلد الخامس من (وفيات الأعيان لابن خلكان) من ص 45 ولغاية 55، والمجلد السابع ص 125 - 127.
(49/326)
________________________________________
أعمالهم الإجرامية في المشرق العربي:
جاء في وفيات الأعيان ص 147 ج 2 قال ابن خلكان: قال شيخنا ابن الأثير في هذه السنة سنة ثمان وسبعين ومائتين تحرك قوم بسواد الكوفة يعرفون بالقرامطة ثم بسط القول في ابتداء أمرهم. . . وحاصله: أن رجلا أظهر العبادة والزهد والتقشف وكان يدعو الناس إلى إمام من أهل البيت (المهدي) -رضي الله عنهم- وأقام على ذلك مدة فاستجاب له خلق كثير. . . إلى أن قال: بعد هذا في سنة ست وثمانين ظهر رجل من القرامطة يعرف (بأبي سعيد الجنابي) بالبحرين واجتمع إليه
(49/326)
________________________________________
جماعة من الأعراب والقرامطة وقوي أمره فقتل من حوله من أهل تلك القرى. وقد تقدم أن أبا سعيد الجنابي هذا ادعى أنه المهدي المنتظر. وقد بسط القول ابن خلكان في وفيات الأعيان في بيان أعماله الإجرامية من قتل وسفك للدماء وتحريق في النار واستولى على كثير من بلاد المسلمين حتى وصل إلى بلاد الشام سنة تسع وثمانين ومائتين.
مقتل أبي سعيد الجنابي:
قال ابن خلكان: وقتل أبو سعيد الجنابي سنة إحدى وثلاثمائة قتله خادم له وهو في الحمام وقام مقامه ولده (أبو طاهر سليمان بن سعيد الجنابي) وأسهب ابن خلكان في بيان أعمال أبي طاهر الجنابي الإجرامية في وفيات الأعيان من ص 148 لغاية 150 المجلد الثاني.
أقول: وللعلم فإن ابن خلكان بسط القول في دعاة المهدوية من القرامطة في كتابه وفيات الأعيان في ترجمة (الحلاج) لأنهم من الزنادقة والحلاج زنديق مثلهم من ص 140 لغاية 157 ج2. وأما الحافظ ابن كثير: فقد أسهب وأطال في بيان الأحداث الإجرامية، والأعمال الدموية، التي وقعت على أيدي هؤلاء الملاحدة وكيف فتكوا بالمسلمين فتك الوحوش بفريستها واستباحوا ديار المسلمين واستحلوا محارمهم، وقتلوا الحجيج وذبحوهم ذبح البقر وجزر الإبل، وأذاقوا الأمة صنوف العذاب، ومن أراد
(49/327)
________________________________________
الوقوف على أعمالهم الوحشية فليراجع البداية والنهاية لابن كثير الجزء الحادي عشر من ص 147 - 152، والمصيبة الكبرى والكارثة العظمى والمجزرة التي انتهكوها وتقشعر منها الأبدان، فليراجع من صفحة 160 ولغاية 163 نفس الجزء والمصدر تحت عنوان حوادث سنة 317 هـ. وهكذا تصنع دعاة المهدوية بالمسلمين ومقدساتهم حتى يتضح لكل منصف أن دعاة المهدوية سفاحون سفاكون للدماء.
قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (1)
__________
(1) سورة ق الآية 37
(49/328)
________________________________________
المهدي المنتظر رحمة للأمة:
والحق أن المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالأخبار الثابتة والأحاديث الصحيحة هو رحمة للأمة وغيث لأهل الأرض، تستبشر الأمة بقدومه وتنعم الدنيا بوجوده ويسعد أهل الأرض في ظله وأيام حكمه، فتزهر الدنيا أيام مكثه فيعم الخير وتكثر البركة وينشر العدل في الأرض، فيأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فلا قتل ولا سلب ولا شحناء ولا بغضاء بين الناس ولا خصومة، فبهذا كان المهدي المنتظر رحمة للأمة، وقد جاءت الأحاديث مصرحة بذلك ومن ذلك:
1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله
(49/328)
________________________________________
الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانيا يعني صحاحا».
أخرجه الحافظ أبو عبد الله الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي على ذلك. كتاب (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر) ص 215.
2 - وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط ويرسل السماء عليهم مدرارا ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته (1)». رواه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي والحافظ الطبراني في معجمه. (عقد الدرر، ص 216).
3 - وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ «"يخرج رجل من أهل بيتي يعمل بسنتي وينزل الله له البركة من السماء وتخرج الأرض بركاتها وتملأ به عدلا كما ملئت ظلما وجورا يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس». أخرجه الإمام أبو عمر الداني في سننه وأخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي. (عقد الدرر، ص 78).
فهذه الأحاديث المتقدمة صريحة في وظيفة المهدي ومهمته لأهل الأرض فإن الله سبحانه وتعالى يظهره بالخير والرحمة للبشرية جمعاء في آخر الزمان، والفارق كبير بين دعاة الحق الذين تسعد بهم الأمة من أئمة الهدى والصلاح وبين دعاة الضلالة
__________
(1) سنن ابن ماجه الفتن (4083).
