بسم الله الرحمن الرحیم

عدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال‌-مولى اسماعيل خواجوئى

مباحث رؤیت هلال-كتاب الصوم

رؤيت هلال؛ ج‌1، ص: 353

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 353‌

(9) عدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال

تأليف مولى اسماعيل خواجوئى قدّس سرّه (م 1173)

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 355‌

مقدّمه

مؤلّف

آخوند مولى اسماعيل مازندرانى اصفهانى معروف به خواجوئى، مولى اسماعيل خواجوئى و فاضل خواجوئى از عالمان موفّق و پرتأليف سدۀ دوازدهم هجرى است و در كتب تراجم از اساتيدش جز شيخ حسين ماحوزى، فاضل هندى، مولى حمزه گيلانى، مولى محمّد اردستانى و مولى محمّد جعفر خراسانى اصفهانى ذكرى به ميان نيامده است و شايد اين- بنا به نوشتۀ صاحب روضات- بدان دليل باشد كه او در دوران فتنه افاغنه در اصفهان مى‌زيست كه بازار علم و دانش كاسد و متاع فضل فاسد بود و كسى قدر او را باز نشناخت و احوالش را ننگاشت. از شاگردانش مى‌توان از مولى مهدى نراقى، آقا محمّد بيدآبادى، مولى محراب اصفهانى و ميرزا ابو القاسم مدرّس اصفهانى نام برد. در اكثر كتابهاى شرح حال مقام علمى و اخلاقى‌اش را ستوده‌اند. شيخ عبد النبى قزوينى مى‌نويسد:

وى آيتى بزرگ از آيات الهى، و دليلى روشن و رسا از حجج خدايى، و اهل عبادت بسيار و زهد فراوان بود. عامل به اوامر و سنن پيامبر اكرم و در نهايت اخلاص به ائمه هدى عليهم السلام، و داراى همّتى فراوان در اجراى امور دينى و صاحب اراده‌اى استوار در تحكيم و تسديد عقايد حقه بود. «1»

صاحب روضات نيز مى‌نويسد:

او مستجاب الدعوة و بدون ادّعا بود و در چشم بزرگان و پادشاهان بزرگ مى‌نمود.

______________________________
(1). تتميم أمل الآمل، ص 67.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 356‌

حتى نادر شاه- با آن صولت و درشتى و تندخويى‌اش- از ميان علماى زمانش تنها به وى اعتنا مى‌كرد و فقط گفتار او را مى‌پذيرفت و اوامر او را امتثال مى‌كرد. و اين به سبب شهامت نفس و استغناى طبع از مال و منال دنيوى، و قناعت خواجوئى به اندكى از خوراك و پوشاك بود. خطّش در نهايت زيبايى و تصانيفش در غايت استوارى و كمال دقت است.

برخى از آثار وى عبارتند از:

1. إبطال الزمان الموهوم، در ردّ بر مير داماد قدّس سرّه؛

2. الإمامة؛

3. الأربعون حديثا؛

4. بشارات الشيعة؛

5. جامع الشتات في النوادر و المتفرّقات؛

6. الجبر و التفويض؛

7. تحقيق ما لا تتمّ فيه الصلاة؛

8. رسالة في الغناء، كه در ميراث فقهى (1) (ص 533- 646) چاپ شده است.

9. شرح دعاى صباح؛

10. حاشيه بر تهذيب شيخ طوسى؛

11. حاشيه بر أجوبة المسائل المهنائيّة؛

12. حاشيه بر زبدة البيان؛

13. حاشيه بر مدارك؛

14. حاشيه بر مفتاح الفلاح شيخ بهايى؛

15. حاشيه بر اربعين شيخ بهايى؛

16. هداية الفؤاد إلى أحوال المعاد؛

17. فضل الفاطميين؛

18. شرح المناظرة المأمونيّة؛

19. شرح الكلمات القصار؛

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 357‌

20. استخراج الحكمة الصادقية- تقرير و تنظيم درس فلسفه مولى محمّد صادق اردستانى (م 1134)؛

21. توجيه مناظرة المفيد مع القاضي عبد الجبّار.

و رساله‌هاى ديگر، در علوم مختلف، كه بسيارى از آن رساله‌ها در مجموعۀ رسائل المحقق الخواجوئى به چاپ رسيده است.

او در 11 شعبان 1173 در اصفهان بدرود حيات گفت و در سمت جنوبى تخت فولاد، نزديك قبر فاضل هندى به خاك سپرده شد. جمله‌هاى «خانۀ علم منهدم گرديد» و «نوّر الله الجليل مقبرته» و «رفع الله في الجنان منزلته» ماده تاريخ وفات اوست. «1»

رسالۀ حاضر

اين رساله يكى از رساله‌هاى مبسوط در خصوص مسألۀ رؤيت هلال پيش از زوال، و مشتمل بر يك مقدّمه و ده فصل است كه مؤلّف در آن بتفصيل جوانب مسأله را كاويده و زواياى آن را روشن كرده است. وى در اين رساله سخنان محقّق سبزوارى را نقد كرده و در فصل دهم آن يادآورى كرده است كه پس از تأليف اين رساله از رسالۀ فاضل تنكابنى در ردّ بر سبزوارى مطّلع شده است. خواجوئى آن را ستوده و سپس مواضعى از آن را نقد كرده است:

إنّي بعد ما فرغت من تسويد هذه الرسالة الهلاليّة ... بلغني أنّ للفاضل التنكابني المشتهر بملّا محمّد، الملقّب بالسراب (طوبى له و حسن مآب) رسالة في هذا الباب، ألّفها للردّ على الفاضل السبزواري صاحب الذخيرة، القائل باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال.

______________________________
(1). برخى از منابع سرگذشت خواجوئى عبارتند از:

روضات الجنات، ج 1، ص 296- 307؛ الاجازة الكبيرة، ص 98- 101؛ فهرست كتب خطّى كتابخانه‌هاى اصفهان، ج 1، ص 9- 14؛ الكواكب المنتشرة، ص 62- 64؛ خاتمة مستدرك الوسائل، ج 2، ص 107- 109؛ ريحانة الأدب، ج 2، ص 105- 107؛ الفوائد الرضوية، ص 52- 53؛ أعيان الشيعة، ج 9، ص 123؛ مصفّى المقال، ص 77- 78؛ تتميم أمل الآمل، ص 67؛ نجوم السماء، ص 668؛ الكنى و الألقاب، ج 2، ص 200؛ وجه تسمية المفيد بالمفيد، ص 15- 19.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 358‌

فبعد ما حصّلتها و نظرت فيها، ألفيتها مؤيّدة لما حرّرته في هذا الباب، مؤكّدة لما قرّرته في بعض مواضع الكتاب، فشكرت له ذلك، و صرت به مسرورا، و لقد كان سعيه هذا (جزاه الله الخير) مشكورا ....

نسخه

اين رساله پيش از اين در دفتر دوم الرسائل الفقهية از خواجوئى (ص 315- 383) با خطاها و مسامحات بسيار منتشر شده است؛ و تصحيح حاضر بر اساس نسخه‌اى خطى- متعلّق به كتابخانۀ مرحوم آية الله خادمى اصفهانى قدّس سرّه، با خطّى خوش؛ ولى بدون نام كاتب و تاريخ كتابت- و با استفاده از چاپ مذكور انجام شده است.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 359‌

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه الذي جعل من علامتي دخول الشهر رؤية الهلال «1»، و جعل رؤيته «2» في أوّل ليلة الثلاثين من شهر رمضان أمارة دخول شوّال، و لم يجعله مبهما ليقول قائل: و من العلامة رؤيته يوم الثلاثين منه قبل الزوال، بل أوضح الأمر و بيّنه؛ حيث جعل ذلك من علامة دخول الشهر في الاستقبال، و صلّى الله على خير خلقه سيّدنا محمّد و آله ما اختلفت الغدوّ و الآصال.

و بعد، فهل تكون رؤية الهلال في اليوم الثلاثين قبل الزوال أمارة شرعيّة و حجّة ظنّيّة على كونه للّيلة الماضية، فيكون هذا اليوم غرّة الشهر، فتترتّب عليه الأحكام الشرعيّة من مواقيت الحجّ و العمرة و النذر و الأعياد و الصوم و الصلاة، إلى غير ذلك من العبادات و المعاملات و غيرهما؟ فيه خلاف.

قال سيّدنا المرتضى في المسائل الناصريّة- لمّا ذكر قول الناصر: «إنّه إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية»-: هذا صحيح، و هو مذهبنا «3».

______________________________
(1). «لدخول الشهر علامتان: رؤية الهلال و مضيّ الثلاثين، و أمّا ما عداهما فلا عبرة به شرعا» (منه رحمه اللّه).

(2). «قال الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ [البقرة (2): 189] قال سيّدنا الصادق عليه السلام و قد سئل عن الأهلّة: «هي أهلّة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر» [تهذيب الأحكام، ج 4، ص 156، ح 430] و على مضمونه أخبار صبّة جمّة، و سنبيّن فيما بعد أنّ الظاهر من الرؤية هي المتعارفة، و إنّما تكون بالليل، فلا تشمل أخبارها لرؤية النهار» (منه رحمه اللّه).

(3). المسائل الناصريات، ص 291، المسألة 126. و في هامش المخطوطة: «هذا كالصريح في أنّ أخبار الرؤية لا تشمل لرؤيته بالنهار، و لذلك لا تدخل فيها رؤيته بعد الزوال، و الظاهر أنّ دليله رحمه اللّه على ما أفتاه هو تلك الأخبار، و مثله شيخ الطائفة في أنّ دليله أيضا هو هذه الأخبار، كما سيأتي الإيماء إليه إن شاء اللّه». (منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 360‌

و اعتبر آية الله العلّامة ذلك في الصوم دون الفطر «1».

و هو فرق ضعيف لا دليل عليه.

و قال ابن الجنيد:

رؤية الهلال يوم الثلاثين من شهر رمضان أيّ وقت كان، إذا لم يصحّ أنّ الليلة الماضية قد رئي فيها لا توجب الإفطار، فإذا صحّت الرؤية فيها، أفطر أيّ وقت يصحّ ذلك عنده من نهار يوم ثلاثين «2».

و قال شيخ الطائفة في الخلاف: «إذا رئي قبل الزوال أو بعده، فهو للّيلة المستقبلة دون الماضية» «3». و مثله قال في التهذيب «4».

و نحن ننقل الأخبار الواردة في هذه المسألة من الطرفين، ثمّ نأخذ في نقدها و قلبها و نقل ما فهموه منها، و ما فيه و ما عليه، و ترجيح ما هو راجح عندنا، فإن أصبنا فمن الله، و إن أخطأنا فمن قصورنا في الاجتهاد، و نسأل الله الهداية، و نطلب منه السداد، إنّه يهدي من يشاء إلى طريق الحقّ و سبيل الرشاد.

فصل: [أخبار المسألة]

روى الشيخ في التهذيب و الاستبصار عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

إذا رأوا الهلال قبل الزوال، فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال، فهو للّيلة المستقبلة «5».

و عن سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن الحسن بن‌

______________________________
(1). مختلف الشيعة، ج 3، ص 358، المسألة 89.

(2). حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 358، المسألة 89.

(3). الخلاف، ج 2، ص 171، المسألة 10.

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 488، 489.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 488؛ الاستبصار، ج 2، ص 73- 74، ح 225.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 361‌

عليّ بن فضّال، عن عبيد بن زرارة و عبد الله بن بكير، قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام:

إذا رئي الهلال قبل الزوال، فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال، فهو من شهر رمضان «1».

و عن عليّ بن حاتم، عن محمّد بن جعفر، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، قال:

كتبت إليه عليه السلام: جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال، و ربما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ و كيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ إلى الليل، فإنّه إذا كان تامّا لرئي قبل الزوال» «2».

قال صاحب الوافي فيه- بعد نقل هذه الرواية عن التهذيب-:

هكذا وجدت هذا الحديث في نسخ التهذيب. و في الاستبصار: «ربما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان» و هو الصواب؛ لأنّه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى إلّا بتكلّف، إلّا أنّه على نسخة الاستبصار ينافي سائر الأخبار التي وردت في هذا الباب؛ لأنّه على ذلك يكون المراد بالهلال هلال شوّال «3».

و قال بعيد ذلك: «و الظاهر أنّ ما في نسخة التهذيب من سهو النسّاخ» «4».

أقول: و في نسخة الاستبصار عندي قديمة قوبلت على نسخة كان عليها خطّ الشيخ المصنّف و خطّ محمّد بن إدريس هكذا: «ربما غمّ الهلال شهر رمضان». بدون ذكر «علينا» و لفظة «في»، و الظاهر أنّ كلمة «شهر» على هذه النسخة منصوبة بتقدير «في».

ثمّ إنّه على هذه النسخة لا ينافي إلّا الخبرين المذكورين، و لا خير فيه؛ لأنّ الثاني منهما ضعيف كما سيأتي، و الأوّل و إن كان صحيحا أو حسنا «5» إلّا أنّه وارد في طريق التقيّة، و في متنه كلام سيأتي، هذا.

و عنه، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن الحسن، عن يوسف بن عقيل، عن‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 489.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 49.

(3). الوافي، ج 11، ص 148.

(4). الوافي، ج 11، ص 148- 149.

(5). «صحيح عندي و حسن عند المشهور». (منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 362‌

محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا، و أشهدوا عليه عدولا من المسلمين، فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين فأفطروا» «1».

و عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جرّاح المدائني، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «من رأى هلال شوّال بنهار في رمضان فليتمّ صيامه» «2».

و عنه، عن فضالة، عن أبان بن عثمان، عن إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان، فقال:

لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه، و إذا رأيته وسط النهار، فأتمّ صومه إلى الليل «3».

يعني بقوله عليه السلام: «أتمّ صومه إلى الليل» على أنّه من شعبان دون أن ينوي أنّه من رمضان.

روى ثقة الإسلام عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ المغيريّة يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة، فقال:

كذبوا، إنّ أهل بطن نخلة لمّا رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام «4».

و في التهذيب في آخر باب الزيادات. عن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم، عن زكريّا بن يحيى الكندي الرقّي، عن داود الرقّي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير، فهو هنا هلال جديد، رئي أو لم ير «5».

و في صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: «صم لرؤية الهلال، و أفطر لرؤيته» «6».

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177- 178، ح 491، و في حاشية المخطوطة: «و في موضع آخر من التهذيب [ج 4، ص 158، ح 440]: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين». و الصواب ما في الاستبصار [ج 2، ص 64، ح 207]: «أو تشهد عليه بيّنة عدل» و كذا في الفقيه [ج 2، ص 122، ح 1913] (منه رحمه اللّه).

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 492.

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493.

(4). الكافي، ج 8، ص 332، ح 517.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 333، ح 1047.

(6). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 157، ح 436.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 363‌

و في صحيحة زيد الشّحام، عنه عليه السلام أنّه سئل عن الأهلّة، فقال: «هي أهلّة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» «1».

و في صحيحة إسحاق بن عمّار، عنه عليه السلام أنّه قال: «في كتاب عليّ عليه السلام صم لرؤيته، و أفطر لرؤيته» «2».

و الأخبار بهذا المضمون متواترة، أو كادت أن تبلغ حدّ التواتر.

أقول: و من البيّن المعلوم الذي لا يكاد أن يخفى على أحد أنّ فزع المسلمين في وقت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و من بعده إلى زماننا هذا في تعرّف الهلال إلى معاينة الهلال و رؤيته إنّما كان في ليلة تحتمل فيها الرؤية و عدمها، و هي ليلة الثلاثين، لا في يومها قبل الزوال.

فإذا قيل: الصوم للرؤية و الفطر للرؤية، فإنّما يتبادر منه إلى الذهن هذه الرؤية المعروفة عند أهل الدين، المعلومة عند كافّة المسلمين، لا ما قد يتّفق في يوم الثلاثين.

و يؤيّده ما عليه الأصحاب من استحباب الدعاء عند رؤية الهلال، تأسّيا بالنبيّ و الأئمّة عليهم السلام؛ إذ لا شكّ أنّ ذلك إنّما كان بالليل، كما هو المعروف في هذه الأعصار، لا بالنهار في يوم الثلاثين عند رؤية الهلال قبل الزوال على سمت المشرق، فليكن هذا على ذكر منك عسى أن ينفعك إن شاء الله العزيز.

فصل: [تنقيح أسانيد أخبار المسألة]

المراد بأبي جعفر- في سند الرواية الثانية- أحمد بن محمّد بن عيسى، كما صرّح به ملّا ميرزا محمّد في الأوسط «3» في الفائدة الثانية؛ حيث قال:

ذكر الشيخ و غيره في كثير من الأخبار سعد بن عبد الله عن أبي جعفر، و المراد بأبي جعفر هذا هو أحمد بن محمّد بن عيسى «4». انتهى.

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 155، ح 430.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 158، ح 441.

(3). يعني الرجال الوسيط، و لم يطبع بعد، و لكن أدرجه الأردبيلي في جامع الرواة.

(4). انظر جامع الرواة، ج 2، ص 463.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 364‌

و هو و إن كان على المشهور ثقة غير مدافع إلّا أنّ قول أبي عمرو الكشّي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن- بعد نقله عن أحمد هذا نبذة من أخبار دالّة على ذمّ يونس ذاكرا:

«لعلّ هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه» «1»- يدفعه، و يدلّ على ذمّه كلّيّا، و عدم اعتباره في رواياته.

و الأقوى عندي التوقّف فيه؛ فإنّه نقل عنه أشياء تفيد عدم تثبّته في الأمور، بل بعضها يدلّ على سخافة عقله، مثل ما نقل عن الفضل بن شاذان، قال: «أحمد بن عيسى تاب، و استغفر من وقيعته في يونس لرؤيا رآها» «2».

فإنّ مستنده في تلك الوقيعة إن كان دليلا شرعيّا يفيد العلم أو الظنّ المتاخم له، فكيف يسوغ له الرجوع عنه و الاعتماد على ما رآه في المنام!؟ و لعلّه كان من أضغاث الأحلام و العدول عمّا يقتضيه الدليل إلى ما تقتضيه الرؤيا، مع احتمال كونها كاذبة غير مسوّغة في شريعة العقل و النقل، و إن لم يكن له عليه مستند شرعي، كان ذلك منه بهتانا قادحا في عدالته.

و مثله ما نقل عنه في أحمد بن خالد البرقي من إبعاده عن قم، ثمّ إعادته إليها و اعتذاره إليه، و مشيه بعد وفاته في جنازته حافيا حاسرا ليبرئ نفسه عمّا قذفه به «3»، فإنّه يدلّ على أنّه رماه فيما رماه و هو شاكّ فيه، و كان عليه أن يثبت في أمره، فتركه و قذفه ثمّ نفيه يقدح فيه.

و في أصول الكافي في باب النصّ على أبي الحسن الثالث عليه السلام حديث طويل يدلّ على ذمّه من وجهين، ذكرناهما في الحاشية «4».

و في الأوسط لملّا ميرزا محمّد في الحاشية المعلّقة على ترجمة أحمد هذا هكذا: «في إرشاد المفيد ما يدلّ على قدح فيه، و أوردناه في كتابنا الكبير» «5».

قال صاحب المدارك- بعد نقل ما رواه الشيخ في التهذيب عن سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء،

______________________________
(1). اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، ص 497، الرقم 955.

(2). اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، ص 496، الرقم 952.

(3). خلاصة الأقوال، ص 63، الرقم 72.

(4). أي الحاشية على أصول الكافي، و هي مخطوطة.

(5). أراد بقوله: «كتابنا الكبير» منهج المقال.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 365‌

قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضا، فإنّ عليه الخمس» «1»-:

استضعفه جدّي قدّس سرّه في فوائد القواعد، و ذكر في الروضة تبعا للعلّامة في المختلف أنّه من الموثّق، و هو غير جيّد؛ لأنّه في أعلى مراتب الصحّة، فالعمل به متعيّن «2».

