بسم الله الرحمن الرحیم

میمیة فرزدق-هذا الذی تعرف البطحاء

سیّد الساجدین علیه السلام


الغدير - الشيخ الأميني (3/ 43)
(ديوان حسان) * إن لحسان في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مدايح جمة غير ما سبقت الإشارة إليه، وسنوقفك على ما التقطناه من ذلك، فمن هذه الناحية نعرف أن يد الأمانة لم تقبض عليها يوم مدت إلى ديوانه، فحرفت الكلم عن مواضعها، ولعبت بديوان حسان كما لعبت بغيره من الدواوين والكتب والمعاجم التي أسقطت منها مدايح أهل [42] البيت عليهم السلام وفضايلهم، والذكريات الحميدة لاتباعهم كديوان الفرزدق الذي أسقطوا منها ميميته المشهورة في مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام مع إشارة الناشر إليها في مقدمة شرح ديوانه، وقد طفحت بذكرها الكتب والمعاجم، وكديوان كميت فإنه حرفت منه أبيات كما زيدت عليه أخرى، وكديوان أمير الشعراء أبي فراس، وكديوان كشاجم الذي زحزحوا عنه كمية مهمة من مراثي سيدنا الإمام السبط الشهيد سلام الله عليه، وكتاب " المعارف " لابن قتيبة الذي زيد فيه ما شاءه الهوى للمحرف و نقص منه ما يلائم خطته، بشهادة الكتب الناقلة عنه من بعده كما مر بعض ما ذكر في محله من هذا الكتاب ويأتي بعضه، إلى غير هذه من الكتب الذي عاثوا فيها لدى النشر، أو حرفوها عند النقل، ونحن نحيل تفصيل ذلك إلى مظانه من مواقع المناسبة لئلا نخرج عن وضع الكتاب، فلنعد الآن إلى ما شذ من شعر حسان عن ديوانه، وأثبتته له المصادر الوثيقة كنفس يائيته السابقة فمن ذلك: في تاريخ اليعقوبي 2 ص 107، وشرح ابن أبي الحديد 3



الغدير - الشيخ الأميني (3/ 194)
(ما يتبع الشعر) * هذه من غرر قصايد الكميت (الهاشميات) المقدرة بخمسمائة وثمانية وسبعين بيتا كما نص به صاحب [الحدايق الوردية] غير أنه عاثت في طبعها يد النشر الأمينة على ودايع العلم فنقصت منها شيئا كثيرا لا يستهان به مثل ما اجترحت في طبع ديوان حسان والفرزدق وأبي نواس وغيرها كما مر ص 41، وقد آن ليد التنقيب أن تميط الستار عن تلكم الجنايات المخبئة، فالمطبوع منها في ليدن سنة 1904 يتضمن 536 بيتا. والمشروحة بقلم الأستاذ محمد شاكر الخياط 560





العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (8/ 62)
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأتَهُ ... والبيتُ يعرفه والحِلُّ والحَرَمُ
الأبيات إلى قوله:
أيُّ العشائر (1) ليست في رقابهمُ ... لأوَّلِيَّةِ هذا، أولَه نِعَمُ
رواه الطبراني (2).
انتهى ما أردت نقله من كتاب الإمام الهيثمي المحدِّث الشافعي، وهو المتكلم على الأسانيد، وكل ما لم أذكر فيه توثيقاً ولا تصحيحاً منها، فهو مما قال فيه المصنف: فيه من لم أعرفه، وذلك هو النادر، وهذا المنقول قليلٌ من كثيرٍ، لأنه اقتصر على نقل ما اتصل إسناده، وهو شرط أهل المسانيد، ولم يذكر ما لم يذكروه، وهم لا يتعرَّضون لذكر المراسيل والمقاطيع، وإنما ذكر الطبراني فيما تقدم مقطوعاً واحداً، لأن له سنداً آخر متصلاً، فهو شاهدٌ للمتصل.
وفي كتاب ابن عبد البر " الاستيعاب " (3) و" النُّبلاء " (4) للذهبي وسائر من صنف المناقب من أهل السنة من مناقب الإمام الحسين بن عليٍّ عليهما أفضلُ السلام الكثير الطيب، وانظر كتاب " ذخائر العُقبى في مناقب ذوي القُربى " (5) من تواليف أئمة الحديث من الشافعية، وللذهبي كتابٌ مفردٌ، سمَّاه " فتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ". وابن جرير من أئمة الحديث هو الذي
__________
(1) في " ديوان الفرزدق ": " الخلائق ".
(2) الطبراني (2800)، والخبر والأبيات في ديوان الفرزدق 2/ 179 - 181.
(3) 1/ 377 - 383.
(4) 3/ 280 - 321.
(5) للشيخ العلامة أحمد بن عبد الله بن محمد، محب الدين الطبراني، المتوفى سنة 694 هـ. وهو مطبوع متداول.




الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة (2/ 584)
(هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم)
(هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم)
(إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم)
(ينمى إلى ذروة العز التي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم)
القصيدة المشهورة ومنها
(هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا)
(فليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم)
ثم قال
(من معشر حبهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم)
(لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا)
فلما سمعها هشام غضب وحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة وامر له زين العابدين باثني عشر ألف درهم وقال اعذر لو كان عندنا أكثر لوصلناك به فردها قال إنما امتدحه لله لا لعطاء
فقال زين زين العابدين رضي الله عنه إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده
فقبلها الفرزدق ثم هجا هشاما في الحبس فبعث فأخرجه




تفسير السمعاني (5/ 113)
{بها واتبعون هذا صراط مستقيم (61) ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين (62) ولما جاء عيسى بلبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} أشراط الساعة، فيعلم بنزوله علم الساعة، وقد ثبت عن النبي أنه قال: " لينزلن ابن مريم حكما مقسطا يكسر الصليب، ويقتل الخنزير ". الخبر.
وفي بعض الأخبار: أنه " ينزل على ثنية فوق جبل من جبال بيت المقدس وليه ممصرتان وبيده حربة يقتل بها الدجال "، وقرأ ابن عباس: {وإنه لعلم للساعة} أي: آية من آيات حضورها.
قال الفرزدق يمدح علي بن الحسين:
(هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والركن يعرفه والحل والحرم)
(هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم)
وقوله: {فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم} أي: لا تشكن فيها أي: القيامة، والباقي ظاهر المعنى.




إعراب القرآن وبيانه (9/ 294)
وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)

أشد من إيهام لفظ التخييل، ألا ترى كيف استعمله الله فيما أخبر أنه سحر وباطل في قوله يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فلا يشك في وجوب اجتنابه، وأما المعنى فلأن أهل السنّة يعتقدون أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه. هذا وقد تعلق الشعراء بأهداب هذه البلاغة العالية وكان أول من رمق سماءها الفرزدق إذ قال في زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب في قصيدته التي أولها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
فقال:
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وتبعه أبو تمام:
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه ... لخرّ يلثم منه موطئ القدم
وأخذه البحتري وأجاد:
فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما ... في سعة لسعى إليك المنبر
ونهج المتنبي هذا النهج بقوله:
لو تعقل الشجر التي قابلتها ... مدّت محيّية إليك الأغصنا
أما في الجاهلية فقد ورد هذا المعنى في قول عنترة واصفا فرسه من معلقته:
فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
هذا ولا يفوتنّك ما في هذه الاستعارة من جمال التخييل الحسّي والتجسيم لجهنم المتغيظة والنهمة التي لا تشبع وقد تهافت عليها أولئك




المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (1/ 169)
فأين هذا من قوله:
هذا الذي تَعْرِف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم؟ 1
ولهذا قال:
من حديث نَمَى إليَّ فما أطـ ... ـعَمُ غُمْضًا ولا ألذ شرابي2
فنكَّر الغمض احتقارًا له إذ كان لا يعرفه، وعرَّف الشراب إذ كان لا بد أن يشرب وإن قل. قال:
على كل حال يأكل المرء زادَه ... من الضر والبأساء والحدَثان
ولأجل ذلك لم تندب العرب المبهم ولا النكرة لاحتقارها، وإنما تندب بأشهر أسماء المندوب؛ ليكون ذلك عذرًا لها في اختلاطها وتفجعها، ويؤكده أيضًا قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} 3، فجرى قوله سبحانه: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُلُ" مجرى قولك لصاحبك: اخدم كما خَدَمَنَا غيرُك من قبلك ولا تبعة عليك بعد ذلك، فهذا إذن موضع إسماح له، فلا بد إذن من إلانة ذكره، وعليه جاء قوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} 4 فأضاف "38ظ" سبحانه من عذرهم، وأعلَمَ ألا متعلق عليه بشيء من أمرهم، فلهذا حسن تنكير "رسل" هاهنا، والله أعلم.
وأما من قرأ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فوجه تعريفهم ومعناه: أنكم قد عرفتم حال مَن قبله من الرسل في أنهم لم يطالبوا بأفعال مَن خالفهم، وكذلك هو صلى الله عليه وسلم، فلما كان موضع تنبيه لهم كان الأليق به أو يومئ إلى أمر معروف عندهم.
ومن ذلك قراءة الأعمش، فيما رواه القطعي5 عن أبي زيد عن المفضَّل عن الأعمش: "ومَن
__________
1 للحزين الكناني، واسمه عمرو بن عبيد بن وهب بن مالك، أحد بني عبد مناة بن كنانة، يقوله في عبد الله بن عبد الملك بن مَرْوان، وكان من فتيان بني أمية وظرفائهم حسن الوجه، والناس يروون هذه الأبيات للفرزدق في مدح علي بن الحسين، ولم أعثر عليها في ديوانه. وانظر: الحماسة: 2/ 269.
2 يروى:
من حديث نمى إليَّ فما ير ... قأ دمعي وما أسيغ شرابي
وهو لعلفاء بن الحارث. معجم الشعراء: 423.
3 سورة غافر: 78.
4 سورة آل عمران: 44.
5 هو محمد بن يحيى بن مهران أبو عبد الله القطعي البصري، إمام مقرئ، مؤلف متصدر، أخذ القراءة عرضًا عن أيوب بن المتوكل وهو أكبر أصحابه، وروى الحروف سماعًا عن أبي زيد الأنصاري وغيره، وروى القراءة عنه أحمد بن علي الخزاز وغيره. طبقات القراء: 2/ 278.