(49/329)
________________________________________
من أهل الأهواء وأصحاب الأطماع والتي شقيت البلاد بوجودهم وظلمت العباد بحكمهم، فالفرق عظيم بين دعاة الحق ودعاة الشر قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (1) {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (2). ورحم الله الشاعر البحتري حين قال:
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
__________
(1) سورة القلم الآية 35
(2) سورة القلم الآية 36
(49/330)
________________________________________
عقيدة الشيعة في المهدي المنتظر:
تعريف الشيعة: قال الإمام الشهرستاني المتوفى سنة 548 هـ في كتابه الملل والنحل ص 146 ج 1: الشيعة هم الذين شايعوا عليا -رضي الله عنه- على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية، إما جليا وإما خفيا واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بتنصيبهم بل هي قضية أصولية وهي ركن الدين لا يجوز للرسل -عليهم الصلاة والسلام- إغفاله وإهماله ولا تفويضه إلى العامة وإرساله.
وهذا ما نص عليه أيضا كتاب عقائد الإمامية لمحمد رضا المظفر - عميد كلية الفقه بالنجف في بلاد العراق صفحة 60 تحت عنوان (عقيدتنا في أن الإمامة بالنص).
(49/330)
________________________________________
أ- الشيعة الكيسانية: هم أتباع كيسان مولى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقيل: كيسان هو تلميذ لعلي بن أبي طالب، وقيل هو المختار بن أبي عبيد كان يلقب بكيسان، وهؤلاء الشيعة الكيسانية ادعوا إمامة (محمد بن الحنفية) وأنه هو المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم.
ومحمد بن الحنفية هو ابن علي بن أبي طالب، أمه خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة من بني حنيفة بن لجيم ويقال بل كانت من سبي اليمامة في حروب الردة وصارت إلى علي بن أبي طالب فأنجبت له محمدا هذا وانتسب محمد إلى أمه وكانت ولادته سنة (16 هـ) في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. وكان محمد ابن الحنفية عالما فاضلا شجاعا توفي -رضي الله عنه- سنة (81 هـ). (وفيات الأعيان لابن خلكان من صفحة 169 - 173) وذكر ذلك مختصرا عبد القاهر البغدادي المتوفى سنة 429 هـ في كتابه الفرق بين الفرق ص 38.
عقيدة الشيعة الكيسانية في المهدي المنتظر:
تعتقد الشيعة الكيسانية بأن محمد ابن الحنفية لم يمت إنما دخل جبل رضوى بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل، وأنه المهدي المنتظر، وأنه سيعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، وهذا أول حكم بالغيبة والعودة حكم به الشيعة وأصبح ركنا من أركان التشيع
(49/331)
________________________________________
عند الشيعة. وبهذه المناسبة يقول الشاعر كثير عزة وكان شيعيا كما نقل ذلك عبد القاهر البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق) ص 41 والشهرستاني في (الملل والنحل) ص 150 ج 1 وغيرهما كابن كثير في تاريخه وابن خلدون في مقدمته.
يقول كثير عزة:
ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمه اللواء
تغيب لا يرى فيهم زمانا ... برضوى عنده عسل وماء
والذي عناهم الشاعر في هذه الأبيات المتقدمة هم: علي بن أبي طالب وأبناؤه الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية -رضي الله عنهم- وأرضاهم آل البيت وطيب الله ثراهم.
أما علي: فهو الخليفة الرابع للخلفاء الراشدين ولد قبل البعثة النبوية بعشر سنين وقتل شهيدا في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة أربعين هجرية قتله عدو الله عبد الرحمن بن ملجم
(49/332)
________________________________________
المرادي الخارجي. جاء في كتاب (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار) ص 108، ذكر المؤلف أبياتا من الشعر لعمران بن حطان الرقاشي الخارجي والتي يمدح بها ابن ملجم في قتله علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
قال عدو الله:
لله در المرادي الذي فتكت ... كفاه مهجة شر الخلق إنسانا
يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا
فأجابه القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الشافعي -رحمه الله- ورد عليه ردا شافيا فقال:
إني لأبرأ مما أنت قائله ... عن ابن ملجم الملعون بهتانا
يا ضربة من شقي ما أراد بها ... إلا ليهدم للإسلام أركانا
إني لأذكره يوما فألعنه ... دينا وألعن عمرانا وحطانا
عليه ثم عليه الدهر متصلا ... لعائن الله إسرارا وإعلانا
(49/333)
________________________________________
فأنتم من كلاب النار جاء به ... نص الشريعة برهانا وتبيانا
عليكما لعنة الجبار ما طلعت ... شمس وما أوقدوا في الكون نيرانا
أما الحسن بن علي -رضي الله عنه- قال ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة ص 328 ج 1: ولد -رضي الله عنه- سنة ثلاث من الهجرة ومات سنة ثمان وخمسين على خلاف في موته، وتنازل عن الخلافة لمعاوية -رضي الله عنه- في سنة إحدى وأربعين لحقن دماء المسلمين وذلك مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (1)» رواه البخاري. (نور الأبصار، ص 121).
أما الحسين -رضي الله عنه-: وهو الذي عناه الشاعر بقوله: (وسبط غيبته كربلاء) وهو الحسين بن علي -رضي الله عنه- ولد في شعبان سنة سبع للهجرة وقتل شهيدا يوم عاشوراء سنة إحدى وستين من الهجرة في كربلاء في أرض العراق. (الإصابة في تمييز الصحابة ص 333 ج 1).
