کلام محدث استرآبادی در نقد منطق ارسطوئی

فهرست مباحث منطق
فهرست علوم





نرم‌افزار جامع فقه اهل بیت ع نور:

الفوائد المدنية و بذيله الشواهد المكية، ص: 254‌
الفصل الثاني في بيان انحصار مدرك ما ليس من ضروريّات الدين‌ من المسائل الشرعية أصلية كانت أو فرعية في السماع عن الصادقين عليهم السّلام

و لي فيه أدلّة:

الأوّل: عدم ظهور دلالة قطعية و اذن في جواز التمسّك في نظريات الدين بغير كلام العترة الطاهرة عليهم السّلام و لا ريب في جواز التمسّك بكلامهم عليهم السّلام فتعيّن ذلك.
....
....
الفوائد المدنية و بذيله الشواهد المكية؛ ص: 256
و الدليل التاسع: مبنيّ على دقيقة شريفة تفطّنت لها بتوفيق اللّه تعالى، و هي أنّ العلوم النظرية قسمان:
قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس، و من هذا القسم علم الهندسة و الحساب و أكثر أبواب المنطق، و هذا القسم لا يقع فيه الاختلاف بين العلماء و الخطأ في نتائج الأفكار. و السبب فيه: أنّ الخطأ في الفكر إمّا من جهة الصورة و إمّا من جهة المادّة، و الخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء، لأنّ معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الأذهان المستقيمة، و لأنّهم عارفون بالقواعد المنطقية و هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة. و الخطأ من جهة المادّة لا يتصوّر في هذه العلوم لقرب مادّة الموادّ فيها إلى الاحساس.
و قسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس، و من هذا القسم الحكمة الإلهية و الطبيعية و علم الكلام و علم اصول الفقه و المسائل النظرية الفقهية و بعض القواعد المذكورة في كتب المنطق، كقولهم: «الماهيّة لا يتركّب من أمرين متساويين» و قولهم:
«نقيض المتساويين متساويان» و من ثمّ وقع الاختلاف و المشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهية و الطبيعية و بين علماء الإسلام في اصول الفقه و المسائل الفقهية و علم الكلام و غير ذلك من غير فيصل. و السبب في ذلك ما ذكرناه: من أنّ القواعد‌
______________________________
اینجا عبارت شواهد مکیه سید نور الدین برادر صاحب مدارک و صاحب معالم است در نقد الفوائد المدنیه استرابادی فتفطن:
وجب على الرسول صلّى اللّه عليه و آله التنبيه بالصريح على ذلك و التحذير منه بالخصوص و لم يكتف بما وقع في القرآن، لأنّه مخصوص بمحالّه لا يتعدّاها إلى جميع الأحوال، و إلّا لما جاز التعويل على الظنّ أبدا في كلّ الأحكام و بطلانه ظاهر.
______________________________
(1) الاحتجاج 2: 470.
(2) الكافي 1: 40، ح 3.


الفوائد المدنية و بذيله الشواهد المكية، ص: 257‌
المنطقية إنّما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة، إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب موادّ الأقيسة تقسيم المواد على وجه كلّي إلى أقسام، و ليست في المنطق قاعدة بها نعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من تلك الأقسام، بل من المعلوم عند اولي الألباب امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك.
و ممّا يوضح ما ذكرناه من جهة النقل الأحاديث المتواترة معنى الناطقة بأنّ اللّه تعالى أخذ ضغثا من الحقّ و ضغثا من الباطل فمغثهما ثمّ أخرجهما إلى الناس، ثمّ بعث أنبياءه يفرّقون بينهما ففرقتهما الأنبياء و الأوصياء، فبعث اللّه الأنبياء ليفرّقوا «1» ذلك، و جعل الأنبياء قبل الأوصياء ليعلم الناس من يفضّل اللّه و من يختصّ، و لو كان الحقّ على حدة و الباطل على حدة كلّ واحد منهما قائم بشأنه ما احتاج الناس إلى نبيّ و لا وصيّ، و لكنّ اللّه عزّ و جلّ خلطهما و جعل تفريقهما إلى الأنبياء و الأئمّة من عباده «2».
و ممّا يوضحه من جهة العقل ما في شرح العضدي للمختصر الحاجبي، حيث قال في مقام ذكر الضروريات القطعية:
منها: المشاهدات الباطنية، و هي ما لا يفتقر إلى العقل كالجوع و الألم.
و منها: الأوّليات، و هي ما يحصل بمجرّد العقل كعلمك بوجودك و أنّ النقيضين يصدق أحدهما.
و منها: المحسوسات، و هي ما يحصل بالحسّ.
و منها: التجربيات، و هي ما يحصل بالعادة كإسهال المسهل و الإسكار.
و منها: المتواترات، و هي ما يحصل بالأخبار تواترا كبغداد و مكّة.
و حيث قال في مقام ذكر الضروريات الظنّية: إنّها أنواع:
الحدسيّات، كما نشاهد نور القمر يزداد و ينقص بقربه و بعده من الشمس فنظنّ أنّه مستفاد منها.
و المشهورات، كحسن الصدق و العدل و قبح الكذب و الظلم، و كالتجربيات الناقصة و كالمحسوسات الناقصة.
______________________________
(1) في المصدر: ليعرفوا ذلك.
(2) رجال الكشي: 275، ح 494.