أقول: الظاهر أنّ جدّه قدّس سرّه- بعد ما تبع العلّامة في الحكم بأنّه من الموثّق- وقف على قدح في أبي جعفر هذا، كما أومأنا إليه، فحكم لذلك بضعف السند الذي هو من رجاله، و هو المطابق للأمر نفسه.

و أمّا السيّد السند فلمّا لم يقف على قدح فيه- و ذلك لقصوره في التتبّع و التأمّل فيما نقلناه، و كان هو على المشهور غير مدافع- حكم بكون هذا السند في أعلى مراتب الصحّة.

و لا كذلك الأمر في نفسه، و لكنّه من مثله هيّن سهل ليّن؛ لأنّه تبع في ذلك المشهور، و لم يبذل جهده، و إنّما الكلام في مثل الفاضل العلّامة و طول يده في الرجال و الاطّلاع على الأحوال أنّه كيف حكم بكونه من الموثّق!؟ و رجاله كلّهم إماميّون موثّقون لا قدح فيهم أصلا إلّا في أبي جعفر هذا.

فمن وقف عليه فهذا السند عنده ضعيف، و من لم يقف عليه فهو عنده صحيح، بل في أعلى مراتب الصحّة، كما أفاده السيّد السند، و أمّا أنّه موثّق فممّا لا وجه له أصلا، و هو قدّس سرّه أعرف بما قال، و الله أعلم بحقيقة الحال.

و بالجملة، المستفاد ممّا ذكره الكشّي في ترجمة يونس ذمّ أحمد ذاك، و أنّه كان يضع الحديث «3»، فتأمّل بعد المراجعة.

ثمّ إنّ الحسن بن علي بن فضّال- الواقع في الطريق- فطحيّ المذهب و إن رجع عنه في غمرات الموت، و لكن رجوعه هذا لا يجدي نفعا في الاعتماد على حديثه على مذهب من لا يعمل بالموثّق بل يردّه، كأكثر أصحابنا، و منهم العلّامة، كما صرّح به في كتبه الأصوليّة «4».

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 123، ح 355.

(2). مدارك الأحكام، ج 5، ص 386.

(3). راجع اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، ص 491- 498.

(4). انظر ما يأتي في ص 25 من هذه الرسالة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 366‌

و حكي عن ولده فخر المحقّقين أنّه قال:

سألت والدي عن أبان بن عثمان، فقال: الأقرب عندي عدم قبول رواياته؛ لقوله تعالى:

إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ «1». و لا فسق أعظم من عدم الإيمان «2».

و إذا لم تكن رواية ابن عثمان- و هو ممّن أجمعت العصابة على تصديقه و تصحيح ما يصحّ عنه- عنده مقبولة، فبأن لا تكون رواية ابن فضّال عنده مقبولة أولى.

و هذا معنى قوله في مقام ردّ الحديث الثاني: فإنّ في طريقه ابن فضّال، و هو ضعيف.

أقول: فهو مردود من جهتين: ما ذكرناه و ما ذكره رحمه اللّه.

و لعلّه لذلك جعل الشهيد في الدروس «3» دليل السيّد على مذهبه رواية حمّاد بن عثمان، و لم يذكر دليلا عليه رواية ابن فضّال، فتأمّل.

فقول الفاضل الأردبيلي رحمه اللّه في شرح الإرشاد في مقام الردّ على العلّامة-: «كونه ضعيفا، غير ظاهر، بل الظاهر أنّه ثقة غير فطحي و إن قيل: إنّه فطحي» «4»- كما ترى، فإنّه أراد رحمه اللّه بالضعيف مقابل الصحيح، يعني أنّه ليس حديث يعمل به، كما يعمل بالصحيح؛ لعدم إيمان راويه حال روايته، و لا فسق أعظم من عدم الإيمان، فوجب التثبّت في خبره كما أمر الله تعالى به.

ثمّ قال العلّامة رحمه اللّه:

و مع ذلك لا يصلحان- أي الخبران المذكوران- لمعارضة الأحاديث الكثيرة الدالّة على انحصار الطريق في الرؤية و مضيّ الثلاثين لا غير «5».

هذا، و أمّا قول الفاضل الأردبيلي:

و هذان الخبران ليسا بصريحين في الإفطار و الصوم؛ إذ قد يكون للّيلة المتقدّمة، مع عدم كون التكليف به إلّا مع العلم به في الليل أو بالشهود في النهار، فتأمّل، فإنّ الظاهر من‌

______________________________
(1). الحجرات (49): 6.

(2). في هامش المخطوط: «هكذا نقله شيخنا الحسن في معالم الأصول». (منه رحمه اللّه). معالم الأصول، ص 200: «حكى والدي في فوائده على الخلاصة عن فخر المحقّقين أنّه قال: سألت والدي ...» انظر رسائل الشهيد الثاني، ج 2، ص 911، حاشية خلاصة الأقوال.

(3). الدروس الشرعية، ج 1، ص 284.

(4). مجمع الفائدة و البرهان، ج 5، ص 298.

(5). منتهى المطلب، ج 2، ص 592، الطبعة الحجرية.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 367‌

الرؤية هي المتعارفة، و إنّما تكون في الليل، فلا تشمل أخبارها لرؤية النهار، و لهذا بعد الزوال غير داخل فيها «1».

ففيه تأمّل؛ فإنّ قوله عليه السلام: «إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان» «2».

صريح في الإفطار و الصوم، فإنّ ذلك اليوم لمّا كان من شوّال كان يوم عيد، فوجب فيه الإفطار، و كذا لمّا كان هذا اليوم من شهر رمضان وجب فيه الصوم.

نعم، ما ذكره قدّس سرّه صالح لأن يجمع به بين الخبر الأوّل و الأخبار المتضمّنة لانحصار الطريق في الرؤية، أو مضيّ الثلاثين، بأنّ المراد بالرؤية هي المتعارفة، و إنّما تكون في ليلة الثلاثين لا في يومه، و حينئذ فلا منافاة بين رؤيته في ذلك اليوم و الحكم بأنّه للّيلة الماضية، و بين عدم التكليف بالعمل به إلّا مع العلم به في الليل، أو بالشهود في النهار، بأنّه رئي في الليلة الماضية.

و بالجملة، لا عبرة برؤيته في النهار- رئي قبل الزوال أو بعده، حكم بكونه للّيلة الماضية أو للّيلة المستقبلة- و إنّما العبرة برؤيته في الليل؛ لأنّها المتعارفة في وقت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى يومنا هذا.

و مع قطع النظر عن ذلك نقول: على ما قرّرناه انحصر ما يدلّ على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال في حسنة ابن عثمان «3»، و هي لا تنهض حجّة في معارضة الأصل و الاستصحاب و ظواهر الأخبار و قول معظم الأصحاب.

و مع هذا كلّه ليس ببعيد كونها واردة في طريق التقيّة؛ لأنّ من مذهب أبي يوسف و الثوري و أحمد اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، و جعلهم يوم الرؤية يوم عيد و من شوّال «4»، فبمقتضى قواعد الأصحاب- حيث صرّحوا بأنّ أحد الخبرين إذا كان مخالفا لأهل الخلاف، و الآخر موافقا لهم، يرجّح المخالف؛ لاحتمال التقيّة في الموافق على ما هو المعلوم من أحوال الأئمّة عليهم السلام، و قد أخذوا ذلك من مقبولة عمر بن حنظلة، بل صحيحته؛ لأنّ الشهيد الثاني‌

______________________________
(1). مجمع الفائدة و البرهان، ج 5، ص 301.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 489.

(3). تقدّمت في ص 8 من هذه الرسالة.

(4). المغني، ج 3، ص 108.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 368‌

وثّقه «1» في الدراية «2»؛ حيث قال: جعلت فداك وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة و الآخر مخالفا لها، فبأيّ الخبرين يؤخذ؟ قال: «بما يخالف العامّة، فإنّ فيه الرشاد» «3»، و رواية عليّ بن أسباط، قال: قلت للرضا عليه السلام: يحدث أمر لا أجد بدّا من معرفته، و ليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال: فقال: «ائت فقيه البلد فاستفته، فإذا أفتاك بشي‌ء فخذ بخلافه، فإنّ الحقّ بخلافه» «4». كذا في عيون أخبار الرضا عليه السلام بإسناده إليه- وجب الأخذ بما يخالفهم.

و من هنا ترى شيخ الطائفة يقول: «إذا تساوت الروايتان في العدالة و العدد عمل بأبعدهما من قول العامّة» «5».

فصل: [تحقيق في رواة الأسانيد]

صرّح النجاشي بتوثيق عليّ بن حاتم، بعد أن ذكره بعنوان عليّ بن أبي سهل «6».

و قال الشيخ في الفهرست:

عليّ بن حاتم له كتب كثيرة جيّدة معتمدة نحو من ثلاثين كتابا على ترتيب الفقه.- ثمّ عدّها إلى أن قال:- منها كتاب الصوم أخبرنا بكتبه و رواياته أحمد بن عبدون، عن أبي عبد الله الحسين بن عليّ بن شيبان القزويني «7».

______________________________
(1). «في باب أوقات الصلاة من التهذيب [ج 2، ص 31، ح 95] هكذا: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة الحارثي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «إذن لا يكذب علينا ...» الحديث، فتأمّل في إفادته. (منه رحمه اللّه).

(2). الرعاية، ص 91.

(3). تهذيب الأحكام، ج 6، ص 302، ح 845، «و في التهذيب [ج 9، ص 271، ح 983] في كتاب الميراث في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام حديث طويل قال فيه: فأتيته من الغد بعد الظهر، و كانت ساعتي التي كنت أخلو به فيها بين الظهر و العصر و كنت أكره أن أسأله إلّا خاليا خشية أن يفتيني من أجل من يحضرني بالتقية». (منه رحمه اللّه).

(4). عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 275، باب فيما جاء عن الإمام عليّ بن موسى عليهما السلام من الأخبار المتفرّقة، ح 10.

(5). العدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 147.

(6). رجال النجاشي، ص 63، الرقم 688.

(7). الفهرست، ص 98، الرقم 415.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 369‌

و قال في أوائل مشيخة التهذيب:

اقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه، أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله «1».

أقول: و على هذا فلا يضرّ ضعف الطريق أو جهالته إلى صاحب الكتاب و الأصل؛ لاشتهارهما عند نقله عنهما، فروايته عن عليّ بن حاتم بواسطة الحسين بن عليّ بن شيبان، و جهالته لا تضرّ.

أمّا أوّلا؛ فلما ذكرناه.

و أمّا ثانيا؛ فلأنّه من مشايخ الإجازة.

و أمّا ثالثا؛ فلأنّ ملّا عناية الله قدّس سرّه صرّح في حاشيته على مجمع الرجال ب‍:

أنّ الحسين هذا هو ابن أحمد بن شيبان القزويني، و أنّ الشيخ سها في تبديل أحمد بعليّ، و لا يخفى أمثاله من قلم الشيخ قدّس سرّه- ثمّ قال-: و حينئذ لا يخفى أنّ القزويني معتبر يدخل حديثه في الحسان «2». انتهى.

أقول: إذا كان طريق الشيخ إلى الكتاب حسنا، و قد صرّح بأنّه كتاب جيّد معتمد عليه، كان الحديث المأخوذ منه أيضا معتبرا معتمدا.

و من غيره يستفاد أنّ محمّد بن جعفر- الواقع في الطريق، و المراد به الرزّاز بقرينة روايته عن محمّد بن أحمد بن يحيى- معتبر معتمد عليه؛ لرواية علي بن حاتم الثقة صاحب الكتاب هذا الحديث المعتبر المعتمد عليه؛ لكونه مذكورا في هذا الكتاب المعتبر المعتمد عليه عنه، فتأمّل فيه؛ فإنّه طريق أنيق و مسلك دقيق.

فعدم تصريحهم بتوثيقه بل و جهالته أيضا لا تضرّ؛ لأنّه إماميّ المذهب لم يقدح فيه أحد.

و قد روى عن جماعة من المعتبرين، كمحمّد بن عبد الحميد و أيّوب بن نوح و من في هذه الطبقة. و روى عنه جماعة من المعتبرين، كمحمّد بن يعقوب الكليني، و أبي غالب الزراري، و عليّ بن حاتم الثقة، و من في هذه الطبقة. و ستعرف أنّ كلّ ذلك دليل مدحه، و حصول الظنّ بصدقه، و وجوب العمل بروايته.

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 10، شرح مشيخة تهذيب الأحكام، ص 4.

(2). انظر مجمع الرجال، ج 4، ص 174.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 370‌

و محمّد بن عيسى و إن كان مشتركا بين جماعة إلّا أنّ المراد به هنا «العبيدي» بقرينة رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عنه، و هو و إن ضعّفه بعضهم إلّا أنّه ثقة، عين، كثير التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة و مشافهة. فالمراد بالمكتوب إليه هو محمّد بن عليّ الجواد عليهما السلام.

و للشيخ إلى الحسين بن سعيد طرق صحاح.

و القاسم بن سليمان في سند الحديث الخامس إماميّ، لم يقدح فيه أحد، له كتاب يرويه عنه النضر بن سويد، و قد صرّح بحسن سند هو من رجاله ملّا عناية الله القهپائي في مجمع الرجال «1».

و الظاهر أنّ الشيخ أخذ الحديث المذكور إمّا من كتابه، أو من كتاب جرّاح المدائني، و هو أيضا إماميّ المذهب، من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام، لم يقدح فيه أحد، و له كتاب يرويه عنه جماعة منهم النضر بن سويد، و قد صرّح بحسن سند هو من رجاله الفاضل المذكور في الكتاب المسطور «2».

و لعلّ الوجه فيه ما أفاده رحمه اللّه في بعض حواشيه على هذا الكتاب بقوله:

و من المدح كون الرجل راويا عن أحد منهم عليهم السلام، و مذكورا في جملة أصحابه، و منه كونه صاحب أصل أو كتاب؛ و لذلك ترى أئمّة الرجال يذكرون الرجل و يعدّون له كذا و كذا كتبا، فلو لم يكن كون الرجل صاحب أصل أو كتاب- مع عدم التصريح بذمّ فيه- مدحا كلّيّا معتبرا عندهم، لكان ذكر ما ذكروا في محلّ العبث.- قال:- و كذا من المدح أن يكون الرجل راويا عن معتبر، أو يروي عن المعتبر «3».

أقول: كلّ ذلك قد جمع في جرّاح المدائني، و بعضه في القاسم بن سليمان، فهما ممدوحان مدحا كلّيّا معتبرا عندهم.

و قال ملّا مراد التفرشي في تعليقاته على مشيخة التهذيب:

و ظنّي أنّ من تحقّق كونه من أهل المعرفة و لم يقدح فيه أحد، و أكثر العلماء الرواية عنه، يظنّ صدقه في الرواية ظنّا غالبا، و أنّه لا يكذب على الأئمّة عليهم السلام، و هذا القدر كاف في‌

______________________________
(1). مجمع الرجال، ج 5، ص 46.

(2). مجمع الرجال، ج 2، ص 19.

(3). لم نعثر عليه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 371‌

وجوب العمل بروايته، و لا يحتاج إلى أنّ يظنّ عدالته، بل يكفي أن لا يظنّ فسقه؛ لاستلزامه ظنّ وجوب التثبّت في خبره. إلى آخر ما أفاده هناك.

و الأظهر أنّ الشيخ أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد؛ بقرينة ما سبق من قوله: و اقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه. و كتب ابني سعيد كتب حسنة معمول عليها، كما صرّح به النجاشي في كتابه «1»، و إذا كان هذا الكتاب كتابا حسنا معمولا عليه، كان الحديث المأخوذ منه كذلك.

فظهر أنّ هذا حديث حسن لا ضعيف، كما ظنّ صاحب الذخيرة قدّس سرّه؛ حيث قال فيها:

و العجب أنّ الشيخ و جماعة استدلّوا على القول بعدم اعتبار رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال بصحيحة محمّد بن قيس، المذكورة، و برواية محمّد بن عيسى، و بما رواه الشيخ عن جرّاح المدائني، و استدلّ الشيخ بموثّقة إسحاق بن عمّار، المذكورة.

و أنت خبير بأنّ الأولى تدلّ على خلاف مقصودهم، و كذا الثانية و الرابعة، و أمّا الثالثة فضعيفة لا تصلح لمقاومة ما ذكرنا من الأخبار «2».

أقول: و أمّا القول بأنّ المراد بالنهار المذكور فيها ما بعد الزوال؛ بقرينة سائر الأخبار، فإنّ المطلق يحمل على المقيّد، كما قال به صاحب الوافي «3». و مثله صاحب الذخيرة؛ حيث قال فيها:

نسبته إلى ما ذكرناه من الأخبار نسبة العامّ إلى الخاصّ، فتخصّص بها، و هي محمولة على الغالب من تحقّق الرؤية بعد الزوال «4».

ففيه: أنّ هذه الأخبار غير صالحة لتقييده و تخصيصه، غير خبري حمّاد و ابن بكير. و قد عرفت أنّ الثاني منهما ضعيف، و الأوّل و إن كان حسنا لكنّه معارض، و مع ذلك وارد في طريق التقيّة، و مضمونه مخالف لما هو الواقع، إلى غير ذلك من أسباب القدح فيه، الآتية.

فليس هنا- بعد تعمّق النظر و تدقيقه و ملاحظة الأطراف- خبر صالح لتقييده و تخصيصه؛ لأنّ روايتي محمّد بن قيس و محمّد بن عيسى، و كذا موثّقة إسحاق كلّها مؤكّدة لما دلّ عليه بعمومه على ما سنقرّره إن شاء الله تعالى.

______________________________
(1). رجال النجاشي، ص 58، الرقم 136- 137.

(2). ذخيرة المعاد، ص 533.

(3). الوافي، ج 11، ص 148.

(4). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 372‌

و أمّا رواية داود الرقّي فبين ضعيفة و مجهولة، و مع ذلك لها احتمالات كثيرة، و من المشهور بين الطلبة قولهم: إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، فكيف يصلح لتخصيص حديث حسن أو تقييده!؟

على أنّ تخصيصه بما بعد الزوال يجعله قليل الفائدة، بل عديمها؛ إذ قلّ من يتوهّم أنّ رؤية هلال شوّال بعد الزوال توجب الإفطار، أو يصحّحه حتّى يحتاج في دفعه إلى إفادة ابتدائه بقوله: «من رأى هلال شوّال بنهار في رمضان فليتمّ صيامه» «1»، بل حاصله أنّ هلال شوّال قد يرى في آخر يوم من رمضان قبل الزوال، فمن رآه فيه فليتمّ صيامه، و لا يتوهّم أنّه يوم عيد، كما توهّمه بعض العامّة، كأبي يوسف و الثوري و أحمد في اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، و جعلهم يوم الرؤية غرّة شوّال، فالغرض من هذا الحديث هو الردّ على هؤلاء الذين كانوا في زمانه عليه السلام، و حينئذ يفيد فائدة تامّة، كما لا يخفى، فتأمّل.

و اعلم أنّ أبان بن عثمان الأحمر ممّن أجمعت العصابة على تصديقه و تصحيح ما يصحّ عنه، و هذا يكفي في اعتباره إذا روى عن معتبر رواية، و تفيد أكثر من التوثيق.

لا يقال: قوله تعالى: إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ «2» يوجب عدم اعتبار أمثاله، فإنّه لا فسق أعظم من عدم الإيمان.

لأنّا نقول: الفسق هو الخروج عن طاعة الله مع اعتقاد الفاسق كذلك، و مثل هذا ليس كذلك؛ فإنّ هذا الاعتقاد عند معتقده هو الطاعة لا غير، و الأولى أن يقال: إنّ الإجماع خصّصه.

قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين:

إنّ متأخّري أصحابنا ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان، و يصفون بعض الأحاديث- التي في سندها من يعتقدون أنّه ناووسي- بالصحّة؛ نظرا إلى اندراجه في من أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، و على هذا جرى العلّامة في الخلاصة؛ حيث قال: «إنّ طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح و إن كان في طريقه أبان بن عثمان، مستندا إلى إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه» «3».

