بسم الله الرحمن الرحیم

مقتل گونه ای از کتاب تذکرة قرطبی صاحب تفسیر

السبط الشهیدعلیه السلام
شرح حال محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(600 - 671 هـ = 1204 - 1273 م)


مقتل از ۱۱۱۶


الكتاب: التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)
تحقيق ودراسة: الدكتور: الصادق بن محمد بن إبراهيم
الناشر: مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، الرياض
الطبعة: الأولى، 1425 هـ
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
باب منه إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار
مسلم «عن الأحنف بن قيس قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: فقلت أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني علياً قال فقال لي: يا أحنف ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قال فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه» أخرجه البخاري وفي بعض طرقه [أنه كان حريصا على قتل صاحبه] .
فصل
قال علماؤنا: ليس هذا الحديث في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} فأمر الله
(1/1103)
************
تعالى بقتال الفئة الباغية، ولو أمسك المسلمون عن قتال أهل البغي لتعطلت فريضة من فرائض الله، وهذا يدل على أن قوله القول والمقتول في النار ليس في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم إنما قاتلوا على التأويل.
قال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين من المسلمين الهرب منه ولزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد، ولا أبطل باطل، ولوجد أهل النفاق، والفجور سبيلاً إلى استحال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم بأن يتحزبوا عليهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولون هذه فتنة قد نهينا عن القتال فيها، وأمرنا بكف الأيدي والهرب منها، وذلك مخالف لقوله عليه الصلاة والسلام «خذوا على أيدي أسفهائكم»
قلت: فحديث أبي بكرة محمول على ما إذا كان القتال على الدنيا، وقد جاء هكذا منصور فيما سمعناه من بعض مشايخنا: إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار.
خرجه البزار.
ومما يدل على صحة هذا ما خرجه مسلم عن صحيحه، «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال الهرج القاتل والمقتول في النار» فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهالة من
(1/1104)
************
طلب الدنيا أو أتباع هوى كان القاتل والمقتول في النار فأما قتال يكون على تأويل ديني فلا، وأما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، فيجب على المسلمين توقيرهم والإمساك عن ذكر زللهم ونشر محاسبتهم لثناء الله عز وجل في كتابه، فقال وقوله الحق {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} وقال: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} إلى آخر السورة.
وقال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} ، وكل من ذهب منهم إلى تأويل فهو معذور، وإن كان بعضهم أفضل من بعض وأكثر سوابق، وقيل: إن من توقف من الصحابة حملوا الأحاديث الواردة بالكف عن عمومها فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة من الخلاف والقتال، وربما ندم بعضهم على ترك ذاك كعبد الله ابن عمر، فإنه ندم على تخلفه عن نصرة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقال عند موته، ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة الباغية يعني فئة معاوية، وهذا هو الصحيح.
إن الفئة الباغية إذا علم منها البغي قوتلت.
قال عبد الرحمن بن أبزي: شهدنا صفين مع علي في ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان: قتل منهم ثلاث وستون منهم عمار بن ياسر.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا مع علي صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعونه كأنه علم لهم.
قال، وسمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة يا هاشم:
(1/1105)
************
تقدم الجنة تحت الأبارقة اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا شغفات الجبال لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل قال:
نحن ضربناكم على تنزيلة ... فاليوم نضربكم على تأويلة
ضرباً يزيل الهام عن مقيلة ... ويذهل الخليل عن خليلة
أو يرجع الحق إلى سبيله
قال: فلم أر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ، وسئل بعض المتقدمين عن الدماء التي وقعت بين الصحابة فقال: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} .
وقد أشبعنا القول في هذه المسألة في كتاب الجامع لأحكام القرآن في سورة الحجرات، والصواب ما ذكرناه لك أولاً والله أعلم.
وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «سيكون بين أصحابي فتنة يغفرها الله لهم بصحبتهم إياي ثم يستن بها قوم من بعدهم يدخلون به النار» .

باب جعل الله بأس هذه الأمة بينها
قال الله تعالى {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} .
مسلم «عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض [
(1/1106)
************
قال ابن ماجه في سننه يعني الذهب والفضة] ، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلهكم بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً» .
زاد أبو داود: «وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي المشركين وحتى يعبد قبائل من أمتي الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون يزعم كلهم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» .
ابن ماجه «عن معاذ بن جبل قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة فأطال فيها، فلما نصرف قلنا أو قالوا يا رسول الله: أطلت اليوم الصلاة.