أخبار مكة للفاكهي (2/ 159)
1357 - حدثني أبو سعيد عبد الله بن شبيب قال: حدثني ابن عائشة قال: أخبرني أبي قال: دخل الفرزدق مكة فإذا هو بعلي بن عبد الله بن جعفر يطوف بالكعبة في حلته , وهو محرم , فقال: ويحكم يا معشر أهل مكة، من هذا الرجل الذي يطوف بالبيت , والله ما رأيت أحسن من وجهه، ولا من حلته , قالوا: هذا علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب , ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنشأ يقول هذه الأبيات التي ينشدها الناس:
[البحر البسيط]

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
[ص:179] إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
أي القبائل ليست في رقابهم ... لأولية هذا أو له النعم
ويقال: إن الرجل الذي قال فيه الفرزدق هذا محمد بن علي




المعجم الكبير للطبراني (3/ 101)
2800 - حدثنا أبو حنيفة محمد بن حنيفة الواسطي، ثنا يزيد بن عمرو بن البراء الغنوي، ثنا سليمان بن الهيثم، قال: " كان الحسين بن علي رضي الله عنه يطوف بالبيت، فأراد أن يستلم الحجر، فأوسع الناس له، والفرزدق بن غالب ينظر إليه، فقال رجل: يا أبا فراس، من هذا؟ فقال الفرزدق:
[البحر البسيط]
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم لديه حين يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
في كفه خيزران ريحه عبق ... بكف أروع في عرنينه شمم
مشتقة من رسول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
أي العشائر ليست في رقابهم ... لأولية هذا أو له نعم "




حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 139)
حدثنا أحمد بن محمد بن سنان، قال: ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت محمد بن زكريا، قال: أخبرنا ابن عائشة، عن أبيه، قال: " حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة، فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه، وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلمه، قال: ونصب لهشام منبر، فقعد عليه، فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، فقال الفرزدق: لكني أعرفه، هذا علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما
[البحر البسيط]
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... عند الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف ما أنكرت والعجم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... ولا يكلم إلا حين يبتسم "




منتخب من كتاب الشعراء لأبي نعيم الأصبهاني (ص: 30)
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ... وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحَرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمُ ... هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ الْعَلَمُ
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانُ رَاحَتِهِ ... رُكْنُ الْحَطِيمِ لَدَيْهِ حِينَ يَسْتَلِمُ
إِذَا رَأَتْهُ قريشٌ قَالَ قَائِلُهَا ... إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَمِي الْكَرَمُ
يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكَلَّمُ إِلا حِينَ يَبْتَسِمُ
فِي كَفِّهِ خيزرانٌ رِيحُهُ عبقٌ ... بِكَفِّ أَرْوَعَ فِي عِرْنِينِهِ شَمَمُ
مشتقةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ ... طَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالْخَيْمُ وَالشِّيَمُ
لا يَسْتَطِيعُ جوادٌ بَعْدَ غَايَتِهِمْ ... وَلا يُدَانِيهِمُ قومٌ وَإِنْ كَرُمُوا
أَيُّ الْعَشَائِرِ لَيْسَتْ فِي رِقَابِهِمُ ... لأوَّليَّة هَذَا أَوْ لَهُ نِعم؟
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَبَلَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ لَبَطَةَ بْنِ الْفَرَزْدَقِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا الْفَرَزْدَقُ. قَالَ: إِنَّ قَدَمَيْكَ صَغِيرَتَانِ، وَكَمْ مِنْ مُحْصَنَةٍ قَدْ قَذَفْتَهَا، وَإِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضًا مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ قائمٌ بِذَنَابَاهِ يَقُولُ: ((إِلَيَّ إِلَيَّ)) ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ فَلا تُحْرَمْهُ. قَالَ: فَلَمَّا قُمْتُ، قَالَ: مَا صَنَعْتَ مِنْ سَيِّءٍ فَلا تَقْنَطَنَّ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، ثنا صَاِلحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ حَبِيبٍ أَبِي محمد، قال:




مناقب علي لابن المغازلي (ص: 458)
446 - أخبرنا أبو محمد الحسن بن موسى الغندجاني قال: أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم الفرضي، حدثنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا محمد بن زكريا، حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال: حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد فكان إذا أراد استلام الحجر زوحم عليه، وحج علي بن الحسين عليهما السلام فكان إذا دنا من الحجر يفرق عنه الناس إجلالاً له، فوجم لذلك هشام وقال: من هذا؟ فما أعرفه؟ وكان الفرزدق واقفاً فأقبل على هشام فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
في كفه خيزران ريحه عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضي من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
فليس قولك (من هذا؟) بضائره ... العرب يعرف من أنكرت العجم




مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 200)
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأنصاري وذريتي ... منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي.
فقال أبو الأسود الدؤلي: نقول: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [الأعراف: 23].
رواه الطبراني بإسناد منقطع.
15184 - ورواه بإسناد آخر أجود منه، وزاد فيه: فقال أبو الأسود الدؤلي:
أقول وزادني حنقا وغيظا ... أزال الله ملك بني زياد
وأبعدهم كما بعدوا وخانوا ... كما بعدت ثمود وقوم عاد
ولا رجعت ركائبهم إليهم ... إذا قفت إلى يوم التنادي.
15185 - وعن سليمان بن الهيثم قال: كان علي بن الحسين بن علي يطوف بالبيت، فإذا أراد أن يستلم الحجر أوسع له الناس، والفرزدق بن غالب ينظر إليه، فقال رجل: [أبا] فراس، من هذا؟ فقال الفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... وركن الحطيم لديه حين يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يفضي حياء ويفضي من مهابته ... فلا يكلم إلا حين يبتسم
في كفه خيزران ريحه عبق ... بكف أروع في عرنينه شمم
مشتقة من رسول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
أي العشائر ليست في رقابهم ... لأولية هذا أوله نعم.
رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه.
15186 - وعن سفيان قال: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد: رأيت الحسين بن علي؟ قال: أسود الرأس واللحية، إلا شعرات هاهنا في مقدم لحيته، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يكن شاب منه غير ذلك؟ قال: ورأيت حسنا وقد أقيمت الصلاة، فسجد بين الإمام




فتاوى الشبكة الإسلامية (7/ 1333، بترقيم الشاملة آليا)
قائل هذا البيت (هذا الذي تعرف البطحاء وطأته..)

[السؤال]
ـ[من القائل ((هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم)) ؟]ـ

[الفتوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالبيت المذكور للشاعر المشهور الفرزدق، من قصيدة طويلة يمدح فيها زين العابدين علي بن الحسين ابن أمير المؤمنين علي رضي الله عنهم، وقد ذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء بعض أبيات هذه القصيدة، وكذلك ابن كثير في البداية والنهاية.
والله أعلم.

[تاريخ الفتوى]
26 شوال 1424




صفة الصفوة (1/ 356)
الرِجل، وبالفَرجِ الفَرج". فقال علي بن الحسين: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ قال سعيد: نعم فقال لغلام له أفرهَ غلمانه: ادعُ مطرفاً. فلما قام بين يديه قال: اذهب فأنت حر لوجه الله عز وجل أخرجاه في الصحيحين1.
وكان عبد الله بن جعفر قد أعطى عليَّ بن الحسين بهذا الغلام الذي أعتقه ألف دينار.
وعن محمد بن حاطب، عن علي بن الحسين أنه أتاه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. فلما فرغوا فقال ألا تخبروني: أنتم المهاجرون الأوّلون {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] قالوا: لا قال فأنتم {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] قالوا. لا قال: أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين. ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] أخرجوا فعل الله بكم.
وقال نافع بن جبير لعلي بن الحسين: أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه؟ يعني زيد بن أسلم. فقال: إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيثما كان.
وعن ابن عائشة، عن أبيه قال: حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه. قال: وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلم. فقال الناس لهشام: من هذا؟ قال: لا أعرفه.
فقال الفرزدق: لكني أعرفه، هذا علي بن الحسين.
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض؟ قيل: هم
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري في الكفارات حديث 6715. ومسلم في العتق حديث 22,23.