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 492.

(2). الحجرات (49): 6.

(3). مشرق الشمسين، ص 270.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 373‌

أقول: هذا و إن كان حقّا إلّا أنّه ينافي ما حكي عن ولده فخر المحقّقين، و قد سبق، هذا.

و أمّا إسحاق بن عمّار الواقع في الطريق فالمراد به ابن حيّان الكوفي الصيرفي الموثّق الإماميّ الراوي عن أبي عبد الله عليه السلام، لا ابن موسى الساباطي الفطحي الغير [كذا] الراوي و إن احتمل في أوّل النظر الاتّحاد، كما وقع للعلّامة في الخلاصة «1» و لابن داود في كتابه «2».

و أمّا داود بن كثير الرقّي فمختلف فيه، وثّقه بعضهم «3»، و ضعّفه آخرون «4».

و قال العلّامة في الخلاصة: «و الأقوى عندي قبول روايته؛ لقول الشيخ الطوسي و الكشّي أيضا» «5».

و فيه: أنّ الجرح مقدّم على التعديل، فكيف إذا كان الجارح جماعة من الفضلاء، على أنّ زكريّا بن يحيى الكندي الرقّي الراوي عن داود هذا مجهول، فالسند بين ضعيف و مجهول.

فصل: [اضطراب كلام الأصحاب في المسألة]

كلامهم في هذه المسألة مشوّش جدّا؛ فإنّ الظاهر من كلام شيخ الطائفة في التهذيب أنّ الوارد من الأخبار الدالّة على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال منحصر في روايتي حمّاد بن عثمان و عبد الله بن بكير، و هما- لكونهما غير معلومين، أي غير صحيحتين- لا تنهضان حجّة في معارضة الأخبار المتواترة.

و قريب منه كلام الفاضل التستري في الدلالة على انحصار الدليل في الخبرين المذكورين، كما سيأتي، و لهما شركاء في ذلك من المتأخّرين.

و المنقول عن المرتضى- و هو لا يقول بحجّيّة خبر الواحد، معلّلا بأنّه لا يفيد علما‌

______________________________
(1). خلاصة الأقوال، ص 200، الرقم 1.

(2). رجال ابن داود، ص 52، الرقم 161.

(3). كالشيخ الطوسي في رجال الطوسي، ص 336، الرقم 5003.

(4). كالنجاشي في رجال النجاشي، ص 157، الرقم 410.

(5). خلاصة الأقوال، ص 68.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 374‌

و لا عملا «1»- أنّه قال في بعض مسائله: «إذا رئي الهلال قبل الزوال، فهو للّيلة الماضية» «2» و هذا يفيد أنّ الأخبار الواردة بهذا المضمون متواترة عنده، و هما متناقضان.

و الشهيد في الدروس جعل دليله على مذهبه هذا رواية حمّاد، و قال: و هي حسنة، لكنّها معارضة «3».

و هذا منه غريب؛ إذ المشهور أنّه لا يعمل بخبر الواحد و إن كان صحيحا، فكيف يعمل في مثل هذه المسألة بحسنة حمّاد؟ مع معارضتها بالأصل و الاستصحاب و روايات متواترة على ظنّ الشيخ.

فإن قلت: لعلّ مضمون هذه الحسنة كان متواترا عند السيّد في زمانه، أو محفوفا بقرائن تفيد علما به أو ظنّا متاخما له، و عليه ينزّل ما ادّعاه هو و من تبعه من تواتر الأخبار الدالّة على النصّ و غيره؛ إذ لا شبهة في أنّ كلّا منها آحاد، إلّا أنّ القدر المشترك بينها كان متواترا عندهم في زمانهم. و هذا عذر واضح في العمل بها.

قلت: هذا غاية ما يمكن أن يقال من جانبهم، و إن كان لا يجدينا نفعا؛ لعدم تحقّق مثل هذا العذر لنا، و لما تبيّن من كثرة وقوع الخطإ في الاجتهاد، و أنّ مبنى الأمر على الظنّ لا على القطع، فالموافقة لهم على ما قالوه تقليد لا يسوغ.

و لا يبعد أن يكون إلى هذا أشار العلّامة في المختلف بقوله: «ادّعى السيّد» «4». يعني أنّ اجتهاده هذا في تحصيل الظنّ بتواتره و إن كان حجّة عليه إلّا أنّه لا يجدينا نفعا.

فتأمّل.

و يظهر من بعضهم أنّ حجّته عليه الإجماع؛ حيث قال:

ادّعى السيّد أنّ عليّا عليه السلام و ابن مسعود و ابن عمر و أنس قالوا به، و لا مخالف لهم «5».

و هذا عجيب؛ إذا المشهور أنّ معظم الأصحاب قالوا بعدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال،

______________________________
(1). راجع الردّ على أصحاب العدد للسيّد المرتضى، الّتي تقدّمت في هذا القسم برقم 2.

(2). المسائل الناصريات، ص 291، المسألة 126.

(3). الدروس الشرعية، ج 1، ص 284.

(4). مختلف الشيعة، ج 3، ص 359، المسألة 89.

(5). مختلف الشيعة، ج 3، ص 359، المسألة 89.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 375‌

و استدلّوا عليه بالأصل و الاستصحاب، و الخبرين المؤيّدين بظاهر الأخبار المتضمّنة لانحصار الطريق في الرؤية، أو مضيّ الثلاثين.

إلّا أن يقول: مراده أنّه لا مخالف لهم من الصحابة، فيكون دليله عليه الإجماع لا الأخبار المتواترة.

و هذا مع عدم ثبوته ليس بدليل يعارض ما سبق، فتأمّل.

و لو كان مراده أنّ هذا خبر مرويّ عن عليّ عليه السلام متواتر، فحينئذ لا وجه لضمّ قول غيره إليه، و لا لدعوى عدم المخالف لهم في ذلك. و كيف يمكن القول بتواتره و لا عين له في كتب الأصحاب أصولا و فروعا، و لا قال به أحد ممّن سبقه، و لا أحد ممّن لحقه، و لا أحد ممّن عاصره، و لذلك اشتهر بينهم خلافه، حتّى قال في المنتهى: «لا نعرف قائله». و نسبه إلى الشذوذ «1»!؟ و لعلّه لذلك قال في المختلف: «ادّعى السيّد» «2»؛ تمريضا له، و إيماء لطيفا إلى أنّه محض ادّعاء لا دليل عليه.

هذا، مع قلّة الأخبار المتواترة في طريقنا في فروع الشرائع، حتّى قال ابو الصلاح:

من سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه طلبه «3»، و على تقدير تسليم حصول ظنّه بذلك لا يجدينا نفعا؛ لما سبق. فالموافقة له على ادّعائه هذا- كما فعل بعضهم «4»؛ ظنّا منه أنّ ادّعاءه هذا يدلّ على ثبوت ذلك عنده بالقطع، حيث لا يعمل بأخبار الآحاد و الظنون- تقليد لا يسوغ. و هذه عبارته بعد اختياره قول من قال باعتبار رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال:

و يدلّ عليه أيضا ادّعاء السيّد أنّ هذا قول عليّ عليه السلام، فإنّه يدلّ على ثبوت ذلك عند السيّد بالقطع؛ حيث لا يعمل بأخبار الآحاد و الظنون «5». انتهى كلامه.

و فيه ما عرفته.

______________________________
(1). منتهى المطلب، ج 2، ص 592، الطبعة الحجرية.

(2). مختلف الشيعة، ج 3، ص 359، المسألة 89.

(3). مقدّمة ابن صلاح، ص 393.

(4). «المراد به صاحب الذخيرة قدّس سرّه» (منه رحمه اللّه).

(5). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 376‌

فصل: [ما يستفاد من روايتي ابني عثمان و بكير]

قال الشيخ في التهذيب بعد نقل روايتي حمّاد بن عثمان و عبد الله بن بكير السابقتين:

هذان الخبران ممّا لا يصحّ الاعتراض بهما على ظاهر القرآن و الأخبار المتواترة؛ لأنّهما غير معلومين «1»، و ما يكون هذا حكمه لا يجب المصير إليه، مع أنّهما لو صحّتا لجاز أن يكون المراد بهما إذا شهد برؤيته قبل الزوال شاهدان من خارج البلد، يجب الحكم عليه بأنّ ذلك اليوم من شوّال.

و ليس لأحد أن يقول: إنّ هذا لو كان مرادا لما كان لرؤيته قبل الزوال فائدة؛ لأنّه متى شهد الشاهدان وجب العمل بقولهما؛ لأنّ ذلك إنّما يجب إذا كانت في البلد علّة و لم يروا الهلال.

و المراد بهذين الخبرين أن لا تكون في البلد علّة لكن أخطئوا رؤية الهلال ثمّ رأوه من الغد قبل الزوال، و اقترن إلى رؤيتهم شهادة الشهود، وجب العمل به [كذا، و لعلّ الصواب:

«فوجب» بدل «وجب»] «2». انتهى كلامه، رفع مقامه.

و أورد عليه الفاضل التستري في حاشيته على هذا الموضع بقوله:

ربما يقال: ليس في ظاهر القرآن و الأخبار دلالة على عدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، و جعله علامة للّيلة الماضية، كما نبّه عليه من عاصره (قدّس سرّه الشريف) «3».

أقول: ظاهر مكاتبة محمّد بن عيسى مطلقا، و خاصّة على نسخة الاستبصار، و أخبار الرؤية و غيرهما تدلّ على عدم الاعتبار، و لا يخفى على ذوي الأبصار، و لذلك حكم الأصحاب بأنّ حسنة حمّاد تدلّ على مذهب السيّد و لكنّها معارضة، فتأمّل؛ فإنّه دقيق حتّى خفي على مثل الفاضل المذكور و من عاصره. ثمّ قال:

و إن كان في العمل بمضمون هذين الخبرين و الإفطار في اليوم الذي دخل في صيامه بنيّة‌

______________________________
(1). «أي غير معلومين صدورهما عن المعصوم، كما هو شأن الخبر الصحيح. و المراد أنّهما غير صحيحين؛ بقرينة قوله:

«مع أنّهما لو صحّتا» بتأويل الخبرين إلى الروايتين، تأمّل، تعرف». (منه رحمه اللّه).

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 489.

(3). نقله عنه العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار، ج 6، ص 480.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 377‌

الوجوب لا يخلو من تأمّل و جرأة؛ لمكان الاستصحاب المؤيّد بقوله تعالى: أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «1» و عدم ثبوت حجّيّة خبر الواحد، كما نبّه عليه أيضا المعاصر المتقدّم ذكره الشريف «2».

أقول: في كلامه قدّس سرّه إيماء لطيف إلى عدم دلالة غير هذين الخبرين على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، كما ظنّه صاحب الذخيرة «3»، و جعله جبرا و قهرا دليلا عليه، أو إشارة خفيّة إليه.

و لا يخفى أنّ الاستدلال بمثل هذا على مثل ذلك خارج عن قانون الاستدلال؛ لأنّ مداره من السلف إلى الخلف على الظاهر المتبادر، لا على الاحتمالات البعيدة غير المنساقة إلى الأذهان.

هذا، و اعلم أنّ العاملين بخبر الواحد الصحيح اختلفوا في العمل بالحسن و الموثّق «4»، فمنهم من عمل بهما، و منهم من ردّهما و هم الأكثرون؛ حيث اشترطوا في قبول الرواية الإيمان و العدالة، كما قطع به العلّامة في كتبه الأصوليّة «5» و غيره «6».

و على هذا، فهذان الخبران غير معمول بهما عند الأكثرين و إن سلّمنا كون سند الثاني موثّقا، بل نقول: إنّ العمل بخبر الواحد العدل في مثل ذلك لا يخلو من إشكال، إلّا أن تكون هناك قرائن تفيد العلم أو الظنّ بصدق الخبر.

و لذلك قال المحقّق في المعتبر:

الوجه الذي لأجله عمل برواية الثقة قبول الأصحاب و انضمام القرائن؛ لأنّه لو لا ذلك لمنع العقل من العمل بخبر الثقة؛ إذ لا قطع بقوله «7».

______________________________
(1). البقرة (2): 187.

(2). نقله عنه العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار، ج 6، ص 480.

(3). ذخيرة المعاد، ص 533.

(4). «في الدراية الشهيديّة [- الرعاية، ص 73]: اختلفوا في العمل بالحسن، فمنهم من عمل به مطلقا كالصحيح، و منهم من ردّه مطلقا و هم الأكثرون، و فصّل آخرون فقبلوا الحسن إذا كان العمل بمضمونه مشتهرا.

و كذا اختلفوا في العمل بالموثّق نحو اختلافهم في الحسن، فقبله قوم مطلقا، و ردّه آخرون، و فصّل ثالث» (منه رحمه اللّه).

(5). مبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص 206.

(6). كصاحب المعالم، انظر معالم الأصول، ص 200- 201.

(7). المعتبر، ج 1، ص 29- 30، مقدّمة الكتاب.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 378‌

أقول: و هذا المعنى غير موجود هنا؛ لأنّ معظم الأصحاب- كما عرفته- لم يعملوا بالحسن و الموثّق، و خاصّة بهذا الحسن و الموثّق.

و لذلك قال صاحب المدارك- بعد نقل قول المصنّف قدّس سرّهما: «و لا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال»-: «هذا قول معظم الأصحاب» «1».

و عجبى أنّه كيف تردّد في ذلك تبعا للمصنّف في النافع «2» و المعتبر «3» بمجرّد تينك الروايتين!؟ و القرائن هنا تفيد العلم بخلاف مضمونهما، كالأصل و عدم الخروج عن اليقين، و تلك الأخبار الدالّة على انحصار الطريق في الرؤية أو مضيّ الثلاثين، و الشهرة بين الأصحاب، حتى قال في المنتهى: «و هو مذهب أكثر علمائنا إلّا ما شذّ منهم لا نعرفه» «4».

فبالحقيقة لا قائل بمضمونهما من الأصحاب إلّا السيّد.

فقول صاحب الذخيرة:

و العجب أنّ صاحب المدارك تردّد في المسألة بعد ترجيح القول الأوّل- و هو القول بعدم اعتبار رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال- زعما منه التعارض بين الخبرين، و بين الأخبار الثلاثة المذكورة «5».

عجب؛ إذ التعارض بينهما و بينها، بل التعارض بينهما و بين الأخبار الدالّة على انحصار الطريق في الرؤية و مضيّ الثلاثين واضح لا ينبغي لعاقل أن يتشكّك فيه، إلّا أنّهما لا يصلحان للتعارض، كما أشار إليه العلّامة، و قد سبق نقله عنه بقوله في مقام ردّ الخبر الثاني:

فإنّ في طريقه ابن فضّال، و هو ضعيف، و مع ذلك لا يصلحان لمعارضة الأحاديث الكثيرة الدالّة على انحصار الطريق في الرؤية و مضيّ الثلاثين لا غير «6». انتهى كلامه.

أقول: و كيف يصلحان لمعارضتها مع ما عرفته، و مضمونهما لا يخلو من غرابة؛ فإنّ من الغريب و أزيد منه أن يستهلّ جمّ غفير و جمع كثير مائة ألف أو يزيدون و لم يروا الهلال من‌

______________________________
(1). مدارك الأحكام، ج 6، ص 179.

(2). المختصر النافع، ص 69.

(3). المعتبر، ج 2، ص 689.

(4). منتهى المطلب، ج 2، ص 592، الطبعة الحجرية.

(5). ذخيرة المعاد، ص 533.

(6). منتهى المطلب، ج 2، ص 592، الطبعة الحجرية.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 379‌

غير علّة، فإذا غدوا و رأوه قبل الزوال لزمهم أن يقولوا: هذا للّيلة الماضية، و هم قد تيقّنوا في تلك الليلة بعدمه، ثمّ أصبحوا صائمين جازمين بوجوب صوم ذلك اليوم، فيلزمهم القول بوجود ما جزموا بعدمه في ذلك الوقت.

و هذا سوفسطائي من القول لا يعتمد عليه، بل و لا يلتفت إليه؛ لأنّه يستلزم أن يكون بحضرة جماعة كثيرين جمّ غفير و لا يروه مع تحقّق جميع شرائط الرؤية، و كيف يصحّ القول بأنّ هؤلاء الجماعة مع كثرتهم أخطئوا رؤية الهلال مع عدم المانع!؟ و هذا ممّا يرتفع منه الأمان، و لا يقبله عقل الإنسان.

فمع قطع النظر و الإغماض عن ظاهر القرآن و الأخبار و الاستصحاب و عدم ثبوت حجّيّة الخبر الواحد لا يصحّ العمل بمضمون هذين الخبرين؛ لاستلزامه القول بوجود ما حكم الحسن بخلافه، و هو حسّي.

لا يقال: عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود، فلعلّه كان هناك هلال و لم يروه.

لأنّا نقول: قد علم جوابه، و هو أنّه سوفسطائي من القول؛ لاستلزامه أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة و رياض رائعة و لا نراها.

فإن قلت: لعلّ هذا مخصوص بما إذا كان هناك مانع من رؤيته و إن كان لفظ الحديث أعمّ.

قلت: كلامنا فيما إذا لم يكن هناك مانع من رؤيته، و لم ير مع استهلال هؤلاء الرجال و جدّهم و جهدهم في طلبه، فإذا غدوا و رأوه قبل الزوال، فإنّ ذلك قد يتّفق في الصورة المذكورة، فهل يلزمهم أن يقولوا: هذا للّيلة الماضية و ذلك اليوم من شوّال، أم لا؟ فالأوّل يلزمه ما سبق، و الثاني نقض لهذه القاعدة، فتأمّل؛ فإنّ المذكور في مكاتبة محمّد بن عيسى أنّ الشهر الماضي إن كان ثلاثين يوما رئي هلال الشهر المستقبل قبل الزوال في اليوم الثلاثين.

فهذا صريح في أنّ رؤيته قبل الزوال لا تدلّ على كونه للّيلة الماضية، بل تدلّ على أنّه للّيلة المستقبلة، و هذا معنى قولهم: إنّ حسنة حمّاد تدلّ على مذهب السيّد لكنّها معارضة، فإذا تعارضا و تساقطا بقيت سائر الأدلّة سالمة عن المعارض، و به يثبت المطلوب، فتأمّل.

فإن قلت: لا منافاة بين عدم رؤية الهلال بعد الاستهلال في ليلة الثلاثين، و بين كونه للّيلة‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 380‌

الماضية، و هي ليلة الثلاثين إذا رئي قبل الزوال في يوم الثلاثين؛ لأنّ هذا إنّما هو بحسب اعتبار الشرع، فما اعتبره فهو المعتبر، و ما جعله علامة فهو علامة و إن لم يطابق الواقع.

قلت: إنّه لا يقول بما هو خلاف الواقع، فكيف يجعل ما ليس بموجود في الواقع موجودا فيه، و يترتّب عليه الأحكام، و يحكم بتحريم إتمام ذلك الصيام.

ثمّ إنّ مضمون هذين الخبرين مع وجود معارض أقوى لا يفيد إلّا شكّا لو سلّم ذلك لهم في كون هذا اليوم الذي رئي فيه الهلال قبل الزوال عيدا لا علما و لا ظنّا.

و إنّما يجب إفطار ما يعلم أو يظنّ أنّه عيد، لا ما يشكّ في أنّه هو، كيف! و الأغلب في الشهر أن يكون تماما، كما تشهد به التجربة.

على أنّ الأصل بقاء الشهر الداخل و عدم حدوث الشهر المستقبل؛ إذ الأصل في الحوادث العدم إلى أن يثبت خلافه، و لم يثبت بذلك.

