بسم الله الرحمن الرحیم

اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال‌-مولى محمّد رحيم بن محمّد جعفر سبزوارى

مباحث رؤیت هلال-كتاب الصوم

رؤيت هلال؛ ج‌1، ص: 435

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 435‌

(11) اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال

تأليف مولى محمّد رحيم بن محمّد جعفر سبزوارى قدّس سرّه (م 1181)

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 437‌

مقدّمه

مؤلّف

فقيه بزرگوار مولى محمّد رحيم سبزوارى يكى از علماى بزرگ اصفهان در عهد نادر شاه افشار به شمار مى‌رود. پدرش مولى محمّد جعفر سبزوارى هم از فقهاى زمان شاه سلطان حسين صفوى «1»، و جدّش مولى محمّد باقر بن محمّد مؤمن سبزوارى خراسانى (1017- 1090 ق) شيخ الاسلام اصفهان و صاحب كتابهاى گوناگون فقهى و اخلاقى از جمله ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، كفاية الأحكام و روضة الأنوار عباسى است.

علامه شيخ عبد النبى قزوينى دربارۀ وى مى‌نويسد:

محمّد رحيم سبزوارى مانند جدّش، بيش از چهل سال شيخ الاسلام و قاضى اصفهان بود و در خلال اين مدّت طولانى، فتواى سست و مشوّش از او ديده نشد. با وى نشست و برخاست داشتم و از او جز نيكى نديدم. «2»

وى چندى از نزديكان نادر شاه بود و نزد او منزلتى بسزا داشت. وفاتش در اصفهان در 21 ذى الحجة 1181 رخ داد «3».

رسالۀ حاضر

مؤلّف، اين رساله را در دفاع از پدر، و جدّ بزرگوارش محقّق سبزوارى و در ردّ فاضل‌

______________________________
(1). الكواكب المنتشرة، ص 135.

(2). تتميم أمل الآمل، ص 152- 153.

(3). زندگينامه علامۀ مجلسى، ج 1، ص 229؛ الكواكب المنتشرة، ص 259- 260.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 438‌

خواجوئى و سراب تنكابنى نوشته است. وى در مقدّمه تصريح مى‌كند كه رسالۀ خواجوئى را به خطّ مؤلّف مشاهده كرده و آن را مشتمل بر شكوكى يافته است. از مطاوى رساله و از دعا به خواجوئى با تعابير «زيد فضله»، «وفّقه الله تعالى» بر مى‌آيد كه آن را در زمان حيات خواجوئى نگاشته است. عمدۀ اين رساله منقولاتى است از ذخيره و كفايۀ محقق سبزوارى، و رسالۀ فرزندش محمّد جعفر سبزوارى (پدر مؤلّف) و رسالۀ فاضل خواجوئى و رسالۀ فاضل تنكابنى كه پيش از اين در اين مجموعه درج شده‌اند.

وى در اين رساله از ناقدان جدّ و پدرش شكوه كرده و مى‌گويد به همۀ مناقشات مخالفان پاسخ نداده؛ زيرا غير قابل جواب و سبب تضييع عمرند، بلكه همين مقدار را هم با شتاب نوشته است: «و لقد رقمنا هذه على سبيل العجالة، بل بطريق طيّ الأوراق».

متأسفانه تنها به يك نسخه خطى از اين رساله واقف شديم كه آن هم از پايان يك برگ يا بيشتر ناقص است. نسخۀ مذكور به شمارۀ 1467 در كتابخانه جامع گوهرشاد محفوظ است و در زمان حيات مؤلّف نوشته شده و حواشى «منه دام ظلّه» در كنار برگهاى آن ديده مى‌شود. (رك: فهرست گوهرشاد، ج 4، ص 2035).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 439‌

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه الذي جعل الأهلّة مواقيت للأنام، و صيّرها معالم للفطر و الصيام، و الصلاة على سيّدنا محمّد و آله الأطهار الكرام، و سلّم تسليما ما دامت الشمس سراجا للظلام.

أمّا بعد، فيقول الفقير إلى عفو ربّه البارئ، محمّد رحيم بن محمّد جعفر الشريف السبزواري: إنّي بعد ما رأيت ما أفاده الفاضل العالم العامل، المحقّق النحرير الكامل، البصير العرّيف الماهر، السحاب الرائق الهامر، ممهّد القواعد العقليّة، مبيّن الأحكام النقليّة- الذي ينتشر العلم بشطب تبيانه، و ينتصر الحقّ بسنان برهانه، من كان مدده سماويّا، و عطاؤه فيضيّا، و قلبه روحانيّا- جدّي السالك في رياض الجنان (بلّ الله جدثه بماء الغفران) في اعتبار رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال في شرحه على الإرشاد الموسوم بذخيرة المعاد و ما قال تلميذه الفاضل التنكابني «1» في عدم اعتبارها في رسالته التي كتبها ردّا عليه، و ما قال والدي العلّامة في رسالته «2» التي ألّفها ردّا على ما أورده الفاضل التنكابني، سمعت من بعض الطلبة أنّ الفاضل المعاصر المشتهر بمولى إسماعيل المازندراني قد ألّف رسالة في تحقيق رؤية الهلال، و عدم اعتبارها يوم الثلاثين قبل الزوال، فحصل لي شوق إلى مطالعتها، لعلّه أطّلع على شي‌ء لم يطّلع عليه السابقون، فوجدتها بخطّه مشتملة على ما أفاده السابقون غير أنّه أضاف إليه مطالب غير مبنيّة على أصل، و شكوكا غير قابلة للإصلاح و الوصل، فأردت أن أذكر ما‌

______________________________
(1). في هامش المخطوطة: «المراد منه مولانا محمّد التنكابني (طاب ثراه)، فإنّه كان من تلامذة جدّي العلّامة (طاب ثراه)». (منه رحمه اللّه).

(2) تقدم متن الرسالة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 440‌

خطر ببالي القاصر في دفع ما أورده الفاضل المعاصر، على ما ذهب إليه الأعيان من الأصحاب و الأكابر، مراعيا فيه سبيل المروّة و الإنصاف، مجتنبا عن طريق البغي و الاعتساف، ذاكرا في أوّل الأمر ما أفاده جدّي العلّامة في كتابيه الذخيرة و الكفاية، موردا بعده بعض ما أورده الفاضل المذكور من معظم مراميه؛ ليكون الناظرون على بصيرة، و نائرة الحاسدين مطفيّة.

قال جدّي العلّامة (أعلى الله مقامه) في الذخيرة:

المشهور بين الأصحاب أنّه لا اعتبار برؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال، و عن المرتضى رحمه اللّه أنّه قال في بعض مسائله: إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، بل الكلام المنقول عنه يشعر بكون ذلك مذهب الأصحاب، و هو ظاهر الصدوق.

و تردّد فيه المحقّق في النافع، و في المعتبر حيث قال- بعد نقل الروايتين الآتيتين-:

فقوّة هاتين الروايتين أوجب التردّد بين العمل بهما، و بين العمل برواية العدلين؛ ظنّا منه أنّ رواية العدلين تدلّ على خلاف ما تدلّ عليه الروايتان، و ليس بشي‌ء.

و ادّعى السيّد المرتضى رحمه اللّه أنّ عليّا عليه السلام، و ابن مسعود، و ابن عمر، و أنس قالوا به، و لا مخالف لهم، و هو ظاهر الكليني، و مال إليه صاحب المنتقى، و قال المصنّف في المختلف: الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر.

و الأقرب عندي القول الثاني؛ لما رواه الكليني و الشيخ عنه، عن حمّاد بن عثمان- في الحسن بإبراهيم بن هاشم- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة».

و ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة و عبد الله بن بكير- في الموثّق- قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال، فذلك اليوم من شهر رمضان».

قال الصدوق- بعد إيراد خبر-: و في خبر آخر قال: «إذا أصبح الناس صيّاما و لم يروا الهلال، و جاء قوم [عدول] يشهدون على الرؤية فليفطروا، و ليخرجوا من الغد أوّل النهار إلى عيدهم، و إذا رئي هلال شوّال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من [شهر] رمضان».

و هذا يؤيّد السابق و إن كان من كلام الصدوق على احتمال. و يدلّ عليه أيضا قول الصادق عليه السلام في صحيحة محمّد بن قيس، السابقة عند شرح قول المصنّف: «أو بشهادة‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 441‌

عدلين، فإن لم يروا الهلال إلّا من وسط النهار، أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل».

وجه الدلالة أنّ لفظة «الوسط» يحتمل أن يكون المراد منها بين الحدّين، و يحتمل أن يكون المراد منها منتصف ما بين الحدّين، أعني الزوال، لكن قوله «أو آخره» شاهد على الثاني، فيكون الخبر بمفهومه دالّا على قول السيّد. و يدلّ عليه أيضا ادّعاء السيّد أنّ هذا قول عليّ عليه السلام؛ فإنّه يدلّ على ثبوت ذلك عند السيّد بالقطع؛ حيث لا يعمل بأخبار الآحاد و الظنون.

و يؤيّده ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى قال: كتبت إليه- جعلني الله فداك- ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال، و ربّما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ كيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ إلى الليل؛ فإنّه إن كان تامّا رئي قبل الزوال».

وجه التأييد أنّ المسؤول عنه هلال رمضان لا هلال شوّال، و معنى التعليل أنّ الرؤية قبل الزوال إنّما تكون إذا كان الهلال تامّا، و تماميّة الهلال أن يكون بحيث يصلح للرؤية في الليل السابق، أو المراد أنّ شهر رمضان أو الشهر الذي نحن فيه إذا كان تامّا يعني إذا تمّ و انقضى رئي الهلال الجديد قبل الزوال.

و حمل هلال شهر رمضان على شوّال بعيد جدّا، مع تنافره عن أسلوب العبارة أيضا، على أنّ المذكور في العبارة الإفطار قبل الزوال، و تقييد الإفطار بكونه قبل الزوال لا يستقيم على تقدير الحمل على هلال شوّال، بخلاف هلال رمضان؛ فإنّ الإفطار بعد الزوال في الصيام المستحبّ ممّا نهي عنه.

و لو حمل هلال شهر رمضان على شوّال، و جعل معنى التعليل أنّ الشهر إذا كان تامّا بالغا إلى الثلاثين رئي الهلال قبل الزوال، لم ينطبق على مجاري العادات الأكثريّة و الشواهد النجوميّة، بخلاف ما ذكرناه من معنى التعليل.

و يؤيّده ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار- في الموثّق- قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان، فقال: «لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه، و إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل».

و يؤيّده أيضا ما رواه الكليني عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ المغيريّة يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه اللّيلة المستقبلة؟ فقال: «كذبوا، هذا اليوم لهذه اللّيلة الماضية، إنّ أهل بطن نخلة لمّا رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام». و استدلّ على هذا القول‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 442‌

أيضا بقوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر». و في معناه أخبار كثيرة تكاد تبلغ حدّ التواتر، و هذا أيضا يصلح للتأييد.

و العجب أنّ الشيخ و جماعة استدلّوا على القول الأوّل بصحيحة محمّد بن قيس، المذكورة، و برواية محمّد بن عيسى، و بما رواه الشيخ عن جرّاح المدائني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «من رأى هلال شوّال نهارا في رمضان فليتمّ صيامه». و استدلّ الشيخ بموثّقة إسحاق بن عمّار، المذكورة.

و أنت خبير بأنّ الاولى تدلّ على خلاف مقصودهم، و كذا الثانية و الرابعة، و أمّا الثالثة فضعيفة لا تصلح لمقاومة ما ذكرناه من الأخبار.

و لو سلّم من ذلك كان نسبتها إليه نسبة العامّ إلى الخاصّ، فيتخصّص به، و هي محمولة على الغالب من تحقّق الرؤية بعد الزوال، على أنّ المذكور في الرواية: «من رأى هلال شوّال في رمضان». و لقائل أن لا يسلّم أنّ الرؤية قبل الزوال رؤية في رمضان.

و العجب أنّ صاحب المدارك تردّد في المسألة بعد ترجيح القول الأوّل؛ زعما منه التعارض بين الخبرين و بين الأخبار الثلاثة المذكورة «1».

انتهى ما أفاده رحمه اللّه في الذخيرة.

و قال (أعلى الله مقامه) في الكفاية:

و المشهور بين المتأخّرين أنّه لا اعتبار برؤية الهلال قبل الزوال يوم الثلاثين.

و عن المرتضى رحمه اللّه أنّه قال في بعض رسائله: «إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية». بل الكلام المنقول عنه يشعر بكون ذلك مذهب الأصحاب، و ادّعى أنّ عليّا عليه السلام، و ابن مسعود، و ابن عمر، و أنس قالوا به، و لا مخالف لهم. و هو ظاهر الصدوق و الكليني، و مال إليه صاحب المنتقى، و تردّد فيه المحقّق في النافع و المعتبر و صاحب المدارك، و قال العلّامة في المختلف: «الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر».

و الأقرب عندي قول السيّد؛ لحسنة حمّاد بن عثمان و موثّقة عبيد بن زرارة، و عبد الله بن بكير، و صحيحة محمّد بن قيس و حسنته، و رواية محمّد بن عيسى، و غيرها «2». انتهى.

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

(2). كفاية الأحكام، ج 1، ص 260.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 443‌

قال الفاضل المذكور «1» (أيّده الله تعالى):

كلامهم في هذه المسألة مشوّش جدّا؛ فإنّ الظاهر من كلام شيخ الطائفة في التهذيب أنّ الوارد من الأخبار الدالّة على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال منحصر في روايتي حمّاد بن عثمان و عبد الله بن بكير، و هما لكونهما غير معلومين- أي غير صحيحين- لا تنهضان حجّة في معارضة الأخبار المتواترة. و قريب منه كلام الفاضل التستري في الدلالة على انحصار الدليل في الخبرين المذكورين كما سيأتي، و لهما شركاء في ذلك من المتأخّرين.

و المنقول عن المرتضى رحمه اللّه و هو لا يقول بحجّية خبر الواحد؛ معلّلا بأنّه لا يفيد علما و لا عملا أنّه قال في بعض مسائله: «إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية»، و هذا يفيد أنّ الأخبار الواردة بهذا المضمون متواترة عنده، و هما متناقضان.

و الشهيد في الدروس جعل دليله- على مذهبه هذا- رواية حمّاد، قال: «و هي حسنة لكنّها معارضة». و هذا منه غريب؛ إذ المشهور أنّه لا يعمل بخبر الواحد و إن كان صحيحا، فكيف يعمل في مثل هذه المسألة بحسنة حمّاد مع معارضتها بالأصل و الاستصحاب و روايات متواترة على ظنّ الشيخ.

فإن قلت: لعلّ مضمون هذه الحسنة كان متواترا عند السيّد في زمانه، أو محفوفا بقرائن تفيد علما به، أو ظنّا متاخما له، و عليه ينزّل ما ادّعاه هو و من تبعه من تواتر الأخبار الدالّة على النصّ، و غيره؛ إذ لا شبهة في أنّ كلّا منها آحاد إلّا أنّ القدر المشترك بينها كان متواترا عندهم في زمانهم، و هذا عذر واضح لهم في العمل بها.

قلت: هذا غاية ما يمكن أن يقال من جانبهم و إن كان لا يجدينا نفعا؛ لعدم تحقّق مثل هذا العذر لنا، و لما تبيّن من كثرة وقوع الخطإ في الاجتهاد و أنّ مبنى الأمر على الظنّ لا على القطع، فالموافقة لهم على ما قالوه تقليد لا يسوغ. انتهى‌

أقول: لعلّ غرضهم أنّ قول السيّد: «هذا قول عليّ عليه السلام و هو صحيح مذهبنا «2»» ليس بأدون من الأخبار التي توجب الظنّ، و إن كانت الرواة محذوفة و كان في حكم محذوف الأسانيد، و شأنه شأن سائر المراسيل و المقطوعات، فيكون هذا مدركا لا تقليدا، فتدبّر.

______________________________
(1). يعني الفاضل الخواجوئي المازندراني.

(2). المسائل الناصريات، ص 291، المسألة 126.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 444‌

ثمّ قال (زيد فضله):

و كيف يصلحان لمعارضتها مع ما عرفته، و مضمونهما لا يخلو من غرابة؛ فإنّ من الغريب و أزيد منه أن يستهلّ جمّ غفير، و جمع كثير مائة ألف أو يزيدون، و لم يروا الهلال من غير علّة، فإذا غدوا و رأوه قبل الزوال لزمهم أن يقولوا: هذا للّيلة الماضية، و هم قد تيقّنوا في تلك الليلة بعدمه، ثمّ أصبحوا صائمين جازمين بوجوب صوم ذلك اليوم، فيلزمهم القول بوجود ما جزموا بعدمه في ذلك الوقت، و هذا سوفسطائي من القول لا يعتمد عليه، بل و لا يلتفت إليه؛ لأنّه يستلزم أن يكون بحضرة جماعة كثيرة جسم نيّر و لا يروه مع تحقّق جميع شرائط الرؤية، و كيف يصحّ القول بأنّ هؤلاء الجماعة مع كثرتهم أخطئوا رؤية الهلال مع عدم المانع، و هذا ممّا يرتفع منه الأمان، و لا يقبله عقل الإنسان، فمع قطع النظر و الإغماض عن ظاهر القرآن و الأخبار و الاستصحاب و عدم ثبوت حجّية خبر الواحد، لا يصحّ العمل بمضمون هذين الخبرين؛ لاستلزامه القول بوجود ما حكم الحسّ بخلافه، و هو حسّي.

لا يقال: عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود، فلعلّه كان هناك هلال و لم يروه.

لأنّا نقول: قد علم جوابه و هو أنّه سوفسطائي من القول؛ لاستلزامه أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة و رياض رائعة، و لا نراها.

فإن قلت: لعلّ هذا مخصوص بما إذا كان هناك مانع من رؤيته، و إن كان لفظ الحديث أعمّ.

قلنا: كلامنا فيما إذا لم يكن هناك مانع من رؤيته، و لم ير مع استهلال هؤلاء الرجال و جدّهم و جهدهم في طلبه، فإذا غدوا و رأوه قبل الزوال فإنّ ذلك قد يتّفق في الصورة المذكورة، فهل يلزمهم أن يقولوا: هذا للّيلة الماضية و ذلك اليوم من شوّال أم لا؟

فالأوّل يلزمه ما سبق، و الثاني نقض لهذه القاعدة، فتأمّل؛ فإنّ المذكور في مكاتبة محمّد بن عيسى: «أنّ الشهر الماضي إن كان ثلاثين يوما رئي هلال الشهر المستقبل قبل الزوال في اليوم الثلاثين». فهذا صريح في أنّ رؤيته قبل الزوال لا تدلّ على كونه للّيلة الماضية، بل تدلّ على أنّه للّيلة المستقبلة، و هذا معنى قولهم: إنّ حسنة حمّاد تدلّ على مذهب السيّد لكنّها معارضة، فإذا تعارضا و تساقطا بقيت سائر الأدلّة سالمة عن المعارض، و به يثبت المطلوب، فتأمّل.

فإن قلت: لا منافاة بين عدم رؤية الهلال بعد الاستهلال في ليلة الثلاثين، و بين كونه للّيلة‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 445‌

الماضية و هي ليلة الثلاثين إذا رئي قبل الزوال في يوم الثلاثين؛ لأنّ هذا إنّما هو بحسب اعتبار الشرع، فما اعتبره فهو المعتبر، و ما جعله علامة فهو علامة و إن لم يطابق الواقع.

قلت: إنّه لا يقول بما هو خلاف الواقع، فكيف يجعل ما ليس بموجود في الواقع موجودا فيه، و يرتّب عليه الأحكام، و يحكم بتحريم إتمام ذلك الصيام؟ انتهى.

أقول: هذا التطويل منه غريب؛ فإنّ المشبّه لا يطابق المشبّه به أصلا؛ فإنّ الأفق غالبا لا يخلو عن مانع من غبار، و غيم، و غيرهما؛ فإنّ الهلال الضعيف ممّا لا يراه أكثر الناس في أوّل ليلته و هو محسوس، فإن فرض نادرا أنّ جمّا غفيرا استهلّوا و لم يروه، و لم يكن هناك مانع أصلا نقول: ما جعله الشارع علامة لأيّ أمر كان لا بدّ من أن يكون أكثريّا، و لا يلتفت إلى الشاذّ النادر، و النادر كالمعدوم، و حكم النادر حكم الأغلب و إن كان خلاف الواقع، أو يقال في خصوص هذه المادّة؛ إنّ المراد من قوله عليه السلام: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية» أنّه في حكم الرؤية في الليلة الماضية في وجوب الصوم و الإفطار و إن لم يكن موجودا فيها.

فلا يرد ما ذكره من النقض، و ما ذكره في تزييفه فهو مزيّف.

و أيضا بالنظر إلى الضوابط النجوميّة قد يكون الهلال موجودا في الأفق و لا يصلح للرؤية، و الرؤية قبل الزوال كاشف عن وجوده فيه، و جعلها علامة له، فلا يرد النقض المذكور، فتأمّل.

