بسم الله الرحمن الرحیم

اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال‌-مولى محمّد جعفر بن محمّد باقر سبزوارى

مباحث رؤیت هلال-كتاب الصوم

رؤيت هلال؛ ج‌1، ص: 303

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 303‌

(8) اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال

تأليف مولى محمّد جعفر بن محمّد باقر سبزوارى قدّس سرّه (م حدود 1135)

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 305‌

مقدّمه

مؤلّف

فقيه جليل مولى محمّد جعفر سبزوارى، فرزند برومند فقيه بزرگ شيعه مولى محمّد باقر سبزوارى، از علماى بزرگ اصفهان در اواخر دولت صفويه است. خاتون‌آبادى، نام او را ضمن علمايى كه در سال 1122 ق براى افتتاح مدرسۀ چهارباغ شركت داشتند، و هم از حاضران جلسۀ علما در 11 رجب همان سال- براى تعيين روز ميلاد امير المؤمنين على عليه السلام- ذكر كرده است. همچنين شيخ محمّد على حزين در سفرنامه‌اش دربارۀ او مى‌نويسد:

... و در آن شهر [يعنى اصفهان] انزوا داشت مولاناى فاضل، مولانا محمّد جعفر سبزوارى كه از اتقياى معروف و مرتاضان بود، با من الفت ديرين داشت و در آن وقت، يك نوبت شبى به منزل من آمد و از صحبتش بهره‌ور گرديدم.

مرحوم سيد مصلح الدين مهدوى رحمه اللّه مى‌نويسد:

وى- ظاهرا- از شاگردان محقق سبزوارى (پدرش)، محقق خوانسارى و علامه مجلسى بوده و در سالهاى انقلاب اصفهان و فتنه افاغنه (1134- 1135 ق) وفات يافته و در فضاى جنوبى مسجد حكيم (برف‌انداز پشت گنبد) مدفون گرديد.

برخى از آثار وى عبارتند از:

1. شرح الفيه شهيد اوّل، به فارسى؛

2. النوروزية؛

3. تحفۀ سلطانى، در فلسفه و كلام؛

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 306‌

4. تكبيرات هفتگانه؛

5. رساله در معاد، تفسير آيات شريفۀ آخر سورۀ مباركۀ زمر؛

6. الوتيرة. «1»

رسالۀ حاضر

چنانكه مؤلف در آغاز رساله تصريح كرده، آن را به دفاع از پدر بزرگوارش محقق سبزوارى، و در ردّ رسالۀ عدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال از فاضل تنكابنى- كه پيش از اين درج شد- نگاشته است. تصحيح اين رساله بر اساس دو نسخۀ خطى صورت پذيرفت كه عبارتند از:

1. نسخۀ شماره 1/ 478 كتابخانۀ مرحوم آية الله مرعشى رحمه اللّه كه در فهرست كتابخانه (ج 2، ص 82) معرفى شده است. اين نسخه را محمّد جعفر بن مولى محمّد شفيع نائينى در ششم ماه رجب 1122 نوشته، و در پايان آن آمده است:

قد تمّ هذه الرسالة الشريفة من مؤلّفات الفاضل المستجمع لقوانين الأصول و الفروع، مولانا محمّد جعفر بن محمّد باقر الشهير بالخراساني، في السادس من شهر رجب المرجّب، على يدي أقلّ عباد الله محمّد جعفر بن ملا محمّد شفيع نائينى سنة 1122.

2. نسخۀ شماره 1866 كتابخانۀ مركزى دانشگاه تهران كه در فهرست كتابخانه (ج 8، ص 478) معرفى شده است. در هامش نسخه و صفحۀ عنوان خط محمّد رحيم سبزوارى فرزند مؤلّف ديده مى‌شود، و او گواهى مى‌دهد كه نوشتۀ صفحه عنوان خطّ فاضل هندى است. در هامش برگ دوم هم حاشيه‌اى است گويا از فاضل هندى و به خط او. در پايان اين نسخه نيز عبارت ذيل ديده مى‌شود:

قد تمّ هذه الرسالة الشريفة من مؤلّفات الفاضل المستجمع لقوانين الأصول و الفروع، مولانا محمّد جعفر بن محمّد باقر الشهير بالخراسانى، المعروف بالسبزواري.

______________________________
(1). برخى از منابع سرگذشت مولى محمّد جعفر سبزوارى عبارتند از: الكواكب المنتشرة، ص 135؛ دانشمندان خوانسار، ص 156- 157؛ خاندان شيخ الاسلام اصفهان، ص 167- 170؛ وقائع السنين و الاعوام، وقايع سال 1122؛ تاريخ و سفرنامۀ حزين، ص 227، 388- 389.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 307‌

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه المظهر للحقّ بقدرته، و المدمّر للباطل بسطوته، الذي جعل الأهلّة مواقيت لبعض الأحكام، و صيّر رؤيتها معالم للفطر و الصيام، و صلّى الله على خاتم أنبيائه محمّد المبيّن للحلال و الحرام، و على آله الذين هم الهداة إلى سبل السلام.

أمّا بعد، فإنّي قد رأيت من بعض «1» فضلاء تلامذة والدي العلّامة (طاب ثراه) رسالة منفردة، قد بذل جهده في تتميم مرامه من المقال، متعلّقة على بعض مباحث الذخيرة المنوط برؤية الهلال قبل الزوال، و بعد ذكره كلام أبي رحمه اللّه على ما اختاره من الاعتبار، أورد عليه وجوها من الشكوك التي ليس بزعمه منها الفرار، و لمّا وجدت شكوكه مندفعة- بالتأمّل الكافي في الأخبار، و يمكن التوصّل به بتهذيب هو مصباح الاستبصار، و يستغني من لا يحضره الفقيه من الاستخبار- أردت أن أذكر ما خطر ببالي القاصر في دفع ما أورده على المذهب المختار، مراعيا فيه سبيل المروءة و الإنصاف، مجتنبا عن طريق البغي و الاعتساف، بتحرير واف، و توضيح شاف، لبيان منتهى المطلب في هذا المقام، و تقرير مقنع للقدر المعتبر للإرشاد إلى مسالك المرام؛ ليكون ذلك وسيلة جامعة لمعرفة مختلف بعض الأحكام، و تذكرة و ذكرى لمن كان له مدارك في جمل الكلام، و نسأل الله أن يجعل ذلك ذخيرة المعاد، و بالله التوفيق، و هو حسبي و نعم الهاد.

و اعلم أنّه قد اختلف الأصحاب في رؤية الهلال قبل الزوال هل هي معتبرة في وجوب‌

______________________________
(1). هو التنكابني رحمه اللّه في رسالته السابقة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 308‌

الصوم و الفطر أم لا؟

فذهب جمع من الأصحاب إلى عدم الاعتداد برؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال، و عن السيّد المرتضى رحمه اللّه أنّه قال في بعض مسائله: «إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية» «1» بل الكلام المسؤول عنه يشعر بكون ذلك مذهب الأصحاب.

و قال العلّامة في المختلف: «إنّ السيّد قال: هذا صحيح و هو مذهبنا. و ادّعى أنّ عليّا عليه السلام، و ابن مسعود، و ابن عمر، و أنس قالوا به، و لا مخالف لهم» «2».

و يدلّ هذا على كون ذلك قول عليّ عليه السلام و غيره عنده قطعيّا؛ حيث لا يعمل بأخبار الآحاد و الظنون. و هو ظاهر الكليني «3» أيضا، و صريح كلام ابن بابويه على احتمال «4»، و ظاهره على احتمال آخر «5»، و مال إليه صاحب المنتقى «6».

و تردّد فيه المحقّق في المعتبر و النافع «7»، حيث قال بعد نقل الروايتين الآتيتين:

فقوّة هاتين الروايتين أوجب التردّد بين العمل بهما و بين العمل برواية عدلين، و أنّ رواية العدلين تدلّ على خلاف ما تدلّ عليه الروايتان «8».

و ليس بشي‌ء كما سيظهر.

و قال صاحب المدارك: «و هو في محلّه» «9» زعما منه أيضا ذلك. و قال العلّامة في المختلف: «الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر» «10».

و رجّح والدي العلّامة (طاب ثراه) قول السيّد «11»، و وافقه جمع من العلماء المتبحّرين‌

______________________________
(1). المسائل الناصريات، ص 291، المسألة 126.

(2). مختلف الشيعة، ج 3، ص 358- 359، المسألة 89.

(3). الكافي، ج 4، ص 78، باب الأهلّة و الشهادة عليها، ح 10.

