بسم الله الرحمن الرحیم

السبط الأکبر علیه السلام

الامام المجتبی الحسن بن علي بن أبي طالب ع(3 - 50 هـ = 624 - 670 م)
هم فاطمة و
السبط الأکبر علیه السلام
صلح با معاوية
صالح الحسن ع معاوية هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا
صلح ما دام حياة معاوية
تفوه مذل المؤمنين!
سفيان بن ليل
سفيان بن ليلى الهمداني
سليمان بن صرد
حجر بن عدي



ریشه یابی صلح امام مجتبی علیه السلام در روایات


صلح با معاوية


صحيح ابن حبان - محققا (15/ 38) فاصطلحوا على كتاب بينهم بشروط فيه



صالح الحسن ع معاوية هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا

صالح الحسن ع معاوية

تاريخ اليعقوبي ج2/ص215 فلما رأى الحسن أن لا قوة به وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالح معاوية وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا وقد سالمت معاوية وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين








صلح ما دام حياة معاوية

نهاية الأرب في فنون الأدب - النويري (5 / 385، بترقيم الشاملة آليا) :

قال أبو عمر: ولا خلاف بين العلماء أن الحسن إنما سلم الخلافة لمعاوية حياتة، لا غير، ثم تكون له من بعده، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك الوقت، ورأى الحسن ذلك خيراً من إراقة الدماء في طلبها، وإن كان عند نفسه أحق بها.



تفوه مذل المؤمنين!



تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (24/ 533)
وقال آخرون في ذلك ما حدثني أبو الخطاب الجارودي سهيل، قال: ثنا سلم بن قتيبة، قال: ثنا القاسم بن الفضل، عن عيسى بن مازن، قال: قلت للحسن بن علي رضى الله عنه: يا مسود وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل، فبايعت له، يعني معاوية بن أبي سفيان، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري في منامه بني أمية يعلون منبره حليفة خليفة، فشق ذلك عليه، فأنزل الله: (إنا أعطيناك الكوثر) و (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) يعني ملك بني أمية؛ قال القاسم: فحسبنا ملك بني أمية، فإذا هو ألف شهر.
وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزيل قول من قال: عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر. وأما الأقوال الأخر، فدعاوى معان باطلة، لا دلالة عليها من خبر ولا عقل، ولا هي موجودة في التنزيل.




بحار الأنوار - العلامة المجلسي - كامل (75 / 287، بترقيم الشاملة آليا) :

قال أبو جعفر: قال لي الصادق عليه السلام: إن الله عزوجل عير أقواما في القرآن بالاذاعة فقلت له: جعلت فداك أين قال؟ قال: قوله: " وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به (1) " ثم قال: المذيع علينا سرنا كالشاهر بسيفه علينا، رحم الله عبدا سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه. والله إني لاعلم بشراركم من البيطار بالدواب، شراركم الذين لا يقرؤون القرآن إلا هجرا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا، ولا يحفظون ألسنتهم (2) . إعلم أن الحسن بن علي عليهما السلام لما طعن واختلف الناس عليه سلم الامر لمعاوية فسلمت عليه الشيعة " عليك السلام يا مذل المؤمنين "، فقال عليه السلام: " ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الامر لابقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السفينة لتبقى لاصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم ".

أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع (ص: 85) :

الجهة الثانية: داخلية، حيث إن قرار الإمام بالصلح مع معاوية، والذي فرضته عليه الظروف، ورعاية مصلحة الأمة، أثار مشاعر بعض المحيطين بالإمام، ونظروا إلى الصلح على أنه موقف ذل وخنوع واستسلام، فراحوا يوجهّون لومهم العنيف، وعتابهم الشديد، وبعبارات مسيئة وغير لائقة.

فهذا حجر بن عدي الصحابي الجليل يخاطبه قائلاً: ((أما واللَّه لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك)) . وعدي بن حاتم يقول: ((أخرجتنا من العدل إلى الجور)) . وبشير الهمداني وسليمان بن صرد الخزاعي يدخل كل منهما عليه هاتفاً: ((السلام عليك يا مذل المؤمنين)) . وخاطبه بعض أصحابه قائلاً: ((يابن رسول اللَّه أذللت رقابنا بتسليمك الأمر إلى هذا الطاغية)) () .

وجاء في (الإصابة) : ((كان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار أمير المؤمنين. فيقول: العار خير من النار)) () .

بحار الأنوار - العلامة المجلسي - كامل (44 / 57، بترقيم الشاملة آليا) :

وقال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاغي للحسن بن علي عليهما السلام: ما ينقضي تعحبنا منك، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز فقال الحسن عليه السلام: قد كان ذلك، فما ترى الآن فقال: والله أرى أن ترجع لأنه نقض [العهد] ، فقال: يا مسيب إن الغدر لا خير فيه ولو اردت لما فعلت وقال حجر بن عدي: أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم، فانا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبوا. فلما خلا به الحسن عليه السلام قال: يا حجر قد سمعت كلامك، في مجلس معاوية وليس كل إنسان يحب ما تحب، ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم، والله تعالى كل يوم هو في شأن،




سفيان بن ليل

المستدرك بتعليق الذهبي (3 / 192) :

4812 - حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا الأسود بن عامر شاذان ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو روق الهمداني ثنا أبو العريف قال: كنا في مقدمة الحسن بن علي اثني عشر ألفا تقطر أسيافنا من الحدة على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرة طه فلما أتانا صلح الحسن بن علي ومعاوية كأنما كسرت ظهورنا من الحرد والغيظ فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قام إليه رجل منا يكنى أبا عامر سفيان بن الليل فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال الحسن: لا تقل ذاك يا أبا عامر لم أذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك

تعليق الذهبي قي التلخيص: سكت عنه الذهبي في التلخيص

كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال (13 / 588) :

37514- عن السرى بن إسماعيل عن الشعبي قال حدثني سفيان بن الليل قال: لما قدم الحسن بن علي المدينة من الكوفة أتيته فقلت له: يا مذل المؤمنين! قال: لا تقل ذلك فإني سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل وهو معاوية، والله ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بعدما سمعت هذا الحديث أن لا أكون رجعت في المدينة. "سمويه، ورواه نعيم"

مصنف ابن أبي شيبة (15 / 93) :

38512- حدثنا أسود بن عامر، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو روق الهمداني، قال: حدثنا أبو الغريف قال: كنا مقدمة الحسن بن علي اثني عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر سيوفنا من الجد على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرطة، قال: فلما أتانا صلح الحسن بن علي ومعاوية كأنما كسرت ظهورنا من الحزن والغيظ، قال: فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قام إليه رجل منا يكنى أبا عامر، فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لا تقل ذاك يا أبا عامر، ولكني كرهت أن أقتلهم طلب الملك، أو على الملك.

موسوعة التخريج (ص: 30841) :

* 192002 -) حدثنا أسود بن عامر قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو روق الهمذاني قال حدثنا أبو الغريف قال كنا مقدمة الحسن بن علي اثني عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر سيوفنا من الجد على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرو قال فلما أتانا صلح الحسن بن علي ومعاوية كأنما كسرت ظهورنا من الحزن والغيظ قال فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قام إليه رجل منا يكنى أبا عامر فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال لا تقل ذاك يا أبا عامر ولكني كرهت أن اقتلهم طلب الملك أو على الملك

عبد الرزاق في مصنفه ج 7/ ص 476 حديث رقم: 37357

* 192003 -) حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا الأسود بن عامر شاذان ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو روق الهمداني ثنا أبو العريف قال كنا في مقدمة الحسن بن علي اثني عشر ألفا تقطر أسيافنا من الحدة على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمر طه فلما أتانا صلح الحسن بن علي ومعاوية كأنما كسرت ظهورنا من الحرد والغيظ فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قام إليه رجل منا يكنى أبا عامر سفيان بن الليل فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال الحسن لا تقل ذاك يا أبا عامر لم أذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك

الحاكم في مستدركه ج 3/ ص 192 حديث رقم: 4812

المعرفة والتاريخ (3 / 326) :

حدثنا العباس بن عبد العظيم حدثنا أسود بن عامر حدثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو روق الهمداني حدثنا أبو الغريف قال كنا في مقدمة الحسن بن علي اثني عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافا من الجد على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرطة فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ فلما قدم الحسن بن علي على الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن ليلى وقال ابن الفضيل سفيان بن الليل السلام عليك يا مذل المؤمنين قال فقال لا نقل ذاك يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك

سير أعلام النبلاء (3 / 272) :

القاسم بن الفضل الحداني: عن يوسف بن مازن، قال: عرض للحسن رجل، فقال: يا مسود وجوه المؤمنين!.

قال: لا تعذلني، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أريهم يثبون على منبره رجلا رجلا، فأنزل الله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) قال: ألف شهر يملكونه بعدي، يعني: بني أمية.

سمعه منه أبو سلمة التبوذكي وفيه انقطاع (2) .

وعن فضيل بن مرزوق، قال أتى مالك بن ضمرة الحسن (3) ، فقال: السلام عليك يا مسخم وجوه المؤمنين، فقال: لا تقل هذا، وذكر كلاما يعتذر به، رضي الله عنه.

وقال له آخر: يا مذل المؤمنين! فقال: لا، ولكن كرهت أن أقتلكم على الملك (4) .

^^^^^^

الاختصاص (24 / 1) :




سفيان بن ليلى الهمداني

حدثنا جعفر بن الحسين المؤمن وجماعة من مشايخنا، عن محمد بن الحسن بن أحمد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل من اصحاب الحسن عليه السلام يقال له: سفيان بن ليلى وهو على راحلة له فدخل على الحسن عليه السلام وهو محتب (2) في فناء داره فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال له الحسن: أنزل ولا تعجل، فنزل فعقل راحلته في الدار، ثم أقبل يمشي حتى انتهى إليه قال: فقال له الحسن عليه السلام: ما قلت؟ قال قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، قال وما علمك بذلك؟ قال: عمدت إلى أمر الامة فحللته من عنقك وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله، قال: فقال الحسن عليه السلام: ساخبرك لم فعلت ذلك سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لن تذهب الايام والليالي حتى يلي على امتي رجل واسع البلعوم رحب الصدر يأكل ولا يشبع وهو معاوية، فلذلك فعلت ما جاء بك، قال: حبك؟ قال: الله، قال: الله، قال: فقال الحسن عليه السلام: والله لا يحبنا عبد أبدا ولو كان أسيرا بالديلم إلا نفعه الله بحبنا وإن حبنا ليساقط الذنوب من ابن آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر (3) .

^^^^^^^

^^^^^^^^

بحار الأنوار - العلامة المجلسي - كامل (44 / 23، بترقيم الشاملة آليا) :

7 - كش: روي عن علي بن الحسن الطويل، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السلام يقال له: سفيان بن ليلى (1) وهو على راحلة له، فدخل على الحسن وهو ---

--------------

(1) اختلف في اسمه بين سفيان بن ليلى، وسفيان بن ابى ليلى، وسفيان بن ياليل وعلى أي عده بعض الرجاليين في حوارى الامام الحسن السبط، وبعضهم نظر في ذلك كابن داود قال: سفيان بن [ابي] ليلى الهمداني من أصحاب الحسن عليه السلام عنونه الكشى وقال: ممدوح من أصحابه عليه السلام، عاتب الحسن بقوله " يا مذل المؤمنين " واعتذر له بأنه قال ذلك محبة، وفيه نظر. أقول: روى المفيد في الاختصاص ص 61 والكشى ص 73، في حديث ضعيف عن ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام انه قال: ثم ينادى المنادى اين حوارى الحسن بن على؟ فيقوم سفيان بن أبى ليلى الهمداني وحذيفة بن اسيد الغفاري. ولكن قال في تذكرة الخواص: وفي رواية ابن عبد البر المالكى في كتاب الاستيعاب ان سفيان بن ياليل وقيل ابن ليلى وكنيته أبو عامر، ناداه يا مذل المؤمنين، وفى رواية هشام، ومسود وجوه المؤمنين، فقال له: ويحك ايها الخارجي لا تعنفى، فان الذى أحوجنى الى ما فعلت: قتلكم أبي، وطعنكم اياي، وانتهابكم متاعي: وانكم لما سرتم الى صفين كان دينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. -

بحار الأنوار - العلامة المجلسي - كامل (44 / 24، بترقيم الشاملة آليا) :

محتب (1) في فناء داره فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال له الحسن: انزل ولا تعجل، فنزل فعقل راحلته في الدار، وأقبل يمشي حتى انتهى إليه قال فقال له الحسن: ما قلت؟ قال: قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، قال وما علمك بذلك؟ قال: عمدت إلى أمر الامة، فخلعته من عنقك، وقلدته هذا الطاغية، يحكم بغير ما أنزل الله، قال: فقال له الحسن عليه السلام: سأخبرك لم فعلت ذلك. قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه واله: لن تذهب الأيام والليالي حتى يلي أمر هذه الامة رجل واسع البلعوم، رحب الصدر (2) يأكل ولا يشبع وهو معاوية، فلذلك فعلت. ما جاء بك؟ قال: حبك، قال: الله؟ قال: الله، فقال الحسن عليه السلام: والله لا يحبنا عبد أبدا ولو كان أسيرا في الديلم إلا نفعه حبنا، وإن حبنا ليساقط الذنوب من بني آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر. ختص: جعفر بن الحسين المؤمن وجماعة مشايخنا عن محمد بن الحسين بن --- ويحك أيها الخارجي! انى رأيت أهل الكوفة قوما لا يوثق بهم، وما اغتر بهم الا من ذل، ليس [راى] أحد منهم يوافق رأى الاخر، ولقد لقى أبي منهم امورا صبعة وشدائد مرة، وهى أسرع البلاد خرابا، وأهلها هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. وفى رواية: ان الخارجي لما قال له: يا مذل المؤمنين! قال: ما اذللتهم، ولكن كرهت أن أفنيهم واستأصل شافتهم لاجل الدنيا. والظاهر أن الرجل كان مع محبته لاهل البيت خصوصا الحسن السبط، على رأى الخوارج، ولذلك عنفه وعابه بمصالحته مع معاوية، فتحرر. (1) أي كان محتبيا: جمع بين ظهره وساقيه بيديه أو بازاره. (2) رحب الصدر: اي واسع الصدر، وانما يريد به معناه اللغوي، لا الكنائي الذي هو مدح، وسيجئ القصة عن ابن ابي الحديد نقلا عن مقاتل أبى الفرج، وفيه بدل " رحب الصدر ": " واسع السرم " والسرم: هو مخرج الثقل وهو طرف المعى المستقيم وهو المناسب المقابل لقوله " واسع البلعوم

^^^^^^^^

^^^^^^^^

مقاتل الطالبيين - الأصبهاني (ص: 18، بترقيم الشاملة آليا) :

فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، وعلي بن العباس المقانعي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن الحسن بن حكم، عن عدي بن ثابت، عن سفيان بن الليل. وحدثني محمد بن أحمد أبو عبيد، قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال: حدثنا محمد بن عمروية قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن الليل، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، وأكثر اللفظ أبي عبيد، قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية، فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: عليك السلام يا سفيان إنزل فنزلت، فعلقت راحلتي، ثم أتيته، فجلست إليه، فقال: كيف قلت يا سفيان بن الليل؟ فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين. فقال: ما جر هذا منك إلينا؟.

فقلت: أنت والله - بأبي أنت وأمي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة، وسلمت الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك. وقد جمع الله لك أمر الناس.

فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.

ثم أذن المؤذن، فقمنا على حالب يحلب ناقة، فتناول الإناء، فشرب قائماً ثم سقاني، فخرجنا نمشي إلى المسجد، فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟ قلت: حبكم، والذي بعث محمداً للهدى ودين الحق. قال: فأبشر يا سفيان، فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يرد علي الحوض أهلي بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين، يعني السبابتين. ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى، إحداهما تفضل على الأخرى، أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. هذا لفظ أبي عبيد.

وفي حديث محمد بن الحسين، وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفاً عن الحسن غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في ذكر معاوية فقط.

النهاية في غريب الحديث والأثر - ابن الأثير (2 / 917، بترقيم الشاملة آليا) :

{سرم} (س) في حديث على [لا يذهب أمر هذه الأمة إلا على رجل واسع السرم ضخم البلعوم] السرم: الدبر والبلعوم: الحلق يريد رجلا عظيما شديدا

^^^^^^^

المقاصد الحسنة (ص: 451) :

673 - حَدِيث: الْعَارُ خَيْرٌ مِنَ النَّارِ، قاله الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما حين قال له أصحابه، لما أذعن لمعاوية، خوفا من قتل من لعله يموت من المسلمين بين الفريقين، بحيث انطبق ذلك مع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابني هذا سيد، وسيصلح اللَّه به بين فئتين من المسلمين: يا عار المؤمنين، أخرجه أبو عمر ابن عبد البر في ترجمته من الاستيعاب، وفي لفظ عنده أيضا: أنه قيل له يا مذل المؤمنين، فقال: إني لم أذلهم، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك.

كشف الخفاء ومزيل الإلباس - العجلوني (2 / 52) :

1696 - العار خير من النار.

رواه ابن عبد البر في الاستيعاب من قول الحسن بن علي حين قال له أصحابه يا عار المؤمنين لما أذعن لمعاوية خوفا من قتل بعض المسلمين من الفريقين، وتصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم إبني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين.

وفي لفظ عنده أيضا قيل له يا مذل المؤمنين، فقال إني لم أذلهم، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك.

وقال القاري وأما قول بعض العامة

النار ولا العار فهو من كلام الكفار إلا أن يراد بها نار الدنيا على المبالغة، وإلا فقد ورد فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة - رواه الطبراني عن ابن عباس عن أخيه الفضل مرفوعا، بل هو في التنزيل: * (ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) *، انتهى.

وأقول لا يظهر حمله المذكور فتأمله.

[أي لا يظهر معنى استثناء القاري: العار ولا نار الدنيا. دار الحديث]

كنز العمال (11 / 465) :

31708 - {من مسند الحسن بن علي بن أبي طالب} عن سفيان قال: أتيت حسن بن علي بعد رجوعه من الكوفة إلى المدينة فقلت له يا مذل المؤمنين فكان مما احتج علي أن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب الأيام والليالي حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم (واسع السرم ضخم البلعوم: السرم: الدبر والبلعوم: الحلق يريد رجلا عظيما شديدا. النهاية (2 / 362) ب) ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع وهو معاوية فعلمت أن أمر الله واقع

(نعيم بن حماد في الفتن)

37514 - عن السرى بن إسماعيل عن الشعبي قال حدثني سفيان بن الليل قال: لما قدم الحسن بن علي المدينة من الكوفة أتيته فقلت له: يا مذل المؤمنين قال: لا تقل ذلك فإني سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل وهو معاوية والله ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بعدما سمعت هذا الحديث أن لا أكون رجعت في المدينة

سمويه ورواه نعيم بن حماد في الفتن (عق) بلفظ: والله ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وأنه يهراق في محجمة من دم - وزاد: قال وسمعت أبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه وكف يده فهو في الدرجة التي تلينا. قال (عق) : سفيان بن الليل كوفي ممن يغلو في الرفض لا يصح حديثه وقال في الميزان: تفرد بحديثه هذا السرى بن إسماعيل أحد الهلكى عن الشعبي وقال أبو الفتح الأزدي: سفيان بن الليل له حديث: لا تمضي الأمة حتى يليها رجل واسع البلعوم - وفي لفظ آخر: واسع السرم - يأكل ولا يشبع. قال: وسفيان مجهول والخبر منكر - انتهى

الإستيعاب في معرفة الأصحاب - ابن عبد البر (1 / 114، بترقيم الشاملة آليا) :

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمره عن ابن شوذب قال لما قتل علي سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق وسار معاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده قال فكان أصحاب الحسن يقولون له يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار.

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق بن معمر قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال حدثني عمرو إبن خالد مراراً قال حدثني زهير بن معاوية الجعفي قال حدثني أبو روق الهمداني أن أبا الغريف حدثهم قال كنا في مقدمة الحسن بن علي إثني عشر ألفاً بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الجد والحرص على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمر طه فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عامر سفيان بن ليلى فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال لا تقل يا أبا عامر فإني لم أذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك.

تاريخ بغداد (10 / 305) :

5454 - عبيد الله بن خليفة أبو الغريف الهمداني سمع علي بن أبي طالب وصفوان بن عسال روى عنه أبو روق عطية بن الحارث وعامر بن السمط وهو كوفي ورد مسكن في أصحاب الحسن بن علي بن أبي طالب الذين ساروا لقتال أهل الشام كذلك أخبرنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر حدثنا محمد بن احمد بن إبراهيم الحكيمي حدثنا عباس بن محمد حدثنا أسود بن عامر وأخبرنا بن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا العباس بن عبد العظيم حدثنا أسود بن عامر حدثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو روق الهزاني حدثنا أبو الغريف قال كنا مقدمة الحسن بن علي اثنى عشر الفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الجد على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرطي فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن ليلى وقال بن الفضل سفيان بن الليل السلام عليك يا مذل المؤمنين قال فقال لا تقل ذاك يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك واللفظ لحديث الحكيمي أخبرنا أبو حازم العبدوي قال سمعت محمد بن عبد الله الجوزقي يقول قرئ على مكي بن عبدان وأنا أسمع قيل له سمعت مسلم بن الحجاج يقول أبو الغريف عبيد الله بن خليفة الهمداني روى عنه أبو روق وعامر بن السمط

تهذيب الكمال - المزي (6 / 250) :

روق الهمداني، قال: حدثنا أبو الغريف (1) ، قال: كنا مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الحد على قتال أهل الشام وعلينا أبوالعمرطة، فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ، فلما قدم الحسن ابن علي الكوفة، قال له رجل منا يقال له: أبو عامر سفيان بن الليل: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لا تقل ذلك يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين، ولكن كرهت أن أقتلهم على الملك.

السيرة الحلبية (3 / 359) :

وغص منه شيعته حتى قال له بعضهم يا عار المؤمنين سودت وجوه المؤمنين فقال العار خير من النار وقال له بعضهم السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال له لا تقل ذلك كرهت أن أقتلكم في طلب الملك

ذخائر العقبى - محب الطبري (ص: 139) :

وروى أنه قال كان ناس من أصحاب الحسن يقولون له لما صالح معاوية يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار.

وعن أبى العريف قال كنا في مقدمة الحسن ابن على اثنى عشر ألفا مستميتين حرصا على قتال أهل الشام فلما جاء الحسن

الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عمر وسفيان بن أبى ليلى فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين قال لا تقل يا أبا عمرو فانى لم أذل المؤمنين ولكن كرهت أن أقتلهم في طلب الملك.

خرجه أبو عمر.

البداية والنهاية - ابن كثير (8 / 21) :

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: ثنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر، ثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكمي، ثنا عباس بن محمد، ثنا أسود بن عامر، ثنا زهير بن معاوية، ثنا أبو روق

الهمداني، ثنا أبو العريف قال: كنا في مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفا بمسكن (1) ، مستميتين من الجد على قتال أهل الشام، وعلينا أبو الغمر طه فلما جاءنا بصلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ، فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سعيد بن النتل (2) : السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال: لا تقل هذا يا عامر! لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك.

البداية والنهاية - ابن كثير (8 / 140) :

وقال نعيم بن حماد: حدثنا ابن فضيل عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي، حدثني سفيان بن الليل قال: قلت للحسن بن علي لما قدم من الكوفة إلى المدينة: يا مذل المؤمنين، قال: لا تقل ذلك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" لا تذهب الايام والليالي حتى يملك معاوية ".

فعلمت أن أمر الله واقع، فكرهت أن تهراق بيني وبينه دماء المسلمين.

شرح نهج البلاغة (16 / 44) :

واجتمع إلى الحسن عليه السلام وجوه الشيعة وأكابر أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام يلومونه، ويبكون إليه جزعا مما فعله (1) .

قال أبو الفرج: فحدثني محمد بن أحمد بن عبيد، قال: حدثنا الفضل بن الحسن البصري قال: حدثنا ابن عمرو، قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا السرى بن اسماعيل، عن الشعبى، عن سفيان بن أبى ليلى.

قال أبو الفرج: وحدثني به أيضا محمد بن الحسين الاشناندانى، وعلى بن العباس المقانعى (2) ، عن عباد بن يعقوب، عن عمرو بن ثابت، عن الحسن بن الحكم، عن عدى بن ثابت، عن سفيان بن أبى ليلى، قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية، فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، قال: وعليك السلام يا سفيان، ونزلت فعقلت راحلتي، ثم أتيته فجلست إليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟ قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين! فقال: لم جرى هذا منك إلينا؟ قلت: أنت والله بأبي وأمي أذللت رقابنا حيث أعطيت هذا الطاغية البيعة، وسلمت الامر إلى اللعين ابن آكلة الاكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك، فقد جمع الله عليك أمر الناس.

فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت عليا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " لا تذهب الليالي والايام حتى يجتمع أمر هذه الامة على رجل واسع السرم (3)

شرح نهج البلاغة (16 / 16) :

قال المدائني: ودخل عليه سفيان بن أبى ليلى النهدي، فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين! فقال الحسن: اجلس يرحمك الله، إن رسول الله صلى الله عليه وآله رفع له ملك بني أمية، فنظر إليهم يعلون منبره واحدا فواحدا، فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى في ذلك قرآنا قال له: (وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (1) .

وسمعت عليا أبي رحمه الله يقول: سيلي أمر هذه الامة رجل واسع البلعوم، كبير البطن، فسألته: من هو؟ فقال: معاوية.

وقال لي: إن القرآن قد نطق بملك بني أمية ومدتهم، قال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (2) ، قال أبى: هذه ملك بني أمية.

أنساب الأشراف - البلاذري (1 / 387، بترقيم الشاملة آليا) :

وقام سفيان بن ليل إلى الحسن فقال له: يا مذل المؤمنين، وعاتبه حجر ابن عدي الكندي وقال: سودت وجوه المؤمنين، فقال له الحسن: ما كل أحد يحب ما تحب، ولا رأيه كرأيك، وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم.

ويقال إنه قال له: سمعت أبي يقول: يلي هذا الأمر رجل واسع البلعوم كثير الطعم، وهو معاوية، ثم إن الحسن شخص إلى المدينة وشيعه معاوية إلى قنطرة الحيرة.

نقد الرجال - التفرشي (2 / 276) :

2296- سفيان بن أبي ليلى: الهمداني، من أصحاب الحسن عليه السلام، رجال الشيخ (9) .