مع أنّ هذا الفرض ممنوع و مجرّد تصوير لا يقع في زمان و أمنّا عدم وقوعه، فعلم أنّ هذا الفرض شبهة سوفسطائيّة. و أيضا فإنّه قد يتّفق أنّهم استهلّوا في ليلة الثلاثين، و لم يكن هناك مانع أصلا، و لم يروا الهلال، فأصبحوا صائمين، ثمّ ظهر بعد انقضاء اليوم أنّه رئي في اللّيلة الماضية في المكان الذي لا يختلف فيه حكم الرؤية؛ لاتّحاد أفقه، فحينئذ صاموا يوما يكون بحسب الواقع عيدا، و لا محذور فيه، فكذا في الصورة المذكورة جعل يوم العيد يوما ليس ذلك اليوم في الواقع عيدا، و الغرض أنّه لا يلزم أن يكون يوم العيد يوم العيد الواقعي، بل يلزم مراعاة ما جعله الشارع مناطا للتكليف و إن كان خلاف الواقع، و النادر ملحق بالأغلب، و حكمه حكمه.

و قوله: «فإنّ المذكور في مكاتبة محمّد بن عيسى»- إلى آخره- أقول: هذه العبارة غير سديدة؛ لأنّها توهم أنّ عبارة الحديث كذلك و ليس كذلك؛ إذ ليس فيه إلّا قوله عليه السلام: «فإنّه إن‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 446‌

كان تامّا رئي قبل الزوال» «1». و ما ذكره هذا القائل توجيه و تأويل لقوله عليه السلام، لا تصريح به و إن كان مراده معلوما، و وهنه أيضا معلوما، كما قرّره والدي العلّامة في الرسالة، و علم من جعل صاحب المدارك «2» هذه من المؤيّدات للمشهور، و عدم جعلها دليلا، التفاته ببعض الاحتمالات الأخرى، و عدم صراحة الرواية في مطلوبهم، كما ظنّه.

قال (وفّقه الله تعالى):

ثمّ إنّ مضمون هذين الخبرين مع وجود معارض أقوى لا يفيد إلّا شكّا لو سلّم ذلك لهم في كون هذا اليوم الذي رئي فيه الهلال قبل الزوال عيدا، لا علما و لا ظنّا، و إنّما يجب إفطار ما يعلم أو يظنّ أنّه عيد، لا ما يشكّ في أنّه هو، كيف؟ و الأغلب في الشهر أن يكون تامّا، كما تشهد به التجربة، على أنّ الأصل بقاء الشهر الداخل، و عدم حدوث الشهر المستقبل؛ إذ الأصل في الحوادث العدم إلى أن يثبت خلافه. انتهى.

أقول: هذا حقّ بالنسبة إلى مجتهد بذل وسعه و طاقته، و خلّى نفسه من جميع الأغراض، و لم يحصل له من ملاحظة هذه الأخبار إلّا الشكّ، أمّا المجتهد الذي بذل وسعه و حصل له ظنّ بأنّ هذا اليوم يوم العيد فلا شكّ أنّ في حقّه يجب الإفطار، و كذا في حقّ مقلّديه، و المصيب و المخطئ منهما يعلم في الآخرة، و كُلُّ حِزْبٍ بِمٰا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ* «3»، و سيجي‌ء جواب الأغلبيّة في الشهر و أصالة البقاء، إن شاء الله تعالى.

ثمّ قال (زيد فضله):

أراد الشيخ بقوله: «و الأخبار المتواترة» الأخبار المتضمّنة لانحصار الطريق في الرؤية و مضيّ الثلاثين؛ فإنّ من البيّن أنّ المراد بقوله عليه السلام: «صم للرؤية» هو الرؤية الحاصلة في ليلة الثلاثين من شعبان، لا في يوم الثلاثين منه قبل الزوال؛ لأنّ ذلك لا يسمّى بالرؤية في العرف، فإنّ من استهلّ منهم في تلك الليلة و لم ير الهلال ثمّ أصبح مفطرا، فإذا قيل له:

لم لم تصم ذلك اليوم؟! يقول: لأنّي كنت مأمورا بالرؤية و لم أر الهلال؛ و لذلك لم أصم.

و كان جوابه هذا موجّها، و لا يرد عليه شي‌ء.

و عليه فقس قوله عليه السلام: «و أفطر للرؤية» فإنّ المراد به هو الرؤية الحاصلة في ليلة الثلاثين‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 490 و فيه: «لرئي».

(2). مدارك الأحكام، ج 6، ص 179.

(3). المؤمنون (23): 53؛ الروم (30): 32.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 447‌

من شهر رمضان، لا في يوم الثلاثين منه قبل الزوال؛ لأنّ من استهلّ منهم في تلك الليلة و لم ير الهلال ثمّ أصبح صائما، فإذا قيل له: لم لم تفطر؟ يقول: لأنّي لم أر الهلال و لم يمض عليّ الثلاثون، كان جوابه هذا صوابا. فإذا أتمّ صوم ذلك اليوم إلى الليل- إلحاقا لذلك الشهر بالأغلب من كونه تماما، و لمكان الاستصحاب المؤيّد بقوله تعالى:

ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ و الأصل، و عدم الخروج عن اليقين، و ظاهر هذه الأخبار، و قول معظم الأصحاب- لا يلزمه شي‌ء. و يشيّد ما قلناه أنّ عادتهم إنّما جرت بالاستهلال في ليلتي الثلاثين من شعبان و شهر رمضان، لا في يومي الثلاثين منهما؛ و لذلك حكم العلّامة باستحباب الترائي في ليلتي الثلاثين منهما على الأعيان، و بوجوبه على الكفاية.

و استدلّ على الوجوب بأنّ الصوم واجب في أوّل شهر رمضان، و كذا الإفطار في العيد، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

فالقول بأنّ قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» شامل لما قبل الزوال خلاف الظاهر المتبادر من العرف العامّ، فلا يصار إليه، و لا يحمل الحديث عليه، فكيف يستدلّ به عليه، كما أشار إليه صاحب الذخيرة قدّس سرّه، حيث قال: «و استدلّ على القول باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال بقوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر».

و في معناه أخبار كثيرة تكاد تبلغ حدّ التواتر، و هذا أيضا يصلح للتأييد». انتهى.

و ممّا قرّرناه ظهر أنّ ما أفاده الفاضل التستري بقوله: «ليس في ظاهر القرآن و الأخبار دلالة على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال، و جعله علامة للّيلة الماضية» محلّ تأمّل.

و مثله قول صاحب الوافي: «و ليس في القرآن و الأخبار المتواترة إلّا أنّ الاعتبار في تحقّق دخول الشهر إنّما هو بالرؤية أو مضيّ ثلاثين، و أمّا أنّ الرؤية المعتبرة فيه متى تتحقّق، و كيف تتحقّق، فإنّما تتبيّن بمثل هذه الأخبار ليس إلّا».

أقول: قد مرّ مرارا من أوائل الرسالة إلى هنا أنّ الرؤية المعتبرة في دخول الشهر هي الرؤية المتعارفة، و إنّما تكون بالليل، فلا تشمل أخبار الرؤية لرؤية النهار، و لذلك لا يدخل فيها رؤيته بعد الزوال، بل نقول: أكثر الناس في أكثر البلاد لا يفهمون من رؤية الهلال إلّا المتعارفة التي تكون بالليل، إلّا من وقع منهم في بلدة قرعت فيها سمعه أمثال هذه الأخبار و الأقوال، و مع ذلك فالمفهوم من قول المعصوم: «الصوم للرؤية» إنّما هو هذه الرؤية المتعارفة المخصوصة ليس إلّا. انتهت كلماته بعباراته.

أقول: قوله: «إلحاقا لذلك الشهر بالأغلب» تلك القاعدة لم تثبت على وجه تكون حجّة‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 448‌

شرعيّة، على أنّه لو أفادت رعاية تلك القاعدة الظنّ كانت مقصورة على صورة لم يحصل أمر موجب للتشكيك، و لا خفاء في أنّ الرؤية قبل الزوال، و وجود الأخبار على اعتبارها موجب للتشكيك، فحينئذ سقط التعلّق بهذه القاعدة، كما بيّن جدّي المحقّق (طاب ثراه) في مبحث اللباس من الذخيرة. «1»

قوله: «و لمكان الاستصحاب» فيه أنّ الاستصحاب الذي يكون حجّة ليس حاصلا فيما نحن فيه، كما قرّر جدّي المحقّق في الذخيرة «2» و العلّامة الخوانساري في شرح الدروس «3»، و سيأتي تحقيقه. و لعدم جريان الاستصحاب المرضيّ هاهنا لم يذكره صاحب المدارك في أدلّة عدم الاعتبار، و دعوى التأييد بالآية يندفع بما سيأتي تحقيقه.

أمّا الأصل، فإن كان المراد منه بقاء شهر رمضان، فحينئذ نقول: الممكن في البقاء يحتاج في كلّ زمان إلى مؤثّر، و الأصل عدم تأثير المؤثّر، و إن كان المراد بقاء أصل الحكم من الصوم ففيه أنّه يرجع إلى الاستصحاب و لا يكون دليلا آخر، مع أنّ الاستصحاب في أمثال هذه المواضع ضعيف، كما ستعرف. و إن كان المراد من الأصل عدم حدوث الحادث و عدم حدوث الشهر القابل- كما يظهر من كلامه- ففيه أنّ الهلال بعد حدوث رؤيته قبل الزوال لا شكّ أنّه من شوّال، فحينئذ كان النزاع بيننا و بينكم راجعا إلى أمر وجوديّ بأنّ الحادث الموجود هل يتّصف بالرافعيّة أم لا؟ فإنّ القمر على ما حقّقه الرياضيّون جرم كمد، صيقليّ، بين السواد و الزرقة، مستضي‌ء أكثر من نصفه بالشمس دائما؛ لكبرها و صغره، و تختلف أوضاعه بالقرب و البعد عنها، ففي الاجتماع وجهه المظلم إلينا، و المضي‌ء إليها و هو المحاق، و إذا بعد عنها يسيرا رأينا منه قليلا و هو الهلال، و جعلوا المبدأ شكل الهلال؛ لأنّه مبدأ سائر الأشكال؛ و لكونه بمنزلة الوجود بعد العدم، و المولود الخارج من الظلم. فقولهم: إنّ الهلال بمنزلة الوجود بعد العدم، و المولود الخارج من الظلم، كفاك شاهدا في المقام.

فإن قلت: إنّ الأصل عدم اتّصافه بالرافعيّة، و كذا الأصل عدم وجوب صوم هذا اليوم، و الأصلان تعارضا فتساقطا، و بعد سقوط هذين الأصلين بقي حكم الصوم بحاله، و هو المطلوب.

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 226.

(2). ذخيرة المعاد، ص 115- 116.

(3). مشارق الشموس، ص 76.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 449‌

قلت: فتعبير هذه المعنى بالأصل غير سديد، مع أنّه يظهر من كلماته أنّه غير مراده، و لعلّ مراد صاحب المدارك بالأصل «1» هو عدم الاعتبار، فحينئذ معارض بأنّ الأصل عدم وجوب صوم هذا اليوم، مع أنّ أكثر الأصول المستعملة في كتب القوم ممّا لا أصل له. و الحقّ ما أصّله الفاضل القاساني في الأصول الأصيلة «2».

و قوله: «عدم الخروج عن اليقين» فيه أنّ تحصيل البراءة اليقينيّة يلزم من التكليف الثابت، و ثبوته في هذا اليوم ممنوع، فتدبّر.

و أمّا «قول معظم الأصحاب»، إن أراد معظم أصحابنا المتقدّمين فممنوع، بل صرّح جدّي العلّامة في الكفاية بأنّ الشهرة بين المتأخّرين «3». و إن أراد معظم أصحابنا المتأخّرين فلا يجديه نفعا، كما قرّر والدي رحمه اللّه في الرسالة «4».

و قوله: «و يشيّد ما قلنا ...»- إلى آخره- فيه أنّ جريان عادتهم بالاستهلال في الليل مبنيّ على الأغلبيّة لا للحكم بأنّ التطلّب و الترائي متعيّن في الليل وحده، و الحكم بوجوب الاستهلال و استحبابه في الليل دون غيره مبنيّ على أنّ هذا الفرد من الرؤية متّفق عليه، و الفرد الآخر مختلف فيه.

و قوله: «المتبادر الشائع المنساق إلى الذهن من الرؤية هو الرؤية في الليلة» مسلّم، لكن جهة العموم بحسب ظاهر اللفظ، و كون الفرد المقصود غالبا المنساق ذهنا بعض ما يشمله اللفظ، متعارضان، فإذا تعارضا تساقطا، فالتمسّك به في مقام الاستدلال، سيّما عند تعارض سائر الأدلّة ساقط، كما ذكر جدّي العلّامة في غير هذا الموضع «5»؛ و لهذا جعل أحاديث الرؤية على عمومها من المؤيّدات، و لم يجعلها دليلا. «6»

______________________________
(1). مدارك الأحكام، ج 6، ص 179.

(2). طبعت محقّقة في قم المقدّسة، عام 1412 ه‍.

(3). كفاية الأحكام، ج 1، ص 260.

(4). يعني في الرسالة السابقة برقم 7.

(5). «قال العلّامة المجلسي (طاب ثراه) في حاشيته على التهذيب [- ملاذ الأخيار، ج 6، ص 455]: و استدلّ بهذا الخبر لردّ المرتضى رحمه اللّه. و لا يخفى ما فيه. انتهى. فعلم منه أنّ هذا الخبر بزعمه أيضا لا يدلّ على عدم الاعتبار».

(منه رحمه اللّه).

(6). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 450‌

لا يقال: ما ذكرتم من الخبر و إن كان عامّا لكن ينصرف إلى أفراده المعهودة المتعارفة، فلا يدخل فيه غيرها.

لأنّا نقول: مجرّد كون بعض أفراد العامّ أعرف و أكثر وجودا من البعض الآخر لا يوجب التخصيص به، إلّا أن يصل ندرة الأفراد و شذوذه و بعده عن الأفهام إلى حدّ يصير العامّ حقيقة لغويّة أو عرفيّة فيما عداه، و هاهنا ليس كذلك، و إن كان للتأمّل فيه مجال.

ثمّ استدلّ القوم على المشهور بصحيحة محمّد بن قيس: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره، فأتمّوا الصيام إلى الليل» «1». وجه الدلالة أنّ الوسط محمول على العرفي الشامل لما قبل الزوال.

قال (زيد فضله):

رواية محمّد بن قيس، المتقدّمة، صحيحة و إن طعن في سندها العلّامة باشتراك محمّد هذا بين جماعة منهم الضعيف، إلّا أنّ رواية يوسف بن عقيل عنه قرينة واضحة على كون المراد به البجليّ الثقة. انتهى.

أقول: هذا مذكور في الذخيرة؛ فإنّه قال- ردّا على العلّامة-: «الظاهر كون الراوي هو البجليّ الثقة، بقرينة رواية يوسف بن عقيل عنه» «2».

و كذا قال العلّامة المجلسي في حاشيته على هذا الخبر «3». و لجهة اضطراب ذكره جدّي المحقّق في الذخيرة في هذه الرواية قال: «يسقط التعلّق بهذا الخبر» «4» و أمر بالتدبّر. و رواه الصدوق عن محمّد بن قيس- في الحسن بإبراهيم بن هاشم «5»- مع أنّ صحّته لا يضرّنا.

فإن قلت: هو أيضا تمسّك بمفهومه على مذهبه، و صرّح بصحّته.

قلت: لا يحتاج في مذهبه إلى هذا الخبر، بل له دليلان صريحان، و استدلّا له بهذا الخبر من باب الاعتضاد و التقوية، و أنتم عمدة أدلّتكم هذا الخبر، فإذا سقط سقط مطلوبكم؛ لأنّه‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 158، ح 440؛ الاستبصار، ج 2، ص 64، ح 207.

(2). ذخيرة المعاد، ص 531.

(3). ملاذ الأخيار، ج 6، ص 454، ذيل الحديث 12.

(4). ذخيرة المعاد، ص 531.

(5). الفقيه، ج 2، ص 123، ح 1913. راجع الفقيه، ج 4، ص 486، شرح مشيخة الفقيه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 451‌

بقيت لكم رواية المكاتبة «1» و هي و إن كانت ظاهرها ما ذكرتم، لكن يحتمل بملاحظة الأطراف و الضرورة ما ذكرناه، و أحاديث الرؤية التي ادّعيتم أنّها مخصوصة بالرؤية في اللّيل، و الأصل و الاستصحاب كلّها مدخولة معيوبة، كما ستعرف، فتدبّر و أنصف.

ثمّ قال (زيد فضله):

و ممّا قرّرناه ظهر أنّ حمل «الوسط» «2» في الحديث على المعنى الأوّل- كما حمله عليه صاحب الذخيرة، حيث قال: و لفظة «الوسط» تحتمل أن يكون المراد منها ما بين الحدّين- بعيد، و أبعد منه أن يكون المراد منها منتصف ما بين الحدّين أعني الزوال، كما ظنّه أيضا، و هذا لفظه: «و يدلّ على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال قول الصادق عليه السلام في صحيحة محمّد بن قيس، السابقة: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره، فأتمّوا الصيام إلى اللّيل» وجه الدلالة أنّ لفظة «الوسط» تحتمل أن يكون المراد منها بين الحدّين، و تحتمل أن يكون المراد منها منتصف ما بين الحدّين أعني الزوال، و لكن قوله:

«أو آخره» شاهد على الثاني، فيكون الخبر بمفهومه دالّا على قول السيّد رحمه اللّه» انتهى.

و ذلك أنّ هذا من متعارفات أهل النجوم، فكيف يصحّ حمل الخبر عليه، و جعله بمفهومه دالّا على مذهب السيّد على أنّ قوله: «أو آخره، فأتمّوا الصيام إلى الليل» قرينة واضحة على أنّ المراد بوسط النهار ليس ما هو متوسّط بين طرفيه، و لا ما هو منتصف ما بين الطرفين؛ إذ لا مقدار له يعتدّ به، و المفهوم من «وسط النهار» المقابل ل‍ «آخره» زمان ممتدّ متّصل بذلك الطرف الآخر، و على ما حمله عليه يكون المراد ب‍ «وسط النهار» خطّ الزوال، و ب‍ «آخره» ما بعد خطّ الزوال إلى وقت الغروب، و لا يخفى بعده.

على أنّ خطّ الزوال و هو خطّ نصف النهار الذي عبّر عنه بمنتصف ما بين الحدّين لا تعرف حقيقته إلّا بالدائرة الهنديّة، فكيف يكون عليه مدار العمل، و يكلّف به عامّة الناس، و يقال لهم: إذا رأيتم الهلال وسط النهار و هو خطّ الزوال فأتمّوا الصيام إلى الليل، و إن رأيتموه قبله و لو بآن أو دقيقة من الزمان فأفطروا، و هم لا يقدرون على أن يخرجوا من عهدة هذا التكليف بأوسع من هذا، و خاصّة إذا كانوا في بلد لم يكن فيه من يرسم لهم‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 490.

(2). «قال السيّد السند نعمة الله الجزائري في شرحه على التهذيب: «يجوز أن يراد بالوسط و بما في معناه الزوال و ما بعده». انتهى. فعلم منه أنّ إرادة الزوال من الوسط ليس ببعيد». (منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 452‌

الدائرة الهنديّة، و يعلّمهم كيفيّة معرفة خطّ الزوال، و منتصف ما بين الحدّين.

و من المعلوم أنّ ليس المراد ب‍ «الوسط» هاهنا ما بينهما المستوعب لأجزاء الزمان الواقع بينهما؛ إذ لم يبق حينئذ لقوله: «أو آخره» معنى يصحّ أن يجعل ظرفا لإتمام الصيام إلى الليل، على أنّ «الوسط» بهذا المعنى يستلزم المطلوب؛ لأنّه إذا وجب على من رآه قبل الزوال أن يتمّ صومه إلى الليل، فحينئذ لا محلّ للنزاع أصلا، فتأمّل؛ ليظهر لك أنّ المراد بالوسط غير ما ذكره من المعنيين، و ليس إلّا ما تعارفه الناس.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ الحكم المذكور في الخبرين- اللذين صارا باعثين لتأويله هذه الأخبار- مرتّب على رؤيته قبل الزوال و بعده، و هو قدّس سرّه رتّبه على رؤيته في نفس الزوال، و ذهب عليه أنّه يخالف ما دلّا عليه، و الظاهر أنّ الوجه فيه ما أشرنا إليه من أنّ ترتيب الحكم على رؤيته وسط النهار المراد منه منتصف ما بين الحدّين ممّا لا يصلح تكليف عامّة الناس به؛ لتعذّره أو تعسّره. انتهى.

أقول: قوله: «و ممّا قرّرناه ظهر أنّ حمل لفظ «الوسط» في الحديث على المعنى الأوّل كما حمله صاحب الذخيرة بعيد» فيه أنّ جدّي المحقّق لم يحمل الوسط على المعنى الأوّل بأن يكون مختاره، بل متعارف شائع في مقام الاستدلال استيفاء الاحتمالات بالنظر إلى ملاحظة اللفظ من غير ملاحظة شي‌ء آخر، و نفي البعض لتعيّن الباقي، و لا يسمّى هذا حملا اصطلاحا. و هو منه غريب، كما لا يخفى.