(4). المقنع، ص 183- 184.

(5). الهداية، ص 183.

(6). منتقى الجمان، ج 2، ص 482.

(7). المختصر النافع، ص 69.

(8). المعتبر، ج 2، ص 689.

(9). مدارك الأحكام، ج 6، ص 181.

(10). مختلف الشيعة، ج 3، ص 358، المسألة 89.

(11). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 309‌

المعاصرين له (طاب ثراهم) كالفاضل النحرير مولانا خليل القزويني «1»، و مولانا محسن القاساني «2»، و صاحب مجمع البحرين «3»، و مولانا محمّد باقر المجلسي «4»، و غيرهم، و هو الأظهر؛ لما رواه الكليني و الشيخ عنه عن حمّاد بن عثمان- في الحسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة» «5».

و ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة و عبد الله بن بكير- في الموثّق- قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان» «6».

و لما ذكره السيد رحمه اللّه- و قد سبق- حيث نسب هذا إلى عليّ عليه السلام بلفظ «قال» دون «روي» مع انضمام قوله: «و هو صحيح مذهبنا و لا مخالف لهم» «7»، و مع طريقته التي لا يعمل بالظنّ مفيدة للظنّ لنا بثبوت هذا الخبر عن عليّ عليه السلام إفادة تامّة، و لا يضرّ إرساله، كسائر المراسيل التي في حكم المسانيد، كمراسيل ابن أبي عمير، بل هو أقوى.

و بالجملة، إفادة هذا الخبر للظنّ المناط للحكم الشرعي غير خفيّ على اللبيب، و سيجي‌ء زيادة بيان لذلك إن شاء الله. قال الصدوق في الفقيه بعد إيراد خبر:

و في خبر آخر قال: إذا أصبح الناس صيّاما و لم يروا الهلال، و جاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا، و ليخرجوا من الغد أوّل النهار إلى عيدهم. و إذا رئي هلال شوّال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من رمضان «8».

و هو مؤيّد للمذكورات. و في الوافي بعد كلام الصدوق: «و قد مضى في كتاب الصلاة‌

______________________________
(1). هو المولى خليل القزويني في الصافي شرح الكافي. انظر ميراث فقهي (1): غنا، موسيقى، ج 3، ص 1619.

(2). الوافي، ج 11، ص 149، باب رؤية الهلال قبل الزوال.

(3). لم نقف عليه.

(4). انظر ملاذ الأخيار، ج 6، ص 455، 482.

(5). الكافي، ج 4، ص 78، باب الأهلّة و الشهادة عليها، ح 10.

(6). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 489؛ الاستبصار، ج 2، ص 74، ح 226.

(7). المسائل الناصريات، ص 291، المسألة 126.

(8). الفقيه، ج 2، ص 168، ح 2040.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 310‌

في هذا خبر آخر» «1».

و منهم من جعل من الأدلّة- كالعلّامة «2» و صاحب المدارك «3»- ما رواه زيد الشحّام في الصحيح عن الصادق عليه السلام، أنّه سئل عن الأهلّة، فقال: «هي أدلّة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» «4». و في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن الباقر عليه السلام قال: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، و إذا رأيتموه فأفطروا» «5». و عن الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله عليه السلام:

«الصوم للرؤية» «6». و أمثال ذلك من الأخبار التي كادت أن تكون متواترة.

و وجّه الاستدلال ب‍: «أنّ ذلك شامل لما قبل الزوال، و قد ثبت أنّ وقت النيّة يستمرّ للمعذور إلى الزوال، فيجب الصوم لرؤية الهلال و بقاء الوقت» «7».

و فيه تأمّل ستعلم وجهه، و سيظهر لك بعض الأدلّة و المؤيّدات لهذا المذهب غير ما ذكر عند طيّ الكلام في هذه الرسالة، فانتظر.

قال والدي العلّامة (طاب ثراه) في ذخيرة المعاد بعد نقل الروايتين المذكورتين و كلام الصدوق رحمه اللّه:

و يدلّ عليه أيضا قول الصادق عليه السلام في صحيحة محمّد بن قيس، السابقة- عند شرح قول: «أو بشهادة عدلين»-: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» «8».

و تلك الصحيحة هي ما رواه الشيخ رحمه اللّه عن الحسين بن سعيد، عن يوسف بن عقيل، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين، فإن‌

______________________________
(1). الوافي، ج 11، ص 147، باب رؤية الهلال قبل الزوال.

(2). مختلف الشيعة، ج 3، ص 358، المسألة 89.

(3). مدارك الأحكام، ج 6، ص 164.

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 155، ح 430.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 156، ح 433.

(6). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 156، ح 431.

(7). مدارك الأحكام، ج 6، ص 180.

(8). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 311‌

لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ أفطروا «1».

قال والدي رحمه اللّه في الذخيرة بعد ذكر صحيحة محمّد بن قيس:

وجه الدلالة: أنّ لفظة «الوسط» تحتمل أن يكون المراد منها ما بين الحدّين، و تحتمل أن يكون المراد منها منتصف ما بين الحدّين، أعني الزوال، لكنّ قوله: «أو آخره» شاهد على الثاني، فيكون الخبر بمفهومه دالّا على قول السيّد «2».

انتهى كلامه (رفع الله مقامه) المتعلّق بهذه الرواية.

أقول: مراده رحمه اللّه أنّ لفظ «الوسط» في هذا الخبر محتمل لما بين الحدّين، سواء جعل الحدّين الطلوع و الغروب، كما هو المتبادر، فتكون الإضافة بيانيّة، أعني كلّ النهار، أو الأوّل و الآخر، و الوسط قطعة ما بينهما.

و على كلا التقديرين لفظ «أواخره» شاهد و قرينة على أنّ المراد ليس ذلك، أمّا على التقدير الأوّل فوجهه ظاهر، و أمّا على التقدير الثاني فذكر أحد الطرفين دون الآخر دليل ظاهر على أنّ الطرف الأوّل حكمه مغاير لحكم الآخر، و إلّا لم يعبّر بهذه العبارة إذا كان المراد أنّ حكم تمام النهار كذلك، و هو ظاهر لمن له المسكة المستقيمة، و سيتّضح لك بعض الشواهد لعدم إرادة ذلك أيضا، و محتمل لمنتصف ما بين الحدّين.

و لمّا كان المتبادر من المنتصف الحقيقيّ- و هو الآن- فسّر (طاب ثراه) بقوله: «أعني الزوال»؛ لأنّ الحمل على الآن غير مستقيم، أو مشتمل على البعد كما سيظهر لك عن قريب.

و إطلاق الوسط على الزوال شائع متعارف، و أقرب المعاني في هذا المقام بحسب الإرادة، فحمل عليه، فحينئذ قوله: «فيكون الخبر دالّا بمفهومه على قول السيّد» ظاهر. و لعلّ مقصوده رحمه اللّه من المفهوم الشرط و الحصر معا.

و إذا أردت التوضيح و تحقيق الحال، فاستمع لما يتلى عليك من المقال:

اعلم أنّ أهل اللغة و الشرع و العرف لا يفرّقون بين الظهر و الظهيرة، و نصف النهار و الزوال، بل يجرون استعمال لفظ «الظهر» و «الظهيرة» و «الهاجرة» و «القائلة» و «نصف النهار»‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 491.

(2). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 312‌

و «الزوال» مجرى استعمال الألفاظ المترادفة. و الظاهر أنّه لا فرق أيضا بين نصف النهار و وسط النهار، كما يظهر من كلام البيضاوي «1» و الفاضل النيشابوري «2» و غيرهما من المفسّرين؛ لما ستعرف في طيّ الكلام.

روى الصدوق في الفقيه عن الحلبي- في الصحيح- عن أبي عبد الله عليه السلام:

أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر، و هو صائم، فقال: «إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر، و ليقض ذلك اليوم، فإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه» «3».

أ لا ترى أنّه عليه السلام قال أوّلا: «قبل أن ينتصف النهار» ثمّ ذكر في مقابله «بعد الزوال» إجراء للفظ الزوال مجرى انتصاف النهار.

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار، فعليه صيام ذلك اليوم، و يعتدّ به من شهر رمضان «4».

أ لا ترى أنّه عليه السلام عبّر في هذا الخبر عن الحكم- الذي عبّر في الخبر السابق بالزوال- بنصف النهار؛ إجراء لهما مجرى واحد، و الشيخ في هذا المقام أجرى اللفظين مجرى واحد «5».