وروى الكشي - بطريق ضعيف - إنه من حواري الحسن عليه السلام (1) . ثم قال الكشي: روي عن علي بن الحسن الطويل، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السلام يقال له: سفيان بن ليلى (2) ، وهو على راحلة له، فدخل على الحسن عليه السلام، فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال له الحسن عليه السلام: إنزل ولا تعجل، فنزل، فقال له الحسن عليه السلام: ما قلت؟ فقال: قلت يا مذل المؤمنين، قال: وما علمك بذلك؟ قال: عمدت الى أمر الامة فخلعته من عنقك وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله، قال: فقال الحسن عليه السلام: سأخبرك لم فعلت ذلك، قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لن تذهب الأيام والليالي حتى يلي أمر هذه (3) الأمة رجل واسع البلعوم رحب الصدر يأكل ولا يشبع، وهو معاوية، فلذلك فعلت، ما جاء بك؟ قال: حبك، قال: الله (4) ، فقال الحسن عليه السلام: والله لا يحبنا عبد أبدا ولو كان أسيرا في الديلم إلا نفعه الله بحبنا، وإن حبنا ليساقط الذنوب من بني آدم كما تساقط الريح الورق من الشجر (5) . 2297




سليمان بن صرد

الامامة والسياسة - تحقيق الشيري (1 / 185) :

إنكار سليمان بن صرد قال: وذكروا أنه لما تمت البيعة لمعاوية بالعراق، وانصرف راجعا إلى الشام، أتاه سليمان بن صرد، وكان غائبا عن الكوفة، وكان سيد أهل العراق ورأسهم. فدخل على الحسن، فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين (1) ، فقال الحسن: وعليك السلام، اجلس. لله أبوك، قال: فجلس سليمان، فقال: أما بعد،........ وأما قولك: يا مذل المؤمنين، فوالله لان تذلوا وتعافوا أحب إلي من أن تعزوا وتقتلوا، فإن رد الله علينا حقنا في عافية قبلنا، وسألنا الله العون على أمره، وإن صرفه عنا رضينا، وسألنا الله أن يبارك في صرفه عنا، فليكن كل رجل منكم حلسا من (1) أحلاس بيته، ما دام معاوية حيا

جمهرة خطب العرب (2 / 15) :

10 - خطبة سليمان بن صرد في استنكار الصلح

وذكروا أنه لما تمت البيعة لمعاوية بالعراق وانصرف راجعا إلى الشأم أتى سليمان ابن صرد وكان غائبا عن الكوفة وكان سيد أهل العراق ورأسهم فدخل على الحسن فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال وعليك السلام اجلس لله أبوك فجلس سليمان ثم قال أما بعد فإن تعجبنا لا ينقضي من بيعتك معاوية ومعك مائة ألف مقاتل من أهل العراق وكلهم يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم ومواليهم سوي شيعتك من أهل البصرة وأهل الحجاز ثم لم تأخذ لنفسك بقية فى العهد ولا حظا من القضية فلو كنت إذ فعلت ما فعلت وأعطاك ما أعطاك بينك وبينه من العهد والميثاق كنت كتبت عليك بذلك كتابا وأشهدت عليه شهودا من أهل المشرق والمغرب أن هذا الأمر لك من بعده كان الأمير علينا أيسر ولكنه أعطاك هذا فرضيت به من قوله ثم قال وزعم على رءوس الناس ما قد سمعت إني كنت شرطت لقوم شروطا ووعدتهم عدات ومنيتهم أمانى إرادة إطفاء نار الحرب ومداراة لهذه الفتنة إذ جمع الله لنا كلمتنا وألفتنا فإن كل ما هنالك تحت قدمي هاتين ووالله ما عنى بذلك إلا نقض ما بينك وبينه فأعد الحرب جذعة وأذن لى أشخص إلى الكوفة فأخرج عامله منها وأظهر فيها خلعه وانبذ إليه على سواء إن الله لا يهدى كيد الخائنين

ثم سكت فتكلم كل من حضر مجلسه بمثل مقالته وكلهم يقول ابعث سليمان ابن صرد وابعثنا معه ثم الحقنا إذا علمت أنا قد أشخصنا عامله وأظهرنا خلعه

11 - خطبة الحسن يرد على مستنكري الصلح

فتكلم الحسن فحمد الله ثم قال أما بعد فإنكم شيعتنا وأهل مودتنا ومن نعرفه بالنصيحة والاستقامة لنا وقد فهمت ما ذكرتم ولو كنت بالحزم فى أمر الدنيا وللدنيا أعمل وأنصب ما كان معاوية بأبأس منى وأشد شكيمة ولكان رأيى غير ما رأيتم لكنى أشهد الله وإياكم أنى لم أرد بما رأيتم إلا حقن دمائكم وإصلاح ذات بينكم فاتقوا الله وارضوا بقضاء الله وسلموا لأمر الله والزموا بيوتكم وكفوا أيديكم حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر مع أن أبى كان يحدثني أن معاوية سيلي الأمر فوالله لو سرنا إليه بالجبال والشجر ما شككت أنه سيظهر إن الله لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه وأما قولك يا مذل المؤمنين فوالله لأن تذلوا وتعافوا أحب إلى من أن تعزوا وتقتلوا فإن رد الله علينا حقنا فى عافية قبلنا وسألنا الله العون على أمره وإن صرفه عنا رضينا وسألنا الله أن يبارك فى صرفه عنا فليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته ما دام معاوية حيا فإن يهلك ونحن وأنتم أحياء سألنا الله العزيمة على رشدنا والمعونة على أمرنا وأن لا يكلنا إلى أنفسنا فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

بحار الأنوار - العلامة المجلسي - كامل (44 / 57، بترقيم الشاملة آليا) :

وقال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاغي للحسن بن علي عليهما السلام: ما ينقضي تعحبنا منك، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز فقال الحسن عليه السلام: قد كان ذلك، فما ترى الآن فقال: والله أرى أن ترجع لأنه نقض [العهد] ، فقال: يا مسيب إن الغدر لا خير فيه ولو اردت لما فعلت وقال حجر بن عدي: أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم، فانا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبوا. فلما خلا به الحسن عليه السلام قال: يا حجر قد سمعت كلامك، في مجلس معاوية وليس كل إنسان يحب ما تحب، ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم، والله تعالى كل يوم هو في شأن،




حجر بن عدي

شرح نهج البلاغة (16 / 15) :

فالتفت حجر بن عدي إلى الحسن، فقال: لوددت أنك كنت مت قبل هذا اليوم، ولم يكن ما كان، إنا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبوا.

فتغير وجه الحسن، وغمز الحسين عليه السلام حجرا، فسكت، فقال الحسن عليه السلام: يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك، وما فعلت إلا إبقاء عليك، والله كل يوم في شأن.

الهداية الكبرى- الحسين بن حمدان الخصيبي (ص: 177) :

حتى دخل عليه حجر بن عدي الطائي، فقال له يا أمير المؤمنين كيف يسعك ترك معاوية؟ فغضب الحسن (عليه السلام) غضبا شديدا، حتى احمرت عيناه ودارت اوداجه وسكبت دموعه وقال: ويحك يا حجر تسميني بأمرة المؤمنين وما جعلها الله لي ولا لأخي الحسين ولا لأحد ممن مضى ولا لأحد ممن يأتي إلا لأمير المؤمنين خاصة؟ أو ما سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قد قال لأبي يا علي ان الله سماك بأمير المؤمنين ولم يشرك معك في هذا الاسم احدا فما تسمى به غيره الا وهو مأفون في عقله، مأبون في عقبه، فانصرف عنه وهو يستغفر الله فمكث أياما ثم عاد إليه، فقال له السلام عليك يا مذل المؤمنين فضحك في وجهه وقال والله يا حجر هذه الكلمة لأسهل علي واسر الى قلبي من كلمتك الأولى فما شأنك؟ أتريد أن تقول ان خيل معاوية قد اشرفت على الأنبار وسوادها وأتى في مائة ألف رجل في هذين المصرين يريد البصرة والكوفة، فقال حجر يا مولاي ما أردت أن أقول الا ما ذكرته، فقال: والله يا حجر لو أني في ألف رجل لا والله الا مائتي رجل لا والله إلا في سبع نفر لما وسعني تركه، ولقد علمتم أن أمير المؤمنين دخل عليه ثقاته حين بايع أبا بكر فقالوا له مثلما قلتم لي فقال لهم مثلما قلت لكم فقام سلمان والمقداد وابو الذر وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وابو الهيثم مالك بن التيهان فقالوا: نحن لك شيعة ومن قال بنا شيعة لك مصدقون الله في طاعتك فقال لهم حسبي بكم قالوا وما تأمرنا قال إذا كان غدا

بحار الأنوار - العلامة المجلسي - كامل (44 / 57، بترقيم الشاملة آليا) :

وقال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاغي للحسن بن علي عليهما السلام: ما ينقضي تعحبنا منك، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز فقال الحسن عليه السلام: قد كان ذلك، فما ترى الآن فقال: والله أرى أن ترجع لأنه نقض [العهد] ، فقال: يا مسيب إن الغدر لا خير فيه ولو اردت لما فعلت وقال حجر بن عدي: أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم، فانا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبوا. فلما خلا به الحسن عليه السلام قال: يا حجر قد سمعت كلامك، في مجلس معاوية وليس كل إنسان يحب ما تحب، ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم، والله تعالى كل يوم هو في شأن،



****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Monday - 30/6/2025 - 8:27

ریشه یابی صلح امام مجتبی علیه السلام در روایات

علل الشرائع، ج‏1، ص: 210
159 باب العلة التي من أجلها صالح الحسن بن علي ص معاوية بن أبي سفيان و داهنه و لم يجاهده
1 أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله عن ابن فضال عن ثعلبة عن عمر بن أبي نصر عن سدير قال: قال أبو جعفر ع و معنا ابني يا سدير اذكر لنا أمرك الذي أنت عليه فإن كان فيه إغراق كففناك عنه و إن كان مقصرا أرشدناك قال فذهبت أن أتكلم فقال أبو جعفر ع أمسك حتى أكفيك أن العلم الذي وضع رسول الله ص عند علي ع من عرفه كان‏
 

علل الشرائع، ج‏1، ص: 211
مؤمنا و من جحده كان كافرا ثم كان من بعده الحسن ع قلت كيف يكون بذلك المنزلة و قد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية فقال اسكت فإنه أعلم بما صنع لو لا ما صنع لكان أمر عظيم.
2 حدثنا علي بن أحمد بن محمد رحمه الله قال حدثنا محمد بن موسى بن داود الدقاق قال حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا أبو العلاء الخفاف عن أبي سعيد عقيصا قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية و صالحته و قد علمت أن الحق لك دونه و أن معاوية ضال باغ فقال يا أبا سعيد أ لست حجة الله تعالى ذكره على خلقه و إماما عليهم بعد أبي ع قلت بلى قال أ لست الذي قال رسول الله ص لي و لأخي الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا قلت بلى- قال فأنا إذن إمام لو قمت و أنا إمام إذ لو قعدت يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله ص لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل و معاوية و أصحابه كفار بالتأويل يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا أ لا ترى الخضر ع لما خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار سخط موسى ع فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي هكذا أنا سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه و لو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.

[رساله محمد بن بحر شیبانی]
قال محمد بن علي مصنف هذا الكتاب قد ذكر محمد بن بحر الشيباني رضي الله عنه في كتابه المعروف بكتاب الفروق بين الأباطيل و الحقوق في معنى موادعة الحسن بن علي بن أبي طالب ع لمعاوية فذكر سؤال سائل عن تفسير حديث يوسف بن مازن الراشي في هذا المعنى و الجواب عنه و هو الذي‏
رواه أبو بكر محمد بن الحسن بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري قال حدثنا أبو طالب زيد
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 212
بن أحزم قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القاسم بن الفضل قال حدثنا يوسف بن مازن الراشي قال بايع الحسن بن علي ص معاوية على أن لا يسميه أمير المؤمنين و لا يقيم عنده شهادة و على أن لا يتعقب على شيعة علي شيئا و على أن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل و أولاد من قتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم و أن يجعل ذلك من خراج دارابجرد قال ما ألطف حيلة الحسن ص هذه في إسقاطه إياه عن إمرة المؤمنين قال يوسف فسمعت القاسم بن محيمة يقول ما وفى معاوية للحسن بن علي ص بشي‏ء عاهده عليه و إني قرأت كتاب الحسن ع إلى معاوية يعد عليه ذنوبه إليه و إلى شيعة علي ع فبدأ بذكر عبد الله بن يحيى الحضرمي و من قتلهم معه.
فنقول رحمك الله إن ما قال يوسف بن مازن من أمر الحسن ع و معاوية عند أهل التمييز و التحصيل تسمى المهادنة و المعاهدة أ لا ترى كيف يقول ما وفى معاوية للحسن بن علي ع بشي‏ء عاهده عليه و هادنه و لم يقل بشي‏ء بايعه عليه و المبايعة على ما يدعيه المدعون على الشرائط التي ذكرناها ثم لم يف بها لم يلزم الحسن ع و أشد ما هاهنا من الحجة على الخصوم معاهدته إياه أن لا يسميه أمير المؤمنين و الحسن ع عند نفسه لا محالة مؤمن فعاهده أن لا يكون عليه أميرا إذ الأمير هو الذي يأمر فيؤتمر له فاحتال الحسن ص لإسقاط الايتمار لمعاوية إذا أمره أمرا على نفسه و الأمير هو الذي أمره مأمور من فوقه فدل على أن عز و جل لم يؤمره عليه و لا رسوله ص أمره عليه‏
فقد قال النبي ص لا يلين مفاء على مفي‏ء.
يريد أن من حكمه هو حكم هوازن الذين صاروا فيئا للمهاجرين و الأنصار فهؤلاء طلقاء المهاجرين و الأنصار بحكم إسعافهم النبي ص فيئهم لموضع رضاعه و حكم قريش و أهل مكة حكم هوازن لمن أمره رسول الله ص عليهم فهو التأمير من الله جل جلاله و رسوله ص أو من الناس كما قالوا في غير معاوية إن الأمة اجتمعت فأمرت فلانا و فلانا و فلانا على‏
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 213
أنفسهم فهو أيضا تأمير غير أنه من الناس لا من الله و لا من رسوله و هو إن لم يكن تأميرا من الله و من رسوله و لا تأميرا من المؤمنين فيكون أميرهم بتأميرهم فهو تأمير منه بنفسه و الحسن ص مؤمن من المؤمنين فلم يؤمر معاوية على نفسه بشرط عليه أن لا يسميه أمير المؤمنين فلم يلزمه ذلك الايتمار له في شي‏ء أمره به و فرغ ص إذ خلص نفسه من الإيجاب عليها الايتمار له عن أن يتخذ على المؤمنين الذين هم على الحقيقة مؤمنون و هم الذين كتب في قلوبهم الإيمان و لأن هذه الطبقة لم يعتقدوا إمارته و وجوب طاعته على أنفسهم و لأن الحسن ع أمير البررة و قاتل الفجرة
كما قال النبي ص لعلي ع أمير المؤمنين علي أمير البررة و قاتل الفجرة.
فأوجب ص أنه ليس لبر من الأبرار أن يتأمر عليه و أن التأمير على أمير الأبرار ليس ببر هكذا يقتضي مراد رسول الله ص و لو لم يشترط الحسن بن علي ع على معاوية هذه الشروط و سماه أمير المؤمنين و قد
قال النبي ص قريش أئمة الناس أبرارها لأبرارها و فجارها لفجارها.
و كل من اعتقد من قريش أن معاوية إمامه بحقيقة الإمامة من الله عز و جل اعتقد الايتمار له وجوبا عليه فقد اعتقد وجوب اتخاذ مال الله دولا و عباده خولا و دينه دخلا و ترك أمر الله إياه إن كان مؤمنا فقد أمر الله عز و جل المؤمنين بالتعاون على البر و التقوى فقال و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان فإن كان اتخاذ مال الله دولا و عباده خولا و دين الله دخلا من البر و التقوى جاز على تأويلك من اتخذه إماما و أمره على نفسه كما ترون التأمير على العباد و من اعتقد أن قهر مال الله على ما يقهر عليه و قهر دين الله على ما يسأم و أهل دين الله على ما يسأمون هو بقهر من اتخذهم خولا و أن لله من قبله مديلا في تخليص المال من الدول و الدين من الدغل و العباد من الخول علم و سلم و أمن و اتقى أن البر مقهور في يد الفاجر و الأبرار مقهورون في أيدي الفجار بتعاونهم مع الفاجر على الإثم و العدوان المزجور عنه المأمور بضده‏
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 214
و خلافه و منافيه‏
و قد سئل سفيان الثوري عن العدوان ما هو فقال هو أن ينقل صدقة بانقيا إلى الحيرة فتفرق في أهل السهام بالحيرة و ببانقيا أهل السهام و أنا أقسم بالله قسما بارا أن حراسة سفيان و معاوية بن مرة و مالك بن معول و خيثمة بن عبد الرحمن خشبة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع بكناس الكوفة بأمر هشام بن عبد الملك من العدوان الذي زجر الله عز و جل عنه و أن حراسة من سميتهم بخشبة زيد رضوان الله عليه الداعية بنقل صدقة بانقيا إلى الحيرة.
فإن عذر عاذر من سميتهم بالعجز عن نصر البر الذي هو الإمام من قبل الله عز و جل الذي فرض طاعته على العباد على الفاجر الذي تأمر بإعانة الفجرة إياه قلنا لعمري إن العاجز معذور فيما عجز عنه و لكن ليس الجاهل بمعذور في ترك الطلب في ما فرض الله عز و جل عليه و إيجابه على نفسه فرض طاعته و طاعة رسوله و طاعة أولي الأمر و بأنه لا يجوز أن يكون سريرة ولاة الأمر بخلاف علانيتهم كما لم يجز أن يكون سريرة النبي الذي هو أصل ولاة الأمر و هم فرعه بخلاف علانيته و أن الله تعالى العالم بالسرائر و الضمائر و المطلع على ما في صدور العباد لم يكل علم ما لم يعلمه العباد إلى العباد جل و عز عن تكليف العباد ما ليس في وسعهم و طوقهم إذ ذاك ظلم من المكلف و عبث منه و أنه لا يجوز أن يجعل جل و تقدس اختيار من يستوي سريرته بعلانيته و من لا يجوز ارتكاب الكبائر الموبقة و الغصب و الظلم منه إلى من لا يعلم السرائر و الضمائر فلا يسع أحدا جهل هذه الأشياء و أن وسع العاجز بعجزه ترك ما يعجز عنه فإنه لا يسعه الجهل بالإمام البر الذي هو إمام الأبرار و العاجز بعجزه معذور و الجاهل غير معذور فلا يجوز أن لا يكون للأبرار إمام و إن كان مقهورا في قهر الفاجر و الفجار فمتى لم يكن للبر إمام بر قاهر أو مقهور فمات ميتة جاهلية إذا مات و ليس يعرف إمامه. فإن قلت فما تأويل عهد الحسن ع و شرطه على معاوية بأن لا يقيم عنده‏
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 215
شهادة لإيجاب الله عز و جل عليه إقامة شهادة بما علمه قبل شرطه على معاوية قيل إن لإقامة الشهادة من الشاهد شرائط و هي حدودها التي لا يجوز تعديها لأن من تعدى حدود الله عز و جل فقد ظلم نفسه و أوكد شرائطها إقامتها عند قاض فصل و حكم عدل ثم الثقة من الشاهد أن يقيمها عند من تجد شهادته حقا و يميت بها أثره و يزيل بها ظلما فإذا لم يكن من يشهد عنده سقط عنه فرض إقامة الشهادة و لم يكن معاوية عند الحسن ع أميرا أقامه الله تعالى و رسوله ص أو حاكما من ولاة الحكم فلو كان حاكما من قبل الله و قبل رسوله ثم علم الحسن ع أن الحكم هو الأمير و الأمير هو الحكم و قد شرط عليه الحسن ع أن لا يؤمر حين شرط ألا يسميه أمير المؤمنين فكيف يقيم الشهادة عند من أزال عنه الإمرة بشرط أن لا يسميه أمير المؤمنين و إذا أزال ذلك بالشرط أزال عنه الحكم لأن الأمير هو الحاكم و هو المقيم للحاكم و من ليس له تأمير و لا تحاكم يحكم فحكمه هذر و لا تقام الشهادة عند من حكمه هذر. فإن قلت فما تأويل عهد الحسن ع على معاوية و شرطه عليه ألا يتعقب على شيعة علي ع شيئا قيل إن الحسن ع علم أن القوم جوزوا لأنفسهم التأويل و سوغوا في تأويلهم إراقة ما أرادوا إراقته من الدماء و إن كان الله تعالى حقنه و حقن ما أرادوا حقنه و إن كان الله تعالى أراقه في حكمه فأراد الحسن ع أن يبين أن تأويل معاوية على شيعة علي ع بتعقبه عليهم ما يتعقبه زائل مضمحل فاسد كما إن أزال إمرته عنه و عن المؤمنين بشرط أن لا يسميه أمير المؤمنين و إن إمرته زالت عنه و عنهم و أفسد حكمه عليه و عليهم ثم سوغ الحسن ع بشرطه عليه أن لا يقيم عنده شهادة للمؤمنين القدوة منهم به في أن لا يقيموا عنده شهادة فيكون حينئذ داره دائرة و قدرته قائمة لغير الحسن و لغير المؤمنين و يكون داره كدار بخت‏نصر و هو بمنزلة دانيال فيها و كدار العزيز و هو كيوسف فيها.
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 216
فإن قال دانيال و يوسف ع كانا يحكمان لبخت نصر و العزيز قلنا لو أراد بخت‏نصر دانيال و العزيز يوسف أن يريقا بشهادة عثمان بن الوليد و عقبة بن أبي معيط و شهادة أبي بردة بن أبي موسى و شهادة عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس دم حجر بن عدي بن الأدبر و أصحابه رحمه الله عليهم و أن يحكما له بأن زيادا أخوه و أن دم حجر و أصحابه مراقة بشهادة من ذكرت لما جاز أن يحكما لبخت نصر و العزيز و الحكم بالعدل يرمى الحاكم به في قدرة عدل أو جائر و مؤمن أو كافر لا سيما إذا كان الحاكم مضطرا إلى أن يدين قدر الجائر الكافر و المبطل و المحق بحكمه. فإن قال و لم خص الحسن ع عد الذنوب إليه و إلى شيعة علي ع و قدم أمامها قتله عبد الله بن يحيى الحضرمي و أصحابه و قد قتل حجر و أصحابه و غيرهم قلنا لو قدم الحسن ع في عده على معاوية ذنوب حجر و أصحابه على عبد الله بن يحيى الحضرمي و أصحابه لكان سؤالك قائما فتقول لم قدم حجرا على عبد الله بن يحيى و أصحابه أهل الأخيار و الزهد في الدنيا و الإعراض عنها فأخبر معاوية بما كان عليه ابن يحيى و أصحابه من الحزق على أمير المؤمنين ع و شدة حبهم إياه و إفاضتهم في ذكره و فضله فجاءهم فضرب أعناقهم صبرا و من أنزل راهبا من صومعته فقتله بلا جناية منه إلى قاتله أعجب ممن يخرج قسا من ديره فيقتله لأن صاحب الدير أقرب إلى بسط اليد لتناول ما معه على التشريط من صاحب الصومعة الذي هو بين السماء و الأرض فتقديم الحسن ع العباد على العباد و الزهاد على الزهاد و مصابيح البلاد على مصابيح البلاد لا يتعجب منه بل يتعجب لو قدم في الذكر مقصرا على مخبت و مقتصدا على مجتهد. فإن قال ما تأويل اختيار مال دارابجرد على سائر الأموال لما اشترط أن يجعله لأولاد من قتل مع أبيه ص يوم الجمل و بصفين قيل لدارابجرد خطب في شأن الحسن بخلاف جميع فارس و قلنا إن المال مالان الفي‏ء
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 217
الذي ادعوا أنه موقوف على المصالح الداعية إلى قوام الملة و عمارتها من تجييش الجيوش للدفع عن البيضة و لأرزاق الأسارى و مال الصدقة الذي خص به أهل السهام و قد جرى في فتوح الأرضين بفارس و الأهواز و غيرهما من البلدان مما فتح منها صلحا و ما فتح منها عنوة و ما أسلم أهلها عليها هنات هنات و أسباب و أسباب بإيجاب الشرائط الدالة لها
و قد كتب ابن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن زيد بن الخطاب و هو عامله على العراق أيدك الله هاش في السواد ما يركبون فيه البراذين و يتختمون بالذهب و يلبسون الطيالسة و خذ فضل ذلك فضعه في بيت المال.
و كتب ابن الزبير إلى عامله جنبوا بيت مال المسلمين ما يؤخذ على المناظر و القناطر فإنه سحت فقصر المال عما كان فكتب إليهم ما للمال قد قصر فكتبوا إليه أن أمير المؤمنين نهانا عما يؤخذ على المناظر و القناطر فلذلك قصر المال فكتب إليهم عودوا إلى ما كنتم عليه.
هذا بعد قوله إنه سحت و لا بد أن يكون أولاد من قتل من أصحاب علي ص بالجمل و بصفين من أهل الفي‏ء و مال المصلحة و من أهل الصدقة و السهام و قد
قال رسول الله ص في الصدقة أمرت أن آخذها من أغنيائكم و أردها في فقرائكم.
بالكاف و الميم ضمير من وجبت عليهم في أموالهم الصدقة و من وجبت لهم الصدقة فخاف الحسن ع أن كثيرا منهم لا يرى لنفسه أخذ الصدقة من كثير منهم و لا أكل صدقة كثير منهم إذا كانت غسالة ذنوبهم و لم يكن للحسن ع في مال الصدقة سهم‏
: روى ابن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أن رسول الله قال: في كل أربعين من الإبل ابنة لبون و لا تفرق إبل عن حسابها من أتانا بها مؤتجرا فله أجرها و من منعناها أخذناها منه و شطر إبله عزمة من عزمات ربنا ليس لمحمد و آل محمد فيها شي‏ء و في كل غنيمة خمس أهل الخمس بكتاب الله عز و جل و إن منعوا.
فخص الحسن ع ما لعله كان عنده أعف و أنظف من مال أردشير خره لأنها حوصرت سبع سنين حتى اتخذ المحاصرون لها في مدة حصارهم إياها مصانع و عمارات ثم ميزوها من‏
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 218
جملة ما فتحوها بنوع من الحكم و بين الإصطخر الأول و الإصطخر الثاني هنات علمها الرباني الذي هو الحسن ع فاختار لهم أنظف ما عرف‏
: فقد روي عن النبي ص أنه قال: في تفسير قوله تعالى و قفوهم إنهم مسؤلون إنه لا يجاوز قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن شبابه فيما أبلاه و عن عمره فيما أفناه و عن ماله من أين جمعه و فيما أنفقه و عن حبنا أهل البيت.
و كان الحسن و الحسين ابنا علي ع يأخذان من معاوية الأموال فلا ينفقان من ذلك على أنفسهما و على عيالهما ما تحمله الدابة بفيئها.
قال شيبة بن نعامة كان علي بن الحسين ع ينحل فلما مات نظروا فإذا هو يعول في المدينة أربع مائة بيت من حيث لم يقف الناس عليه.
فإن قال فإن هذا
محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري قال حدثنا أبو بشر الواسطي قال حدثنا خالد بن داود عن عامر قال بايع الحسن بن علي ع معاوية على أن يسالم من سالم و يحارب من حارب و لم يبايعه على أنه أمير المؤمنين.
قلنا هذا حديث ينقض آخره أوله و إنه لم يؤمره و إذا لم يؤمره لم يلزمه الايتمار له إذا أمره و قد رويناه من غير وجه ما ينقض قوله يسالم من سالم و يحارب من حارب فلم نعلم فرقة من الأمة أشد على معاوية من الخوارج‏
و خرج على معاوية بالكوفة جويرية بن ذارع أو ابن وداع أو غيره من الخوارج فقال معاوية للحسن اخرج إليهم و قاتلهم فقال يأبى الله لي بذلك قال فلم أ ليس هم أعداؤك و أعدائي قال نعم يا معاوية و لكن ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فوجده فسكت معاوية.
و لو كان ما رواه أنه بايع على أن يسالم من سالم و يحارب من حارب لكان معاوية لا يسكت على ما حجه به الحسن ع و لأنه يقول له قد بايعتني على أن تحارب على من حاربت كائنا من كان و تسالم من سالمت كائنا من كان و إذا قال عامر في حديثه و لم يبايعه على أنه أمير المؤمنين قد ناقض لأن الأمير هو الآمر و الزاجر و المأمور هو المؤتمر و المنزجر فأبى تصرف الأمر فقد أزال الحسن ع في موادعته معاوية الايتمار له فقد خرج من تحت أمره حين شرط أن لا يسميه‏
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 219
أمير المؤمنين و لو انتبه معاوية بحيلة الحسن ع بما احتال عليه لقال له يا أبا محمد أنت مؤمن و أنا أمير فإذا لم أكن أميرك لم أكن للمؤمنين أيضا أميرا و هذا حيلة منك تزيل أمري عنك و تدفع حكمي لك و عليك فلو كان قوله يحارب من حارب مطلقا و لم يكن شرطه إن قاتلك من هو شر منك قاتلته و إن قاتلك من هو خير منك في الشر و أنت أقرب منه إليه لم أقاتله و لأن شرط الله على الحسن ع و على جميع عباده التعاون على البر و التقوى و ترك التعاون على الإثم و العدوان و أن قتال من طلب الحق فأخطأه مع من طلب الباطل فوجده تعاون على الإثم و العدوان و المبايع غير المبايع و المؤازر غير المؤازر. فإن قال هذا حديث أنس بن سيرين‏
يرويه محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا بشار قال حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن أنس بن سيرين قال حدثنا الحسن بن علي ع يوم كلم فقال: ما بين جابرسا و جابلقا رجل جده نبي غيري و غير أخي و إني رأيت أن أصلح بين أمة محمد و كنت أحقهم بذلك فإنا بايعنا معاوية و لعله فتنة لكم و متاع إلى حين.
قلنا أ لا ترى إلى قول أنس كيف يقول يوم كلم الحسن و لم يقل يوم بايع إذ لم يكن عنده بيعة حقيقة و إنما كانت مهادنة كما يكون بين أولياء الله و أعدائه لا مبايعة تكون بين أوليائه و أوليائه فرأى الحسن ع رفع السيف مع العجز بينه و بين معاوية كما رأى رسول الله‏ص رفع السيف بينه و بين أبي سفيان و سهل بن عمرو و لو لم يكن رسول الله مضطرا إلى تلك المصلحة و الموادعة لما فعل فإن قال قد ضرب رسول الله ص بينه و بين سهل و أبي سفيان مدة و لم يجعل الحسن بينه و بين معاوية مدة قلنا بل ضرب الحسن ع أيضا بينه و بين معاوية مدة و إن جهلناها و لم نعلمها و هي ارتفاع الفتنة و انتهاء مدتها و هو متاع إلى حين. فإن قال‏
فإن الحسن قال لجبير بن نفير حين قال له إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة فقال قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت و يسالمون‏
                       