فإن اعترض عليه أنّه لم يستوف جميع الاحتمالات- لأنّه بقي الوسط العرفي الشامل لما قبل الزوال- فهو أيضا مدفوع؛ لأنّ بين الحدّين ليس صريحا فيما بين الطلوع و الغروب، كما فهمه هذا الفاضل، و الفاضل التنكابني «1»، كما ذكر والدي العلّامة في الرسالة.

قال والدي العلّامة في رسالته:

و على تقدير تسليم انحصار الأوّل في تمام النهار في كلام والدي العلّامة و لم يشمل هذا الاحتمال، فليس المقصود حصر جميع الاحتمالات العقليّة؛ لأنّه أزيد من هذه الثلاثة التي ذكره.

و يرد عليه ما أورده على أبي رحمه اللّه من عدم الحصر و هو ظاهر، بل المقصود ذكر أقرب‌

______________________________
(1). يعني في رسالته السابقة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 453‌

الاحتمالات بحسب الإرادة في هذه الرواية، و لمّا كان هذان الاحتمالان أقرب خصّهما بالذكر، و لمّا كان للأوّل منهما شاهد على أنّه غير مراد أيضا حمل على الثاني، و لعلّ للتعبير بالشاهد إشعار بإمكان إرادة كلّ النهار من الوسط في هذه الرواية بأن يكون المعنى إن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أيّ جزء كان أو كان مختصّا بالأجزاء الأخر، فحكمه الإتمام، فلا فرق بينهما، و ذكر الآخر مع كونه داخلا في الأوّل باعتبار أنّ حكم الرؤية في الآخر معلوم لأكثر الناس، فذكر عليه السلام أنّ حكم جميع النهار حكم هذه الأجزاء المعلومة لأكثر الناس، لكنّ المناسب حينئذ بعد الزوال بدلا عن الآخر، إلّا أن يقال:

المراد بالآخر النصف الآخر، أو باعتبار أنّ الأغلب الرؤية في آخر النهار، و يحتمل أن يكون من باب التخصيص بعد الإطلاق، و ذكر الآخر قرينة على أنّ المراد من المطلق غير هذا الجزء.

فإن قلت: مقصود المعترض أنّ هذا الاحتمال أقرب من الاحتمالين المذكورين، و لا وجه لتخصيصهما بالذكر.

قلت: أبعديّة هذا الاحتمال عن الاحتمال الثاني قد تبيّن ممّا ذكر، أمّا عن الأوّل فلعلّه على اعتقاده أيضا كذلك باعتبار بعض المفاسد التي يترتّب عليه، لا باعتبار مجرّد إطلاق لفظ الوسط، و عسى أن يكون كذلك بعد الاطّلاع بجميع ما في هذه الرسالة، فتأمّل و أنصف.

و يرد على قوله: «و تدلّ الرواية المذكورة على المشهور» أنّه بمحض إطلاق الوسط على المعنى الذي ذكره، بل شيوعه فيه لو سلّم لا يتمّ المدّعى؛ لأنّ هذا الإطلاق و الشيوع ثابت بالنسبة إلى الزوال مع ما ذكرناه من الوجوه؛ لحمله على هذا دون ذلك، فتذكّر.

انتهى.

و قوله: «هذا من متعارفات أهل النجوم» فيه أنّ حمل الوسط على النهار، و نصف النهار على الزوال من متعارفات أهل الشرع، كما يظهر للمتتبّع، بل يجري مجرى الألفاظ المترادفة، و شاع استعمال وسط النهار في الأحاديث في الزوال، كما قرّر والدي رحمه اللّه في رسالته.

قال والدي العلّامة في رسالته التي ألّفها لردّ الفاضل التنكابني:

اعلم أنّ أهل اللغة و الشرع و العرف لا يفرّقون بين الظهر و الظهيرة، و نصف النهار و الزوال، بل يجرون استعمال لفظ الظهر و الظهيرة، و الهاجرة و القائلة، و نصف النهار و الزوال مجرى استعمال الألفاظ المترادفة، و الظاهر أنّه لا فرق أيضا بين نصف النهار و وسط النهار، كما‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 454‌

يظهر من كلام البيضاوي و الفاضل النيشابوري و غيرهما من المفسّرين؛ لما ستعرف في طيّ الكلام.

روى الصدوق في الفقيه عن الحلبي- في الصحيح- عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر، و هو صائم، فقال: «إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، فإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه». أ لا ترى أنّه عليه السلام قال أوّلا: «قبل أن ينتصف النهار» ثمّ ذكر في مقابله: «بعد الزوال»؛ إجراء للفظ الزوال مجرى انتصاف النهار.

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن سافر الرجل في شهر رمضان، فخرج بعد نصف النهار، فعليه صيام ذلك اليوم، و يعتدّ به من شهر رمضان». أ لا ترى أنّه عليه السلام عبّر في هذا الخبر عن الحكم- الذي عبّر في الخبر السابق بالزوال- بنصف النهار؛ إجراء لهما مجرى واحد، و الشيخ في هذا المقام أجرى اللفظين مجرى واحد.

و روى الشيخ عن ابن سنان- في الصحيح- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من أصبح و هو يريد الصيام، ثمّ بدا له أن يفطر [فله أن يفطر] ما بينه و بين نصف النهار، ثمّ يقضي ذلك اليوم». الحديث. و روى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصبح و هو يريد الصيام، ثمّ يبدو له فيفطر، قال: «هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار». و في رواية سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: «الصائم بالخيار إلى زوال الشمس». قال: «إنّ ذلك في الفريضة، و أمّا النافلة فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس».

و في صحيحة حميد بن درّاج، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان:

«أنّه بالخيار إلى زوال الشمس» الحديث. و نحوه في صحيحة عبد الله بن سنان، و رواية إسحاق بن عمّار، و في غير واحد من الأخبار: «إنّ [من] أراد الصيام بالخيار إلى زوال الشمس» ففي هذه الأخبار عبّر تارة «بنصف النهار» و تارة «بالزوال» و المسألة واحدة.

و في الفقيه: «إذا دخل الحلقة فقد زالت» و الظاهر أنّ المراد بالحلقة دائرة نصف النهار، و غير ذلك من الأخبار، فمن لا يقنعه القليل لم ينفعه الكثير.

و أمّا أهل اللغة، فقال ابن الأثير في النهاية في ذكر صلاة الظهر: «و هو اسم لنصف النهار سمّي به من ظهيرة الشمس، و هو شدّة حرّها». و في مفردات الراغب: «الظهيرة: وقت الظهر». و في القاموس: «الظهيرة: وقت انتصاف النهار». و في الصحاح: «الظهيرة:

الهاجرة». و في النهاية: «الهاجرة: اشتداد الحرّ نصف النهار». و في مجمل اللغة:

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 455‌

«الهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس، أو من عند زوال الشمس إلى العصر». و في شرح مسلم للنووي: يصلّي الظهر بالهاجرة، و هي شدّة الحرّ نصف النهار». و في القاموس: «القائلة: نصف النهار». و في الصحاح: «القائلة: الظهيرة».

و قال الواحدي في تفسير قوله تعالى: وَ أَطْرٰافَ النَّهٰارِ: «جعل صلاة الظهر في طرف النصف الثاني، و سمّي الواحد باسم الجمع».

و قال البيضاوي في تفسير قوله: وَ مِنْ آنٰاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرٰافَ النَّهٰارِ: «تكرّر لصلاتي الصبح و المغرب- إلى أن قال:- أو أمر بصلاة الظهر، فإنّه نهاية النصف الأوّل من النهار، و بداية النصف الآخر، و جمعه باعتبار النصفين». و نحوه قال بعض فضلاء المتأخّرين في تفسير هذه الآية.

و نحوه مذكور في التفسير الكبير أيضا. و صرّح البيضاوي في تفسير قوله تعالى: وَ حِينَ تُظْهِرُونَ بأنّ الظهيرة وسط النهار. و قال النيشابوري في تفسيره في ذكر صلاة الظهر:

«و في كتب التفسير تعليل من قال: إنّ الصلاة الوسطى صلاة الظهر بأنّها في وسط النهار».

و هو مؤيّد لما ذكرنا.

نقل في الكشّاف عن ابن عمر: «هي صلاة الظهر؛ لأنّها في وسط النهار، و كان رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يصلّيها بالهاجرة، و قد مرّ تفسير الهاجرة بمنتصف النهار. و يؤيّده أيضا قوله عليه السلام: «و هي وسط النهار» في بيان كون صلاة الظهر صلاة الوسطى فيما رواه الشيخ، و الفقيه.

و إنّما قلنا بلفظ التأييد؛ لأنّه يمكن المناقشة بأنّ الخصوصيّة مفهومة من الأدلّة الخارجية، و يصحّ أن يقال: إنّه في الوسط على تقدير إرادة قدر من الزمان الذي يدخل فيه قبل الزوال؛ لأنّ القول بكونه في الوسط إذا كان الوسط المجموع لا يستلزم كون كلّ جزء منه ظرفا للظهر، كما لا يستلزم نسبة وقوع أمر إلى اليوم مثلا كون كلّ جزء منه ظرفا له.

وجه التأييد أنّه قد عرفت جواز إطلاق الوسط على الزوال، فقال عليه السلام هاهنا: «و هي وسط النهار». فحينئذ نقول: أراد عليه السلام إمّا- من الوسط في هذه الرواية- المعنى العرفي، أو المعنى المجازي الذي هو الآن مع طرفيه القريبين به، أو خصوص أحد الطرفين أعني الزوال؛ لأنّ الطرف الآخر غير محتمل في هذه الرواية، و إرادة الأوّل منها بعيد جدّا؛ لأنّه إذا كان كون شي‌ء في جزء بخصوصه معلوما- و يطلق عليه و على كلّه الوسط؛ لأنّ حكم‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 456‌

الوسط حكم الماء، و النهار يطلق على مجموعهما، و على كلّ جزء منهما أنّه ماء و نهار- فالظاهر إرادة ذلك الجزء بعينه منه دون المجموع، و أيضا يكون حينئذ معنى قوله عليه السلام:

«و هي وسط النهار» أنّ وقته أو محلّ وقوعه هو الوسط أيّ جزء كان، و لا خصوصيّة لجزء بعينه، و هو خلاف الواقع، فلا يناسب إطلاقه، بل ينبغي أن يعيّن ذلك الجزء الذي يصحّ فيه بخصوصه.

فإن كان كونه معيّنا في الخارج يكفي؛ لعدم تبادر أيّ جزء كان من إطلاق الوسط، و لم يكن خلاف الظاهر في هذه الصورة إرادة جزء بعينه، فليقل بمثله في رواية قيس على تقدير إرادة العرفي منه فيها؛ لأنّ الدليل الخارج أيضا موجود هنا بأنّ المراد أجزاء بعد الزوال من الوسط و إن أطلق عليه السلام؛ لأنّ نسبة الروايتين إلى هذه الرواية نسبة الخاصّ إلى العامّ، فتتخصّص بهما.

و أيضا ظاهر سياق الرواية أنّه صلّى اللّه عليه و آله في صدد إبداء وجه لكون الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر، و السابق و اللاحق قرينة عليه أيضا، فحينئذ كان العصر مشتركا معها في هذا المعنى، و لا خصوصيّة لها به، فيحتاج إلى التكلّف بأن يقال: يمكن أن يكون الاختصاص باعتبار مجموع قوله عليه السلام: «و هي وسط النهار» و وسط الصلاتين بالنهار الغداة و العصر.

أو يقال: إنّ الكلام مسوق لبيان كونها الصلاة الوسطى، و لا ينافي تسميتها بصلاة الوسطى؛ لما ذكر اشتراك الغير معها في هذه الصفة، أو يجعل الواو حاليّة، و الاختصاص باعتبار سابقه، و هي قوله عليه السلام: «أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلّى اللّه عليه و آله». أو يقال: يكفي في الاختصاص الاختصاص في الجملة، و غير ذلك من التكلّفات التي لا باعث إلى ارتكابها.

و ظهر بعد الاحتمال الثاني أيضا ممّا ذكرناه، و يتطرّق إليه منع مساواته لخصوص الزوال؛ لأنّ كلّما كان المقدار أقلّ، كان القرب إلى المعنى الحقيقي أكثر، فتعيّن الحمل على الثالث، يعني الزوال.

و ظهر ممّا ذكرناه أنّه يمكن الاستدلال من هذه الرواية على كون مقدار أربع ركعات من أوّل النهار مختصّ بالظهر، و بعض الأجوبة التي ذكرها القوم هناك عن بعض الأدلّة يجري هنا مع بعد، فكان اللائق أن يذكروا هذه الرواية أيضا في جملة الأدلّة. و الظاهر أنّه لم يتفطّنوا به.

فلمّا ثبت إطلاقهم عليهم السلام الوسط على الزوال و شيوعه فيه- و لا يحتاج إلى ادّعاء الاتّحاد‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 457‌

بين نصف النهار و الزوال، بل يكفي لنا استعمال أحدهما في الآخر و شيوعه، و لهذا قلنا:

جار مجرى الألفاظ المترادفة، و به يتمّ المدّعى، و لم يدلّ دليل على إطلاقهم على قبل الزوال، بل عبّروا عمّا قبل الزوال بصحوة النهار، و ارتفاع النهار، و صدر النهار، و أمثال ذلك- فهو مرجّح و مؤيّد لحمل الوسط في رواية قيس على الزوال دون مقابله، و له مرجّحات أخر:

منها: أنّه لو حمل على الوسط الذي يدّعى أنّه العرفي- أعني قطعة من الزمان التي بين الزمانين الأوّل و الآخر، و الذي نسبته نسبة الزوال إلى الآن الحقيقي- لم ينطبق على شي‌ء من المذهبين إلّا بانضمام مقدّمة خارجيّة، و هو عدم القول بالفصل، فحينئذ يلزم إبطال المفهوم، و المقرّر في الأصول أنّ الجمع أولى من الإبطال.

و منها: عدم فائدة التخصّص حينئذ، و ما ذكره الفاضل (زيد فضله) في بيان الفائدة، فسيظهر لك حاله عن قريب، و لو حمل على قدر من قبل الزوال الذي يجزم بكونه وسطا عرفيّا، أو على أقرب المجازات التي انتهت إلى الآن كان ظهور عدم الفائدة أظهر، كما لا يخفى.

فلا يرد أنّ نسبة الوسط المجازي- إذا جعل الوسط الحقيقي هو الآن- إلى طرفيه نسبة واحدة، فلا وجه لتخصيصه. فظهر ممّا ذكرنا أنّ حمل الوسط على الزوال أقرب المعاني، و لا تضرّ الاحتمالات البعيدة في الاستدلال من الظواهر، و إلّا انسدّ باب الاستدلال من الظواهر.

فلنشرع الآن في ذكر كلام الفاضل (زيد فضله) قال:

أقول: الظاهر أنّ مراده من الحدّين الآنان المحيطان بالنهار، كما هو المتبادر من لفظ الحدّ بحسب العرف، و مراده رحمه اللّه من الوسط في الاحتمال الثاني هو الآن الذي ينقسم النهار إلى قسمين متساويين. انتهى.

و قد عرفت أنّه ليس هو الآن، و قد تبيّن أيضا إمكان أخذ الحدّ في كلام والدي العلّامة، بحيث يشمل الأوّل و الآخر، فيكون الوسط ما بينهما، فلا يتعيّن فلا يتعيّن الاحتمال الأوّل في كلّ النهار.

ثمّ قال: و وجه شهادة «أو آخره» على الثاني أنّ الوسط بالمعنى الأوّل يستوعب كلّ النهار، فلا يبقى غير الوسط من النهار شي‌ء حتّى يقال: فأتمّوا الصيام إلى الليل، فيجب حمل الوسط على المعنى الثاني الذي هو الآن، فحينئذ المراد بآخره هو الزمان الذي بعد الآن المذكور، فظهر وجوب الاتمام عند رؤية الهلال بعد الزوال بالمنطوق، و وجوب الإفطار عند رؤيته قبل الزوال بالمفهوم.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 458‌

قد عرفت وجه دفع قوله: «فيجب حمل الوسط على المعنى الثاني الذي هو الآن». و وجه دفع قوله: «فحينئذ»- إلى آخره- أيضا ظاهر لا يحتاج إلى البيان.

ثمّ قال: و فيه نظر، أمّا أوّلا؛ فلأنّه إذا أريد الآن من الوسط فالظاهر من الآخر حينئذ هو الآن الذي ينتهي إليه النهار، فلا يصحّ حينئذ «فأتمّوا الصيام إلى الليل»، فإرادة الآن من الوسط و كلّ الزمان الذي بعده من الآخر يخرج الكلام عن الانتظام. انتهى.

و فيه أنّ الظاهر من الآخر حينئذ هو الآن الذي ينتهي إليه النهار ممنوع، بل الظاهر هو الآن الآخر الذي داخل في النهار، فيصحّ «فأتمّوا» حينئذ، لكنّه بعيد، كما يظهر بالتدبّر.

و لو سلّم، قوله: «و يخرج الكلام عن الانتظام» أيضا ممنوع، بل يكفي للانتظام مساواة الأوّل مع الآخر، و لا يلزم مساواة الوسط معهما، بل يكفي تساوي نسبة الوسط إليهما.

ثمّ قال: و أمّا ثانيا؛ فلأنّ تفصيله عليه السلام بقوله: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره» لا وجه له حينئذ؛ لأنّ العلم بكون الرؤية في الآن لا يحصل لأحد من الماهرين في النجوم و إن بالغ في تحصيل هذا العلم، فكيف لغيرهم إلّا بتعليم الله! فكيف يصحّ جعله علامة للمخاطبين بضميمة أمر آخر؟ انتهى.

و اندفاعه قد ظهر بما سبق؛ لأنّ مبنى هذا و سابقه على إرادة الآن من الوسط. و فيه أنّ تحصيل العلم بكونها في الوسط ممكن، لكنّ العلم بكونه لا يكون قبله منحصر فيه- كما هو مفاد الحصر- متعذّر، و لعلّ مقصوده هذا.

ثمّ قال: و أمّا ثالثا؛ فلأنّ الاحتمال لا ينحصر في الأمرين المذكورين؛ لاحتمال أن يراد من الآخر قدر من النهار الذي يقرب من أحد الحدّين المذكورين، فالأوّل الغير [كذا، و الصواب: غير] المذكور هو قدر يقرب من الحدّ الآخر، فالوسط هو الزمان الذي بين الزمانين، و إطلاق الأوّل و الآخر على ما ذكرته ليس ببعيد، بل يشيع القول بأنّه جاء فلان أوّل اليوم، أو آخره، أو وسطه من غير أن يريدوا منها أو من بعضها الآن، بل عدم إرادة الآن معلوم لكلّ من تتبّع. و كون إرادة المعاني المذكورة من الألفاظ المذكورة طارئة خلاف الأصل، و حينئذ «فأتمّوا الصيام إلى الليل» محمول على ظاهره بلا تكلّف، و تدلّ الرواية المذكورة على المشهور، فظهر أنّ «أتمّوا» شاهد على المشهور. انتهى «1».

أقول: دفعه بعد الاطّلاع على ما سبق واضح.

______________________________
(1). أي انتهى كلام الفاضل التنكابني رحمه اللّه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 459‌

انتهى كلام والدي (طاب ثراه) في الرسالة.

و قوله: «فكيف يكون عليه مدار العمل، و يكلّف به عامّة الناس» يقال عليه: الظاهر أنّه ممّا استفاده من رسالة الفاضل التنكابني؛ لأنّه متأخّر عنه زمانا، مع أنّه مدفوع بأنّه يمكن أن يقال: يغتفر الزمان القليل من القبل و البعد، و يقال: إنّهم متى علموا قطعا أنّ الرؤية حصلت قبل الزوال فأفطروا، و متى لم يعلموا كذلك فصاموا، مع أنّ البحث وارد في كلّ ما جعل الزوال و نصف النهار علامة له من وقت الصلاة و غيرها من الأحكام الشرعيّة التي علّق عليهما. قال الله تعالى: أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «1» و الدلوك على تفسير الأكثر الزوال، فما هو جوابكم فهو جوابنا.

فإن قلت: الزوال و نصف النهار معلوم لأكثر الناس، و سائر الناس يحال عليه.

قلت: فهو جوابنا هاهنا، فإنّ الحديث في قوّة أن يقال: فإن لم تروا الهلال إلّا من زوال النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل، أي ناشئا و مبتدئا من الزوال، لا نفس الزوال و آن الزوال، فخلاصته: إن لم تروا الهلال إلّا بعد الزوال المقارب للزوال مقاربة العرفيّة، أو آخر النهار آخره العرفيّة فأتمّوا الصيام إلى الليل.

لا يقال: عامّة الناس غير مكلّفين بإتيان الصلاة في أوّل الزوال، بل إذا لم يعلموا دخول الوقت تأخّروا حتّى يعلموا دخوله «2»، و ليس كذلك فيما نحن فيه.

لأنّا نقول: فيما نحن فيه أيضا كذلك، فإنّهم إذا علموا أنّهم رأوا قبل الزوال أفطروا «3»، و إذا لم يعلموا صاموا، و يغتفر الزمان القليل، و التفاوت القليل باعتبار عسر التحقيق، كما ذكرتم.