و روى الشيخ عن ابن سنان- في الصحيح- عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

من أصبح و هو يريد الصيام، ثمّ بدا له أن يفطر [فله أن يفطر] ما بينه و بين نصف النهار، ثمّ يقضي ذلك اليوم. «6» الحديث.

و روى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

سألته عن الرجل يصبح و هو يريد الصيام، ثمّ يبدو له فيفطر؟ قال: «هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار» «7».

______________________________
(1). تفسير البيضاوي، ج 1، ص 206، ذيل الآية 238 من سورة البقرة.

(2). غرائب القرآن، ج 1، ص 654- 655، ذيل الآية 238 من سورة البقرة.

(3). الفقيه، ج 2، ص 142، ح 1984.

(4). الفقيه، ج 2، ص 142، ح 1985.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 229، ذيل الحديث 671 و 672.

(6). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 187، ح 524.

(7). الكافي، ج 4، ص 121، باب الرجل و هو يريد الصيام ...، ح 1.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 313‌

و في رواية سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: «الصائم بالخيار إلى زوال الشمس»، قال: «إنّ ذلك في الفريضة، و أمّا النافلة فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس» «1».

و في صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان:

«إنّه بالخيار إلى زوال الشمس» «2» الحديث. و نحوه في صحيحة عبد الله بن سنان «3»، و رواية إسحاق بن عمّار «4». و في غير واحد من الأخبار: «إنّ من أراد الصيام بالخيار إلى زوال الشمس» «5». ففي هذه الأخبار عبّر تارة بنصف النهار، و تارة بالزوال، و المسألة واحدة.

و في الفقيه: «إذا دخل الحلقة فقد زالت» «6». و الظاهر أنّ المراد بالحلقة دائرة نصف النهار.

و غير ذلك من الأخبار. فمن لا يقنعه القليل لم ينفعه الكثير.

و أمّا أهل اللغة:

فقال ابن الأثير في النهاية في ذكر صلاة الظهر: «هو اسم لنصف النهار، سمّي به من ظهيرة الشمس، و هو شدّة حرّها» «7».

و في مفردات الراغب: «الظهيرة: وقت الظهر» «8».

و في القاموس: «الظهيرة: وقت انتصاف النهار» «9».

و في الصحاح: «الظهيرة: الهاجرة» «10».

و في النهاية: «الهاجرة: اشتداد الحرّ نصف النهار» «11».

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 187، ح 527.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 280، ح 849.

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 287، ح 841.

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 280، ح 848.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 278، ح 843.

(6). الفقيه، ج 1، ص 212، ح 643.

(7). النهاية، ج 3، ص 164، «ظ ه‍ ر».

(8). المفردات، ص 318، «ظ ه‍ ر».

(9). القاموس المحيط، ص 557، «ظ ه‍ ر».

(10). الصحاح، ص 731، «ظ ه‍ ر».

(11). النهاية، ج 5، ص 246، «ه‍ ج ر».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 314‌

و في مجمل اللغة: «الهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس، أو من عند زوالها إلى العصر» «1».

و في شرح مسلم للنووي: «كان يصلّي الظهر بالهاجرة، و هي شدّة الحرّ نصف النهار» «2».

و في القاموس: «القائلة: نصف النهار» «3».

و في الصحاح: «القائلة: الظهيرة» «4».

و قال الواحدي في تفسير قوله تعالى: وَ أَطْرٰافَ النَّهٰارِ «5»: «صلّ صلاة الظهر في طرف النصف الثاني، و سمّي الواحد باسم الجمع» «6».

و قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: وَ مِنْ آنٰاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرٰافَ النَّهٰارِ «7»:

تكرير لصلاتي الصبح و المغرب- إلى أن قال-: أو أمر بصلاة الظهر؛ فإنّه نهاية النصف الأوّل من النهار، و بداية النصف الآخر، و جمعه باعتبار النصفين «8».

و نحوه قال بعض الفضلاء المتأخّرين في تفسير هذه الآية، و نحوه مذكور في التفسير الكبير «9» أيضا. و صرّح البيضاوي في تفسير قوله تعالى: وَ حِينَ تُظْهِرُونَ «10» بأنّ الظهيرة وسط النهار «11».

و قال النيشابوري في تفسيره في ذكر صلاة الظهر: «و شاع في كتب التفسير تعليل من قال: إنّ الصلاة الوسطى صلاة الظهر بأنّها في وسط النهار» «12».

______________________________
(1). مجمل اللغة، ج 4، ص 899، «ه‍ ج ر».

(2). لم نجده في شرح صحيح مسلم.

(3). القاموس المحيط، ص 1359، «ق ى ل».

(4). الصحاح، ص 1808، «ق ى ل».

(5). طه (20): 130.

(6). الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج 2، ص 708.

(7). طه (20): 130.

(8). تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل)، ج 3، ص 101، ذيل الآية 130 من سورة طه (20).

(9). التفسير الكبير، ج 8، ص 114، ذيل الآية 130 من سورة طه (20).

(10). الروم (30): 18.

(11). تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل)، ج 3، ص 341، ذيل الآية 18 من سورة الروم (30).

(12). غرائب القرآن، ج 1، ص 654- 655، ذيل الآية 238 من سورة البقرة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 315‌

و هو مؤيّد لما ذكرنا.

نقل من الكشّاف عن ابن عمر: «هي صلاة الظهر؛ لأنّها في وسط النهار، و كان رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يصلّيها بالهاجرة» «1». و قد مرّ تفسير الهاجرة بمنتصف النهار.

و يؤيّده أيضا قوله عليه السلام: «و هي وسط النهار» في بيان كون صلاة الظهر صلاة الوسطى فيما رواه الشيخ «2» و الفقيه «3».

و إنّما قلنا بلفظ التأييد؛ لأنّه يمكن المناقشة بأنّ الخصوصيّة مفهومة من الأدلّة الخارجية.

و يصحّ أن يقال: إنّه في الوسط على تقدير إرادة قدر من الزمان الذي يدخل فيه قبل الزوال؛ لأنّ القول بكونه في الوسط إذا كان الوسط المجموع، لا يستلزم كون كلّ جزء منه ظرفا للظهر، كما لا يستلزم نسبة وقوع أمر إلى اليوم- مثلا- كون كلّ جزء منه ظرفا له.

وجه التأييد أنّه قد عرفت جواز إطلاق الوسط على الزوال، فقال عليه السلام هاهنا: «و هي وسط النهار» «4». فحينئذ نقول: أراد عليه السلام إمّا- من «الوسط» في هذه الرواية- المعنى العرفي، أو المعنى المجازي الذي هو الآن مع طرفيه القريبين به، أو خصوص أحد الطرفين، أعني الزوال؛ لأنّ الطرف الآخر غير محتمل في هذه الرواية، و إرادة الأوّل منها بعيد جدّا؛ لأنّه إذا كان كون شي‌ء في جزء شي‌ء بخصوصه معلوما، و يطلق عليه و على كلّه «الوسط»؛ لأنّ حكم «الوسط» حكم الماء، و النهار يطلق على مجموعهما، و على كلّ جزء منهما أنّه ماء و نهار، فالظاهر «5» إرادة ذلك الجزء بعينه منه دون المجموع، و أيضا يكون حينئذ معنى قوله عليه السلام:

«و هي وسط النهار» أنّ وقته أو محلّ وقوعه هو الوسط أيّ جزء كان، و لا خصوصيّة لجزء بعينه، و هو خلاف الواقع، فلا يناسب إطلاقه، بل ينبغي أن يعيّن ذلك الجزء الذي يصحّ فيه بخصوصه، فإن كان كونه معيّنا في الخارج يكفي لعدم تبادر أيّ جزء كان من إطلاق الوسط، و لم يكن خلاف الظاهر في هذه الصورة إرادة جزء بعينه، فليقل بمثله في رواية قيس على‌

______________________________
(1). الكشّاف، ج 1، ص 288، ذيل الآية 238 من سورة البقرة.

(2). تهذيب الأحكام، ج 2، ص 241، ح 954.

(3). الفقيه، ج 1، ص 195- 196، ح 600.

(4). الكافي، ج 3، ص 271، باب فرض الصلاة، ح 1.

(5). خبر لقوله رحمه اللّه: «لأنّه إذا كان ...».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 316‌

تقدير إرادة العرفيّ منه فيها؛ لأنّ الدليل الخارج أيضا موجود هنا بأنّ المراد أجزاء بعد الزوال من الوسط و إن أطلق عليه السلام؛ لأنّ نسبة الروايتين إلى هذه الرواية نسبة الخاصّ إلى العامّ، فتتخصّص بهما.