قال: إني صليت صلاة رغبة ورهبة سألت الله لأمتي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ورد
(1/1107)
************
علي واحدة سألته ألا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها، وسألته ألا يهلكهم غرقاً فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فردها علي» .
وأخرجه مسلم، «عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية.
وفي رواية: في طائفة من أصحابه حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع ركعتين، فصلينا معه ودعا ربه طويلاً ثم انصرف إلينا.
فقال: سألت ربي ثلاثاً فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة.
سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها،، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» .
وأخرجه الترمذي والنسائي وصححه واللفظ النسائي.
«وعن خباب بن الأرت، وكان شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه راقب رسول الله صلى الله عليه وسلم الليل كلها حتى كان الفجر، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته جاء خباب فقال يا رسول الله: بأبي أنت وأمي لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل إنها صلاة رغب ورهب، سألت الله فيها لأمتي ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي ألا يهلكنا بما أهلك الأمم فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل ألا يظهر عليها عدواً من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل ألا يلبيسنا شيعاً فمنعنيها» .
(1/1108)
************
ابن ماجه «عن أبي موسى قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بين الساعة لهرجاً قال قلت يا رسول الله ما الهرج؟ قال: القتل القتل فقال بعض المسلمين: يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بقتل المشركين ولكن بقتل بعضكم بعضاً حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قربته» وذكر الحديث، والله أعلم.

باب ـ ما يكون من الفتن وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بها
مسلم «عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك فيه شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به.
حفظ من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء وإن ليكون منه الشيء قد نسيه، فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه» .
وخردج أبو داود أيضاً عنه قال: «والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوه، والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاث مائة فصاعداً إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته» .
مسلم «عن حذيفة بن اليمان قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً أنبأنا فيه عن الفتنة فقال وهو يعد الفتن: منها ثلاثة لا يكدن يذرن شيئاً ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغاراً ومنها كبار» ، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري.
أبو داود «عن عبد الله بن عمر: كنا قعوداً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1/1109)
************
فذكر الفتن فأكثر فيها، حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل يا رسول الله: وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي هرب وخرب ثم فتنة السوء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كودك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، حتى يصير الناس فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من سومه أو من غده» .
فصل
قول حذيفة: قيام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً.
وفي الرواية الأخرى مجلساً.
قد جاء مبيناً في حديث أبي زيد، قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى فصعد المنبر فخطبنا حتى غربت
(1/1110)
************
الشمس، فأخبرنا بما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا» .
أخرجه مسلم.
وروى الترمذي «من حديث أبي سعيد الخدري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر نهاراً، ثم قام خطيباً فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه» ، فظاهر هذا أن ذلك المقام كان من بعد العصر لا قبل ذلك، وهذا تعارض، فيجوز أن يكون ذلك كله في يومين فيوم خطب فيه من بعد العصر، ويوم قام فيه خطيباً كله، ويجوز أن تكون الخطبة من بعد صلاة الصبح إلى غروب الشمس كما في حديث أبي زيد، واقتصر بعض الرواة في الذكر على ما بعد العصر كما في حديث أبي سعيد الخدري وفيه بعد.
والله أعلم.
وقوله: حتى ذكر فتنة الأحلاس قال الخطابي: إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه: هو حلس بيته.
ويحتمل أن تسمى هذه الفتنة بالأحلاس لسوادها وظلمتها.
والحرب ذهاب الأهل والمال.
يقال حرب الرجل فهو حريب إذا سلب أهله وماله، ومن هذا المعنى أخذ لفظ الحرب لأن فيها ذهاب النفوس والأموال والله أعلم.
والدخن: الدخان يريد أنها تثور كالدخان من تحت قدميه.
وقوله: كودك على ضلع مثل ومعناه الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم يريد أن هذا الرجل غير خليق بالملك.
والدهيماء: تصغير الدهماء على معنى المذمة لها
(1/1111)
************
والتعظيم لأمرها كما قال: [دويهية تصفر منها الأنامل] أي ههذ الفتنة سوداء مظلمة، ودلت أحاديث هذا الباب على أن الصحابة رضي الله عنهم كان عندهم من علم الكوائن إلى يوم القيامة العلم الكثير، لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث الأحكام وما كان فيه شيء من ذلك حدثوا به وتقصروا عنه.
وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم.
قال أبو عبد الله البلعوم مجرى الطعام، والفسطاط الخيمة الكبيرة وتسمى مدينة مصر الفسطاط، والمراد به في هذا الحديث الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى تشبيهاً بانفراد الخيمة عن الأخرى.