و بناء ما قال الفاضل التنكابني على أنّ المراد من منتصف ما بين الحدّين الآن الحقيقي، و لم ير لفظة «أعني الزوال» الذي ألحقه جدّي النحرير (طاب ثراه) في نسخة الأصل، فقال ما قال، و بعد ما رأى عدل عنه، و أجاب بأجوبة سخيفة أخرى كلّها مذكورة في رسالة‌

______________________________
(1). الإسراء (17): 78.

(2). «فظهر اندفاع قوله: و ذهب عليه أنّه يخالف ما دلّا عليه». (منه رحمه اللّه).

(3). «و أيضا معرفة قبل الزوال و بعد الزوال موقوف على معرفة الزوال، فالإشكال باق على ما ذكرتم على أيّ حال».

(منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 460‌

أبي العلّامة رحمه اللّه التي ألّفها في ردّ ما ألّفه الفاضل التنكابني. و العجب أنّ هذا الفاضل (زيد فضله) رأى لفظة «أعني الزوال» و ما أورده من المقال فاستأنف الجدال، و قال ما قال. فقل له و لأحزابه المتعصّبين له: فادرؤوا عن أنفسكم البحث إن كنتم صادقين.

قال «1» (زيد توفيقه):

فالقول بأنّ هذا الخبر دلّ بمنطوقه على وجوب الإتمام عند رؤية الهلال بعد الزوال، و بمفهومه على وجوب الإفطار عند رؤيته قبل الزوال محلّ نظر، خاصّة إذا كان القائل إنّما أراد به الاستدلال على إثبات هذا المطلب؛ إذ لو كان المفهوم عنده معتبرا لاكتفى بقوله: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار فأتمّوا الصيام إلى الليل» و لم يذكر قوله: «أو آخره»؛ لأنّ ذكر الوسط على هذا كما دلّ على وجوب الإفطار قبل الزوال دلّ على وجوب الإتمام بعده، فعدم الاكتفاء به عن الثاني- حتّى صرّح بقوله: «أو آخره»- و الاكتفاء به عن الأوّل تعسّف، و هذا لو سلّم له أنّ المراد بوسط النهار منتصف ما بين الحدّين، و قد عرفت أنّه خلاف الظاهر، فلا يصار إليه إلّا بدليل. انتهى.

أقول: فيه أنّ ذكر الآخر مع الوسط لتصريح أنّ هذا الفرد من الرؤية ملحق بذلك الفرد من الرؤية المتّفق عليه، و حكمهما واحد، و ذكر الأخفى مع الأجلى شائع متعارف، و لهذه الفائدة لم يكتف به.

قال بعد نقل كلام الفاضل التستري:

و كأنّه حمل «وسط النهار» على ما حمله عليه صاحب الذخيرة، بل الظاهر أنّه أخذه منه؛ لأنّه متأخّر منه زمانا. و قد عرفت ما في هذا الحمل. انتهى.

أقول: لأحد أن يسأل عنه: من أين قلت: «بل الظاهر أنّه أخذه منه» و مجرّد تأخّره منه زمانا إن كان باعثا، فأنت أيضا ما حرّرته أخذت من رسالة الفاضل التنكابني؛ لأنّك كتبته بعده، و زمانك مؤخّر عن زمانه!

قال:

و أمّا ما ذكره قدّس سرّه من معنى التعليل ممّا لا يمكن استفادته منه، و إنّما استفادته منه لميله إلى ذلك المذهب، و قيامه لصرف الأخبار إليه، و حملها عليه، و لو لا ذلك لما فهمه منه؛ لأنّه‌

______________________________
(1). أي الفاضل الخواجوئي رحمه اللّه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 461‌

ممّا لا يفهم إلّا بضرب من الرمل، و لذلك لم يستفد منه ذلك أحد غيره، بخلاف ما ذكرناه، و لذلك ذهب إليه العلماء الأعلام و الفقهاء العظام، فمخالفتهم و تأويل التعليل بما يجعله كالعليل لا يناسب حال الكرام.

أقول: كلّا، ثمّ كلّا أن يكون ميله و هواه باعثا إلى ارتكاب هذه التأويلات، و لا جهة دنيويّة لهذا الميل، بل لمّا كان عنده هذا المذهب قويّا ارتكب هذه التأويلات، و لم أر أحدا من العلماء المتّقين الصالحين أن يسند مثل ذلك في المسائل الشرعيّة إلى أحد من العلماء السابقين، و اتّخذ هذا القائل الطعن بضاعته. و علماء الدين حملة آثار المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين)، و سوء الأدب و التكلّم عليهم بهذا النحو يورث طعن المخالفين، نعوذ بالله منه.

اللهمّ وفّقه و إيّانا لتهذيب الأخلاق، و العمل بما يحبّ و يرضى، و صحّح نيّاتنا بمحمّد و آله المعصومين (سلام الله عليهم أجمعين).

اللهمّ إلّا أن يقال: مراده أنّه مال إلى هذا المذهب؛ لقوّة الدليل على ظنّه. لكن السياق يأبى عنه.

قال العلّامة المجلسي (طاب ثراه) في حاشيته على هذا الحديث:

إنّ هلال شهر رمضان يحتمل أن يكون المراد بهلال رمضان هلال ابتدائه أو انقضائه.

فعلى الأوّل، فالمراد إتمام الصوم بقصد شعبان، فإنّه لو كان شعبان تامّا لرئي قبل الزوال، فإنّ في الشهر التامّ لا يكون خارج الشعاع إلّا قبل الزوال، و على الثاني- و هو الأظهر- فالمراد إتمام صوم رمضان «1». و الله يعلم «2».

فعلم أنّه فهم منه هلال ابتدائه و جعله ظاهرا، كما حمله جدّي العلّامة. و الكلام في التعليل مدفوع، فإنّ المعنى الأوّل من التعليل ممّا ينساق إلى ذهن فحول من الأذكياء، سيّما عند ملاحظة الأطراف، و في مقام الجمع بين الأحاديث، و عدم خطوره ببال صاحب الرسالة،

______________________________
(1). في هامش المخطوطة: «و يرد عليه أنّ ما ذكره من التفرقة بين شهر رمضان و شهر شعبان في وجوب الصوم في الأوّل و استحبابه في الثاني ليس مدلولا للحديث، بل يفهم بقرينة التعليل الذي فهمه، و هو ليس صريحا فيه حتّى يصلح أن يكون قرينة، بل له معان أخرى كما عرفت. و ظهوره بعد ملاحظة الأطراف أيضا ممنوع». (منه رحمه اللّه).

(2). ملاذ الأخيار، ج 6، ص 481، ذيل الحديث 62.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 462‌

و عدم اطّلاع بعض الناس عليه غير ضائر، و المعنى الثاني أيضا ليس ببعيد في مقام الجمع و الضرورة.

و لعلّه مراد جدّي العلّامة، مع أنّ هذا البحث لا وقع له «1»؛ إذ كثير من المعاني خطر ببال المتأخّرين «2»، و لم يخطر ببال القدماء و السابقين، كما يقال: كم ترك الأوّل للآخر، يظهر ذلك بالتتبّع، و خطر ببال صاحب الرسالة في تزييف الخبرين شي‌ء ما خطر ببال أحد من السابقين و اللاحقين، بل استفاده بضرب من الرمل، و هو ما سمّي بالشبهة السوفسطائية، و موقع استعمال الرمل هذا لا ذاك. «رحم الله امرأ عرف قدره، و لم يتعدّ طوره» «3».

قال الفاضل التنكابني رحمه اللّه بعد ما ذكر لاعتبار الرواية وجوها:

فاعلم أنّ ظاهر قول محمّد في المكاتبة: «فترى أن نفطر؟» هو كون المراد بهلال رمضان هو هلال شوّال؛ لظهوره في أنّ كونه صائما إلى الرؤية مسلّم، فالسؤال إنّما هو في جواز الإفطار بعدها، و هذا إنّما يناسب هلال شوّال لا هلال رمضان، فحينئذ معنى السؤال: أنّه هل ترى أن نفطر الصوم الذي أردته في الليل السابق كما هو مقتضى القانون الشرعي؟

و معنى الجواب: أنّك تتمّ الصوم الذي كنت مريدا له في اللّيل إلى اللّيل؛ لانّ رؤية الهلال قبل الزوال لا تدلّ على كون هذا اليوم من الشهر الجديد؛ لأنّ الشهر إذا كان ثلاثين قد يكون خروج الشعاع في وقت، و الهلال على وضع يكون قبل الزوال قابلا للرؤية البتّة، و إرادة شهر شوّال من لفظ شهر رمضان جائزة بتحقّق الملابسة المصحّحة للإضافة، و القرينة المذكورة تجعل اللفظ ظاهرا في شوّال، و لا منافرة لما ذكرته عن أسلوب العبارة. فظهر أنّ المطلقة- و هي قوله عليه السلام: «إن كان تامّا»- متحقّقة في ضمن الجزئيّة، و ظهر أنّ الجزئيّة كافية هاهنا مفيدة.

و ما ذكر في الأصول من حمل المطلقة في الأخبار و الآيات مثل أن يقولوا: في سائمة الغنم الزكاة، و لم يظهر من كلامهم عليهم السلام فرق بين سائمة و سائمة على الكليّة، إنّما هو للحذر من خروج كلامهم عن الإفادة، و كذلك إذا لم يظهر بين معلوفة و معلوفة يجب‌

______________________________
(1). في هامش المخطوطة: «فإنّ عدم انطباقه على مجاري العادات الأكثرية و الشواهد النجوميّة صارا باعثين لهذا التأويل في الخبر». (منه رحمه اللّه).

(2). في هامش المخطوطة: «و أيضا تعارضه مع الخبرين الصريحين يكون باعثا إلى ارتكاب التأويل». (منه رحمه اللّه).

(3). شرح غرر الحكم، ج 4، ص 42، ح 5204.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 463‌

حمل المفهوم على الكليّة للدليل المذكور. و ظهر أنّ هذا الدليل غير جار في حمل المطلقة فيما نحن فيه على الكليّة. انتهى.

قال والدي رحمه اللّه:

أقول: و يرد عليه أنّ النجاشي قال: عليّ بن حاتم يروي عن الضعفاء، و هذه الرواية يحتمل أن يكون منها، و قول الشيخ في الفهرست: «كتبه جيّدة» لا يدلّ على أنّ الرواية الضعيفة لا تكون فيها. و قول الشيخ في الفهرست: «أخبرنا بكتبه و رواياته» محتمل لأن تكون له روايات غير الكتب، و عدم نقل الكتاب لمحمّد بن جعفر لا يدلّ على العدم، و عدم تعارف رواية ما في الصدور في ذلك الزمان أيضا غير معلوم.

و يظهر من كلام العلّامة في المختلف أنّه لا يسلّم هذا السند؛ حيث قال: «و رواية محمّد بن عيسى بعد تسليم سندها أنّها مشتملة على المكاتبة، و لا ينفكّ عن ضعف»، و كذا من كلام الفاضل الأردبيلي، حيث قال: «لا يضرّ ضعف السند بالتأييد و غيره». و من قال بضعفها «1»- لكونه مضمرا- لا يخلو عن شي‌ء في هذه المواضع.

و الحاصل أنّ القول باعتبار هذه الرواية لا يخلو عن تأمّل و إن كان اعتبارها لا يضرّ، لكنّ المقصود ممّا ذكرناه أنّ ما ذكره في وجه الاعتبار يمكن المناقشة فيه.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ غاية ما يستفاد من ظاهر قول محمّد كونه صائما، و لا يظهر أنّ صومه بطريق الوجوب أو الاستحباب، و استحباب صوم يوم الشكّ ثابت في الشرع.

و في بعض الأخبار: «فإن كانت مغيّمة فأصبح صائما، و إن كانت صاحية و تبصّرته و لم تر شيئا فأصبح مفطرا» فحينئذ فلا بعد في أن يكون مراده أنّ الصوم الذي أردته في الليل السابق باعتبار الغيم جواز إفطاره في النهار قبل الرؤية معلوم، و أمّا بعد الرؤية فهل يجوز إفطاره أم لا؟ فأجاب عليه السلام بقوله: «تتمّ»- إلى آخره- يعني إذا تمّ و انقضى، أو إذا كان صالحا للرؤية في اللّيل السابق لرئي، فيكون هلالا جديدا، فلا يكون خلاف ظاهر على تقدير حمله على هلال رمضان، فظهر ضعف ما ذكره بقوله: «و هذا إنّما يناسب هلال شوّال، لا هلال رمضان». و ظاهر قوله: «فالسؤال إنّما هو في جواز الإفطار». و لعلّ هذا أقرب و إن أمكن المناقشة فيه، فهو يناسب هلال رمضان، كما لا يخفى.

______________________________
(1). في هامش المخطوطة: «صرّح العلّامة المجلسي رحمه اللّه في حاشيته على التهذيب بأنّها مجهولة». (منه رحمه اللّه). راجع ملاذ الأخيار، ج 6، ص 481، ذيل الحديث 62.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 464‌

و لو سلّم كون ظاهر «يفطر» مناسبا لهلال شوّال فقوله: «و القرينة المذكورة يجعل اللفظ ظاهرا في شوّال» في محلّ المنع؛ لأنّ إبقاء القرينة على الظاهر و ارتكاب خلاف الظاهر في هلال رمضان ليس أولى من العكس، بل هذا أولى، فكيف يجعله ظاهرا في شوّال؟

و ظاهر قوله: «و لا منافرة لما ذكرته عن أسلوب العبارة» أنّ على تقدير هذا الحمل يلزم المنافرة و يرتفع بتقريره، فكان ينبغي أن يذكر ذلك التنافر حتّى يظهر رفعه بتقريره؛ لأنّ والدي العلّامة لم يذكر وجه التنافر، و له احتمالات، فلعلّ وجه التنافر أنّ الأسلوب يقتضي لفظ «فيجب» حينئذ بدل قوله: «فترى» و غير ذلك من الوجوه.

و قوله: «فظهر أنّ المطلقة»- إلى آخره- أيضا ممنوع، بيانه أنّ معنى قوله عليه السلام: «فإن كان تامّا لرئي» على تقدير إرجاع الضمير إلى الشهر المطلق المفهوم بحسب المقام، أو إلى المذكور في ضمن شهر رمضان- و هو أقرب- كان المعنى أنّ الشهر أعمّ من أن يكون تامّا أو ناقصا، إن كان تامّا- أي وقت كونه متّصفا بالتماميّة أيّ وقت كان- يترتّب عليه حكم الرؤية، فترتّب الرؤية على مجرّد التماميّة ظاهره أنّ التماميّة مستقلّ، لا أنّه إذا ضمّ إليه شي‌ء آخر في بعض الأوقات لرئي. و لهذا قال بعض الأفاضل: إنّ ظاهر منطوق الشرط و الصفة العموم، فإذا دخل عليه لفظ «كلّ» كان تأكيدا للعموم المستفاد من الشرط أو الصفة في أمثال هذه المقامات.

و ما ذكر بقوله: «بما ذكر في الأصول- إلى قوله:- على الكليّة من الحصر» ممنوع، و إنّما يستقيم على تقدير الحمل على جزئيّ بخصوصه، و أمّا إذا حمل على أيّ جزئي كان، لم يكن كلامهم خارجا عن الإفادة، و تمثيل بواحد من الجزئيّات- كما في المثال المذكور- إذا حمل على الجزئيّة كان المعنى: لبعض سائمة الغنم زكاة أيّ بعض كان، لا لكلّه، بل الوجه ما ذكرناه؛ لأنّ الكلّ مشترك مع البعض في السائميّة، و علّق الزكاة على مجرّد السوم، فيكون الظاهر العموم، فلو لم يحمل على الكلّيّة في موضع من المواضع باعتبار مانع فلا بدّ من حمله على الأكثريّة، و الظاهر أنّ هذا على سبيل الاستظهار، فتأمّل.

ثمّ قال الفاضل التنكابني رحمه اللّه:

و ما ذكره رحمه اللّه من حمل التامّ على المعنيين المذكورين فهو حمل للّفظ على معنى لا ينساق ذهن أكثر الناس لو لم نقل بعدم انسياق ذهن أحد إليه، و إرجاع الضمير إلى الشهر المفهوم بحسب المقام ممكن، و أرجع رحمه اللّه هذا الضمير إلى الشهر بقوله: «أو المراد أنّ شهر رمضان» إلى آخره. انتهى.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 465‌

قال والدي رحمه اللّه:

و يرد على قوله: «و ما ذكره رحمه اللّه من ذكر حمل التامّ ...»- إلى آخره- أنّ على تقدير تسليم البعد في المعنى الأوّل فلا بعد في المعنى الثاني أصلا، بل هو شائع متعارف، و يقولون عند رؤية هلال شهر: إنّ الشهر الفلاني قد انقضى و دخل الشهر الآخر. و في قوله:

«و أرجع رحمه اللّه ...»- إلى آخره- أيضا مناقشة؛ لأنّ قول والدي العلّامة رحمه اللّه: «أو المراد ...»-

إلى آخره- يحتمل أن يكون من باب التمثيل، فلا يكون في صدد بيان إرجاع الضمير، فحينئذ لا يتعيّن الإرجاع إلى الشهر المطلق، فتأمّل.

ثمّ قال الفاضل التنكابني رحمه اللّه:

اعلم أنّ قوله عليه السلام: «إن كان تامّا لرئي قبل الزوال» مشتمل على منطوق و مفهوم، و هو أنّه إن لم يكن تامّا لم ير قبل الزوال، و ظاهر أنّ منطوق الرواية لا يدلّ على مذهب السيّد رحمه اللّه، سواء أخذ كلّيّا أو جزئيّا؛ لأنّ كون رؤية بعض التامّ أو كلّه قبل الزوال لا ينافي رؤية بعض غير التامّ قبله، فبرؤية قبل الزوال لا يمكن الحكم بكونه الهلال تامّا كما ذكره أوّلا، أو الشهر تامّا كما ذكره ثانيا، بل يحتاج إلى حمل الأصل على الكلّيّة و المفهوم أيضا عليها، و ليس شي‌ء منها بعيدا عند أدنى حاجة، و جعل المقصود بالإفادة هو المسكوت الذي هو أنّه إن لم يكن الهلال تامّا أو الشهر تامّا لم ير قبل الزوال، و ظاهر أنّ ترك المقصود بالإفادة و ذكر ما يستنبط حكم المسكوت الذي هو المقصود بالإفادة في غاية البعد، فلا يجوز حمل كلامه عليه السلام عليه بلا ضرورة داعية إليه، فكيف يحمل عليه، و يجعل مؤيّدا لمذهب السيّد الذي يتوقّف على كونه ظاهرا فيه؟

فظهر بما ذكرته أنّه لو لم ينضمّ إلى أحد البعدين- اللذين هما بعد حمل التامّ على المعنيين، و بعد جعل المقصود بالإفادة هو المسكوت- البعد الآخر لكان كافيا في الحكم ببطلان التوجيه المشتمل عليه إذا كان للرواية محمل لا يشتمل على مثله، فكيف إذا اجتمعا فيه؟

و لو قيل: إنّ مراده رحمه اللّه من قوله: «و معنى التعليل أنّ الرؤية قبل الزوال إنّما تكون إذا كان الهلال تامّا لزومه من قوله عليه السلام: «إن كان تامّا لرئي قبل الزوال» بعنوان الانعكاس، فمع بعده- لعدم قول أحد بانعكاس الموجبة الكلّيّة كلّيّة- يرد عليه ما أورد عليه على تقدير استفادته من المفهوم. انتهى.

________________________________________
مختارى، رضا و صادقى، محسن، رؤيت هلال، 5 جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1426 ه‍ ق

 

رؤيت هلال؛ ج‌1، ص: 466

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 466‌

قال والدي رحمه اللّه:

أقول: نحن نبيّن كلام والدي العلّامة رحمه اللّه حتّى يسهل لك دفع ما ذكره بقوله: «اعلم، إلى آخره».

اعلم أنّ والدي (طاب ثراه) قال: «إنّ المسؤول عنه هلال رمضان لا هلال شوّال، و معنى التعليل أنّ الرؤية قبل الزوال إنّما تكون إذا كان تامّا ...» إلى آخره.

حاصله أنّ المذكور في كلام السائل هلال رمضان، و ظاهره أنّ المسؤول عنه هو هلال رمضان، و ينبغي حمل الجواب على وجه يطابق المسؤول الظاهر من السؤال، فهو بأن يكون في الواقع منحصرا في ذلك، و القرينة عليه إمّا الأسلوب أو غيره و إن لم يكن مدلولا ظاهريّا باللفظ.

فإن قلت: لا ترجيح لإبقاء السؤال على الظاهر، و ارتكاب خلاف الظاهر في مدلول التعليل، بل يمكن إبقاء التعليل على الظاهر باعتبار معلوميّة أنّ مقصود السائل السؤال عن هلال شوّال للإمام عليه السلام باعتبار بعض القرائن و إن ساهل في لفظه.