ثمّ أنت قبل رؤيتك الهلال قبل الزوال كنت على يقين من كون هذا اليوم من الشهر، و قد سبق أنّ غاية ما يفيده هذان الخبران مع وجود المعارض هو الشكّ في كون هذا اليوم يوم عيد، و قد ورد في أخبار مستفيضة أنّ اليقين لا يرفع بالشكّ «1»، فخذ الحائط لدينك؛ لتكون في الصوم على يقينك. و الله الموفّق و المعين.

فصل: [تحقيق حول كلام الشيخ في المسألة]

أراد الشيخ بقوله: «و الأخبار المتواترة» «2» الأخبار المتضمّنة لانحصار الطريق في الرؤية و مضيّ الثلاثين، فإنّ من البيّن أنّ المراد بقوله عليه السلام: «صم للرؤية» «3» هو الرؤية الحاصلة في ليلة الثلاثين من شعبان، لا في يوم الثلاثين منه قبل الزوال؛ لأنّ تلك لا تسمّى بالرؤية في العرف، فإنّ من استهلّ منهم في تلك الليلة و لم ير الهلال، ثمّ أصبح مفطرا، فإذا قيل له: لم لم تصم ذلك‌

______________________________
(1). راجع وسائل الشيعة، ج 8، ص 216- 217، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10 و ج 1، ص 246- 247، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1.

(2). الخلاف، ج 2، ص 169، المسألة 8.

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 159، ح 445.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 381‌

اليوم؟ يقول: لأنّي كنت مأمورا بالرؤية و لم أر الهلال؛ و لذلك لم أصم. و كان جوابه هذا موجّها، و لا يرد عليه شي‌ء.

و عليه فقس قوله عليه السلام: «و أفطر للرؤية» فإنّ المراد به هو الرؤية الحاصلة في ليلة الثلاثين من شهر رمضان، لا في يوم الثلاثين منه قبل الزوال؛ لأنّ من استهلّ منهم في تلك الليلة و لم ير الهلال، ثمّ أصبح صائما، فإذا قيل له: لم لم تفطر؟ يقول: لأنّي لم أر الهلال، و لم يمض عليّ الثلاثون. و كان جوابه هذا صوابا.

فإذا أتمّ صوم ذلك اليوم إلى الليل- إلحاقا لذلك الشهر بالأغلب من كونه تماما؛ و لمكان الاستصحاب المؤيّد بقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «1»، و الأصل و عدم الخروج عن اليقين، و ظاهر هذه الأخبار، و قول معظم الأصحاب- لا يلزمه شي‌ء.

و يشيّد ما قلناه أنّ عادتهم إنّما جرت بالاستهلال في ليلة الثلاثين من شعبان و شهر رمضان، لا في يومي الثلاثين منهما؛ و لذلك حكم العلّامة باستحباب الرؤية في ليلتي الثلاثين منهما على الأعيان، و بوجوبه على الكفاية «2».

و استدلّ على الوجوب بأنّ الصوم واجب في أوّل شهر رمضان، و كذا الإفطار في العيد، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

فالقول بأنّ قوله: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» «3» شامل لما قبل الزوال خلاف الظاهر المتبادر من العرف العامّ، فلا يصار إليه، و لا يحمل الحديث عليه، فكيف يستدلّ به عليه! كما أشار إليه صاحب الذخيرة قدّس سرّه، حيث قال:

و استدلّ على القول باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال بقوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر». و في معناه أخبار كثيرة تكاد تبلغ حدّ التواتر، و هذا أيضا يصلح للتأييد «4». انتهى.

و ممّا قرّرناه ظهر أنّ ما أفاده الفاضل التستري- بقوله: «ليس في ظاهر القرآن و الأخبار‌

______________________________
(1). البقرة (2): 187.

(2). تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 120، المسألة 74.

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 155- 156، ح 430.

(4). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 382‌

دلالة على اعتبار الرؤية قبل الزوال، و جعله علامة للّيلة الماضية» «1»- محلّ تأمّل.

و مثله قول صاحب الوافي:

و ليس في القرآن و الأخبار المتواترة إلّا أنّ الاعتبار في تحقّق دخول الشهر إنّما هو بالرؤية أو مضيّ ثلاثين، و أمّا أنّ الرؤية المعتبرة فيه متى تتحقّق؟ و كيف تتحقّق؟ فإنّما تتبيّن بمثل هذه الأخبار ليس إلّا «2».

أقول: قد مرّ مرارا من أوائل الرسالة إلى هنا أنّ الرؤية المعتبرة في دخول الشهر هي الرؤية المتعارفة، و إنّما تكون بالليل، فلا تشمل أخبار الرؤية لرؤية النهار، و لذلك لا يدخل فيها رؤيته بعد الزوال.

بل نقول: أكثر الناس في أكثر البلاد لا يفهمون من رؤية الهلال إلّا المتعارفة التي تكون بالليل، إلّا من وقع منهم في بلدة قرعت فيها سمعه أمثال هذه الأخبار و الأقوال، و مع ذلك فالمفهوم من قول المعصوم: «الصوم للرؤية» إنّما هو هذه الرؤية المتعارفة المخصوصة ليس إلّا.

فصل: [تحقيق حول رواية محمّد بن قيس]

رواية محمّد بن قيس المتقدّمة صحيحة و إن طعن في سندها العلّامة «3» باشتراك محمّد هذا بين جماعة منهم الضعيف، إلّا أنّ رواية يوسف بن عقيل عنه قرينة واضحة على كون المراد به البجليّ الثقة، و هي تدلّ على عدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، و لذلك استدلّ بها عليه صاحب المعتبر «4»، و المدارك «5»، و غيرهما.

بيان ذلك: أنّ وسط الشي‌ء- محرّكة- ما بين طرفيه، كما في القاموس «6». فوسط النهار ما‌

______________________________
(1). نقله عنه العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار، ج 6، ص 480.

(2). الوافي، ج 11، ص 150.

(3). منتهى المطلب، ج 2، ص 592، الطبعة الحجرية.

(4). المعتبر، ج 2، ص 689.

(5). مدارك الأحكام، ج 6، ص 179.

(6). القاموس المحيط، ص 893، «و س ط».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 383‌

بين أوّله و آخره الحقيقيّتين؛ لأنّ طرف كلّ شي‌ء منتهاه، كما في القاموس «1» أيضا. و على هذا، فأوّل النهار و آخره غير منقسمين، و وسطه مستوعب لجميع أجزاء النهار، هذا معناه في اللغة.

فأمّا في العرف، فأوّله كوسطه في المقدار، كما أنّ وسطه كآخره في ذلك، حتّى إذا كان النهار اثنتي عشرة ساعة مثلا، انقسم أثلاثا، فأوّله أربع ساعات من طلوع الفجر «2»، و وسطه مثله بعدها، و كذلك الآخر؛ و لذلك يقال: جاءني زيد أوّل النهار، أو آخره، أو وسطه.

و الظاهر أنّ هذا هو المراد بالوسط و طرفيه في الحديث؛ لأنّ من المقرّر عندهم أنّ اللفظ الصادر عنهم عليهم السلام إن كانت له حقيقة شرعيّة حمل عليها، و إلّا فحمل على الحقيقة العرفيّة إن كانت له في العرف حقيقة، و إلّا فحمل على الحقيقة اللغويّة، فالعرف مقدّم على اللغة؛ لأنّ مدار أكثر الإفادة و الاستفادة عليه.

و منه قول الباقر عليه السلام في حديث «3» صحيح فسّر فيه الصلاة الوسطى بصلاة الظهر، و هي أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلّى اللّه عليه و آله، و هي وسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة و صلاة العصر، فأطلق الوسط على زمان بين صلاة الغداة و صلاة العصر، فشمل ما قبل الزوال إلى صلاة الغداة و ما بعده إلى صلاة العصر، و هو قريب من إطلاقه العرفي.

و ممّا قرّرناه ظهر أنّ حمل لفظة «الوسط» في الحديث على المعنى الأوّل- كما حمله عليه صاحب الذخيرة؛ حيث قال: «و لفظة الوسط يحتمل أن يكون المراد منها ما بين الحدّين» «4» بعيد، و أبعد منه أن يكون المراد منها منتصف ما بين الحدّين و هو الزوال، كما ظنّه أيضا. و هذا لفظه:

و يدلّ على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال قول الصادق عليه السلام في صحيحة محمّد بن قيس، السابقة: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل».

وجه الدلالة: أنّ لفظة «الوسط» يحتمل أن يكون المراد منها بين الحدّين، و يحتمل أن‌

______________________________
(1). القاموس المحيط، ص 1074، «ط ر ف».

(2). «إشارة إلى أنّ المراد بالنهار هو الشرعي لا النجومي». (منه رحمه اللّه).

(3). معاني الأخبار، ص 332، ح 5.

(4). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 384‌

يكون المراد منها منتصف ما بين الحدّين، أعني الزوال، لكنّ قوله: «أو آخره» شاهد على الثاني، فيكون الخبر بمفهومه دالّا على قول السيّد «1». انتهى.

و ذلك لأنّ هذا من متعارفات أهل النجوم، فكيف يصحّ حمل الخبر عليه، و جعله بمفهومه دالّا على مذهب السيّد!؟ على أنّ قوله عليه السلام: «أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» قرينة واضحة على أنّ المراد بوسط النهار ليس ما هو متوسّط بين طرفيه، و لا ما هو منتصف ما بين الطرفين؛ إذ لا مقدار له يعتدّ به، و المفهوم من وسط النهار المقابل لآخره زمان ممتدّ متّصل بذلك الطرف الآخر، و على ما حمله عليه يكون المراد بوسط النهار خطّ الزوال، و بآخره ما بعد خطّ الزوال إلى وقت الغروب، و لا يخفى بعده.

على أنّ خطّ الزوال- و هو خطّ نصف النهار الذي عبّر عنه بمنتصف ما بين الحدّين- لا يعرف حقيقة إلّا بالدائرة الهنديّة، فكيف يكون عليه مدار العمل و يكلّف به عامّة الناس، و يقال لهم: إذا رأيتم الهلال وسط النهار- و هو خطّ الزوال- فأتمّوا الصيام إلى الليل، و إن رأيتموه قبله- و لو بآن أو دقيقة من الزمان- فأفطروا، و هم لا يقدرون على أن يخرجوا من عهدة هذا التكليف بأوسع من هذا، و خاصّة إذا كانوا في بلد لم يكن فيه من يرسم لهم الدائرة الهنديّة، و يعلّمهم كيفيّة معرفة خطّ الزوال و منتصف ما بين الحدّين!؟

و من المعلوم أن ليس المراد بالوسط هنا ما بينهما المستوعب لأجزاء الزمان الواقع بينهما؛ إذ لم يبق حينئذ لقوله: «أو آخره» معنى يصحّ أن يجعل ظرفا لإتمام الصيام إلى الليل، على أنّ الوسط بهذا المعنى يستلزم المطلوب؛ لأنّه إذا وجب على من رآه قبل الزوال أن يتمّ صومه إلى الليل، فحينئذ لا محلّ للنزاع أصلا، فتأمّل ليظهر لك أنّ المراد بالوسط غير ما ذكره من المعنيين، و ليس إلّا ما تعارفه الناس.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ الحكم المذكور في الخبرين- اللذين صارا باعثين لتأويله هذه الأخبار- مرتّب على رؤيته قبل الزوال و بعده، و هو قدّس سرّه رتّبه على رؤيته في نفس الزوال، و ذهب عليه أنّه يخالف ما دلّا عليه.

و الظاهر أنّ الوجه فيه ما أشرنا إليه من أنّ ترتّب الحكم على رؤيته وسط النهار- المراد‌

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 385‌

منه منتصف ما بين الحدّين- ممّا لا يصحّ تكليف عامّة الناس به؛ لتعذّره أو تعسّره.

و لعلّه لذلك قال صاحب الوافي في موثّقة ابن عمّار:

قوله عليه السلام: «و إذا رأيته وسط النهار» يعنى به قبل الزوال، و في صحيحة ابن قيس «إلّا من وسط النهار أو آخره» يعني به بعد الزوال «1».

و لم يحمله في واحد منهما على منتصف ما بين الحدّين. و هذا أيضا و إن كان مجرّد اشتباه منه إلّا أنّه ليس بهذا البعد، و ستأتي بقيّة الكلام من بعد هذا المقام بعون الله الملك العلّام.

فإن قلت: يفهم من وجوب إتمام الصيام إلى الليل إذا رئي الهلال من وسط النهار وجوب إتمامه إليه إذا رئي من آخر النهار، فأيّ حاجة إلى ذكره؟

قلت: في كون المفهوم حجّة خلاف، فلعلّه عليه السلام لم يعتبره، و لذلك لم يكتف بالأوّل، أو هو من باب التصريح بما علم ضمنا، فالقول بأنّ هذا الخبر دلّ بمنطوقه على وجوب الإتمام عند رؤية الهلال بعد الزوال، و بمفهومه على وجوب الإفطار عند رؤيته قبل الزوال محلّ نظر، و خاصّة إذا كان القائل إنّما أراد به الاستدلال على إثبات هذا المطلب؛ إذ لو كان المفهوم معتبرا عنده، لاكتفى بقوله: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار فأتمّوا الصيام إلى الليل» «2» و لم يذكر قوله: «أو آخره»؛ لأنّ ذكر الوسط على هذا كما دلّ على وجوب الإفطار قبل الزوال دلّ على وجوب الإتمام بعده، فعدم الاكتفاء به عن الثاني حتّى صرّح بقوله: «أو آخره» و الاكتفاء به عن الأوّل تعسّف، و هذا لو سلّم له أنّ المراد بوسط النهار منتصف ما بين الحدّين.

و قد عرفت أنّه خلاف الظاهر «3»، فلا يصار إليه إلّا بدليل.

و لعلّه عليه السلام إنّما لم يذكر الثلث الأوّل من النهار؛ لأنّ الهلال في ذلك الثلث بعيد عن الناظر فلا يرى؛ لأنّ بعد المرأى- و خاصّة إذا كان صغيرا- مانع من الرؤية؛ أو لأنّه في ذلك الثلث لم يبعد بعد بحركته الخاصّة عن النيّر الأعظم بقدر يمكن أن يرى؛ أو لأنّه في ذلك الثلث لمّا‌

______________________________
(1). الوافي، ج 11، ص 121- 122.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177- 178، ح 491.

(3). «إذ الكواكب إذا كانت قرينة من الأفق بعدت عنّا و هي على سمت الرأس بأزيد من نصف قطر الأرض، كما لا يخفى على من له أدنى تخيّل». (منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 386‌

كان قريبا من الأفق، كان البخار و الدخان و الغبار و نحوها مانعا من رؤيته «1».

فوضح أنّ تردّد «2» المحقّق في النافع و المعتبر «3»- حيث قال بعد نقل روايتي حمّاد «4» و ابن بكير «5»: «فقوّة هاتين الروايتين أوجبت التردّد بين العمل بهما و بين العمل برواية العدلين؛ لأنّها تدلّ على خلاف ما تدلّ عليه الروايتان»- في محلّه؛ بناء على عمله بالحسن و الموثّق، لو سلّم له كون الثانية موثّقة، و أنّ رواية ابن قيس كالصريحة بعدم اعتبار الرؤية قبل الزوال، و إلّا لما وجب عليهم إتمام الصيام إلى الليل و كان حراما؛ لأنّ ذلك اليوم على فرض اعتبار الرؤية قبل الزوال لمّا كان من شوّال كان يوم عيد، فكان الصوم فيه حراما و الفطر فيه واجبا.

و مثلها موثّقة إسحاق بن عمّار «6».

فقول الفاضل التستري- في الحاشية المعلّقة على قوله: «يعني بقوله عليه السلام: أتمّ صومه إلى الليل «7» على أنّه من شعبان دون أن ينوي أنّه من رمضان»: «الظاهر «8» أنّ هذا من كلام الراوي؛ حيث ذكر هذه الأحاديث أوّلا، ثمّ ذكر ما يدلّ على اعتبار الرؤية قبل الزوال في الجميع»- محلّ تأمّل؛ إذ لو كانت الرؤية قبل الزوال معتبرة، لكان ذلك الهلال للّيلة الماضية و كان ذلك اليوم من شهر رمضان، فكان الواجب عليه أن ينوي أنّه من رمضان لا أنّه من شعبان.

فهذا الكلام من الراوي يدلّ على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال، لا على اعتبارها، كما ظنّه، و إلّا لما وجب عليه إتمام الصيام إلى الليل على أنّه من شعبان، بل على أنّه من رمضان، و كأنّه حمل «وسط النهار» على ما حمله عليه صاحب الذخيرة، بل الظاهر أنّه أخذه منه؛

______________________________
(1). «لأنّ تلك الأجزاء البخارية و الدخانية و الغبارية إن كانت كثيفة تحجبه عن الأبصار، إن كانت لطيفة تقبل الضوء أكثر من قبوله، فإذا انفعل الحسّ من ضوء أقوى يمنعه من الإحساس به». (منه رحمه اللّه).

(2). «فيه تعريض على صاحب الذخيرة قدّس سرّه؛ حيث قال فيها: و تردّد فيه المحقّق في النافع، و في المعتبر استدلّ به، حيث قال بعد نقل الروايتين الآتيتين: فقوّة هاتين الروايتين أوجبت التردّد بين العمل بهما و بين العمل برواية العدلين، ظنّا منه أنّ رواية العدلين تدلّ على خلاف ما تدلّ عليه الروايتين، و ليس بشي‌ء، انتهى». (منه رحمه اللّه).

(3). المختصر النافع، ص 69؛ المعتبر، ج 2، ص 689.

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 488.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 489.

(6). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493.

(7). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493.

(8). «هذا مقول قوله». (منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 387‌

لأنّه متأخّر منه زمانا. و قد عرفت ما في هذا الحمل، فتأمّل.

ثمّ أقول: قوله عليه السلام: «لا تصمه» «1». أي: لا تصم يوم الثلاثين- المفهوم بحسب المقام- إلّا أن ترى الهلال في ليلته، فإن لم تره فيها و لم تصمه لذلك فإن شهد أهل بلد آخر قريب من بلدك أنّهم رأوه فيها، فاقض ذلك اليوم لذلك وجوبا، و إذا رأيت الهلال في وسط نهار تلك الليلة، فإن كنت صائما فيه، فأتمّ صومه إلى الليل، و إن لم تكن صائما، فلا شي‌ء عليك.

هذا غاية ما يستفاد من هذا الحديث، و لا دلالة فيه على أحد المذهبين، إلّا أن يجعل الأمر فيه للوجوب، و يحمل «الوسط» على ما قبل الزوال، كما فعله بعضهم، و دون ثبوته خرط القتاد.

و قال صاحب الوافي في ذيل بيان موثّقة إسحاق بن عمّار:

قوله عليه السلام: «و إذا رأيته وسط النهار» يعني به قبل الزوال؛ لأنّه إذا رآه بعد الزوال، كان اليوم من الشهر الماضي، كما يدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس و غيرها من الأخبار، و يشهد له الاعتبار، و إنّما عبّر عمّا قبل الزوال بالجزء الأخير؛ لأنّه الفرد الأخفى المستلزم حكمه إثبات الحكم في سائر الأفراد بالطريق الأولى. و معنى إتمام صومه إلى الليل أنّه إن كان لم يفطر بعد، نوى الصوم من شهر رمضان و اعتدّ به، و إن كان قد أفطر، أمسك بقيّة اليوم ثمّ قضاه «2».

أقول: ظاهره يفيد أنّه لم يعتبر بيان الراوي على ما نقله الشيخ في التهذيب و الاستبصار، حيث قال في آخر الموثّقة: يعني بقوله عليه السلام: «أتمّ صومه إلى الليل» على أنّه من شعبان، دون أن ينوي أنّه من رمضان «3».

و ذلك أنّه لمّا زعم أنّه من كلام الشيخ ذكره ليؤوّل به قوله عليه السلام: «و إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل» «4» و أراد مخالفة حمل وسط النهار على ما قبل الزوال، و اعتبر رؤية الهلال قبله، فكان ذلك اليوم عنده من شهر رمضان، فكان صومه واجبا.