وتشبيهاً بانفراد المدينة عن الأخرى حملاً على تسمية مصر بالفسطاط والله أعلم.

باب ذكر الفتنة التي تموج موج البحر وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " هلاك أمتي على يد أغيلمة من سفهاء قريش "
باب ذكر الفتنة التي تموج موج البحر وقول النبي صلى الله عليه وسلم: هلاك أمتي على يد أغيلمة من سفهاء قريش
ابن ماجه عن شقيق عن حذيفة قال: كنا جلوساً عند عمر بن الخطاب فقال: أيكمك يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال حذيفة: فقلت أنا، فقال إنك لجزيء، قال: كيف سمعه يقول؟ قلت سمعته يقول «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره يكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» فقال عمر: ليس هذا أريد التي تموج موج البحر.
قال مالك ولها يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً،
(1/1112)
************
قال يفتح الباب أو يكسر.
قال: بل يكسر.
قال: ذلك أجدر أن لا يغلق، فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلة، فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب؟ قال نعم كما يعلم أن دون غد الليلة إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، قال فهبنا أن نسأله من الباب فقلنا لمسروق: سله فسأله: هو عمر.
أخرجه البخاري ومسلم أيضاً.
وخرج الخطيب أبو بكر بن أحمد بن علي من حديث مالك بن أنس أن عمر بن الخطاب دخل على بني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت هذا اليهودي لكعب الأحبار يقول إنك باب من أبواب جهنم فقال عمر: ما شاء الله إني لأرجو أن يكون الله خلقني سعيداً، قال ثم خرج فأرسل إلى كعب فدعاه فلما جاءه كعب قال يا أمير المؤمنين: والذي نفسي بيده لا تنسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: أي شيء هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار، قال: والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها، فإذا مت لم يزالوا يتقحمون فيها إلى يوم القيامة.
البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد قال: أخبرني جدي قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان، فقال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هلكة أمتي على يد أغيلمة من قريش» قال مروان لعنة الله عليهم من أغيلمة.
قال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حتى تملكوا بالشام، فإذا رآهم أحداثاً وغلماناً قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم.
قلنا: أنت أعلم.
(1/1113)
************
الغلام الطار الشارب والجمع الغلمة والغلمان، ونص مسلم في صحيحه في كتاب الفتن «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يهلك أمتي هذا الحي من قريش قال: فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم» .
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: هذا الحديث يدل على أن أبا هريرة كان عنده من علم الفتن؟ العلم الكثير، والتعيين على من يحدث عنه الشر الغزير.
ألا تراه يقول لو شئت قلت لكم هم بنو فلان وبنو فلان، لكنه سكت عن تعيينهم مخافة ما يطرأ من ذلك من المفاسد، وكأنهم والله أعلم يزيد بن معاوية، وعبيد الله بن زياد ومن تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية، فقد صدر عنهم من قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيهم، وقتل خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة وبمكة وغيرها، وغير خاف ما صدر عن الحجاج، وسليمان بن عبد الملك، وولده من سفك الدماء، وإتلاف الأموال، وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغير ذلك، وبالجملة وغير ذلك، وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق، فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا فضلهم وشرفهم واستباحوا لعنهم وشتمهم، فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1/1114)
************
في وصيته وقابلوه بنقيض مقصودة وأمنيته، فواخجلتهم إذا وقفوا بين يديه، وافضحيتهم يوم يعرضون عليه، والله أعلم.

باب ما جاء في بيان مقتل الحسين رضي الله عنه ولا رضي عن قاتله
ذكر أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ قال: «حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الحلواني.
قال ابن السكن، وأخبرني أبو بكر محمد بن محمد بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن عبد الله بن زياد الحداد قالا: حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد قال: حدثنا عطاء بن مسلم، عن أشعث بن سحيم، عن أبيه، عن أنس بن الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق، فمن أدركه منكم فلينصره» فقتل أنس يعني مع الحسين بن علي عليهما السلام.
أنبأناه إجازة الشيخ الفقيه القاضي أبو عامر عن أبي القاسم بن بشكوال، عن أبي محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عتاب وأبي عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد، عن أبي عمر بن عبد البر قال: حدثنا الحافظ أبو القاسم خلف بن القاسم قال: حدثنا الإمام الحافظ أبو علي بن السكن، فذكره.