قلت: لا يمكن إرادة المدلول الظاهر من التعليل على تقدير ارتكاب خلاف الظاهر في السؤال و حمل التامّ على الثلاثين أيضا؛ لأنّ الرؤية إذا لم تكن منحصرة في الثلاثين لم يكن لذكر الثلاثين في هذا المقام دون تسع و عشرين وجه معتدّ به، و ذكر هذا دون ذلك دليل الحصر. فظهر أنّه لا بدّ من اعتبار الحصر في الاحتمالين، لكن جهة الاعتبار مختلف، و أيضا الرؤية مترتّبة على التماميّة، فتكون التماميّة شرطا لها، و بانتفاء الشرط ينتفي المشروط إلّا إذا ثبت أنّ لها شرطا آخر، و لمّا لم يثبت فيما نحن فيه شرط آخر فالأصل عدمه، فيتعيّن أن يكون هو الشرط، فثبت الانحصار ظاهرا.

فبما ذكرنا يسهل عليك دفع ما ذكره؛ لأنّ الدلالة لا تنحصر في المنطوق الصريح و المفهوم، بل للدلالة أنحاء شتّى، و في بعض المواضع بالقرائن أعمّ من الخارجيّة و الداخليّة. و لو سلّم انتفاء الدلالة فقوله: «بل يحتاج إلى حمل الأصل على الكليّة و المفهوم أيضا عليها» غير سديد، بل يكفي اعتبار الكلّيّة في المفهوم فقط.

ثمّ قال الفاضل التنكابني:

و قوله رحمه اللّه «و تقييد الإفطار بكونه قبل الزوال» صريح في جعله قبل الزوال ظرفا لقول السائل: «نفطر»، و يمكن أن يكون ظرفا لقوله: «رأيناه». و قدّم للإشارة إلى أنّ المقصود‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 467‌

من السؤال هو هذا؛ للعلم بحكم الرؤية بعد الزوال، و إن جعل ظرف «نفطر»- كما اختاره رحمه اللّه- يحتاج إلى أن يقال: إنّ مراده بقوله: «إذا رأيناه» أنّه إذا رأيناه قبل الزوال مع عدم كونه مذكورا هاهنا بالقرينة، و هي ظهور أنّ الرؤية بعد الزوال لا تصير سببا لجواز الإفطار قبل الزوال الذي هو قبل الرؤية حينئذ.

و أمّا إذا جعلناه ظرفا لقوله: «إذا رأيناه» فيكون المعنى إذا رأيناه قبل الزوال الذي هو المقصود بالسؤال هل يجوز لنا أن نفطر أم لا؟ و لا يتعلّق غرض أحد بالاستفسار عن كون وقت الإفطار قبل الزوال حتّى يقال: إنّه لا يستقيم إلّا في الصوم المستحبّ؛ لأنّه إذا جاز الإفطار برؤية الهلال قبل الزوال يجوز الإفطار بعد الرؤية أيّ وقت شاء، سواء كان قبله أو بعده، و على تقدير تسليم كون قبل الزوال ظرف «نفطر» نقول: مراد السائل من تقييد الإفطار بقبل الزوال هو الإشارة إلى أنّ سؤاله إنّما هو عن الإفطار بعد الرؤية التي تحقّقت قبل الزوال؛ لأنّه إذا وجب الإفطار برؤية قبل الزوال يكون الإفطار أيضا قبل الزوال غالبا، فالمقصود من السؤال عن إيجاب الرؤية قبل الزوال للإفطار بذكر لازمها الأكثري على تقدير الإيجاب.

و لا يبعد أن يكون سؤال إيجاب الرؤية قبل الزوال الإفطار ناشئا عن كونه مذهب بعض العامّة الذي كان في زمانه عليه السلام، فأجاب بعدم الإيجاب، كما أومأت إليه، فظهر ضعف قوله: «و تقييد الإفطار بكونه- إلى قوله:- ممّا نهي عنه».

و قوله: «و لو حمل هلال شهر رمضان»- إلى آخر ما نقل من كلامه- إنّما يصحّ إذا حمل الكلام على الكلّيّة، و لا يخفى كفاية الجزئيّة كما أومأت إليها، و لا حاجة إلى الكلّيّة التي حمل الكلام عليها، و زعم من عدم صحّتها عدم جواز إرادة شهر شوّال من لفظ شهر رمضان. و صاحب المدارك جعل هذه الرواية من الروايات الدالّة على المذهب المشهور، و لم يلتفت إلى إضافة الهلال إلى رمضان. انتهى.

قال والدي رحمه اللّه:

اعلم أنّ قول أبي رحمه اللّه: «لا يستقيم على تقدير الحمل»- إلى آخره- يحتمل أن يكون المقصود أنّه لا يكون المعنى على استقامة العبارة و إبقائه على الظاهر، بل يحتاج إلى ارتكاب خلاف ظاهر و تكلّف لا يكون أولى بالنسبة إلى الظاهر، بل يكون ابقاؤه على الظاهر أولى؛ لأنّه أتمّ فائدة، فحينئذ اندفع قوله: «و يمكن أن يكون ظرفا لقوله: «رأيناه»‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 468‌

و قدّم للإشارة على أنّ المقصود من السؤال هو هذا للعلم بحكم الرؤية بعد الزوال»؛ لأنّه لم يدّع التعيين، على أنّ هذه الإشارة المستفادة من ظاهر الكلام تحصل على تقدير كونه ظرفا لقوله عليه السلام: «لا نفطر»، و إن كان مقصوده أنّه قدّم للإشارة إلى الاهتمام و إن كان لا يلائم ظاهر عبارته، فالظاهر عدم أولويّته، بل ذلك أولى، فلعلّ هذا القدر يكفي للتأييد، و أيضا لا يضرّ بأصل المدّعى؛ لأنّ مبنى التأييد ليس على هذا بخصوصه.

و يرد على قوله: «و إن جعلت ظرفا ل‍ «نفطر»، كما اختاره رحمه اللّه»- إلى آخره- أن لا قصور في نصب قرينة يفهم المقصود بسببه، و يفيد فائدة أخرى، بل من المحسّنات. و ظهر أيضا اندفاع قوله: «و على تقدير تسليم كون قبل الزوال»- إلى آخره- لأنّه تكلّف لا يساوي الفائدة التي ذكرها أبي رحمه اللّه. و يرد على قوله: «و لا يبعد»- إلى آخره- أنّه في غاية البعد، كما لا يخفى.

فظهر ضعف قوله: «و تقييد الإفطار» إلى آخره. و ضعف قوله: «و لو حمل هلال رمضان»- إلى آخره- ظهر أيضا ممّا سبق، و لا يحتاج إلى الإعادة.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ الفائدة في تقييد الإفطار بقبل الزوال إذا حمل على هلال شوّال أنّ الإفطار إذا كان بعد الزوال يكون بعد صلاة العيد، و المستحبّ في الفطر أن يكون قبل صلاة العيد، فيكون التقييد إشارة إلى هذا المعنى.

انتهى كلام والدي العلّامة (طاب ثراه). ذكرته بعبارته لمزيد الفائدة.

قال «1»: «و يظهر من بعضهم أنّ حجّته عليه الإجماع، حيث قال: ادّعى السيّد أنّ عليّا عليه السلام»، إلى آخره.

أقول: فيه أنّ ما جعله مانعا مردود؛ لأنّ الشهرة ممّن تقدّم عليه ممنوعة، و لم نطّلع على قائل بخلافها من المتقدّمين عليه إلّا ما نقله العلّامة عن ابن الجنيد، و لعلّ ذلك لم يثبت عند السيّد، و يكون حكمه حكم سائر الإجماعات التي ثبت نقلها عنهم مع وجود المخالف، و مخالفة الشيخ مع كونه معاصرا له أيضا لا تضرّ؛ لأنّه يمكن أن تكون تلك المخالفة بعد عصره؛ لأنّ الشيخ كان بعد ذلك مدّة، و على تقدير كونها في عصره، و كان عالما بها لمّا كانت جهة المخالفة معلومة ضعيفة عنده فنزّل مخالفته منزلة العدم، و قال: «لا مخالف لهم». و مجرّد‌

______________________________
(1). أي الفاضل الخواجوئي المازندراني رحمه اللّه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 469‌

الشهرة بين من تأخّر عنه لا يفيد و لا يكون حجّة أصلا؛ لما حقّق والدي العلّامة في رسالته الجمعة، و صرّح جدّي في الكفاية بأنّ الشهرة بين المتأخّرين «1»، و لعلّ منشأ الشهرة قول الشيخ هنا، حيث ذكر الشهيد الثاني:

أنّ بعد زمان الشيخ لم يكن مفت على التحقيق، و كانوا مقلّدين له، فلمّا رأى المتأخّرون حكمهم في مسألة زعموا أنّ تلك المسألة مشهورة بين الأصحاب، و لم يتفطّنوا أنّ منشأ حكمهم فتوى الشيخ، فقالوا: إنّ المشهور بين الأصحاب ذلك. قال: و تنبّه بذلك الشيخ سديد الدين، و رضي الدين بن طاووس، و جماعة «2».

و بالجملة، إن كان مقصودكم أنّ المنقول ثابت قطعا فهو غير معتبر في كونه دليلا، و إن كان ظنّ الثبوت في الواقع فقد عرفت حاله، و أنّه يفيد الظنّ في الجملة، كما قرّر والدي في الرسالة. و التمسّك بالأصل و الاستصحاب كما ترى، و غرضي أنّ من أنصف بعد ملاحظة الأطراف و أمعن النظر و خلّي من جميع الأغراض، علم قوّة اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال.

و ما قلت من فزع المسلمين من زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى زماننا هذا في الرؤية الرؤية في الليل، فحمل أحاديث الرؤية عليه.

قلنا: إن أراد أنّ الرؤية في الليل شائعة متبادرة منساقة إلى الذهن، و لا ينساق غيرها إليه فهي ممنوعة؛ فإنّ الرؤية قبل الزوال شائعة متعارفة، مختلف فيها بين الخاصّة و العامّة، متوفّرة الدواعي، لكن شيوعها ليس بمرتبة شيوع الرؤية في الليل.

و إن أراد أنّ هذا الفرد من الرؤية أشيع من الفرد الآخر فمسلّم، لكن لا يجديه نفعا، و لعلّ عدم فزع المسلمين و إقبالهم جميعا للترائي و التطلّب قبل الزوال لجهة الاختلاف في المسألة؛ فإنّه بعد حصول الرؤية قليل الفائدة بالنسبة إلى تلك الرؤية، و كثيرامّا يستدلّ القوم بالمطلقات مع كون بعض أفرادها أشيع من بعض، كما لا يخفى على المتتبّع، مع دلالة بعض الأخبار دلالة واضحة على اعتباره، و لم يقع التصريح بخلافه في خبر معتبر، بل بزعمكم بعض الأخبار ظاهر الدلالة على عدم الاعتبار، و بعضها لم يدلّ على أحد من المذهبين، فلم يقع التصريح بخلافه، و بزعمنا و زعمكم بعض الأخبار صريح فيما ادّعيناه، و بعضها محتمل‌

______________________________
(1). كفاية الأحكام، ج 1، ص 260.

(2). الرعاية، ص 75.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 470‌

الدلالة عليه، و إذا ثبت الاحتمال سقط الاستدلال، كما ذكرتم.

فإن قلت: بناء الاستدلال على الظواهر.

قلت: نعم، إذا لم يكن هناك مانع، و أيضا النزاع بيننا و بينكم هو أنّه أنتم تقولون: إنّ الظاهر من بعض الأخبار كذا، و إنّا نقول: ليس الظاهر ما فهمتموه، بل بملاحظة الأطراف ظاهره ما فهمناه، و نقول: كثيرامّا بعض المعاني في بادئ النظر غير ظاهر، و بعد ملاحظة الأطراف و القرائن يصير ظاهرا بحيث لا ينساق إلى الذهن معنى آخر، و هو ظاهر، فالحقّ و الصواب لا يعلم في هذه النشأة، و لكلّ رجل سليقة يعتقد أنّ الحقّ هو ما فهمه، و الرجل الآخر على الباطل و اعوجاج السليقة، (عصمنا الله و إيّاكم عن الخطإ، و أرشدنا إلى الحقّ، و حفظنا من الباطل، و وفّقنا للعمل بما يحبّ و يرضى، إنّه على إجابة دعوة الداعين قدير، و به جدير).

قال «1» (وفّقه الله تعالى):

زمان دخول الشهر يختلف باختلاف الاعتبار، فمن اعتبر أنّ اليوم بليلته من غروب الشمس إلى غروبها- كأهل الشرع؛ و كأنّه لأنّ الظلمة أصل و النور طار- فزمان دخوله عنده من حين غروبها باستتار القرص، أو ذهاب الحمرة المشرقيّة على اختلاف الروايتين. و من اعتبر أنّه من طلوعها إلى طلوعها- كالروم و الفرس؛ و لعلّه لأنّ النور وجوديّ و الظلمة عدميّة- فزمان دخوله عنده من حين طلوعها. و من قال: إنّه من زوالها إلى زوالها كالمنجّمين و أهل الحساب- لاختلاف المطالع و المغارب بحسب اختلاف المساكن بالنسبة إلى الآفاق دون أنصاف النهار، فإنّها في جمع المساكن أفق من آفاق خطّ الاستواء، و لا اختلاف في ما بينهما- فزمان دخوله عنده من حين زوالها، فعلى ما عليه أهل الشرع هذا اليوم لهذه الليلة الماضية على عكس ما عليه الروم و الفرس؛ فإنّ هذا اليوم على مذهبهم لهذه الليلة المستقبلة كما زعمه المغيريّة. و أمّا على مذهب المنجّمين و أهل الحساب فصدر النهار- أعني النصف الأوّل منه- لهذه الليلة الماضية، و النصف الآخر منه لهذه الليلة المستقبلة.

و ما رواه الكليني عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إنّ المغيريّة يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه اللّيلة المستقبلة، فقال: «كذبوا هذا اليوم للّيلة الماضية، إنّ أهل‌

______________________________
(1). أي الفاضل الخواجوئي رحمه اللّه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 471‌

بطن نخلة لمّا رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام» محمول على الاعتبار الأوّل؛ فإنّ أهل بطن نخلة- و هو موضع بين مكّة و طائف- لمّا غربت الشمس و رأوا الهلال، و كانوا قد تبعوا في ذلك الشرع قالوا: قد دخل الشهر الحرام، فاليوم الذي يأتي بعد هذه الليلة يوم لهذه الليلة الماضية، و منه يظهر كذب المغيريّة، و عدم تأييد هذا الخبر لاعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، كما ظنّه صاحب الذخيرة قدّس سرّه. و هو منه غريب. انتهى.

أقول: جدّي العلّامة لم يبيّن وجه التأييد، و ما ذكرت من التحقيق «1»- الذي أخذت تمامه من الغنية «2» التي ألّفها الفاضل القاساني بعبارتها بلا زيادة و نقصان، و فرّعت عليه عدم تأييده لاعتبار رؤية الهلال قبل الزوال- لعلّه غير مراده، بل يحتمل أن يكون المراد أنّه إذا كان هذا اليوم من الليلة الماضية كما اعتبره الشرع، فإذا حصلت الرؤية قبل الزوال فحكمها حكم الرؤية في الليلة الماضية.

فإن قلت: إذا كان كذلك فبعد الزوال أيضا كذلك.

قلت: خرج ذلك لدليل منفصل، و لعدم تماميّته جعله رحمه اللّه من المؤيّدات.

قال الفاضل التنكابني رحمه اللّه:

لعلّ مراده رحمه اللّه أنّ تصويبه عليه السلام أهل بطن نخلة و حكمهم بدخول الشهر بمحض الرؤية- كما يدلّ عليه السياق- إنّما يناسب كون الرؤية قبل الزوال؛ لظهور عدم صحّة الحكم بدخول الشهر بمحض الرؤية برؤية الهلال بعد الزوال.

و اعترض عليه و قال:

فيه أنّ قوله عليه السلام: «إنّ أهل بطن نخلة» ...- إلى آخره- لا يدلّ على كذب المغيريّة؛ لجواز صدق الحكم بدخول الشهر برؤية الهلال قبل الزوال، مع كون ليلة هذا اليوم هي اللّيلة المستقبلة، فالظاهر حمل الرواية على رؤية الهلال في الليل أو قرب دخوله، كما يكون في الأكثر كذلك. فعلى الأوّل انطباقه على المطلوب الذي هو تكذيب المغيريّة ظاهر، و على الثاني قول أهل بطن نخلة بدخول الشهر بمحض الرؤية إنّما هو بعنوان المجاز‌

______________________________
(1). في هامش المخطوطة: «التحقيق الذي ذكره مذكور أيضا في رسالة جدّي (طاب ثراه) في الاختيارات، و ليس ذاهلا عن هذا التحقيق». (منه رحمه اللّه).

(2). غنية الأنام في معرفة الساعات و الأيّام من أخبار أهل البيت عليهم السلام، للفيض الكاشاني. انظر وصفه في الذريعة، ج 16، ص 65، الرقم 328.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 472‌

الذي يصحّحه قرب دخول الليل، فينطبق أيضا على المطلوب. و إن نوقش على هذا، فلنحمل على الأوّل؛ لأنّ هذا متعلّق بواقعه خاصّة، فيجب حمله على ما يناسب و يصحّ.

انتهى كلام الفاضل التنكابني رحمه اللّه.

و قال والدي العلّامة في الرسالة التي ألّفها في ردّ شكوك هذا الفاضل ما هذه عبارته:

لعلّ مراد والدي العلّامة (طاب ثراه) أنّ تصويبه عليه السلام لأهل بطن نخلة في حكمهم بدخول الشهر بمحض الرؤية دون ذكر خصوصيّة معها يشعر بأنّ علّة دخوله هي الرؤية مطلقا، فخرجت الرؤية بعد الزوال بالدليل، فبقي الباقي تحته، و هو الرؤية في الليل و قبل الزوال، فحينئذ معنى قول المغيريّة: «إنّ هذا اليوم لهذه اللّيلة المستقبلة» أنّه إذا رئي الهلال في الليلة المستقبلة لم يكن اليوم السابق داخلا في الشهر اللاحق، فاليوم الذي من الشهر هو اللاحق، فحكم رؤية الهلال في هذا اليوم حكم رؤيته في الليل اللاحق، فقال عليه السلام:

«كذبوا» حكم رؤية الهلال في هذا اليوم حكم رؤيته في الليل السابق، بمعنى أنّه إذا رئي الهلال في الليل السابق كان هذا اليوم من الشهر، فإذا ظهر من قول أهل بطن نخلة أنّ هذا اليوم من الشهر ظهر أنّ ليله ليل السابق، فلا يمكن أن يكون هذا اليوم من الشهر، و ليله ليل اللاحق بهذا المعنى، فتدبّر. فحينئذ ينطبق على المدّعى و هو ظاهر. فظهر بما حرّرناه ضعف ما ذكره بقوله: «فيه أنّ قوله عليه السلام: «إنّ أهل بطن نخلة» ... إلى آخره. انتهى كلام والدي رحمه اللّه.

قال (وفّقه الله تعالى):

و لم يتأيّد بخبر داود الرقّي، و فيه تأييد على احتمال، و هو ما قال الفاضل الخوانساري- على ما نقل عنه في حاشيته على رواية داود: «إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير، فهو هنا هلال جديد، رئي أو لم ير»-: هذا الحديث بظاهره يدلّ على أنّ تحت الشعاع إنّما يكون في ليلة واحدة، و هو خلاف الواقع، فلا بدّ من تأويله، و الحقّ فيه أنّ مراده عليه السلام:

أنّه إذا طلب الهلال في المشرق غدوة يوم الثلاثين من شهر رمضان فلم ير فهو هلال الليلة الواحدة، و الشهر حينئذ ثلاثين يوما أعمّ من أن يرى في مسائه أو لم ير. و أمّا إذا رئي فهو لليلتين، و الشهر حينئذ ناقص عن الثلاثين، كما مرّ حديث في هذا المعنى.

انتهى.

و قال صاحب الوافي فيه: يعني إذا طلب الهلال أوّل اليوم في جانب المشرق حيث يكون موضع طلبه فلم ير، فهو هاهنا- أي في جانب المغرب- هلال جديد، و اليوم من‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 473‌

الشهر الماضي، سواء رئي في جانب المغرب أو لم ير، و قد مضى خبر محمّد بن قيس و إسحاق بن عمّار في هذا المعنى أيضا. انتهى.

ثمّ قال «1»:

إنّما قيّد بقوله: «فلم ير»؛ ليشير به إلى ما أشار إليه أهل التنجيم من أنّه: إذا لم ير قبل زوال ذلك اليوم فهو ممكن الرؤية في ليلة الثلاثين، و الشهر ناقص، و إن رئي فيه لم يمكن رؤيته في تلك الليلة، و الشهر تامّ.

و ممّا قرّرناه يظهر أنّ ما أفاده الفاضل الخوانساري محلّ نظر؛ و لا نسلّم أنّ ما ذكره هو الحقّ، و هو مراده عليه السلام؛ لاحتمال أن يكون مراده أنّه إذا طلب الهلال في المشرق غدوة يوم السابع و العشرين فلم ير فهو هنا- أي في ليلة الثلاثين- هلال جديد. و لو قال:

يحتمل أن يكون هذا مراده لكان أولى؛ لأنّه حينئذ كان موجّها، و الموجّه يكفيه الاحتمال. انتهى.