وأما محمد ابن الحنفية -رضي الله عنه-: فهو الذي عناه الشاعر كثير عزة في البيتين الأخيرين (وسبط لا يذوق الموت حتى. . . الخ) وهو المهدي المنتظر بزعمهم الذي اختفى في جبل رضوى.
جاء في وفيات الأعيان ص 173 ج 4 قال ابن خلكان:
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2704)، سنن الترمذي المناقب (3773)، سنن النسائي الجمعة (1410)، سنن أبو داود السنة (4662)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 51).
(49/334)
________________________________________
والفرقة الكيسانية تعتقد بإمامة محمد ابن الحنفية ويزعمون أنه مقيم برضوى في شعب منه ولم يمت، دخل إليه ومعه أربعون من أصحابه ولم يوقف لهم على خبر، وهم أحياء يرزقون ويقولون إنه مقيم في هذا الجبل بين أسد ونمر وعنده عينان نضاختان تجريان عسلا وماء، وإنه يرجع إلى الدنيا فيملؤها عدلا، وقد أطال الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ص 150 ج 1 في هذا الموضوع.
وجاء في الأنوار البهية للسفاريني الحنبلي ص 85 ج 2 قال -رحمه الله-: وكان السيد الحميري على مذهب الشيعة الكيسانية وهو القائل:
ألا قل للإمام فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما
قال: وجبل رضوى هو جبل جهينة قريبا من ينبع بينهما مسيرة يوم واحد وهو من المدينة على سبع مراحل وهو على ليلتين من البحر وقد أطال الشرح في كتابه المذكور.
(49/335)
________________________________________
2 - الشيعة الإمامية:
والشيعة الإمامية هم القائلون بإمامة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه- بعد النبي صلى الله عليه وسلم نصا ظاهرا وتعيينا صادقا، والإمامة لأولاده من بعده ويعتقدون بالأئمة الاثني عشر وهم: علي بن أبي طالب الملقب بالمرتضى، والحسن بن علي (الزكي)، والحسين بن علي (سيد الشهداء)، وعلي بن الحسين (زين العابدين)، ومحمد بن علي (الباقر)، وجعفر بن
(49/335)
________________________________________
محمد (الصادق)، وموسى بن جعفر (الكاظم)، وعلي بن موسى (الرضا)، ومحمد بن علي (الجواد)، وعلي بن محمد (الهادي)، والحسن بن علي (العسكري)، ومحمد بن الحسن (المهدي)، والأخير منهم هو المتمم للأئمة الاثني عشر وهو المهدي المنتظر عند الشيعة الإمامية، كما جاء في كتاب عقائد الإمامية ص 62 لمحمد رضا المظفر - عميد كلية الفقه بالنجف في أرض العراق تحت عنوان عقيدتنا في عدد الأئمة.
عقيدة الشيعة الإمامية في المهدي المنتظر:
والأئمة الاثنا عشر المذكورون -رضي الله عنهم- هم مرجع الشيعة الإمامية في الأحكام الشرعية ويقولون بعصمتهم- كالأنبياء والرسل عليهم السلام- من جميع الكبائر والصغائر، وهم حفظة الشرع والقوامون عليه.
ويعتقدون أن (محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر هو المهدي المنتظر والذي ولد سنة 256 هـ ودخل سرداب سامراء في دار أبيه في العراق وعمره خمس سنوات ولم يزل حيا في السرداب وسيخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. وهذا ما يعتقده الشيعة في أئمتهم وقد صرح بذلك محمد رضا المظفر في كتابه (عقائد الإمامية) ص 51 تحت عنوان عقيدتنا في عصمة الإمام وتحت عنوان عقيدتنا في المهدي، ص 63.
(49/336)
________________________________________
رأي عالم من علماء الشيعة المعاصرين:
وقال الدكتور موسى الموسوي في كتابه (الشيعة والتصحيح): الصراع بين الشيعة والتشيع ص 61 وما بعدها تحت عنوان (الإمام المهدي) قال: تعتقد الشيعة الإمامية أن الإمام الحسن العسكري وهو الإمام الحادي عشر للشيعة عندما توفي عام 260 هـ كان له ولد يسمى محمدا له من العمر خمس سنوات، وهو المهدي المنتظر. وهناك روايات أخرى تقول: إن المهدي ولد بعد وفاة والده العسكري. ومهما كان الأمر فإن المهدي تسلم منصب الإمامة بعد والده وبنص منه وبقي مختفيا عن الأنظار طيلة خمسة وستين عاما، وكانت الشيعة تتصل به في هذه الفترة عن طريق نواب عينهم لهذا الغرض والنواب هم: (عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان، وحسين بن روح وآخرهم علي بن محمد السيمري).
وقال: وهؤلاء النواب الأربعة لقبوا بالنواب الخاص والفترة هذه تسمى بعصر الغيبة الصغرى، وفي عام 329 هـ وقبيل وفاة (علي بن محمد السيمري) بشهور قليلة وصلت رقعة إليه أي (رسالة) بتوقيع الإمام المهدي جاء فيها: (لقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد أن يأذن الله، فمن ادعى رؤيتي فهو كاذب مفتر)، وهذا العام هو بداية الغيبة الكبرى ومنذ ذلك الحين انقطع اتصال الشيعة بالإمام بصورة مباشرة وغير مباشرة. وحتى إذا ادعى أحد ذلك فالشيعة تكذبه بسبب النص الوارد في آخر خطاب ورد إليهم من الإمام المهدي.