الفوائد المدنية و بذيله الشواهد المكية، ص: 258‌
و الوهميات: ما يتخيّل بمجرّد الفطرة بدون نظر العقل أنّه من الأوّليات، مثل كلّ موجود متحيّز.
و المسلّمات: ما يتسلّمه الناظر من غيره «1».
و حيث قال في مقام ذكر أصناف الخطأ في مادّة البرهان: الثالث جعل الاعتقاديات و الحدسيات و التجربيات الناقصة و الظنّيات و الوهميات ممّا ليس بقطعي كالقطعي و إجراؤها مجراه، و ذلك كثير «2».
و حيث قال في مبحث الإجماع: و الجواب أنّ إجماع الفلاسفة على قدم العالم عن نظر عقلي و تعارض الشبه و اشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثير، و أمّا في الشرعيات فالفرق بين القاطع و الظنّي بيّن لا يشتبه على أهل المعرفة و التمييز «3» انتهى كلامه.
فإن قلت: لا فرق في ذلك بين العقليات و الشرعيات، و الشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في الأصوليين و في الفروع الفقهية.
قلت: إنّما نشاهد «4» ذلك من ضمّ مقدّمة عقلية باطلة بالمقدّمة النقلية الظنّية أو القطعية.
و من الموضحات لما ذكرناه من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادّة الفكر: أن المشّائيّين ادّعوا البداهة في أنّ تفريق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه و إحداث لشخصين آخرين، و على هذه المقدّمة بنوا إثبات الهيولي.
و الاشراقيّين ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداما للشخص الأوّل و في أنّ الشخص الأوّل باق، و إنّما انعدمت صفة من صفاته و هو الاتّصال.
و من الموضحات لما ذكرناه: أنّه لو كان المنطق عاصما عن الخطأ من جهة المادّة لم يقع بين فحول العلماء العارفين بالمنطق اختلاف، و لم يقع غلط في الحكمة الإلهية و في الحكمة الطبيعية و في علم الكلام و علم اصول الفقه [و الفقه «5»] كما لم يقع في علم الحساب و في علم الهندسة.
______________________________
(1) شرح القاضي: 19.
(2) شرح القاضي: 34.
(3) شرح القاضي: 126.
(4) في ط: نشأ.
(5) لم يرد في ط.


الفوائد المدنية و بذيله الشواهد المكية، ص: 259‌
إذا عرفت ما مهّدنا من الدقيقة الشريفة، فنقول: إن تمسّكنا بكلامهم فقد عصمنا عن الخطأ و إن تمسّكنا بغيره لم نعصم عنه، و من المعلوم أنّ العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب شرعا و عقلا.
ألا ترى أنّ الإماميّة استدلّت على وجوب عصمة الإمام بأنّه لو لا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتّباع الخطأ، و ذلك محال لأنّه قبيح عقلا.
و أنت إذا تأمّلت في هذا الدليل علمت أنّ مقتضاه: أنّه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظنّي في أحكامه تعالى أصلا سواء كان ظنّي الدلالة أو ظنّي المتن أو ظنّيهما.
و العجب كلّ العجب! أنّ جمعا من الأفاضل القائلين بصحّة هذا الدليل رأيتهم قائلين بجواز العمل بالدليل الظنّي و نبّهتهم على تنافي لازميها فلم يقبلوا، فقلت في نفسي:
إذا لم تكن للمرء عين صحيحة فلا غرو أن يرتاب و الصبح مسفر*
______________________________
* إنّا قد بيّنّا أنّ المحذور الّذي اعتبرت العصمة لأجله على دعواه- و هو احتمال إخباره بغير الحقّ من وهم أو نسيان أو تعمّد- يأتي هذا المحذور في كلّ مخبر، فيلزم أن لا يفيد خبره العلم إلّا بعد ثبوت عصمته، فلا يجوز قبوله مع الاحتمال و إن كان الاحتمال ضعيفا و بيّنّا أنّ الأوصاف و الشروط الّتي تعتبر في النبيّ و الإمام من الكمالات و النزاهة عن النقائص لا تعتبر في غيرهم، و أنّ الراوي يكفينا في تصديقه العلم بعدالته، كما دلّ عليه القرآن و ثبوت الحقّ بشهادة العدلين و الاكتفاء بخبر العدل الواحد في مواضع، و متى يحصل الق?ع و العلم من الخبر في كلّ حكم؟ و الاصوليّون صرّحوا بالفرق بين القرآن و الخبر بأنّ القرآن قطعي المتن ظنّي الدلالة و الخبر عكسه، و دليل السمع محصور فيهما فكيف يتحقّق القطع و العلم؟ مع أنّه لا بدّ فيهما من الرجوع إلى الظنّ. و لو اعتبرنا في كلّ حكم و مسألة العلم و القطع من الأخبار بحكمها لانسدّ باب العمل في كثير من الأحكام و تعطّلت الشريعة السمحة الّتي جاء بها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
و دعوى تيسّر ذلك في زماننا و زمن من تقدّمنا غير زمن الأئمّة عليهم السّلام لمن كان يمكنه علم أمرهم عليهم السّلام دعوى واضحة الفساد ناشئة عن تمام الجهالة. و المصنّف يتعجّب من مخالفة الفضلاء له في خطأ منه واضح، و التعجّب من خطائه أحقّ، و ما أحسن ما يقال هنا:


الفوائد المدنية و بذيله الشواهد المكية، ص: 260‌
فائدة شريفة نافعة‌
فيها توضيح لما اخترناه من أنّه لا عاصم عن الخطأ في النظريات الّتي مباديها بعيدة عن الإحساس إلّا التمسّك بأصحاب العصمة عليهم السّلام و هي أن يقال:
الاختلافات الواقعة بين الفلاسفة في علومهم و الواقعة بين علماء الإسلام في العلوم الشرعية السبب فيها إمّا أنّ أحد الخصمين ادّعى بداهة مقدّمة هي مادّة الموادّ في بابها و بنى عليها فكره، و الخصم الآخر ادّعى بداهة نقيضها و استدلّ على صحّة نقيضها و بنى عليه فكره أو منع صحّتها. و إمّا أنّ أحد الخصمين فهم من كلام خصمه غير مراده و لم يخطر بباله مراده فاعترض عليه، فلو خطر بباله احتمال مراده لرجع عن ذلك.
و بالجملة سبب الاختلاف: إمّا إجراء الظنّ مجرى القطع، أو الذهول و الغفلة عن بعض الاحتمالات، أو التردّد و الحيرة في بعض المقدّمات. و لا عاصم عن الكلّ إلّا التمسّك بأصحاب العصمة عليهم السّلام و المنطق بمعزل عن أن ينتفع به في هذه المواضع و إنّما الانتفاع به في صورة الأفكار فقط.
***______________________________
عجبا للمرء يبدو جهله واضحا للناس ما فيه خفا ليس يدري بالّذي فيه و إن وضح العيب تعامى و نفى لا أرى أغفل منه في الورى أحدا إذ نفسه ما عرفا
الفوائد المدنية و بذيله الشواهد المكية، ص: 261‌










فرائد الأصول، ج‏1، ص: 51
الأمر الثاني: عدم حجّية القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة عند الأخباريّين‏
أنّك قد عرفت «1»: أنّه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين أسباب العلم، و ينسب إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريّين «2» عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة القطعيّة «3» الغير الضروريّة؛ لكثرة وقوع الاشتباه و الغلط فيها، فلا يمكن الركون إلى شي‏ء منها.
[مناقشة الأخباريّين:]
فإن أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع، فلا يعقل ذلك في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف؛ و لو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدّمات الشرعيّة طابق النعل بالنعل.
و إن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقليّة لتحصيل المطالب الشرعيّة؛ لكثرة وقوع الغلط و الاشتباه فيها، فلو سلّم ذلك و اغمض عن المعارضة بكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة، فله وجه، و حينئذ: فلو خاض فيها و حصل القطع بما
__________________________________________________
(1) راجع الصفحة 31.
(2) كالأمين الأسترابادي، و المحدّث الجزائري، و المحدّث البحراني، كما سيأتي.
(3) لم ترد «القطعيّة» في (ظ)، (ل) و (م).


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 52
لا يوافق الحكم الواقعي لم يعذر في ذلك؛ لتقصيره في مقدّمات التحصيل.
إلّا أنّ الشأن في ثبوت كثرة الخطأ أزيد ممّا يقع في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة.
و قد عثرت- بعد ما ذكرت هذا- على كلام يحكى عن المحدّث الأسترابادي في فوائده المدنيّة، قال- في عداد ما استدلّ به على انحصار الدليل في غير الضروريّات الدينيّة في السماع عن الصادقين عليهم السّلام- «1»:
[كلام المحدّث الأسترابادي في المسألة]
الدليل التاسع مبنيّ على مقدّمة دقيقة شريفة تفطّنت لها بتوفيق اللّه تعالى، و هي:
أنّ العلوم النظرية قسمان:
قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس، و من هذا القسم علم الهندسة و الحساب و أكثر أبواب المنطق، و هذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء و الخطأ في نتائج الأفكار؛ و السبب في ذلك أنّ الخطأ في الفكر إمّا من جهة الصورة أو من جهة المادّة، و الخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء؛ لأنّ معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الأذهان المستقيمة، و الخطأ من جهة المادّة لا يتصوّر في هذه العلوم؛ لقرب الموادّ فيها إلى الإحساس.
و قسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس، و من هذا القسم الحكمة الإلهيّة و الطبيعية و علم الكلام و علم اصول الفقه و المسائل النظرية الفقهيّة و بعض القواعد المذكورة في كتب المنطق؛ و من ثمّ وقع الاختلافات و المشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهيّة و الطبيعيّة، و بين‏
__________________________________________________
(1) في (ر)، (ص)، (ل) و (م) زيادة: «قال».