أقول: هذا البحث حقّ، لكن منه غريب؛ إذ في بعض الأحاديث المذكورة حكم و جزم أنّ الحقّ أنّ مراد المعصوم كذا، كما في أحاديث الرؤية جزم أنّ مراد المعصوم عليه السلام هو الرؤية في الليل مع تطرّق احتمال آخر فيها.

و ما قال على جدّي العلّامة- أنّه لم يتأيّد بهذا الخبر- لعلّ في ذلك الوقت لم يكن في نظره، أو يكون ما احتمله في حلّه عنده أظهر من الاحتمالات التي ذكرها القوم، و لم يصلح للتأييد.

ثمّ قال:

و قال السيّد السند ميرزا رفيعا- على ما نقل عنه-: معناه أنّه إذا طلب الهلال، أي بدو المحاق في المشرق، أي في جهة المشرق قبل الزوال من اليوم السابع و العشرين فلم ير، فهو هاهنا- أي في الليلة التي تحتمل الرؤية فيها، و هي ليلة الثلاثين- هلال جديد، سواء رئي لعدم المانع في الجوّ أو لم ير بتحقيقه فيه، و حينئذ مؤدّى الحديث هو ما أشار إليه أهل التنجيم من أنّه إذا لم يكن رؤية الهلال قبل زوال ذلك اليوم فهو ممكن الرؤية في ليلة الثلاثين، و الشهر ناقص، و إن أمكن رؤيته في ذلك اليوم لم يمكن رؤيته في تلك الليلة، و الشهر تامّ. انتهى.

______________________________
(1). أي الفاضل الخواجوئي المازندراني رحمه اللّه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 474‌

و قال الفاضل السبزواري قدّس سرّه- على ما نقل عنه-: إذا فرض الطالب في المشرق، و طلب الهلال غدوة، أي غدوتنا، أي أوّل يومنا و قبل الزوال بالنسبة إلينا و إن كان بالنسبة إلى الطالب المفروض أواخر يومه؛ لفرضه في المشرق الذي بينه و بين هذا البلد ربع دورة مثلا، و لم ير هناك فهو هنا هلال جديد بمعنى أنّه قد يكون هلالا جديدا؛ لإمكان خروج الشعاع بعد غروبه بالنسبة إلى أفق الطالب، و صيرورته قابلا للرؤية قبل الغروب بالنسبة إلى هذا الأفق، و حينئذ في الرواية إشارة إلى اختلاف الأفق الشرقيّ و الغربيّ في الحكم.

انتهى.

أقول: لهذا الخبر وجه آخر: إذا طلب الهلال أي غرّة القمر في المشرق، أي في مشرقنا، و هو مغرب الطالب بأن يفرض حيث يكون بينه و بين مشرقنا هذا قريب من ربع الدورة غدوة، أي في أوّل يومنا، و هو مساء الطالب، و ذلك في زمان يغلب على ظنّه في تلك البقعة بالنسبة إلى ذلك الأفق خروجه من تحت الشعاع فلم ير؛ لعدم خروجه عنه بالنسبة إليه، فهو هنا، أي في مغربنا، و هو مشرق الطالب هلال جديد؛ لخروجه من الشعاع مدّة نصف الدور، رئي لعدم المانع أو لم ير لوجوده.

وجه آخر: إذا طلب الهلال في يوم الثلاثين في المشرق- أي في مشرق الطالب- غدوة، أي في أوّل نهاره فلم ير؛ لكونه في أوّل النهار تحت الأفق فهو هنا، أي في جانب المشرق هلال جديد لا بالنسبة إليه، بل بالنسبة إلى الذين تحت أقدامه؛ فإنّ مشرقه مغربهم، و مغربه مشرقهم، و غدوّه مساؤهم، و مساءه غدوّهم؛ فإذا لم ير الهلال في المشرق في غدوّه هذا؛ و ذلك لكونه تحت أفق مشرقه، و هو بعينه أفق مغربهم فيكون فوق أفق المغرب، فإذا بزغت الشمس و ظهرت فوق أفق المشرق، و هو تحته كان خارجا عن الشعاع، فهو هنا هلال جديد بالنسبة إليهم، رئي لما مرّ أو لم ير لذلك. و ظنّي أنّ ما ذكرناه أقلّ مؤنة ممّا ذكروه، و لا يرد عليه ما يرد عليه.

نعم، لا بدّ من تخصيصه بما له مشرق و مغرب يكون لزمان قطع ما بينهما قدر يتصوّر فيه خروج الشعاع، فلا يكون فيما يقرب عرض التسعين، و الغرض هو الإشارة إلى تخالف الآفاق في تقدّم طلوع الأهلّة و تأخّرها؛ بناء على ما ثبت من كرويّة الأرض، و أنّه يجوز أن يكون أفق غربيّ بالنسبة إلى بلد شرقيّا بالإضافة إلى آخر، و بالعكس. و الذين أنكروا كرويّتها فقد أنكروا تحقّق تلك الاختلافات. و الحقّ أنّ ضعفه سندا يغني عن تجشّم مثل تلك التوجيهات. انتهى.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 475‌

أقول: هذه المذكورات منتزعة من توجيه جدّي العلّامة (طاب ثراه)، و خطر ببالي القاصر أنّه يحتمل- على بعد- أن يكون المراد إذا طلب الهلال يوم الثلاثين في جهة المشرق غدوة قبل الزوال- و الحال أنّه لم ير في الليلة الماضية، و يرى غدوة في هذه الجهة- فهو هنا، أي:

في جهة المغرب هلال جديد، رئي فيه أو لم ير؛ لتحقّقه، و تكون لفظة «و لم ير» عوض لفظة «فلم ير». و تبدّل «الفاء» وقع سهوا من النسّاخ أو الراوي بناء على قلّة الانضباط في أمثال ذلك في كتب الحديث، فقد يبدّل «الواو» «فاء» و بالعكس، كما صرّح جدّي العلّامة في الذخيرة.

و «الواو» «واو» الحالية، أي التطلّب في الغدوة بسبب أنّه لم ير في الليلة الماضية فاستهلّ غدوة- كما هو المتعارف الشائع- فإذا رئي في جهة المشرق و لم ير في جهة المغرب- لمانع من الغيم و غيره- فهو أي ما رآه هلال جديد في المغرب، رئي أو لم ير فيه، و لا يحتاج إلى الرؤية، بل الرؤية في المشرق دليل حصوله في جهة المغرب، فهو لدفع توهّم أنّ الرؤية لا بدّ أن تكون في الليل في جهة المغرب، أو يكون المراد إذا طلب الهلال غدوة في البلاد المشرقي و رآه، و الحال أنّه لم ير في الليلة الماضية، فهو في البلاد المغربي هلال جديد، رئي أم لم ير؛ لتحقّقه. و ظنّي أنّ هذين التوجيهين ليسا أبعد من التوجيهات البعيدة التي ذكروها.

قال «1» (وفّقه الله تعالى):

و أمّا قول الفاضل الأردبيلي: و هذان الخبران ليسا بصريحين في الإفطار و الصوم؛ إذ قد يكون للّيلة المتقدّمة، مع عدم كون التكليف به إلّا مع العلم به في الليل أو بالشهود في النهار، فتأمّل؛ فإنّ الظاهر من الرؤية هي المتعارفة، و إنّما تكون في الليل، فلا تشمل أخبارها لرؤية النهار؛ و لهذا بعد الزوال غير داخل فيها، ففيه تأمّل؛ فإنّ قوله عليه السلام: «إذا رئي الهلال قبل الزوال، فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان» صريح في الإفطار و الصوم، فإنّ ذلك اليوم لمّا كان من شوّال كان يوم عيد فوجب فيه الإفطار، و كذا لمّا كان هذا اليوم من شهر رمضان وجب فيه الصوم. نعم، ما ذكره قدّس سرّه صالح لأن يجمع به بين الخبر الأوّل و الأخبار المتضمّنة لانحصار الطريق في الرؤية أو مضيّ الثلاثين بأنّ المراد بالرؤية هي المتعارفة، و إنّما تكون في ليلة الثلاثين،

______________________________
(1). أي الفاضل الخواجوئي رحمه اللّه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 476‌

لا في يومه، و حينئذ فلا منافاة بين رؤيته في ذلك اليوم و الحكم بأنّه للّيلة الماضية، و بين عدم التكليف بالعمل به إلّا مع العلم به في اللّيل، أو بالشهود في النهار بأنّه رئي في اللّيلة الماضية.

و بالجملة، لا عبرة برؤيته في النهار، رئي قبل الزوال أو بعده، حكم بكونه للّيلة الماضية أو للّيلة المستقبلة. انتهى.

أقول: غرض الفاضل الأردبيلي قدّس سرّه من هذا القول ليس إلّا أنّ هذا المعنى يمكن استفادته من هذين الحديثين في مقام الجمع بين الأحاديث و الضرورة، و إلّا لم يكن له معنى أصلا، فذكر قوله و الاعتراض عليه ثمّ توجيهه بهذا لا يكون إلّا تكثيرا للسواد.

قال: «ليس ببعيد كونها واردة في طريق التقيّة» إلى آخره.

أقول: القائلون بعدم الاعتبار من العامّة أكثر من القائلين بالاعتبار؛ لأنّه قال به مالك و الشافعي و أبو حنيفة، و هم معظمهم، و استدلّوا بكتاب عمر أنّه نهى عن الإفطار برؤيته قبل الزوال، كما ذكره العلّامة في التذكرة «1»، فحملها على التقيّة- بناء على ما ذهب إليه- شاذّ نادر في غاية البعد، مع أنّ حمل هذين الخبرين على التقيّة لقول شاذّ نادر منهم ليس أولى من العكس، بل هو أولى لقول معظمهم.

و ذكر مقتضى قواعد الأصحاب هاهنا بمجرّد المخالفة غير سديد، بل ينبغي أن يذكر جهة التقيّة في زمان صدور هذا الحديث من المعصوم عليه السلام؛ خصوصا طريق جدّي النحرير أنّه لا يحمل على التقيّة ما لم تقتض الضرورة الشديدة و إن كانت الأخبار ضعيفة.

و صرّح غير مرّة في الذخيرة أنّ مدار عمله بكلّ خبر يحصل العلم أو الظنّ بنسبته إلى المعصوم عليه السلام، و لا يعمل بهذه الأصول و الاستصحابات غير المرضيّة، سيّما عند تعارض الأدلّة، فتذكّر تنفعك كثيرا.

و في رسالته مناقشات كثيرة لا يليق بنا التعرّض لها، و كان التعرّض مورثا للعداوة و تضييعا للأوقات، و الإعراض عنها و الرجوع إلى تحقيق المسألة من سنن المتّقين. و من أراد تحقيق الحال فليرجع إلى رسالة والدي العلّامة، و لقد رقمنا هذه على سبيل العجالة، بل بطريق طيّ الأوراق. و الحمد للّه أوّلا و آخرا، و ظاهرا و باطنا، و هو حسبي و نعم الوكيل.

______________________________
(1). تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 126، المسألة 77.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 477‌

قال جدّي العلّامة رحمه اللّه:

و يؤيّد مذهب السيّد رحمه اللّه ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار- في الموثّق- قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان؟ فقال: «لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه، و إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل» «1».

و لم يذكر (طاب ثراه) وجه التأييد. قال الفاضل التنكابني رحمه اللّه:

فإن كان وجهه هو حمل الأمر بالإتمام على ظاهره الذي هو الوجوب، فهو ضعيف بقوله رحمه اللّه بشيوع الأوامر في كلام الأئمّة عليهم السلام في الاستحباب، بحيث لا يتبادر منها الوجوب عند خلوّها عن القرينة، فكيف يكون هذا الأمر ظاهرا في الوجوب؟

و مع قطع النظر عن عدم قوله بظهور هذه الأوامر في الوجوب، نقول: ليس الوسط ظاهرا في قبل الزوال فقط، و لا هو مساو الاحتمال؛ لعدم الاختصاص، و إن لم يكن نافيا له؛ لبعد اختصاصه بزمان هو قدر نصف ما بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس الذي يكون آخر هذا النصف نصف النهار النجومي، لو قلنا باحتمال الاختصاص، فإطلاق الأمر بالإتمام عند رؤية الهلال في وسط النهار قرينة إرادة أحد الأمرين اللذين هما الرجحان المطلق الذي لم يكن الاستدلال به على الوجوب، كما هو ظاهر جعله رحمه اللّه هذه الرواية مؤيّدة لما اختاره، أو الاستحباب كما حمل الشيخ رحمه اللّه أو الراوي الأمر بالإتمام عليه.

و إن تنزّلنا عن عدم قوله بظهور هذه الأوامر في الوجوب و عن دلالة القرينة المذكورة على عدم إرادة الوجوب هاهنا، نقول: المراد بالوسط في هذه الرواية إمّا ما بين الحدّين، أو منتصف ما بين الحدّين، فعلى الأوّل لا يمكن حمل الأمر للإتمام على الوجوب؛ لاندراج بعد الزوال فيه؛ لأنّه (طاب ثراه) حمل قوله عليه السلام في رواية محمّد بن قيس، السابقة: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار، أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» على وجوب الإتمام على التقديرين في هلال شوّال، و الحال أنّه قال بوجوب الإفطار عند رؤية الهلال قبل الزوال، فيلزمه أن يكون الوسط هناك بعد الزوال.

و كلامه هناك يدلّ على انحصار معنى الوسط في الاحتمالين المذكورين، فالاحتمال الثاني متعيّن عند بطلان الاحتمال الأوّل، و هو كان موجبا لإتمام الصيام عند رؤية هلال‌

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 478‌

شوّال فيه، فكيف يوجب هاهنا الإتمام عند رؤية هلال رمضان فيه؟

و حمل الوسط في إحدى الروايتين على بعد الزوال، و في الأخرى على قبله حمل اللفظ في كلّ رواية على ما يوافق مطلوبه بلا بيّنة و دليل، كما ظهر لك.

و ما ذكرته إنّما هو على تقدير تسليم ما ذكره رحمه اللّه، و إلّا فقد عرفت- عند تكلّمي فيما ذكره رحمه اللّه في صحيحة محمّد بن قيس- امتناع إرادة هذا الاحتمال، فالاحتمال الأوّل الذي ذكره رحمه اللّه أو ما هو مثله هو المتعيّن، فيجب حمل الأمر بالإتمام إمّا على الرجحان المطلق، أو على الاستحباب. فظهر أنّه لا تأييد لهذه الرواية لما جعلها رحمه اللّه مؤيّدة بوجه من الوجوه. انتهى.

قال والدي العلّامة:

نقول: هاهنا لا يمكن حمل الأمر على الاستحباب إلّا بتكلّف بعيد، لأنّ قوله عليه السلام: «و إذا رأيته وسط النهار»- إلى آخره- يأبى عن ذلك؛ لأنّ استحبابه ثابت، سواء رئي أو لم ير، لا أنّه بسبب الرؤية يصير مستحبّا. و قرينة أخرى لفظة «لا تصمه»؛ لأنّه نهي عن الصوم بنيّة رمضان و الواجب، لا الصوم مطلقا. و يؤيّده «إلّا أن تراه أو شهد» إلى آخره. فقوله:

«فأتمّ صومه» كان محمولا على الوجوب بمقتضى المقابلة، فينبغي حمل الأمر على الوجوب، أو الرجحان المتحقّق في ضمن الوجوب، و حينئذ يكون المقصود في هذه الرواية من الوسط هو الجزء الذي ينتهى إلى الآن الحقيقي، و التخصيص باعتبار أنّ هذا هو الفرد الخفيّ المستلزم للحكم في سائر الأجزاء السابقة بطريق أولى، أو غير هذا من معاني الوسط و ارتكاب خلاف الظاهر في رؤية الوسط، و أن تكون الرؤية في بعض أجزائه موجبة للإتمام دون الكلّ بالدليل الخارج.

فبما حرّرنا [ه] ظهر اندفاع جميع ما ذكره في هذا المقام. أمّا اندفاع قوله: «فإن كان وجهه هو حمل الأمر- إلى قوله- مع قطع النظر» ظاهر؛ لأنّ في هذه الصورة لم يكن خاليا عن القرينة، و قد عرفت القرينة. و دفع قوله: «مع قطع النظر- إلى قوله:- فإطلاق الأمر بالإتمام» أيضا ظاهر؛ لأنّه لا يلزم من عدم ظهوره في قبل الزوال بهذا المعنى الذي ذكره أن لا يمكن الاختصاص بقبل الزوال بمعنى آخر، و ليس في هذه الرواية لفظة «من» حتّى يكون لها ظهور في الجملة باعتبار لفظة «من»، فيحمل على ما يمكن حمل رواية قيس عليه، فيحتاج إلى تقييد آخر. و ظهور ضعف قوله: «فإطلاق الأمر و إن تنزّلنا» كاد أن يكون غنيّا عن البيان؛ لأنّ الأمر بالإتمام عند الرؤية قرينة خلاف أحد الأمرين، لا قرينة إرداة أحد الأمرين.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 479‌

و أمّا اندفاع قوله: «و إن تنزّلنا» إلى آخره؛ فلأنّ المقصود من قوله: «إمّا ما بين الحدّين، أو منتصف ما بين الحدّين» إن كان الحصر فهو ممنوع.

و قوله: «فعلى الأوّل لا يمكن حمل الأمر بالإتمام على الوجوب؛ لاندراج بعد الزوال في الوسط» أيضا ممنوع؛ لأنّه لا مفسدة فيه؛ لخروجه بالدليل الخارج.

و قوله: «و على الثاني يلزم عليه أن يكون الوسط بعد الزوال» أيضا مسلّم، و ما ذكره في بيانه مدفوع؛ لأنّ حاصل ما أفاده (طاب ثراه) حمل الوسط في رواية محمّد بن قيس على بعد الزوال، و كلامه هناك يدلّ على الحصر، فعند بطلان الاحتمال الأوّل يتعيّن الثاني، فيلزم أن يكون الوسط هاهنا بعد الزوال».

فنقول- حينئذ-: أيّ شي‌ء أراد بقوله: «و كلامه هناك يدلّ على انحصار معنى الوسط في الاحتمالين المذكورين» فإن كان مراده أنّ كلامه هناك يدلّ على انحصار مطلق معنى الوسط أعمّ من الحقيقي و المجازي في الاحتمالين، مع أنّه لا يقول به من له أدنى تميّز، فممنوع؛ لانّ التعريف في الوسط للعهد، و هو في صدد بيان الوسط في الرواية، لا الوسط مطلقا، و إن كان مقصوده أنّ كلامه هناك يدلّ على انحصار معنى الوسط في تلك الرواية في الاحتمالين بحسب الإرادة في ذلك المقام في بادئ الرأي فهو مسلّم، لكن اللزوم الذي ادّعى عليه هاهنا ممنوع، و هو ظاهر غنيّ عن البيان.

فظهر ممّا ذكرناه أنّ قوله: «و حمل الوسط في إحدى الروايتين»- إلى آخره- في غاية الضعف؛ لأنّ المانع هنا مفقود، و البيّنة موجودة. و يتراءى من ظاهر كلامه التناقض مع سابقه أيضا، و يحتاج في تصحيحه إلى التكلّف، و قد عرفت ما في قوله في صحيحة محمّد بن قيس من امتناع إرادة هذا الاحتمال، فتذكّر.

و ضعف تفريع قوله: «فيجب حمل الأمر»- إلى آخره- فقد ظهر أيضا ممّا سبق، فلا نطوّل بذكره ثانيا. و على تقدير حمل الأمر على الاستحباب أيضا مؤيّد للمطلوب؛ لأنّه يمكن حينئذ حمل الوسط على الزوال، فيكون دالّا بمفهومه على المدّعى، فظهر وجه التأييد على كلا الحملين. و يظهر وجه تعبير والدي العلّامة بالتأييد لمن تأمّل في أصل الرواية؛ لأنّ له وجوها من الحلّ، فتأمّل.

انتهى كلام والدي (طاب ثراه) في رسالته.

ثمّ قال الفاضل التنكابني:

و لعلّ المراد من قوله: «فأتمّ صومه»- إلى آخره- إن كنت صمت هذا اليوم، فيكون‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 480‌

الإتمام محمولا على ظاهره، و يحتمل أن يكون المراد بإتمام الصوم هو الإمساك الراجح المطلق الذي لا يدلّ على الوجوب أو الإمساك المستحبّ، فقوله عليه السلام: «فأتمّ صومه» مصروف عن ظاهره إمّا بتقدير «إن صمت» و إمّا بحمل «أتمّ صومه» على الإمساك الذي ليس صوما حقيقة.

فظهر بما ذكرته أنّ قوله عليه السلام: «تتمّ» في مكاتبة محمّد بن عيسى مؤيّد لما جعلته مؤيّدا له؛ لكونه محمولا على ظاهره. انتهى.

قال والدي (طاب ثراه):

و يرد عليه أنّ كون السؤال عن هلال شوّال في مكاتبة محمّد بن عيسى لا يستلزم كونه صائما، فإن كان صائما فمحمول على الظاهر، و إن لم يكن صائما فمصروف عن ظاهره بتقدير «إن صمت»، و لعلّ هذه الرواية مؤيّدة لخلاف ما جعله مؤيّدا له، كما لا يخفى.