(49/337)
________________________________________
وقال: وهذه خلاصة عقيدة الشيعة الإمامية في المهدي المنتظر، ولا تزال الشيعة في كل عام يوم الخامس من شهر شعبان تحتفل بولادة المهدي احتفالا كبيرا، وهو الإمام الوحيد الذي تحتفل الشيعة بيوم ولادته فقط، أما الأئمة الآخرون فتكون الاحتفالات في أيام مولدهم ووفاتهم على السواء.
وقال الدكتور: وفكرة المهدي وظهور قائد في آخر الزمان يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا موجودة في كثير من الأديان، وهناك أحاديث روتها كتب الصحاح عن النبي الكريم عن ظهور مهدي من ولده في آخر الزمان ولكن ليس على نحو التعيين.
وقال: وأما الشيعة فتستند على روايات نسبت إلى أئمتها أن المهدي المنتظر الذي أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إنما هو ابن الإمام الحسن العسكري، ونحن لا نريد أن ندخل في ذلك الجدل البيزنطي القديم حول المهدي وإعطاء تفسير عقلي لبقائه آلاف السنين في هذه الدنيا فنحن معاشر الشيعة كسائر الفرق الإسلامية الأخرى ما دمنا نعتقد بالغيب وأن الله على كل شيء قدير فلا نجد صعوبة في الاعتقاد بأن إنسانا ما يعيش في هذه الدنيا خارجا عن القوانين الطبيعية آلاف السنين فالقرآن الكريم صريح بأن نوحا عاش في قومه ألفا إلا خمسين عاما وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وأن الله رفع عيسى ابن مريم وهو حي في رحابه. . . إلى أن قال: وفكرة المهدي بحد ذاتها فكرة جميلة فهي توحي في الخير
(49/338)
________________________________________
المحض والتطلع إلى عالم مليء بالخيرات والفضائل والحسنات، عالم مثالي طالما دعا إليه أفلاطون في جمهوريته، والفارابي الفيلسوف في مدينته الفاضلة، مضافا إلى تلك النظرية المثالية قيما إسلامية رفيعة.
وقال في كتابه المشار إليه ص 63: ولو أن الاعتقاد بوجود المهدي بقي محصورا في الإيمان بوجود إمام غائب من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر في يوم ما ويملأ الأرض قسطا وعدلا لكان المسلمون بخير، ولكن مع الأسف الشديد أن فقهاء المذهب الجعفري ألصقوا إلى المهدي جناحين شوهوا بهما صورة المهدي الرفيعة الوضاءة. وهذان الجناحان بدعتان كبيرتان ألصقتا بالمذهب الشيعي في عهد ظهور الصراع بين الشيعة والتشيع وهما تتناقضان مناقضة صريحة واضحة مع نصوص القرآن الكريم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل الإمام علي والأئمة من بعده.
البدعة الأولى: هي تفسير الخمس في أرباح المكاسب.
والبدعة الثانية: هي ولاية الفقيه في المجتهدين.
وقال: إن الزعامات المذهبية التي تولت أمور الشيعة الدينية بعد الغيبة الكبرى بسبب فتح باب الاجتهاد، ولا زالت هي الماسكة بزمام العقيدة الشيعية حتى هذا اليوم كانت وراء هاتين البدعتين، وأسهب في حديثه عن هاتين البدعتين في كتابه المذكور لغاية ص 78 وقد أجاد وأفاد في توضيح هاتين المسألتين.
(49/339)
________________________________________
وهذه هي خلاصة ما كتبه الدكتور الموسوي في عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة الإمامية وهو لا يستبعد ذلك ما دام أن الله على كل شيء قدير.
أقول: لا شك أن الله تبارك وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه على كل شيء قدير. ولكن إثبات قصة صاحب السرداب محمد بن الحسن العسكري وأنه المهدي المنتظر بدليل حياة نوح عليه السلام، وطول مكثه في الأرض وبقصة أصحاب الكهف وبحياة عيسى ابن مريم في السماء لهو استدلال مرفوض لأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية أثبتت ذلك وتحدثت عن المذكورين، ولم يثبت دليل واحد من القرآن أو السنة بسند صحيح أو ضعيف تشير إلى اختفاء محمد بن الحسن العسكري في سرداب سامراء وأنه الإمام المنتظر في آخر الزمان. وإنما هي حكايات عن أئمة الشيعة تناقلوها فيما بينهم كما صرح بذلك الدكتور. وبمثل هذه الحكايات الموروثة لا تثبت بذلك الأمور الغيبية إنما تثبت بالقرآن أو السنة المطهرة، وكذا الحالة في كل أمر غيبي لا يثبت إلا بدليل شرعي لا بالعقل والاجتهاد ولا بالمنامات أو المكاشفات، وقد أشرت إلى ذلك في مقدمة البحث.
ومما يستحق الذكر فإن الدكتور الموسوي له كتاب جيد مفيد سماه (الثورة البائسة) كشف فيه خفايا الأمور، وصرح فيه عما لا يعرفه إلا أمثاله من المطلعين المعاصرين للأحداث، فحري بطلبة العلم أن يطلعوا عليه ويقفوا على ما فيه لتحذير
(49/340)
________________________________________
الجماهير المصفقة للشعارات البراقة الخداعة حتى لا ينخدعوا بها كما اغتروا بها وانخدعوا من قبل.