و أيضا ظاهر سياق الرواية أنّه عليه السلام في صدد إبداء وجه لكون الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر، و السابق و اللاحق قرينة عليه أيضا، فحينئذ كان العصر مشتركا معها في هذا المعنى، و لا خصوصيّة لها به فيحتاج إلى التكلّف بأن يقال: يمكن أن يكون الاختصاص باعتبار مجموع قوله عليه السلام: «و هي وسط النهار، و وسط صلاتين بالنهار: الغداة «1» و العصر» «2»، أو يقال: إنّ الكلام مسوق لبيان كونها الصلاة الوسطى، و لا ينافي تسميتها بصلاة الوسطى لما ذكر اشتراك الغير معها في هذه الصفة، أو يجعل الواو حاليّة و الاختصاص باعتبار سابقه، و هو قوله عليه السلام:

«أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلّى اللّه عليه و آله» «3». أو يقال: يكفي في الاختصاص الاختصاص في الجملة، و غير ذلك من التكلّفات التي لا باعث إلى ارتكابها.

و ظهر بعد الاحتمال الثاني أيضا ممّا ذكرنا، و يتطرّق إليه منع مساواته لخصوص الزوال؛ لأنّ كلّما كان المقدار أقلّ، كان القرب إلى المعنى الحقيقي أكثر، فتعيّن الحمل على الثالث، يعني الزوال. «4»

و ظهر ممّا ذكرناه أنّه يمكن الاستدلال من هذه الرواية على كون مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال مختصّا بالظهر، و بعض الأجوبة التي ذكرها القوم هناك عن بعض الأدلّة يجري هنا مع بعد، فكان اللائق أن يذكروا هذه الرواية أيضا في جملة الأدلّة، و الظاهر أنّه لم يتفطّنوا به.

فلمّا ثبت إطلاقهم عليهم السلام «الوسط» على الزوال و شيوعه فيه- و لا يحتاج إلى ادّعاء الاتّحاد بين نصف النهار و الزوال، بل يكفي لنا استعمال أحدهما في الآخر و شيوعه، و لهذا قلنا: جار‌

______________________________
(1). في المصدر: «صلاة الغداة و صلاة العصر».

(2). الكافي، ج 3، ص 271، باب فرض الصلاة، ح 1.

(3). الكافي، ج 3، ص 271، باب فرض الصلاة، ح 1.

(4). في بعض النسخ زيادة، و هي: «فظهر ممّا تلونا عليك ضعف الحاشية المكتوبة في حاشية هذه الرسالة، المعنونة بقول المعترض: «فإن قلت»- إلى آخره- المحلقة ثانيا عند اطّلاعه على رسالتنا السابقة».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 317‌

مجرى الألفاظ المترادفة، و به يتمّ المدّعى، و لم يدلّ دليل على إطلاقهم على قبل الزوال، بل عبّروا عمّا قبل الزوال بضحوة النهار، و ارتفاع النهار، و صدر النهار، و أمثال ذلك- فهو مرجّح و مؤيّد لحمل الوسط في رواية [محمّد بن] قيس على الزوال دون مقابله.

و له مرجّحات أخر:

منها: أنّه لو حمل على الوسط الذي يدّعى أنّه العرفي- أعني قطعة من الزمان، التي بين الزمانين الأوّل و الآخر، أو الذي نسبته نسبة الزوال إلى الآن الحقيقي- لم ينطبق على شي‌ء من المذهبين إلّا بانضمام مقدّمة خارجيّة و هو عدم القول بالفصل، فحينئذ يلزم إبطال المفهوم.

و المقرّر في الأصول أنّ الجمع أولى من الإبطال.

و منها: أنّه ليس له مبدأ ممتاز و إن كان عرفا.

و منها: عدم فائدة للتخصيص حينئذ، و ما ذكره الفاضل (زيد فضله) في بيان الفائدة فسيظهر لك حاله عن قريب.

و لو حمل على قدر من قبل الزوال الذي يجزم بكونه وسطا عرفا، أو على أقرب المجازات التي تنتهي إلى الآن، كان ظهور عدم الفائدة أظهر، كما لا يخفى.

فلا يرد أنّ نسبة الوسط المجازي- إذا جعل الوسط الحقيقي هو الآن- إلى طرفيه نسبة واحدة، فلا وجه لتخصيصه.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ حمل الوسط على الزوال أقرب المعاني، و لا تضرّ الاحتمالات البعيدة في الاستدلال من الظواهر، و إلّا انسدّ باب الاستدلال من الظواهر. فلنشرع الآن في ذكر كلام الفاضل (زيد فضله). قال:

أقول: الظاهر أنّ مراده رحمه اللّه من «الحدّين» الآنان المحيطان بالنهار، كما هو المتبادر من لفظ الحدّ بحسب العرف. و مراده رحمه اللّه من «الوسط» في الاحتمال الأوّل كلّ النهار الذي بين الحدّين المذكورين، و ظاهر أنّ «الوسط» في الاحتمال الثاني هو الآن الذي ينقسم به النهار إلى قسمين متساويين. انتهى.

و قد عرفت أنّه ليس هو الآن، و قد سبق أيضا إمكان أخذ الحدّ في كلام والدي العلّامة، بحيث يشمل الأوّل و الآخر، فيكون الوسط ما بينهما، فلا يتعيّن الاحتمال الأوّل في كلّ النهار.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 318‌

ثمّ قال:

و وجه شهادة «أو آخره» على الثاني أنّ الوسط بالمعنى الأوّل يستوعب كلّ النهار، فلا يبقى غير الوسط من النهار شي‌ء حتّى يقال: «فأتمّوا الصيام إلى الليل»، فيجب حمل الوسط على المعنى الثاني الذي هو الآن. فحينئذ المراد ب‍ «آخره» هو الزمان الذي بعد الآن المذكور، فظهر وجوب الإتمام عند رؤية الهلال بعد الزوال بالمنطوق، و وجوب الإفطار عند رؤيته قبل الزوال بالمفهوم.

قد عرفت وجه دفع قوله: «فيجب حمل الوسط على المعنى الثاني الذي هو الآن». و وجه دفع قوله: «فحينئذ»- إلى آخره- أيضا ظاهر لا يحتاج إلى البيان.

ثمّ قال:

و فيه نظر. أمّا أوّلا؛ فلأنّه إذا أريد الآن من «الوسط» فالظاهر من الآخر حينئذ هو الآن الذي ينتهي إليه النهار، فلا يصحّ حينئذ «فأتمّوا الصيام إلى الليل». فإرادة الآن من الوسط و كلّ الزمان- الذي بعده- من الآخر تخرج الكلام عن الانتظام. انتهى.

و فيه أنّ الظاهر من الآخر حينئذ هو الآن الذي ينتهي إليه النهار ممنوع، بل الظاهر هو الآن الآخر الذي داخل في النهار، فيصحّ «فأتمّوا» حينئذ. لكنّه بعيد، كما يظهر بالتدبّر.

و لو سلّم، قوله: «تخرج الكلام عن الانتظام» أيضا ممنوع، بل يكفي للانتظام مساواة الأوّل مع الآخر، و لا يلزم مساواة الوسط معهما، بل يكفي تساوي نسبة الوسط إليهما.

ثمّ قال:

و أمّا ثانيا؛ فلأنّ تفصيله عليه السلام بقوله: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره» لا وجه له حينئذ؛ لأنّ العلم بكون الرؤية في الآن لا يحصل لأحد من الماهرين في النجوم و إن بالغ في تحصيل هذا العلم، فكيف لغيرهم إلّا بتعليم الله، فكيف يصحّ جعله علامة للمخاطبين بضميمة أمر آخر. انتهى.

و اندفاعه قد ظهر بما سبق؛ لأنّ مبنى هذا و سابقه على إرادة الآن من الوسط.

و فيه أنّ تحصيل العلم بكونها في الوسط ممكن، لكنّ العلم بكونه لا يكون قبله منحصر فيه- كما هو مفاد الحصر- متعذّر، و لعلّ مقصوده هذا.