انتهى.

قال والدي رحمه اللّه:

و ممّا يشعر إشعارا تامّا لمذهب السيّد ما رواه بسّام الجمّال: أنّ رجلا قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فيما بين مكّة و المدينة في شعبان و هو صائم، ثمّ رأينا هلال شهر رمضان، فأفطر، قلت: جعلت فداك، أمس كان من شعبان و أنت صائم، و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟! فقال: «إنّ ذلك تطوّع، و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض، فليس لنا أن نفعل إلّا ما أمرنا». و أمثال ذلك كثير، لكن بناء الإشعار في هذا الخبر و أمثاله على كون الظاهر من لفظة «فأفطر» أن يكون صائما، و يكون الإفطار بعده بلا فصل، و لو منعهما باعتبار شيوع الأوّل في غير هذا، و «فاء» الشرط لا يلزم أن يكون بلا مهلة، كما ذكره بعض الأصحاب، و لا إشعار لها. انتهى.

قال جدّي العلّامة:

و العجب أنّ الشيخ و جماعة استدلّوا على القول الأوّل بصحيحة محمّد بن قيس، المذكورة، و برواية محمّد بن عيسى، و بما رواه الشيخ عن جرّاح المدائني، قال: قال أبو عبد الله: «من رأى هلال شوّال نهارا في رمضان فليتمّ صيامه».

و استدلّ الشيخ بموثّقة إسحاق بن عمّار، المذكورة، و أنت خبير بأنّ الأولى تدلّ على خلاف مقصودهم، و كذا الثانية و الرابعة، و أمّا الثالثة فضعيفة لا تصلح لمقاومة ما ذكرناه من الأخبار، و لو سلّم من ذلك، نسبتها إليه نسبة العامّ إلى الخاصّ فتخصّص، و هي‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 481‌

محمولة على الغالب من تحقّق الرؤية بعد الزوال، على أنّ المذكور في الرواية «من رأى هلال شوّال في رمضان».

و لقائل أن لا يسلم أنّ الرؤية قبل الزوال رؤية في رمضان، و العجب أنّ صاحب المدارك تردّد في المسألة بعد ترجيح القول الأوّل؛ زعما منه التعارض بين الخبرين الأوّلين، و بين الأخبار الثلاثة المذكورة «1». انتهى.

قال الفاضل التنكابني:

و قوله: «و أمّا الثالثة فضعيفة لا تصلح»- إلى آخره- ظاهر؛ بناء على ظنّه الخبرين الأوّلين المعتبرين الدالّين على المشهور، و الخبرين الدالّين على مذهب السيّد، و الخبرين الغير [كذا، و الصواب: غير] الدالّين على مذهب، هما: رواية عمر بن يزيد و موثّقة إسحاق بن عمّار دالّة على مذهب السيّد، فكيف يعارض الأخبار الستّة المشتملة على الصحيحة و الحسنة؟ و الموثّقة خبر واحد مجهول باشتماله على القاسم بن سليمان و جرّاح المدائني.

و أمّا على ما أوضحته من دلالة الصحيحة، و محمّد بن عيسى، المعتبرة على المشهور، و تأييدهما برواية جرّاح، فليس في عدم حكم صاحب المدارك بقول السيّد تعجّب، بل يعجبني توقّفه، مع قوله بدلالة الأخبار الثلاثة على المشهور، كما هي واقعة مع ظهور تأييدها بالمشهور و الاستصحاب. انتهى.

قال والدي (طاب ثراه):

أقول: توقّف صاحب المدارك- مع قوله بدلالة الأخبار- في موقعه، بل يمكن أن يقال: لا مجال للتوقّف بناء على قوله بدلالة العمومات مع كثرتها، و صحّة بعضها على مذهب السيّد، و صراحة دلالة الخبرين الدالّين على مذهبه أيضا، كما لا يخفى، لكنّ الكلام في الدلالة؛ لأنّه قد عرفت دلالة الصحيحة على مذهب السيّد، و تأييده برواية محمّد بن عيسى على نسخة التهذيب، لكن على نسخة الاستبصار محلّ تأمّل، و تأييد موثّقة إسحاق بن عمّار، و رواية عمر بن يزيد على اعتقاد والدي رحمه اللّه و غيرهما لمذهب السيّد.

و ظهر أنّ قول الفاضل (دام فضله) بدلالة الأوّلين على المشهور و عدم دلالة الآخرين‌

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 482‌

بعنوان التأييد على شي‌ء من المذهبين من أعجب العجاب. و ظهر أيضا ضعف قوله: «كما هي واقعة».

و أمّا ضعف قوله: «مع ظهور تأييدها بالمشهور و الاستصحاب»؛ فلأنّ الشهرة التي هي مناط التأييد هي الشهرة بين المتقدّمين، و قد عرفت أنّ ثبوته فيما نحن فيه في محلّ المنع، فليتذكّر.

و أمّا الاستصحاب، فنحن نذكر كلام والدي العلّامة في ذخيرة المعاد، و أستادنا النحرير في شرح الدروس (طاب ثراهما) حتّى تظهر حقيقة الحال لمن كان له ذكاء و قريحة مستقيمة.

انتهى كلام والدي (طاب ثراه).

ثمّ قال الفاضل التنكابني رحمه اللّه:

و مع هذا أقول: كانت سنة من السنين لم ير هلال شهر رمضان في ليلة الثلاثين من شعبان، و كانت في الجوّ علّة مانعة من الرؤية، فرئي ليلة أخرى مرتفعا عن الأفق، غرب بعد الشفق، و كان له بعض الأمارات الدالّة على كونه لليلتين عنده رحمه اللّه، فقال: إنّ هذا الهلال لليلتين بأمور كلّ منها يستقلّ في الدلالة على كونه لليلتين عندي، و عدّ من جملتها غروبه بعد الشفق، و صرّح بكونه مستقلّا في الدلالة عنده، فلاحظت الشهور التي بعده، و جرّبت أنّ كثيرا من الأهلّة التي لها عرض شمالي معتدّ به مع امتداد زمان خروج الشعاع يغرب بعد الشفق، و إن لا يحتمل كونه للّيلة الماضية، فسألته عن حال الغروب بعد الشفق؛ قاصدا لأن أقول: هلال الشهر الفلاني و الفلاني غابا بعد الشفق مع عدم احتمال كون واحد منهما لليلتين بما كانت مستحضرا في ذلك الزمان، فلمّا سألته عنه أظهر أنّه رجع عن الحكم بكونه للّيلة الماضية، فكأنّه رحمه اللّه جرّب أيضا، و كان يؤوّل رواية إسماعيل بن الحرّ- المجهول به- عن أبي عبد الله عليه السلام: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» [بأنّه يمكن أن يكون المراد بكونه لليلتين «1»] كونه كذلك في الأغلب، لا كونه كذلك دائما الذي يعتبر في العلامة.

فعلى ما ذكره رحمه اللّه ليس هذا الكلام في قوله عليه السلام لبيان اختلاف حكم الغروب قبل الشفق و بعده في الصوم و الفطر و غيرهما، بل لبيان كون الأمر في الغالب كذلك و إن لم يظهر للناظر إلى الهلال؛ لكون هذا الهلال الذي غاب بعد الشفق لليلتين أم لا. و هذا التأويل أو غيره لازم في هذه الرواية؛ لمعارضتها للرواية الواضحة الدلالة، المعتبرة السند، الدالّة‌

______________________________
(1). ما بين المعقوفتين أضفناه من رسالة التنكابني رحمه اللّه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 483‌

على أنّ الهلال الذي غاب بعد الشفق بزمان طويل لليلة لو فرض عدم تقوية التجربة.

هذه الرواية و هذا التأويل الذي ذكره (طاب ثراه) في رواية إسماعيل بن الحرّ بعينه جار في الحسنة التي استدلّ بها على مذهب السيّد رحمه اللّه بلا تفاوت، و لا يبعد ورود الموثّقة على وفق مذهب بعض العامّة الذي كان في زمانه عليه السلام.

و بالجملة، قوّة المذهب المشهور بحسب الدليل واضحة لمن تدبّر ما ذكرته حقّ التدبّر، و كان أهلا له.

و يرد على قوله: «نسبتها إليه- إلى قوله:- فيتخصّص به» أنّ التخصيص بما ذكره إنّما يصحّ لو كانت الأخبار التي ظنّ دلالتها على مذهب السيّد دالّة عليه، و قد عرفت حالها.

و حمل رواية الجرّاح على الغالب حمل للّفظ على الإفادة القليلة الحاجة أو عديمها، و ترك العظيمة الحاجة بلا ضرورة داعية إليه.

و يرد على العلاوة التي ذكرها أنّه سواء حمل رمضان على ما هو رمضان بحسب نفس الأمر، أو على ما هو معلوم للمخاطب كونه رمضان [يكون الأمر بالإتمام بل كلّ الكلام خاليا من الفائدة، فينبغي أن يحمل رمضان على ما هو رمضان بحسب الظاهر مع قطع النظر عن رؤية الهلال حتّى يحتاج إلى بيان حكم عند الرؤية] «1»، يكون الأمر بالإتمام إفادة نافعة، و حينئذ لا يناسب التخصيص بعد الزوال. انتهى.

قال والدي (طاب ثراه):

و يظهر الجواب من قوله: «و مع هذا- إلى قوله:- و لا يبعد» من آخر كلامه، و هو قوله:

«لمعارضتها رواية واضحة الدلالة، معتبرة السند، الدالّة على أنّ الهلال الذي غاب بعد الشفق بزمان طويل لليلة، لو فرض عدم تقوية التجربة»؛ لأنّ هذه المعارضة و التجربة لا تحصل هاهنا حتّى تحمل رواية الحسنة عليه.

فإن قيل: ورود هذا و أمثاله في كلام الأئمّة عليهم السلام قرينة مصحّحة لارتكاب هذا التأويل في الحسنة.

قلنا: هذا قرينة لعدم ورود هذا الخبر عن الإمام عليه السلام، لا أنّه قرينة لتأويل الحسنة بهذا التأويل الضعيف.

و يرد على قوله: «و لا يبعد»- إلى آخره- أنّ الحمل على التقيّة في صورة الضرورة، لا‌

______________________________
(1). ما بين المعقوفتين أضفناه من رسالة التنكابني رحمه اللّه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 484‌

ضرورة هنا كما عرفت، على أنّ عدم الاعتبار مذهب أكثر العامّة، فلا يحتاج إلى التقيّة.

و بالجملة، قوّة مذهب السيّد بحسب هذه الأدلّة أيضا واضحة لمن تدبّر ما ذكرته حقّ التدبّر، و كان أهلا له.

و ظهر فساد قوله: «و بالجملة قوّة المذهب»- إلى آخره- أيضا. و ضعف قوله: «و يرد على العلاوة» ظاهر لا يحتاج إلى البيان، فتأمّل.

انتهى كلام والدي (طاب ثراه).

أقول: قول الفاضل التنكابني: «فلمّا سألته عنه أظهر أنّه رجع عن الحكم بكونه لليلة الماضية» هذا النقل منه في غاية البعد؛ لأنّه (طاب ثراه) في مصنّفاته من الذخيرة و الكفاية لم يحكم صريحا بأنّه إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين حتّى يرجع عنه، كما حكم صريحا باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، بل قال في الذخيرة: و «الحقّ أنّه يستفاد من الخبرين المذكورين أنّه يعتبر في الهلال مقتضى العادة» «1» و قال في الكفاية بعد نقل القولين: «و يظهر من الأخبار المذكورة اعتبار العادة في الهلال» «2». فتأمّل حتّى يظهر لك معنى اعتبار العادة في الهلال.

نعم، قال في الخلافيّة التي [هي] باللغة الفارسيّة:

مشهور ميان اصحاب آنست كه غايب شدن هلال بعد از شفق، اعتبارى ندارد، و بعضى گفته‌اند: اگر هلال پيش از شفق غايب شود، يك شبه است، و اگر بعد از شفق غايب شود، دو شبه است، و به مضمون اين، حديثى وارد شده است، و بعضى از متأخّرين به مضمون آن عمل نموده‌اند كه بعيد نيست. «3»

و لعلّ مراد الفاضل التنكابني هذا، لكن لم نعلم أيّها من الكفاية و الخلافيّة مقدّم على الآخر، و الذخيرة مقدّم عليهما، و إن رجع بعد التصانيف و ذكره بلسانه ينبغي أن ألحق و أشعر في التصانيف هذا الرجوع، و التقوى يقتضي ذلك.

ثمّ قال الفاضل التنكابني:

و نقل صاحب المدارك رحمه اللّه من جملة الحجّة على القول الثاني قوله عليه السلام: «إذا رأيت‌

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

(2). كفاية الأحكام، ج 1، ص 260.

(3). الخلافية رسالة عملية فارسية، لم تطبع بعد فيما نعلم، و نسخها موجودة، انظر الذريعة، ج 7، ص 239، الرقم 1160.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 485‌

الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر»؛ فإنّ ذلك شامل لما قبل الزوال، و قد تقدّم أنّ وقت النيّة يستمرّ للمعذور إلى الزوال، فيجب الصوم لرؤية الهلال و بقاء الوقت، انتهى كلامه.

- قال-: و فيه أنّه لا يمكن حمل الرواية على عمومها؛ لظهور خروج رؤية الهلال بعد الزوال عن وجوب الصوم و الفطر، فيحتاج إلى التخصيص برؤية الهلال قبل الزوال إن حمل قوله: «صم» و قوله: «فأفطر» على وجوبهما في هذا اليوم، و هو في غاية البعد إن قلنا بالاحتمال؛ للاحتياج إلى حمل المطلق الذي تتبادر منه الأفراد الشائعة على الأفراد النادرة التي لا تنساق إلى الأذهان بلا قرينة. و حملها على وجوب الصوم و الفطر في يوم الرؤية إذا كانت قبل الزوال، و في يوم الذي بعده إذا كانت بعد الزوال- بزعم معلوميّة التفصيل؛ لشيوعه في هذا الزمان أو بخصوص الراوي- مثل الاحتمال الأوّل في كونه في غاية البعد الذي لا ينساق إلى الأذهان مع مزيد، و هو أنّه يحتاج إلى حمل قوله: «فصم» على عموم المجاز؛ لأنّه عند رؤية الهلال بعد الزوال و في الليل و قبل الزوال المسبوق بالأكل يجب الإمساك، لا الصوم الحقيقي.

و أمّا على تقدير الحمل على الرؤية الشائعة التي هي الرؤية بعد الزوال، أو على الرؤية مطلقا، و حمل الصوم و الفطر في اليوم اللاحق، فلا يشتمل على تكلّف أصلا، و ما ذكره رحمه اللّه أنّ وقت النيّة يستمرّ للمعذور إلى الزوال فهو كذلك، لكن ما يدلّ عليه إنّما يدلّ فيما ثبت كونه يوم صوم، فإن ثبت أنّ هذا اليوم يوم صوم بدليل آخر يمكن القول بجواز النيّة حين رؤية الهلال؛ لظهور كونه يوم صوم حينئذ. فكانت نيّة المكلّف وجوب الصوم قبل هذا متعذّرة، فيندرج في عموم ما يدلّ على جواز النيّة حينئذ.

و أمّا إثبات كون هذا اليوم يوم صوم بدليل يدلّ على جواز النيّة إلى هذا الوقت فيما علم كونه يوم صوم فلا وجه له. و بالجملة، ذكر أمثال هذين الاحتمالين في الأخبار- التي صحّ فإنّما يصحّ بعنوان الاحتمال في رواية تعارض الدليل القويّ التامّ، لو لم يذكروا ما ذكرها للاستدلال على أمر- فخارج عن القانون. انتهى.

قال والدي (طاب ثراه):

و فيه أنّ قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم» مجمل، فدلالته ليس بواضح، و الموضح للدلالة هو المفصّل، و لا يلزم استفادة التفصيل من لفظ المجمل، بل دلالته على سبيل الإجمال و التفصيل تستفاد من الخارج، فلا مفسدة بعدم انسياق الذهن إلى التفصيل من لفظ المجمل، بل شأن المجمل ذلك.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 486‌

و قوله: «و أمّا على تقدير الحمل على الرؤية»- إلى آخره- فلا يشتمل على تكلّف أصلا، إن كان مراده أنّ هذا المعنى مدلول اللفظ فهو ضعيف؛ لأنّه ليس للفظ «فصم» دلالة على الصوم في اليوم اللاحق، و إن كان مقصوده أنّه محمول عليه بالدليل الخارج، فنحن نقول بذلك، لكن نطالب بالدليل في صورة الرؤية قبل الزوال، و ما يتوهّم أنّه دليل فقد أوضحت حاله، و على تقدير حمل الرؤية على الرؤية مطلقا و حمل الصوم و الفطر على الصوم و الفطر في اليوم اللاحق، يلزم أن يكون لفظ «فصم فأفطر» مصروف عن ظاهره بالنسبة إلى جميع الأفراد بلا ضرورة داعية إليه، و لا ترتّب لصوم يوم اللاحق أيضا على الرؤية قبل الزوال إلّا بتكلّف؛ لأنّ الشهر لا يكون أزيد من ثلاثين، فظهر ضعف قوله:

«و لا يشتمل على تكلّف أصلا».

انتهى كلام والدي (طاب ثراه).

أقول: مراد صاحب المدارك و غيره من الاستدلال على القول الثاني بعموم أخبار الرؤية مثل قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر «1»» أنّ الرؤية عامّة شاملة لما قبل الزوال و غيره، فيترتّب عليها الصوم، و الإفطار خرج بعد الزوال بدليل منفصل، فبقي الباقي سالما عن المعارض.

و قولهم: «إنّ وقت النيّة يستمرّ للمعذور إلى الزوال، فيجب الصوم لرؤية الهلال، و بقاء الوقت» دفع لما يتوهّم أنّ هذا اليوم إذا كان يوم صوم بالرؤية قبل الزوال، فيجب الصوم، و هو مشروط بالنيّة و تبييتها و لم يحصل، فأجاب بأنّ وقت النيّة باق للمعذور، و لا مانع هاهنا من الصوم من هذه الجهة، فالسبب موجود و المانع معدوم، فاندفع ما قال الفاضل التنكابني رحمه اللّه من قوله: «أمّا إثبات كون هذا اليوم يوم صوم بدليل يدلّ على جواز النيّة إلى هذا الوقت فيما علم كونه يوم صوم، فلا وجه له» انتهى؛ لأنّ المثبت هو الرؤية وحدها، فتأمّل.

ثمّ قال الفاضل التنكابني رحمه اللّه:

و نقل الاستدلال- لعموم الأخبار على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال- الحرّ العاملي في سنة كانت هذه المسألة دائرة في الألسنة، حتّى نقل أنّه يقول: يدلّ ثمانون حديثا على عدم الاعتبار، و لم ينقل عنه وجه الدلالة، و يمكن تقريبه بأنّ الأمر بالصيام و الإفطار في‌

______________________________
(1). الكافي، ج 4، ص 76، باب الأهلّة و الشهادة عليها، ح 1.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 487‌

مثل قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» إمّا محمول على رؤية قبل الزوال بخصوصه، أو بعده بخصوصه، أو الأعمّ، و التقييد خلاف الأصل، فالظاهر الإطلاق، و ظاهر أنّ الأمر بالصيام و الإفطار عند رؤية الهلال بعد الزوال هو الأمر بهما في اليوم الآتي، فينبغي أن يحمل وجوب أحدهما عند رؤيته قبل الزوال أيضا بكونه في اليوم الآتي؛ لئلّا يصير كلامهم عليهم السلام بعيدا عن الإفادة كالألغاز، فيكون الاستدلال على عدم الاعتبار بعد هذا التقريب له وجه لا يبعد ذكره، و إن كان ضعيفا في نفسه؛ لاحتمال إرادة الأفراد الشائعة من الرؤية و هي الرؤية بعد الزوال، و يكون غيرها مسكوتا عنه، و الداعي إلى التقييد ببعد الزوال هو الشيوع و التبادر، و حينئذ لا بعد في هذا التقييد، بل الحقّ أنّه إذا كان التقييد في أمر متبادرا، أو بقرينة و إن كانت هي شيوع مطلق في مقيّد، فحمله على العموم و الإطلاق خلاف الظاهر، لا حمله على المقيّد، فظهر بما ذكرته ضعف الاستدلال بعموم الأخبار على الاعتبار و عدمه، و إن كان الاستدلال على الاعتبار أضعف. انتهى.

قال والدي (طاب ثراه):

و قد ظهر ممّا سبق أيضا ضعف تقريبه الذي ذكره عن قبل الحرّ العاملي، و ممّا يبعد النقل المذكور عن الحرّ العاملي أنّ في الكتاب الذي ألّفه لجمع الأخبار المسمّى بوسائل الشيعة ذكر باب عدم اعتبار الرؤية، و لم يذكر فيه إلّا الأخبار المتداولة على ألسنة الأصحاب، فلو كان عنده ثمانون حديثا لكان اللائق أن يذكر واحدا منها. و تفطّنها بعد هذا التصنيف- و لم يكن له فرصة لذكرها فيه أو في غيره- في غاية البعد.