ردود علماء الإسلام:
لقد رفض علماء الإسلام قصة ابن الحسن العسكري عند الشيعة الإمامية وسجلوا ردودهم في كتبهم التي لا حصر لها وأكتفي بذكر بعض المراجع منها:
كتاب (الفرق بين الفرق) ص 70 لعبد القاهر البغدادي المتوفى سنة 429 هـ، وكتاب (البداية والنهاية) ص 39 ج 9 للحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ وأيضا كتابه (الفتن والملاحم) ص 31، وكتاب (المنار المنيف) ص 152 لابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 هـ، وكتاب (وفيات الأعيان) ص 176 ج 4 لابن خلكان المتوفى سنة 681 هـ، ومقدمة ابن خلدون ص 135 المتوفى سنة 808 هـ تحت عنوان (مذاهب الشيعة في حكم الإمامة)، و (منهاج السنة) لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 212 ج 4 المتوفى سنة 728 هـ، وكتاب (الأنوار البهية) للسفاريني الحنبلي ص 71 ج 2 المتوفى سنة 1188 هـ وكتاب (الإشاعة لأشراط الساعة) للبرزنجي الشافعي ص 87 وص 120 المتوفى سنة 1103 هـ فهذه المراجع المذكورة أفادت بأن اختفاء محمد بن الحسن العسكري في سرداب سامراء لا حقيقة له ففيها الكفاية لمن أراد الحق.
(49/341)
________________________________________
المهدي المنتظر عند أهل السنة:
أهل السنة والجماعة وعلماء المسلمين من فقهاء ومحدثين ومؤرخين ومفسرين وأدباء ومفكرين كلهم يؤمنون بظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان بين يدي الساعة، ولم يخالف في ذلك إلا القليل ممن لا يعتد بخلافه، ويعتقد أهل السنة أن المهدي المنتظر من آل البيت -رضوان الله عليهم-، وقد استدل أهل السنة بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة في هذا الموضوع، واسمه (محمد بن عبد الله الحسني) من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، والأدلة على ذلك مستفيضة حتى قال الكثير من العلماء: إن أحاديث المهدي تواترت تواترا معنويا بحيث لا مجال لردها لثبوتها ولكثرة طرقها ورواتها، كما سيأتي قريبا.
(49/342)
________________________________________
بعض الأحاديث الواردة في ظهور المهدي:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم (1)» رواه البخاري في باب نزول عيسى ابن مريم (2). هذا الحديث الصحيح وإن لم يكن فيه دلالة صريحة على ظهور المهدي المنتظر وإنما فيه إشارة إلى أن هناك إماما للمسلمين مجتمعة عليه الأمة المحمدية عند نزول عيسى عليه السلام.
__________
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3449)، صحيح مسلم الإيمان (155)، سنن الترمذي الفتن (2233)، سنن أبو داود الملاحم (4324)، سنن ابن ماجه الفتن (4078)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 483).
(2) فتح الباري، ص (491) ج 6.
(49/342)
________________________________________
2 - وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال: فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعالى صل لنا فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة (1)» رواه مسلم في كتاب الإيمان باب نزول عيسى ابن مريم.
هذه الأحاديث تفيد نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان، وأمر المسلمين قائم على رجل صالح منهم حيث هو الذي يؤمهم في الصلاة، وهذا يدل على صلاحه وتقواه، وأن عيسى ابن مريم يقتدي به ويصلي وراءه. وهذا مما يؤيد أن عيسى يكون تابعا وليس متبوعا حيث يصلي مأموما وراء إمام المسلمين القائم عند نزوله، ويحكم بالشريعة الإسلامية لا بشريعته المنسوخة، وسيأتي ذلك.
فالأحاديث التي وردت في السنن والمسانيد وغيرها تصرح بأن هذا الإمام القائم في آخر الزمان عند نزول عيسى عليه السلام هو (المهدي) وكما هو معلوم عند علماء الأصول أن الآيات القرآنية تفسر بعضها بعضا، والأحاديث النبوية يشرح بعضها بعضها، وقد جاء حديث جابر الآتي صريحا بأن هذا القائم على أمر المسلمين عند نزول عيسى ابن مريم هو المهدي كما جاء في مسند أبي أسامة في سنده.
3 - عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم (المهدي)
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (156)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 384).
(49/343)
________________________________________
تعال صل بنا فيقول: لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة (1)». قال ابن القيم في المنار المنيف ص 148: وهذا إسناد جيد.
وفي كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 293 قال المحقق مهيب البوريني: قال الشيخ الغماري في كتابه (عقيدة أهل الإسلام) ص 105: حديث صحيح.
4 - عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (2)» أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح قال: وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، وقالت الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند ص 199 ج 5: إسناده صحيح، عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 89.
5 - وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه نظر إلى ابنه الحسن فقال: «إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم صلى الله عليه وسلم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا (3)». أخرجه أبو داود والترمذي، وسكت عنه أبو داود ولا يسكت إلا على الحديث الصحيح، عقد الدرر ص 82.
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (156)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 384).