وخرج الإمام أحمد في مسنده قال: «حدثنا مؤمل قال: حدثنا عمارة بن
(1/1115)
************
زاذان، حدثنا ثابت عن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، فقال لأم سلمة: أملكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد قال: وجاء الحسين ليدخل فمنعه فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منكبيه وعلى عاتقه قال: فقال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم أتحبه؟ قال: نعم.
قال: أما إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها» قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء.
وقال مصعب بن الزبير: حج الحسين خمسة وعشرين حجة ماشياً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي الحسن: «إنهما سيداً شباب أهل الجنة وقال: هما ريحانتاي من الدنيا وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهما هش لهما وربما أخذهما» .
كما روى أبو داود أنهما دخلا المسجد وهو يخطب، فقطع خطبته ونزل فأخذهما وصعد بهما.
قال: «رأيت هذين فلم أصبر» وكان يقول فيهما «اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما» وقتل رحمه الله ولا رحم قاتله يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين بكربلاء بقرب موقع يقال له الطف بقرب من الكوفة.
(1/1116)
************
قال أهل التواريخ: لما مات معاوية وأفضت الخلافة إلى يزيد، وذلك سنة ستين ـ ووردت البيعة على الوليد بن عتبة بالمدينة ليأخذ بالبيعة إلى أهلها أرسل إلى الحسين بن علي، وإلى عبد الله بن الزبير ليلاً فأتي بهما فقال: بايعاً.
فقالا: مثلنا لا يبايع سراً، ولكن نبايع على رؤوس الناس إذ أصبحنا، فرجعا إلى بيوتهما وخرجا من ليلتهما إلى مكة، وذلك ليلة الأحد بقيتا من رجب، فأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوالاً وذا القعدة، وخرج يوم التروية يريد الكوفة، فبعث عبد الله بن زياد خيلاً لمقتل الحسين، وأمر عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فأدركه بكر بلاء، وقيل: إن عبيد الله بن زياد كتب إلى الحر بن يزيد الرياحي أن جعجع بالحسين.
قال أهل اللغة أراد أحبسه وضيق عليه، والجعجع: الجعجاع الموضع الضيق من الأرض، ثم أمده بعمرو بن سعد في أربعة آلاف، ثم ما زال عبيد الله يزيد العساكر ويستفز الجماهير إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفاً، وأميرهم عمرو بن سعد، ووعده أن يملكه مدينة الري فباع الفاسق الرشد بالغي، وفي ذلك يقول:
أأترك ملك الري والري منيتي ... وأرجع مأثوماً بقتل حسين
فضيق عليه اللعين أشد تضييق وسد بين يديه وضح الطريق إلى أن قتله يوم الجمعة.
وقيل، يوم السبت العاشر من المحرم.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: قتل يوم الأحد لعشر مضين من
(1/1117)
************
المحرم بموضع من أرض الكوفة يقال له كربلاء، ويعرف بالطف أيضاً وعليه جبة خزد كفاء وهو ابن ست وخمسين سنة.
قاله نسابة قريش الزبير بن بكار، ومولده الخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وفيها كانت غزوة ذات الرقاع وفيه قصرت الصلاة، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، واتفقوا على أنه قتل يوم عاشوراء العاشر من المحرم سنة إحدى وستين، ويسمى عام الحزن، وقتل معه اثنان وثمانون رجلاً من الصحابة مبارزة، منهم الحر بن يزيد، لأنه تاب ورجع مع الحسين، ثم قتل جميع بنيه إلا علياً المسمى بعد ذلك بزين العابدين كان مريضاً أخذ أسيراً بعد قتل أبيه، وقتل أكثر إخوة الحسين وبني أعمامه رضي الله عنهم ثم أنشأ يقول:
يا عين إبكي بعبرة وعويل ... واندبي ـ إن ندبت، آل الرسول
سبعة كلهم لصلب علي ... قد أصيبوا وتسعة لعقيل
قال جعفر الصادق: وجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة بالسيف، وأربع وثلاثون ضربة، واختلفوا فيمن قتله.
فقال يحيى بن معين: أهل الكوفة يقولون: إن الذي قتل الحسين عمرو بن سعد.
قال ابن عبد البر: إنما نسب قتل الحسين إلى عمرو بن سعد، لأنه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد إلى قتال الحسين.