ثمّ اعلم أنّ حمل المطلق على الفرد الشائع و إن لم يكن بعيدا، لكن هاهنا لا يخلو عن البعد؛ لأنّه مع ما ذكرناه- من صرف لفظ «فصم» و «أفطر» عن ظاهره في الجملة- الرؤية قبل الزوال أيضا شائع متعارف مختلف فيه بين الخاصّة و العامّة، متوفّر الدواعي، لكن شيوعه ليس بمرتبة شيوع الرؤية بعد الزوال، و كثيرا ما يستدلّ القوم بالمطلقات مع كون بعض أفرادها أشيع من بعض، كما لا يخفى على المتتبّع، مع دلالة بعض الأخبار دلالة واضحة على اعتباره، و لم يقع التصريح بخلافه في خبر معتبر.

قال الفاضل الأردبيلي: «هذه الأخبار مجملة، فيجب حمله على المفصّل»، فلا يبعد ادّعاء ظهور شمول هذه الأخبار لهما في الجملة، و تأييدها للمطلوب، لكن ليس في مرتبة يمكن الاستدلال عليه، كما ذكره صاحب المدارك، فظهر ضعف قوله: «و إن كان‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 488‌

الاستدلال على الاعتبار أضعف» و لا يلزم عموم المجاز؛ إذ لم يكن الإمساك مدلول اللفظ، و يكون مفهوما من الأدلّة الخارجيّة.

و صرّح بنظيره أستاذنا النحرير (طاب ثراه) في شرح الدروس، فليرجع إليه، فظهر فساد ما ذكره على صاحب المدارك أيضا.

انتهى كلام والدي العلّامة (طاب ثراه) في رسالته.

و يمكن أن يكون مرادهم عليهم السلام من الأخبار العامّة هو التنبيه على أنّ الصوم للرؤية و الفطر للرؤية، فلا اعتبار بسائر العلامات من الجدول، و العدد، و غير ذلك.

و للاحتراز عنها و أنّ مناطهما هو الرؤية لا غيرهما من العلامات، أجمل في الرؤية و أحال تفصيلها إلى روايات أخرى، و تفصيل الرؤية يفهم من الأحاديث المفصّلة، فتدبّر، و لا محذور فيه أصلا.

و لمّا كان الاستصحاب مشهورا في ألسنة القوم و الطلبة، و تشبّثوا به على عدم الاعتبار، و لم يقرع أسماعهم ما هو التحقيق فيه، فرأيت أن أذكر ما حقّقه جدّي المحقّق في الذخيرة، و العلّامة الخوانساري (طاب ثراهما) في شرح الدروس؛ لتعلم حقيقة الحال، و ليستعملوه في مكانه، و لا يكونوا عميانا.

فقال قدّس سرّه في الذخيرة في شرح كلام العلّامة رحمه اللّه في الإرشاد: «و ينجس بكلّ ما يقع فيه من النجاسة قليلا كان أو كثيرا» في جملة كلام:

لا يقال: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة: «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين أبدا بالشكّ، و لكن تنقضه بيقين آخر» يدلّ على استمرار أحكام اليقين ما لم يثبت الرافع.

لأنّا نقول: التحقيق أنّ الحكم الشرعي الذي تعلّق به اليقين، إمّا أن يكون مستمرّا بمعنى أنّ له دليلا دالّا على الاستمرار بظاهره أم لا، و على الأوّل فالشكّ في رفعه على أقسام:

الأوّل: ما إذا ثبت أنّ الشي‌ء الفلاني رافع لحكمه، لكن وقع الشكّ في وجود الرافع.

الثاني: ثبت أنّ الشي‌ء الفلاني رافع للحكم، لكن معناه مجمل، فوقع الشكّ في كون بعض الأشياء، هل هو فرد له أم لا؟

الثالث: أنّ معناه معلوم ليس بمجمل، لكن وقع الشكّ في اتّصاف بعض الأشياء به، و كونه فردا له لعارض، كتوقّفه على اعتبار متعذّرا و غير ذلك.

الرابع: وقع الشكّ في كون الشي‌ء الفلاني هل هو رافع للحكم المذكور أم لا؟ و الخبر‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 489‌

المذكور إنّما يدلّ على النهي عن النقض بالشكّ، و إنّما يعقل ذلك في الصورة الأولى من تلك الصور الأربع دون غيرها من الصور؛ لأنّ في غيرها من الصور لو نقض الحكم- لوجود الأمر الذي يشكّ في كونه رافعا- لم يكن النقض بالشكّ؛ بل إنّما حصل النقض باليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا، أو باليقين بوجود ما يشكّ في استمرار الحكم معه لا بالشكّ، فإنّ الشكّ في تلك الصور كان حاصلا من قبل، و لم يكن بسببه نقض، و إنّما حصل النقض حين اليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا للحكم بسببه؛ لأنّ الشي‌ء إنّما يستند إلى العلّة التامّة أو الجزء الأخير منه، فلا يكون في تلك الصور نقض للحكم اليقيني بالشكّ، و إنّما يكون ذلك في صورة خاصّة غيرها، فلا عموم في الخبر.

و ممّا يؤيّد ذلك أنّ السابق على هذا الكلام في الرواية، الذي جعل هذا الكلام دليلا عليه أحكام من قبيل الصورة الأولى، فيمكن حمل الفرد المعرّف ب‍ «اللام» عليه؛ إذ لا عموم له بحسب الوضع، بل هو موضوع للعهد، كما صرّح به بعض المحقّقين من علماء العربيّة، و إنّما دلالته على العموم بسبب أنّ الإجمال في مثل هذه المواضع ينافي الحكمة، و تخصيصه بالبعض ترجيح من غير مرجّح، و ظاهر أنّ الفساد المذكور إنّما يكون حيث ينتفي ما يصلح بسببه الحمل على العهد، و سبق الكلام في بعض أنواع الماهيّة سبب ظاهر لصحّة الحمل على العهد من غير لزوم فساد.

نعم، يتّجه ثبوت العموم في جميع أفراد النوع المعهود، و ليس هذه من قبيل تخصيص العامّ ببنائه على سبب خاصّ كما لا يخفى، على أنّ الاستدلال في المسألة الأصوليّة بأخبار الآحاد ممّا منعه جماعة من المحقّقين، بل نقل عليه الإجماع. فهذا أيضا يوجب وهن هذا الاستدلال على هذا الوجه، مع أنّ الخبر بظاهره مختصّ بحكم يكون له استمرار؛ لأنّ ظاهر النقض ذلك، فلا دلالة في الخبر على ما نحن فيه أصلا.

و أمّا تفصيل أحكام تلك الصور مع قطع النظر عن هذا الخبر، فليس هذا موضع بيانه، فتدبّر جدّا «1». انتهى كلامه، رفع الله مقامه.

و قال العلّامة الخوانساري في شرح الدروس:

اعلم أنّ القوم ذكروا أنّ الاستصحاب حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه، و هو ينقسم إلى قسمين باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه إلى شرعي و غيره.

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 115- 116.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 490‌

فالأوّل: مثل ما إذا ثبت حكم شرعي بنجاسة ثوب أو بدن مثلا في زمان، فيقولون: إنّ بعد ذلك الزمان أيضا يجب الحكم بالنجاسة إذا لم يحصل اليقين بما يرفعها.

و الثاني: مثل ما إذا ثبتت رطوبة ثوب في زمان، ففي بعد ذلك الزمان أيضا يحكم برطوبته ما لم يعلم الجفاف. و ذهب بعضهم إلى حجّيته بقسميه، و بعضهم إلى حجيّة القسم الأوّل فقط، و استدلّ كلّ من الفريقين بدلائل كلّها مذكورة في محلّها، قاصرة عن إفادة المرام، كما يظهر عند التأمّل فيها، و لم نتعرّض لذكرها هاهنا، بل نشير إلى ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب، فنقول:

إنّ الظاهر عندنا أنّ الاستصحاب بهذا المعنى لا حجّيّة فيه بكلا قسميه أصلا؛ إذ لا دليل عليه تامّا، لا عقلا و لا نقلا.

نعم، الظاهر حجّية الاستصحاب بمعنى آخر، و هو أن يكون دليل شرعي على أنّ الحكم الفلاني بعد تحقّقه ثابت إلى حدوث حال كذا و وقت كذا مثلا معيّن في الواقع بلا اشتراط شي‌ء أصلا، فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى أن يعلم وجود ما جعل مزيلا، و لا يحكم بنفيه بمجرّد الشكّ في وجوده، و الدليل على حجّيّته أمران:

الأوّل: أنّ ذلك الحكم إمّا وضعي أو اقتضائي أو تخييري، و لمّا كان الأوّل أيضا عند التحقيق يرجع إليهما فينحصر في الأخيرين، و على التقديرين يثبت ما ذكرنا.

أمّا على الأوّل؛ فلأنّه إذا كان أمر أو نهي بفعل إلى غاية مثلا، فعند الشكّ بحدوث الغاية لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظنّ بالامتثال و الخروج عن العهدة، و ما لم يحصل الظنّ لم يحصل الامتثال، فلا بدّ من بقاء ذلك التكليف حال الشكّ أيضا، و هو المطلوب.

و أمّا على الثاني فالأمر أظهر، كما لا يخفى.

و الثاني: ما ورد في الروايات من أنّ «اليقين لا ينقض بالشكّ».

فإن قلت: هذا كما يدلّ على حجّيّة المعنى الأوّل الذي ذكرته، كذلك يدلّ على حجّيّة ما ذكره القوم؛ لأنّه إذا حصل اليقين في زمان فينبغي أن لا ينقض في زمان آخر بالشكّ؛ نظرا إلى الرواية، و هو بعينه ما ذكروه.

قلت: الظاهر أنّ المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ أنّه عند التعارض لا ينقض به، و المراد بالتعارض أن يكون شي‌ء يوجب اليقين لو لا الشكّ، و فيما ذكروه ليس كذلك؛ لأنّ اليقين بحكم في زمان لا يوجب حصوله في زمان آخر لو لا عروض الشكّ، و هو ظاهر.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 491‌

فإن قلت: هل الشكّ في كون شي‌ء مزيلا للحكم مع اليقين بوجوده كالشكّ في وجود المزيل أو لا؟

قلت: فيه تفصيل؛ لأنّه إن يثبت بالدليل أنّ ذلك الحكم مستمرّ إلى غاية معيّنة في الواقع أوّلا، ثمّ علمنا حصولها عند شي‌ء و شككنا في حصولها عند الشي‌ء الآخر، فحينئذ لا ينقض اليقين بالشكّ، و أمّا إذا لم يثبت ذلك، بل إنّما يثبت أنّ ذلك الحكم مستمرّ في الجملة، و يزيله الشي‌ء الفلاني، و شككنا في أنّ الشي‌ء الآخر أيضا يزيله أم لا؟ فحينئذ لا ظهور في عدم نقض الحكم و ثبوت استمراره؛ إذ الدليل الأوّل ليس بجار فيه؛ لعدم ثبوت حكم العقل في مثل هذه الصورة، خصوصا مع ورود بعض الروايات الدالّة على عدم المؤاخذة بما لا يعلم.

و الدليل الثاني، الحقّ أنّه لا يخلو من إجمال، و غاية ما يسلّم منه إفادته الحكم في الصورتين اللتين ذكرناهما، و إن كان فيه أيضا بعض المناقشات، لكن لا يخلو عن تأييد للدليل الأوّل، فتأمّل «1».

انتهى كلامه ممّا يحتاج إليه في هذا المقام.

فإن أردت تمام كلماته فارجع إلى شرحه للدروس، فمن تأمّل هذين الكلامين حقّ التأمّل و كان أهلا له عرف أنّ الاستصحاب المذكور جار فيما نحن فيه أم لا؛ فإنّه قد علم أنّ التحقيق أنّ استمرار الحكم تابع لدلالة الدليل الدالّ على الحكم، فإذا دلّ على الاستمرار كان ثابتا، و إلّا فلا. فهنا لمّا دلّ الكتاب و السنّة و الإجماع على وجوب استمرار صوم شهر رمضان إلى رؤية هلال شوّال حكمنا به، و بعد حصول الرؤية قبل الزوال فالحكم مختلف فيه؛ فإنّه لا شكّ أنّ الهلال المرئيّ هلال شوّال، لكنّ الشكّ في أنّه في هذا الوقت أ رافع للصوم أم لا؟

و الخلاف فيه، فإثبات الاستمرار يحتاج إلى دليل آخر.

فإن قلت: صحيحة زرارة «2» تدلّ على استمرار أحكام اليقين ما لم يثبت الرافع.

قلت: علم من تحقيق جدّي العلّامة «3» (طاب ثراه) أنّ الشكّ في رفع اليقين على أقسام أربعة، و النهي عن النقض بالشكّ إنّما يعقل في الصورة الأولى من تلك الصور، و هذه ليست منها.

______________________________
(1). مشارق الشموس، ص 76.

(2). تهذيب الأحكام، ج 1، ص 8، ح 11.

(3). ذخيرة المعاد، ص 115- 116.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 492‌

و أيضا الظاهر من عدم نقض اليقين بالشكّ أنّه عند التعارض لا ينقض به، و المراد بالتعارض أن يكون شي‌ء يوجب اليقين لو لا الشكّ، و فيما ذكر ليس كذلك؛ لأنّ اليقين بحكم في زمان لا يوجب حصوله في زمان آخر لو لا عروض الشكّ، و هو ظاهر، فتأمّل جدّا؛ فإنّه من مزالّ الأقدام.

استدلّ بعض الفضلاء «1» المعاصرين على عدم الاعتبار بما نقله محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره عن القاسم بن سليمان، عن جرّاح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال الله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ يعني صوم رمضان، فمن رأى الهلال بالنهار فليتمّ صيامه» «2». وجه الدلالة أنّ في الرواية دلالة على أنّه لا عبرة برؤية الهلال في آخر رمضان قبل الزوال، و الاستدلال بهذه الرواية في الحقيقة استدلال بالآية، فلا يجوز تقييده بما يستفاد منه التفصيل، و يعلم منها أنّ ما يدلّ على التفصيل محمول على التقيّة، و أنّ ما يدلّ على عدم العبرة بالرؤية موافق للقرآن، و من أنّ كلامه عليه السلام في آخر شهر رمضان؛ لقوله عليه السلام: «فليتمّ صيامه» فإنّ صوم يوم الشكّ في أوّل رمضان غير لازم، بخلاف يوم الشكّ في آخره.

أقول: يحتمل أن يكون قوله: «فمن رأى الهلال بالنهار»- إلى آخره- من كلام الراوي، و التفريع تفريع الراوي، فحينئذ لا يدلّ على المطلوب، و على تقدير التنزّل و أنّه من تتمّة كلامه عليه السلام، نقول: رؤية الهلال بالنهار عامّ، فتتخصّص بما بعد الزوال، و هو الرؤية الشائعة الغالبة، فحمل عليها.

قوله: «كلامه في آخر شهر رمضان؛ لقوله عليه السلام: فليتمّ صيامه، فإنّ صوم يوم الشكّ في أوّل رمضان غير لازم».

قلت: هذا حقّ، و لكن مخصّص بالرؤية بعد الزوال، و أيضا هذا التفريع لا يخلو عن غرابة؛ لأنّه يظهر من الآية أنّ إتمام صوم يوم رمضان واجب، و لم يعلم منها أنّه إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو غير معتبر، و أنّه يوم رمضان حتّى يجب فيه الصوم؛ فإنّ معناها أنّ بعد ظهور الفجر، المنع من الأكل و الشرب، و وجوب إتمام صوم يومه مخصوص برمضان، و الآية نزلت فيه، و لا يكون كذلك إذا كان مستحبّا، فإنّ بعد تبييت النيّة إذا أصبح و لم يرد الصوم جاز له‌

______________________________
(1). في هامش المخطوطة: «المراد منه مولانا محمّد جعفر ابن المولى محمّد طاهر الخراساني». (منه رحمه اللّه).

(2). تفسير العيّاشي، ج 1، ص 190، ح 307/ 206.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 493‌

الإفطار في أيّ ساعة من ساعات النهار، بخلاف شهر رمضان.

و أمّا أنّ الرؤية معتبرة أو غير معتبرة فهي خارجة عن مدلولها، و هذا قرينة على أنّ هذا التفريع ليس من كلامه عليه السلام. و أيضا الحمل على التقيّة في غاية البعد؛ فإنّ معظمهم على خلاف ذلك، كما عرفت، بل العكس أولى.

نعم، إن كان الاعتبار في وقت صدور الحديث من المعصوم عليه السلام معمولا بينهم و معلوما، و كان ميل خليفة العصر و السلطان إليه ظاهرا، يمكن حمله على التقيّة، و إلّا فلا، مع أنّها لضعفها لا تصلح أن تكون معارضة لما ذكرنا.

قال الفاضل التستري رحمه اللّه على ما نقل الفاضل المجلسي (طاب ثراه) في حاشيته على التهذيب:

ربّما يقال: إنّه ليس في ظاهر القرآن و الأخبار دلالة على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال و جعله علامة لليلة الماضية، كما نبّه عليه من عاصرته (قدّس سرّه الشريف) و إن كان العمل بمضمون هذين الخبرين و الإفطار في اليوم الذي دخل في صيامه بنيّة الوجوب لا يخلو عن تأمّل و جرأة؛ لمكان الاستصحاب المؤيّد بقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ و عدم ثبوت حجّيّة خبر الواحد مطلقا، كما نبّه عليه أيضا المعاصر المتقدّم ذكره الشريف «1». انتهى.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام، لكن يظهر منه أنّ الاعتبار و عدم الاعتبار ليس أحدهما موافقا للقرآن و الآخر مخالفا له، فإذا كان كذلك فالعمل بالخبرين ليس منافيا للقرآن، و الاستصحاب المرضيّ ليس جاريا في ما نحن فيه كما عرفت، فتذكّر.

و حجّيّة خبر الواحد إذا لم يكن له معارض ثابت، و القرآن- كما عرفت- لا يعارضها، و الآية «2» لبيان مقدار الإمساك؛ لأنّه يظهر منها أنّ إتمام صوم يوم رمضان واجب، و لم يعلم منها أنّه إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو غير معتبر، و أنّه يوم رمضان حتّى يجب فيه الإمساك.

إلّا أن يقال: مراده أنّ خبر الواحد لا يصلح أن يكون مخصّصا لعموم القرآن، و لا مقيّدا لمطلقاته. اللهمّ إلّا أن يقال- على تقدير تسليم عمومه، أو إطلاقه-: إنّ أخبار الرؤية التي‌

______________________________
(1). ملاذ الأخيار، ج 6، ص 480، ذيل الحديث 61.

(2). البقرة (2): 187.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 494‌

كادت أن تكون متواترة على عمومها، مع انضمام هذين الخبرين ممّا يصلح أن يكون مخصّصا له.

قال السيّد «1» محمّد قدّس سرّه:

أقول: هذين الخبرين معتبرا الإسناد؛ فإنّ دخول الأوّل في قسم الحسن بإبراهيم بن هاشم، و الثاني في قسم الموثّق بالحسن بن عليّ بن فضّال.

و عندي أنّ خبرهما لا يقصر عن الصحيح، كما يعلم من ملاحظة كتب الرجال، فيتّجه العمل بهما. و ما ذكره الشيخ- من أنّهما مخالفان لظاهر القرآن، و الأخبار المتواترة «2»- منظور فيه؛ إذ ليس في القرآن ما ينافي ذلك صريحا و لا ظاهر، و لا في السنّة المتواترة، بل الظاهر مطابقتهما للأخبار المستفيضة المتضمّنة لقولهم عليهم السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» فإنّ ذلك يتناول ما قبل الزوال، فيجب الفطر لرؤيته، و كذا الصوم و إن وقع بعضه بغير نيّة، لما تقرّر من أنّ نيّة المعذور تستمرّ إلى الزوال.

و قوله: «على أنّ فيهما ما يؤكّد القول ببطلان العدد» غير جيّد؛ فإنّ ذلك لا دخل له في تضعيف الخبرين، بل ينبغي أن يكون مرجّحا للعمل بهما، كما لا يخفى. انتهى.

قال السيّد نعمة الله الجزائري في حاشيته على التهذيب:

قوله: «ممّا لا يصلح الاعتراض بهما على ظاهر القرآن و الأخبار» اعترض عليه بأنّه ليس في ظاهرهما الدلالة على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال، و جعله علامة لليلة الماضية «3». انتهى.

أقول: بل قوله عليه السلام: «صم للرؤية، و أفطر للرؤية» «4» ممّا يؤيّد ما ذهب إليه المرتضى «5».

______________________________
(1). كذا في المخطوطة، و الصواب «الشيخ محمّد» و المراد به الشيخ محمّد بن الحسن بن الشهيد الثاني رحمهم اللّه في حاشية الاستبصار المسمّاة باستقصاء الاعتبار كما سيأتي في الرسالة 13، ص 15، و لم يطبع بعد قسم الصوم منه.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 489.

(3). هذه الحاشية لم تطبع بعد فيما نعلم. انظر وصفها في كتاب: نابغۀ فقه و حديث سيد نعمت الله جزائرى، ص 77- 93، 119- 122.

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 159، ح 445.

(5). النسخة المخطوطة ناقصة كما ترى.