و الحقّ أنّه من كلام الراوي، كما فهمه الفاضل التستري، و ذلك أنّ من دأب الشيخ في هذا‌

______________________________
(1). تقدّم آنفا.

(2). الوافي، ج 11، ص 121.

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178؛ الاستبصار، ج 2، ص 73.

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 388‌

الكتاب أنّه كلّما أراد أن يبيّن حديثا، أو يؤوّله، أو يوفّق بينه و بين غيره يصدّر كلامه هذا بقوله: قال محمّد بن الحسن، و هو ظاهر لمن أنس بطريقته رحمه اللّه في هذا الكتاب، و يؤيّده أنّه نقل هذه الزيادة في الاستبصار قبل أن يأخذ في الجمع بين الأخبار.

هذا، و أمّا الراوي فإنّه أيضا حمل «وسط النهار» على ما قبل الزوال، إلّا أنّه لم يعتبر رؤية الهلال قبل الزوال، فكان ذلك اليوم عنده من شعبان، و لذلك صرّح بإتمامه إلى الليل بنيّة أنّه من شعبان، دون أن ينوي أنّه من رمضان، و هو الحقّ الذي لا مرية فيه.

ثمّ قال صاحب الوافي في بيان حديث محمّد بن قيس:

قوله عليه السلام: «إلّا من وسط النهار أو آخره» يعني به بعد الزوال، كما يشعر به إيراد لفظة «من» هاهنا و حذفه من الحديث السابق، فلا منافاة بينهما «1».

أقول: لفظة «من» هنا لا تفيد غير أنّ الرؤية واقعة في بعض أجزاء وسط النهار، و أمّا أنّها تفيد أنّ تلك الرؤية واقعة بعد الزوال، فلا دلالة لها عليها بشي‌ء من الدلالات.

هذا إذا كانت تبعيضيّة، و أمّا إذا كانت ابتدائيّة، فتفيد أنّ إتمام الصيام إلى الليل لازم و إن كانت الرؤية من ابتداء وسط النهار، و إنّما عبّر عمّا قبل الزوال بالجزء الأوّل من وسط النهار؛ لأنّه الفرد الأخفى المستلزم حكمه إثبات الحكم في سائر الأفراد.

و يحتمل أن تكون بمعنى «في»؛ فإنّها في الظروف كثيرا ما تقع بمعناها، نحو: وَ مِنْ بَيْنِنٰا وَ بَيْنِكَ حِجٰابٌ «2». و على هذا، فهذا الحديث موافق للحديث السابق، فإنّ الظاهر أنّ لفظة «الوسط» فيه منصوبة بتقدير «في» أي إذا رأيته في وسط النهار.

فصل: [تحقيق حول كلام صاحب الذخيرة]

خالف صاحب الذخيرة جميع علمائنا في مكاتبة محمّد بن عيسى السابقة و جعلها مؤيّدة لقول السيّد بتأويلات بعيدة ليس شي‌ء منها مراد الكاتب و المكتوب إليه عليه السلام، حيث قال:

وجه التأييد: أنّ المسؤول عنه هلال شهر رمضان لا هلال شوّال، و معنى التعليل أنّ‌

______________________________
(1). الوافي، ج 11، ص 122.

(2). فصّلت (41): 5.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 389‌

الرؤية قبل الزوال إنّما تكون إذا كان الهلال تامّا، و تماميّة الهلال أن يكون بحيث يصلح للرؤية في الليل السابق، أو المراد أنّ شهر رمضان أو الشهر الذي نحن فيه إذا كان تامّا، يعني إذا تمّ و انقضى رئي الهلال الجديد قبل الزوال، و حمل هلال شهر رمضان على شوّال بعيد جدّا، مع تنافره عن أسلوب العبارة أيضا.

على أنّ المذكور في العبارة الإفطار قبل الزوال، و تقييد الإفطار بكونه قبل الزوال لا يستقيم على تقدير الحمل على هلال شوّال، بخلاف هلال رمضان، فإنّ الإفطار بعد الزوال في الصيام المستحبّ ممّا نهي عنه. و لو حمل هلال شهر رمضان على شوّال، و جعل معنى التعليل أنّ الشهر إذا كان تامّا بالغا إلى الثلاثين رئي الهلال قبل الزوال، لم ينطبق على مجاري العادات الأكثريّة و الشواهد النجوميّة، بخلاف ما ذكرنا من معنى التعليل «1».

أقول: قد عرفت أنّ المسؤول عنه على نسخة الاستبصار- و هي الصواب- هلال شوّال، لا هلال رمضان، فلا تأييد فيه، و لا حاجة في توفيقه إلى مثل هذه التكلّفات الركيكة التي ارتكبها.

و لذلك قال صاحب الوافي- بعد تصويب نسخة الاستبصار-:

إنّه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى إلّا بتكلّف.- ثمّ قال:- و الظاهر أنّ ما في نسخة التهذيب من سهو النسّاخ «2».

فظهر أنّ هذه المكاتبة المعتبرة واضحة الدلالة على مذهب المشهور المنصور، و أنّه لا تأييد فيها لقول السيّد.

ثمّ الظاهر أنّ السائل- على نسخة التهذيب- أيضا أراد هلال شوّال، و لكنّه أضافه إلى شهر رمضان باعتبار القرب، و الإضافة ممّا يكفيه أدنى ملابسة، كما في «كوكب الخرقاء».

و عليه فمآل النسختين واحد. و كذا الظاهر أنّه بلغه «3»، أو زعم أنّ رؤية الهلال قبل الزوال دليل كونه للّيلة الماضية، فسأله عليه السلام عن ذلك و استعلم رأيه فيه، فقال: «فترى إذا رأينا‌

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

(2). الوافي، ج 11، ص 148- 149.

(3). «لأنّ بعض العامّة كانوا يعتبرون رؤية الهلال قبل الزوال». (منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 390‌

الهلال قبل الزوال أن نفطر في ذلك اليوم و نجعله عيدا؟» فقيل الزوال ظرف للرؤية لا للإفطار.

فأجاب عليه السلام بوجوب إتمام الصيام إلى الليل، و علّله بأنّ رؤية الهلال قبل الزوال ربما تكون إذا كان الشهر تماما بالغا إلى حدّ الثلاثين، فرؤية الهلال قبل الزوال تستلزم كون الشهر تماما من غير عكس كلّي، فربما يكون تماما و لم ير قبل الزوال. و ليس المراد أنّ الشهر كلّما كان تامّا ... «1» مثل ما قال قدّس سرّه في رواية إسماعيل بن الحرّ، عن الصادق عليه السلام: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» «2» من أنّ المراد بكونه لليلتين أنّه كذلك في الأغلب لا كونه كذلك دائما؛ كما يعتبر في العلامة.

و قال صاحب الوافي:

قوله عليه السلام: «إن كان تامّا رئي قبل الزوال» معناه إن كان الشهر الماضي ثلاثين يوما، رئي هلال الشهر المستقبل قبل الزوال في اليوم الثلاثين «3».

أقول: و لعلّ مراده ما ذكرناه، و إلّا فالكلّيّة خلاف الواقع.

و بالجملة، إذا كان الهلال في ليلة الثلاثين تحت الشعاع و غرب بعيد غروب الشمس، يمكن أن يبعد منها مدّة نصف الدورة أو أكثر منه بقدر يمكن أن يرى قبل الزوال في اليوم الثلاثين، و هذا لا يدلّ على كونه للّيلة الماضية؛ لأنّه في تلك الليلة لم يكن قابلا للرؤية؛ لكونه تحت الشعاع قريبا من الشمس. و لا يخفى أنّ ما ذكرناه يستفاد من كلامه عليه السلام، و لا تنافيه مجاري العادات الأكثرية و الشواهد النجوميّة.

و أمّا ما ذكره قدّس سرّه من معنى التعليل فممّا لا يمكن استفادته منه، و إنّما استفاده هو منه لميله إلى ذلك المذهب و قيامه بصرف الأخبار إليه و حملها عليه، و لو لا ذلك لما فهمه منه؛ لأنّه ممّا لا يفهم منه إلّا بضرب من الرمل؛ و لذلك لم يستفد منه ذلك أحد غيره، بخلاف ما ذكرناه، و لذلك ذهب إليه العلماء الأعلام و الفقهاء العظام، فمخالفتهم و تأويل التعليل بما يجعله كالعليل لا يناسب حال الكرام.

______________________________
(1). هاهنا بياض في المخطوطة.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 494.

(3). الوافي، ج 11، ص 148.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 391‌

مع أنّ ما ذكره ينافيه ما في نسخة الاستبصار، بخلاف ما ذكرناه، فإنّه جامع بين النسختين، فهو أولى بالقبول؛ لأنّ قبول ما في التهذيب و ردّ ما في الاستبصار رأسا ليس بأولى من العكس، بل الأولى بالقبول ما في نسخة الاستبصار؛ لما سبق من أنّه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى إلّا بتكلّف، كما أفاد صاحب الوافي، و بالغ فيه حتى حكم بكون ما فيها من سهو النسّاخ. و الظاهر أنّه قدّس سرّه وقت كتابته هذا الموضع من الشرح كان ذاهلا عمّا فيه، و كان نظره وقتئذ مقصورا على ما في التهذيب، و إلّا لأشعر بما فيه ردّا أو قبولا، و هو ظاهر.

ثمّ إنّه قدّس سرّه ظنّ أنّ الصدوق يقول باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، حيث نقل عنه أنّه قال:

و إذا رئي هلال شوّال بالنهار قبل الزوال، فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال، فذلك اليوم من رمضان. قال: و هذا يؤيّد السابق و إن كان من كلام الصدوق على احتمال «1».

و فيه أنّه ذكر- في باب الصوم للرؤية و الفطر للرؤية «2»- رواية محمّد بن قيس، السابقة، و لم يؤوّلها أصلا، و قد عرفت أنّها تدلّ على المذهب المشهور المنصور، ثمّ نقل بالمعنى في باب «ما يجب على الناس إذا صحّ عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين» ما رواه الشيخ عن ابن بكير «3»، و قد سبق آنفا.

و لا يخفى أنّ بمجرّد ذلك لا يظهر ميله إلى أحد المذهبين إلّا أن يصرّح به، بل لا يبعد أن يقال: إنّ ذكره رواية محمّد هذا في الباب المذكور يشعر بميله إلى المشهور. فتأمّل.

فصل: [الاختلاف في زمان دخول الشهر]

زمان دخول الشهر يختلف باختلاف الاعتبار، فمن اعتبر أنّ اليوم بليلته من غروب الشمس إلى غروبها- كأهل الشرع؛ و كأنّه لأنّ الظلمة أصل و النور طار- فزمان دخوله عنده‌

______________________________
(1). الوافي، ج 11، ص 149.

(2). الوافي، ج 11، ص 121- 122، ح 10526.

(3). الوافي، ج 11، ص 119، ح 10519.

________________________________________
مختارى، رضا و صادقى، محسن، رؤيت هلال، 5 جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1426 ه‍ ق

 

رؤيت هلال؛ ج‌1، ص: 392

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 392‌

من حين غروبها باستتار القرص، أو ذهاب الحمرة المشرقيّة، على اختلاف الروايتين.

و من اعتبر أنّه من طلوعها إلى طلوعها- كالروم و الفرس؛ و لعلّه لأنّ النور وجودي، و الظلمة عدميّة- فزمان دخوله عنده من حين طلوعها.

و من قال: إنّه من زوالها إلى زوالها كالمنجّمين و أهل الحساب- لاختلاف المطالع و المغارب بحسب اختلاف المساكن بالنسبة إلى الآفاق دون أنصاف النهر، فإنّها في جميع المساكن أفق من آفاق خطّ الاستواء، و لا اختلاف فيما بينها- فزمان دخوله عنده من حين زوالها.

فعلى ما عليه أهل الشرع هذا اليوم لهذه الليلة الماضية على عكس ما عليه الروم و الفرس؛ فإنّ هذا اليوم على مذهبهم لهذه الليلة المستقبلة، كما زعمه المغيريّة.

و أمّا على مذهب المنجّمين و أهل الحساب، فصدر النهار- أعني النصف الأوّل منه- لهذه الليلة الماضية، و النصف الآخر منه لهذه الليلة المستقبلة.

و ما رواه الكليني- عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إنّ المغيرية يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة، فقال: «كذبوا، هذا اليوم للّيلة الماضية، إنّ أهل بطن نخلة لمّا رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام» «1». محمول على الاعتبار الأوّل؛ فإنّ أهل بطن نخلة- و هو موضع بين مكّة و طائف- لمّا غربت الشمس و رأوا الهلال، و كانوا قد تبعوا في ذلك الشرع «2»، قالوا: قد دخل الشهر الحرام، فاليوم الذي يأتي بعد هذه الليلة يوم لهذه الليلة الماضية.

و منه يظهر كذب المغيريّة و عدم تأييد هذا الخبر؛ لاعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، كما ظنّه صاحب الذخيرة قدّس سرّه «3». و هو منه غريب؛ فإنّه تأيّد بهذا الخبر و لا تأييد فيه، و لم يتأيّد بخبر داود الرقّي، و فيه تأييد على احتمال.

______________________________
(1). الكافي، ج 8، ص 332، ح 517.

(2). «أي قالوا بخلاف أهل الشرع و إلّا بمجرّد مخالفة اصطلاح و متابعة اصطلاح آخر ليس بكذب بالمعنى المصطلح، و هو مخالفة الخبر الواقع؛ إذ لا مشاحّة في الاصطلاح، إلّا أن يقال: ما اعتبره الشرع فهو الواقع، فخلافه خلاف الواقع، و يلزم منه كذب المنجّمين و أهل الحساب، كما يلزم منه كذب الروم و الفرس، فتأمّل». (منه رحمه اللّه).

(3). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 393‌

قال الفاضل الخوانساري آقا حسين قدّس سرّه- على ما نقل عنه في حاشيته على رواية داود:

«إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير، فهو هنا هلال جديد، رئي أو لم ير»-:

هذا الحديث بظاهره يدلّ على أنّ تحت الشعاع إنّما يكون في ليلة واحدة، و هو خلاف الواقع، فلا بدّ من تأويله.

و الحقّ فيه أنّ مراده عليه السلام أنّه إذا طلب الهلال في المشرق غدوة يوم الثلاثين من شهر رمضان فلم ير، فهو هلال الليلة الواحدة، و الشهر حينئذ ثلاثين يوما أعمّ من أن يرى في مسائه أو لم ير، و أمّا إذا رئي فهو لليلتين، و الشهر حينئذ ناقص عن الثلاثين، كما مرّ حديث في هذا المعنى «1». انتهى.

و قال صاحب الوافي فيه:

يعني إذا طلب الهلال أوّل اليوم في جانب المشرق حيث يكون موضع طلبه فلم ير، فهو هاهنا- أي في جانب المغرب- هلال جديد، و اليوم من الشهر الماضي، سواء رئي في جانب المغرب أو لم ير. و قد مضى خبر محمّد بن قيس و إسحاق بن عمّار في هذا المعنى أيضا «2». انتهى.

أقول: و قد مضى ما فيه أيضا، هذا إذا كان المراد بالهلال المذكور في الحديث غرّة القمر.

و يحتمل أن يكون المراد به ما يرى قبل المحاقّ و الدخول تحت الشعاع في اليوم السابع و العشرين، بل هذا هو الأظهر، كما يشعر به تقييد الهلال في الثاني بالجديد و تركه في الأوّل، فإنّ لنا في كلّ شهر هلالين: مسائي و هو في المغرب، و هذا جديد بالنسبة إلينا في غرّة القمر، و غدوي و هو في المشرق، و هذا قديم بالنسبة إلينا في سبع و عشرين.

قال صاحب القاموس:

الهلال غرّة القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع، و لليلتين من آخر الشهر ستّ و عشرين و سبع و عشرين، و في غير ذلك قمر «3». انتهى.

______________________________
(1). انظر مشارق الشموس، ص 471- 472.

(2). الوافي، ج 11، ص 149، ح 10586.

(3). القاموس المحيط، ص 1384، «ه‍ ل ل».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 394‌

و حينئذ فدلالة هذه الرواية بحسب المفهوم على كون الهلال الذي رئي في المشرق للّيلة الماضية ممنوعة؟

و إنّما قيّد بقوله: «فلم ير» ليشير به إلى ما أشار إليه أهل التنجيم من أنّه إذا لم ير قبل زوال ذلك اليوم، فهو ممكن الرؤية في ليلة الثلاثين و الشهر ناقص، و إن رئي فيه، لم يمكن رؤيته في تلك الليلة و الشهر تامّ.

و ممّا قرّرناه يظهر أنّ ما أفاده الفاضل الخوانساري محلّ نظر، إذ لا نسلّم أنّ ما ذكره هو الحقّ و هو مراده عليه السلام؛ لاحتمال أن يكون مراده أنّه إذا طلب الهلال في المشرق غدوة يوم السابع و العشرين فلم ير، فهو هنا- أي في ليلة الثلاثين- هلال جديد.

و لو قال: يحتمل أن يكون هذا مراده، لكان أولى؛ لأنّه حينئذ كان موجّها، و الموجّه يكفيه الاحتمال.

و قال السيّد السند ميرزا رفيعا- على ما نقل عنه-:

معناه أنّه إذا طلب الهلال- أي بدو المحاق في المشرق- أي في جهة المشرق قبل الزوال من اليوم السابع و العشرين فلم ير، فهو هاهنا- أي في الليلة التي تحتمل الرؤية فيها، و هي ليلة الثلاثين- هلال جديد، سواء رئي لعدم المانع في الجوّ أو لم ير بتحقّقه فيه.

و حينئذ مؤدّى الحديث هو ما أشار إليه أهل التنجيم من أنّه إذا لم يمكن رؤية الهلال قبل زوال ذلك اليوم، فهو ممكن الرؤية في ليلة الثلاثين، و الشهر ناقص، و إن أمكن رؤيته في ذلك اليوم، لم يمكن رؤيته في تلك الليلة، و الشهر تامّ البتّة «1». انتهى.

و فيه: أنّ المعروف المتبادر من الهلال غرّة القمر لا ما يرى قبل المحاق في آخر الشهر، و أيضا فإنّ «هنا» و «هاهنا» اسمان وضعا ليشار بهما إلى المكان القريب، لا إلى الزمان القريب.

قال ابن مالك في منظومته:

و بهنا و هاهنا أشر إلى

 

داني المكان و به الكاف صلا «2»

فلفظ الحديث لا يساعد هذا التوجيه، إلّا أن يقال: إنّه من باب استعارة اسم المكان‌

______________________________
(1). لم نقف على مصدره و نقله عنه المحقق الخوانساري في مشارق الشموس، ص 471- 472.

(2). ألفية ابن مالك، ص 15.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 395‌

للزمان، كما قيل في قوله تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ «1» أي وقت رؤيتهم البأس.

و فيه بعد، مع أنّه مبنيّ على الحساب النجومي في ضبط سير القمر و اجتماعه مع الشمس، و لا يجوز التعويل على قوم المنجّم و لا الاجتهاد فيه.

و قال الفاضل السبزواري قدّس سرّه- على ما نقل عنه-:

إذا فرض الطالب في المشرق «2» و طلب الهلال غدوة، أي غدوتنا، أي أوّل يومنا، و قبل الزوال بالنسبة إلينا و إن كان بالنسبة إلى الطالب المفروض أواخر يومه- لفرضه في المشرق الذي بينه و بين هذا البلد ربع دورة مثلا- و لم ير هناك، فهو هاهنا هلال جديد، بمعنى أنّه قد يكون هلالا جديدا؛ لإمكان خروج الشعاع بعد غروبه بالنسبة إلى أفق الطالب، و صيرورته قابلا للرؤية قبل الغروب بالنسبة إلى هذا الأفق، و حينئذ في الرواية إشارة إلى اختلاف الأفق الشرقي و الغربي في الحكم «3». انتهى.

و لا يخفى أنّه بهذا التوجيه لا يدلّ على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال و لا يؤيّده، و لذلك لم يذكره فيما تأيّد به عليه.