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 53
علماء الإسلام في اصول الفقه و المسائل الفقهيّة و علم الكلام، و غير ذلك.
و السبب في ذلك: أنّ القواعد المنطقيّة إنّما هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة، لا من جهة المادّة «1»، و ليست في المنطق قاعدة بها يعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من الأقسام، و من المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك.
ثمّ استظهر ببعض الوجوه تأييدا لما ذكره، و قال بعد ذلك:
فإن قلت: لا فرق في ذلك بين العقليّات و الشرعيّات؛ و الشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في اصول الدين و في الفروع الفقهيّة.
قلت: إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة عقليّة باطلة بالمقدّمة النقليّة الظنيّة أو القطعيّة.
و من الموضحات لما ذكرناه- من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادّة الفكر-: أنّ المشّائيين ادّعوا البداهة في أنّ تفريق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه و إحداث لشخصين آخرين، و على هذه المقدّمة بنوا إثبات الهيولى، و الإشراقيين ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداما للشخص الأوّل «2» و إنّما انعدمت صفة من صفاته، و هو الاتصال.
ثمّ قال:
إذا عرفت ما مهّدناه من «3» الدقيقة الشريفة، فنقول:
__________________________________________________
(1) في (ر) و المصدر و نسخة بدل (ص) زيادة ما يلي: «إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب موادّ الأقيسة تقسيم الموادّ على وجه كلّي إلى أقسام».
(2) في (ص) و المصدر زيادة: «و في أنّ الشخص الأوّل باق».
(3) في (ن)، (ر)، (ص) و (ه) زيادة: «المقدّمة».


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 54
إن تمسّكنا بكلامهم عليهم السّلام فقد عصمنا من الخطأ، و إن تمسّكنا بغيرهم لم نعصم عنه «1»، انتهى كلامه.
و المستفاد من كلامه: عدم حجّية إدراكات العقل في غير المحسوسات و ما تكون مبادئه قريبة من الإحساس.
و قد استحسن ما ذكره- إذا لم يتوافق عليه العقول «2»- غير واحد ممّن تأخّر عنه، منهم السيّد المحدّث الجزائري قدّس سرّه في أوائل شرح التهذيب على ما حكي عنه. قال بعد ذكر كلام المحدّث المتقدّم بطوله:
[كلام المحدث الجزائري في المسألة:]
و تحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه. فإن قلت: قد عزلت العقل عن الحكم في الاصول و الفروع، فهل يبقى له حكم في مسألة من المسائل؟
قلت: أمّا البديهيّات فهي له وحده، و هو الحاكم فيها. و أمّا النظريات: فإن وافقه النقل و حكم بحكمه قدّم حكمه على النقل وحده، و أمّا لو تعارض هو و النقلي «3» فلا شكّ عندنا في ترجيح النقل و عدم، الالتفات إلى ما حكم به العقل.
قال:
و هذا أصل يبتنى عليه مسائل كثيرة، ثمّ ذكر جملة من المسائل‏
__________________________________________________
(1) الفوائد المدنيّة: 129- 131.
(2) كذا في (ص)، (ل) و (م)، و لم ترد عبارة «إذا لم يتوافق عليه العقول» في (ه)، و شطب عليها في (ت)، و وردت في (ر) قبل قوله: «و قد استحسن»، و في نسخة بدل (ص) بدل «العقول»: «النقل».
(3) كذا في (ت)، (ر)، (ظ) و نسخة بدل (ص)، و في (ص)، (ه) و (م): «تعارضا».