وأمر عليهم عمرو بن سعد ووعده أن يوليه الري إن ظفر بالحسين وقتله، وكان في تلك الخيل والله أعلم قوم من مصر ومن اليمين وفي شعر سليمان بن فتنة الخزاعي وقيل: إنها لأبي الرميح الخزاعي ما يدل على الاشتراك في دم الحسين،
(1/1118)
************
وقيل: قتله سنان بن أبي سنان النخعي وقال مصعب النسابة الثقة: قتل الحسين بن علي سنان بن أبي سنان النخعي، وهو جد شريك القاضي ويصدق ذلك قول الشاعر:
وأي رزية عدلت حسيناً ... غداة تبيده كفا سنان
وقال خليفة بن خياط: الذي ولي قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن وأمير الجيش عمرو بن سعد، وكان شمر أبرص وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير حز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال:
أوقر ركابي فضة ذهباً ... أني قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا ... وخيرهم ـ إذ ينسبون ـ نسباً
هذه رواية أبي عمر بن عبد البر في الاستيعاب وقال غيره: تولى حمل الرأس بشر بن مالك الكندي ودخل به على ابن زياد وهو يقول:
أوقر ركابي فضة ذهباً ... إن قتلت الملك المحجبا
وخيرهم إذ يذكرون النسبا ... قتلت خير الناس أما وأباً
في أرض نجد وحرا ويثربا
فغضب ابن زياد من قوله وقال: إذا عملت أنه كذلك فلم قتلته؟ والله لا نلت مني خيراً أبداً ولألحقنك به ثم قدمه فضرب عنقه.
(1/1119)
************
وفي هذه الرواية اختلاف، وقد قيل إن يزيد بن معاوية هو الذي قتل القاتل.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: قال عبد الرحمن بن مهدي: «حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه ويتتبعه فيها.
قال قلت يا رسول الله ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم» .
قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم وهذا سند صحيح لا مطعن في، وساق القوم حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تساق الأسرى حتى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس فجعلوا ينظرون إليهم، وفي الأسارى علي بن حسين وكان شديد المرض قد جمعت يداه إلى عنقه، وزينب بنت علي وبنت فاطمة الزهراء، وأختها أم كلثوم، وفاطمة وسكينة بنت الحسين، وساق الظلمة والفسقة معهم رؤوس القتلة.
روى قطر عن منذر الثوري، عن محمد بن الحنفية قال: قتل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من ولد فاطمة عليها الصلاة والسلام.
وذكر أبو عمر بن عبد البر عن الحسن البصري قال: أصيب مع الحسين بن علي ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض لهم يومئذ شبيه.
وقيل: إنه قتل مع الحسين من ولده وأخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلاً.
(1/1120)
************
وفي صحيح البخاري في المناقب عن أنس بن مالك: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين، فجعل في طست فجعل ينكت وقال في حسنة شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوباً بالوسمة.
يقال: نكت في الأرض إذا أثر فيها، ونكت بالحصباء إذا ضرب بها، وكان الفاسق يؤثر في رأسه المكرم بالقضيب، وأمد عبيد الله بن زياد من قور الرأس حتى ينصب في الرمح، فتحاماه أكثر الناس، فقام رجل يقال له طارق بن المبارك بل هو ابن المشؤوم الملعون المذموم فقوره ونصبه بباب دار عبيد الله، ونادى في الناس وجمعهم في المسجد الجامع وخطب الناس خطبة لا يحل ذكرها، ثم دعا بزياد ابن حر بن قيس الجعفي فسلم إليه رأس الحسين ورؤوس أخوته وبنيه وأهل بيته وأصحابه، ودعي بعلى بن الحسين فحمله وحمل عماته وأخواته إلى يزيد على محامل بغير وطاء، والناس يخرجون إلى لقائهم في كل بلد ومنزل، حتى قدموا دمشق ودخلوا من باب توما وأقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي، ثم وضع الرأس المكرم بين يدي يزيد فأمر أن يجعل في طست من ذهب وجعل ينظر إليه ويقول هذه الأبيات:
صبرنا وكان الصبر منا عزيمة ... وأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
نعلق هاماً من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما
ثم تكلم بكلام قبيح وأمر بالرأس أن تصلب بالشام، ولما صلبت أخفى خالد بن عفران شخصه من أصحابه، وهو من أفاضل التابعين فطلبوه شهراً حتى وجدوه فسألوه عن عزلته فقال: ألا ترون ما نزل بنا:
(1/1121)
************
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد ... متزملاً بدمائه تزميلاً
وكأنما بك يا ابن بنت محمد ... قتلوا جهاراً عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولم يترقبوا ... في قلتك التنزيل والتأويلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما ... قتلوا بك التكبير والتهليلا
واختلف الناس في موضع الرأس المكرم؟ وأين حمل من البلاد؟ فذكر الحافظ أبو العلاء الهمداني أن يزيد حين قدم عليه رأس الحسين بعث به إلى المدينة، فأقدم إليه عدة من موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان، ثم بعث بث الحسين وبقي من أهله معهم وجهزهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة المدينة إلا أمر بها، وبعث برأس الحسين عليه السلام إلى عمرو بن سعيد العاص، وهو إذ ذلك علمله على المدينة فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به إلي.