أقول: لهذا الخبر وجه آخر: إذا طلب الهلال، أي غرّة القمر في المشرق، أي في مشرقنا «4» و هو مغرب الطالب، بأن يفرض حيث يكون بينه و بين مشرقنا هذا قريب من ربع الدورة غدوة، أي: في أوّل يومنا، و هو مساء الطالب، و ذلك في زمان يغلب على ظنّه في تلك البقعة بالنسبة إلى ذلك الأفق خروجه من تحت الشعاع فلم ير؛ لعدم خروجه عنه بالنسبة إليه، فهو هنا- أي في مغربنا، و هو مشرق الطالب- هلال جديد؛ لخروجه من الشعاع مدّة نصف الدورة، رئي لعدم المانع، أو لم ير لوجوده.

______________________________
(1). غافر (40): 85.

(2). «لعلّه جعل «في المشرق» ظرفا للطلب، بأن يكون الطلب واقعا فيه». (منه رحمه اللّه).

(3). نقله عنه و استبعد كونه منه المحقّق الخوانساري في مشارق الشموس، ص 471- 472، و انظر ما سيأتي في القسم الثالث من هذه المجموعة.

(4). «ما ذكرناه لا اختصاص له بمشرق و لا مغرب، بل يصحّ تعميمه بأن يقال: إذا طلب الهلال في المشرق، أي في مشرق أيّ بلد كان، و هو مغرب أهل بلد الطالب، و هم الذين في محاذاة أهل ذلك البلد تحت الأرض، فلم ير- لما ذكرناه- فهو هنا، أي في مغرب أهل ذلك البلد، و هو مشرق أهل بلد الطالب، هلال جديد؛ لما ذكرناه». (منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 396‌

وجه آخر: إذا طلب الهلال في يوم الثلاثين في المشرق- أي: في مشرق الطالب- غدوة- أي: في أوّل نهاره- فلم ير لكونه في أوّل النهار تحت الأفق، فهو هنا- أي: في جانب المشرق- هلال جديد لا بالنسبة إليه، بل بالنسبة إلى الذين تحت أقدامه، فإنّ مشرقه مغربهم، و مغربه مشرقهم، و غدوّه مساؤهم، و مساءه غدوّهم، فإذا لم ير الهلال في المشرق في غدوة هذا- و ذلك لكونه تحت أفق مشرقه و هو بعينه أفق مغربهم، فيكون فوق أفق المغرب، فإذا بزغت الشمس و ظهرت فوق أفق المشرق و هو تحته، كان خارجا عن الشعاع- فهو هنا هلال جديد بالنسبة إليهم، رئي لما مرّ، أو لم ير لذلك.

و ظنّي أنّ ما ذكرناه أقلّ مئونة ممّا ذكروه، و لا يرد عليه ما يرد عليه.

نعم، لا بدّ من تخصيصه بما له مشرق و مغرب يكون لزمان قطع ما بينهما قد يتصوّر فيه خروج الشعاع، فلا يكون فيما يقرب عرض التسعين، و الغرض هو الإشارة إلى تخالف الآفاق في تقدّم طلوع الأهلّة و تأخّرها، بناء على ما ثبت من كرويّة الأرض، و أنّه يجوز أن يكون أفق غربي بالنسبة إلى بلد شرقيّا بالإضافة إلى آخر و بالعكس، و الذين أنكروا كرويّتها فقد أنكروا تحقّق تلك الاختلافات.

و الحقّ أنّ ضعفه سندا يغني عن تجشّم مثل تلك التوجيهات.

و بالجملة، ليس على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال فيما علمناه خبر صحيح صريح فيه سوى صحيحة حمّاد «1» على ما تقرّر عندنا، و حسنته على المشهور.

و لكنّها- مع قطع النظر و الإغماض عن ورودها في التقيّة و استلزامها ما هو خلاف الواقع- لا تنهض حجّة في معارضة الأصل و الاستصحاب و ما هو مشهور بين الأصحاب و تلك الأخبار و ما في معناها الدالّ على انحصار الطريق في الرؤية أو مضيّ الثلاثين.

و على تقدير التعارض و التساقط لا يثبت به المطلوب؛ لأنّ على هذا التقدير لا دليل لنا يدلّ على كون هذا اليوم من شوّال، بل غايته التردّد و الاحتمال لو سلّم لهم ذلك، و بذلك لا تثبت دعواهم؛ لأنّ الإفطار إنّما يجب مع العلم بالعيد أو الظنّ به، لا مع الشكّ فيه، كما فصّلناه سالفا فتذكّر.

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 488.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 397‌

فصل: [تحقيق حول كلام الفاضل التنكابني في المسألة]

إنّي بعد ما فرغت من تسويد هذه الرسالة الهلاليّة- و أنا العبد الضعيف النحيف المذنب الجاني الفاني محمّد بن الحسين بن محمّد رضا بن علاء الدين محمّد المشتهر بإسماعيل المازندراني- بلغني أنّ للفاضل التنكابني المشتهر بملّا محمّد الملقّب بالسراب (طوبى له و حسن مآب) رسالة في هذا الباب، ألّفها للردّ على الفاضل السبزواري صاحب الذخيرة قدّس سرّه، القائل باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال.

فبعد ما حصّلتها و نظرت فيها، ألفيتها مؤيّدة لما حرّرته في هذا الباب، مؤكّدة لما قرّرته في بعض مواضع الكتاب، فشكرت له ذلك، و صرت به مسرورا، و لقد كان سعيه هذا (جزاه الله الخير) مشكورا.

فنقلت رسالته هذه بعباراته الشافية الكافية، و كلماته الموجزة الوافية و إن كان مورثا لتطويل المقال و تكثير الجدال، و في بعض المواضع موجبا لتكرير القيل و تجديد القال؛ لأنّها تتضمّن نكت زوائد و غرر فرائد، سمح بها في هذه الرسالة الشريفة ذهنه الثاقب و فكره الصائب.

قال قدّس سرّه- بعد نقل صحيحة محمّد بن قيس، السابقة-:

و استدلّ صاحب الذخيرة بها على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال بقوله: «وجه الدلالة أنّ لفظة «الوسط» يحتمل أن يكون المراد منها بين الحدّين، و يحتمل أن يكون المراد منها منتصف ما بين الحدّين، لكن قوله: «أو آخره» شاهد على الثاني، فيكون الخبر بمفهومه دالّا على قول السيّد». انتهى كلامه (رفع الله تعالى مقامه) المتعلّق بهذه الرواية.

أقول: الظاهر أنّ مراده رحمه اللّه من «الحدّين» هو الآنان المحيطان بالنهار، كما هو المتبادر من لفظة «الحدّ» بحسب العرف، و مراده رحمه اللّه من «الوسط» في الاحتمال الأوّل كلّ النهار الذي بين الحدّين المذكورين، و ظاهر أنّ الوسط في الاحتمال الثاني هو الآن الذي ينقسم به النهار إلى القسمين متساويين.

أقول: قد عرفت أنّ وسط الشي‌ء- محرّكة- ما بين طرفيه، و طرف كلّ شي‌ء منتهاه، فوسط النهار مستوعب لجميع أجزائه إلّا الجزءين المحيطين به غير المنقسمين، و هما المراد‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 398‌

بالحدّين و ما بينهما هو الوسط، هذا معناه بحسب اللغة، كما سبقت إليه الإشارة. و مراده بالوسط على الاحتمال الثاني ما ينطبق على خطّ الزوال، و هو خطّ نصف النهار الذي عبّر عنه بمنتصف ما بين الحدّين، كما أشار إليه بقوله: «أعني الزوال».

ثمّ قال الفاضل التنكابني متّصلا بما نقلناه عنه:

و وجه شهادة «أو آخره» على الثاني أنّ الوسط بالمعنى الأوّل يستوعب كلّ النهار، فلا يبقى غير الوسط من النهار شي‌ء حتّى يقال: «فأتمّوا الصيام إلى الليل» فيجب حمل الوسط على المعنى الثاني الذي هو الآن، فحينئذ المراد ب‍ «آخره» هو الزمان الذي بعد الآن المذكور، فظهر وجوب الإتمام عند رؤية الهلال بعد الزوال بالمنطوق و وجوب الإفطار عند رؤيته قبل الزوال بالمفهوم.

و فيه نظر.

أمّا أوّلا؛ فلأنّه إذا أريد الآن من الوسط فالظاهر من الآخر حينئذ هو الآن الذي ينتهي به النهار، فلا يصحّ حينئذ «فأتمّوا الصيام إلى الليل» فإرادة الآن من الوسط و كلّ الزمان الذي بعده من الآخر يخرج الكلام عن الانتظام.

أقول: هذا حقّ، و قد أشرنا إليه سالفا بقولنا: «و المفهوم من وسط النهار المقابل لآخره زمان ممتدّ متّصل بذلك الطرف الآخر، إلى آخره».

ثمّ قال رحمه اللّه:

و أمّا ثانيا؛ فلأنّ تفصيله عليه السلام بقوله: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره» لا وجه له حينئذ؛ لأنّ العلم بكون الرؤية في الآن المذكور لا يحصل لأحد من الماهرين في النجوم و إن بالغ في تحصيل هذا العلم، فكيف لغيرهم إلّا بتعليم الله تعالى، فكيف يصحّ جعله علامة للمخاطبين بضميمة أمر آخر!؟

أقول: هذا أيضا حقّ، و قد أشرنا إليه بقولنا: «على أنّ خطّ الزوال لا يعرف إلّا بالدائرة الهنديّة، فكيف يكون عليه مدار العمل، و يكلّف به عامّة الناس!؟» إلى آخره.

[ثمّ قال:]

و أمّا ثالثا؛ فلأنّ الاحتمال لا ينحصر في الأمرين المذكورين؛ لاحتمال أن يراد من الآخر قدر من النهار الذي يقرب من أحد الحدّين المذكورين، فالأوّل الغير [كذا، و الصواب:

غير] المذكور هو قدر يقرب من الحدّ الآخر، فالوسط هو الزمان الذي بين الزمانين،

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 399‌

و إطلاق الأوّل و الآخر على ما ذكرته ليس ببعيد.

بل يشيع القول بأنّه جاء فلان أوّل اليوم أو آخره أو وسطه من غير أن يريدوا منها أو من بعضها الآن، بل عدم إرادة الآن معلوم لكلّ من تتبّع، و كون إرادة المعاني المذكورة من الألفاظ المذكورة طارئة خلاف الأصل، و حينئذ «فأتمّوا الصيام إلى الليل» محمول على ظاهره بلا تكلّف، و تدلّ الرواية المذكورة على المشهور، فظهر أنّ «فأتمّوا» شاهد على المشهور.

فإن قلت: يمكن أن يكون المراد من الوسط قدرا من الزمان الذي بعد نصف النهار مجازا، و الداعي على ارتكاب هذا المجاز هو ظاهر التفصيل الذي يدلّ على مخالفة الأوّل الغير [كذا، و الصواب: غير] المذكور بحسب الحكم للمذكورين، و إطلاق الوسط على قدر من الزمان- الذي بعد نصف النهار- يظهر من كلامهم عليهم السلام في وجه تسمية الظهر بالصلاة الوسطى.

قلت: نسبة الوسط المجازي إذا جعل الوسط الحقيقي هو الآن إلى طرفيه بنسبة واحدة، فلا وجه لتخصيصه بالبعد.

و ما زعمته من إطلاق الوسط على زمان هو بعد نصف النهار سهو، بل الوسط المذكور في بيان الصلاة الوسطى إمّا المعنى المجازي من الوسط بمعنى الآن الذي هو طرفاه، و إمّا المعنى العرفي الذي هو الزمان الذي بين الأوّل و الآخر، و سواء أريد من الوسط المعنى المجازي أو الحقيقي، يكون قدر من الزمان الذي قبل نصف النهار داخلا في الوسط.

و كون الوسط شاملا لبعض الزمان الذي قبل نصف النهار لا يستلزم كون ذلك البعض ظرف الظهر، كما لا يستلزم نسبة وقوع أمر إلى اليوم- مثلا- كون كلّ جزء منه ظرفا له، و ليس كذلك أمر رؤية الهلال في وسط النهار، المذكورة في الرواية.

فإنّ قوله عليه السلام: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» يدلّ على كون حكم الرؤية في أيّ جزء من أجزاء الوسط هو وجوب الإتمام إلى الليل، كما لا يخفى للمتدبّر.

أقول: هذا قريب ممّا أشرنا إليه بقولنا: «فأمّا في العرف فأوّله كوسطه في المقدار، كما أنّ وسطه كآخره في ذلك» إلى قولنا: «فالعرف مقدّم على اللغة».

ثمّ قال:

فإن قلت: لو لم يكن بين الرؤية قبل الزوال و بعده فرق في الحكم، لأمره عليه السلام بالإتمام‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 400‌

على تقدير الرؤية في النهار بلا تفصيل، فالتفصيل يدلّ على الفرق و إن كانت الدلالة بعنوان المفهوم، و هي كافية لكونها حجّة، كما بيّن في الأصول.

قلت: حجّيّة المفهوم تتوقّف على عدم منفعة للقيد، غير مخالفة المسكوت في الحكم للمذكور، و ما نحن فيه ليس كذلك؛ لأنّ العقل يجوّز أن لا تكون منفعة التفصيل و عدم الاكتفاء بإطلاق النهار هي مخالفة حكم رؤية الهلال أوّل النهار لحكمها في الوسط و الآخر، بل تكون إشارة إلى عدم إمكان رؤيته في أوّل النهار؛ لكون الهلال في أوّله تحت الأفق.

فالزمان الذي يمكن رؤيته هو وسط النهار أو آخره، فذكر الوسط و الآخر ليس لبيان مخالفة حكم الرؤية في الأوّل لحكمها في أحدهما، بل لبيان حكم ما يمكن الرؤية فيه، و ذكر القيد لمحض بيان الواقع و الإرشاد إلى الأمر الممكن غير بعيد في كلامهم عليهم السلام، و مع احتمال ما ذكرته في منفعة التقييد لا يصحّ التمسّك بالمفهوم، كما لا يخفى.

أقول: قد سبق منّا في ذلك كلام غنيّ، و هو أنّ ظاهر هذا الحديث يفيد أنّ المفهوم غير معتبر عنده عليه السلام، و إلّا لاكتفى بقوله: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار فأتمّوا الصيام إلى الليل» و لم يذكر قوله: «أو آخره»، لأنّ ذكر الوسط على هذا كما دلّ على وجوب الإفطار قبل الزوال دلّ على وجوب الإتمام بعده، و خاصّة في آخر النهار بطريق أولى، فعدم الاكتفاء به عن الثاني حتّى صرّح بقوله: «أو آخره» و الاكتفاء به عن الأوّل تعسّف، فهذا دليل على عدم حجّيّة المفهوم، كما هو محلّ الخلاف في الأصول من غير حاجة إلى ذكر نكتة لفائدة التقييد، فتأمّل.

ثمّ قال رحمه اللّه:

فإن قلت: حمل الأوّل على زمان كون الهلال تحت الأفق يوجب اختلاف مقدار الأوّل مع مقدار كلّ واحد من الوسط و الآخر، أو مع مقدار أحدهما، و هو بعيد.

قلت: لا ضرورة في حمل أوّل النهار على زمان كون الهلال تحت الأفق، ليرد عليه هذا، بل يجوز حمله على ما يساوي الوسط و الآخر في المقدار، و يقال: إنّما لم يذكر الثلث الأوّل من النهار؛ لأنّ الهلال في ذلك الثلث لم يبعد بعد بحركته الخاصّة عن الشمس بقدر يمكن أن يرى.

و الظاهر أنّه على تقدير رؤيته قبل الزوال فإنّما يرى بعد مضيّ هذا الثلث أو في أواخره،

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 401‌

كما تشهد له التجربة، و خاصّة إذا اعتبر مبدأ النهار من طلوع الفجر، كما هو المقرّر في الشرع. و على هذا، فلا حاجة إلى قوله رحمه اللّه: أقول: حمل (طاب ثراه) الوسط على الآن، و الآخر على الزمان الذي بعده، مع أنّه لا نسبة بينهما أصلا، فلا وجه لموجّه كلامه أن يذكر هذا الكلام.

و إن ذكر بعنوان الاعتراض على الاستدلال بهذه الرواية على المشهور، أجيب: بأنّ اعتبار المطابقة في الأقسام الثلاثة غير ظاهر، بل ممتنع؛ لتعذّر علم المخاطبين بالأقسام حينئذ، فلعلّ المراد بالأوّل الغير [كذا، و الصواب: غير] المذكور هو قدر من النهار الذي لا يرى الهلال فيه البتّة، و الوسط و الآخر ما بقي منه إلى الليل، و التميّز بينهما إنّما هو بحسب العرف، فإن اشتبه أواخر الوسط بأوائل الآخر، فلا مضرّة فيه؛ لاتّفاقهما في الحكم.

أقول: و بما ذكرناه هنا غنى عن أمثال ذلك بعد التأمّل.

ثمّ قال:

و أمّا رابعا؛ فلأنّ تفسير الوسط بالآن الذي هو وسط للنهار المعروف بين المنجّمين هو تفسير لوسط النهار بقبل الزوال؛ لأنّ الزوال هو زيادة الظلّ بعد نقصانه، فالوسط بمعنى الآن مبدأ خارج للزوال، فإرادة منتصف ما بين الحدّين من الوسط مع امتناعها دالّة على المذهب الأوّل لا الثاني.

فظهر قوّة دلالة الرواية على المشهور بحسب المنطوق و إن سلّم كون النهار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، كما اختاره رحمه اللّه، و إن حمل على المعنى المشهور بين أهل الشرع فالدلالة على المشهور أظهر.

و قال (طاب ثراه) بعد كلامه المنقول: «و يؤيّده ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى، قال:

كتبت إليه: جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال، و ربما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ فكتب عليه السلام:

«تتمّ إلى الليل، فإنّه إن كان تامّا لرئي قبل الزوال».

وجه التأييد: أنّ المسؤول عنه هلال رمضان لا هلال شوّال، و معنى التعليل أنّ الرؤية قبل الزوال إنّما تكون إذا كان الهلال تامّا، و تماميّة الهلال أن يكون بحيث يصلح للرؤية في الليل السابق، أو المراد أنّ شهر رمضان، أو الشهر الذي نحن فيه إذا كان تامّا بمعنى إذا تمّ و انقضى رئي مع الهلال الجديد قبل الزوال، و حمل هلال شهر رمضان على شوّال بعيد‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 402‌

جدّا، مع تنافره عن أسلوب العبارة أيضا.

على أنّ المذكور في العبارة الإفطار قبل الزوال، و تقييد الإفطار بكونه قبل الزوال لا يستقيم على تقدير الحمل على هلال شوّال، بخلاف هلال رمضان، فإنّ الإفطار بعد الزوال في الصيام المستحبّ ممّا نهي عنه، و لو حمل هلال شهر رمضان على شوّال، و جعل معنى التعليل أنّ الشهر إذا كان بالغا إلى الثلاثين رئي الهلال قبل الزوال، لم ينطبق على مجاري العادات الأكثريّة و الشواهد النجوميّة». انتهى كلامه (طاب ثراه).

اعلم أنّ الشيخ روى هذه الرواية عن عليّ بن حاتم، عن محمّد بن جعفر، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، و الشيخ يروي عن عليّ بن حاتم بواسطة الحسين بن عليّ بن شيبان، و جهالته لا تضرّ؛ لكونه من مشايخ الإجازة، و وصف في الفهرست كتب عليّ بن حاتم بكونها جيّدة معتمدة، فالكتاب الذي أخذ، الحديث منه ظهر على الشيخ كون هذا الكتاب منه.