ثمّ قال:

و أمّا ثالثا؛ فلأنّ الاحتمال لا ينحصر في الأمرين المذكورين؛ لاحتمال أن يراد من الآخر‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 319‌

قدر من النهار الذي يقرب من أحد الحدّين المذكورين، فالأوّل الغير [كذا، و الصواب:

غير] المذكور هو قدر يقرب من الحد الآخر. فالوسط هو الزمان الذي بين الزمانين، و إطلاق الأوّل و الآخر على ما ذكرته ليس بعيدا، بل يشيع القول بأنّه جاء فلان أوّل اليوم، أو آخره، أو وسطه من غير أن يريدوا منها أو من بعضها الآن، بل عدم إرادة الآن معلوم لكلّ من تتبّع، و كون إرادة المعاني المذكورة من الألفاظ المذكورة طارئة خلاف الأصل، و حينئذ «فأتمّوا الصيام إلى الليل» محمول على ظاهره بلا تكلّف، و تدلّ الرواية المذكورة على المشهور. فظهر أنّ «أتمّوا» شاهد على المشهور. انتهى.

أقول: دفعه بعد الاطّلاع على ما سبق واضح. و على تقدير تسليم انحصار الاحتمال الأوّل في تمام النهار في كلام والدي العلّامة رحمه اللّه و لم يشمل هذا الاحتمال، فليس المقصود حصر جميع الاحتمالات العقليّة؛ لأنّه أزيد من هذه الثلاثة التي ذكره.

و يرد عليه ما أورده على أبي رحمه اللّه من عدم الحصر، و هو ظاهر، بل المقصود ذكر أقرب الاحتمالات بحسب الإرادة في هذه الرواية، و لمّا كان هذان الاحتمالان أقرب خصّصهما بالذكر، و لمّا كان للأوّل منهما شاهد على أنّه غير مراد أيضا حمل على الثاني «1». و لعلّ للتعبير بالشاهد إشعار بإمكان إرادة كلّ النهار من الوسط في هذه الرواية بأن يكون المعنى: إن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أيّ جزء كان، أو كان مختصّا بالأجزاء الأخر، فحكمه الإتمام، فلا فرق بينهما.

و ذكر الآخر مع كونه داخلا في الأوّل باعتبار أنّ حكم الرؤية في الآخر معلوم لأكثر الناس، فذكر عليه السلام أنّ حكم جميع النهار حكم هذه الأجزاء المعلومة لأكثر الناس، لكنّ المناسب حينئذ بعد الزوال بدلا عن الآخر، إلّا أن يقال: المراد بالآخر النصف الآخر، أو باعتبار أنّ الأغلب الرؤية في آخر النهار، و يحتمل أن يكون من باب التخصيص بعد‌

______________________________
(1). في بعض النسخ زيادة، و هي: «نعم، يمكن أن يقال: إرادة الأوّل منهما ممكن، بأن يحمل قوله تعالى: فَأَتِمُّوا على الاستحباب، و يكون المراد من قوله عليه السلام: «إلى الليل» زوال الحمرة.

لكن هذا أيضا بعيد؛ لعدم شيوع الوسط في هذا المعنى. و قوله عليه السلام: «أفطروا» في الموضعين محمول على الوجوب، فهو قرينة لكون قوله عليه السلام: «أتمّوا» أيضا محمولا على الوجوب، فتأمّل.

و يرد عليه ما أورده على والدي العلّامة رحمه اللّه من عدم الحصر، و لا يمكن أن يجاب عنه بالجواب الذي ذكرناه من قبل أبي رحمه اللّه، فتدبّر».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 320‌

الإطلاق، و ذكر الآخر قرينة على أنّ المراد من المطلق غير هذا الجزء.

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام المعترض في بيان شهادة الآخر: «فلا يبقى غير الوسط من النهار شي‌ء» إلى آخره. و يظهر من تضاعيف الكلام في هذا المقام ... «1» الآخر باعتبار متعدّد.

فلا نطيل بذكره، فتدبّر.

فإن قلت: مقصود المعترض أنّ هذا الاحتمال أقرب من الاحتمالين المذكورين، فلا وجه لتخصيصهما بالذكر.

قلت: أبعديّة هذا الاحتمال عن الاحتمال الثاني- أعني الزوال- قد تبيّن ممّا ذكر، و يزيده بيانا ما سيجي‌ء:

أمّا عن الأوّل؛ فلعلّه على اعتقاده أيضا كذلك باعتبار بعض المفاسد التي يترتّب عليه، لا باعتبار مجرّد إطلاق لفظ الوسط، و عسى أن يكون كذلك بعد الإحاطة بجميع ما في هذه الرسالة، فتأمّل و أنصف.

و لا يلزم التكلّف في «فأتمّوا الصيام» على ما ذكره والدي العلّامة من الاحتمال أيضا إلّا في آخر الأجزاء، و هو مشترك.

و يرد على قوله: «و تدلّ الرواية المذكورة على المشهور» أنّه بمحض إطلاق الوسط على المعنى الذي ذكره، بل شيوعه فيه لو سلّم لا يتمّ المدّعى؛ لأنّ هذا الإطلاق و الشيوع ثابت بالنسبة إلى الزوال مع ما ذكرناه من الوجوه؛ لحمله على هذا دون ذلك، فتذكّر.

و قد تحقّق أنّه إذا كان للّفظ حقيقتان، أو في أحدهما حقيقة و في الآخر مجاز، و شيوعه و استعماله في أحدهما أكثر و له مرجّحات أخر، ينبغي الحمل على الراجح.

فظهر تقوية هذا الخبر لقول السيّد و ضعف قوله.

اعلم أنّ الفاضل (وفّقه الله) بعد اطّلاعه على إيراداتنا عليه، ألحق بعض الحواشي في رسالته، و أدخل تلك الحواشي في أصل الرسالة الثالثة، مع بعض الإضافات و تغيير ما في الأصل و الحاشية، و عبّر عن أكثر إيراداتنا بلفظ «فإن قلت». و نحن نذكر في مواضعها، و نشير إلى دفعها.

______________________________
(1). هاهنا بياض في المخطوطة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 321‌

منها:

فإن قلت: يمكن أن يكون المراد من الوسط قدرا من الزمان الذي بعد نصف النهار مجازا، و الداعي على ارتكاب هذا المجاز هو ظاهر التفصيل الذي يدلّ على مخالفة الأوّل الغير [كذا، و الصواب: غير] المذكور بحسب الحكم للمذكورين، و إطلاق الوسط على قدر من الزمان- الذي بعد نصف النهار- يظهر من كلامهم عليهم السلام في وجه تسمية الظهر بالصلاة الوسطى.

قلت: نسبة الوسط المجازي- إذا جعل الوسط الحقيقي هو الآن- إلى طرفيه نسبة واحدة، فلا وجه لتخصيصه بالبعد، و التفصيل ليس باعثا على هذا التخصيص، كما سيظهر. و ما زعمته- من إطلاق الوسط على زمان هو بعد نصف النهار- فسهو، بل الوسط المذكور في بيان الصلاة الوسطى إمّا المعنى المجازي من الوسط بمعنى الآن الذي هو طرفاه، و إمّا المعنى العرفي الذي هو الزمان الذي بين الأوّل و الآخر.

و سواء أريد من الوسط المعنى المجازي أو الحقيقي يكون قدر من الزمان الذي قبل نصف النهار داخلا في الوسط.

و كون الوسط شاملا لبعض الزمان الذي قبل نصف النهار لا يستلزم كون ذلك البعض ظرف الظهر، كما لا تستلزم نسبة وقوع أمر إلى اليوم- مثلا- كون كلّ جزء منه ظرفا له، و ليس كذلك أمر رؤية الهلال في وسط النهار، المذكورة في الرواية؛ لأنّ قوله عليه السلام «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» يدلّ على كون حكم الرؤية في أيّ جزء من أجزاء الوسط هو وجوب الإتمام إلى اللّيل، كما لا يخفى على المتدبّر.

ثمّ قال:

فإن قلت: لو لم يكن بين الرؤية قبل الزوال و بعده فرق في الحكم، لأمر عليه السلام بالإتمام على تقدير الرؤية في النهار بلا تفصيل، فالتفصيل يدلّ على الفرق و إن كانت الدلالة بعنوان المفهوم، و هي كافية لكونها حجّة، كما بيّن في الأصول.

قلت: حجّيّة المفهوم تتوقّف على عدم منفعة للقيد، غير مخالفة المسكوت في الحكم للمذكور، و ما نحن فيه ليس كذلك؛ لأنّ العقل يجوّز أن لا تكون منفعة التفصيل و عدم الاكتفاء بإطلاق النهار هي مخالفة حكم رؤية الهلال أوّل النهار لحكمها في الوسط و الآخر، بل تكون إشارة إلى عدم إمكان رؤيته في أوّل النهار؛ لكون الهلال في أوّله تحت الأفق.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 322‌

فالزمان الذي يمكن رؤيته هو وسط النهار أو آخره، فذكر الوسط و الآخر ليس لبيان مخالفة حكم الرؤية في الأوّل لحكمها في أحدهما، بل لبيان حكم يمكن الرؤية فيه.