ثم أمر عمرو بن سعيد بن العاص برأس الحسين عليه السلام فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها الصلاة والسلام.
وهذا أصح ما قيل في ذلك، ولذلك قال الزبير بن بكار الرأس حمل إلى المدينة والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء لهذا السبب قال: حدثني بذلك محمد بن حسن المخزومي النسابة.
والإمامية تقول إن الرأس أعيد إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوماً من المقتل وهو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة فيه زيارة الأربعين، وما ذكر أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فشيء باطل لا يصح ولا يثبت، وقد قتل الله قاتله صبراً ولقي حزناً وذعراً وجعل رأسه الذي اجتمع فيه العيب والذم في الموضع الذي جعل فيه رأس الحسين، وذلك بعد
(1/1122)
************
قتل الحسين بستة أعوام وبعث المختار به إلى المدينة، فوضع بين يدي بني الحسين الكرام، وكذلك عمرو بن سعد وأصحابه اللئام ضربت أعناقهم بالسيف وسقوا كأس الحمام وبقي الوقوف بين يدي الملك العلام في يوم {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} .
وفي الترمذي: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير قال: لما أتي برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه نصبت في المسجد في الرحبة، فانتهيت إليهم وهم يقولون قد جاءت فإذا هي حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله، فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا: جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً.
قال العلماء: وذلك مكافأة لفعله برأس الحسين وهي من آيات العذاب الظاهرة عليه، ثم سلط الله عليهم المختار فقتلهم حتى أوردهم النار، وذلك أن الأمير مذحج بن إبراهيم بن مالك لقي عبيد الله بن زياد على خمسة فراسخ من الموصل وعبيد الله في ثلاثة وثلاثين ألفاً، وإبراهيم في أقل من عشرين ألفاً فتطاعنوا بالرماح وتراموا بالسهام واصطفقوا بالسيوف إلى أن اختلط الظلام، فنظر إبراهيم إلى رجل عليه بزة حسنة ودرع سابغة وعمامة خز دكناء، وديباجة خضراء، من فوق الدرع، وقد أخرج يده من الديباجة ورائحة المسك تشم عليه، وفي يده صحيفة له مذهبة، فقصده الأمير إبراهيم لا لشيء
(1/1123)
************
إلا لتلك الصحيفة والفرس الذي تحته، حتى إذا لحقه لم يلبث أن ضربه ضربة كانت فيها نفسه، فتناول الصحيفة وغار الفرس فلم يقدر عليه ولم يبصر الناس بعضهم بعضاً من شدة الظلمة، فتراجع أهل العراق إلى عسكرهم والخيل لا تطأ إلا على القتلى، فأصبح الناس وقد فقد من أهل العراق ثلاثة وسبعون رجلاً، وقتل من أهل الشام سبعون ألفاً.
فيتعشوا منهم بسبعين ألفاً ... أو يزيدون قبل وقت العشاء
فلما أصبح وجد الأمير الفرس رده عليه رجل كان أخذه، ولما علم أن الذي قتل هو عبيد الله بن زياد كبر وخر ساجداً وقال: الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي، فبعث به إلى المختار زيادة على سبعين ألف رأس في أولها أشد رؤوس أهل الفساد عبيد الله المنسوب إلى زياد.
قال المؤلف رحمه الله: فقلت هذا من كتاب مرج البحرين في مزايد المشرقين والمغربين للحافظ أبي الخطاب بن دحية رضي الله عنه.
فصل
ومثل صنيع عبيد الله بن زياد صنع قبله بشر بن أرطأة العامري الذي هتك الإسلام، وسفك الدم الحرام، وأذاق الناس الموت الزؤام، لم يدع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذمام، فقتل أهل بيته الكرام وحكم في مفارقهم الحسام، وعجل لهم الحمام ذبح ابني عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب وهما
(1/1124)
************
صغيران بين يدي أمهما يمرحان، وهما قثم وعبد الرحمن، فوسوست أمهما وأصابها ضرب من الجان لم أشعله الثكل في قلبها من لهب النيران.