(2) الجامع للترمذي، ص (505) ج 4.
(3) سنن أبو داود المهدي (4290).
(49/344)
________________________________________
جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود ص 381 ج 11 قال الشارح محمد شمس الحق العظيم أبادي: يشبهه في السيرة ولا يشبهه في الصورة.
6 - وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة (1)». أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه السيوطي في الجامع الصغير، فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ص 277 ج 6. قال ابن القيم في المنار المنيف ص 146: في إسناده زياد بن بيان، وثقه ابن حبان وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال البخاري: في إسناد حديثه نظر.
7 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وعدوانا قال: ثم يخرج من عترتي أو من أهل بيتي من يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا (2)». رواه أحمد في مسنده بسند صحيح.
جاء في عقد الدرر قال المحقق مهيب البوريني: أخرجه أحمد في المسند بسند صحيح رجاله ثقات في مسند أبي سعيد الخدري ص 36 ج 3.
__________
(1) سنن أبو داود المهدي (4284)، سنن ابن ماجه الفتن (4086).
(2) مسند أحمد بن حنبل (3/ 36).
(49/345)
________________________________________
رأي العلماء في أحاديث المهدي:
أ- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة) ص 211 ج 4: إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج
(49/345)
________________________________________
المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره.
ب- قال الحافظ محمد بن عبد الرحمن المباركفوري في كتابه (تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي) ص 485 ج 6 قال: الأحاديث الواردة في خروج المهدي كثيرة جدا ولكن أكثرها ضعاف، ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الترمذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن، وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف، فحديث عبد الله بن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح للاحتجاج به بلا مرية، فالقول بخروج المهدي وظهوره هو القول الحق والصواب والله تعالى أعلم.
وقال الحافظ أيضا: وقال القاضي الشوكاني في الفتح الرباني: الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثا وثمانية وعشرون أثرا ثم سردها مع الكلام عليها ثم قال: وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع.
ج- قال الشريف البرزنجي في كتابه (الإشاعة لأشراط الساعة) ص 112: قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها. اهـ
(49/346)
________________________________________
د- قال الشيخ محمد السفاريني الحنبلي في كتابه (لوامع الأنوار البهية) ص 84 ج 2 قال: وقد كثرت بخروجه يعني المهدي الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ثم ذكر بعض الآثار والأحاديث في خروج المهدي وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ثم قال: وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم -رضي الله عنهم- بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي.
فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة. انتهى.
هـ- قال العلامة محمد شمس الحق العظيم أبادي في كتابه (عون المعبود شرح سنن أبي داود) ص 361 ج 11 قال: وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجه والبزار والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء -رضي الله عنهم- وأسانيد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف. انتهى.
وقال الشيخ صديق حسن خان القنوجي في كتابه (الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة) قال -رحمه الله-:
(49/347)
________________________________________
والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد.
ز- قال الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة 1345 هـ في كتابه (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) قال -رحمه الله-: وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى -عليه الصلاة والسلام- ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ثم قال: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-. انتهى.
(49/348)
________________________________________
أقوال الأئمة في المهدي المنتظر:
1 - قول ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري شرح البخاري) عند شرحه لحديث نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ص 493 ج 6 قال -رحمه الله-: وعند أحمد من حديث جابر في قصة الدجال ونزول عيسى: «وإذ هم بعيسى فيقال: تقدم يا روح الله القدس فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم (1)». ولابن ماجه من حديث أبي أمامة الطويل في الدجال قال: «وكلهم أي المسلمون في بيت المقدس وإمامهم رجل صالح قد تقدم ليصلي بهم إذ نزل عيسى فرجع الإمام ينكص ليتقدم عيسى فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول: تقدم فإنها لك أقيمت».
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (3/ 368).
(49/348)
________________________________________
وقال ابن حجر: قال أبو الحسن الآبري في كتاب (مناقب الشافعي) تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى يصلي خلفه. . . إلى أن قال ابن حجر: وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة. والله أعلم.
2 - قول الإمام القرطبي صاحب التفسير المتوفى سنة 671 هـ قال -رحمه الله- في كتابه (التذكرة) ص 617 قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري السجزي:
قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم عن المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى صلوات الله وسلامه عليه يصلي خلفه.
3 - قال الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ جاء في كتابه النهاية ص 27 قال -رحمه الله-: فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين- فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون في آخر الدهر وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث. وأسهب في ذلك.
(49/349)
________________________________________
4 - قول السمهودي المتوفى سنة 911 هـ قالت -رحمه الله-:
ويتحصل مما ثبت في الأخبار عنه- أي المهدي - أنه من ولد فاطمة، وفي أبي داود أنه من ولد الحسن والسر فيه ترك الحسن الخلافة لله شفقة على الأمة، فجعل القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة وامتلاء الأرض ظلما من ولده، وهذه سنة الله في عباده أنه يعطي لمن ترك شيئا من أجله أفضل مما ترك أو يعطي ذريته وقد بالغ الحسن بن علي في ترك الخلافة ونهى أخاه الحسين عنها وتذكر ذلك ليلة مقتله فترحم على أخيه. وما روي من كونه- أي المهدي - من ولد الحسين فواه جدا. انتهى. ذكر ذلك المناوي في كتاب فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي ص 279 ج 6. (والسمهودي هو أبو الحسن نور الدين علي السمهودي مؤرخ المدينة المنورة صاحب كتاب " وفاء الوفا ") (1). 5 - قول الشيخ ملا علي قاري الحسيني المتوفى سنة 1014 هـ قال -رحمه الله- في شرحه كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة عند قول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-: وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام قال: وفي نسخة قدم طلوع الشمس على البقية. وعلى كل تقدير فالواو لمطلق الجمع، وإلا فترتيب
__________
(1) الإشاعة لأشراط الساعة، للبزرنجي ص (4).