و ذكر القيد لمحض بيان الواقع و الإرشاد إلى الأمر الممكن غير بعيد في كلامهم عليهم السلام، و مع احتمال ما ذكرته في منفعة التقييد لا يصحّ التمسّك بالمفهوم، كما لا يخفى. انتهى.

أقول: و يرد على ما ذكره في بيان الفائدة أنّ هذا التحديد بهذا المقدار المعيّن لا يساعده العرف و لا اللغة، فيكون حملا للّفظ في الخبر على مصطلحة. و هو كما ترى.

فإن قلت: على تقدير حمل الوسط على المعنى الذي ذكره سابقا، لعلّ عدم إمكان الرؤية في الأوّل باعتبار ممانعة قرب الشمس و غيره كالبخارات، لا باعتبار كون الهلال تحت الأفق في الأوّل حتّى يرد ما ذكرناه.

قلت: القدر الثابت أنّ للقرب ممانعة في الجملة لبعض الأشياء، أمّا أنّه في أيّ زمان؟

و بأيّ مقدار؟ و عن أيّ شي‌ء؟ فليس بمعلوم، كما أنّ للضوء أيضا ممانعة في الجملة، و ليس بمانع للرؤية في الوسط مع كونه أقوى باعتبار جهة أخرى تعارضه، فالظاهر أنّ القرب في الأوّل أيضا كذلك؛ لأنّ الهلال عند قرب الأفق يكون أعظم حجما عند الرائي، و هو سبب لسهولة الرؤية، و يظهر من روايته عليه السلام-: «إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير، فهو هاهنا هلال جديد، رئي أو لم ير» «1»- مظنّة الرؤية في الأوّل أيضا، و يشعر به الحصر أيضا، و يؤيّد أصل المسألة أيضا.

و يرد عليه أنّ مبنى الفائدة حينئذ على حمل الوسط على أمر مرجوح. و هو كما ترى.

و الحاصل أنّ الاحتمالات التي لا يعلم ثبوتها لا تضرّ بالاستدلال من ظواهر المفهومات، و إلّا انسدّ باب الاستدلال بالمفهوم؛ لأنّه لا يمكن تحصيل الفائدة البعيدة في أكثر المواضع التي يستدلّ بها على المفهوم، و لا يكفي مجرّد تجويز العقل و الاحتمال، خصوصا في صورة ادّعاء كون هذا الخبر دليلا للمشهور.

ثمّ قال:

فإن قلت: حمل الأوّل على زمان كون الهلال تحت الأفق يوجب اختلاف مقدار الأوّل مع مقدار كلّ واحد من الوسط و الآخر، أو مع مقدار أحدهما. و هو بعيد.

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 333، ح 1047.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 323‌

قلت: حمل (طاب ثراه) الوسط على الآن، و الآخر على الزمان الذي بعده، مع أنّه لا نسبة بينهما أصلا، فلا وجه لموجّه كلامه أن يذكر هذا الكلام، و إن ذكر بعنوان الاعتراض على الاستدلال بهذه الرواية على المشهور، أجيب بأنّ اعتبار المطابقة بين الأقسام الثلاثة غير ظاهر، بل ممتنع؛ لتعذّر علم المخاطبين بالأقسام حينئذ، و إن أريد التساوي التقريبي، فلا دليل على اعتبار التساوي بهذا المعنى و إن كان ممكنا في نفسه، فلعلّ المراد بالأوّل غير المذكور هو قدر من النهار الذي لا يرى الهلال فيه البتّة، و الوسط و الآخر ما بقي منه إلى الليل، و التميّز بينهما إنّما هو بحسب العرف، فإن اشتبه أواخر الوسط بأوائل الآخر فلا مضرّة فيه؛ لاتّفاقهما في الحكم. انتهى.

أقول: و سخافة هذه الكلمات غير خفيّ، سيّما بعد أدنى التفات إلى ما سبق.

ثمّ قال:

و أمّا رابعا؛ فلأنّ تفسير الوسط بالآن الذي هو وسط النهار المعروف بين المنجّمين هو تفسير وسط النهار بقبل الزوال؛ لأنّ الزوال هو زيادة الظلّ بعد نقصانه، فالوسط بمعنى الآن مبدأ خارج للزوال، فإرادة منتصف ما بين الحدّين من الوسط مع امتناعهما دالّة على المذهب الأوّل لا الثاني، فظهر قوّة دلالة الرواية على المشهور بحسب المنطوق إن سلّم كون النهار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، كما اختاره رحمه اللّه، و إن حمل على المعنى المشهور بين أهل الشرع، فالدلالة على المشهور أظهر. انتهى.

و قد عرفت مرارا ما يدفع به هذا، على أنّه يرد أيضا على قوله: «و إن حمل على المعنى المشهور»- إلى آخره- أنّ أظهريّتها غير معلومة؛ لأنّ الظاهر أنّ نصف النهار واحد على المذهبين، و الوسط العرفي أيضا واحد.

و اعلم أنّه يمكن تقرير الكلام- على تقدير إرادة الآن أيضا- على وجه يندفع أكثر اعتراضاته بأن تحمل لفظة «من» في قوله عليه السلام: «من وسط النهار» على الابتدائيّة بأن يكون آن الوسط ظرفا خارجيّا لزمان الرؤية، و يكون المراد من الآخر آن البعد المتّصل به، كما هو المتبادر. فيكون حاصل المعنى: إن لم تروا الهلال إلّا من الآن الذي هو الوسط، أو الآن الذي هو بعد آن الوسط فأتمّوا، إلى آخره، أو يكون مفاد الرواية: فإن لم تروا الهلال إلّا بعد وسط النهار- الحديث- و عدم ذكر حكم الرؤية في وسط النهار للمفاسد المذكورة سابقا.

فإن قلت: لو كان المراد من وسط النهار بعد وسطه لما كان الفرق في رؤية الهلال من وسط‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 324‌

النهار بين جزء و جزء في صدق كون الرؤية من وسط النهار؛ لأنّه يصدق على الرؤية في أيّ جزء كان بعده أنّها من وسط النهار، و لا في الحكم، فيكون ذكر «أو آخره» مستغنى عن الفائدة.

قلت: لعلّ ذكر الآخر باعتبار أنّ الشائع طلب الرؤية فيه، و حكمه معلوم لكلّ أحد، فأشار عليه السلام أنّ حكم جميع الأجزاء حتّى الجزء المتّصل بالوسط حكم الأجزاء الأخر، فحينئذ الدلالة على مذهبه ظاهرة، لكن لبعده و تطرّق بعض المناقشات فيه لم يذكره والدي العلّامة رحمه اللّه، فتدبّر حتّى تعلم حقيقة ما ذكرناه من المناقشات و البعد.

و منها:

فإن قلت: في بعض النسخ بعد قوله: «منتصف ما بين الحدّين» زيادة، و هي «أعني الزوال» و إن ألحقها بعد انتشار النسخ، و أيضا قد صرّح (طاب ثراه) في رسالة تحقيق الليل و النهار باتّحاد معنى الزوال و نصف النهار بسبب دلالة الروايات، و كلام جماعة يتمسّك بكلامهم عليه، و ظاهر الزوال إنّما هو بتجاوز الشمس عن دائرة نصف النهار، فنصف النهار أيضا إنّما هو بتجاوز المذكور بمقتضى الاتّحاد، و الظاهر أنّ وسط النهار في قوله عليه السلام: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره» هو نصف النهار الذي بيّن اتّحاده مع الزوال، و حينئذ يظهر حكم رؤية الهلال بعد تجاوز الشمس عن دائرة نصف النهار بمنطوق هذه الرواية، و حكم رؤيته قبله بمفهومها.

قلت: و فيه نظر؛ لأنّ ما استدلّ به على اتّحاد الزوال مع نصف النهار غير دالّ عليه، و قد أوضحت هناك. و على تقدير الدلالة فمراده رحمه اللّه من الزوال هناك نصف النهار، لا من نصف النهار هو الزوال، كما يظهر من التأمّل في كلامه.

و على تقدير التنزّل نقول: استعمال الزوال و انتصاف النهار في موضوع زعم استعمالها فيه بهذا المعنى لا يدلّ على استعمال وسط النهار بهذا المعنى في هذه الرواية. كيف، و إطلاق الوسط على خصوص الزوال إمّا بحسب الحقيقة أو المجاز، و لا سبيل إلى الأوّل، و الثاني إنّما هو بمجاورة الزوال مع نصف النهار، المعروف بين الرياضيّين و المنجّمين المصحّحة للتجوّز و لا اختصاص لها بالزوال، بل نسبة الجزء المتقدّم على وصول الشمس إلى الدائرة المعروفة مثل نسبة الجزء المؤخّر الذي عبّر عنه بالزوال، فلا وجه لتخصيص التجوّز بالمؤخّر.