علل الشرائع، ج‏1، ص: 220
من سالمت تركتها ابتغاء وجه الله و حقن دماء أمة محمد ثم أثيرها يا تياس أهل الحجاز.
قلنا إن جبيرا كان دسيسا إلى الحسن ع دسه معاوية إليه يختبره هل في نفسه الإثارة و كان جبير يعلم أن الموادعة التي وادع و لم يطعن يمانيان برمح و لا يضرب يمانيان بسيف و أومى بقوله إلى أصحابه أبناء الطمع و كان في تلك الجماجم شبث بن ربعي تابع كل ناعق و مثير كل فتنة و عمرو بن حريث الذي ظهر على علي ص و بايع ضبة احتوشها مع الأشعث و المنذر بن الجارود الطاغي الباغي و صدق الحسن ص أنه كان بيده هذه الجماجم يحاربون من حارب و لكن محاربة منهم للطمع و يسالمون من سالم لذلك و كان من حارب لله تعالى و ابتغى القربة إليه و الحظوة منه قليلا ليس فيهم عدد يتكافى أهل الحرب لله و النزاع لأولياء الله و استمداد كل مدد و كل عدد و كل شدة على حجج الله تعالى‏




الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج‏2، ص: 288
احتجاجه ع على من أنكر عليه مصالحة معاوية و نسبه إلى التقصير في طلب حقه‏
عن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب ع على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها أهلا و كذب معاوية
                       

الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج‏2، ص: 289
أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله و على لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني و أطاعوني و نصروني لأعطتهم السماء قطرها و الأرض بركتها- و لما طمعتم فيها يا معاوية و لقد قال رسول الله ص ما ولت أمة أمرها رجلا قط و فيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل و قد ترك بنو إسرائيل هارون و اعتكفوا على العجل و هم يعلمون أن هارون خليفة موسى و قد تركت الأمة عليا ع و قد سمعوا رسول الله ص يقول لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي و قد هرب رسول الله ص من قومه و هو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى الغار و لو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم و لو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية- و قد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه و لم يجد عليهم أعوانا و قد جعل الله النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم كذلك أنا و أبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة و بايعت غيرنا و لم نجد أعوانا و إنما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق و المغرب لم تجدوا رجلا من ولد النبي غيري و غير أخي.
و عن حنان بن سدير «1» عن أبيه سدير «2» عن أبيه «3» عن أبي سعيد عقيصا «4» قال: لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته- فقال ع ويحكم ما تدرون ما عملت و الله للذي عملت لشيعتي خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت أ لا تعلمون أني إمامكم و مفترض الطاعة عليكم و أحد سيدي شباب أهل الجنة بنص‏
__________________________________________________
 (1) ذكره النجاشي في رجاله ص 112 فقال: «حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب أبو الفضل الصيرفي الكوفي- روى عن أبي عبد الله و أبي الحسن عليهما السلام له كتاب في صفة الجنة و النار» و عده الشيخ في أصحاب الكاظم عليه السلام في رجاله ص 346 و قال: «حنان بن سدير الصيرفي واقفي» و في الفهرست قال: «له كتاب. و هو ثقة رحمه الله، و في رجال الكشي ص 465: «حنان بن سدير واقفي، أدرك أبا عبد الله و لم يدرك أبا جعفر، و كان يرتضي به سديدا».
 (2) ذكره العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 85 و الشيخ في رجاله ص 91 و عده من أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام و ص 125 من أصحاب الباقر «ع» و ص 209 من أصحاب الصادق عليه السلام و قال: «سدير بن حكيم كوفي يكنى أبا الفضل والد حنان» و ذكر الكشي ص 183 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر عنده سدير فقال: «سدير عصيدة بكل لون».
 (3) عده الشيخ في رجاله ص 88 من أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام.
 (4) ذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته ص 193 في أولياء علي «ع» فقال: «و أبو سعيد عقيصان- بفتح العين المهملة، و القاف قبل الياء المنقطة تحتها نقطتين، و الصاد المهملة و النون بعد الألف- من بني تيم الله بن ثعلبة. و ذكره الشيخ في رجاله ص 40 فعده من أصحاب علي «ع» و قال: «دينار يكنى أبا سعيد، و لقبه عقيصا، و إنما لقب بذلك لشعر قاله، و ذكره أيضا ص 96 أصحاب الحسين «ع».
                       

الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج‏2، ص: 290
من رسول الله علي؟ قالوا بلى قال أ ما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة و أقام الجدار و قتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران ع إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك و كان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة و صوابا؟ أ ما علمتم أنه ما منا أحد إلا يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم عج الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم ع فإن الله عز و جل يخفي ولادته و يغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ذلك ليعلم أن الله على كل شي‏ء قدير*.
عن زيد بن وهب الجهني «1» قال: لما طعن الحسن بن علي ع بالمدائن أتيته و هو متوجع فقلت ما ترى يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون؟ فقال أرى و الله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي و انتهبوا ثقلي و أخذوا مالي و الله لئن آخذ من معاوية عهدا- أحقن به دمي و أومن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي و أهلي و الله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما و الله لئن أسالمه و أنا عزيز خير من أن يقتلني و أنا أسير أو يمن علي فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر و لمعاوية لا يزال يمن بها و عقبه على الحي منا و الميت قال قلت تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟ قال و ما أصنع يا أخا جهينة-؟ إني و الله أعلم بأمر قد أدى به إلي ثقاته أن أمير المؤمنين ع قال لي ذات يوم و قد رآني فرحا يا حسن أ تفرح كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟ كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية و أميرها الرحب البلعوم الواسع الأعفاج «2» يأكل و لا يشبع- يموت و ليس له في السماء ناصر و لا في الأرض عاذر ثم يستولي على غربها و شرقها يدين له العباد و يطول ملكه يستن بسنن أهل البدع و الضلال و يميت الحق و سنة رسول الله ص يقسم المال في أهل ولايته و يمنعه من هو أحق به و يذل في ملكه المؤمن و يقوى في سلطانه الفاسق و يجعل المال بين أنصاره دولا و يتخذ عباد الله خولا-
__________________________________________________
 (1) ذكره العلامة «ره» في أولياء علي عليه السلام في القسم الأول من خلاصته ص 194 و الشيخ في رجاله ص 42 في أصحاب علي «ع» و في الفهرست ص 97 فقال: «زيد بن وهب له كتاب: خطب أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر في الجمع و الأعياد و غيرها» و في أسد الغابة ص 243/ 2 إنه كان في جيش علي «ع» حين مسيره إلى النهروان و قال ابن عبد البر في هامش الإصابة ص 24 ج 1: إنه ثقة، توفي سنة (96).
 (2) أي: واسع الكرش و الأمعاء.
                       

الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج‏2، ص: 291
يدرس في سلطانه الحق و يظهر الباطل و يقتل من ناواه على الحق و يدين من والاه على الباطل فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان و كلب من الدهر «1» و جهل من الناس يؤيده الله بملائكته و يعصم أنصاره و ينصره بآياته و يظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعا و كرها يملأ الأرض قسطا و عدلا و نورا و برهانا يدين له عرض البلاد و طولها لا يبقى كافر إلا آمن به و لا طالح إلا صلح و تصطلح في ملكه السباع و تخرج الأرض نبتها و تنزل السماء بركتها و تظهر له الكنوز يملك ما بين الخافقين أربعين عاما؟ فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه.
و عن الأعمش «2» عن سالم بن أبي الجعد «3» قال: حدثني رجل منا قال: أتيت الحسن بن علي ع فقلت يا ابن رسول الله أذللت رقابنا و جعلتنا معشر الشيعة عبيدا ما بقي معك رجل؟ قال و مم ذاك؟ قال قلت بتسليمك الأمر لهذا الطاغية قال و الله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا و لو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي و نهاري حتى يحكم الله بيني و بينه و لكني عرفت أهل الكوفة و بلوتهم و لا يصلح لي منهم من كان فاسدا إنهم لا وفاء لهم و لا ذمة في قول و لا فعل إنهم لمختلفون و يقولون لنا إن قلوبهم معنا و إن سيوفهم لمشهورة علينا قال و هو يكلمني إذ تنخع الدم فدعا بطست فحمل من بين يديه ملي‏ء مما خرج من جوفه من الدم فقلت له ما هذا يا ابن رسول الله ص؟ إني لأراك وجعا قال أجل دس إلي هذا الطاغية من سقاني سما فقد وقع على كبدي و هو يخرج قطعا كما ترى- قلت أ فلا تتداوى؟ قال قد سقاني مرتين و هذه الثالثة لا أجد لها دواء و لقد رقي إلي أنه كتب إلى ملك‏
__________________________________________________
 (1) الكلب: شبيه بالجنون.
 (2) الأعمش: أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي، مولاهم الكوفي، معروف بالفضل و الثقة و الجلالة و التشيع و الاستقامة، و العامة أيضا يثنون عليه، مطبقون على فضله و ثقته، مقرون بجلالته، مع اعترافهم بتشيعه، و قرنوه بالزهري، و نقلوا منه نوادر كثيرة، بل صنف ابن طولون الشامي كتابا في نوادره سماه: «الزهر الأنعش في نوادر الأعمش» مات سنة (148).
راجع الكني و الألقاب ج 2 ص 39 رجال الشيخ ص 206.
 (3) عده الشيخ ص 43 من رجاله في أصحاب علي عليه السلام و ص 91 في- أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام فقال: «سالم بن أبي الجعد الأشجعي مولاهم الكوفي يكنى أبا أسماء» و ذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته ص 193 في أولياء علي عليه السلام.
                       

الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج‏2، ص: 292
الروم يسأله أن يوجه إليه من السم القتال شربة فكتب إليه ملك الروم أنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا فكتب إليه أن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة و قد خرج يطلب ملك أبيه و أنا أريد أن أدس إليه من يسقيه ذلك فأريح العباد و البلاد منه و وجه إليه بهدايا و ألطاف فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس فيها فسقيتها و اشترط عليه في ذلك شروطا.
و روي: أن معاوية دفع السم إلى امرأة الحسن بن علي ع جعدة بنت الأشعث فقال لها اسقيه فإذا مات هو زوجتك ابني يزيد فلما سقته السم و مات ع جاءت الملعونة إلى معاوية الملعون فقالت زوجني يزيد فقال اذهبي فإن امرأة لم تصلح للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد.




الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج‏1، ص: 196
العلة التي من أجلها صالح الحسن ع معاوية
و أما الحسن ع فقد جرى عليه من خذلانه بعد قتل أبيه علي بن أبي طالب ع حتى اضطر إلى صلح معاوية ثم بعد ذلك يتفق له من يلومه على صلح معاوية و يقال عن بعض جهالهم و سفهائهم أنه يقول إن الحسن ع باع الخلافة.
و الجواب عن صلحه ع لمعاوية من وجوه أحدها أنه ما أجاب هو به‏
كما رواه عنه أبو سعيد عقيصا قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب ع يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية و صالحته و قد علمت أن الحق لك دونه و أن معاوية ضال باغ فقال يا أبا سعيد أ لست حجة الله على خلقه و إماما عليهم بعد أبي ع قلت بلى قال أ لست الذي قال رسول الله ص لي و لأخي هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا قلت بلى قال فأنا إذن إمام لو قمت و أنا إمام لو قعدت يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله ص لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل و معاوية و أصحابه كفار بالتأويل يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى لم يجز أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا أ لا ترى الخضر ع لما خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار سخط موسى ع فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي هكذا أنا سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة و لو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل «1».
__________________________________________________
 (1) رواه الصدوق في علل الشرائع: 1/ 211 ط نجف.
                       

الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج‏1، ص: 197
و لعل بعض من يقف على هذا الحديث يقول فيكون الذين عابوا على الحسن معذورين كما كان موسى معذورا.
و الجواب أن الخضر ع ما عذر لموسى ع فيما وقع منه و لذلك فارقه فلا عذر لمن عاب على الحسن ع أو أنه عذره و لكن ليس رعية الحسن كموسى مع الخضر و لا الحسن مكلفا باتباع الخضر في قبوله لعذر موسى.
و من الجواب أن موسى ما كان رعية للخضر يجب عليه طاعته و إنما كان رفيقا و صاحبا موافقا و كان موسى نبيا و الخضر غير نبي فكان للخضر أن يعمل بعلمه بباطن الحال و كان لموسى ع أن ينكر لأن الذي وقع في الظاهر كالمنكر فكانا معذورين فلعل موسى ما كان يعلم أن الخضر معصوم أيضا و أما رعية الحسن فلا عذر لهم في العيب عليه و سوء الظن به لأنهم مكلفون باتباعه إن صالح و إن حارب و متى عابوا عليه أو خالفوه كان حكمهم حكم من خالف إمام عدل و لو لم يكن للحسن من العذر في صلح معاوية إلا أن أكثر أصحابه كانوا بهذه الصفة في صحبته غير متفقين معه على سداد رأيه فكيف كان يحصل من هؤلاء نصرة على أعدائه.
و من الجواب أن رجال الأربعة المذاهب رووا بإطباقهم و اتفاقهم أن نبيهم ذكر أن الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة فكيف يقع من أحد سيدي شباب أهل الجنة ما يعاب به و في الجنة من الشباب مثل عيسى ابن مريم و يحيى بن زكريا ع و غيرهما مما لا يعاب من الأولياء.
و من الجواب أنه لا يصح العيب على الحسن إلا بعد عيب النبي ص الذي أثنى عليه و لا يصح عيب النبي إلا بعد عيب الله الذي قال و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى «1».
__________________________________________________
 (1) النجم: 4.
                       

الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج‏1، ص: 198
و من الجواب أنهم رووا في آية الطهارة أن الله قد طهره من الرجس و لو كان معيبا ما كان مطهرا و الله الذي شهد له بالطهارة كان عالما أنه سوف يصالح معاوية لأن صفات الحسن و أفعاله باطنها و ظاهرها و أولها و آخرها كانت بالنسبة إلى علم الله كلها جميعها حاضرة فإذا حكم له بطهارة اقتضى ذلك طهارة الحسن باطنا و ظاهرا و أولا و آخرا و حاضرا و مستقبلا.
و من الجواب أنهم رووا في عدة من الروايات المتقدمة عدة مدائح له غير ما ذكرناه يدل على أنه من الكمال في الفعال و المقال إلى غاية لا يتطرق عليها نقصان في بيان و لا جنان و لا لسان- و من الجواب أنهم اتفقوا أن نبيهم محمدا ص الذي هو القدوة صالح بني قريظة و بني النضير «1» و هم كفار فلا عيب في صلح من يظهر الإسلام.
و من الجواب أنهم اتفقوا على أن النبي ص صالح اليهود و النصارى و أخذ الجزية منهم و أقرهم على الكفر و الضلال و لعنه و لعن المسلمين و عداوة الدين فلولده الحسن أسوة به في صلح معاوية كما تضمن كتابهم لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة «2». و من الجواب ما ذكره ابن دريد في كتاب المجتنى من خطبة لمولانا الحسن ع في عذره لصلحه معاوية فقال ما هذا لفظه في الكتاب المذكور
قام الحسن ع بعد أمير المؤمنين ع فقال بعد حمد الله تعالى إنا ما بنا لأهل الإسلام شك و لا ندم و إنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة و الصبر فشتت السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع و كنتم في مبدئكم إلى الصفين دينكم أمام دنياكم و قد أصبحتم اليوم دنياكم أمام دينكم ألا و إنا كنا لكم و لستم لنا
__________________________________________________
 (1) راجع تاريخ الطبري: 3/ 38 و 54.
 (2) الأحزاب: 21.
 

الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج‏1، ص: 199
ثم أصبحتم بين قبيلتين [قتيلين‏] قتيل بصفين يبكون له و قتيل بالنهروان يطلبون بثاره و أما الباكي فخاذل و أما الثائر فباغ و إن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز و لا نصفة فإذا أردتم الموت رددناه عليه و حكمنا إلى الله تعالى و إن أردتم الحياة قبلنا و أخذنا لكم الرضا فناداه القوم التقية التقية.
و من الجواب أنهم أجمعوا أيضا أن نبيهم ص صالح سهل بن عمر و كفار قريش و لما كتب الصلح لم يوافقوا حتى محي اسمه من ذكر الرسالة و هذا أبلغ من صلح الحسن ع لمعاوية و قد تقدم هذا في الحديث المروي عنه.
و من الجواب أنهم رووا في كتبهم الصحاح عندهم‏
و رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكرة بقيع بن الحرث قال: رأيت رسول الله ص على المنبر و الحسن بن علي ع إلى جنبه و هو يقبل على الناس مرة و عليه مرة أخرى و يقول إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
هذا لفظ الحديث المذكور «1».
و قد تضمن أن نبيهم محمدا ص قال ما يدل على أنه أسند صلح الحسن إلى الله تعالى فإذا كان الله تعالى سبحانه هو الذي أصلح بين هاتين الفئتين على يد الحسن فكل من أعاب الحسن فإنما يعيب على الله تعالى.
ثم إن الحديث قد ورد مورد المدح للحسن ع على ذلك و لهذا ابتدأه نبيهم بقوله ابني و قوله إنه سيد و غير ذلك مما يقتضيه معنى الحديث‏
__________________________________________________
 (1) رواه البخارى في صحيحه في كتاب الصلح بعينه 3/ 170، و السنائى في صحيحه 1/ 208، و أبو داود السجستاني في صحيحه: 29/ 173، و الترمذي في صحيحه: 2/ 306 و أحمد في مسنده: 5/ 44، و ذخائر العقبى: 125، و المغازلي في المناقب: 372، و أحمد في كتاب الفضائل في ترجمة الحسين: 11 ط ايران.
 

الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج‏1، ص: 200
المذكور فأي عيب على الحسن في شي‏ء من الأمور.
و من الجواب أنهم يعيبون على الشيعة و يقولون إنهم يذمون بعض السلف فكيف استعظموا ذم بعض السلف و الحسن ع عندهم من الصحابة أو جاز ذم من قدمه نبيهم على من ذكروه من السلف في آية المباهلة و آية الطهارة و جميع ما تقدم من رواياتهم الدالة على تقديمه عليهم.
و من الجواب أن الله تعالى لما باهل به كان عالما أنه يصالح معاوية فلو كان ممن يعاب ما باهل به و بجماعته و ترك غيرهم من الشيوخ و الشباب كما تقدم تمامه في آية الطهارة.
و من الجواب أنه إن كان قد باع الخلافة كما تجاهل به بعض سفهائهم و له هذه المنزلة القريبة من الله و رسوله كما قد رووه فقد أوجبوا البيع للخلافات و صار بيعها أفضل من القيام بها و هذا خلاف المعقولات و المنقولات.
و من الجواب أن الخلافة لا يصح عليها بيع لأنها اختيار من الله تعالى لبعض العباد و أنه نائبه في عباده و بلاده كما تقدم الدلالة عليه و تلك الولاية لا يصح الخروج عنها سواء كان الخليفة مطاعا أو وحيدا و لو كان الله يعلم أنه ممن يبيع خلافته ما استخلفه كما تقتضيه حكمته.
و من الجواب أن معاوية كان قد استغوى أهل الدنيا بالدنيا و لا ريب أن طالبي الدنيا أضعاف طالبي الآخرة و لذلك رووا جميعا
أن نبيهم قال: يفترق أمتي ثلاث [ثلاثا] و سبعين فرقة.
فكيف يقوم فرقة واحدة بجهاد اثنتين و سبعين فرقة. و من الجواب أن معاوية أخذ هذا الأمر صلحا و بأيمان مغلظة أن لا يؤذي أحدا من أهل البيت و شيعتهم و فعل ما فعل من قتل شيعة علي ع و لعنه على المنابر فلو أخذه قهرا كيف كان يكون الحال.
و من الجواب أن معاوية لو أخذه قهرا و قتل كافة أهل البيت و شيعتهم بطل‏
 

الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج‏1، ص: 201
حكم الإسلام لما تقدم من رواياتهم و الدلالة عليهم و لما كان صلحا بقي منهم من يقوم به الحجة على العباد و البلاد.
و من الجواب أن قتل الحسين ع كان آية و حجة في عذر الحسن ع في صلح معاوية و بيانا لذلك.
فهذه جملة ما قالوه و فعلوه بالحسن ع و جملة من الجواب عنه.




التشريف بالمنن في التعريف بالفتن، ص: 72
الباب 14 فيما احتج به الحسن بن علي عليهما السلام في صالح معاوية عند فتنته من كتاب الفتن لنعيم بن حماد.
15- قال: حدثنا ابن فضيل عن السري بن إسماعيل عن الشعبي عن سفيان بن الليل، قال: أتيت حسن بن علي بعد رجوعه من الكوفة إلى المدينة، فقلت له: يا مذل المؤمنين، فكان مما احتج علي أن قال:
 «سمعت عليا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:
لا تذهب الليالي و الأيام حتى يجتمع أمر هذه الامة على رجل واسع السرم «4»
__________________________________________________
 (1) أي: يتمرغ في التراب. و المعك: الدلك. النهاية- لابن الأثير- 4: 343.
 (2) الفتن 1: 71- 72/ 141- 144 و 146- 148.
 (3) الفتن 1: 72- 73/ 149 و 150.
 (4) السرم: الدبر. النهاية- لابن الأثير- 2: 362.
                       

التشريف بالمنن في التعريف بالفتن، ص: 73
ضخم البلعم «1» يأكل و لا يشبع و هو معاوية، فعلمت أن أمر الله واقع، و خفت أن تجري بيني و بينه الدماء، و الله ما يسرني [بعد إذ سمعت هذا الحديث أن لي الدنيا و ما طلعت عليه الشمس و القمر] «2» و إني لقيت الله تعالى بمحجمة دم امرئ مسلم» «3».
و روى نعيم حديث اجتماع الامة على معاوية من ثلاث طرق عن النبي صلى الله عليه و آله «4».
أقول: فإن قال قائل: فقد علم مولانا علي عليه السلام ما علمه الحسن عليه السلام، فلأي شي‏ء حارب معاوية و سفكت بينهما الدماء؟ فالجواب من وجوه:
منها: أن مولانا عليا عليه السلام كان مأمورا بمحاربة الناكثين، و هم:
طلحة و الزبير و عائشة، و القاسطين و [هم‏] «5» معاوية و أصحابه، و المارقين و هم: أهل النهروان، ففعل مولانا علي عليه السلام ما امر به.
و منها: أن مولانا عليا عليه السلام لما أخبر أن الأمر ينتهي إلى معاوية و بني امية سئل عن محاربته له مع العلم بذلك، فقال: أبلى عذرا «6» فيما بيني و بين الله عز و جل، و سيأتي «7» الحديث بذلك فيما أخبرناه عن نعيم بن حماد، و من كتاب الفتن للسليلي.
__________________________________________________
 (1) البلعم: مجرى الطعام في الحلق، و هو المري. قال ابن الأثير: يريد على رجل شديد عسوف أو مسرف في الأموال و الدماء، فوصفه بسعة المدخل و المخرج. النهاية 1: 152.
 (2) أضفناها من المصدر.
 (3) الفتن 1: 164- 165/ 422، و عنه كنز العمال 11: 348/ 31708 إلى قوله: «أمر الله واقع» و يأتي نحوه عن فتن السليلي في الحديث رقم 331.
 (4) الفتن 1: 116/ 267 و 127/ 303 و 164/ 422.
 (5) في الأصل: هو. و ما أثبتناه من المصدر.
 (6) أبلى عذرا: أي أبلغ عذرا. النهاية- لابن الأثير- 1: 155.
 (7) يأتي في الحديث 24 و 333.
                       

التشريف بالمنن في التعريف بالفتن، ص: 74
و منها: أن مولانا عليا عليه السلام كان يعلم أنه متى لم يحارب معاوية اشتبه الأمر فيما يقع من معاوية و بني امية، و يحسب كثير من الناس أنه قد رضي بولايته.
و منها: أن الحسن بن علي ... من طرقهم و طرقنا كالتواتر، و نوردها هنا منها ... الذي لنعيم بن حماد الثقة الذي أثنوا عليه، فقال: حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن قال، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للحسن بن علي: «ابني هذا سيد، و سيصالح الله على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين» «1».
و منها: أن صالح الحسن بن علي عليهما السلام لمعاوية كان منسوبا في الحديث إلى الله جل جلاله حيث قال النبي صلى الله عليه و آله: «يصالح الله» فإذا كان الله جل جلاله هو الذي يصالح على يديه فأي درك يبقى عليه؟
الباب 15 فيما نذكره من كتاب الفتن لنعيم بن حماد في أن مولانا الحسن بن علي عليهما السلام و الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانوا يريدون الخلافة كما أمرهم الله جل جلاله و على الوجه الذي يختارها لهم، و معاوية و زياد كانوا يريدونها بالمغالبة.
16- قال: حدثنا صدقة الصنعاني عن رباح بن زيد عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس، قال: لما اصيب علي و بايع الناس الحسن، قال: قال لي زياد: أ تريد أن يستقيم لكم الأمر؟ قال: قلت: نعم، قال:
فاقتل فلانا و فلانا و فلانا ثلاثة من أصحابه، قال: قلت: أ ليس قد صلوا صلاة
__________________________________________________
 (1) الفتن 1: 165/ 423، و بتفاوت يسير في صحيح البخاري 8: 126/ 7109.
                        التشريف بالمنن في التعريف بالفتن، ص: 75
الغداة؟ قال: بلى، قال: قلت: فلا و الله ما إلى ذلك سبيل «1».




بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 1
الجزء الرابع و الأربعون‏
تتمة كتاب تاريخ فاطمة و الحسن و الحسين ع‏
تتمة أبواب ما يختص بالإمام الزكي سيد شباب أهل الجنة الحسن بن علي صلوات الله عليهما
باب 18 العلة التي من أجلها صالح الحسن بن علي صلوات الله عليه معاوية بن أبي سفيان و داهنه و لم يجاهده و فيه رسالة محمد بن بحر الشيباني رحمه الله‏
1- ع، علل الشرائع أبي عن سعد عن البرقي عن ابن فضال عن ثعلبة عن عمر بن أبي نصر عن سدير قال: قال أبو جعفر ع و معي ابني يا سدير اذكر لنا أمرك الذي أنت عليه فإن كان فيه إغراق كففناك عنه و إن كان مقصرا أرشدناك قال فذهبت أن أتكلم فقال أبو جعفر ع أمسك حتى أكفيك إن العلم الذي وضع رسول الله ص عند علي ع من عرفه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا ثم كان من بعده الحسن ع قلت كيف يكون بتلك المنزلة و قد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية فقال اسكت فإنه أعلم بما صنع لو لا ما صنع لكان أمر عظيم «1».
2- ع، علل الشرائع حدثنا علي بن أحمد بن محمد عن محمد بن موسى بن داود الدقاق عن الحسن بن أحمد بن الليث عن محمد بن حميد عن يحيى بن أبي بكير قال حدثنا أبو العلاء الخفاف عن أبي سعيد عقيصا قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب ع يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية و صالحته و قد علمت أن‏
__________________________________________________
 (1) تراه في علل الشرائع ج 1 ص 200 و هكذا الحديث التالى.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 2
الحق لك دونه و أن معاوية ضال باغ فقال يا با سعيد أ لست حجة الله تعالى ذكره على خلقه و إماما عليهم بعد أبي ع قلت بلى قال أ لست الذي قال رسول الله ص لي و لأخي- الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا قلت بلى قال فأنا إذن إمام لو قمت و أنا إمام إذا قعدت يا با سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله ص لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل و معاوية و أصحابه كفار بالتأويل يا با سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب [يجز] أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا أ لا ترى الخضر ع لما خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار سخط موسى ع فعله- لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي هكذا أنا سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه و لو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.
قال الصدوق رحمه الله قد ذكر محمد بن بحر الشيباني رضي الله عنه «1» في كتابه المعروف بكتاب الفروق بين الأباطيل و الحقوق في معنى موادعة الحسن بن علي بن أبي طالب لمعاوية فذكر سؤال سائل عن تفسير
حديث يوسف بن مازن الراسبي «2» في هذا المعنى و الجواب عنه و هو الذي رواه أبو بكر محمد بن الحسن بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري قال حدثنا أبو طالب زيد بن أحزم قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القاسم بن الفضل قال حدثنا يوسف بن مازن الراسبي قال بايع الحسن بن علي صلوات الله عليه معاوية على أن لا يسميه أمير المؤمنين و لا يقيم عنده شهادة و على أن لا يتعقب على شيعة علي ع شيئا و على أن يفرق في أولاد
__________________________________________________
 (1) عنونه النجاشي في رجاله ص 298 و قال: قال بعض أصحابنا انه كان في مذهبه ارتفاع، و حديثه قريب من السلامة، و لا أدرى من أين قيل ذلك.
 (2) الراشى خ ل في الموضعين.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 3
من قتل مع أبيه يوم الجمل و أولاد من قتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم و أن يجعل ذلك من خراج دارابجرد «1».
قال و ما ألطف حيلة الحسن صلوات الله عليه في إسقاطه إياه عن إمرة المؤمنين قال يوسف فسمعت القاسم بن محيمة يقول ما وفى معاوية للحسن بن علي صلوات الله عليه بشي‏ء عاهده عليه و إني قرأت كتاب الحسن ع إلى معاوية يعدد عليه ذنوبه إليه و إلى شيعة علي ع فبدأ بذكر عبد الله بن يحيى الحضرمي و من قتلهم معه.
فنقول رحمك الله إن ما قال يوسف بن مازن من أمر الحسن ع و معاوية عند أهل التميز و التحصيل تسمى المهادنة و المعاهدة أ لا ترى كيف يقول ما وفى معاوية للحسن بن علي بشي‏ء عاهده عليه و هادنه و لم يقل بشي‏ء بايعه عليه و المبايعة على ما يدعيه المدعون على الشرائط التي ذكرناها ثم لم يف بها لم يلزم الحسن ع.
و أشد ما هاهنا من الحجة على الخصوم معاهدته إياه على أن لا يسميه أمير المؤمنين و الحسن ع عند نفسه لا محالة مؤمن فعاهده على أن لا يكون عليه أميرا إذ الأمير هو الذي يأمر فيؤتمر له.
فاحتال الحسن صلوات الله عليه لإسقاط الايتمار لمعاوية إذا أمره أمرا على نفسه و الأمير هو الذي أمره مأمور «2» من فوقه فدل على أن الله عز و جل لم يؤمره عليه و لا رسوله ص أمره عليه‏
فقد قال النبي ص لا يلين مفاء على مفي‏ء «3».
__________________________________________________
 (1) و سيجي‏ء منا وجه ذلك.
 (2) في المصدر المطبوع ج 1 ص 202 «كأمور» و في الطبعة الحجرية «كأمر» و سيجي‏ء بيانه من المصنف- رضوان الله عليه- لكن يحتمل أن يكون مصحف «بأمور».
 (3) «المفاء» هو الذي صار فيئا للمسلمين، و «المفي‏ء» هو كل مسلم أخذ ذلك المفاء عنوة، فلو كان ذلك المفاء المأخوذ كبيرا يجوز للمسلمين قتله، و اطلاقه منا أو فداء، و لو كان.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 4
يريد أن من حكمه «1» حكم هوازن الذين صاروا فيئا للمهاجرين و الأنصار فهؤلاء طلقاء المهاجرين و الأنصار بحكم إسعافهم النبي فيئهم لموضع رضاعه «2»
__________________________________________________
صغيرا لم يبلغ الحلم جاز لهم استرقاقه و هكذا اطلاقه منا أو فداء.
لكن المراد بالمفاء في هذا الحديث: الذي صار طليقا بالمن عليه، صغيرا كان أو كبيرا، فحيث كان المسلمون حاكمين على نفسه بالقتل أو الاسترقاق و لم يفعلوا ذلك، بل تكرموا و منوا عليه بالإطلاق، ثبت لهم ولاية ذلك كما في ولاء العتق، فلم يكن له أن يأمر و لا أن ينهى و لا أن يتأمر على المسلمين قضاء لحقوق تلك الولاية.
و وجه ذلك أن المسلمين هم الذين أعطوه و وهبوا له آثار الحياة و الحرية، بحيث صار يأمر و ينهى لنفسه، يذهب و يجى‏ء حيث يشاء، فلو صار يأمر و ينهى المسلمين، و يتأمر عليهم، انتقض عليه ذلك و كان كعبد يتحكم على مولاه.
هذا مرمى قوله صلى الله عليه و آله: «لا يلين مفاء على مفي‏ء» أي لا يكون الطليق أميرا على المسلمين أبدا، و لو تأمر عليهم لكان غاصبا لحق الامارة، ظالما لهم بحكم الشرع و العقل و الاعتبار، فحيث كان معاوية طليقا لم يكن له أن يتأمر على المسلمين.
 (1) الضمير في «حكمه» يرجع الى الفي‏ء، أي من أحكام الفي‏ء حكم أسرى هوازن الذين صاروا فيئا للمهاجرين و الأنصار يوم حنين.
 (2) أتى رسول الله وفد هوازن بالجعرانة و كان مع رسول الله صلى الله عليه و آله من سبى هوازن ستة آلاف من الذرارى و النساء، و من الإبل و الشاء ما لا يدرى ما عدته، فقالوا:
يا رسول الله انا أصل و عشيرة و قد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك و قام رجل من بنى سعد بن بكسر يقال له زهير. فقال: يا رسول الله! انما في الحظائر عماتك و خالاتك و حواضنك اللاتى كن يكفلنك، و لو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر، أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه و عائدته علينا، و أنت خير المكفولين.
فقال رسول الله صلى الله عليه و آله بعد كلام: أما ما كان لي و لبنى عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون: و ما كان لنا فهو لرسول الله، و قالت الأنصار: و ما كان لنا فهو لرسول الله.
راجع سيرة ابن هشام ج 2 ص 488.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 5
و حكم قريش و أهل مكة حكم هوازن «1».
فمن أمره «2» رسول الله ص عليهم فهو التأمير من الله جل جلاله و رسوله ص.
أو من الناس كما قالوا في غير معاوية إن الأمة اجتمعت فأمرت فلانا و فلانا و فلانا على أنفسهم فهو أيضا تأمير غير أنه من الناس لا من الله و لا من رسوله و هو إن لم يكن تأميرا من الله و من رسوله و لا تأميرا من المؤمنين فيكون أميرهم بتأميرهم فهو تأمير منه بنفسه.
و الحسن صلوات الله عليه مؤمن من المؤمنين فلم يؤمر معاوية على نفسه بشرطه عليه ألا يسميه أمير المؤمنين فلم يلزمه ذلك الايتمار له في شي‏ء أمره به و فرغ صلوات الله عليه إذ خلص بنفسه من الإيجاب عليها الايتمار له عن أن يتخذ على المؤمنين الذين هم على الحقيقة مؤمنون و هم الذين كتب في قلوبهم الإيمان و لأن هذه الطبقة لم يعتقدوا إمارته و وجوب طاعته على أنفسهم و لأن الحسن ع أمير البررة و قاتل الفجرة
كما قال النبي ص لعلي ع- علي‏
__________________________________________________
 (1) فتح رسول الله صلى الله عليه و آله مكة عنوة فخطب على باب الكعبة ثم قال بعد كلام: «يا معشر قريش! ما ترون أنى فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا. أخ كريم، و ابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء» راجع سيرة ابن هشام ج 2 ص 412. فكان له (ص) أن يأمر بأسرهم و قتلهم و سبى ذراريهم حيث انه دخلها عنوة فلم يفعل ذلك بل من عليهم و قال: انتم الطلقاء، و فيهم معاوية بن أبي سفيان.
 (2) هذا هو الصحيح يعنى فعلى هذا: من أمره رسول الله على المسلمين أو على الطلقاء فهو التأمير من الله و رسوله إلخ و يكون ابتداء كلام و ما في النسخ من قوله: «لمن أمره رسول الله عليهم» تتميما لما سبق، فهو تصحيف لم يتنبه له المصنف رضوان الله عليه على ما يجى‏ء في البيان، و ذلك لان حكم الطلقاء- طلقاء قريش و هوازن- من عدم جواز تأمرهم على المسلمين بقوله «لا يلين مفاء على مفي‏ء» عام مطلق، لا يختص بمن أمره رسول الله على الطلقاء. مع أنه لو قرأنا اللفظ «لمن أمره» لتشتت الكلام من نواحي شتى.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 6
أمير البررة و قاتل الفجرة.
فأوجب ع أنه ليس لبر من الأبرار أن يتأمر عليه و إن التأمير على أمير الأبرار ليس ببر هكذا يقتضي مراد رسول الله ص و لو لم يشترط الحسن بن علي ع على معاوية هذه الشروط و سماه أمير المؤمنين‏
و قد قال النبي ص قريش أئمة الناس أبرارها لأبرارها و فجارها لفجارها.
و كل من اعتقد من قريش أن معاوية إمامه بحقيقة الإمامة من الله عز و جل و اعتقد الايتمار له وجوبا عليه فقد اعتقد وجوب اتخاذ مال الله دولا و عباده خولا و دينه دخلا «1» و ترك أمر الله إياه إن كان مؤمنا فقد أمر الله عز و جل المؤمنين بالتعاون على البر و التقوى فقال و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان «2».
فإن كان اتخاذ مال الله دولا و عباده خولا و دين الله دخلا من البر و التقوى جاز على تأويلك من اتخذه إماما و أمره على نفسه كما ترون التأمير على العباد.
و من اعتمد أن قهر مال الله على ما يقهر عليه و دين الله على ما يسأم و أهل دين الله على ما يسأمون هو بقهر من اتخذهم خولا و إن الله من قبله مديل في تخليص المال من الدول و الدين من الدخل و العباد من الخول علم و سلم و آمن و اتقى إن البر مقهور في يد الفاجر و الأبرار مقهورون في أيدي الفجار بتعاونهم مع الفاجر على الإثم و العدوان المزجور عنه المأمور بضده و خلافه و منافيه.
و قد سئل الثوري السفيان عن العدوان ما هو فقال هو أن ينقل صدقة بانقيا إلى الحيرة فتفرق في أهل السهام بالحيرة و ببانقيا أهل السهام‏
__________________________________________________
 (1) إشارة الى قوله صلى الله عليه و آله: «إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا:
اتخذوا مال الله دولا، و عباد الله خولا، و دين الله دغلا» أخرجه الحاكم بالاسناد الى على عليه السلام و هكذا أبى ذر، و أبى سعيد الخدري، و صححه راجع مستدرك الحاكم ج 4 ص 480.
 (2) المائدة: 3.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 7
و أنا أقسم بالله قسما بارا أن حراسة سفيان و معاوية بن مرة و مالك بن معول و خيثمة بن عبد الرحمن خشبة «1» زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع بكناس الكوفة بأمر هشام بن عبد الملك من العدوان الذي زجر الله عز و جل عنه و إن حراسه من سميتهم بخشبة زيد رضوان الله عليه الداعية بنقل صدقة بانقيا إلى الحيرة.
فإن عذر عاذر عمن سميتهم بالعجز عن نصر البر الذي هو الإمام من قبل الله عز و جل الذي فرض طاعته على العباد على الفاجر الذي تأمر بإعانة الفجرة إياه قلنا لعمري إن العاجز معذور فيما عجز عنه و لكن ليس الجاهل بمعذور في ترك الطلب فيما فرض الله عز و جل عليه و إيجابه على نفسه فرض طاعته و طاعة رسوله ص و طاعة أولي الأمر و بأنه لا يجوز أن يكون سريرة ولاة الأمر بخلاف علانيتهم كما لم يجز أن يكون سريرة النبي ص الذي هم أصل ولاة الأمر و هم فرعه بخلاف علانيته.
و إن الله عز و جل العالم بالسرائر و الضمائر و المطلع على ما في صدور العباد لم يكل علم ما لم يعلمه العباد إلى العباد جل و عز عن تكليف العباد ما ليس في وسعهم و طوقهم إذ ذاك ظلم من المكلف و عبث منه و إنه لا يجوز أن يجعل جل و تقدس اختيار من يستوي سريرته بعلانيته و من لا يجوز ارتكاب الكبائر الموبقة و الغضب و الظلم منه إلى من لا يعلم السرائر و الضمائر فلا يسع أحدا جهل هذه الأشياء.
و إن وسع العاجز بعجزه ترك ما يعجز عنه فإنه لا يسعه الجهل بالإمام البر الذي هو إمام الأبرار و العاجز بعجزه معذور و الجاهل غير معذور فلا يجوز أن لا يكون للأبرار إمام و إن كان مقهورا في قهر الفاجر و الفجار فمتى‏
__________________________________________________
 (1) هؤلاء كانوا موكلين على حراسة خشبة صلب عليها زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام، لئلا ينزلوه و يدفنوه، فبقى جثته رضوان الله عليه أربع سنين على الصليب ثم استنزلوه و أحرقوه.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 8
لم يكن للبر إمام بر قاهر أو مقهور فمات ميتة جاهلية إذا مات و ليس يعرف إمامه.
فإن قيل فما تأويل عهد الحسن ع و شرطه على معاوية بأن لا يقيم عنده شهادة لإيجاب الله عليه عز و جل إقامة الشهادة بما علمه قبل شرطه على معاوية بأن لا يقيم عنده شهادة قيل إن لإقامة الشهادة من الشاهد شرائط و هي حدودها التي لا يجوز تعديها لأن من تعدى حدود الله عز و جل فقد ظلم نفسه و أوكد شرائطها إقامتها عند قاض فصل و حكم عدل ثم الثقة من الشاهد أن يقيمها عند من يجر «1» بشهادته حقا و يميت بها أثره و يزيل بها ظلما فإذا لم يكن من يشهد عنده سقط عنه فرض إقامة الشهادة.
و لم يكن معاوية عند الحسن ع أميرا أقامه الله عز و جل و رسوله ص أو حاكما من ولاة الحكم فلو كان حاكما من قبل الله و قبل رسوله ثم علم الحسن ع أن الحكم هو الأمير و الأمير هو الحكم و قد شرط عليه الحسن أن لا يؤمر حين شرط ألا يسميه أمير المؤمنين فكيف يقيم الشهادة عند من أزال عنه الإمرة بشرط أن لا يسميه أمير المؤمنين و إذا زال ذلك عنه بالشرط أزال عنه الحكم لأن الأمير هو الحاكم و هو المقيم للحاكم و من ليس له تأمير و لا تحاكم فحكمه هذر و لا تقام الشهادة عند من حكمه هذر.
فإن قال فما تأويل عهد الحسن ع على معاوية و شرطه عليه أن لا يتعقب على شيعة علي ع شيئا قيل إن الحسن ع علم أن القوم جوزوا لأنفسهم التأويل و سوغوا في تأويلهم إراقة ما أرادوا إراقته من الدماء و إن كان الله عز و جل حقنه و حقن ما أرادوا حقنه و إن كان الله عز و جل أراقه في حكمه فأراد الحسن ع أن يبين أن تأويل معاوية على شيعة علي ع بتعقبه عليهم ما يتعقبه زائل مضمحل فاسد كما أنه أزال إمرته عنه و عن المؤمنين بشرط
__________________________________________________
 (1) عند من يحيى بشهادته حقا. ظ، بقرينة قوله «يميت» و ما في الصلب مطابق للنسخ و المصدر.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 9
أن لا يسميه أمير المؤمنين و إن إمرته زالت عنه و عنهم و أفسد حكمه عليه و عليهم.
ثم سوغ الحسن ع بشرطه عليه أن لا يقيم عنده شهادة للمؤمنين القدوة منهم به في أن لا يقيموا عنده شهادة فتكون حينئذ داره دائرة و قدرته قائمة لغير الحسن و لغير المؤمنين فتكون داره كدار بخت‏نصر و هو بمنزلة دانيال فيها و كدار العزيز و هو كيوسف فيها. فإن قال دانيال و يوسف ع كانا يحكمان لبخت‏نصر و العزيز قلنا لو أراد بخت‏نصر دانيال و العزيز يوسف أن يريقا بشهادة عمار بن الوليد و عقبة بن أبي معيط و شهادة أبي بردة بن أبي موسى و شهادة عبد الرحمن بن أشعث بن قيس دم حجر بن عدي بن الأدبر و أصحابه رحمهم الله و أن يحكما له بأن زيادا أخوه و أن دم حجر و أصحابه مراقة بشهادة من ذكرت لما جاز أن يحكما لبخت نصر و العزيز و الحكم بالعدل يرمي الحاكم به في قدرة عدل أو جائر و مؤمن أو كافر لا سيما إذا كان الحاكم مضطر إلى أن يدين للجائر الكافر و المبطل و المحق بحكمه.
فإن قال و لم خص الحسن ع عد الذنوب إليه و إلى شيعة علي ع و قدم أمامها قتله عبد الله بن يحيى الحضرمي و أصحابه و قد قتل حجرا و أصحابه و غيرهم قلنا لو قدم الحسن ع في عده على معاوية ذنوب حجر و أصحابه على عبد الله بن يحيى الحضرمي و أصحابه لكان سؤالك قائما فتقول لم قدم حجرا على عبد الله بن يحيى و أصحابه أهل الأخيار و الزهد في الدنيا و الإعراض عنها فأخبر معاوية بما كان عليه ابن يحيى و أصحابه من الخرق «1» على أمير المؤمنين ع و شدة حبهم إياه و إفاضتهم في ذكره و فضله فجاء بهم و ضرب أعناقهم صبرا.
و من أنزل راهبا من صومعته فقتله بلا جناية منه إلى قاتله أعجب ممن يخرج‏
__________________________________________________
 (1) في النسخ المطبوعة و هكذا المصدر ص 205 «الحزق» و هو بمعنى المنع و القبض و لعل الصحيح: «الحرق» من الحرارة و الحب الشديد.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 10
قسا من ديره فيقتله لأن صاحب الدير أقرب إلى بسط اليد لتناول ما معه من صاحب الصومعة الذي هو بين السماء و الأرض فتقديم الحسن ع العباد على العباد و الزهاد على الزهاد و مصابيح البلاد على مصابيح البلاد لا يتعجب منه بل يتعجب لو قدم في الذكر مقصرا على مخبت و مقتصدا على مجتهد.
فإن قال ما تأويل اختيار مال دارابجرد على سائر الأموال لما اشترط أن يجعله لأولاد من قتل مع أبيه صلوات الله عليهم يوم الجمل و بصفين قيل لدارابجرد خطب في شأن الحسن ع بخلاف جميع فارس «1».
__________________________________________________
 (1) قد ذكر الصدوق رحمه الله في وجه اختيار الامام الحسن السبط عليه السلام خراج درابجرد ما تتلوه، و الذي أراه أن درابجرد لم يفتح عنوة بل صالح أهلها على ما صرح به البلاذري في فتوح البلدان ص 380 حيث قال: «و أتى عثمان بن أبي العاص درابجرد و كانت شادروان علمهم و دينهم و عليها الهربذ فصالحه الهربذ على مال أعطاه اياه، و على أن أهل درابجرد كلهم اسوة من فتحت بلاده من أهل فارس، و اجتمع له جمع بناحية جهرم ففضهم، و فتح أرض جهرم، و أتى عثمان فصالحه عظيمها على مثل صلح درابجرد، و يقال:
ان الهربذ صالح عليها أيضا» انتهى.
فحيث كان درابجرد صولح عليها مثل فدك، كان يجب حمل مال صلحها الى زعيم أهل البيت لقوله تعالى: «و ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب- الى قوله تعالى- ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم».
و أما سائر الاراضى المفتوحة عنوة بايجاف الخيل و الركاب، فكان حكم خراجها أن يقاسم بين مقاتليها، فانها في‏ء و غنيمة كما فعله رسول الله صلى الله عليه و آله في أراضى خيبر، بعد ما أخرج سهم الخمس، لكن لم يعمل عمر بن الخطاب بتلك السنة النبوية و تأول قوله تعالى «و الذين جاؤ من بعدهم» فجعل خراجها لعامة المسلمين و دون لهم ديوان العطاء. فجرى بعده سائر الخلفاء و الامراء على سنة عمر بن الخطاب، و لم يتهيأ لعلى عليه السلام أن يرد ذلك الى نصابه الحق المطابق لسنة رسول الله صلى الله عليه و آله فقد كان الحسن السبط عليه السلام يحكم بأن المتبع من السنن، انما هو سنة النبي الاقدس، و لا يرى لاوليائه و أصحابه المخصوصين به أن يرتزقوا و يأخذوا العطاء من خراج الاراضى المفتوحة عنوة، و لذلك شرط على معاوية أموال درابجرد التي صولح عليها.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 11
و قلنا إن المال مالان الفي‏ء الذي ادعوا أنه موقوف على المصالح الداعية إلى قوام الملة و عمارتها من تجييش الجيوش للدفع عن البيضة و لأرزاق الأسارى و مال الصدقة الذي خص به أهل السهام و قد جرى في فتوح الأرضين بفارس و الأهواز و غيرهما من البلدان فيما فتح منها صلحا و ما فتح منها عنوة و ما أسلم أهلها عليها هنات و هنات و أسباب و أسباب «1».
و قد كتب ابن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن زيد بن الخطاب و هو عامله على العراق أيدك الله هاش في السواد ما يركبون فيه البراذين و يتختمون بالذهب و يلبسون الطيالسة و خذ فضل ذلك فضعه في بيت المال.
و كتب ابن الزبير إلى عامله جنبوا بيت مال المسلمين ما يؤخذ على المناظر و القناطر فإنه سحت فقصر المال عما كان فكتب إليهم ما للمال قد قصر فكتبوا إليه أن أمير المؤمنين نهانا عما يؤخذ على المناظر و القناطر فلذلك قصر المال فكتب إليهم عودوا إلى ما كنتم عليه هذا بعد قوله إنه سحت.
و لا بد أن يكون أولاد من قتل من أصحاب علي صلوات الله عليه بالجمل و بصفين من أهل الفي‏ء و مال المصلحة و من أهل الصدقة و السهام‏
و قد قال رسول الله ص في الصدقة قد أمرت أن آخذها من أغنيائكم و أردها في فقرائكم.
بالكاف و الميم ضمير من وجبت عليهم في أموالهم الصدقة و من وجبت لهم الصدقة فخاف الحسن ع أن كثيرا منهم لا يرى لنفسه أخذ الصدقة من كثير منهم و لا أكل صدقة كثير منهم إذ كانت غسالة ذنوبهم و لم يكن للحسن ع في مال الصدقة سهم.
روى بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده «2» أن رسول الله ص قال: في كل أربعين من الإبل ابنة لبون و لا تفرق إبل عن‏
__________________________________________________
 (1) زاد في المصدر بعده: [بايجاب الشرائط الدالة عليها].
 (2) هذا هو الصحيح كما في المصدر ص 207، و قد روى الحديث أبو داود في سننه عن بهزين حكيم، عن أبيه، عن جده و لفظه:
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 12
حسابها من أتانا بها مؤتجرا فله أجرها و من منعناها أخذناها منه و شطر إبله عزمة من عزمات ربنا و ليس لمحمد و آل محمد فيها شي‏ء و في كل غنيمة خمس أهل الخمس بكتاب الله عز و جل و إن منعوا.
فخص الحسن ع ما لعله كان عنده أعف و أنظف من مال اردشيرخره و لأنها حوصرت سبع سنين حتى اتخذ المحاصرون لها في مدة حصارهم إياها مصانع «1» و عمارات ثم ميزوها من جملة ما فتحوها بنوع من الحكم و بين الإصطخر الأول و الإصطخر الثاني هنات علمها الرباني الذي هو الحسن ع فاختار لهم أنظف ما عرف.
فقد روي عن النبي ص أنه قال: في تفسير قوله عز و جل و قفوهم إنهم مسؤلون «2» أنه لا يجاوز قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن ثيابه «3» فيما أبلاه‏
__________________________________________________
ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: فى كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون لا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا [بها] فله أجرها، و من منعها فانا آخذوها و شطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز و جل، ليس لال محمد منها شي‏ء.».
فما في النسخ المطبوعة: «روى بهذين حكيم عن معاوية بن جندة القشيرى» فهو تصحيف. و الرجل معنون بنسبته و نسبه في رجال العامة، راجع التاريخ الكبير للبخارى ج 1 ق 2 ص 290، الجرح و التعديل ج 1 ق 1 ص 430، أسد الغابة ج 4 ص 385 و عنونه في التقريب ص 57 و قال: صدوق من السادسة.
 (1) المصانع: جمع مصنع و مصنعة: ما يصنع كالحوض يجمع فيه ماء المطر.
 (2) الصافات: 24. و الحديث رواه الشيخ في الأمالي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله: لا يزال قدما عبد إلخ. و هكذا أخرجه موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب من حديث أبى برذة و لفظه: لا يزول إلخ كما في البرهان ج 4 في تفسير سورة الصافات. و أخرجه المؤلف رضوان الله في ج 36 ص 79 من الطبعة الحديثة عن كتاب منقبة المطهرين للحافظ أبى نعيم بإسناده عن نافع بن الحارث عن أبي بردة فراجع.
 (3) شبابه، خ.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 13
و عمره فيما أفناه و عن ماله من أين جمعه و فيما أنفقه و عن حبنا أهل البيت.
-
و كان الحسن و الحسين ع يأخذان من معاوية الأموال فلا ينفقان من ذلك على أنفسهما و لا على عيالهما ما تحمله الذبابة بفيها.
قال شيبة بن نعامة كان علي بن الحسين ع ينحل فلما مات نظروا فإذا هو يعول في المدينة أربعمائة بيت من حيث لم يقف الناس عليه.
فإن قال فإن هذا
محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري قال حدثنا أبو بشر الواسطي قال حدثنا خالد بن داود عن عامر قال بايع الحسن بن علي معاوية على أن يسالم من سالم و يحارب من حارب و لم يبايعه على أنه أمير المؤمنين.
قلنا هذا حديث ينقض آخره أوله و أنه لم يؤمره و إذا لم يؤمره لم يلزمه الايتمار له إذا أمره و قد روينا من غير وجه ما ينقض قوله يسالم من سالم و يحارب من حارب فلا نعلم فرقة من الأمة أشد على معاوية من الخوارج و
خرج على معاوية بالكوفة جويرية بن ذراع أو ابن وداع أو غيره من الخوارج فقال معاوية للحسن أخرج إليهم و قاتلهم فقال يأبى الله لي بذلك قال فلم أ ليس هم أعداؤك و أعدائي قال نعم يا معاوية و لكن ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فوجده فأسكت معاوية..
و لو كان ما رواه أنه بايع على أن يسالم من سالم و يحارب من حارب لكان معاوية لا يسكت على ما حجه به الحسن ع و لأنه يقول له قد بايعتني على أن تحارب من حاربت كائنا من كان و تسالم من سالمت كائنا من كان و إذا قال عامر في حديثه و لم يبايعه على أنه أمير المؤمنين قد ناقض لأن الأمير هو الآمر و الزاجر و المأمور هو المؤتمر و المنزجر فأبى تصرف الأمر فقد أزال الحسن ع في موادعته معاوية الايتمار له فقد خرج من تحت أمره حين شرط أن لا يسميه أمير المؤمنين.
و لو انتبه معاوية بحيلة الحسن ع بما احتال عليه لقال له يا با محمد أنت‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 14
مؤمن و أنا أمير فإذا لم أكن أميرك لم أكن للمؤمنين أيضا أميرا و هذه حيلة منك تزيل أمري عنك و تدفع حكمي لك و عليك فلو كان قوله يحارب من حارب مطلقا و لم يكن شرطه إن قاتلك من هو شر منك قاتلته و إن قاتلك من هو مثلك في الشر و أنت أقرب منه إليه لم أقاتله و لأن شرط الله على الحسن و على جميع عباده التعاون على البر و التقوى و ترك التعاون على الإثم و العدوان و إن قتال «1» من طلب الحق فأخطأه مع من طلب الباطل فوجده تعاون على الإثم و العدوان «2».
فإن قال هذا
حديث ابن سيرين يرويه محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن أنس بن سيرين قال: حدثنا الحسن بن علي ع يوم كلم فقال ما بين جابرس و جابلق رجل جده نبي غيري و غير أخي و إني رأيت أن أصلح بين أمة محمد و كنت أحقهم بذلك فإنا بايعنا معاوية و لعله فتنة لكم و متاع إلى حين.
قلنا أ لا ترى إلى قول أنس كيف يقول يوم كلم الحسن و لم يقل يوم بايع إذ لم يكن عنده بيعة حقيقة و إنما كانت مهادنة كما يكون بين أولياء الله و أعدائه لا مبايعة تكون بين أوليائه و أوليائه فرأى الحسن ع رفع السيف مع العجز بينه و بين معاوية كما رأى رسول الله ص رفع السيف بينه و بين أبي سفيان و سهيل بن عمرو و لو لم يكن رسول الله مضطرا إلى تلك المصالحة و الموادعة لما فعل.
فإن قال قد ضرب رسول الله ص بينه و بين سهيل و أبي سفيان مدة و لم يجعل الحسن بينه و بين معاوية مدة قلنا بل ضرب الحسن ع أيضا بينه و بين معاوية مدة و إن جهلناها و لم نعلمها و هي ارتفاع الفتنة و انتهاء مدتها و هو متاع إلى حين‏
__________________________________________________
 (1) في الأصل المطبوع: «و ان قاتل» و ان صح فيكون جوابه «تعاون على الاثم».
 (2) زاد في المصدر ص 208 بعده: و المبايع غير المبايع، و المؤازر غير المؤازر.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 15
فإن قال‏
فإن الحسن قال لجبير بن نفير «1» حين قال له إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة فقال قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت و يسالمون من سالمت تركتها ابتغاء وجه الله و حقن دماء أمة محمد ثم أثيرها يا تياس أهل الحجاز.
قلنا إن جبيرا كان دسيسا إلى الحسن ع دسه معاوية إليه ليختبره هل في نفسه الإثارة و كان جبير يعلم أن الموادعة التي وادع معاوية غير مانعة من الإثارة التي اتهمه بها و لو لم يجز للحسن ع مع المهادنة التي هادن أن يطلب الخلافة لكان جبير يعلم ذلك فلا يسأله لأنه يعلم أن الحسن ع لا يطلب ما ليس له طلبه فلما اتهمه بطلب ما له طلبه دس إليه دسيسة هذا ليستبرئ برأيه و علم أنه الصادق و ابن الصادق و أنه إذا أعطاه بلسانه أنه لا يثيرها بعد تسكينه إياها فإنه وفى بوعده صادق في عهده.
فلما مقته قول جبير قال له يا تياس أهل الحجاز و التياس بياع عسب الفحل الذي هو حرام و أما قوله بيدي جماجم العرب فقد صدق ع و لكن كان من تلك الجماجم الأشعث بن قيس في عشرين ألفا و يزهدونهم «2».
قال الأشعث يوم رفع المصاحف و وقع تلك المكيدة إن لم تجب إلى ما دعيت إليه لم يرم معك غدا يمانيان بسهم و لم يطعن يمانيان برمح و لا يضرب يمانيان بسيف و أومأ بيده «3» إلى أصحابه أبناء الطمع و كان في تلك الجماجم شبث بن ربعي تابع كل ناعق و مثير كل فتنة و عمرو بن حريث الذي ظهر على‏
__________________________________________________
 (1) هذا هو الصحيح كما في المصدر ص 209 و عنونه في الإصابة في القسم الثاني و قال: جبير بن نفير بالنون و الفاء ابن مالك بن عامر الحضرمى أبو عبد الرحمن مشهور من كبار التابعين و لابيه صحبة، و هكذا عنونه في الاستيعاب.
 (2) في بعض نسخ المصدر «يزيدونهم».
 (3) بقوله خ ل.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 16
علي صلوات عليه و بايع ضبة احتوشها مع الأشعث و المنذر بن الجارود الطاغي الباغي.
و صدق الحسن صلوات الله عليه أنه كان بيده هذه الجماجم يحاربون من حارب و لكن محاربة منهم للطمع و يسالمون من سالم لذلك و كان من حارب لله جل و عز و ابتغى القربة إليه و الحظوة منه قليلا و ليس فيهم عدد يتكافى أهل الحرب لله و النزاع لأولياء الله و استمداد كل مدد و كل عدد و كل شدة على حجج الله عز و جل.
بيان قوله ص قاما أو قعدا أي سواء قاما بأمر الإمامة أم قعدا عنه للمصلحة و التقية و يقال سفهه أي نسبه إلى السفه و تعقبه أي أخذه بذنب كان منه.
قوله و المبايعة على ما يدعيه المدعون المبايعة مبتدأ و لم يلزم خبره أي لو كانت مبايعة على سبيل التنزل فهي كانت على شروط و لم تتحقق تلك الشروط فلم تقع المبايعة و يحتمل أن يكون نتيجة لما سبق أي فعلى ما ذكرنا لم تقع المبايعة على هذا الوجه أيضا.
قوله على نفسه لعله متعلق بالإسقاط بأن يكون على بمعنى عن قوله هو الذي أمره مأمور الظاهر زيادة لفظ مأمور و على تقديره يصح أيضا إذ في العرف لا يطلق الأمير على النبي ص فيكون كل من نصب أميرا مأمورا.
قوله يريد أن من حكمه لعل خبر أن محذوف «1» بقرينة المقام و الإسعاف الإعانة و قضاء الحاجة.
قوله لمن أمره رسول الله عليهم أي على هوازن أو على أهل مكة و المعنى كما أن هوازن لا يكونون أمراء على الذين أمرهم رسول الله ص على هوازن كذلك قريش و أهل مكة بالنسبة إلى من أمرهم الله عليهم و بعثهم لقتالهم.
__________________________________________________
 (1) بل قد عرفت ان الضمير في «حكمه» يرجع الى الفي‏ء فيكون «من حكمه» خبر «أن» و اسمه «حكم هوازن».
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 17