بهجة المجالس وأنس المجالس (ص: 111، بترقيم الشاملة آليا)
على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلّين السّماحة والبذل
وقول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وقول القاسم بن أمية بن أبى الصلت الثقفى:
قومٌ إذا نزل الغريب بدارهم ... ردّوه ربّ صواهل وقيان
وإذا دعوتهم ليوم كريهةٍ ... سدّوا شعاع الشّمس بالفرسان
لا ينقرون الأرض عند سوالهم ... لنطلب العلاّت بالعيدان
بل يبسطون وجوههم فترى لهم ... عند اللّقاء كأحسن الألوان
والجيّد من النظم لا يحصى كثرة،وحسبنا أن نأتي منه بما يقرب حفظه للمذاكرة، ويقوم ببهاء مورده في المجالسة.
قال عمر وبن أمية الضّمرىّ للنجاشى،حين وجهّه إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:أيها الملك! كأنك في الرّأفة علينا منّا،لم نرجك قطّ لأمر إلا نلناه،ولم نخفك قطّ على أمر إلا أمنّاه.
ووقف حيّان بن مالك بن جعفر على قبر عامر بن الطّفيل،فقال:كان والله لا يضل حتى يضل النّجم،ولا يعطش حتى يعطش البعير،ولا يهاب حتى يهاب السيل.
مدح أعرابىٌّ رجلا فقال:كان يغنى في طلب المكارم غير ضال في مصالح طريقها ولا متشاغل عنها بغيرها.
وذكر أعرابي جلد أخيه،فقال:ما بعثته في سوادٍ إلاّ جلاّه ومحاه،ولا في بياض إلا أزكاه وأضاءه.
وصف أبو مهديةّ الأعرابي قوماً،فقال:أدبتهم الحكمة،وأحكمتهم التجربة،ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة،ورحل عنهم التسويف الذى قطع الناس به مسافة آجالهم،فذلت ألسنتهم بالوعد،وأنبسطت أيديهم بالإنجاز،فأحسنوا المقال وشفعوه بالفعال.
ومدح أعرابي رجلا فقال:كالمسك إن تركته عبق،وإن خبّأته عبق.
قال محمد بن زياد الحارثي:
تخالهم للحلم صماً عن الخنا ... وخرساً عن الفحشاء عند التّفاخر
ومرضى إذا لاقوا حياءً وعفّةً ... وعند الحفاظ كاللّيوث الكواسر
لهم ذلّ إنصافٍ ولين تواضعٍ ... بهم ولهم ذلّت رقاب العشائر
كأنّ بهم وصماً يخافون عاره ... وما وصمهم إلا اتقّاء المعاير
وقال آخر:
لو قيل لا بن محمّد: ياذا النّدى ... قل لا، وأنت مخلدٌ ما قالها
إنّ المكارم لم تزل معقولة ... حتّى حللت براحتيك عقالها
مدح أعرابي رجلاً، فقال: كان إذا خرست الألسن عن الرأي حذق بالصواب كما يحذق الأريب.
أثنى عمرو بن زياد العتكىّ على الحجاج بن يوسف عند عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين! هو سيفك الذي لاينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم. وكان الحجاج يقصيه فلما قال ذلك أدناه.
قال ابن شهاب: قال لي سعيد بن المسيب: ما مات من ترك مثلك.
ومن أحسن ما قيل في المدح نظماً، وإن كان الحسن منه كثيراًَ جداً، ما ذكره أو لي البندادي رواية عن شيخوخه: أن علىّ بن الحسين بن على بن أبي طالب رآه هشام بن عبد الملك وهو خليفة في حجة حجها، وعلى يطوف بالبيت والناس يفرجون له عند الحجر تعظيما له، وينظرون إليه مبجلين له، فغاظ ذلك هشاماً، فقال: من هذا؟ كأنه لم يعرفه، فقال الفرزدق منكراً لقول هشام، ومادحاً لعلى بن حسين:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... بالبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التّقّى النّقّي الطّاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتمي الكرم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضى حياءً ويغضى من مهابته ... فلا يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحها عبقٌ ... من كف أروع في عرنينه شمم
مشتقّةٌ من رسول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم
ينجاب ثوب الدجى عن نور غرّته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها الظّلم




المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (6/ 331)
نزلنا ذات عرق فبتنا بها ليلتنا تلك فلما أصبحنا وجدنا حديده وفقدناه.
قال ابن شهاب: فقدمت بعد ذلك بأسبوع على عبد الملك وهو بالشام فسألني عن علي بن الحسين، فقلت: أنت أعلم به مني، فقال: إنه قدم علي في اليوم الذي فقده فيه أصحابي بذات عرق فدخل علي من هذا الباب فقال: ما أنا وأنت، فقلت:
أريد أن تقيم عندي [1] ... قال علماء السير: حج هشام بن عبد الملك ولم يل الخلافة بعد، فطاف بالبيت فجهد أن يصل إلى الحجر فيستلمه، فلم يقدر عليه، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس، فأقبل علي بن الحسين فطاف بالبيت، فلما بلغ إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلمه، / فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟
فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضرا، فقال الفرزدق: ولكني أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟، فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز [2] التي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم [3]
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه ... لخر يلثم منه الكف والقدم [4]
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
من جده دان فضل الأنبياء له. ... وفضل أمته دانت له الأمم
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط الذي بدأ من أول الرواية: «أنبأنا محمد بن أبي منصور الحافظ، قال: أخبرنا أبو الفضل ... » . وهنا جاء في الأصل بعدها: «قال الناقل: وجدت هذه الحكاية في الأصل: إلى هاهنا لا غير، ووجدت مكتوبا في الأصل هذا: ولم أجد في الأصل تمامها» .
[2] في الأغاني: «ذروة الدين» .
[3] الشطر الثاني من البيت في الأغاني: «عنها الأكف وعن إدراكها القدم» .
[4] هذا البيت غير موجود في الأغاني، والبداية، وت.