روى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه في حديث فيه طول: كان أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله يتعوذ من شر يوم البلاء ويوم العورة في صلاة صلاها أطال قيامها وركوعها وسجودها، قال: فسألناه مم تعوذت وفيم دعوت؟ فقال: تعوذت من يوم البلاء ويوم العورة، فإن نساء من المسلمات ليسبين ليكشف عن سوقهن، فأيتهن كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها، فدعوت الله عز وجل أن لا يدركني هذا الزمان ولعلكما تدركانه.
وذكر أبو عمر بن عبد البر قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، أنبأنا أبو محمد إسماعيل بن محمد الحبطلي ببغداد في تاريخه الكبير، حدثنا محمد بن مؤمن بن حماد قال: حدثنا سلمان بن شيخ قال: حدثنا محمد بن عبد الحكم، عن عوانة قال: أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بشر بن أرطأة في جيش، فساروا من الشام حتى قدموا المدينة وعامل المدينة يومئذ لعلي عليه السلام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففر أبو أيوب ولحق بعلي رضي الله عنهما.
ودخل بشر المدينة فصعد منبرها فقال: أين شيخي الذي عهدته هنا بالأمس يعني عثمان بن عفان، ثم قال يا أهل المدينة: والله لولا ما عهدته إلى معاوية ما تركت فيها محتلماً إلا قتلته، ثم أمر أهل المدينة بالبيعة لمعاوية، وأرسل إلى بني سلمة فقال ما لكم عند أمان ولا مبايعة
(1/1125)
************
حتى تأتوني بجابر بن عبد الله، فأخبر جابر فانطلق حتى جاء الشام فأتى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: ماذا ترين فإني خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلالة، فقالت: أرى أن تبايع وقد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع فأتى جابر بشراً فبايعه لمعاوية، وهدم بشر دوراً بالمدينة، ثم انطلق حتى أتى مكة وبها أبو موسى الأشعري، فخاف أبو موسى.
على نفسه أن يقتله فهرب فقيل ذلك لبشر، فقال: ما كنت لأقتله وقد خلع علياً..
ولم يطلبه وكتب أبو موسى إلى اليمن
(1/1126)
************
أن خيلاً مبعوثة من عند معاوية تقتل من الناس من أبى أن يقر بالحكومة، ثم مضى بشر إلى اليمن وعامل اليمن لعلي رضي الله عنه عبيد الله بن العباس، فلما بلغه أمر بشر فر إلى الكوفة واستخلف على المدينة عبيد الله بن عبد مدان الحارثي، فأتى بشر فقتله وقتل ابنه، ولقي ثقل عبيد الله بن العباس وفيه ابنان صغيران لعبيد الله بن عباس فقتلهما ورجع إلى الشام.
وذكر أبو عمرو الشيباني قال: لما وجه معاوية بشر بن أرطاة لقتل شيعة علي رضي الله عنه سار إلى أن أتى المدينة، فقتل ابني عبيد الله بن العباس، وفر أهل المدينة حتى دخلوا الحرة حرة بني سليم، وهذه الخرجة التي ذكر أبو عمرو الشيباني أغار بشر على همدان فقتل وسبى نساءهم، فكن أول نساء سبين في الإسلام وقتل أحياء من بني سعد.
وقد اختلفوا كما ترى في أي موضع قتل الصغيرين من أهل البيت هل في المدينة أو في مكة أو في اليمن، لأنه دخل هذه البلاد وأكثر فيها الفساد وأظهر لعلي رضي الله عنه العناد، وأفرط في بعضه وزاد وسلط على أهل البيت الكريم الأجناد، فقتل وسبى وأباد ولم يبق إلا أن يخد الأخاديد ويعد الأوتاد، وكان معاوية قد بعثه في سنة أربعين إلى اليمن وعليها عبيد الله ابن العباس أخو عبد الله بن العباس، ففر عبيد الله وأقام بشر باليمن وباع دينه ببخس من الثمن فأخاف السبيل ورعى المرعى الوبيل، وباع المسلمات وهتك المحرمات، فبعث علي رضي الله عنه في طلبة حارثة بن قدامة السعدي، فهرب بشر إلى الشام، وقد ألبس بذميم
(1/1128)
************
أفعاله ثياب العار والذمام وبقي الوقوف بين يدي الملك العلام {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} ورجع الشريف أبو عبد الله محمد إلى بلاد اليمن، فلم يزل والياً عليهم حتى قتل علي رضي الله عنه.
ويقال: إن بشر بن أطأرة لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم حرفاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو صغير فلا تصح له صحبة.