قوله فهو أي التأمير مطلقا أو تأمير معاوية قوله أن يتخذ أي عن أن يتخذ و هو متعلق بقوله فرغ أي لما خلص ع نفسه عن البيعة فرغ عن أن يتخذ بيعة الشقي على المؤمنين لأن بيعتهم كان تابعا لبيعته و لم يبايعوا أنفسهم بيعة على حدة و إليه أشار بقوله لأن هذه الطبقة و قوله و لأن الحسن دليل آخر على عدم تأميره على الحسن ع و قوله فقد اعتقد جزاء للشرط في قوله و لو لم يشترط.
و
قال الجزري و في حديث أبي هريرة إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين اتخذوا عباد الله خولا.
بالتحريك أي خدما و عبدا يعني أنهم يستخدمونهم و يستعبدونهم و قال الدخل بالتحريك الغش و العيب و الفساد و منه‏
الحديث إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين كان دين الله دخلا.
و حقيقته أن يدخلوا في الدين أمورا لم تجر به السنة انتهى.
و الدول بضم الدال و فتح الواو جمع دولة بالضم و هو ما يتداولونه بينهم يكون مرة لهذا و مرة لهذا قوله من اتخذه أي اتخاذ من اتخذه و هو فاعل جاز و قوله من اعتمد مبتدأ و قوله علم و سلم خبره.
و يقال سأمه سوء العذاب أي حمله عليه قوله إن البر كأنه استئناف أو اللام فيه مقدر أي لأن البر مقهور و يمكن أن يكون اتقى تصحيف أتقن أو أيقن.
و بانقيا قرية بالكوفة و الحيرة بلدة قرب الكوفة و الكناسة بالضم موضع بالكوفة.
قوله الداعية هي خبر أن أي أمثال تلك المعاونات على الظلم صارت أسبابا لتغيير أحكام الله التي من جملتها نقل صدقة بانقيا إلى الحيرة.
و الأثرة الاستبداد بالشي‏ء و التفرد به و الهذر بالتحريك الهذيان و بالدال المهملة البطلان.
قوله و من أنزل راهبا حاصله أن عبد الله كان من المترهبين المتعبدين‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 18
و كان أقل ضررا بالنسبة إليهم من حجر و أصحابه فكان قتله أشنع فلذا قدمه و الإخبات الخشوع و التواضع قوله هنات و هنات أي شرور و فساد و ظلم.
و قال الفيروزآبادي الهوشة الفتنة و الهيج و الاضطراب و الاختلاط و الهواشات بالضم الجماعات من الناس و الإبل و الأموال الحرام و المهاوش ما غصب و سرق و قال الهيش الإفساد و التحريك و الهيج و الحلب الرويد و الجمع.
قوله مؤتجرا أي طالبا للأجر و الثواب و قال الجزري في حديث مانع الزكاة أنا آخذها و شطر ماله عزمة من عزمات الله أي حق من حقوق الله و واجب من واجباته.
قال الحربي غلط الراوي في لفظ الرواية إنما هو شطر ماله أي يجعل ماله شطرين و يتخير عليه المصدق فيأخذ الصدقة من خير النصفين عقوبة لمنعه الزكاة فأما ما لا يلزمه فلا و قال الخطابي في قول الحربي لا أعرف هذا الوجه و قيل معناه أن الحق مستوفى منه غير متروك عليه و إن ترك شطر ماله كرجل كان له ألف شاة مثلا فتلفت حتى لم يبق إلا عشرون فإنه يؤخذ منه عشر شياه لصدقة الألف و هو شطر ماله الباقي و هذا أيضا بعيد لأنه قال أنا آخذها و شطر ماله و لم يقل أنا آخذ و أشطر ماله.
و قيل إنه كان في صدر الإسلام يقع بعض العقوبات في الأموال ثم نسخ كقوله في الثمر المعلق من خرج بشي‏ء فله غرامة مثليه و العقوبة و كقوله في ضالة الإبل المكتومة غرامتها و مثلها معها و كان عمر يحكم به و قد أخذ أحمد بشي‏ء من هذا و عمل به.
و قال الشافعي في القديم من منع زكاة ماله أخذت منه و أخذ شطر ماله عقوبة على منعه و استدل بهذا الحديث و قال في الجديد لا يؤخذ منه إلا الزكاة لا غير و جعل هذا الحديث منسوخا انتهى.
قوله ينحل من النحلة بمعنى العطية أو النحول بمعنى الهزال و الثاني بعيد
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 19
قوله ع ليس من طلب الحق المعنى أن هؤلاء الخوارج مع غاية كفرهم خير من معاوية و أصحابه لأن للخوارج شبهة و كان غرضهم طلب الحق فأخطئوا بخلاف معاوية و أصحابه فإنهم طلبوا الباطل معاندين فأصابوه لعنة الله عليهم أجمعين.
قوله إليه أي إلى الشر و الجماجم جمع الجمجمة جمجمة الرأس و يكنى بها عن السادات و القبائل التي تنسب إليها البطون.
و قال الفيروزآبادي التيس ذكر الظباء و المعز و التياس ممسكة و العسب ضراب الفحل أو ماؤه أو نسله و احتوش القوم على فلان جعلوه في وسطهم.
3- ج، الإحتجاج عن حنان بن سدير عن أبيه سدير بن حكيم عن أبيه عن أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب ع معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته فقال الحسن ع ويحكم ما تدرون ما عملت و الله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت أ لا تعلمون أني إمامكم و مفترض الطاعة عليكم و أحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله ص علي قالوا بلى قال أ ما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة و أقام الجدار و قتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران ع إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك و كان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة و صوابا أ ما علمتم أنه ما منا أحد إلا و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي خلفه روح الله عيسى ابن مريم ع فإن الله عز و جل يخفي ولادته و يغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون الأربعين سنة ذلك ليعلم أن الله على كل شي‏ء قدير.
ك، إكمال الدين المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن جبرئيل بن أحمد عن موسى بن جعفر البغدادي عن الحسن بن محمد الصيرفي عن حنان بن‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 20
سدير مثله «1».
4- ج، الإحتجاج عن زيد بن وهب الجهني قال: لما طعن الحسن بن علي ع بالمدائن أتيته و هو متوجع فقلت ما ترى يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون فقال أرى و الله معاوية خيرا لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي و انتهبوا ثقلي و أخذوا مالي و الله لأن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي و آمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي و أهلي و الله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما فو الله لأن أسالمه و أنا عزيز خير من أن يقتلني و أنا أسيره أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر و معاوية لا يزال يمن بها و عقبه على الحي منا و الميت قال قلت تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لهم راع قال و ما أصنع يا أخا جهينة إني و الله أعلم بأمر قد أدي به إلي عن ثقاته- أن أمير المؤمنين ع قال لي ذات يوم و قد رآني فرحا يا حسن أ تفرح كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية و أميرها الرحب البلعوم الواسع الأعفاج يأكل و لا يشبع يموت و ليس له في السماء ناصر و لا في الأرض عاذر ثم يستولي على غربها و شرقها تدين له العباد و يطول ملكه يستن بسنن البدع و الضلال و يميت الحق و سنة رسول الله ص يقسم المال في أهل ولايته و يمنعه من هو أحق به و يذل في ملكه المؤمن و يقوى في سلطانه الفاسق و يجعل المال بين أنصاره دولا و يتخذ عباد الله خولا و يدرس في سلطانه الحق و يظهر الباطل و يلعن الصالحون و يقتل من ناواه على الحق و يدين من والاه على الباطل فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان و كلب من الدهر و جهل من الناس يؤيده الله بملائكته و يعصم أنصاره و ينصره بآياته و يظهره على‏
__________________________________________________
 (1) تراه في ج 1 ص 432 من كمال الدين، و الاحتجاج ص 148.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 21
الأرض حتى يدينوا طوعا و كرها يملأ الأرض عدلا و قسطا و نورا و برهانا يدين له عرض البلاد و طولها حتى لا يبقى كافر إلا آمن و لا طالح إلا صلح و تصطلح في ملكه السباع و تخرج الأرض نبتها و تنزل السماء بركتها و تظهر له الكنوز يملك ما بين الخافقين أربعين عاما فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه «1».
إيضاح يقال صار هذا الأمر سبة عليه بضم السين و تشديد الباء أي عارا يسب به قوله عن ثقاته لعل الضمير راجع إلى الأمر أو إلى الله و كل منهما لا يخلو من تكلف و قال الجوهري الرحب بالضم السعة تقول منه فلان رحب الصدر و الرحب بالفتح الواسع و البلعوم بالضم مجرى الطعام في الحلق و هو المري‏ء و الأعفاج من الناس و من الحافر و السباع كلها ما يصير الطعام إليه بعد المعدة و هو مثل المصارين لذوات الخف و الظلف.
و دانه أي أذله و استعبده و دان له أي أطاعه و دينت الرجل وكلته إلى دينه و الكلب بالتحريك الشدة و الطالح خلاف الصالح و الخافقان أفقا المشرق و المغرب.
5- أعلام الدين للديلمي، قال: خطب الحسن بن علي ع بعد وفاة أبيه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أ ما و الله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة و لا قلة و لكن كنا نقاتلهم بالسلامة و الصبر فشيب السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع و كنتم تتوجهون معنا و دينكم أمام دنياكم و قد أصبحتم الآن و دنياكم أمام دينكم و كنا لكم و كنتم لنا و قد صرتم اليوم علينا ثم أصبحتم تصدون قتيلين قتيلا بصفين تبكون عليهم و قتيلا بالنهروان تطلبون بثأرهم فأما الباكي فخاذل و أما الطالب فثائر و إن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز و لا نصفة فإن أردتم الحياة قبلناه منه و أغضضنا على القذى و إن أردتم الموت بذلناه في ذات الله و حاكمناه إلى الله‏
__________________________________________________
 (1) الاحتجاج ص 148 و 149.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 22
فنادى القوم بأجمعهم بل البقية و الحياة «1».
6- ج، الإحتجاج د، العدد القوية عن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب ع على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها أهلا و كذب معاوية أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله و على لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني و أطاعوني و نصروني لأعطتهم السماء قطرها و الأرض بركتها و لما طمعت فيها يا معاوية و قد قال رسول الله ص ما ولت أمة أمرها رجلا قط و فيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل و قد ترك بنو إسرائيل هارون و اعتكفوا على العجل و هم يعلمون أن هارون خليفة موسى و قد تركت الأمة عليا ع و قد سمعوا رسول الله ص يقول‏
__________________________________________________
 (1) روى هذه الخطبة ابن الأثير الجزري ج 2 ص 13 من أسد الغابة بإسناده الى أبى بكر بن دريد قال قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد الله عز و جل:
انا و الله ما ثنانا عن أهل الشام شك و لا ندم، و انما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة و الصبر فسلبت السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع، و كنتم في منتدبكم الى صفين: دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم و دنياكم أمام دينكم، ألا و انا لكم كما كنا، و لستم لنا كما كنتم.
ألا و قد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، و قتيل بالنهروان تطلبون بثأره فأما الباقي فخاذل، و أما الباكى فثائر، الا و إن معاوية دعانا الى امر ليس فيه عز و لا نصفة فان أردتم الموت رددناه عليه و حاكمناه إلى الله عز و جل بظبا السيوف، و ان أردتم الحياة قبلناه، و أخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب: البقية! البقية! فلما أفردوه أمضى الصلح.
و روى مثله في تذكرة خواص الأمة ص 114 قال: و في رواية أنه قال عليه السلام:
نحن حزب الله المفلحون، و عترة رسوله المطهرون، و أهل بيته الطيبون الطاهرون، و أحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله صلى الله عليه و آله فيكم، فطاعتنا مقرونة بطاعة الله فان تنازعتم في شي‏ء فردوه إلى الله و الرسول.
و ان معاوية دعانا الحديث.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 23
لعلي ع أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي و قد هرب رسول الله ص من قومه و هو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى الغار و لو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم و لو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية و قد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه و لم يجد عليهم أعوانا و قد جعل الله النبي ص في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم و كذلك أنا و أبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة و بايعت غيرنا و لم نجد أعوانا و إنما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق و المغرب لم تجدوا رجلا من ولد نبي غيري و غير أخي.
7- كش، رجال الكشي روي عن علي بن الحسن الطويل عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال: جاء رجل من أصحاب الحسن ع يقال له- سفيان بن ليلى «1» و هو على راحلة له فدخل على الحسن و هو
__________________________________________________
 (1) اختلف في اسمه بين سفيان بن ليلى، و سفيان بن أبي ليلى، و سفيان بن ياليل و على اي عده بعض الرجاليين في حوارى الامام الحسن السبط، و بعضهم نظر في ذلك كابن داود قال: سفيان بن [ابى‏] ليلى الهمداني من أصحاب الحسن عليه السلام عنونه الكشي و قال: ممدوح من أصحابه عليه السلام، عاتب الحسن بقوله «يا مذل المؤمنين» و اعتذر له بأنه قال ذلك محبة، و فيه نظر.
أقول: روى المفيد في الاختصاص ص 61 و الكشي ص 73، في حديث ضعيف عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام انه قال: ثم ينادى المنادى اين حوارى الحسن بن علي؟ فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني و حذيفة بن اسيد الغفارى.
و لكن قال في تذكرة الخواص: و في رواية ابن عبد البر المالكى في كتاب الاستيعاب ان سفيان بن ياليل و قيل ابن ليلى و كنيته أبو عامر، ناداه يا مذل المؤمنين، و في رواية هشام، و مسعود وجوه المؤمنين، فقال له: ويحك ايها الخارجى لا تعنفى، فان الذي أحوجنى الى ما فعلت: قتلكم أبى، و طعنكم اياى، و انتهابكم متاعى، و انكم لما سرتم الى صفين كان دينكم أمام دنياكم، و قد أصبحتم اليوم و دنياكم أمام دينكم.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 24
محتب «1» في فناء داره فقال له السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال له الحسن انزل و لا تعجل فنزل فعقل راحلته في الدار و أقبل يمشي حتى انتهى إليه قال فقال له الحسن ما قلت قال قلت السلام عليك يا مذل المؤمنين قال و ما علمك بذلك قال عمدت إلى أمر الأمة فخلعته من عنقك و قلدته هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله قال فقال له الحسن ع سأخبرك لم فعلت ذلك قال سمعت أبي ع يقول قال رسول الله ص لن تذهب الأيام و الليالي حتى يلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم رحب الصدر «2» يأكل و لا يشبع و هو معاوية فلذلك فعلت ما جاء بك قال حبك قال الله قال الله فقال الحسن ع و الله لا يحبنا عبد أبدا و لو كان أسيرا في الديلم إلا نفعه حبنا و إن حبنا ليساقط الذنوب من بني آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر.
ختص، الإختصاص جعفر بن الحسين المؤمن و جماعة مشايخنا عن محمد بن الحسين بن‏
__________________________________________________
ويحك أيها الخارجى! انى رأيت أهل الكوفة قوما لا يوثق بهم، و ما اغتر بهم الا من ذل، ليس [راى‏] أحد منهم يوافق رأى الآخر، و لقد لقى أبى منهم أمورا صعبة و شدائد مرة، و هي أسرع البلاد خرابا، و أهلها هم الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا.
و في رواية: ان الخارجى لما قال له: يا مذل المؤمنين! قال: ما اذللتهم، و لكن كرهت أن أفنيهم و استأصل شافتهم لاجل الدنيا.
و الظاهر أن الرجل كان مع محبته لاهل البيت خصوصا الحسن السبط، على رأى الخوارج، و لذلك عنفه و عابه بمصالحته مع معاوية، فتحرر.
 (1) أي كان محتبيا: جمع بين ظهره و ساقيه بيديه أو بازاره.
 (2) رحب الصدر: اي واسع الصدر، و انما يريد به معناه اللغوى، لا الكنائى الذي هو مدح، و سيجي‏ء القصة عن ابن أبي الحديد نقلا عن مقاتل أبى الفرج، و فيه بدل «رحب الصدر»: «واسع السرم» و السرم: هو مخرج الثفل و هو طرف المعى المستقيم و هو المناسب المقابل لقوله «واسع البلعوم».
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 25
أحمد عن الصفار عن ابن عيسى عن علي بن النعمان مثله «1».
8- كشف، كشف الغمة روى الدولابي مرفوعا إلى جبير بن نفير عن أبيه قال: قدمت المدينة «2» فقال الحسن بن علي ع كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت و يحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله و حقن دماء المسلمين.
و روي أن رسول الله ص أبصر الحسن بن علي ع مقبلا فقال اللهم سلمه و سلم منه.
9- كا، الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبي الصباح بن عبد الحميد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال: و الله الذي صنعه الحسن بن علي ع كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس و و الله لقد نزلت هذه الآية- أ لم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة إنما هي طاعة الإمام و لكنهم طلبوا القتال- فلما كتب عليهم القتال مع الحسين ع- قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لو لا أخرتنا إلى أجل قريب- ... نجب دعوتك و نتبع الرسل «3» أرادوا تأخير ذلك إلى القائم ع.
توضيح قوله ع إنما هي طاعة الإمام أي المقصود في الآية طاعة الإمام الذي ينهى عن القتال لعدم كونه مأمورا به و يأمر بالصلاة و الزكاة و سائر أبواب البر
__________________________________________________
 (1) راجع الاختصاص ص 82، الكشي ص 73.
 (2) كذا في الأصل و هكذا المصدر ج 2 ص 99. لكنه روى في الكشف ج 2 ص 141 عن حلية الأولياء للحافظ أبى نعيم قال: و عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: قلت للحسن بن علي عليهما السلام: ان الناس يقولون انك تريد الخلافة؟
فقال: قد كانت جماجم العرب الحديث.
و هذا هو الصحيح الظاهر متنا و سندا، و قد مر مع إضافة قوله عليه السلام بعد ذلك «ثم أثيرها يا تياس أهل الحجاز؟» راجع ص 15 من هذا المجلد.
 (3) ملفق من آيتين: النساء: 77، و إبراهيم: 44. و الحديث في روضة الكافي ص 330.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 26
و الحاصل أن أصحاب الحسن ع كانوا بهذه الآية مأمورين بطاعة إمامهم في ترك القتال فلم يرضوا به و طلبوا القتال فلما كتب عليهم القتال مع الحسين ع قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لو لا أخرتنا إلى أجل قريب أي قيام القائم ع.
ثم اعلم أن هذه الآية كما ورد في الخبر ليست في القرآن ففي سورة النساء أ لم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية و قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لو لا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل و في سورة إبراهيم فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل فلعله ع وصل آخر الآية بالآية السابقة لكونهما لبيان حال هذه الطائفة أو أضاف قوله نجب دعوتك بتلك الآية على وجه التفسير و البيان أي كان غرضهم أنه إن أخرتنا إلى ذلك نجب دعوتك و نتبع و يحتمل أن يكون في مصحفهم ع هكذا.
أقول سيأتي بعض الأخبار المناسبة لهذا الباب في باب شهادته ع.
تذييل‏
قال السيد المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قال قائل ما العذر له ع في خلع نفسه من الإمامة و تسليمها إلى معاوية مع ظهور فجوره و بعده عن أسباب الإمامة و تعريه من صفات مستحقها ثم في بيعته و أخذ عطائه و صلاته و إظهار موالاته و القول بإمامته هذا مع توفر أنصاره و اجتماع أصحابه و مبايعة من كان يبذل عنه دمه و ماله حتى سموه مذل المؤمنين و عابوه في وجهه ع.
الجواب قلنا قد ثبت أنه ع الإمام المعصوم المؤيد الموفق بالحجج الظاهرة و الأدلة القاهرة فلا بد من التسليم لجميع أفعاله و حملها على الصحة
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 27
و إن كان فيها ما لا يعرف وجهه على التفصيل أو كان له ظاهر ربما نفرت النفس عنه و قد مضى تلخيص هذه الجملة و تقريرها في مواضع من كتابنا هذا.
و بعد فإن الذي جرى منه ع كان السبب فيه ظاهرا و الحامل عليه بينا جليا لأن المجتمعين له من الأصحاب و إن كانوا كثيري العدد فقد كانت قلوب أكثرهم نغلة غير صافية و قد كانوا صبوا إلى دنيا معاوية من غير مراقبة و لا مساترة فأظهروا له ع النصرة و حملوه على المحاربة و الاستعداد لها طمعا في أن يورطوه و يسلموه فأحس بهذا منهم قبل التولج و التلبس فتخلى من الأمر و تحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت.
و قد صرح بهذه الجملة و بكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة و بألفاظ مختلفة و قال ع إنما هادنت حقنا للدماء و ضنا بها و إشفاقا على نفسي و أهلي و المخلصين من أصحابي فكيف لا يخاف أصحابه و يتهمهم على نفسه و أهله.
و هو ع لما كتب إلى معاوية يعلمه أن الناس قد بايعوه بعد أبيه ع و يدعوه إلى طاعته فأجابه معاوية بالجواب المعروف المتضمن للمغالطة منه و الموارية و قال له فيه لو كنت أعلم أنك أقوم بالأمر و أضبط للناس و أكيد للعدو و أقوى على جميع الأمور مني لبايعتك لأنني أراك لكل خير أهلا و قال في كتابه إن أمري و أمرك شبيه بأمر أبي بكر و أمركم بعد وفاة رسول الله ص.
فدعاه ذلك إلى أن خطب أصحابه بالكوفة يحضهم على الجهاد و يعرفهم فضله و ما في الصبر عليه من الأجر و أمرهم أن يخرجوا إلى معسكرهم فما أجابه أحد فقال لهم عدي بن حاتم سبحان الله أ لا تجيبون إمامكم أين خطباء المصر فقام قيس بن سعد و فلان و فلان فبذلوا الجهاد و أحسنوا القول و نحن نعلم أن من يضن بكلامه أولى أن يضن بفعاله.
أ و ليس‏
أحدهم جلس له في مظلم ساباط و طعنه بمعول كان معه أصاب فخذه و شقه حتى وصل إلى العظم و انتزع من يده و حمل ع إلى المدائن و عليها سعد بن مسعود عم المختار و كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولاه إياها فأدخل‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 28
منزله فأشار المختار على عمه أن يوثقه و يسير به إلى معاوية على أن يطعمه خراج جوحى سنة فأبى عليه و قال للمختار قبح الله رأيك أنا عامل أبيه و قد ائتمنني و شرفني و هبني بلاء أبيه «1» أ أنسى رسول الله ص و لا أحفظه في ابن ابنته و حبيبته.
ثم إن سعد بن مسعود أتاه ع بطبيب و قام عليه حتى برأ و حوله إلى بيض المدائن «2».
فمن الذي يرجو السلامة بالمقام بين أظهر هؤلاء القوم فضلا على النصرة و المعونة و
قد أجاب ع حجر بن عدي الكندي لما قال له سودت‏
__________________________________________________
 (1) البلاء: الاختبار، و يكون بالخير و الشر، يقال: أبلاه الله بلاء حسنا، و ابتليته معروفا، قال زهير:
         جزى الله بالاحسان ما فعلا بكم             و أبلاهما خير البلاء الذي يبلو
 اى خير الصنيع الذي يختبر به عباده.
و مراده هبنى أن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام لم يسد الى نعمة حيث و لانى على المدائن أ أنسى رسول الله إلخ.
أقول سعد بن مسعود الثقفى: كان عاملا على المدائن من قبل أمير المؤمنين و قد كتب إليه علي عليه السلام «أما بعد فانك قد اديت خراجك، و أطعت ربك، و أرضيت امامك:
فعل البر التقى النجيب، فغفر الله ذنبك، و تقبل سعيك، و حسن مآبك. (راجع تاريخ اليعقوبي).
 (2) قال ابن الجوزى في التذكرة ص 112: قال الشعبى: فبينا الحسن في سرادقه بالمدائن و قد تقدم قيس بن سعد، اذ نادى مناد في العسكر: الا ان قيس بن سعد قد قتل فانفروا، فنفروا الى سرادق الحسن فنازعوه حتى أخذوا بساطا كان تحته، و طعنه رجل بمشقص فأدماه، فازدادت رغبته في الدخول في الجماعة، و ذعر منهم فدخل المقصورة التي في المدائن بالبيضاء، و كان الامير على المدائن سعد بن مسعود الثقفى عم المختار ولاه عليها علي عليه السلام.
فقال له المختار، و كان شابا: هل لك في الغناء و الشرف؟ قال: و ما ذلك؟ قال:
تستوثق من الحسن و تسلمه الى معاوية، فقال له سعد: قاتلك الله، أثب على ابن رسول الله و أوثقه و اسلمه الى ابن هند؟ بئس الرجل أنا ان فعلته.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 29
وجوه المؤمنين فقال ع ما كل أحد يحب ما تحب و لا رأيه كرأيك و إنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم.
و روى عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف عن أبي الكنود عبد الرحمن بن عبيد قال: لما بايع الحسن ع معاوية أقبلت الشيعة تتلاقى بإظهار الأسف و الحسرة على ترك القتال فخرجوا إليه بعد سنتين من يوم بايع معاوية فقال له سليمان بن صرد الخزاعي ما ينقضي تعجبنا من بيعتك معاوية و معك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة كلهم يأخذ العطاء و هم على أبواب منازلهم و معهم مثلهم من أبنائهم و أتباعهم سوى شيعتك من أهل البصرة و الحجاز ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العقد و لا حظا من العطية فلو كنت إذ فعلت ما فعلت أشهدت على معاوية وجوه أهل المشرق و المغرب و كتبت عليه كتابا بأن الأمر لك بعده كان الأمر علينا أيسر و لكنه أعطاك شيئا بينك و بينه لم يف به ثم لم يلبث أن قال على رءوس الأشهاد إني كنت شرطت شروطا و وعدت عداة إرادة لإطفاء نار الحرب و مداراة لقطع الفتنة فلما أن جمع الله لنا الكلم و الألفة فإن ذلك تحت قدمي و الله ما عنى بذلك غيرك و ما أراد إلا ما كان بينك و بينه و قد نقض فإذا شئت فأعد الحرب خدعة و ائذن لي في تقدمك إلى الكوفة فأخرج عنها عامله و أظهر خلعه و تنبذ إليه على سواء إن الله لا يحب الخائنين و تكلم الباقون بمثل كلام سليمان.
فقال الحسن ع أنتم شيعتنا و أهل مودتنا فلو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل و لسلطانها أركض و أنصب، ما كان معاوية بأبأس مني بأسا و لا أشد شكيمة
__________________________________________________
و ذكر ابن سعد في الطبقات: ان المختار قال لعمه سعد: هل لك في أمر تسود به العرب؟ قال: و ما هو؟ قال: دعنى أضرب عنق هذا- يعنى الحسن- و أذهب به الى معاوية.
فقال له: قبحك الله ما هذا بلاؤهم عندنا أهل البيت.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 30
و لا أمضى عزيمة «1» و لكني أرى غير ما رأيتم و ما أردت بما فعلت إلا حقن الدماء فارضوا بقضاء الله و سلموا لأمره و الزموا بيوتكم و أمسكوا.
أو قال كفوا أيديكم حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر.
و هذا كلام منه ع يشفي الصدور و يذهب بكل شبهة في هذا الباب.
و قد روي أنه ع لما طالبه معاوية بأن يتكلم على الناس و يعلمهم ما عنده في هذا الباب قام فحمد الله تعالى و أثنى عليه ثم قال إن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور أيها الناس إنكم لو طلبتم بين جابلق و جابرس رجلا جده رسول الله ص ما وجدتموه غيري و غير أخي الحسين و إن الله قد هداكم بأولياء محمد ص «2» و إن معاوية نازعني حقا هو لي فتركته لصلاح الأمة و حقن دمائها و قد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت فقد رأيت أن أسالمه و رأيت أن ما حقن الدماء خير مما سفكها و أردت صلاحكم و أن يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الأمر و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين.
و كلامه ع في هذا الباب الذي يصرح في جميعه بأنه مغلوب مقهور ملجأ إلى التسليم و دافع بالمسالمة الضرر العظيم عن الدين و المسلمين أشهر من الشمس و أجلى من الصبح فأما قول السائل إنه خلع نفسه من الإمامة فمعاذ الله لأن الإمامة بعد حصولها للإمام لا يخرج عنه بقوله و عند أكثر مخالفينا أيضا في الإمامة أن خلع الإمام نفسه لا يؤثر في خروجه من الإمامة و إنما ينخلع من الإمامة عندهم بالأحداث و الكبائر و لو كان خلعه في نفسه مؤثرا لكان إنما يؤثر إذا وقع اختيارا فأما مع الإلجاء و الإكراه فلا تأثير له و لو كان مؤثرا في موضع‏
__________________________________________________
 (1) الشكيمة: الانفة و الانتصار من الظلم يقال: فلان شديد الشكيمة: أى أنوف أبى لا ينقاد.
 (2) كذا في النسخ، و المروى من الخطبة أنه قال: فان الله هداكم باولنا [محمد صلى الله عليه و آله و سلم‏] و حقن دماءكم بآخرنا. و سيجي‏ء الخطبة بألفاظها المروية في الباب الآتي.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 31
من المواضع.
و لم يسلم أيضا الأمر إلى معاوية بل كف عن المحاربة و المغالبة لفقد الأعوان و عوز الأنصار و تلاقي الفتنة على ما ذكرناه فيغلب عليه معاوية بالقهر و السلطان مع ما أنه كان متغلبا على أكثره و لو أظهر ع له التسليم قولا لما كان فيه شي‏ء إذا كان عن إكراه و اضطهاد.
فأما البيعة فإن أريد بها الصفقة و إظهار الرضا و الكف عن المنازعة فقد كان ذلك لكنا قد بينا جهة وقوعه و الأسباب المحوجة إليه و لا حجة في ذلك عليه صلوات الله عليه كما لم يكن في مثله حجة على أبيه صلوات الله عليهما لما بايع المتقدمين عليه و كف عن نزاعهم و أمسك عن غلابهم.
و إن أريد بالبيعة الرضا و طيب النفس فالحال شاهد بخلاف ذلك و كلامه المشهور كله يدل على أنه أحوج و أحرج و أن الأمر له و هو أحق الناس به و إنما كف عن المنازعة فيه للغلبة و القهر و الخوف على الدين و المسلمين.
فأما أخذ العطاء فقد بينا في هذا الكتاب عند الكلام فيما فعله أمير المؤمنين صلوات الله عليه من ذلك أن أخذه من يد الجابر الظالم المتغلب جائز و أنه لا لؤم فيه على الأخذ و لا حرج و أما أخذ الصلات فسائغ بل واجب لأن كل مال في يد الغالب الجابر المتغلب على أمر الأمة يجب على الإمام و على جميع المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن بالطوع أو الإكراه و وضعه في مواضعه.
فإذا لم يتمكن ع من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال الله تعالى و أخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة فواجب عليه أن يتناوله من يده و يأخذ منه حقه و يقسمه على مستحقه لأن التصرف في ذلك المال بحق الولاية عليه لم يكن في تلك الحال إلا له ع.
و ليس لأحد أن يقول إن الصلات التي كان يقبلها من معاوية أنه كان ينفقها على نفسه و عياله و لا يخرجها إلى غيره و ذلك أن هذا مما لا يمكن أن يدعي العلم به و القطع عليه و لا شك أنه ع كان ينفق منها لأن فيها حقه و حق‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 32
عياله و أهله و لا بد من أن يكون قد أخرج منها إلى المستحقين حقوقهم و كيف يظهر ذلك و هو ع كان قاصدا إلى إخفائه و ستره لمكان التقية و المحوج له ع إلى قبول تلك الأموال على سبيل الصلة هو المحوج له إلى ستر إخراجها أو إخراج بعضها إلى مستحقيها من المسلمين و قد كان عليه و آله السلام يتصدق بكثير من أمواله و يواسي الفقراء و يصل المحتاجين و لعل في جملة ذلك هذه الحقوق.
فأما إظهار موالاته فما أظهر ع من ذلك شيئا كما لم يبطنه و كلامه ع فيه بمشهد معاوية و مغيبه معروف ظاهر و لو فعل ذلك خوفا و استصلاحا و تلافيا للشر العظيم لكان واجبا فقد فعل أبوه صلوات الله عليه و آله مثله مع المتقدمين عليه.
و أعجب من هذا كله دعوى القول بإمامته و معلوم ضرورة منه ع خلاف ذلك فإنه كان يعتقد و يصرح بأن معاوية لا يصلح أن يكون بعض ولاة الإمام و أتباعه فضلا عن الإمامة نفسها.
و ليس يظن مثل هذه الأمور إلا عامي حشوي قد قعد به التقليد و ما سبق إلى اعتقاده من تصويب القوم كلهم عن التأمل و سماع الأخبار المأثورة في هذا الباب فهو لا يسمع إلا ما يوافقه و إذا سمع لم يصدق إلا بما أعجبه و الله المستعان انتهى كلامه رفع الله مقامه.
و أقول بعد ما أسسناه في كتاب الإمامة بالدلائل العقلية و النقلية أنهم ع لا يفعلون شيئا إلا بما وصل إليهم من الله تعالى و بعد ما قرع سمعك في تلك الأبواب من الأخبار الدالة على وجه الحكمة في خصوص ما فعله ع لا أظنك تحتاج إلى بسط القول في ذلك و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