و محمّد بن جعفر هاهنا هو الرزّاز بقرينة روايته عن محمّد بن أحمد بن يحيى، و جهالته أيضا لا تضرّ؛ لأنّه لم ينقل منه كتاب، و الظاهر أنّه لم يكن في زمانه رواية ما في الصدور، و ضبط السامع ما سمعه و إثباته في الكتب متعارفة، فالظاهر أنّه راوي كتاب محمّد بن أحمد بن يحيى، و كتبه معروفة، فجهالة هذا الراوي لا تضرّ بالسند، فالرواية معتبرة.

أقول: كيف لم تكن في زمانه رواية ما في الصدور و ضبط ما سمع و هو في طبقة عليّ بن إبراهيم و محمّد بن يحيى العطّار و من في هذه الطبقة، و روى عنه محمّد بن يعقوب الكليني، و أبو غالب الزراري، و عليّ بن حاتم و من في هذه الطبقة، و هو نفسه روى عن محمّد بن الحسن «1»، و عن أيّوب بن نوح و من في هذه الطبقة، و لم يقل أحد أنّه روى عنهما كتابهما، فكانت روايته عنهما عن ظهر القلب. فالوجه في بيان كون هذا السند حسنا أو معتبرا ما قدّمناه.

و اعلم أنّ بعض متأخّري أصحابنا قال بعد تقسيمه الخبر إلى الصحيح و المعتبر، و القويّ و الحسن، و الموثّق و الممدوح، و الضعيف و المجهول، و تعريفه الصحيح بكون رجاله في جميع الطبقات غير مشايخ الإجازة إماميّا مصرّحا بالتوثيق:

______________________________
(1). في بعض النسخ: «عن محمّد بن عبد الحميد».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 403‌

و المراد بالمعتبر أن يكون حكم رجاله حكم رجال الصحيح و إن لم يصرّح بالتوثيق، مثل رواية إبراهيم بن هاشم، فعلى ما ذكره الفاضل- و هو من مهرة الفنّ- فالمعتبر فوق الحسن و الموثّق و القويّ و الممدوح، و دون الصحيح «1».

و على ما ذكره الفاضل التنكابني فالمعتبر دونها كلّها و فوق الضعيف و المجهول.

و الظاهر أنّ مراد المتأخّرين بالمعتبر هو هذا و إن كان من حيث المفهوم أعمّ منها.

نعم، على مذهب من لم يعمل بغير الصحيح و إن اشتهر و اعتضد بغيره، فليس غيره بمعتبر عنده، فتأمّل؛ فإنّ صاحب المفاتيح «2» قد سمّى فيها خبري حمّاد و ابن بكير بالمعتبرين و قابلهما بالصحيح، و قد عرفت أنّ الأوّل حسن كالصحيح، و الثاني موثّق كالصحيح عندهم، فيظهر منه أنّ مرادهم بالمعتبر غير الصحيح من الحسن و الموثّق. و لا يبعد أن يقال: هو ما اعتبره الأصحاب و إن كان ضعيفا منجبرا ضعفه بالشهرة، هذا.

ثمّ قال رحمه اللّه متّصلا بما سبق:

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ حمل التامّ على أحد المعنيين المذكورين حمل للّفظ على معنى لا ينساق ذهن أكثر الناس إليه لو لم نقل بعدم انسباق ذهن أحد إليه.

أقول: هذا حقّ، و قد أشرنا إليه بقولنا:

و أمّا ما ذكره (قدّس سرّه) من معنى التعليل فممّا لا يمكن استفادته منه، و إنّما استفاده هو منه لميله إلى ذلك المذهب، و قيامه لصرف الأخبار إليه و حملها عليه، و لو لا ذلك لما فهمه منه؛ لأنّه ممّا لا يفهم منه إلّا بضرب من الرمل، و لذلك لم يستفد منه ذلك أحد غيره.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و ارجاع الضمير إلى الشهر المفهوم بحسب المقام ممكن، و أرجع رحمه اللّه هذا الضمير إلى الشهر في قوله: «أو المراد أن شهر رمضان» إلى آخره.

أقول: قد عرفت ما ذكرناه سابقا، و ما نقلناه عن صاحب الوافي، حيث قال:

قوله عليه السلام: «إن كان تامّا رئي قبل الزوال» معناه إن كان الشهر الماضي ثلاثين يوما رئي هلال الشهر المستقبل قبل الزوال في اليوم الثلاثين. فتذكّر.

______________________________
(1). لم نعثر عليه.

(2). مفاتيح الشرائع، ج 1، ص 257.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 404‌

ثمّ قال رحمه اللّه:

و الحصر المذكور في معنى التعليل غير مستفاد من الرواية؛ لأنّ غاية ما يمكن أن يقال:

إنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «إن كان تامّا» هو الكلّيّة، أي كلّما كان الهلال صالحا للرؤية في الليل السابق رئي قبل الزوال، و هو لا يستلزم كون كلّ هلال رئي قبل الزوال تامّا بهذا المعنى؛ لعدم انعكاس الموجبة الكلّيّة كنفسها، و الحصر المذكور لازم للعكس لا للأصل؛ لأنّه يمكن أن يكون كلّ الهلال الصالح للرؤية في الليل السابق و بعضه الغير [كذا، و الصواب: غير] الصالح لها فيه صالحا للرؤية قبل الزوال و مرئيّا فيه، و حينئذ يصدق الأصل، و لا يلزمه الحصر المذكور الذي هو منشأ ظنّ تأييد هذه الرواية لمذهب السيّد رحمه اللّه.

أقول: قد سبق منّا في ذلك كلام، و هو قولنا:

فرؤية الهلال قبل الزوال تستلزم كون الشهر تماما من غير عكس كلّي، فربما كان تامّا و لم ير قبل الزوال- إلى قولنا- لأنّه في تلك الليلة لم يكن قابلا للرؤية؛ لكونه تحت الشعاع قريبا من الشمس. فتذكّر.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و ظاهر قول محمّد في المكاتبة: «فترى أن نفطر؟» هو كون المراد بهلال رمضان هو هلال شوّال؛ لظهوره في أنّ كونه صائما إلى الرؤية مسلّم، فالسؤال إنّما هو في جواز الإفطار بعدها، و هذا إنّما يناسب هلال شوّال لا هلال رمضان.

و يؤيّد هذا قوله عليه السلام: «تتمّ إلى الليل»؛ لأنّ ظاهر الإتمام هو معلوميّة كونه صائما، فحينئذ معنى السؤال أنّه هل ترى أن نفطر الصوم الذي أردته في الليل السابق كما هو مقتضى القانون الشرعي؟

و معنى الجواب أنّك تتمّ الصوم الذي كنت مريدا له في الليل إلى الليل؛ لأنّ رؤية الهلال قبل الزوال لا تدلّ على كون هذا اليوم من الشهر الجديد؛ لأنّ الشهر إذا كان ثلاثين قد يكون خروج الشعاع في وقت و الهلال على وضع يكون قبل الزوال صالحا للرؤية البتّة.

أقول: هذا ما أشرنا إليه بقولنا:

بالجملة، إذا كان الهلال في ليلة الثلاثين تحت الشعاع و غرب بعيد غروب الشمس، يمكن أن يبعد منها مدّة نصف الدورة، بل أكثر منه بقدر يمكن أن يرى قبل الزوال في اليوم الثلاثين، و هذا لا يدلّ على كونه للّيلة الماضية؛ لأنّه في تلك الليلة لم يكن قابلا‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 405‌

للرؤية؛ لكونه تحت الشعاع قريبا من الشمس.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و إرادة شهر شوّال من لفظ شهر رمضان جائزة بتحقّق الملابسة المصحّحة للإضافة، و القرينتان المذكورتان تجعلان اللفظ ظاهرا في شوّال، و لا منافرة لما ذكرته من أسلوب العبارة.

و قوله رحمه اللّه: «و تقييد الإفطار بكونه قبل الزوال» صريح في جعله قبل الزوال ظرفا لقول السائل: «نفطر».

و يمكن أن يكون ظرفا لقوله: «رأيناه» و قدّم؛ للإشارة إلى أنّ المقصود من السؤال هو هذا؛ لعلمه بحكم الرؤية بعد الزوال.

و إن جعل ظرف «نفطر»- كما اختاره رحمه اللّه- يحتاج إلى أن يقال: إنّ مراده بقوله: «إذا رأيناه» أنّه إذا رأيناه قبل الزوال، مع عدم كونه مذكورا هاهنا بالقرينة، و هي ظهور أنّ الرؤية بعد الزوال لا تصير سببا لجواز الإفطار قبل الزوال الذي هو قبل الرؤية.

و أمّا إذا جعلناه ظرفا لقوله: «إذا رأيناه» فيكون المعنى إذا رأيناه قبل الزوال- الذي هو المقصود بالسؤال- هل يجوز لنا أن نفطر أم لا؟ و لا يتعلّق غرض أحد حينئذ بالاستفسار عن كون وقت الإفطار قبل الزوال، حتّى يقال: إنّه لا يستقيم إلّا في الصوم المستحبّ؛ لأنّه إذا جاز الإفطار برؤية الهلال قبل الزوال يجوز الإفطار بعد الرؤية أيّ وقت شاء، سواء كانت قبله أو بعده.

و على تقدير تسليم كون «قبل الزوال» ظرف «نفطر» نقول: مراد السائل من تقييد الإفطار بقبل الزوال هو الإشارة إلى أنّ سؤاله إنّما هو عن الإفطار بعد الرؤية التي تحقّقت قبل الزوال؛ لأنّه إذا وجب الإفطار برؤيته قبل الزوال، يكون الإفطار أيضا قبل الزوال غالبا، فالمقصود من السؤال عن الإفطار قبل الزوال السؤال عن إيجاب الرؤية قبل الزوال للإفطار بذكر لازمها الأكثري على تقدير الإيجاب.

أقول: على نسخة الاستبصار لا شبهة في أنّ قوله: «قبل الزوال» ظرف لقوله: «إذا رأيناه» فليكن على نسخة التهذيب كذلك؛ ليصير مآل النسختين واحدا. و لا ينافيه تقديمه عليه؛ لأنّ الظرف ممّا يكفيه رائحة من الفعل.

و منه يظهر أنّ المراد بهلال رمضان على نسخة التهذيب هو هلال شوّال، إضافة إليه؛ لما‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 406‌

مرّ آنفا و سالفا. و على هذا، فلا بعد فيه و لا منافرة، و لا حاجة في توجيهه إلى هذا التطويل، و إلى ذلك القال و القيل.

و الظاهر أنّ الفاضل التنكابني- كصاحبي الذخيرة «1» و المدارك «2» و غيرهما- كان ذاهلا وقت كتابة هذه المسألة عمّا في نسخة الاستبصار «3»، و إلّا لأعتمد عليه أو أشار إليه و تأيّد به، و كونهم شاعرين به مع عدم إشعارهم به أصلا بعيد. كيف، و الاعتماد على ما في التهذيب «4»- مع اشتماله على مثل هذا التكلّف حتّى قال صاحب الوافي: «إنّه من سهو النسّاخ» «5»- ليس بأولى من الاعتماد على ما في الاستبصار؛ لخلوّه عن أمثال هذه التكلّفات.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و لا يبعد أن يكون سؤال إيجاب الرؤية قبل الزوال الإفطار ناشئا من كونه مذهب بعض العامّة الذي كان في زمانه عليه السلام، فأجاب عليه السلام بعدم الإيجاب كما أومأت إليه.

فظهر ضعف قوله: «و تقييد الإفطار بكونه» إلى قوله: «ممّا نهى عنه».

و قوله: «و لو حمل هلال شهر رمضان» إلى آخر ما نقل من كلامه، إنّما يصحّ إذا حمل الكلام على الكلّيّة، و لا يخفى كفاية الجزئيّة، كما أومأت إليها بقولي: إذا كان الشهر ثلاثين قد يكون ... إلى آخره، و لا حاجة إلى الكلّية التي حمل الكلام عليها، و زعم من عدم صحّتها عدم جواز إرادة شهر شوّال من لفظ شهر رمضان.

و صاحب المدارك رحمه اللّه جعل هذه الرواية من الروايات الدالّة على مذهب المشهور، و لم يلتفت إلى إضافة الهلال إلى رمضان.

أقول: كلّ من ذهب إلى هذا المذهب جعلها من الروايات الدالّة عليه، و لم يلتفت إلى إضافته إليه، و لعلّه لظهور أنّ المراد به هلال شوّال، و إنّما أضافه إليه باعتبار القرب، و يؤيّده ما في الاستبصار- «ربما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان «6»- فإنّه صريح في أنّ المراد به‌

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

(2). مدارك الأحكام، ج 6، ص 180.

(3). الاستبصار، ج 2، ص 73، ح 221.

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 170، ح 490.

(5). الوافي، ج 11، ص 149.

(6). الاستبصار، ج 2، ص 73، ح 221.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 407‌

هلال شوّال من غير حاجة فيه إلى تكلّف أصلا.

ثمّ قال الفاضل التنكابني:

و قال طاب ثراه: و يؤيّده «1» ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار- في الموثّق- قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان، فقال:

«لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه، و إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل».

و لم يذكر (طاب ثراه) وجه التأييد، فإن كان وجهه هو حمل الأمر بالإتمام على ظاهره الذي هو الوجوب، فهو ضعيف؛ لقوله رحمه الله: بشيوع الأوامر في كلام الأئمّة عليهم السلام في الاستحباب، بحيث لا يتبادر منها الوجوب عند خلوّها عن القرينة، فكيف يكون هذا الأمر ظاهرا في الوجوب!؟

أقول: هذا ليس مجرّد بحث إلزامى، بل الأمر كذلك في الواقع، فهو كما يرد على صاحب الذخيرة يرد على صاحب الوافي أيضا، فإنّه حمل هذا الأمر على الوجوب بعد أن حمل الوسط على ما قبل الزوال، حيث قال:

و معنى إتمام صومه إلى الليل أنّه إن كان لم يفطر بعد، نوى الصوم من شهر رمضان، و اعتدّ به، و إن كان قد أفطر، أمسك بقيّة اليوم، ثمّ قضاه «2».

ثمّ قال رحمه اللّه متّصلا بما سبق:

و مع قطع النظر عن عدم قوله بظهور هذه الأوامر في الوجوب نقول: ليس الوسط ظاهرا في قبل الزوال فقط، و لا هو مساوي الاحتمال؛ لعدم الاختصاص و إن لم يكن نافعا له حينئذ؛ لبعد اختصاصه بزمان هو قدر نصف ما بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس، الذي يكون آخر هذا النصف نصف النهار النجومي لو قلنا باحتمال الاختصاص.

فإطلاق الأمر بالإتمام عند رؤية الهلال في وسط النهار قرينة إرادة أحد الأمرين اللذين هما الرجحان المطلق الذي لا يمكن الاستدلال به على الوجوب، كما هو ظاهر جعله رحمه اللّه هذه الرواية مؤيّدة لما اختاره، و الاستحباب كما حمل الشيخ رحمه اللّه أو الراوي الأمر بالإتمام عليه.

______________________________
(1). أي و يؤيّد مذهب السيّد.

(2). الوافي، ج 11، ص 121، ح 10525.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 408‌

أقول: هذا منه رحمه اللّه إشارة إلى أنّ قوله بعد نقل موثّقة ابن عمّار: يعني بقوله عليه السلام: «أتمّ صومه إلى الليل» على أنّه من شعبان دون أن ينوي أنّه من رمضان: يحتمل أن يكون من كلام الشيخ، و يحتمل أن يكون من كلام الراوي، و قد سبق أنّ الفاضل التستري جعله من كلام الراوي، و ظنّ صاحب الوافي أنّه من كلام الشيخ ذكره ليؤوّل به قوله عليه السلام: «و إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل» «1».

و قلنا هناك: إنّ الحقّ ما فهمه التستري؛ لأنّ من دأب الشيخ رحمه اللّه في التهذيب أنّه إذا أراد بيان أمر يصدّره بقوله: «قال محمّد بن الحسن»، مع أنّه نقل هذه الزيادة في الاستبصار «2» قبل أن يشرع في الجمع بين الأخبار، و هذا قرينة أنّه ليس من كلامه، بل هو من كلام الراوي، مع أنّ الخلاف فيه قليل الجدوى؛ للاتّفاق على أنّه ليس من تتمّة الحديث، و لا من كلام من يكون كلامه حجّة.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و لو تنزّلنا عن عدم قوله بظهور هذه الأوامر في الوجوب، و عن دلالة القرينة المذكورة على عدم إرادة الوجوب هاهنا، نقول: المراد بالوسط في هذه الرواية إمّا ما بين الحدّين، أو منتصف ما بين الحدّين.

فعلى الأوّل لا يمكن حمل الأمر بالإتمام على الوجوب؛ لاندراج بعد الزوال في الوسط بهذا المعنى.

و على الثاني يلزم عليه أن يكون الوسط بعد الزوال؛ لأنّه (طاب ثراه) حمل قوله عليه السلام في رواية محمّد بن قيس، السابقة: «فإنّ لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» على وجوب الإتمام على التقديرين في هلال شوّال، و الحال أنّه قال بوجوب الإفطار عند رؤية الهلال قبل الزوال، فيلزمه أن يكون الوسط هناك بعد الزوال، و كلامه هناك يدلّ على انحصار معنى الوسط في الاحتمالين المذكورين.

فالاحتمال الثاني متعيّن عند بطلان الاحتمال الأوّل. و هو كان موجبا لإتمام الصيام عند رؤية هلال شوّال فيه، فكيف يوجب هاهنا الإتمام عند رؤية هلال رمضان فيه!؟

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493.

(2). الاستبصار، ج 2، ص 73.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 409‌

و حمل الوسط في إحدى الروايتين على بعد الزوال، و في الأخرى على قبله حمل للّفظ في كلّ رواية على ما يوافق مطلوبه بلا بيّنة و دليل، كما ظهر لك.

أقول: قد عرفت فيما نقلناه سابقا عن صاحب الوافي أنّه حمل الوسط المذكور في موثّقة إسحاق بن عمّار في قوله عليه السلام: «و إذا رأيته وسط النهار» على ما قبل الزوال، و حمل المذكور في صحيحة محمّد بن قيس في قوله عليه السلام: «إلّا من وسط النهار أو آخره» على ما بعد الزوال، و قد عرفت أنّه مجرّد اجتهاد و دعوى بلا دليل، و أنّ ما جعله مشعرا بذلك من إيراد لفظة «من» هاهنا و حذفه من الحديث السابق لا يشعر به أصلا؛ لأنّها إمّا ابتدائيّة، أو تبعيضيّة، أو تكون بمعنى «في»، و لا إشعار بشي‌ء منها بذلك كما عرفت.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و ما ذكرته- من تعيّن الاحتمال الثاني- إنّما هو على تقدير تسليم ما ذكره رحمه اللّه، و إلّا قد عرفت عند تكلّمي فيما ذكره رحمه اللّه في صحيحة محمّد بن قيس امتناع إرادة هذا الاحتمال، فالاحتمال الأوّل الذي ذكره رحمه اللّه أو ما هو مثله هو المتعيّن في هذه الرواية، فيجب حمل الأمر بالإتمام إمّا على الرجحان المطلق، أو على الاستحباب، فظهر أنّه لا تأييد لهذه الرواية لما جعلها رحمه اللّه مؤيّدة له بوجه من الوجوه.

و لعلّ المراد من قوله عليه السلام: «فأتمّ صومه» أتمّه إن كنت صمت هذا اليوم، فيكون الإتمام محمولا على ظاهره، و يحتمل أن يكون المراد بإتمام الصوم هو الإمساك الراجح المطلق الذي لا يدلّ على الوجوب، أو الإمساك المستحبّ، فقوله: عليه السلام: «فأتمّ صومه» مصروف عن ظاهره إمّا بتقدير «إن صمت» و إمّا بحمل «أتمّ صومه» على الإمساك الذي ليس صوما، فظهر بما ذكرته أنّ قوله عليه السلام: «تتمّ» في مكاتبة محمّد بن عيسى مؤيّد لما جعلته مؤيّدا له؛ لكونه محمولا على ظاهره.