(49/350)
________________________________________
القضية أن المهدي -عليه السلام- يظهر أولا في أرض الحرمين ثم يأتي بيت المقدس فيأتي الدجال ويحصره في ذلك الحال فينزل عيسى -عليه السلام- من المنارة الشرقية في دمشق الشام ويجيء إلى قتال الدجال فيقتله بضربة في الحال فإنه يذوب كالملح فيجتمع عيسى -عليه السلام- بالمهدي -رضي الله عنه- وقد أقيمت الصلاة فيشير المهدي لعيسى بالتقدم فيمتنع معللا بأن الصلاة أقيمت لك فأنت أولى بأن تكون الإمام في هذا المقام ويقتدي به ليظهر متابعته لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. . . إلى أن قال: وفي شرح العقائد، الأصح أن عيسى -عليه السلام- يصلي بالناس ويؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل وإمامته أولى. قال ملا علي قاري: ولا ينافي ما قدمناه كما لا يخفى.
قال الشريف البرزنجي في كتابه (الإشاعة لأشراط الساعة) ص 106: فإن عيسى لا يسلب المهدي ملكه فإن الأئمة من قريش ما دام من الناس اثنان، وعيسى يكون من أخص وزرائه وتابعا له لا أميرا عليه، ومن ثم يصلي خلفه ويقتدي به كما يدل عليه حديث جابر عند مسلم. . . إلى أن قال: ثم يكون عيسى إماما بعده لأنه ثبت إمامته وإمارته، جاز أن يعينه إماما للصلاة لأنه أفضل وأفضليته لا تستلزم خلافته.
أقول: ولهذا جاء في فتح الباري شرح البخاري ص 494 ج 6 قال ابن حجر العسقلاني وقال ابن الجوزي: لو تقدم عيسى إماما لوقع في النفس إشكال ولقيل: أتراه
(49/351)
________________________________________
تقدم نائبا أو مبتدئا شرعا فصلى مأموما لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نبي بعدي (1)». انتهى.
7 - قال العلامة محمد شمس الحق العظيم أبادي في كتابه (عون المعبود شرح سنن أبي داود) ص 361 ج 11: واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى -عليه السلام- ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل من بعده فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته.
__________
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3455)، صحيح مسلم الإمارة (1842)، سنن ابن ماجه الجهاد (2871)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 297).
(49/352)
________________________________________
خلاصة القول في الموضوع:
إن جمهور علماء الإسلام من سلف هذه الأمة وخلفها أثبتوا ظهور المهدي في آخر الزمان بين يدي الساعة كما صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة ونطقت بذلك الآثار والأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وظهور المهدي في آخر الزمان إنما هو نصرة لهذا الدين الحنيف وإعزاز للمسلمين بعد أن تكالبت على هذه الأمة قوى الشر والعدوان وتمالأت عليها دول الكفر والطغيان من كل مكان فأذاقوا المسلمين صنوف العذاب وساموهم بأنواع البلاء فأصاب العابد الذل والهوان وطغى الشر وعم الظلم، والحال هذه يبعث الله المهدي والأمة في شقاء وعناء وفي كرب وبلاء من فتن ومحن وظلم وطغيان، فالله تبارك
(49/352)
________________________________________
وتعالى يرحم الأمة المحمدية بظهوره ويستبشر المسلمون بخروجه فيقضي على الشر والجور ويحقق على يديه العدل والخير ويعز الله به المسلمين ويذل المنافقين ويخذل أعداء الدين من الكفرة المعاندين، فهو المنقذ لهذه الأمة مما تعانيه في آخر الزمان من الجور والعدوان وهو المصلح لها أمر دينها عندما اشتدت غربة الإسلام، فالعصر الذهبي لهذه الأمة في آخر الزمان هو عصر المهدي الذي بشر به سيد الأنام، وهذه بشرى للمؤمنين ورحمة للمسلمين ونحمد الله رب العالمين راحم المسلمين قال تعالي: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (2).
إن موضوع ظهور المهدي الحق الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم هو حقيقة غيبية وليس بقصة خيالية وإنما هو حق بلا شك ولا ريب كما أخبر بذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (3).
__________
(1) سورة الروم الآية 4
(2) سورة الروم الآية 5
(3) سورة الكهف الآية 29
(49/353)
________________________________________
شبهة والرد عليها:
يصرح البعض من المنكرين للمهدي المنتظر بين يدي الساعة بقولهم: إن أحاديث المهدي التي بشرت بظهوره إنما هي أحاديث آحاد وليست متواترة، ولا تثبت الأمور الغيبية بأحاديث
(49/353)
________________________________________
الآحاد على حد قولهم وزعمهم.