 

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 33
باب 19 كيفية مصالحة الحسن بن علي صلوات الله عليهما معاوية و ما جرى بينهما قبل ذلك‏
1- ع، علل الشرائع دس معاوية إلى عمرو بن حريث و الأشعث بن قيس و إلى حجر بن الحارث «1» و شبث بن ربعي دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه أنك إن قتلت الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم و جند من أجناد الشام و بنت من بناتي فبلغ الحسن ع فاستلأم و لبس درعا و كفرها و كان يحترز و لا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللأمة فلما صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر فأمر ع أن يعدل به إلى بطن جريحى «2» و عليها عم المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن قيلة فقال المختار لعمه تعال حتى نأخذ الحسن و نسلمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق فنذر بذلك الشيعة من قول المختار لعمه فهموا بقتل المختار فتلطف عمه لمسألة الشيعة بالعفو عن المختار ففعلوا فقال الحسن ع ويلكم و الله إن معاوية- لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي و إني أظن أني إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدي ص و إني أقدر أن أعبد الله عز و جل وحدي و لكني كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم و يستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون و لا يطعمون فبعدا و سحقا لما كسبته أيديهم- و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‏

__________________________________________________
 (1) هذا هو الظاهر المطابق لبعض نسخ الكتاب و في بعضها «حجر بن الحجر» و في بعضها «حجرين الحر» و في بعضها «حجر بن الجر».
 (2) فليتحرر.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 34
فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه فكتب الحسن من فوره ذلك إلى معاوية أما بعد فإن خطبي انتهى إلى اليأس من حق أحييه و باطل أميته و خطبك خطب من انتهى إلى مراده و إنني أعتزل هذا الأمر و أخليه لك و إن كان تخليتي إياه شرا لك في معادك و لي شروط أشترطها- لا تبهظنك إن وفيت لي بها بعهد و لا تخف إن غدرت و كتب الشروط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء و ترك الغدر و ستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممن نهض في الباطل أو قعد عن الحق حين لم ينفع الندم و السلام.
- فإن قال قائل من هو النادم الناهض و النادم القاعد قلنا هذا الزبير ذكره أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما أيقن بخطاء ما أتاه و باطل ما قضاه و بتأويل ما عزاه فرجع عنه القهقرى و لو وفى بما كان في بيعته لمحا نكثه و لكنه أبان ظاهرا الندم و السريرة إلى عالمها و هذا عبد الله بن عمر بن الخطاب روى أصحاب الأثر في فضائله أنه قال مهما آسى عليه من شي‏ء فإني لا آسى على شي‏ء أسفي على أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي «1» فهذا ندم القاعد و هذه عائشة روى الرواة أنها لما أنبها مؤنب فيما أتته قالت قضي القضاء و جفت الأقلام و الله لو كان لي من رسول الله ص عشرون ذكرا كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت و قتل كان أيسر علي من خروجي على علي و مسعاي التي سعيت فإلى الله شكواي لا إلى غيره «2» و هذا سعد بن أبي وقاص لما أنهي إليه أن عليا صلوات الله عليه قتل ذا الثدية أخذه ما قدم و ما أخر و قلق و نزق و قال و الله لو علمت أن ذلك كذلك‏
__________________________________________________
 (1) تراه في الاستيعاب لابن عبد البر المالكى بذيل الإصابة ج 2 ص 337، بألفاظ مختلفة و في بعضها أنه قال ذلك حين حضرته الوفاة.
 (2) روى مثله أبو الفرج الأصبهاني في كتاب مرج البحرين على ما نقله في تذكرة الخواص ص 61.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 35
لمشيت إليه و لو حبوا و لما قدم معاوية دخل إليه سعد فقال له يا أبا إسحاق ما الذي منعك أن تعينني على الطلب بدم الإمام المظلوم فقال كنت أقاتل معك عليا و
قد سمعت رسول الله ص يقول أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
قال أنت سمعت هذا من رسول الله ص قال نعم و إلا صمتا قال أنت الآن أقل عذرا في القعود عن النصرة فو الله لو سمعت هذا من رسول الله ص ما قاتلته «1» و قد أحال فقد سمع رسول الله ص يقول لعلي ع أكثر من ذلك فقاتله و هو بعد مفارقته للدنيا يلعنه و يشتمه و يرى أن ملكه و ثبات قدرته بذلك إلا أنه أراد أن يقطع عذر سعد في القعود عن نصره- و الله المستعان فإن قال قائل لحمقه و خرقه فإن عليا ندم مما كان منه من النهوض في تلك الأمور و إراقة تلك الدماء كما ندموا هم في النهوض و القعود قيل كذبت و أحلت‏
لأنه في غير مقام قال: إني قلبت أمري و أمرهم ظهرا لبطن فما وجدت إلا قتالهم أو الكفر بما جاء محمد ص.
و قد روي عنه أمرت بقتال- الناكثين و القاسطين و المارقين و
روي هذا الحديث من ثمانية عشر وجها عن النبي ص أنك تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين.
و لو أظهر ندما بحضرة من سمعوا منه هذا و هو يرويه عن النبي ص لكان مكذبا فيه نفسه و كان فيهم المهاجرون كعمار و الأنصار- كأبي الهيثم و أبي أيوب و دونهما فإن لم يتحرج و لم يتورع عن الكذب على من كذب عليه تبوأ مقعده من النار استحيا من هؤلاء الأعيان من المهاجرين و الأنصار و عمار الذي‏
يقول فيه النبي ص- عمار مع الحق و الحق مع عمار يدور معه حيث دار.
يحلف جهد أيمانه و الله لو بلغوا بنا قصبات هجر لعلمت أنا على الحق و أنهم على الباطل «2» و يحلف أنه قاتل رايته التي أحضرها صفين و هي التي أحضرها
__________________________________________________
 (1) ترى مثله في صحيح مسلم ج 7 ص 120 و 121.
 (2) راجع أسد الغابة ج 4 ص 46 ترجمة عمار.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 36
يوم أحد و الأحزاب و الله لقد قاتلت هذه الراية آخر أربع مرات و الله ما هي عندي بأهدى من الأولى «1» و كان يقول إنهم أظهروا الإسلام و أسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا و لو ندم علي ع عند
قوله أمرت أن أقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين.
لكان من مع علي يقول له كذبت على رسول الله ص و إقراره بذلك على نفسه و كانت الأمة الزبير و عائشة و حزبهما و علي و أبو أيوب و خزيمة بن ثابت و عمار و أصحابه و سعد و ابن عمر و أصحابه «2» فإذا اجتمعوا جميعا على الندم فلا بد من أن يكون اجتمعوا على ندم من شي‏ء فعلوه ودوا أنهم لم يفعلوه و أن الفعل الذي فعلوه باطل فقد اجتمعوا على الباطل و هم الأمة التي لا تجتمع على الباطل أو اجتمعوا على الندم من ترك شي‏ء لم يفعلوه ودوا أنهم فعلوه فقد اجتمعوا على الباطل بتركهم جميعا الحق و لا بد من أن يكون‏
النبي ص حين قال لعلي ع إنك تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين.
كان ذلك من النبي ص خبرا و لا يجوز أن لا يكون ما أخبر إلا بأن يكذب المخبر أو يكون أمره بقتالهم «3» و تركه‏
__________________________________________________
 (1) و قال ابن سعد: نظر عمار الى عمرو بن العاص و بيده راية فناداه: ويحك يا ابن العاص هذه راية قد قاتلت بها مع رسول الله صلى الله عليه و آله ثلاث مرات و هذه الرابعة.
 (2) يريد ان الأمة بين ثلاث طوائف: طائفة: الزبير و عائشة و حزبهما الناكثون في الجمل، و طائفة علي عليه السلام و المهاجرون و الأنصار يقاتلونهم، و طائفة قاعدون عن الحرب و هم عبد الله بن عمر و سعد بن أبي وقاص، فإذا كان هؤلاء الطوائف و هم أمة محمد كلهم ندموا على ما تدعون، فقد اجتمعوا على الخطأ، و النبي صلى الله عليه و آله قال: لا تجتمع.
امتى على الخطأ.
 (3) أي يكون النبي صلى الله عليه و آله أمر عليا بقتالهم و تركه كذلك و لم يخبر الآخرين بالامر لانه عليهم السلام يأتمر بما أمر به عنده، و لذلك قال «فو الله ما وجدت الا السيف أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و آله على ما ذكره ابن الأثير ج 4 ص 31 من أسد الغابة.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 37
للائتمار بما أمر به عنده كما قال علي ع إنه كفر فإن قال قائل فإن الحسن أخبر بأنه حقن دماء أنت تدعي أن عليا ع كان مأمورا بإراقتها و الحقن لما أمر الله و رسوله بإراقته من الحاقن عصيان قلنا إن الأمة التي ذكر الحسن ع أمتان و فرقتان و طائفتان هالكة و ناجية و باغية و مبغي عليها فإذا لم يكن حقن دماء المبغي عليها إلا بحقن دماء الباغية لأنهما إذا اقتتلا و ليس للمبغي عليها قوام بإزالة الباغية حقن دم المبغي عليها و إراقة دم الباغية مع العجز عن ذلك إراقة لدم المبغي عليها لا غير فهذا هذا فإن قال فما الباغي عندك أ مؤمن أو كافر أو لا مؤمن و لا كافر قلنا إن الباغي هو الباغي بإجماع أهل الصلاة و سماهم أهل الإرجاء مؤمنين مع تسميتهم إياهم بالباغين و سماهم أهل الوعيد كفارا مشركين و كفارا غير مشركين كالإباضية و الزيدية و فساقا خالدين في النار كواصل و عمر و منافقين خالدين في الدرك الأسفل من النار- كالحسن و أصحابه فكلهم قد أزال الباغي عما كان فيه قبل البغي فأخرجه قوم إلى الكفر و الشرك كجميع الخوارج غير الإباضية «1» و إلى الكفر غير الشرك كالإباضية و الزيدية و إلى الفسق و النفاق كواصل و أقل ما حكم عليهم أهل الإرجاء إسقاطهم من السنن و العدالة و القبول فإن قال فإن الله عز و جل سمى الباغي مؤمنا فقال عز و جل و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا «2» فجعلهم مؤمنين قلنا لا بد من أن المأمور بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلين كان قبل اقتتالهما عالما بالباغية منهما أ و لم يكن عالما بالباغية منهما فإن كان عالما بالباغية منهما كان مأمورا بقتالها مع المبغي عليها- حتى تفي‏ء إلى أمر الله و هو الرجوع إلى ما خرج منه بالبغي و إن كان المأمور بالإصلاح جاهلا بالباغية و المبغي عليها فإنه كان جاهلا بالمؤمن غير الباغي و المؤمن الباغي و كان المؤمن غير الباغي عرف بعد التبيين و الفرق بينه و بين الباغي- [كان‏] مجمعا من‏
__________________________________________________
 (1) فرقة من الخوارج انتسبوا الى عبد الله بن أباض التميمى.
 (2) الحجرات: 9.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 38
أهل الصلاة على إيمانه- لا اختلاف بينهم في اسمه و المؤمن الباغي بزعمك مختلف فيه فلا يسمى مؤمنا حتى يجمع على أنه مؤمن كما أجمع على أنه باغ فلا يسمى الباغي مؤمنا إلا بإجماع أهل الصلاة على تسميته مؤمنا كما أجمعوا عليه و على تسميته باغيا فإن قال فإن الله عز و جل سمى الباغي للمؤمنين أخا و لا يكون أخ المؤمنين إلا مؤمنا قيل أحلت و باعدت فإن الله عز و جل سمى هودا و هو نبي أخا عاد و هم كفار فقال و إلى عاد أخاهم هودا «1» و قد يقال للشامي يا أخا الشام و لليماني يا أخا اليمن و يقال للمسايف اللازم له المقاتل به فلان أخ السيف فليس في يد المتأول أخ المؤمن لا يكون إلا مؤمنا مع شهادة القرآن بخلافه و شهادة اللغة بأنه يكون المؤمن أخا الجماد الذي هو الشام و اليمن و السيف و الرمح و بالله أستعين على أمورنا في أدياننا و دنيانا و آخرتنا و إياه نسأل التوفيق لما قرب منه و أزلف لديه بمنه و كرمه بيان استلأم الرجل إذا لبس اللأمة و هي الدرع و كفرت الشي‏ء أكفره بالكسر كفرا أي سترته و نذر القوم بالعدو بكسر الذال أي علموا و الخطب الأمر و الشأن و بهظه الأمر كمنع غلبه و ثقل عليه.
قوله ع و لا تخف إن غدرت أي لا يرتفع عنك ثقل إن لم تف بالعهد كما أنه لا يثقل عليك إن وفيت قوله ما عزاه أي نسبه إلى النبي ص من العذر في هذا الخروج و يقال أسي على مصيبة بالكسر يأسى أسى أي حزن قوله أخذه ما قدم و ما أخر أي أخذه هم ما قدم من سوء معاملته مع علي ع و ما أخر من نصرته أو من عذاب الآخرة أو كناية عن هموم شتى لأمور كثيرة مختلفة.
و القلق محركة الانزعاج و نزق كفرح و ضرب طاش و خف عند الغضب قوله عن النصرة أي عن نصرة علي ع قوله و أحال هذا كلام الصدوق أي‏
__________________________________________________
 (1) هود: 50.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 39
كذب معاوية و أتى بالمحال حتى ادعى عدم سماع ذلك قوله إنه قاتل رايته أي راية معاوية قوله بأهدى من الأولى أي هي مثل الأولى راية شرك في أنها راية شرك و كفر قوله أو يكون أمره حاصله أن هذا الكلام من النبي ص إما إخبار أو أمر في صورة الخبر و على ما ذكرت من كونهم على الحق يلزم على الأول كذب الرسول ص و على الثاني مخالفة أمير المؤمنين ع لما أمره به الرسول ص.
أقول قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال أبو الفرج الأصفهاني كتب الحسن ع إلى معاوية مع جندب «1» بن عبد الله الأزدي من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليكم فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله جل و عز بعث محمدا ص رحمة للعالمين و منة للمؤمنين توفاه الله غير مقصر و لا وان بعد أن أظهر الله به الحق و محق به الشرك و خص قريشا خاصة فقال له و إنه لذكر لك و لقومك «2» فلما توفي تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش نحن قبيلته و أسرته و أولياؤه و لا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد و حقه فرأت العرب أن القول ما قالت قريش و أن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد ص فأنعمت لهم و سلمت إليهم.
ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف و الاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد و أولياءه إلى محاجتهم و طلب النصف منهم باعدونا و استولوا بالاجتماع على ظلمنا و مراغمتنا و العنت منهم لنا فالموعد الله و هو الولي النصير.
و لقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا و سلطان نبينا و إن كانوا ذوي فضيلة و سابقة في الإسلام و أمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون و الأحزاب في ذلك مغمزا يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من‏
__________________________________________________
 (1) في الأصل: حرب بن عبد الله، و هو تصحيف.
 (2) الزخرف: 44.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 40
أهله لا بفضل في الدين معروف و لا أثر في الإسلام محمود و أنت ابن حزب من الأحزاب و ابن أعدى قريش لرسول الله ص و لكن الله حسيبك فسترد فتعلم لمن عقبى الدار و بالله لتلقين عن قليل ربك ثم ليجزينك بما قدمت يداك و ما الله بظلام للعبيد إن عليا لما مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض و يوم من الله عليه بالإسلام و يوم يبعث حيا ولاني المسلمون الأمر بعده فأسأل الله أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته و إنما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني و بين الله عز و جل في أمرك و لك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم و الصلاح للمسلمين فدع التمادي في الباطل و ادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله و عند كل أواب حفيظ و من له قلب منيب.
و اتق الله و دع البغي و احقن دماء المسلمين فو الله ما لك من خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به و ادخل في السلم و الطاعة و لا تنازع الأمر أهله و من هو أحق به منك ليطفئ الله النائرة بذلك و يجمع الكلمة و يصلح ذات البين و إن أنت أبيت إلا التمادي في غيك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا و هو خير الحاكمين أقول ثم ذكر جواب معاوية و ما أظهر فيه من الكفر و الإلحاد إلى قوله و قد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح فلو علمت أنك أضبط مني للرعية و أحوط على هذه الأمة و أحسن سياسة و أقوى على جمع الأموال و أكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني إليه و رأيتك لذلك أهلا و لكن قد علمت أني أطول منك ولاية و أقدم منك لهذه الأمة تجربة و أكبر منك سنا فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني فادخل في طاعتي و لك الأمر من بعدي و لك ما في بيت مال العراق بالغا ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت و لك خراج أي كور العراق شئت معونة على نفقتك يجبيها أمينك و يحملها إليك في‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 41
كل سنة و لك أن لا يستولى عليك بالأشياء و لا يقضى دونك الأمور و لا تعصى في أمر أردت به طاعة الله أعاننا الله و إياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء و السلام.
قال جندب فلما أتيت الحسن ع بكتاب معاوية قلت له إن الرجل سائر إليك فابدأه بالمسير حتى تقاتله في أرضه و بلاده و عمله فأما أن تقدر أنه ينقاد لك فلا و الله حتى يرى منا أعظم من يوم صفين فقال أفعل ثم قعد عن مشورتي و تناسى قولي «1».
2- ب، قرب الإسناد ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه ع أن الحسن و الحسين صلوات الله عليهما كانا يغمزان معاوية و يقولان فيه و يقبلان جوائزه.
3- ف، تحف العقول قال معاوية للحسن ع بعد الصلح اذكر فضلنا فحمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد النبي و آله ثم قال من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن رسول الله أنا ابن البشير النذير أنا ابن المصطفى بالرسالة أنا ابن من صلت عليه الملائكة أنا ابن من شرفت به الأمة أنا ابن من كان جبرئيل السفير من الله إليه أنا ابن من بعث رحمة للعالمين صلى الله عليه و آله أجمعين فلم يقدر معاوية يكتم عداوته و حسده فقال يا حسن عليك بالرطب فانعته لنا قال نعم يا معاوية الريح تلقحه و الشمس تنفخه و القمر يلونه و الحر ينضجه و الليل يبرده ثم أقبل على منطقه فقال أنا ابن المستجاب الدعوة أنا ابن من كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن مكة و منى أنا ابن من خضعت له قريش رغما أنا ابن من سعد تابعه و شقي خاذله أنا ابن من جعلت الأرض له طهورا و مسجدا أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترى أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فقال معاوية أظن نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة فقال ويلك يا معاوية
__________________________________________________
 (1) راجع مقاتل الطالبيين ص 37- 40.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 42
إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله و عمل بطاعة الله و لعمري إنا لأعلام الهدى و منار التقى و لكنك يا معاوية ممن أباد السنن و أحيا البدع و اتخذ عباد الله خولا و دين الله لعبا فكأن قد أخمل ما أنت فيه فعشت يسيرا و بقيت عليك تبعاته يا معاوية و الله لقد خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق و الأخرى بالمغرب أسماؤهما جابلقا و جابلسا ما بعث الله إليهما أحدا غير جدي رسول الله ص فقال معاوية يا أبا محمد أخبرنا عن ليلة القدر قال نعم عن مثل هذا فاسأل إن الله خلق السماوات سبعا و الأرضين سبعا و الجن من سبع و الإنس من سبع فتطلب من ليلة ثلاث و عشرين إلى ليلة سبع و عشرين ثم نهض ع.
أقول قال ابن أبي الحديد روى أبو الحسن المدائني قال: سأل معاوية الحسن بن علي ع بعد الصلح أن يخطب الناس فامتنع فناشده أن يفعل فوضع له كرسي فجلس عليه ثم قال الحمد لله الذي توحد في ملكه و تفرد في ربوبيته يؤتي الملك من يشاء و ينزعه عمن يشاء و الحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم و أخرج من الشرك أولكم و حقن دماء آخركم فبلاؤنا عندكم قديما و حديثا أحسن البلاء إن شكرتم أو كفرتم أيها الناس إن رب علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه و لقد اختصه بفضل لن تعهدوا بمثله و لن تجدوا مثل سابقته.
فهيهات هيهات طالما قلبتم الأمور حتى أعلاه الله عليكم و هو صاحبكم غزاكم في بدر و أخواتها جرعكم رنقا و سقاكم علقا و أذل رقابكم و شرقكم بريقكم فلستم بملومين على بغضه و ايم الله لا ترى أمة محمد خفضا ما كانت سادتهم و قادتهم في بني أمية و لقد وجه الله إليكم فتنة لن تصدوا عنها حتى تهلكوا لطاعتكم طواغيتكم و انضوائكم إلى شياطينكم فعند الله أحتسب ما مضى و ما ينتظر من سوء رغبتكم و حيف حلمكم.
ثم قال يا أهل الكوفة لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله صائب على أعداء الله نكال على فجار قريش لم يزل آخذا بحناجرها جاثما على أنفسها
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 43
ليس بالملومة في أمر الله و لا بالسروقة لمال الله و لا بالفروقة في حرب أعداء الله أعطى الكتاب خواتيمه و عزائمه دعاه فأجابه و قاده فأتبعه لا تأخذه في الله لومة لائم فصلوات الله عليه و رحمته.
فقال معاوية أخطأ عجل أو كاد و أصاب متثبت أو كاد «1» ما ذا أردت من خطبة الحسن ع.
بيان: رنق رنقا بالتحريك كدر و انضوى إليه مال و جثم لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره أو تلبد بالأرض.
4- يج، الخرائج و الجرائح روي عن الحارث الهمداني قال: لما مات علي ع جاء الناس إلى الحسن و قالوا أنت خليفة أبيك و وصيه و نحن السامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك فقال ع كذبتم و الله ما وفيتم لمن كان خيرا مني فكيف تفون لي و كيف أطمئن إليكم و لا أثق بكم إن كنتم صادقين فموعد ما بيني و بينكم معسكر المدائن فوافوا إلي هناك فركب و ركب معه من أراد الخروج و تخلف عنه كثير فما وفوا بما قالوه و بما وعدوه و غروه كما غروا أمير المؤمنين ع من قبله فقام خطيبا و قال غررتموني كما غررتم من كان من قبلي مع أي إمام تقاتلون بعدي مع الكافر الظالم الذي لم يؤمن بالله و لا برسوله قط و لا أظهر الإسلام هو و بني [بنو] أمية إلا فرقا من السيف و لو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله عوجا و هكذا قال رسول الله ص ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف و كان من كندة و أمره أن يعسكر بالأنبار و لا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره فلما توجه إلى الأنبار و نزل بها و علم معاوية بذلك بعث إليه رسلا و كتب إليه معهم أنك إن أقبلت إلي أولك بعض كور الشام و الجزيرة غير منفس عليك و أرسل إليه بخمسمائة ألف درهم فقبض‏
__________________________________________________
 (1) العجل- ككتف و عضد- العجول و زاده الخطأ، و المتثبت: هو الذي يتأنى في الأمور و يروى فيصيب مرماه.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 44
الكندي عدو الله المال و قلب على الحسن و صار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته و أهل بيته فبلغ ذلك الحسن ع فقام خطيبا و قال هذا الكندي توجه إلى معاوية و غدر بي و بكم و قد أخبرتكم مرة بعد مرة أنه لا وفاء لكم أنتم عبيد الدنيا و أنا موجه رجلا آخر مكانه و إني أعلم أنه سيفعل بي و بكم ما فعل صاحبه و لا يراقب الله في و لا فيكم فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف و تقدم إليه بمشهد من الناس و توكد عليه و أخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي فحلف له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل فقال الحسن إنه سيغدر فلما توجه إلى الأنبار أرسل معاوية إليه رسلا و كتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه و بعث إليه بخمسة آلاف درهم و مناه أي ولاية أحب من كور الشام و الجزيرة فقلب على الحسن و أخذ طريقه إلى معاوية و لم يحفظ ما أخذ عليه من العهود و بلغ الحسن ما فعل المرادي فقام خطيبا فقال قد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنكم لا تفون لله بعهود و هذا صاحبكم المرادي غدر بي و بكم و صار إلى معاوية ثم كتب معاوية إلى الحسن يا ابن عم- لا تقطع الرحم الذي بينك و بيني فإن الناس قد غدروا بك و بأبيك من قبلك فقالوا إن خانك الرجلان و غدروا بك فإنا مناصحون لك فقال لهم الحسن لأعودن هذه المرة فيما بيني و بينكم و إني لأعلم أنكم غادرون ما بيني و بينكم إن معسكري بالنخيلة فوافوني هناك و الله لا تفون لي بعهدي و لتنقضن الميثاق بيني و بينكم ثم إن الحسن أخذ طريق النخيلة فعسكر عشرة أيام فلم يحضره إلا أربعة آلاف فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر و قال يا عجبا من قوم لا حياء لهم و لا دين و لو سلمت له الأمر فايم الله لا ترون فرجا أبدا مع بني أمية و الله ل يسومونكم سوء العذاب حتى تتمنوا أن عليكم جيشا جيشا و لو وجدت أعوانا
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 45
ما سلمت له الأمر لأنه محرم على بني أمية فأف و ترحا يا عبيد الدنيا و كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية فإنا معك و إن شئت أخذنا الحسن و بعثناه إليك ثم أغاروا على فسطاطه و ضربوه بحربة و أخذ مجروحا ثم كتب جوابا لمعاوية إنما هذا الأمر لي و الخلافة لي و لأهل بيتي و إنها لمحرمة عليك و على أهل بيتك سمعته من رسول الله ص و الله لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت لك و لا أعطيتك ما تريد و انصرف إلى الكوفة.