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 55
المتفرّعة «1».
[مناقشة ما أفاده المحدث الجزائري:]
أقول: لا يحضرني شرح التهذيب حتّى الاحظ ما فرّع على ذلك، فليت شعري! إذا فرض حكم العقل على وجه القطع بشي‏ء، كيف يجوز حصول القطع أو الظنّ من الدليل النقلي على خلافه؟ و كذا لو فرض حصول القطع من الدليل النقلي، كيف يجوز حكم العقل بخلافه على وجه القطع؟
[كلام المحدث البحراني في المسألة:]
و ممّن وافقهما على ذلك في الجملة: المحدّث البحراني في مقدّمات الحدائق، حيث نقل كلاما للسيّد المتقدّم في هذا المقام و استحسنه، إلّا أنّه صرّح بحجّية العقل الفطري الصحيح، و حكم بمطابقته للشرع و مطابقة الشرع له. ثمّ قال:
لا مدخل للعقل في شي‏ء من الأحكام الفقهيّة من عبادات و غيرها، و لا سبيل إليها إلّا السماع عن المعصوم عليه السّلام؛ لقصور العقل المذكور عن الاطّلاع عليها. ثمّ قال:
نعم، يبقى الكلام بالنسبة إلى ما لا يتوقّف «2» على التوقيف، فنقول:
إن كان الدليل العقلي المتعلّق بذلك بديهيّا ظاهر البداهة- مثل:
الواحد نصف الاثنين- فلا ريب في صحّة العمل به، و إلّا:
فإن لم يعارضه دليل عقليّ و لا نقليّ فكذلك.
و إن عارضه دليل عقليّ آخر: فإن تأيّد أحدهما بنقلي كان‏
__________________________________________________
(1) شرح التهذيب (مخطوط): 47.
(2) في (ص) و المصدر: «يتوقّف»، و ما أثبتناه مطابق لسائر النسخ و الدرر النجفية لصاحب الحدائق، انظر الدرر النجفية: 147- 148.


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 56
الترجيح له «1»، و إلّا فإشكال.
و إن عارضه دليل نقليّ: فإن تأيّد ذلك العقلي بدليل نقلي كان الترجيح للعقلي- إلّا أنّ هذا في الحقيقة تعارض في النقليّات- و إلّا فالترجيح للنقلي، وفاقا للسيّد المحدّث المتقدّم ذكره، و خلافا للأكثر.
هذا بالنسبة إلى العقلي بقول مطلق، أمّا لو اريد به المعنى الأخصّ، و هو الفطريّ الخالي عن شوائب الأوهام الذي هو حجّة من حجج الملك العلّام- و إن شذّ وجوده في الأنام- ففي ترجيح النقليّ عليه إشكال «2»، انتهى.
[مناقشة ما أفاده المحدث البحراني:]
و لا أدري كيف جعل الدليل النقلي في الأحكام النظريّة مقدّما على ما هو في البداهة من قبيل «الواحد نصف الاثنين»؛ مع أنّ ضروريّات الدين و المذهب لم يزد في البداهة على ذلك؟! «3»
و العجب ممّا ذكره في الترجيح عند تعارض العقل و النقل، كيف يتصوّر الترجيح في القطعيّين، و أيّ دليل على الترجيح المذكور؟!
و أعجب من ذلك: الاستشكال في تعارض العقليّين من دون‏
__________________________________________________
(1) كذا في (ل)، (م) و (ه)، و في (ر) و (ص) بدل «له»: «للمتأيّد بالدليل النقلي»، و في (ت) هكذا: «له، للتأييد النقلي»، و في نسخة بدل (ه) زيادة:
«للتأيّد بالدليل النقلي».
(2) الحدائق 1: 126- 133.
(3) لم ترد عبارة «و لا أدري- إلى- على ذلك» في (ه) و (ت)، و كتب عليها في (ص): «زائد».


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 57
ترجيح؛ مع أنّه لا إشكال في تساقطهما «1»، و «2» في تقديم العقلي الفطري الخالي عن شوائب الأوهام على الدليل النقلي «3»؛ مع أنّ العلم بوجود «4» الصانع جلّ ذكره إمّا أن يحصل من هذا العقل الفطري، أو ممّا دونه من العقليّات البديهية، بل النظريات المنتهية إلى البداهة.
[نظرية المصنف في المسألة:]
و الذي يقتضيه النظر- وفاقا لأكثر أهل النظر- أنّه:
كلّما حصل القطع من دليل عقلي فلا يجوز أن يعارضه دليل نقلي، و إن وجد ما ظاهره المعارضة فلا بدّ من تأويله إن لم يمكن طرحه.
و كلّما حصل القطع من دليل نقلي- مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا- فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقلي، مثل استحالة تخلّف الأثر عن المؤثّر، و لو حصل منه صورة برهان كانت شبهة في مقابلة البديهة، لكن هذا لا يتأتّى في العقل «5» البديهي من قبيل: «الواحد نصف الاثنين»، و لا في «6» الفطري «7»
__________________________________________________
(1) لم ترد عبارة «في تعارض- إلى- تساقطهما و» في (ظ) و (م).
(2) في (ت) و (ه) زيادة: «كذا الاستشكال».
(3) وردت في (ت)، (ر) و (ه) بدل عبارة «في تقديم العقلي- إلى- النقلي» عبارة: «في تقديم النقلي على العقلي الفطري الخالي عن شوائب الأوهام».
(4) في (ل) بدل «بوجود»: «بصفات».
(5) في (ت) و (ص): «العقلي».
(6) لم ترد عبارة «البديهي- إلى- و لا في» في (ه).
(7) ورد في (ت) بدل عبارة «العقل البديهي- إلى- الفطري» عبارة: «العقلي البديهي أو العقل الفطري».