و ما ذكرته إنّما هو على تقدير كون وسط النهار معنى مجازيا للوسط الذي هو الآن، و أمّا‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 325‌

إذا كان الوسط قدرا من الزمان الذي بين الزمانين اللذين يعبّر عن أحدهما بالأوّل و عن الآخر بالآخر، فلا خفاء في دلالة الرواية على المدّعى، و قد ظهر لك.

هذا ما ألحقه في الرسالة الثانية، غير ما ذكره بقوله: «فإن قلت» إلى «انتشار النسخ» فإنّه مذكور في الثالثة.

و فيه أنّه قد عرفت سابقا أنّا لا نحتاج إلى اعتبار الاتّحاد، بل يكفي لنا مجرّد إطلاق نصف النهار، و وسط النهار على الزوال و شيوعه فيه «1».

و ليس كلام والدي العلّامة (طاب ثراه) هناك صريح في الاتّحاد أيضا، و لا يتمّ التقريب على تقدير الاتّحاد؛ و لأنّه يمكن المعارضة بالمثل.

و ما ذكر بقوله: «و على تقدير التنزّل- إلى قوله:- فلا وجه لتخصيص التجوّز بالمؤخّر» أيضا مردود؛ لأنّه قد سبق وجه التخصيص، فتذكّر. و لا يضرّ تساوي النسبتين من حيث التجوّز، على أنّه إذا كان للشي‌ء- و هو الرؤية قبل الزوال- فردان: أحدهما أخفى، و الآخر أجلى، فلا بدّ من ذكر الأخفى و قياس الأجلى عليه، لا العكس، كما لا يخفى، فتأمّل.

فإذا ثبت أنّ المراد من لفظ «الوسط» في هذه الرواية الزوال ثبت المدّعى، كما حرّرنا سابقا، فتنبّه.

و زاد في الرسالة الثالثة ما ذكرناه مجملا مفصّلا، فقال:

فإن قلت: الاستدلال بها على عدم الاعتبار أيضا ضعيف؛ لأنّ النسبة بين هذه الرواية «2» و روايتي حمّاد و عبد الله في اشتمال حكم رؤيته قبل الزوال نسبة العامّ إلى الخاصّ؛ لدلالة الروايتين على كون رؤية الهلال قبل الزوال بالإطلاق أو العموم علامة لكونه للّيلة الماضية، و دلالة رواية محمّد بن قيس على كون رؤية الهلال في وسط النهار المشتمل على رؤيته قبل الزوال بالإطلاق أو العموم علامة لكونه للّيلة المستقبلة، فيجب حمل العامّ على ما عدا الخاصّ، كما هو من القواعد الواضحة المشهورة.

قلت: من تأمّل الرواية حقّ التأمّل يعلم أنّ مقصوده عليه السلام استيفاء احتمال الرؤية و عدمها، و بيان حكم كلّ منها؛ ليحصل للناظر الاطّلاع التفصيلي. فبقوله: «إذا رأيتم الهلال- إلى‌

______________________________
(1). تقدّم قوله رحمه اللّه في ص 14 من هذه الرسالة.

(2). أي رواية محمّد بن قيس المتقدّمة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 326‌

قوله:- عدل من المسلمين» بيّن حكم رؤيته في اليوم و الليلة السابقين، و بقوله: «فإن لم تروا الهلال- إلى قوله:- إلى الليل» بيّن حكم رؤيته في اليوم الحاضر، و بقوله: «فإن غمّ»- إلى آخر الخبر- بيّن حكم عدم الرؤية، فتخصيص وسط النهار في قوله: «فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار» ببعد نصف النهار يخرج الكلام عن مقتضى السياق.

و بالجملة، خلاصة الخبر حينئذ: إن رأيتم الهلال في اليوم الماضي أو الليلة الماضية فالحكم هو الإفطار، و إن رأيتم بعد انتصاف النهار الحاضر فالحكم هو الإتمام، و ظاهر أن العقل ينقبض عن إهمال بيان حكم رؤيته قبل الزوال، مع كونه حكم الرؤيتين السابقتين في مقام بيان التفصيل، و إحالة بيان حكمها إلى المفهوم مع كونها خارجة عن السياق [و] ظهر لك ضعف دلالة المفهوم هاهنا. و لو كان لفظ يحتمل اندراج قبل الزوال فيه لكان المناسب التعميم بحسب السياق، فكيف إذا كان في غاية الظهور فيه. انتهى.

و فيه أنّ هذه التقييدات لم تكن مدلولا ظاهريّا للخبر، و لو كان المقصود ذلك لم يناسب لفظ «الفاء» في قوله: «فإن لم تروا الهلال»، بل المناسب أن يقال: و إذا رأيته وسط النهار، بالواو بدل الفاء، و بدون الحصر أيضا، بل لا يحتاج إلى هذه الفقرة، و يكفي أن يقال: فإذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ثمّ أفطروا.

و لا يبعد أن يقال في حلّ الخبر: إنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «إذا رأيتم الهلال» العموم، و لمّا لم يكن هذا صحيحا، و تدخل فيه الرؤية بعد الزوال فاستثنى بقوله: «فإن لم تروا الهلال».

فالمقصود من هذا إخراج رؤية بعد الزوال، فحينئذ رؤية قبل الزوال داخل في عموم «إذا رأيتم» و قد عرفت ما في قوله: «فكيف إذا كان في غاية الظهور فيه!» فتذكّر.

و من زياداته في الرسالة الثالثة بعد ما سبق:

و في بعض النسخ بعد ما مرّ من كلامه رحمه اللّه: «و يدلّ على ذلك أيضا ادّعاء السيّد أنّ هذا قول عليّ عليه السلام، فإنّه يدلّ على ثبوت ذلك عند السيّد بالقطع؛ حيث لا يعمل بأخبار الآحاد و الظنون» هذا الاستدلال ممّا ألحقه بعد انتشار النسخ، و مراده بادّعاء السيّد ما ذكره في ضمن نقل أقوال الأصحاب في المسألة بقوله: «و ادّعى السيّد المرتضى رحمه اللّه أنّ عليّا عليه السلام، و ابن مسعود، و ابن عمر، و أنس قالوا به، و لا مخالف لهم».

و هو يندفع بحاشية كتبتها على الذخيرة، و هي أنّه ربّما يظنّ كفاية هذا النقل من السيّد الجليل (طاب ثراه) لإثبات مدّعاه بوجهين: أحدهما: كونه قول عليّ عليه السلام. و ثانيهما:

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 327‌

قوله: «و لا مخالف لهم».

و فيه أنّ المنقول لو كان ثابتا لكان كلّ واحد منهما دليلا تامّا، لكن شهرة القول بخلافه، و عدم موافقة الشيخ- مع كونه معاصرا له و من تقدّم عليه و من تأخّر عنه مع كون المسألة متوفّرة الدواعي- مانعة عن الثبوت لنا. و قد لا يفيد الظنّ أيضا، و لعلّه رحمه اللّه اعتمد بنقل بعض من لا يصحّ الاعتماد عليه، أو بعض أمارات كذلك، فنقله؛ فلذلك لم ينقل الأصحاب عن أمير المؤمنين عليه السلام، و لا عن أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه و آله الذين نقل عنهم، و قال أكثر الأصحاب بعدم الاعتبار، كما يدلّ عليه قوله رحمه اللّه: «المشهور بين الأصحاب أنّه لا اعتبار برؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال». انتهى.

و فيه أنّ العلّامة في المختلف قال: «و ادّعى السيّد» «1». فظاهره ثبوت ذلك عنده، و يعاضده ما في جواب المسائل الناصريّة: «و هذا صحيح، و هو صحيح مذهبنا» «2». و لم يكن عندنا ما يمنع عن ظنّ ثبوت ذلك في الواقع، و ما جعله مانعا مردود؛ لأنّ الشهرة ممّن تقدّم عليه ممنوع، و لم نطّلع على قائل بخلافه من المتقدّمين عليه إلّا ما نقله العلّامة عن ابن الجنيد «3»، و لعلّ ذلك لم يثبت عند السيّد رحمه اللّه، أو يكون حكمه حكم سائر الإجماعات التي ثبت نقلها عنهم مع وجود المخالف.