بيان امرأة درداء أي ليس في فمها سن قوله ع لبغت دين الله عوجا إلي لطلبت أن يثبت له اعوجاجا و تلبس على الناس أن فيه عوجا مقتبس من قوله تعالى قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا «1» و الكور بضم الكاف و فتح الواو جمع الكورة و هي المدينة و الصقع و قال الجوهري أنفسني فلان في كذا أي رغبني فيه و لفلان منفس و نفيس أي مال كثير و نفس به بالكسر أي ضن به يقال نفست عليه الشي‏ء نفاسة إذا لم تره يستأهله قوله و قلب على الحسن أي صرف العسكر أو الأمر إليه و الترح بالتحريك ضد الفرح و الهلاك.
5- شا، الإرشاد لما بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنين ع و بيعة الناس ابنه الحسن ع دس رجلا من حمير إلى الكوفة و رجلا من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار و يفسدا على الحسن الأمور فعرف ذلك الحسن ع فأمر باستخراج الحميري من عند لحام «2» بالكوفة فأخرج و أمر بضرب عنقه و كتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم فأخرج و ضربت عنقه و كتب الحسن ع إلى معاوية أما بعد فإنك دسست الرجال للاحتيال و الاغتيال و أرصدت العيون كأنك تحب اللقاء و ما أشك في ذلك فتوقعه‏
__________________________________________________
 (1) آل عمران: 99.
 (2) حجام، خ ل.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 46
إن شاء الله و بلغني أنك شمت بما لم يشمت به ذو حجى و إنما مثلك في ذلك كما قال الأول-
          فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى-             تزود لأخرى مثلها فكأن قد-
             فإنا و من قد مات منا لكالذي-             يروح فيمسي في المبيت ليغتدي‏
 فأجابه معاوية عن كتابه بما لا حاجة لنا إلى ذكره و كان بين الحسن ع و بينه بعد ذلك مكاتبات و مراسلات و احتجاجات للحسن- ع في استحقاقه الأمر و توثب من تقدم على أبيه ع و ابتزازهم سلطان ابن عم رسول الله ص و تحققهم به دونه أشياء يطول ذكرها و سار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج «1» تحرك الحسن ع و بعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا و معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له و لأبيه و بعضهم محكمة «2» يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة و بعضهم أصحاب فتن و طمع في الغنائم و بعضهم شكاك و بعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم- لا يرجعون إلى دين فسار حتى أتى حمام عمر ثم أخذ على دير كعب فنزل ساباط دون القنطرة و بات هناك فلما أصبح أراد ع أن يمتحن أصحابه و يستبرئ أحوالهم له في الطاعة ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه و يكون على بصيرة من لقاء معاوية و أهل الشام فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال الحمد لله كلما حمده حامد و أشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالحق بشيرا و ائتمنه على الوحي- ص أما بعد فإني و الله لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله و منه و أنا أنصح خلق‏
__________________________________________________
 (1) منبج- كمجلس- بلد من بلاد الشام، و قيل: أول من بناها كسرى لما غلب على الشام و منه الى حلب عشر فراسخ.
 (2) يعني أصحاب التحكيم و هم الخوارج.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 47
الله لخلقه و ما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة و لا مريدا له بسوء و لا غائلة ألا و إن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا و إني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري و لا تردوا علي رأيي غفر الله لي و لكم و أرشدني و إياكم لما فيه المحبة و الرضا قال فنظر الناس بعضهم إلى بعض و قالوا ما ترونه يريد بما قال قالوا نظنه و الله يريد أن يصالح معاوية و يسلم الأمر إليه فقالوا كفر و الله الرجل ثم شدوا على فسطاطه و انتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفة [مطرفه‏] عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا بالسيف بغير رداء ثم دعا بفرسه و ركبه و أحدق به طوائف من خاصته و شيعته و منعوا منه من أراده فقال ادعوا لي ربيعة و همدان فدعوا له فأطافوا به و دفعوا الناس عنه ع و سار و معه شوب من غيرهم فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان و أخذ بلجام بغلته و بيده مغول و قال الله أكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن ع و خرا جميعا إلى الأرض فوثب إليه رجل من شيعة الحسن يقال له عبد الله بن خطل الطائي فانتزع المغول من يده و خضخض به جوفه فأكب عليه آخر يقال له- ظبيان بن عمارة فقطع أنفه فهلك من ذلك و أخذ آخر كان معه فقتل و حمل الحسن ع على سرير إلى المدائن فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي و كان عامل أمير المؤمنين ع بها فأقره الحسن ع على ذلك و اشتغل الحسن ع بنفسه يعالج جرحه و كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع و الطاعة له في السر و استحثوه على المسير نحوهم و ضمنوا له تسليم الحسن ع إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به و بلغ الحسن ع ذلك و ورد عليه كتاب قيس بن سعد و كان قد أنفذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 48
و يرده عن العراق و جعله أميرا على الجماعة و قال إن أصبت فالأمير قيس بن سعد فوصل كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبونية بإزاء مسكن «1» و أن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المصير إليه و ضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف و يعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة فانسل عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته و أصبح الناس قد فقدوا أميرهم فصلى بهم قيس بن سعد و نظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن ع بخذلان القوم له و فساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب و التكفير له و استحلال دمه و نهب أمواله و لم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعة أبيه و شيعته و هم جماعة لا يقوم لأجناد الشام فكتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح و أنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به و تسليمه إليه و اشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة و عقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة فلم يثق به الحسن و علم باحتياله بذلك و اغتياله غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس منه من ترك الحرب و إنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه و الفساد عليه و الخلف منهم له و ما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه و تسليمه إلى خصمه و ما كان من خذلان ابن عمه له و مصيره إلى عدوه و ميل الجمهور منهم إلى العاجلة و زهدهم في الآجلة فتوثق ع لنفسه من معاوية لتوكيد الحجة عليه و الإعذار فيما بينه و بينه عند الله تعالى و عند كافة المسلمين و اشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين ع و العدول عن القنوت عليه في الصلوات و أن يؤمن شيعته و لا يتعرض لأحد منهم بسوء
__________________________________________________
 (1) مسكن- بكسر الكاف- موضع على نهر دجيل قريبا من أوانى عند دير الجاثليق ذكره الخطيب في تاريخه، و في هذا المكان قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير و فيه قبر مصعب و إبراهيم بن الأشتر النخعي.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 49
و يوصل إلى كل ذي حق حقه و أجابه معاوية إلى ذلك كله و عاهد عليه و حلف له بالوفاء له فلما استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتى نزل بالنخيلة و كان ذلك اليوم يوم الجمعة فصلى بالناس ضحى النهار فخطبهم و قال في خطبته إني و الله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك و لكني قاتلتكم لأتأمر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم له كارهون ألا و إني كنت منيت الحسن و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي بشي‏ء منها له ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما فلما استتمت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس و ذكر أمير المؤمنين ع و نال منه و نال من الحسن ع ما نال و كان الحسن و الحسين ع حاضرين فقام الحسين ع ليرد عليه فأخذ بيده الحسن ع فأجلسه ثم قام فقال أيها الذاكر عليا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمي فاطمة و أمك هند و جدي رسول الله ص و جدك حرب و جدتي خديجة و جدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا فقالت طوائف من أهل المسجد آمين آمين «1».
توضيح قوله فكأن قد أي فكأن قد نزلت أو جاءت و حذف مدخول قد شائع قوله و بيده مغول في بعض النسخ بالغين المعجمة قال الفيروزآبادي المغول كمنبر حديدة تجعل في السوط فيكون لها غلاف و شبه مشمل إلا أنه أدق و أطول منه و نصل طويل أو سيف دقيق له قفا واسم و في بعضها بالمهملة و هي حديدة ينقر بها الجبال و الخضخضة التحريك و الفتك أن يأتي الرجل صاحبه و هو
__________________________________________________
 (1) الإرشاد ص 170- 173. و رواه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين عن ابى عبيد عن يحيى بن معين، و بعد ما أتى على آخر الخبر من قوله فقال طوائف من أهل المسجد آمين.
قال فقال يحيى بن معين و نحن نقول آمين، قال أبو عبيد و نحن أيضا نقول آمين قال أبو الفرج و أنا أقول آمين قلت و أنا أيضا أقول: آمين.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 50
غار غافل حتى يشد عليه فيقتله.
أقول و قال عبد الحميد بن أبي الحديد لما سار معاوية قاصدا إلى العراق و بلغ جسر منبج نادى المنادي الصلاة جامعة فلما اجتمعوا خرج الحسن ع فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه و سماه كرها ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا إن الله مع الصابرين «1» فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر و تنظرون و نرى و ترون قال و إنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له.
قال فسكتوا فما تكلم منهم أحد و لا أجابه بحرف فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال أنا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام أ لا تجيبون إمامكم و ابن بنت نبيكم أين خطباء مصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب أ ما تخافون مقت الله و لا عنتها و عارها.
ثم استقبل الحسن ع بوجهه فقال أصاب الله بك المراشد و جنبك المكاره و وفقك لما يحمد ورده و صدره و قد سمعنا مقالتك و انتهينا إلى أمرك و سمعنا لك و أطعناك فيما قلت و رأيت و هذا وجهي إلى معسكرنا فمن أحب أن يوافي فليواف.
ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد و دابته بالباب فركبها و مضى إلى النخيلة و أمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه فكان عدي أول الناس عسكرا.
ثم قام قيس بن عبادة الأنصاري و معقل بن قيس الرياحي و زياد بن حصفة التيمي فأنبوا الناس و لاموهم و حرضوهم و كلموا الحسن ع بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة و القبول فقال لهم الحسن ع صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية و الوفاء و القبول و المودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا
__________________________________________________
 (1) الأنفال: 46.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 51
ثم نزل و خرج الناس و عسكروا و نشطوا للخروج و خرج الحسن ع إلى المعسكر و استخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث و أمره باستحثاث الناس على اللحوق إليه و سار الحسن ع في عسكر عظيم حتى نزل دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس.
ثم دعا عبيد الله بن العباس فقال له يا ابن عم إني باعث معك اثني عشر ألفا من فرسان العرب و قراء المصر الرجل منهم يزيد الكتيبة فسر بهم و ألن لهم جانبك و ابسط لهم وجهك و افرش لهم جناحك و أدنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقات أمير المؤمنين ع و سر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى تسير بمسكن ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية فإن أنت لقيته فاحتبسه حتى آتيك فإني على أثرك وشيكا و ليكن خبرك عندي كل يوم و شاور هذين يعني قيس بن سعد و سعيد بن قيس و إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فإن فعل فقاتله فإن أصبت فقيس بن سعد على الناس فإن أصيب فسعيد بن قيس على الناس.
فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات و الفلوجة حتى أتى مسكن و أخذ الحسن على حمام عمر حتى أتى دير كعب ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة. أقول ثم ذكر ما جرى عليه صلوات الله عليه هناك و قد مر ذكره ثم قال.
فأما معاوية فإنه وافى حتى نزل في قرية يقال له الحبونية و أقبل عبيد الله بن العباس حتى نزل بإزائه فلما كان من غد وجه معاوية إلى عبيد الله أن الحسن قد راسلني في الصلح و هو مسلم الأمر إلي فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا و إلا دخلت و أنت تابع و لك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم أعجل لك في هذا الوقت نصفها و إذا دخلت الكوفة النصف الآخر.
فانسل عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده و أصبح الناس‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 52
ينتظرونه أن يخرج فيصلي بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطبهم فثبتهم و ذكر عبيد الله فنال منه ثم أمرهم بالصبر و النهوض إلى العدو فأجابوه بالطاعة و قالوا له انهض بنا إلى عدونا على اسم الله فنهض بهم.
و خرج إليهم بسر بن أرطاة فصاحوا إلى أهل العراق ويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع و إمامكم الحسن قد صالح فعلام تقتلون أنفسكم فقال لهم قيس بن سعد اختاروا إحدى اثنتين إما القتال مع غير إمام و إما أن تبايعوا بيعة ضلال قالوا بل نقاتل بلا إمام فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم.
و كتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه و يمنيه فكتب إليه قيس لا و الله لا تلقاني أبدا إلا بيني و بينك الرمح فكتب إليه معاوية لما يئس منه أما بعد فإنك يهودي ابن يهودي تشقي نفسك و تقتلها فيما ليس لك فإن ظهر أحب الفريقين إليك نبذك و عزلك و إن ظهر أبغضهما إليك نكل بك و قتلك و قد كان أبوك أوتر غير قوسه و رمى غير غرضه فخذله قومه و أدركه يومه فمات بحوران طريدا غريبا و السلام.
فكتب إليه قيس بن سعد أما بعد فإنما أنت وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها و أقمت فيه فرقا و خرجت منه طوعا و لم يجعل الله لك فيه نصيبا لم يقدم إسلامك و لم يحدث نفاقك و لم تزل حربا لله و لرسوله و حزبا من أحزاب المشركين و عدوا لله و نبيه و المؤمنين من عباده و ذكرت أبي فلعمري ما أوتر إلا قوسه و لا رمى إلا غرضه فشغب عليه من لا يشق غباره و لا يبلغ كعبه و زعمت أني يهودي ابن يهودي و قد علمت و علم الناس إني و أبي أعداء الدين الذي خرجت منه و أنصار الدين الذي دخلت فيه و صرت إليه و السلام.
فلما قرأ معاوية كتابه غاظه و أراد إجابته فقال له عمرو مهلا فإنك إن كاتبته أجابك بأشد من هذا و إن تركته دخل فيما دخل فيه الناس فأمسك عنه و بعث معاوية عبد الله بن عامر و عبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن ع للصلح فدعواه‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 53
إليه و زهداه في الأمر و أعطياه ما شرط له معاوية و أن لا يتبع أحد بما مضى و لا ينال أحد من شيعة علي بمكروه و لا يذكر علي إلا بخير و أشياء اشترطها الحسن فأجاب إلى ذلك و انصرف قيس بن سعد فيمن معه إلى الكوفة..
ثم قال و روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة فخطب ثم قال إني و الله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم كارهون.
قال فكان عبد الرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول هذا و الله هو التهتك.
قال أبو الفرج و دخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة بين يديه خالد بن عرفطة و معه حبيب بن حمار يحمل رايته فلما صار بالكوفة دخل المسجد من باب الفيل و اجتمع الناس إليه.
قال أبو الفرج فحدثني أبو عبد الله الصيرفي و أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن علي بن خلف عن محمد بن عمرو الرازي عن مالك بن سعيد «1» عن محمد بن عبد الله الليثي عن عطاء بن السائب عن أبيه قال: بينما علي بن أبي طالب ع على منبر الكوفة إذ دخل رجل فقال يا أمير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال لا و الله ما مات و لا يموت حتى يدخل من باب المسجد و أشار إلى باب الفيل و معه راية ضلالة يحملها حبيب بن حمار قال فوثب إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمار و أنا لك شيعة فقال فإنه كما أقول قال فو الله لقد قدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن حمار.
قال أبو الفرج و قال مالك بن سعيد و حدثني الأعمش بهذا الحديث فقال حدثني صاحب هذه الدار و أشار إلى دار السائب أبي عطا أنه سمع عليا ع يقول هذا.
__________________________________________________
 (1) في المقاتل ص 49 (ط نجف) مالك بن شعير.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 54
قال أبو الفرج فلما تم الصلح بين الحسن و معاوية أرسل إلى قيس بن سعد يدعوه إلى البيعة فجاء و كان رجلا طوالا يركب الفرس المشرف و رجلاه يخطان في الأرض و ما في وجهه طاقة شعر و كان يسمى خصي الأنصار فلما أرادوا إدخاله إليه قال حلفت أن لا ألقاه إلا و بيني و بينه الرمح أو السيف فأمر معاوية برمح و بسيف فوضعا بينه و بينه ليبر يمينه.
قال أبو الفرج و قد روي أن الحسن لما صالح معاوية اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف و أبى أن يبايع فلما بايع الحسن أدخل قيس ليبايع فأقبل على الحسن فقال أ في حل أنا من بيعتك قال نعم فألقي له كرسي و جلس معاوية على سريره و الحسن معه فقال له معاوية أ نبايع يا قيس قال نعم و وضع يده على فخذه و لم يمدها إلى معاوية فحنى معاوية على سريره «1» و أكب على قيس حتى مسح يده على يده و ما رفع قيس إليه يده.
6- قب، المناقب لابن شهرآشوب لما مات أمير المؤمنين ع خطب الحسن بالكوفة فقال أيها الناس إن الدنيا دار بلاء و فتنة و كل ما فيها فإلى زوال و اضمحلال فلما بلغ إلى قوله و إني أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت و تسالموا من سالمت فقال الناس سمعنا و أطعنا فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين «2» فأقام بها شهرين قال أبو مخنف قال ابن عباس كلاما فيه فشمر في الحرب و جاهد عدوك و دار أصحابك و استتر من الضنين دينه بما لا ينثلم لك دين و ول أهل البيوتات و الشرف و الحرب خدعة و علمت أن أباك إنما رغب الناس عنه و صاروا إلى معاوية لأنه آسى بينهم في العطاء فرتب ع العمال و أنفذ عبد الله إلى البصرة فقصد معاوية نحو العراق فكتب إليه الحسن ع أما بعد فإن الله تعالى بعث محمدا رحمة للعالمين فأظهر به الحق و قمع به الشرك و أعز به العرب عامة و شرف به من شاء منها خاصة فقال و إنه‏

__________________________________________________
 (1) في المقاتل ص 50: فجثا معاوية على سريره. و حتى انسب فانه بمعنى الانعطاف.
 (2) في المصدر ج 4 ص 31: يا امام المؤمنين.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 55
لذكر لك و لقومك «1» فلما قبضه الله تعالى تنازعت العرب الأمر من بعده فقالت الأنصار منا أمير و منكم أمير فقالت قريش نحن أولياؤه و عشيرته فلا تنازعونا سلطانه فعرفت العرب ذلك لقريش ثم جاحدتنا قريش ما قد عرفته العرب لهم و هيهات ما أنصفتنا قريش الكتاب فأجابه معاوية على يدي جندب الأزدي موصل كتاب الحسن ع فهمت ما ذكرت به محمدا ص و هو أحق الأولين و الآخرين بالفضل كله و ذكرت تنازع المسلمين الأمر من بعده فصرحت بنميمة فلان و فلان و أبي عبيدة و غيرهم فكرهت ذلك لك لأن الأمة قد علمت أن قريشا أحق بها و قد علمت ما جرى من أمر الحكمين فكيف تدعوني إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك و قد خرج أبوك منه ثم كتب أما بعد فإن الله يفعل في عباده ما يشاء- لا معقب لحكمه و هو سريع الحساب فاحذر أن تكون منيتك على يدي رعاع الناس «2» و آيس [ايئس‏] من أن تجد فينا غميزة و إن أنت أعرضت عما أنت فيه و بايعتني وفيت لك بما وعدت و أجزت لك ما شرطت و أكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس-
          و إن أحد أسدى إليك كرامة-             فأوف بما تدعى إذا مت وافيا-
             فلا تحسد المولى إذا كان ذا غنى-             و لا تجفه إن كان للمال نائيا
 ثم الخلافة لك من بعدي و أنت أولى الناس بها و في رواية و لو كنت أعلم أنك أقوى للأمر و أضبط للناس و أكبت للعدو و أقوى على جمع الأموال مني لبايعتك لأنني أراك لكل خير أهلا ثم قال إن أمري و أمرك شبيه بأمر أبي بكر و أبيك بعد رسول الله ص فأجابه الحسن ع أما بعد فقد وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت و تركت جوابك خشية البغي و بالله أعوذ من ذلك فاتبع الحق فإنك تعلم من‏
__________________________________________________
 (1) الزخرف: 44.
 (2) الرعاع- بالفتح- سقاط الناس و سفلتهم و غوغاؤهم، الواحد رعاعة و قيل: لا واحد له من لفظه.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 56
أهله و علي إثم أن أقول فأكذب فاستنفر معاوية الناس فلما بلغ جسر منبج بعث الحسن ع حجر بن عدي و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا ثم خف معه أخلاط من شيعته و محكمة و شكاك و أصحاب عصبية و فتن حتى أتى حمام عمر أقول و ساق الكلام نحوا مما مر إلى أن قال و أنفذ إلى معاوية عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فتوثق منه لتأكيد الحجة أن يعمل فيهم بكتاب الله و سنة نبيه و الأمر من بعده شورى و أن يترك سب علي و أن يؤمن شيعته و لا يتعرض لأحد منهم و يوصل إلى كل ذي حق حقه و يوفر عليه حقه كل سنة خمسون ألف درهم فعاهده على ذلك معاوية و حلف بالوفاء به و شهد بذلك عبد الله بن الحارث و عمرو بن أبي سلمة و عبد الله بن عامر بن كريز و عبد الرحمن بن أبي سمرة و غيرهم.
فلما سمع ذلك قيس بن سعد قال‏
          أتاني بأرض العال من أرض مسكن             بأن إمام الحق أضحى مسالما
             فما زلت مذ بينته متلددا             أراعي نجوما خاشع القلب واجما
.
و روي أنه قال الحسن ع في صلح معاوية أيها الناس إنكم لو طلبتم ما بين جابلقا و جابرسا رجلا جده رسول الله ص ما وجدتموه غيري و غير أخي و إن معاوية نازعني حقا هو لي فتركته لصلاح الأمة و حقن دمائها و قد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت و قد رأيت أن أسالمه و أن يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الأمر- و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين و في رواية إنما هادنت حقنا للدماء و صيانتها و إشفاقا على نفسي و أهلي و المخلصين من أصحابي.
و روي أنه ع قال: يا أهل العراق إنما سخي عليكم «1»

__________________________________________________
 (1) في المصدر المطبوع ج 4 ص 34 قال المحشى: كذا في النسخ التي عندنا لكن وقفت على الرواية في غير الكتاب و فيها: «عنكم» بدل «عليكم» و هو الظاهر.
أقول و سيجي‏ء معناه في كلام المصنف رحمه الله.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 57
بنفسي ثلاث قتلكم أبي و طعنكم إياي و انتهابكم متاعي و دخل الحسين ع على أخيه باكيا ثم خرج ضاحكا فقال له مواليه ما هذا قال العجب من دخولي على إمام أريد أن أعلمه فقلت ما ذا دعاك إلى تسليم الخلافة فقال الذي دعا أباك فيما تقدم قال فطلب معاوية البيعة من الحسين ع فقال الحسن يا معاوية لا تكرهه فإنه لا يبايع أبدا أو يقتل و لن يقتل حتى يقتل أهل بيته و لن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام.
و قال المسيب بن نجبة الفزاري و سليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي ع ما ينقضي تعجبنا منك بايعت معاوية و معك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة و الحجاز فقال الحسن ع قد كان ذلك فما ترى الآن فقال و الله أرى أن ترجع لأنه نقض العهد فقال يا مسيب إن الغدر لا خير فيه و لو أردت لما فعلت و قال حجر بن عدي أما و الله لوددت أنك مت في ذلك اليوم و متنا معك و لم نر هذا اليوم فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا و رجعوا مسرورين بما أحبوا فلما خلا به الحسن ع قال يا حجر قد سمعت كلامك في مجلس معاوية و ليس كل إنسان يحب ما تحب و لا رأيه كرأيك و إني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم و الله تعالى كل يوم هو في شأن و أنشأ ع لما اضطر إلى البيعة-
          أجامل أقواما حياء و لا أرى-             قلوبهم تغلي علي مراضها «1»
 و له ع‏
          لئن ساءني دهر عزمت تصبرا-             و كل بلاء لا يدوم يسير