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 58
الخالي عن شوائب الأوهام، فلا بدّ في مواردهما «1» من التزام عدم حصول القطع من النقل على خلافه؛ لأنّ الأدلّة القطعيّة النظريّة في النقليّات مضبوطة محصورة ليس فيها شي‏ء يصادم العقل «2» البديهي أو الفطري.
فإن قلت: لعلّ نظر هؤلاء في ذلك «3» إلى ما يستفاد من الأخبار- مثل قولهم عليهم السّلام: «حرام عليكم أن تقولوا بشي‏ء ما لم تسمعوه منّا» «4»، و قولهم عليهم السّلام: «لو أنّ رجلا قام ليله، و صام نهاره، و حجّ دهره، و تصدّق بجميع ماله، و لم يعرف ولاية وليّ اللّه؛ فيكون أعماله بدلالته فيواليه، ما كان له على اللّه ثواب» «5»، و قولهم عليهم السّلام: «من دان اللّه بغير سماع من صادق فهو كذا و كذا ...» «6»، إلى غير ذلك-: من أنّ الواجب علينا هو امتثال أحكام اللّه تعالى التي بلّغها حججه عليهم السّلام، فكلّ حكم لم يكن الحجّة واسطة في تبليغه لم يجب امتثاله، بل يكون من قبيل: «اسكتوا عمّا سكت اللّه عنه «7»» «8»؛ فإنّ معنى سكوته عنه‏
__________________________________________________
(1) في (ظ)، (ل) و (م): «مواردها» و في (ه): «موارده».
(2) في (ص): «العقلي».
(3) لم ترد «في ذلك» في (ظ)، (ل) و (م).
(4) الوسائل 18: 47، الباب 7 من أبواب صفات القاضي، الحديث 25، و فيه:
«شرّ» بدل «حرام».
(5) الوسائل 1: 91، الباب 29 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 2.
(6) الوسائل 18: 51، الباب 7 من أبواب صفات القاضي، الحديث 37.
(7) لم ترد «عنه» في (ت)، (ل) و (ه).
(8) لم نعثر عليه بعينه، نعم جاء في نهج البلاغة هكذا: «و سكت عن أشياء و لم يدعها نسيانا فلا تتكلّفوها»، نهج البلاغة، الحكمة: 105.


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 59
عدم أمر أوليائه بتبليغه، و حينئذ فالحكم المستكشف «1» بغير واسطة الحجّة ملغى «2» في نظر الشارع و إن كان مطابقا للواقع؛ كما يشهد به تصريح الإمام عليه السّلام بنفي الثواب على التصدّق بجميع المال، مع القطع بكونه محبوبا و مرضيّا عند اللّه.
و وجه الاستشكال في تقديم النقلي على العقلي «3» الفطري السليم «4»:
ما ورد من النقل المتواتر على حجّية العقل، و أنّه حجّة باطنة «5»، و أنّه ممّا «6» يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان «7»، و نحوها ممّا يستفاد منه كون العقل السليم أيضا حجّة من الحجج، فالحكم المستكشف به حكم بلّغه الرسول الباطني، الذي هو شرع من داخل، كما أنّ الشرع عقل من خارج «8».
و ممّا يشير إلى ما ذكرنا من قبل هؤلاء: ما ذكره السيّد الصدر رحمه اللّه في شرح الوافية- في جملة كلام له في حكم ما يستقلّ به العقل- ما لفظه:
__________________________________________________
(1) كذا في (م)، و في غيرها: «المنكشف».
(2) في (ت)، (ظ) و (م): «يلغى».
(3) في (ر) و (ه): «العقل».
(4) ورد في (ظ)، (ل) و (م) بدل عبارة «النقلي على العقلي الفطري السليم» عبارة: «العقل الفطري السليم على الدليل النقلي».
(5) كذا في (ر) و مصحّحة (م)، و في غيرهما: «باطنيّة».
(6) في (ل): «ما».
(7) انظر الكافي 1: 16 و 11، الحديث 12 و 3 من كتاب العقل و الجهل.
(8) الكافي 1: 16، الحديث 12، و البحار 1: 137، الحديث 4.