البداية والنهاية ط إحياء التراث (8/ 227)
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم في كفه خيزران رحيها عبق * بكف أورع في عرنينه شمم مشتقة من رسول الله نسبته (1) * طابت عناصره (2) والخيم والشيم لا يستطيع جواد بعد غايته (3) * ولا يدانيه قوم إن هموا كرموا
من يعرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله أمم أي العشائر هم ليست رقابهم * لأولية هذا أوله نعم هكذا أوردها الطبراني في ترجمة الحسين في معجمه الكبير وهو غريب، فإن المشهور أنها من قيل الفرزدق في علي بن الحسين لا في أبيه، وهو أشبه فإن الفرزدق لم ير الحسين إلا وهو مقبل إلى الحج والحسين ذاهب إلى العراق، فسأل الحسين الفرزدق عن الناس فذكر له ما تقدم، ثم إن الحسين قتل بعد مفارقته له بأيام يسيرة، فمتى رآه يطوف بالبيت والله أعلم، وروى هشام عن عوانة قال: قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد: أين الكتاب الذي كتبته إليك في قتل الحسين؟ فقال: مضيت لأمرك وضاع الكتاب، فقال له ابن زياد: لتجيئن به، قال: ضاع، قال: والله لتجيئن به، قال: ترك والله يقرأ على عجائز قريش أعتذر إليهن بالمدينة، أما والله لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها إلى سعد بن أبي وقاص لكنت قد أديت حقه، فقال عثمان بن زياد أخو عبيد الله، صدق عمر والله.
ولوددت والله أنه ليس من بني ياد رجل إلا وفى أنفه خزامة (4) إلى يوم القيامة وأن حسينا لم يقتل، قال: فوالله ما أنكر ذلك عليه عبيد الله بن زياد.
فصل في شئ من أشعاره التي رويت عنه
فمن ذلك ما أنشده أبو بكر بن كامل عن عبد الله بن إبراهيم وذكر أنه للحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:
__________
(1) في الديوان: نبعته.
(2) في الديوان: مغارسه.
(3) في الديوان: جودهم.
(4) الخزامة: الحلقة توضع في أنف البعير.
(*)




البداية والنهاية ط إحياء التراث (9/ 126)
وأن يبعث الدية إلى أهله، ففعل ذلك، وكان الزهري يقول: علي بن الحسين أعظم الناس علي منة.
وقال سفيان بن عيينة كان علي بن الحسين يقول: لا يقول رجل في رجل من الخير مالا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم، وما اصطحب اثنان على معصية إلا أوشك أن يفترقا على غير طاعة.
وذكروا أنه زوج أمه من مولى له وأعتق أمة فتزوجها فأرسل إليه عبد الملك يلومه في ذلك، فكتب إليه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) [الأحزاب: 22] وقد أعتق صفية فتزوجها، وزوج مولاه زيد بن حارثة من بنت عمه زينب بنت جحش.
قالوا: وكان يلبس في الشتاء خميصة من خز بخمسين دينارا، فإذا جاء الصيف تصدق بها، ويلبس في الصيف الثياب المرقعة ودونها ويتلو قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) [الأعراف: 31] .
(وقد روي من طرق ذكرها الصولي والجريري وغير واحد أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه وأخيه الوليد، فطاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتى نصب له منبر فاستلم وجلس عليه، وقام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلمه تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبة واحتراما، وهو في بزة حسنة، وشكل مليح، فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ فقال لا أعرفه - استنقاصا به واحتقارا لئلا يرغب فيه أهل الشام - فقال الفرزدق - وكان حاضرا - أنا أعرفه، فقالوا: ومن هو؟ فأشار الفرزدق يقول: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم (1) إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم بكفه خيزران ريحها عبق * من كف أروع في عرنينه شمم مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصرها (2) والخيم والشيم
__________
(1) بعده في ابن الاعثم 5 / 127 وليس البيت في الديوان: هذا حسين رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الامم (2) في الديوان: مغارسه، وفي المقتل لابي مخنف: أرومته.
والنبعة: شجرة صلبة الالياف تتخذ منها القسي، وكنى بها عن الاصل والارومة.
والخيم: الاصل والشرف.




شذرات الذهب في أخبار من ذهب (2/ 59)
وهدم الوليد بن عبد الملك بيعة النصارى، فكتب إليه الأخرم ملك الرّوم: إن من قبلك أقرّها، فإن أصابوا فقد أخطأت، وإن أصبت فقد أخطئوا، فقال له الفرزدق: اكتب إليه وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ في الْحَرْثِ 21: 78 إلى قوله تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً 21: 79 [الأنبياء: 79- 78] .
واجتمع الحسن البصريّ والفرزدق في جنازة نوّار [1] امرأة الفرزدق، فقال له الفرزدق: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد، يقولون: اجتمع خير النّاس وشر الناس، فقال الحسن: لست بخيرهم، ولست بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلّا الله منذ ستين سنة، فقال الحسن: نعم والله العدّة.
وعن أبي عمرو بن العلاء قال: شهدت الفرزدق وهو يجود بنفسه، فما رأيت أحسن ثقة بالله منه، وترجى له الزلفى والفائدة وعظيم العائدة بحميته في أهل بيت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ومدحه لزين العابدين علي بن الحسين، وإعرابه عن الرّغبة والرّهبة، وذلك أن زين العابدين لما أراد استلام الحجر في زحمة النّاس انفرجوا عنه هيبة ومحبة، ولم تنفرج لهشام بن عبد الملك، فقال شاميّ: من هذا؟ فقال هشام: لا أعرفه، خاف أن ترغب عنه أهل الشّام، فقال الفرزدق: أنا أعرفه، فقال الشّاميّ: من هو يا أبا فراس؟ فقال:
هذا سليل حسين وابن فاطمة ... بنت الرّسول [من] انجابت به الظلم [2]
هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
__________
[1] هي النّوار بنت أعين، وقيل: بنت عبد الله المجاشعيّة. انظر «أعلام النساء» لكحالة (5/ 193- 195) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] لم يرد لهذا البيت ذكر في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 266) مصدر المؤلف، ولا في «ديوان الفرزدق» المطبوع بعناية الصّاوي.




الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1305)
عتقت من حلي ومن رحلتي ... يا ناق إن أدنيتني من قثم
أنك إن أدنيت منه غدا ... حالفني اليسر ومات العدم
في كفه بحر، وفي وجهه ... بدر، وفي العرنين منه شمم
أصم عن فعل الخنا سمعه ... وما عن الخير به من صمم
لم يدر مالا، وبلى قد درى ... فعافها واعتاض منها نعم
وقال الزبير- في الشعر الذي أوله:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
[إنه] [1] قاله بعض شعراء المدينة في قثم بن العباس، وزاد الزبير في الشعر بيتين أو ثلاثة منها قوله:
كم صارخ بك مكروب وصارخة ... يدعوك يا قثم الخيرات يا قثم
وقد ذكرنا في «بهجة المجالس» الشعر الذي أوله: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته. ولمن هو، والاختلاف فيه، ولا يصح أنه قثم بن العباس، وذلك شعر آخر على عروضه وقافيته، وما قاله الزبير فغير صحيح. والله أعلم.
(1267) قردة [2] بن نفاثة [3] السلولي،
من بني عمرو بن مرة بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن، كان شاعرا، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في في جماعة من بني سلول، فأمره عليهم بعد أن أسلم وأسلموا، فأنشأ يقول:
بان الشباب فلم أحفل به بالا ... وأقبل الشيب والإسلام إقبالا
وقد أروي نديمي [4] من مشعشعة ... وقد أقلب أوراكا وأكفالا
__________
[1] من س.
[2] في أسد الغابة: قال أبو موسى: كذا أورده أبو الفتح الأزدي وابن شاهين، وهو تصحيف. وإنما هو فروة بالفاء (4- 301) . وفي الإصابة بعد أن أورد قول ابن الأثير- فروة الذي تقدم غير هذا، ذلك جذامى، وهذا سلولي، فأنى يجتمعان (3- 222) .
[3] بنون مضمومة وفاء خفيفة وبعد الألف مثلثة (التقريب)
[4] أديمى في س.




سير أعلام النبلاء ط الرسالة (4/ 398)
وقال عثمان بن حكيم: رأيت على علي بن الحسين كساء خز، وجبة خز (1) .
وروى: حسين بن زيد بن علي، عن عمه:
أن علي بن الحسين كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا، يشتو فيه، ثم يبيعه، ويتصدق بثمنه (2) .
وقال محمد بن هلال: رأيت علي بن الحسين يعتم، ويرخي منها خلف ظهره (2) .
وقيل: كان يلبس في الصيف ثوبين ممشقين من ثياب مصر، ويتلو: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق (2) } [الأعراف: 31] .
وقيل: كان علي بن الحسين إذا سار في المدينة على بغلته، لم يقل لأحد: الطريق، ويقول: هو مشترك، ليس لي أن أنحي عنه أحدا.
وكان له جلالة عجيبة، وحق له -والله- ذلك، فقد كان أهلا للإمامة العظمى؛ لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألهه، وكمال عقله.
قد اشتهرت قصيدة الفرزدق - وهي سماعنا -: أن هشام بن عبد الملك حج قبيل ولايته الخلافة، فكان إذا أراد استلام الحجر، زوحم عليه، وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر، تفرقوا عنه؛ إجلالا له.
فوجم لها هشام، وقال: من هذا؟ فما أعرفه؟
فأنشأ الفرزدق يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها: ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
__________
(1) ابن سعد 5 / 217.
(2) انظر ابن سعد 5 / 218.




طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (1/ 291)
أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَعْقُوب المتوثي بِالْبَصْرَةِ وَأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن لنكك اللّغَوِيّ قَالا حَدثنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا بْن دِينَار حَدثنَا عَبْد اللَّه بْنُ مُحَمَّد يَعْنِي ابْن عَائِشَة حَدَّثَنِي أَبِي وَغَيره قَالَ حج هِشَام بْن عَبْد الْملك فِي زمن عَبْد الْملك أَو الْوَلِيد فَطَافَ بِالْبَيْتِ فجهد أَن يصل إِلَى الْحجر فيستلمه فَلم يقدر عَلَيْهِ فنصب لَهُ مِنْبَر وَجلسَ عَلَيْهِ ينظر إِلَى النَّاس وَمَعَهُ أهل الشَّام إِذْ أقبل عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم وَكَانَ من أحسن النَّاس وَجها وأطيبهم أرجا فَطَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا بلغ الْحجر تنحى لَهُ النَّاس حَتَّى يستلمه فَقَالَ رجل من أهل الشَّام من هَذَا الَّذِي قد هابه النَّاس هَذِهِ الهيبة فَقَالَ هِشَام لَا أعرفهُ مَخَافَة أَن يرغب فِيهِ أهل الشَّام وَكَانَ الفرزدق حَاضرا فَقَالَ الفرزدق لكني أعرفهُ قَالَ الشَّامي من هُوَ يَا أَبَا فراس فَقَالَ الفرزدق
(هَذَا الَّذِي تعرف الْبَطْحَاء وطأته ... وَالْبَيْت يعرفهُ والحل وَالْحرم)
(هَذَا ابْن خير عباد اللَّه كلهم ... هَذَا التقى النقي الطَّاهِر الْعلم)
(إِذا رَأَتْهُ قُرَيْش قَالَ قَائِلهَا ... إِلَى مَكَارِم هَذَا يَنْتَهِي الْكَرم)
(ينمى إِلَى ذرْوَة الْعِزّ الَّتِي قصرت ... عَن نيلها عرب الْإِسْلَام والعجم)
(يكَاد يمسِكهُ عرفان رَاحَته ... ركن الْحطيم إِذا مَا جَاءَ يسْتَلم)
(يغضي حَيَاء ويغضى من مهابته ... فَمَا يكلم إِلَّا حِين يبتسم)
(من جده دَان فضل الْأَنْبِيَاء لَهُ ... وَفضل أمته دَانَتْ لَهُ الْأُمَم)




محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (1/ 367)
قال أبو تمّام:
يشتاقه من كماله غده ... ويكثر الوجد نحوه الأمس
قال ابن الرومي:
تنافس الناس في أيّام دولته ... فما يبيعون ساعات بأعوام
ومن الأقوال المشهورة:
فلان لا يحجب في العلم ... (أي لا يخفى مكانه)
وقال شاعر:
وهل يخفى على الناس النهار
قال ابن الرومي:
شمس الضحى أبرع من أن تطمسا «1»
وقال آخر:
إنّي إذا خفي الرجال وجدتني ... كالشّمس لا تخفى بكلّ مكان
قال ابن هرمة «2» :
إذا خفي القوم اللئام رأيتني ... مقارن شمس في المجرّة أو بدر «3»
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما يطوف بالبيت فرآه يزيد. فقال: من هذا؟
فقال له الحارث بن الليث:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم «4»
اعتذار من لم يعرف
قال رجل لسقراط ذكرتك عند فلان فلم يعرفك فقال: يضرّه أنه لا يعرفني، لأنه لا يجهل مكان ذي العلم إلّا خسيس. وقال محمد بن الزيات لبعض أولاد البرامكة: من أنت ومن أبوك؟ فقال: أما أنا فالذي تعرفني وأما أبي فالذي لم يعرفك ولا أباك. قال المتنبي:
وإذا خفيت على الغبيّ فعاذر ... أن لا تراني مقلة عمياء




صبح الأعشى في صناعة الإنشاء (11/ 261)
نحمده على ما خصّت به أيامنا من رفع أقدار ذوي السّيادة والشّرف، واتّصف به إنعامنا من مزيد برّ علم بحسن ظهوره على الأولياء أنّ الخير في السّرف.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يعرّف بها من اعترف، ويشرّف قدر من له بالمحافظة عليها شغف، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي طهّر الله بضعته الزاهرء وبنيها، وخصّهم بمزيّة القربى التي نزّهه أن يسأل على الهداية أجرا إلا المودّة فيها، صلى الله عليه وعلى آله الذين هم أجدر بالكرم، وأحقّ بمحاسن الشّيم، وما منهم إلا من (
تعرف البطحاء وطاته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
) «1» ، وعلى آله وأصحابه الذين أنعم الله به عليهم، واتّبعوه في ساعة العسرة فمنهم الذين أخرجوا من ديارهم والذين يحبّون من هاجر إليهم، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من زيّنت به مواطن الشّرف، وعدقت به العناية بخدمة من درج من بيت النبوّة وسلف، وعمرت به مشاهد آثارهم التي هي في الحقيقة لهم غرف، [ونالت الدولة] «2» من تدبيره الجميل بعض حظّها، وخصّت بقعته المباركة من نظره بما ينوب في خدمة محلّه الشريف عن مواقع لحظها، وجعلت به لابن رسول الله من خدمة أبيه معها نصيبا، وفعلت ذلك إذ خبرت خدمته أجنبيّا علما أنها تتضاعف له إذا كان نسيبا، وحكمت بما قام عندها مقام الثّبوت، وأمرته أن يبدأ بخدمة أهل البيت [فإن] «3» لازمها لديها مقدّم على البيوت- من طلع شهاب فضله من الشّرف السّنيّ في أكرم أفق، وأحاطت به أسباب السّؤدد من سائر الوجوه إحاطة الطّوق بالعنق، وزان الشّرف بالسّؤدد والعلم بالعمل، والرياسة باللطف فاختارته المناصب واختالت به الدّول، وتقدّم بنفسه ونفاسة أصله فكان شوط من تقدّمه وراء خطوه وهو يمشي على مهل، واصطفته الدولة