__________________________________________________
 (1) أظن الصحيح هكذا:
         أجامل أقواما حياء، و لا أرى             قدروهم تغلى على مراضها
 يقال: غلت القدر تغلى غليانا: جاشت و ثارت بقوة الحرارة، و مراض القدر أسفلها اذا غطى من الماء، يقول: انهم يثورون ثورة ظاهرية كالقدر التي ثارت أعلاه و لم تغل أسفلها، فهم منافقون يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 58
         و إن سرني لم أبتهج بسروره             و كل سرور لا يدوم حقير
.
إيضاح قوله ع استتر من الضنين الضنين البخيل أي استر دينك ممن يبخل بدينه منك بأن لا يظهر لك دينه أو لا يوافقك في الدين على وجه لا يضر بدينك بأن يكون على وجه المداهنة و يقال ليس له فيه غميزة أي مطعن و أسدى و أولى و أعطى بمعنى قوله بما تدعى أي أوف جزاء تلك الكرامة إيفاء تصير به معروفا بعد موتك بأنك كنت وافيا.
قوله إن كان للمال نائيا أي بعيدا عن المال فقيرا و فلان يتلدد أي يلتفت يمينا و شمالا و رجل ألد بين اللدد و هو شديد الخصومة و الواجم الذي اشتد حزنه و أمسك عن الكلام.
قوله ع إنما سخي عليكم أي جعلني سخيا في ترككم قال الجوهري سخت نفسه عن الشي‏ء إذا تركته قوله ع و لا أرى قلوبهم أي أجاملهم و لا أنظر إلى غليان قلوبهم للحقد و العداوة و يحتمل أن تكون لا زائدة.
7- قب، المناقب لابن شهرآشوب تفسير الثعلبي و مسند الموصلي و جامع الترمذي «1» و اللفظ له عن يوسف بن مازن الراسبي «2»
 أنه لما صالح الحسن بن علي ع عذل و قيل له يا مذل المؤمنين و مسود الوجوه فقال ع لا تعذلوني فإن فيها مصلحة
__________________________________________________
 (1) في أسد الغابة ج 2 ص 14 قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه و غير واحد قالوا باسنادهم الى أبى عيسى الترمذي قال: حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا أبو داود الطيالسى أخبرنا القاسم بن الفضل الحراني، عن يوسف بن سعد قال: قام رجل الى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين أو- يا مسود وجوه المؤمنين- فقال: لا تؤنبنى رحمك الله فان النبي صلى الله عليه و آله أرى بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت «إنا أنزلناه في ليلة القدر* و ما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر» 1- 17 97: 1- 3. تملكها بعدى بنو أمية.
 (2) الراشى خ ل.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 59
و لقد رأى النبي ص في منامه يخطب بنو أمية واحد بعد واحد «1» فحزن فأتاه جبرئيل بقوله إنا أعطيناك الكوثر و إنا أنزلناه في ليلة القدر- و في خبر عن أبي عبد الله ع فنزل- أ فرأيت إن متعناهم سنين إلى قوله يمتعون «2» ثم أنزل إنا أنزلناه يعني جعل الله ليلة القدر لنبيه خيرا من ألف شهر ملك بني أمية و عن سعيد بن يسار و سهل بن سهل أن النبي ص رأى في منامه أن قرودا تصعد في منبره و تنزل فساءه ذلك و اغتم به و لم ير بعد ذلك ضاحكا حتى مات و هو المروي عن جعفر بن محمد ع مسند الموصلي أنه رأى في منامه خنازير تصعد في منبره الخبر و قال القاسم بن الفضل الحراني عددنا ملك بني أمية فكان ألف شهر.
أقول قال عبد الحميد بن أبي الحديد قال أبو الفرج الأصفهاني حدثني محمد بن أحمد أبو عبيد عن الفضل بن الحسن البصري عن أبي عمرويه عن مكي بن إبراهيم عن السري بن إسماعيل عن الشعبي عن سفيان بن الليل [أبي ليلى‏] قال أبو الفرج و حدثني أيضا محمد بن الحسين الأشناني «3» و علي بن العباس عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن ثابت عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن سفيان قال: أتيت الحسن بن علي ع حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره و عنده رهط فقلت السلام عليك يا مذل المؤمنين قال و عليك السلام يا سفيان انزل فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال كيف قلت يا سفيان قال قلت السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال ما جر هذا منك إلينا فقلت أنت‏
__________________________________________________
 (1) الشعراء: 205.
 (2) في الأصل المطبوع: رأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه و هو يخطب بنى امية واحدا بعد واحد. و هو تصحيف ظاهر. راجع المصدر ج 4 ص 36.
 (3) في الأصل المطبوع هاهنا تصحيفات متعددة راجع ط كمباني ص 114، مقاتل الطالبيين ص 47.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 60
و الله بأبي أنت و أمي أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة و سلمت الأمر إلى اللعين ابن آكلة الأكباد و معك مائة ألف كلهم يموت دونك و قد جمع الله عليك أمر الناس فقال يا سفيان إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به و إني سمعت عليا ع يقول سمعت رسول الله ص يقول- لا تذهب الأيام و الليالي حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل و لا يشبع- لا ينظر الله إليه و لا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر و لا في الأرض ناصر و إنه لمعاوية و إني عرفت أن الله بالغ أمره ثم أذن المؤذن فقمنا إلى حالب يحلب ناقته فتناول الإناء فشرب قائما ثم سقاني و خرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي ما جاء بك يا سفيان قلت حبكم و الذي بعث محمدا بالهدى و دين الحق قال فأبشر يا سفيان فإني سمعت عليا ع يقول سمعت رسول الله ص يقول يرد علي الحوض أهل بيتي و من أحبهم من أمتي كهاتين يعني السبابتين أو كهاتين يعني السبابة و الوسطى إحداهما تفضل على الأخرى أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر و الفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد ص.
قال ابن أبي الحديد قوله و لا في الأرض ناصر أي ناصر ديني أي لا يمكن أحد أن ينتصر له بتأويل ديني يتكلف به عذرا لأفعاله القبيحة.
8- كش، رجال الكشي ذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه قال: إن الحسن ع لما قتل أبوه ع خرج في شوال من الكوفة إلى قتال معاوية فالتقوا بكسكر و حاربه ستة أشهر و كان الحسن ع جعل ابن عمه- عبيد الله بن العباس على مقدمته فبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم فمر بالراية و لحق بمعاوية و بقي العسكر بلا قائد و لا رئيس فقام قيس بن سعد بن عبادة فخطب الناس و قال أيها الناس لا يهولنكم‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 61
ذهاب هذا الكذا و كذا «1» فإن هذا و أباه لم يأتيا قط بخير و قام يأمر الناس و وثب أهل عسكر الحسن ع- بالحسن في شهر ربيع الأول فانتهبوا فسطاطه و أخذوا متاعه و طعنه ابن بشر الأسدي في خاصرته فردوه جريحا إلى المدائن حتى تحصن فيها عند عم المختار بن أبي عبيد.
9- كش، رجال الكشي جبرئيل بن أحمد و أبو إسحاق حمدويه و إبراهيم بن نصير عن محمد بن عبد الحميد العطار الكوفي عن يونس بن يعقوب عن فضيل غلام محمد بن راشد قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما أن اقدم أنت و الحسين و أصحاب علي فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فقدموا الشام فأذن لهم معاوية و أعد لهم الخطباء فقال يا حسن قم فبايع فقام فبايع ثم قال للحسين ع قم فبايع فقام فبايع ثم قال يا قيس قم فبايع فالتفت إلى الحسين ع ينظر ما يأمره فقال يا قيس إنه إمامي يعني الحسن ع.
10- كش، رجال الكشي جعفر بن معروف عن ابن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن ذريح قال سمعت أبا عبد الله ع يقول دخل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري‏
__________________________________________________
 (1) يعني هذا الذي فعل كذا و كذا، ادخل لام التعريف على كذا، و هو من شيمة المولدين و لفظ أبي الفرج في المقاتل ص 44 هكذا: ايها الناس لا يهولنكم، و لا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع- اى الجبان- ان هذا و أباه و أخاه لم يأتوا بيوم خير قط، ان أباه عم رسول الله صلى الله عليه و آله خرج يقاتله ببدر فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري فأتى به رسول الله فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين و ان أخاه ولاه على على البصرة فسرق مال الله و مال المسلمين فاشترى به الجواري، و زعم ان ذلك له حلال و ان هذا ولاه أيضا على اليمن فهرب من بسر بن أرطاة و ترك ولده حتى قتلوا و صنع الآن هذا الذي صنع.
قال فتنادى الناس: الحمد لله الذي أخرجه من بيننا امض بنا الى عدونا فنهض بهم الحديث.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 62
صاحب شرطة الخميس على معاوية فقال له معاوية بايع فنظر قيس إلى الحسن ع فقال يا با محمد بايعت فقال له معاوية أ ما تنتهي أما و الله إني فقال له قيس ما شئت أما و الله لئن شئت لتناقضن به فقال و كان مثل البعير جسما و كان خفيف اللحية قال فقام إليه الحسن ع و قال له بايع يا قيس فبايع.
بيان قوله أما و الله إني اكتفى ببعض الكلام تعويلا على قرينة المقام أي إني أقتلك أو نحوه قوله ما شئت أي اصنع ما شئت قوله لئن شئت على صيغة المتكلم أي إن شئت نقضت بيعتك فقوله لتناقضن على بناء المجهول.
11- كشف، كشف الغمة عن الشعبي قال: شهدت الحسن بن علي ع حين صالح معاوية بالنخيلة فقال له معاوية قم فأخبر الناس أنك تركت هذا الأمر و سلمته إلي فقام الحسن فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور و إن هذا الأمر الذي أختلف فيه أنا و معاوية إما أن يكون حق امرئ فهو أحق به مني و إما أن يكون حقا هو لي فقد تركته إرادة لصلاح الأمة و حقن دمائها «1» و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين.
12- ما، الأمالي للشيخ الطوسي جماعة عن أبي المفضل عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبيه عن عمار أبي اليقظان عن أبي عمر زاذان قال: لما وادع الحسن بن علي ع معاوية صعد معاوية المنبر و جمع الناس فخطبهم و قال إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا و لم ير نفسه لها أهلا و كان الحسن ع أسفل منه بمرقاة فلما فرغ من كلامه قام الحسن ع فحمد الله تعالى بما هو أهله ثم ذكر المباهلة فقال فجاء رسول الله ص من الأنفس بأبي و من الأبناء بي و بأخي و من النساء بأمي و كنا أهله و نحن آله و هو منا و نحن منه و لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله ص في كساء لأم سلمة رضي الله عنها خيبري‏
__________________________________________________
 (1) في أسد الغابة ج 2 ص 14: ثم التفت إلى معاوية و قال: ان أدرى إلخ و الحديث في الكشف ج 2 ص 141 نقلا عن كتاب الحلية لابى نعيم الحافظ.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 63
ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فلم يكن أحد في الكساء غيري و أخي و أبي و أمي و لم يكن أحد تصيبه جنابة في المسجد و يولد فيه إلا النبي ص و أبي تكرمة من الله لنا و تفضيلا منه لنا و قد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله ص و أمر بسد الأبواب فسدها و ترك بابنا فقيل له في ذلك فقال أما إني لم أسدها و أفتح بابه و لكن الله عز و جل أمرني أن أسدها و أفتح بابه و إن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية نحن أولى بالناس في كتاب الله عز و جل و على لسان نبيه ص و لم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله نبيه ص فالله بيننا و بين من ظلمنا حقنا و توثب على رقابنا و حمل الناس علينا و منعنا سهمنا من الفي‏ء و منع أمنا ما جعل لها رسول الله ص و أقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله ص لأعطتهم السماء قطرها و الأرض بركتها و ما طمعت فيها يا معاوية فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها فطمعت فيها الطلقاء و أبناء الطلقاء أنت و أصحابك و قد قال رسول الله ص ما ولت أمة أمرها رجلا و فيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا فقد تركت بنو إسرائيل هارون و هم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم و اتبعوا السامري و قد تركت هذه الأمة أبي و بايعوا غيره و قد سمعوا رسول الله ص يقول أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة و قد رأوا رسول الله ص نصب أبي يوم غدير خم و أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب و قد هرب رسول الله ص من قومه و هو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار و لو وجد أعوانا ما هرب و قد كف أبي يده حين ناشدهم و استغاث فلم يغث فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه و جعل الله النبي ص في سعة حين دخل الغار و لم يجد أعوانا و كذلك أبي و أنا في سعة من الله حين‏
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 64
خذلتنا هذه الأمة و بايعوك يا معاوية و إنما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق و المغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري و أخي لم تجدوا و إني قد بايعت هذا- و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين.
أقول قد مضى في كتاب الإحتجاج بوجه أبسط مرويا عن الصادق ع و هذا مختصر منه «1».
13- كشف، كشف الغمة و من كلامه ع كتاب كتبه إلى معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين ع و قد بايعه الناس- بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله الحسن بن أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر أما بعد فإن الله بعث محمدا ص رحمة للعالمين فأظهر به الحق و دفع به الباطل و أذل به أهل الشرك و أعز به العرب عامة و شرف به من شاء منهم خاصة فقال تعالى و إنه لذكر لك و لقومك «2» فلما قبضه الله تعالى تنازعت العرب الأمر بعده فقالت الأنصار منا أمير و منكم أمير و قالت قريش نحن أولياؤه و عشيرته فلا تنازعوا سلطانه فعرفت العرب ذلك لقريش و نحن الآن أولياؤه و ذوو القربى منه و لا غرو إن منازعتك إيانا بغير حق في الدين معروف و لا أثر في الإسلام محمود و الموعد الله تعالى بيننا و بينك و نحن نسأله تبارك و تعالى أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا به في الآخرة و بعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لما نزل به الموت ولاني هذا الأمر من بعده فاتق الله يا معاوية و انظر لأمة محمد ص ما تحقن به دماؤهم و تصلح أمورهم و السلام-.
__________________________________________________
 (1) راجع ج 10 ص 138- 145 من الطبعة الحديثة.
 (2) الزخرف: 44.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 65
و من كلامه ع ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقر بينه و بين معاوية حيث رأى حقن الدماء و إطفاء الفتنة و هو بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب- معاوية بن أبي سفيان صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله و سنة رسوله ص و سيرة الخلفاء الصالحين «1» و ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين و على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم و عراقهم و حجازهم و يمنهم و على أن أصحاب علي و شيعته آمنون على أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم و على معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله و ميثاقه و ما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء و بما أعطى الله من نفسه و على أن لا يبغي للحسن بن علي و لا لأخيه الحسين و لا لأحد من أهل بيت رسول الله ص غائلة سرا و لا جهرا و لا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق شهد عليه بذلك و كفى بالله شهيدا فلان و فلان و السلام و لما تم الصلح و انبرم الأمر التمس معاوية من الحسن ع أن يتكلم بمجمع من الناس و يعلمهم أنه قد بايع معاوية و سلم الأمر إليه فأجابه إلى ذلك فخطب و قد حشد الناس خطبة حمد الله تعالى و صلى على نبيه ص فيها و هي من كلامه المنقول عنه ع و قال أيها الناس إن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور «2» و إنكم لو طلبتم بين جابلق و جابرس رجلا جده رسول الله ص ما وجدتموه غيري و غير أخي الحسين و قد علمتم أن الله هداكم بجدي محمد فأنقذكم به من الضلالة
__________________________________________________
 (1) في المصدر ج 2 ص 145، «الخلفاء الراشدين» [الصالحين‏].
 (2) هذا هو الصحيح، و في بعض نسخ الرواية: «و ان اعجز العجز الفجور» كما في أسد الغابة ج 2 ص 14، و هو تصحيف.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 66
و رفعكم به من الجهالة و أعزكم بعد الذلة و كثركم بعد القلة و إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة و قطع الفتنة و قد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت و تحاربوا من حاربت فرأيت أن أسالم معاوية و أضع الحرب بيني و بينه و قد بايعته و رأيت أن حقن الدماء خير من سفكها و لم أرد بذلك إلا صلاحكم و بقاءكم- و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين.
بيان يقال لا غرو أي ليس بعجب قوله و لا أثر الجملة حالية أي و الحال أنه ليس لك أثر محمود و فعل ممدوح في الإسلام.
أقول سيأتي في كتاب الغيبة في الخبر الطويل الذي رواه المفضل بن عمر عن الصادق ع في الرجعة «1» أنه ع قال: يا مفضل و يقوم الحسن ع إلى جده ص فيقول يا جداه كنت مع أمير المؤمنين ع في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته يا جداه و بلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف و خمسين ألف مقاتل فأمر بالقبض علي و على أخي الحسين و سائر إخواني و أهل بيتي و شيعتنا و موالينا و أن يأخذ علينا البيعة لمعاوية فمن أبى منا ضرب عنقه و سير إلى معاوية رأسه «2» فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلاة و رقأت المنبر و اجتمع الناس فحمدت الله و أثنيت عليه و قلت معشر الناس‏
__________________________________________________
 (1) راجع ج 53 ص 21- 23. و لنا في ذيل الحديث كلام في سنده و متنه ينبغي للباحث أن يراجع ذلك.
 (2) لكنه مخالف للتاريخ المسلم الصريح من أن زيادا هذا كان حين قتل علي عليه السلام عاملا له على بلاد فارس و كرمان يبغض معاوية و يشنؤه و كان في معقله بفارس قاطنا حتى أطمعه معاوية و كاتبه و راسله بعد أن صالح مع الحسن السبط عليه السلام، فخرج زياد بعد ما استوثق من معاوية لنفسه، فجاءه بدمشق و سلم عليه بامرة المؤمنين ثم استلحقه سنة أربع و أربعين و استعمله على البصرة، راجع أسد الغابة ج 2 ص 216.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 67
عفت الديار و محيت الآثار و قل الاصطبار فلا قرار على همزات الشياطين و حكم الخائنين الساعة و الله صحت البراهين و فصلت الآيات و بانت المشكلات و لقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله عز و جل و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين «1» فلقد مات و الله جدي رسول الله ص و قتل أبي ع و صاح الوسواس الخناس في قلوب الناس و نعق ناعق الفتنة و خالفتم السنة فيا لها من فتنة صماء عمياء لا يسمع لداعيها و لا يجاب مناديها و لا يخالف واليها ظهرت كلمة النفاق و سيرت رايات أهل الشقاق و تكالبت جيوش أهل المراق من الشام و العراق هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح و النور الوضاح و العلم الجحجاح و النور الذي لا يطفى و الحق الذي لا يخفى أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة و من تكاثف الظلمة فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة و تردى بالعظمة لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية و نيات مخلصة- لا يكون فيها شوب نفاق و لا نية افتراق لأجاهدن بالسيف قدما قدما و لأضيقن من السيوف جوانبها و من الرماح أطرافها و من الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلا عشرون رجلا فإنهم قاموا إلي فقالوا يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا و سيوفنا فها نحن بين يديك لأمرك طائعون و عن رأيك صادرون فمرنا بما شئت فنظرت يمنة و يسرة فلم أر أحدا غيرهم فقلت لي أسوة بجدي رسول الله ص حين عبد الله سرا و هو يومئذ في تسعة و ثلاثين رجلا فلما أكمل الله له الأربعين صار في عدة و أظهر أمر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده‏
__________________________________________________
 (1) آل عمران: 144.
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 68
ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت اللهم إني قد دعوت و أنذرت و أمرت و نهيت و كانوا عن إجابة الداعي غافلين و عن نصرته قاعدين و في طاعته مقصرين و لأعدائه ناصرين اللهم فأنزل عليهم رجزك و بأسك و عذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين و نزلت ثم خرجت من الكوفة داخلا إلى المدينة فجاءوني يقولون إن معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار و الكوفة و شن غاراته على المسلمين و قتل من لم يقاتله و قتل النساء و الأطفال فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم فأنفذت معهم رجالا و جيوشا و عرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية و ينقضون عهدي و بيعتي فلم يكن إلا ما قلت لهم و أخبرتهم.
أقول: أوردت الخبر بتمامه و شرحه في كتاب الغيبة.
و قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة روي أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر ع قال لبعض أصحابه يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا و تظاهرهم علينا و ما لقي شيعتنا و محبونا من الناس إن رسول الله ص قبض و قد أخبر أنا أولى الناس بالناس فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه و احتجت على الأنصار بحقنا و حجتنا تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا و نصبت الحرب لنا و لم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتى قتل فبويع الحسن ابنه و عوهد ثم غدر به و أسلم و وثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه و انتهب عسكره و عولجت خلاخيل أمهات أولاده فوادع معاوية و حقن دمه و دماء أهل بيته و هم قليل حق قليل ثم بايع الحسين ع من أهل العراق عشرون ألفا ثم غدروا به و خرجوا عليه و بيعته في أعناقهم فقتلوه ثم لم نزل أهل البيت نستذل و نستضام و نقصى و نمتهن و نحرم و نقتل و نخاف و لا نأمن على دمائنا و دماء أوليائنا و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم-
                       

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 69
و جحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم و قضاة السوء و عمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة و رووا عنا ما لم نقله و لم نفعله ليبغضونا إلى الناس و كان عظم ذلك و كبره زمن معاوية بعد موت الحسن ع فقتلت شيعتنا بكل بلدة و قطعت الأيدي و الأرجل على الظنة و كان من ذكر بحبنا و الانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد و يزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ع ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة و أخذهم بكل ظنة و تهمة حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي و حتى صار الرجل الذي يذكر بالخير و لعله يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل من قد سلف من الولاة و لم يخلق الله تعالى شيئا منها و لا كانت و لا وقعت و هو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب و لا بقلة ورع.




الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، ج‏2، ص: 223
قالوا قلتم أنصاره ثلاثمائة و ثلاثة عشر فلم لا يخرج اليوم و أنصاره أكثر قلنا علمنا ذلك بالخبر على أن الكثرة لا تعتبر فإن النبي حارب في بدر بذلك العدد و لم يكن فيهم إلا سبعة أسياف و الباقي بجريد النخل و لم يحارب في الحديبية و معه ألف و سبعمائة بحسب المصلحة و صالح الحسن معاوية في آلاف و حارب الحسين في قوم قليلين.




عبارات کلیدی

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 1
لو لا ما صنع لكان أمر عظيم‏



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 2
و لو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 19
أ ما علمتم أنه ما منا أحد إلا و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي خلفه‏



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 20
4-  و الله لأن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي و آمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي و أهلي و الله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما فو الله لأن أسالمه و أنا عزيز خير من أن يقتلني و أنا أسيره أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر ... أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية و أميرها الرحب البلعوم الواسع الأعفاج يأكل و لا يشبع يموت و ليس له في السماء ناصر و لا في الأرض عاذر ثم يستولي على غربها و شرقها تدين له العباد و يطول ملكه يستن بسنن البدع و الضلال و يميت الحق و سنة رسول الله ص يقسم المال في أهل ولايته و يمنعه من هو أحق به و يذل في ملكه المؤمن و يقوى في سلطانه الفاسق و يجعل المال بين أنصاره دولا و يتخذ عباد الله خولا و يدرس في سلطانه الحق و يظهر الباطل و يلعن الصالحون و يقتل من ناواه على الحق و يدين من والاه على الباطل فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان و كلب من الدهر و جهل من الناس يؤيده الله بملائكته و يعصم أنصاره و ينصره بآياته و يظهره على‏



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 23
لعلي ع أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي و قد هرب رسول الله ص من قومه و هو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى الغار و لو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم و لو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية و قد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه و لم يجد عليهم أعوانا و قد جعل الله النبي ص في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم و كذلك أنا و أبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة و بايعت غيرنا و لم نجد أعوانا و إنما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق و المغرب لم تجدوا رجلا من ولد نبي غيري و غير أخي.



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 24
 قال رسول الله ص لن تذهب الأيام و الليالي حتى يلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم رحب الصدر «2» يأكل و لا يشبع و هو معاوية



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 33
باب 19 كيفية مصالحة الحسن بن علي صلوات الله عليهما معاوية و ما جرى بينهما قبل ذلك‏
1- ع، علل الشرائع دس معاوية إلى عمرو بن حريث و الأشعث بن قيس و إلى حجر بن الحارث «1» و شبث بن ربعي دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه أنك إن قتلت الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم و جند من أجناد الشام و بنت من بناتي فبلغ الحسن ع فاستلأم و لبس درعا و كفرها و كان يحترز و لا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللأمة فلما صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر فأمر ع أن يعدل به إلى بطن جريحى‏...فکتب الحسن من فوره الی معاویة



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 45
ما سلمت له الأمر لأنه محرم على بني أمية فأف و ترحا يا عبيد الدنيا و كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية فإنا معك و إن شئت أخذنا الحسن و بعثناه إليك ثم أغاروا على فسطاطه و ضربوه بحربة و أخذ مجروحا ثم كتب جوابا لمعاوية إنما هذا الأمر لي و الخلافة لي و لأهل بيتي و إنها لمحرمة عليك و على أهل بيتك سمعته من رسول الله ص و الله لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت لك و لا أعطيتك ما تريد و انصرف إلى الكوفة.



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 46
و معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له و لأبيه و بعضهم محكمة «2» يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة و بعضهم أصحاب فتن و طمع في الغنائم و بعضهم شكاك و بعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم- لا يرجعون إلى دين‏



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 47
 فقالوا كفر و الله الرجل ثم شدوا على فسطاطه و انتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفة [مطرفه‏] عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا بالسيف بغير رداء ثم دعا بفرسه و ركبه و أحدق به طوائف من خاصته و شيعته و منعوا منه من أراده فقال ادعوا لي ربيعة و همدان فدعوا له فأطافوا به و دفعوا الناس عنه ع و سار و معه شوب من غيرهم فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان و أخذ بلجام بغلته و بيده مغول و قال الله أكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم 



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 48
 فازدادت بصيرة الحسن ع بخذلان القوم له و فساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب و التكفير له و استحلال دمه و نهب أمواله و لم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعة أبيه و شيعته و هم جماعة لا يقوم لأجناد الشام فكتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح و أنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به و تسليمه إليه و اشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة و عقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة فلم يثق به الحسن و علم باحتياله بذلك و اغتياله غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس منه من ترك الحرب و إنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه و الفساد عليه و الخلف منهم له و ما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه و تسليمه إلى خصمه و ما كان من خذلان ابن عمه له و مصيره إلى عدوه و ميل الجمهور منهم إلى العاجلة و زهدهم في الآجلة فتوثق ع لنفسه من معاوية لتوكيد الحجة عليه و الإعذار فيما بينه و بينه عند الله تعالى و عند كافة المسلمين و اشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين ع و العدول عن القنوت عليه في الصلوات و أن يؤمن شيعته و لا يتعرض لأحد منهم بسوء



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 56
أهله و علي إثم أن أقول فأكذب فاستنفر معاوية الناس فلما بلغ جسر منبج بعث الحسن ع حجر بن عدي و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا ثم خف معه أخلاط من شيعته و محكمة و شكاك و أصحاب عصبية و فتن 

و روي أنه قال الحسن ع في صلح معاوية أيها الناس إنكم لو طلبتم ما بين جابلقا و جابرسا رجلا جده رسول الله ص ما وجدتموه غيري و غير أخي و إن معاوية نازعني حقا هو لي فتركته لصلاح الأمة و حقن دمائها و قد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت و قد رأيت أن أسالمه و أن يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الأمر- و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين و في رواية إنما هادنت حقنا للدماء و صيانتها و إشفاقا على نفسي و أهلي و المخلصين من أصحابي.



بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏44، ص: 57
بنفسي ثلاث قتلكم أبي و طعنكم إياي و انتهابكم متاعي و دخل الحسين ع على أخيه باكيا ثم خرج ضاحكا فقال له مواليه ما هذا قال العجب من دخولي على إمام أريد أن أعلمه فقلت ما ذا دعاك إلى تسليم الخلافة فقال الذي دعا أباك فيما تقدم قال فطلب معاوية البيعة من الحسين ع فقال الحسن يا معاوية لا تكرهه فإنه لا يبايع أبدا أو يقتل و لن يقتل حتى يقتل أهل بيته و لن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام.











فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است