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 60
[كلام السيد الصدر في المسألة:]
إنّ المعلوم هو أنّه يجب فعل شي‏ء أو تركه «1» أو لا يجب إذا حصل الظنّ أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم عليه السّلام أو فعله أو تقريره، لا أنّه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أيّ طريق كان «2»، انتهى موضع الحاجة.
قلت:
أوّلا: نمنع مدخليّة توسّط تبليغ الحجّة في وجوب إطاعة حكم اللّه سبحانه؛ كيف! و العقل بعد ما عرف أنّ اللّه تعالى لا يرضى بترك الشي‏ء الفلاني، و علم بوجوب إطاعة اللّه، لم يحتج ذلك إلى توسّط مبلّغ.
[تفسير الأخبار الدالّة على مدخليّة تبليغ الحجّة:]
و دعوى: استفادة ذلك من الأخبار، ممنوعة؛ فإنّ المقصود من أمثال الخبر المذكور عدم جواز الاستبداد في الأحكام «3» الشرعيّة بالعقول الناقصة الظنيّة- على ما كان متعارفا في ذلك الزمان من العمل بالأقيسة و الاستحسانات- من غير مراجعة حجج اللّه، بل في مقابلهم عليهم السّلام «4»؛ و إلّا فإدراك العقل القطعي للحكم المخالف للدليل النقلي على وجه لا يمكن الجمع بينهما «5» في غاية الندرة، بل لا نعرف وجوده، فلا ينبغي‏
__________________________________________________
(1) لم ترد «أو تركه» في (ل)، (م) و المصدر.
(2) شرح الوافية (مخطوط): 215.
(3) كذا في (ت)، (م) و (ه)، و في غيرها: «بالأحكام».
(4) لم ترد عبارة «من غير مراجعة حجج اللّه، بل في مقابلهم عليهم السّلام» في (ظ)، (ل) و (م).
(5) ورد في (ظ)، (ل) و (م) بدل عبارة «القطعي- إلى- بينهما» العبارة التالية:
«البديهي لحكم شرعيّ نظري».


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 61
الاهتمام به في هذه الأخبار الكثيرة، مع أنّ ظاهرها ينفي حكومة العقل و لو مع عدم المعارض «1». و على ما ذكرنا يحمل ما ورد من: «أنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول» «2».
و أمّا نفي الثواب على التصدّق مع عدم كون العمل «3» بدلالة وليّ اللّه، فلو ابقي على ظاهره دلّ على عدم الاعتبار بالعقل الفطري الخالي عن شوائب الأوهام، مع اعترافه بأنّه حجّة من حجج الملك العلّام، فلا بدّ من حمله على التصدّقات الغير المقبولة، مثل التصدّق على المخالفين لأجل تديّنهم بذلك الدين الفاسد- كما هو الغالب في تصدّق المخالف على المخالف، كما في تصدّقنا على فقراء الشيعة؛ لأجل محبّتهم لأمير المؤمنين عليه السّلام و بغضهم لأعدائه-، أو على أنّ المراد حبط ثواب التصدّق؛ من أجل عدم المعرفة لوليّ اللّه، أو على غير ذلك.
و ثانيا: سلّمنا مدخليّة تبليغ الحجّة في وجوب الإطاعة، لكنّا إذا علمنا إجمالا بأنّ حكم الواقعة الفلانية لعموم الابتلاء بها قد صدر يقينا من الحجّة- مضافا إلى ما ورد من قوله صلّى اللّه عليه و آله في خطبة حجّة الوداع «4»:
«معاشر الناس ما من شي‏ء يقرّبكم إلى الجنّة و يباعدكم عن النار إلّا أمرتكم به، و ما من شي‏ء يقرّبكم إلى النار و يباعدكم عن الجنّة إلّا و قد
__________________________________________________
(1) لم ترد عبارة «مع أنّ ظاهرها- إلى- المعارض» في (ظ)، (ل) و (م).
(2) كمال الدين: 324، الحديث 9، و عنه في البحار 2: 303، الحديث 41، و فيه: «بالعقول الناقصة».
(3) في غير (م): «العمل به».
(4) لم ترد عبارة «في خطبة حجّة الوداع» في (ظ) و (م).


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 62
نهيتكم عنه» «1»- ثمّ أدركنا ذلك الحكم إمّا بالعقل المستقلّ و إمّا بواسطة مقدّمة عقليّة، نجزم من ذلك بأنّ ما استكشفناه بعقولنا صادر عن الحجّة صلوات اللّه عليه، فيكون الإطاعة بواسطة الحجّة.
إلّا أن يدّعى: أنّ الأخبار المتقدّمة و أدلّة وجوب الرجوع إلى الأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين تدلّ على مدخليّة تبليغ الحجّة و بيانه في طريق الحكم، و أنّ كلّ حكم لم يعلم من طريق السماع عنهم عليهم السّلام و لو بالواسطة فهو غير واجب الإطاعة، و حينئذ فلا يجدي مطابقة الحكم المدرك لما صدر عن الحجّة عليه السّلام.
لكن قد عرفت عدم دلالة الأخبار «2»، و مع تسليم ظهورها فهو أيضا من باب تعارض النقل الظنّي مع العقل القطعي؛ و لذلك لا فائدة مهمّة في هذه المسألة؛ إذ بعد ما قطع العقل بحكم و قطع بعدم رضا اللّه جلّ ذكره بمخالفته، فلا يعقل ترك العمل بذلك ما دام هذا القطع باقيا، فكلّ ما دلّ على خلاف ذلك فمؤوّل أو مطروح.
[عدم جواز الركون إلى العقل فيما يتعلّق بمناطات الأحكام:]
نعم، الإنصاف أنّ الركون إلى العقل فيما يتعلّق بإدراك مناطات الأحكام لينتقل منها إلى إدراك نفس الأحكام، موجب للوقوع في الخطأ كثيرا في نفس الأمر، و إن لم يحتمل ذلك عند المدرك، كما يدلّ عليه الأخبار الكثيرة الواردة بمضمون: «أنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول» «3»، و «أنّه لا شي‏ء أبعد عن دين اللّه من عقول‏
__________________________________________________
(1) الوسائل 12: 27، الباب 12 من أبواب مقدّمات التجارة، الحديث 2.
(2) راجع الصفحة 60.
(3) تقدّم الحديث في الصفحة السابقة.