فالجواب: إن القول بعدم الأخذ بأحاديث الآحاد في باب العقائد والإيمان بالغيبيات إنه لقول باطل مبتدع في الدين لم يرد ذلك عن سلف الأمة ولم يقل بذلك علماؤها وأئمتها الفحول.
وإنما ابتدعته طوائف المعتزلة والقدرية وأهل الكلام من فرق الضلال، وذلك لنفي صفات الله تعالى التي ثبتت بأحاديث الآحاد، فلم يحتجوا بها مع ثبوتها خوفا من التشبيه فوقعوا بالتعطيل حيث نفوا عن الله تعالى صفات الكمال التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا عجب من قولهم هذا، فهؤلاء القوم أولوا صفات الله تعالى الثابتة في كتابه العظيم وهي الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله تعالى: كالمجيء والنزول والاستواء والغضب والرضى والمحبة، فأولوها على غير مدلولها وصرفوا المعنى المراد منها على غير حقيقته فقالوا: وجاء ربك أي جاء أمره، والاستواء بمعنى الاستيلاء، والنزول نزول رحمته وأمره، والغضب كناية عن العقاب، والرضى كناية عن الثواب، والمحبة كناية عن الإحسان، فهؤلاء هم نفاة الصفات، وكذلك أولوا اليدين بالنعمة والقدرة، والوجه بالذات، كل ذلك فرارا من التشبيه فوقعوا في التعطيل كالمستجير من الرمضاء بالنار.
فعقيدة أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه في القرآن الكريم من صفات الكمال، ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويثبتون ذلك لله تعالى
(49/354)
________________________________________
إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما أثبتها الله لنفسه قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1).
فالله جل وعلا نفى عن نفسه المشابهة والمماثلة لخلقه، وأثبت لنفسه السمع والبصر على ما يليق بجلاله وعظمته وكبريائه، فالسمع والبصر صفات كمال لله تعالى، ليست كصفات المخلوقين. كما قال السلف الصالح: لله ذات تليق بعظمته لا تشبه الذوات كذلك لله صفات لا تشبه الصفات.
فأهل الحق من هذه الأمة المحمدية هم الذين يتبعون الكتاب العظيم والسنة المطهرة، ويتمسكون بهما يؤمنون بكل ما جاء عن الله على مراد الله تبارك وتعالى، ويؤمنون بكل ما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما أهل الأهواء من فرق الضلال فقد آمنوا بالله حسب هواهم وما أملته عليه عقولهم وشياطينهم فوقعوا في متاهات لا حدود لها في باب العقيدة، وخصوصا في باب الصفات وضلوا ضلالا بعيدا عن الحق. نعوذ بالله من الزيغ والضلال.
وجمهور علماء الإسلام يحتجون بأحاديث الآحاد ويأخذون بها في باب العقيدة والأحكام ولا يفرقون بالاستدلال بها في باب العقائد والعبادات والمعاملات، فالاحتجاج بخبر الواحد هو العمل به عند أهل الإسلام منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا، ولا يعتد بمن خالف في ذلك قديما من أهل الكلام وفرق الضلال،
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(49/355)
________________________________________
ولا من خالف وعاند في هذا الزمان كأمثال التحريريين، فهؤلاء ليسوا من أهل العلم فهم ضعفاء في العلم والعمل غلاظ في المراء والجدل، يرفضون أحاديث الآحاد في باب العقائد والمغيبات.
والأدلة الشرعية من الكتاب والسنة تفيد الأخذ بخبر الواحد، وقد عقد الإمام البخاري بابا في صحيحه قال: (باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق) تحت عنوان: [كتاب أخبار الآحاد] وساق الأدلة على قبول الأخذ بخبر الواحد سواء كان في باب العقيدة أو الأحكام.
وقد أطال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري من صفحة 231 لغاية 244 المجلد الثالث عشر في بيان حجة خبر الواحد.
وكذلك كتب الإمام الشافعي محمد بن إدريس المتوفى سنة 204 هـ كتابا في أصول الفقه سماه (الرسالة) وعقد بابا في هذا الموضوع تحت عنوان (باب الحجة في تثبيت خبر الواحد) وقد أسهب في الموضوع وأثبت بأن خبر الواحد حجة.
وهناك العديد من كتب الأصول لعلماء الإسلام تعرضت لهذا البحث ففيها الجواب الكافي لمن أراد الحق والوصول إليه والعمل به.
أقول: وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه رسلا إلى ملوك الأرض يدعونهم إلى الإسلام ومن ذلك بعث دحية الكلبي إلى قيصر ملك الروم، وبعث عبد الله بن حذافة
(49/356)
________________________________________
السهمي إلى كسرى ملك فارس، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين وغيرهم إلى ملوك الأرض.
فهؤلاء الرسل من الصحابة الكرام كل منهم يحمل دعوة العقيدة ورسالة التوحيد، وهذا دليل قاطع على قبول خبر الواحد في العقائد والأحكام؛ لهذا فإن أحاديث المهدي المنتظر في آخر الزمان الثابتة الصحيحة التي وردت بأخبار الآحاد مقبولة وعلى المسلم تصديقها والإيمان بها وإلا كان من أهل الأهواء، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.
وصلى الله وسلم على رسولنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين.
(49/357)
________________________________________
صفحة فارغة
(49/358)
________________________________________