قاله الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما، وقال آخرون: خوف في آخر عمره.
قال يحيى بن معين: وكان الرجل سوء.
قال المؤلف رحمه الله: كذا ذكره الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله.
وقد ذكر أبو داود، «عن جنادة، عن ابن أبي أمية قال: كنا مع بشر بن أطأرة في البحر فأتى بشارق يقال له منصور وقد سرق بختية، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في الغزو ولولا ذلك لقطعته» .
قال أبو محمد عبد الحق: بشر هذا يقال ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له أخبار سوء في جانب علي وأصحابه، وهو الذي ذبح طفلين لعبيد الله بن العباس، ففقدت أمهما عقلها وهامت على وجهها، فدعا عليه علي رضي الله عنه أن يطيل الله عمره ويذهب عقله، كان كذلك، قال ابن دحية: ولما ذبح الصغيرين وفقدت أمهما عقلهما كانت تقف في الموسم تشعر شعراً يبكي العيون ويهيج بلابل الأحزان والعيون وهو هذا:
هامن أحس بإبني اللذين هما ... كالدرتين تسطا عنهما الصدف
يقال تسطعت العصاة إذا صارت فلقاً، قاله في المجمل وغيره.
هامس أحس بإنبي اللذين هما ... سمعي وعقلي فقلبي اليوم مختطف
حدثت بشراً وما صدقت ما زعموا من قولهم ومن الإفك الذي اقترف
أحنى على ودجي إبني مرهف ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
(1/1129)
************
باب ما جاء أن اللسان في الفتنة أشد من وقع السيف
أبو داود «عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون تستطف قتلاها في النار.
اللسان فيها أشد من وقع السيف» خرجه الترمذي وقال في حديث غريب، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: لا يعرف لزياد بن سمين كوشى عن عبد الله بن عمر غير هذا الحديث الواحد.
وروي موقوفاً.
وذكره أبو داود «عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرفت له.
اللسان فيها كوقوع السيف» أخرجه ابن ماجه أيضاً «عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والفتن فإن اللسان فيها مثل وقع السيف» .
(1/1130)
************
فصل
قلت: قوله [تستنطف] أي ترمي.
مأخوذ من نطف الماء أي قطر.
والنطفة الماء الصافي قل أو كثر والجمع النطاف.
أي أن هذه الفتنة تقطر قتلاها في النار أي ترميهم فيها لأقتتالهم على الدنيا واتباع الشيطان والهوى وقتلاها بدل من قوله العرب هذا المعنى الذي ظهر لي في هذا ولم أقف فيه على شيء لغيري والله أعلم.
قوله: «اللسان فيها أشد من وقع السيف» أي بالكذب عند أئمة الجور ونقل الأخبار إليهم، فربما ينشأ عن ذلك من النهب والقتل والجلد والمفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها.
وفي الصحيحين، «عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار بعد ما بين المشرق والمغرب» وفي رواية عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب» لفظ مسلم.
وقد روي «أن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقى لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً» فقوله: من سخط الله أي مما يسخط الله، وذلك بأن يكون كذبة أو بهتاناً أو بخساً أو باطلاً يضحك به الناس، كما جاء «عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1/1131)
************
أنه قال: ويل للذي تكلم بالكلمة من الكذب ليضحك الناس ويل له وويل له» .
وفي حديث ابن مسعود [إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الرفاهية من سخط الله ترديه بعد ما بين السماء والأرض] قال أبو زياد الكلابي: الرفاهية السعة في المعاش والخصب، وهذا أصل الرفاهية، فأراد عبد الله بن أن يتكلم بالكلمة في تلك الرفاهية والأتراف في دنياه مستهيناً بها لما هو فيه من النعمة، فيسخط الله عز وجل عليه.
قال أبو عبيدة وفي الرفاهية لغة أخرى الرفاعية، وليس في هذا الحديث يقال: هو في رفاهية ورفاعية من العيش.
وقوله: صماء بكاء عمياء يريد أن هذه الفتنة لا تسمع ولا تبصر فلا تقلع ولا ترتفع، لأنها لا حواس لها فترعوى إلى الحق وأنه شبهها لاختلاطها وفتل البريء فيها والسقيم بالأعمى الأصم الأخرس الذي لا يهتدي إلى شيء فهو يخبط عشواء، والبكم الخرس في أصل الخلقة، والصم الطرش.
(1/1132)
************
باب الأمر بالصبر عند الفتن وتسليم النفس للقتل عندها والسعيد من جنبها