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 63
الناس» «1».
و أوضح من ذلك كلّه: رواية أبان بن تغلب عن الصادق عليه السّلام:
«قال: قلت: رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة، كم فيها من الدية؟
قال: عشر من الإبل. قال: قلت: قطع إصبعين؟ قال: عشرون. قلت:
قطع ثلاثا؟ قال: ثلاثون. قلت: قطع أربعا؟ قال: عشرون. قلت:
سبحان اللّه! يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون، و يقطع أربعا فيكون عليه عشرون؟! كان يبلغنا هذا و نحن بالعراق، فقلنا: إنّ الذي جاء به شيطان! قال عليه السّلام: مهلا يا أبان، هذا حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت «2» إلى النصف، يا أبان، إنّك أخذتني بالقياس، و السنّة إذا قيست محق الدين» «3».
و هي و إن كانت ظاهرة في توبيخ أبان على ردّ الرواية الظنّية- التي سمعها في العراق- بمجرّد استقلال عقله بخلافه، أو على تعجّبه ممّا حكم به الإمام عليه السّلام؛ من جهة مخالفته لمقتضى القياس «4»، إلّا أنّ مرجع الكلّ إلى التوبيخ على مراجعة العقل في استنباط الأحكام، فهو توبيخ على المقدّمات المفضية إلى مخالفة الواقع.
__________________________________________________
(1) لم نعثر على هذا المضمون في المجاميع الحديثية، نعم ورد في الوسائل ما يقرب منه، انظر الوسائل 18: 149، الباب 13 من أبواب صفات القاضي، الحديث 69 و 73.
(2) كذا في المصادر الحديثية، و في النسخ: «بلغ الثلث رجع».
(3) الوسائل 19: 268، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.
(4) في (ظ) و (م) بدل «لمقتضى القياس»: «للقياس».


فرائد الأصول، ج‏1، ص: 64
و قد أشرنا هنا و في أوّل المسألة «1» إلى: عدم جواز الخوض لاستكشاف الأحكام الدينيّة، في المطالب العقليّة، و الاستعانة بها في تحصيل مناط الحكم و الانتقال منه إليه على طريق اللّم؛ لأنّ انس الذهن بها يوجب عدم حصول الوثوق بما يصل إليه من الأحكام التوقيفيّة، فقد يصير منشأ لطرح الأمارات النقليّة الظنّية؛ لعدم حصول الظنّ له منها بالحكم.
[ترك الخوض في المطالب العقليّة فيما يتعلّق باصول الدين:]
و أوجب من ذلك: ترك الخوض في المطالب العقليّة النظريّة لإدراك ما يتعلّق باصول الدين؛ فإنّه تعريض للهلاك الدائم و العذاب الخالد، و قد اشير إلى ذلك عند النهي عن الخوض في مسألة القضاء و القدر، و عند نهي بعض أصحابهم صلوات اللّه عليهم عن المجادلة في المسائل الكلاميّة «2».
لكنّ «3» الظاهر من بعض تلك الأخبار: أنّ الوجه في النهي عن الأخير عدم الاطمئنان بمهارة الشخص المنهيّ في المجادلة، فيصير مفحما عند المخالفين، و يوجب ذلك وهن المطالب الحقّة في نظر أهل الخلاف «4».
__________________________________________________
(1) انظر الصفحة 51.
(2) انظر التوحيد؛ للشيخ الصدوق: 365، الباب 60 (باب القضاء و القدر و الفتنة)، الحديث 3، و الصفحة: 454، الباب 67 (باب النهي عن الكلام و الجدال و المراء في اللّه عزّ و جلّ)، و انظر البحار 5: 110، الحديث 35، و 3: 257، باب النهي عن التفكّر في ذات اللّه و الخوض في مسائل التوحيد.
(3) في (ت) و (ه): «و لكنّ».
(4) انظر البحار 2: 125، الحديث 2.