و قال (قدّس الله نفسه): و يؤيّده أيضا ما رواه الكليني عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ المغيريّة يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة، فقال: «كذبوا، هذا اليوم لهذه الليلة الماضية، إنّ أهل بطن نخلة لمّا رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام».

أقول: لعلّ مراده رحمه اللّه أنّ تصويبه عليه السلام أهل بطن نخلة في حكمهم بدخول الشهر بمحض الرؤية- كما يدلّ عليه السياق- إنّما يناسب كون الرؤية قبل الزوال؛ لظهور عدم صحّة الحكم بدخول الشهر بمحض الرؤية برؤية الهلال بعد الزوال.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 410‌

و فيه أنّ قوله عليه السلام: «إنّ أهل بطن نخلة» حينئذ لا يدلّ على كذب المغيريّة؛ لجواز صدق الحكم بدخول الشهر برؤية الهلال قبل الزوال مع كون ليلة هذا اليوم هي الليلة المستقبلة.

أقول: قد عرفت أنّ اليوم بليلته عند الروم و الفرس من طلوع الشمس إلى طلوعها، فزمان دخول الشهر عندهم من حين طلوعها، و حينئذ يصدق الحكم بدخول الشهر برؤية الهلال قبل الزوال مع كون ليلة هذا اليوم هي الليلة المستقبلة كما زعمته المغيريّة. و على هذا فقوله عليه السلام: «إنّ أهل بطن نخلة» يدلّ على صدق المغيريّة لا على كذبهم، فالظاهر حمل الرؤية على ما عليه أهل الشرع من أنّ اليوم بليلته من غروب الشمس إلى غروبها، فزمان دخول الشهر عندهم من حين غروبها، فاليوم الذي يأتي بعد هذه الليلة يوم لهذه الليلة الماضية، و منه يظهر كذب المغيريّة، و عدم تأييد هذه الخبر لاعتبار رؤية الهلال قبل الزوال.

و أنت خبير بأنّ هذا أولى ممّا أشار إليه رحمه اللّه بقوله:

فالظاهر حمل الرؤية على رؤية الهلال في الليل، أو قرب دخوله كما تكون في الأكثر كذلك.

فعلى الأوّل انطباقه على المطلوب- الذي هو تكذيب المغيريّة- ظاهر.

و على الثاني قول أهل بطن نخلة بدخول الشهر بمحض الرؤية إنّما هو بعنوان المجاز الذي مصحّحه قرب دخول الليل، فينطبق حينئذ أيضا على المطلوب.

و إن نوقش في هذا، فليحمل على الأوّل؛ لأنّ هذا متعلّق بواقعة خاصّة، فيجب حمله على ما يناسب و يصحّ.

أقول: قد عرفت وجه هذا الخبر في صدر الفصل التاسع من رسالتنا هذه، و عدم تأييده لاعتبار رؤية الهلال قبل الزوال، فلا نعيده.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و قال طاب ثراه: و العجب أنّ الشيخ و جماعة استدلّوا على القول الأوّل بصحيحة محمّد بن قيس، المذكورة، و برواية محمّد بن عيسى، و بما رواه الشيخ عن جرّاح المدائني، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام «من رأى هلال شوّال نهارا في رمضان فليتمّ صيامه». و استدلّ الشيخ بموثّقة إسحاق بن عمّار، المذكورة.

و أنت خبير بأنّ الأولى تدلّ على خلاف مقصودهم، و كذا الثانية و الرابعة. و أمّا الثالثة فضعيفة لا تصلح لمقاومة ما ذكرناه من الأخبار، و لو سلم من ذلك، كان نسبتها إليه نسبة‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 411‌

العامّ إلى الخاصّ فتتخصّص به، و هي محمولة على الغالب من تحقّق الرؤية بعد الزوال، على أنّ المذكور في الرواية «من رأى هلال شوّال في رمضان». و لقائل أن لا يسلّم أنّ الرؤية قبل الزوال رؤية في رمضان.

و العجب أنّ صاحب المدارك تردّد في المسألة؛ زعما منه التعارض بين الخبرين و بين الأخبار الثلاثة المذكورة. انتهى كلامه رحمه اللّه.

قد عرفت بما ذكرته دلالة صحيحة محمّد بن قيس و رواية محمّد بن عيسى على المشهور، و دلالة رواية جرّاح عليه غنيّة عن البيان، و موثّقة إسحاق و إن لم تدلّ على المشهور- كما زعمه الشيخ رحمه اللّه- لكن لا تدلّ على القول الثاني، و لا تؤيّده أيضا.

فظهر ضعف قوله رحمه اللّه: «و أنت خبير» إلى قوله: «و أمّا الثالثة». و قوله: «و أمّا الثالثة فضعيفة لا تصلح» ظاهر بناء على ظنّه الخبرين «1» الأوّلين المعتبرين الدالّين على المشهور، و الخبرين الدالّين على مذهب السيّد، و الخبرين غير الدالّين على مذهب، هما: رواية عمر بن يزيد و موثّقة إسحاق بن عمّار دالّة على مذهب السيّد، فكيف يعارض الأخبار الستّة المشتملة على الصحيحة و الحسنة و الموثّقة خبر واحد مجهول باشتماله على القاسم بن سليمان و جرّاح المدائني!؟

و أمّا على ما أوضحته من دلالة الصحيحة و رواية محمّد بن عيسى، المعتبرة على المشهور و تأيّدهما برواية جرّاح، فليس التعجّب في عدم حكم صاحب المدارك بقول السيّد، بل تعجّبي من توقّفه مع قوله بدلالة الأخبار الثلاثة على المشهور، كما هي واقعة، مع ظهور تأيّدها بالشهرة و الاستصحاب.

أقول: و إن تعجب فعجب قولهم: إنّ روايتي جرّاح و ابن عيسى ضعيفتا السند، لكنّهما مؤيّدتان بالأصل و الاستصحاب و الشهرة بين الأصحاب، و معتضدتان بصحيحة ابن قيس، و إنّ روايتى حمّاد و ابن بكير، إحداهما حسنة كالصحيحة، و الأخرى موثّقة كالصحيحة.

فهذا الذي أورث توقّفهم في المسألة، كما أشار إليه صاحب المدارك بقوله:

و المسألة قويّة الإشكال؛ فإنّ الروايتين المتضمّنتين لاعتبار ذلك معتبرتا الإسناد، بل‌

______________________________
(1). «المراد بهما صحيحة محمّد بن قيس و رواية محمّد بن عيسى، و هذا يدلّ على أنّهم قد يسمّون الصحيح بالمعتبر، إلّا أن يقال: تسميته به هنا من باب التغليب، فتأمّل». (منه رحمه اللّه).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 412‌

الأولى لا تقصر عن مرتبة الصحيح؛ لأنّ دخولها في مرتبة الحسن بإبراهيم بن هاشم، و من ثمّ تردّد المحقّق في النافع و المعتبر. و هو في محلّه «1».

و قد عرفت أنّ روايتي جرّاح و ابن عيسى حسنتان، و أنّ رواية ابن بكير ضعيفة بأبي جعفر، لا موثّقة بابن فضّال، فلم يبق لهم في المسألة خبر إلّا رواية حمّاد، و هي و إن كانت حسنة أو صحيحة لكنّها لا تنهض حجّة في معارضة الأصل و الاستصحاب و الشهرة بين الأصحاب و تلك الأخبار و خاصّة صحيحة ابن قيس و ما في معناها من أخبار الرؤية، و عدم الخروج عن اليقين، و الأغلب من كون الشهر تماما، إلى غير ذلك ممّا سبقت إليه الإشارة، مع احتمال كونها محمولة على التقيّة، كما أومأنا إليه. فالتوقّف في غير محلّه.

ثمّ قال رحمه اللّه بعد كلام:

و كان رحمه اللّه- يعني صاحب الذخيرة- يؤوّل رواية إسماعيل بن الحرّ المجهول به: عن أبي عبد الله عليه السلام: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين»: بأنّه يمكن أن يكون المراد بكونه لليلتين أنّه كذلك في الأغلب، لا لكونه كذلك دائما الذي يعتبر في العلامة. فعلى ما ذكره ليس هذا الكلام في قوله عليه السلام لبيان اختلاف حكم الغروب قبل الشفق و بعده في الصوم و الفطر و غيرهما، بل لبيان كون الأمر في الغالب كذلك و إن لم يظهر للناظر إلى الهلال كون هذا الهلال الذي غاب بعد الشفق لليلتين أم لا؟

و هذا التأويل أو غيره لازم في هذه الرواية؛ لمعارضتها رواية واضحة الدلالة، معتبرة السند، الدالّة على أنّ الهلال الذي غاب بعد الشفق بزمان طويل لليلته لو فرض عدم تقوية التجربة هذه الرواية.

و هذا التأويل الذي ذكره رحمه اللّه في رواية إسماعيل بن الحرّ بعينه جار في الحسنة التي استدلّ بها على مذهب السيّد رحمه اللّه بلا تفاوت، و لا يبعد ورود الموثّقة على وفق مذهب بعض العامّة الذي كان في زمانه عليه السلام.

أقول: نفي البعد عن ورود الموثّقة على التقيّة و تخصيصها بها ليس له وجه على الظاهر؛ فإنّ الحسنة مثلها في ذلك، كما أومأت إليه، على أنّك قد عرفت أنّها ليست بموثّقة، بل هي ضعيفة السند، كما أوضحته.

______________________________
(1). مدارك الأحكام، ج 6، ص 181.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 413‌

ثمّ إنّ هذا التأويل كما يجري في الحسنة بأن يقال: يمكن أن يقول: المراد بكونه للّيلة الماضية إنّه كذلك في الأغلب، لا كونه كذلك دائما الذي يعتبر في العلامة، كذلك يجري في الموثّقة بعينه بلا تفاوت بأن يقال: يمكن أن يكون المراد بكون ذلك اليوم من شوّال أنّه كذلك في الأغلب إلى آخره، فتخصيص جريانه بالأولى، و هو جار فيهما لا وجه له على الظاهر.

و بالجملة، كلّ منهما جار في كلّ منهما. فتأمّل.

ثمّ أقول: لو كانت رؤية الهلال قبل الزوال دليلا على كونه في الأغلب للّيلة الماضية، و كون ذلك اليوم من شوّال أو رمضان كذلك مع عدم اعتباره و جعله علامة، لأشكل الأمر في الصوم و الفطر؛ إذ يلزم منه صوم يوم عيد، و فطر يوم صوم، و التزامه مشكل، فتأمّل.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و بالجملة، قوّة المذهب المشهور بحسب الدليل واضحة لمن تدبّر ما ذكرته حقّ التدبّر، و كان أهلا له، و يرد على قوله: «نسبتها إليه» إلى قوله: «فيتخصّص به» أنّ التخصّص بما ذكره إنّما يصحّ لو كانت الأخبار التي ظنّ دلالتها على مذهب السيّد دالّة عليه، و قد عرفت حالها، و حمل رواية الجرّاح على الغالب حمل اللفظ على الإفادة القليلة الحاجة أو عديمها، و ترك الإفادة العظيمة الحاجة بلا ضرورة داعية إليه.

أقول: قد سبق منّا في ذلك كلام في أوسط الفصل الثالث، فتذكّر.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و يرد على العلاوة التي ذكرها أنّه سواء حمل رمضان على ما هو رمضان بحسب نفس الأمر، أو على ما هو معلوم للمخاطب كونه رمضان يكون الأمر بالإتمام، بل كلّ الكلام خاليا عن الفائدة، فينبغي أن يحمل رمضان على ما هو رمضان بحسب الظاهر مع قطع النظر عن رؤية الهلال حتّى يحتاج إلى بيان حكمه عند الرؤية، و يكون الأمر بالإتمام إفادة نافعة، و حينئذ لا يناسب التخصيص ببعد الزوال.

أقول: حاصل هذا الحديث هو أنّ هلال شوّال قد يرى في يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال، فمن رآه فليتمّ صيامه، و لا يتوهّم أنّ هذا اليوم من العيد، و هو من الشهر الجديد، كما توهّمه بعض العامّة، كأبي يوسف و الثوري و أحمد في اعتبارهم رؤية الهلال قبل الزوال، و جعلهم يوم الرؤية من الشهر الجديد، فيكون في رمضان هذا اليوم من‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 414‌

العيد «1». فالغرض المسوق له الحديث هو الردّ على هؤلاء العامّة الذين كانوا في عهده عليه السلام.

و بهذا التقرير ظهر أنّ هذا الحديث دليل على المذهب المشهور، كما استدلّ به عليه الشيخ «2» و جماعة، و أنّ المنع المذكور في قوله-: لقائل أن لا يسلّم أنّ الرؤية قبل الزوال رؤية في رمضان- ساقط، فتأمّل.

ثمّ قال رحمه اللّه:

و نقل صاحب المدارك من جملة الحجّة على القول الثاني قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» فإنّ ذلك شامل لما قبل الزوال، و قد تقدّم أنّ وقت النيّة يستمرّ للمعذور إلى الزوال، فيجب الصوم لرؤية الهلال و بقاء الوقت. انتهى كلامه.

و فيه: أنّه لا يمكن حمل الرؤية على عمومها؛ لظهور خروج رؤية الهلال بعد الزوال عن وجوب الصوم و الفطر، فيحتاج إلى التخصيص برؤية الهلال قبل الزوال إن حمل قوله:

«فصم» و قوله: «فأفطر» على وجوبهما في هذا اليوم، و هو في غاية البعد إن قلنا بالاحتمال؛ للاحتياج إلى حمل المطلق- الذي يتبادر منه الأفراد الشائعة- على الأفراد النادرة التي لا تنساق إلى الأذهان بلا قرينة.

و حملها على وجوب الصوم و الفطر في يوم الرؤية إذا كانت قبل الزوال في اليوم الذي بعده إذا كانت بعد الزوال- بزعم معلوميّة هذا التفصيل؛ لشيوعه في هذا الزمان، أو لخصوص الراوي- مثل الاحتمال الأوّل في كونه في غاية البعد الذي لا ينساق إلى الأذهان، مع مزيد، و هو أنّه يحتاج إلى حمل قوله: «فصم» على عموم المجاز؛ لأنّه عند رؤية الهلال بعد الزوال و في الليل و قبل الزوال على هذا القول إذا لم يأكل يجب الصوم الحقيقي، و عند رؤيته قبل الزوال المسبوق بالأكل يجب الإمساك لا الصوم الحقيقي.

و أمّا على تقدير الحمل على الرؤية الشائعة التي هي الرؤية بعد الزوال على الرؤية مطلقا، و حمل الصوم و الفطر على الصوم و الفطر الشائعين اللذين يكونان في اليوم اللاحق، فلا يشتمل على تكلّف أصلا.

و ما ذكره رحمه اللّه من أنّ وقت النيّة يستمرّ للمعذور إلى الزوال فهو كذلك، لكن ما يدلّ عليه إنّما يدلّ فيما ثبت كونه يوم صوم، فإن ثبت كون هذا اليوم يوم صوم بدليل آخر، يمكن‌

______________________________
(1). راجع المغني، ج 3، ص 108.

(2). الخلاف، ج 2، ص 171- 172، المسألة 10.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 415‌

القول بجواز النيّة حين رؤية الهلال؛ لظهور كونه يوم صوم حينئذ، فكان نيّة المكلّف وجوب الصوم قبل هذا متعذّرة، فيندرج حينئذ في عموم ما يدلّ على جواز النيّة.

و أمّا إثبات كون هذا اليوم يوم صوم بدليل يدلّ على جواز النيّة إلى هذا الوقت فيما علم كونه يوم صوم، فلا وجه له.

و بالجملة، ذكر أمثال هذين الاحتمالين في الأخبار إن صحّ فإنّما يصحّ بعنوان الاحتمال في رواية تعارض الدليل القويّ التامّ لو لم يذكر، و أمّا ذكرها للاستدلال على أمر فخارج عن القانون و نقل الاستدلال بعموم الأخبار على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال عن الحرّ العاملي في سنة كانت هذه المسألة دائرة في الألسنة، حتّى نقل أنّه يقول: إنّ هنا ثمانون حديثا على عدم الاعتبار، و لم ينقل عنه وجه الدلالة.

و يمكن تقريبه بأنّ الأمر بالصيام في مثل قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» إمّا محمول على رؤيته قبل الزوال بخصوصه، أو بعده بخصوصه، أو الأعمّ، و التقييد خلاف الأصل، فالظاهر الإطلاق، و ظاهر أنّ الأمر بالصيام و الإفطار عند رؤية الهلال بعد الزوال هو الأمر بهما في اليوم الآتي.

فينبغي أن يحمل وجوب أحدهما عند رؤيته قبل الزوال أيضا على كونه في اليوم الآتي؛ لئلّا يصير كلامهم عليهم السلام بعيدا عن الإفادة كالألغاز، فيكون الاستدلال على عدم الاعتبار بعد هذا التقريب له وجه لا يبعد ذكره و إن كان ضعيفا في نفسه، لاحتمال إرادة الأفراد الشائعة من الرؤية، و هي رؤيته بعد الزوال، و يكون غيرها مسكوتا عنه.

أقول: لا يبعد أن يكون محمولا على الرؤية المعتبرة في دخول الشهر شرعا، و قد عرفت أنّ زمان دخوله من حين الغروب، فيكون المراد بتلك الرؤية هو الرؤية المتعارفة التي تكون بالليل، فلا تشمل أخبارها لرؤية النهار، كما صرّح بذلك الفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد «1».

و يؤيّده ما سبق أنّ فزع المسلمين من وقت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و من بعده إلى زماننا هذا في تعرّف دخول الشهر إلى معاينة الهلال و رؤيته إنّما كان في ليلة تحتمل فيها الرؤية، و هي ليلة الثلاثين لا في نهارها قبل الزوال.

______________________________
(1). مجمع الفائدة و البرهان، ج 5، ص 301.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 416‌

فإذا قيل: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» فإنّما تتبادر منه إلى الأذهان هذه الرؤية المعروفة عند أهل الدين، المعلومة عند كافّة المسلمين، أي إذا رأيت الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان فصم في نهارها، و إذا رأيته في ليلة الثلاثين من رمضان فأفطر في نهارها.

هذه هي الرؤية المتعارفة المتبادرة المفهومة من أمثال هذا الحديث، و هي ثمانون حديثا على ما سبق عن الحرّ العاملي رحمه اللّه «1»، و إليها أشار الشيخ الطوسي رحمه اللّه فيما سبق نقله عنه بقوله:

«هذان الخبران لا يصحّ الاعتراض بهما على ظاهر القرآن و الأخبار المتواترة».

و لا شكّ أنّ الظاهر منهما هو هذا، كما أفاده رحمه اللّه، لا ما قد يتّفق في نهار الثلاثين قبل الزوال أو بعده، إلّا أن يراد ببعد الزوال هذا الفرد بخصوصه، بناء على أنّ إطلاق المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع المتبادر- كالوجود حيث أطلق فإنّ المتبادر منه الخارجي؛ لشيوعه فيه- كما صرّحوا به.

و لذلك قال قدّس سرّه متّصلا بما سبق:

و الداعي إلى التقييد ببعد الزوال هو الشيوع و التبادر، و حينئذ لا بعد في هذا التقييد، بل الحقّ أنّه إذا كان التقييد في أمر متبادرا بقرينة و إن كانت هي شيوع مطلق في مقيّد، فحمله على العموم و الإطلاق خلاف الظاهر، لا حمله على المقيّد. فظهر بما ذكرته ضعف الاستدلال بعموم الأخبار على الاعتبار و عدمه و إن كان الاستدلال على الاعتبار أضعف.

أقول: قد سبق منّا ما فيه كفاية، فلا نعيده فارجع إليه.

و إلى الله المرجع و المآل.

و الحمد للّه على كلّ حال.

و صلّى الله على رسوله و آله خير آل.

______________________________
(1). انظر ما سبق في رسالة التنكابني، ص 25 و رسالة محمّد جعفر السبزواري ص 49.

________________________________________
مختارى، رضا و صادقى، محسن، رؤيت هلال، 5 جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1426 ه‍ ق