و مخالفة الشيخ- مع كونه معاصرا له أيضا- لا تضرّ؛ لأنّه يمكن أن تكون تلك المخالفة بعد عصره؛ لأنّ الشيخ كان بعد ذلك مدّة، و على تقدير كونها في عصره، و كان عالما بها لمّا كانت جهة المخالفة ضعيفة، فنزّل مخالفته منزلة العدم و قال: «لا مخالف لهم» «4». و مجرّد الشهرة بين من تأخّر عنه لا تفيد بمقصوده، و لا تكون حجّة أصلا؛ لما حقّقنا في رسالة الجمعة، فإن أردت تحقيقها فارجع إليها، و لعلّ منشأ الشهرة قول الشيخ رحمه اللّه هنا، حيث ذكر الشهيد الثاني:

أنّ بعد زمان الشيخ لم يكن مفت على التحقيق، و كانوا مقلّدين له، فلما رأوا المتأخّرون حكمهم في مسألة زعموا أنّ تلك المسألة مشهورة بين الأصحاب، و لم يتفطّنوا أنّ منشأ‌

______________________________
(1). مختلف الشيعة، ج 3، ص 358، المسألة 89.

(2). المسائل الناصريّات، ص 291، المسألة 126.

(3). مختلف الشيعة، ج 3، ص 358، المسألة 89.

(4). الخلاف، ج 2، ص 171، المسألة 10.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 328‌

حكمهم فتوى الشيخ، فقالوا: إنّ المشهور بين الأصحاب ذلك، قال: و تنبّه بذلك الشيخ سديد الدين الحمصي و رضي الدين بن طاووس و جماعة «1».

و بالجملة، إن كان مقصوده من قوله: «إنّ المنقول لو كان ثابتا»- إلى آخره- القطع بالثبوت فهو غير معتبر في كونه دليلا، و إن كان ظنّ الثبوت في الواقع فقد عرفت حاله و أنّه مفيد للظنّ، فحكمه حكم سائر الأدلّة المفيدة للظنّ. فبما أوضحنا ظهر ضعف قوله هنا أيضا، فتأمّل.

قال والدي العلّامة (طاب ثراه):

و يؤيّده ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى، قال: كتبت إليه: جعلت فداك ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال، و ربّما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ إلى الليل؛ فإنّه إن كان تامّا رئي قبل الزوال».

وجه التأييد أنّ المسؤول عنه هلال رمضان، لا هلال شوّال، و معنى التعليل أنّ الرؤية قبل الزوال إنّما تكون إذا كان الهلال تامّا، و تماميّة الهلال أن يكون بحيث يصلح للرؤية في الليل السابق، أو المراد أنّ شهر رمضان أو الشهر الذي نحن فيه إذا كان تامّا يعني إذا تمّ و انقضى رئي الهلال الجديد قبل الزوال، و حمل هلال شهر رمضان على شوّال بعيد جدّا، مع تنافره عن أسلوب العبارة أيضا، على أنّ المذكور في العبارة الإفطار قبل الزوال، و تقييد الإفطار بكونه قبل الزوال لا يستقيم على تقدير الحمل على هلال شوّال، بخلاف هلال رمضان؛ فإنّ الإفطار بعد الزوال في الصيام المستحبّ ممّا نهي عنه.

و لو حمل هلال شهر رمضان على هلال شوّال- و جعل معنى التعليل أنّ الشهر إذا كان بالغا إلى الثلاثين رئي الهلال قبل الزوال- لم ينطبق على مجاري العادات الأكثريّة و الشواهد النجوميّة «2». انتهى كلامه، رفع الله مقامه.

قال الفاضل (زيد فضله):

اعلم أنّ الشيخ رحمه اللّه روى هذه الرواية عن عليّ بن حاتم، عن محمّد بن جعفر، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، و الشيخ يروي عن عليّ بن حاتم‌

______________________________
(1). الرعاية، ص 74- 75.

(2). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 329‌

بواسطة الحسين بن عليّ بن شيبان، و جهالته لا تضرّ؛ لكونه من مشايخ الإجازة، و وصف في الفهرست كتب عليّ بن حاتم بكونها جيّدة معتمدة، فالكتاب الذي أخذ الحديث منه ظهر للشيخ كون هذا منه، و محمّد بن جعفر هاهنا الرزّاز بقرينة روايته عن محمّد بن أحمد بن يحيى، و جهالته أيضا لا تضرّ؛ لأنّه لم ينقل منه كتاب، و الظاهر أنّه لم يكن في زمانه رواية ما في الصدور، و ضبط السامع ما سمعه، و إثباته في الكتب متعارفة، فالظاهر أنّه راوي كتاب محمّد بن أحمد بن يحيى، و كتبه معروفة، فجهالة هذا الراوي لا تضرّ بالسند، فروايته معتبرة.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ ظاهر قول محمّد في المكاتبة: «فترى أنّ نفطر؟» هو كون المراد بهلال رمضان هو هلال شوّال؛ لظهوره في أنّ كونه صائما إلى الرؤية مسلّم، فالسؤال إنّما هو في جواز الإفطار بعدها، و هذا إنّما يناسب هلال شوّال لا هلال رمضان، فحينئذ معنى السؤال: أنّه هل ترى أنّ نفطر الصوم الذي أردناه في الليل السابق كما هو مقتضى القانون الشرعي؟ و معنى الجواب: أنّك تتمّ الصوم- الذي كنت مريدا له في الليل- إلى الليل؛ لأنّ رؤية الهلال قبل الزوال لا تدلّ على كون هذا اليوم من الشهر الجديد؛ لأنّ الشهر إذا كان ثلاثين قد يكون خروج الشعاع في وقت و الهلال على وضع يكون قبل الزوال قابلا للرؤية البتّة.

و إرادة شهر شوّال من لفظ شهر رمضان جائزة بتحقّق الملابسة المصحّحة؛ للإضافة.

و القرينة المذكورة تجعل اللفظ ظاهرا في شوّال، و لا منافرة لما ذكرته عن أسلوب العبارة، فظهر أنّ المطلقة و هي قوله عليه السلام: «إن كان تامّا» متحقّقة في ضمن الجزئيّة، و ظهر أنّ الجزئيّة كافية هاهنا و مفيدة.

و ما ذكر في الأصول من حمل المطلقة في الأخبار و الآيات مثل أن يقول: «في سائمة الغنم الزكاة» و لم يظهر من كلامهم عليهم السلام فرق بين سائمة و سائمة على الكلّيّة إنّما هو للحذر من خروج كلامهم عليهم السلام عن الإفادة، و كذلك إذا لم يظهر فرق بين معلوفة و معلوفة، يجب حمل المفهوم على الكلّيّة؛ للدليل المذكور، و ظاهر أنّ هذا الدليل غير جار في حمل المطلقة فيما نحن فيه على الكلّيّة. انتهى.

أقول: و يرد عليه أنّ النجاشي قال: «عليّ بن حاتم يروي عن الضعفاء» «1»، و هذه الرواية‌

______________________________
(1). رجال النجاشي، ص 263، الرقم 688.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 330‌

يحتمل أن يكون منها. و قول الشيخ في الفهرست: «أنّ كتبه جيّدة» «1» لا يدلّ على أنّ الرواية الضعيفة لا تكون فيها. و قول الشيخ في الفهرست: «أخبرنا بكتبه و رواياته» «2» محتمل لأن تكون له روايات غير الكتب، و عدم نقل الكتاب لمحمّد بن جعفر لا يدلّ على العدم، و عدم تعارف رواية ما في الصدور في ذلك الزمان أيضا غير معلوم.

و يظهر من كلام العلّامة في المختلف أنّه لا يسلّم هذا السند؛ حيث قال: «و رواية محمّد بن عيسى- بعد تسليم سندها- أنّها مشتملة على المكاتبة، و لا ينفكّ عن ضعف» «3». انتهى.

و من قال بضعفها- لكونه مضمرا- لا يخلو عن شي‌ء في أمثال هذه المواضع.

و الحاصل أنّ القول باعتبار هذه الرواية لا يخلو عن تأمّل و إن كان اعتبارها لا يضرّ، لكنّ المقصود ممّا ذكرناه أنّ ما ذكره في وجه الاعتبار يمكن المناقشة فيه.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ غاية ما يستفاد من ظاهر قول محمّد كونه صائما، و لا يظهر أنّ صومه بطريق الوجوب أو الاستحباب، و استحباب صوم يوم الشكّ ثابت في الشرع، و في بعض الأخبار: «فإن كانت مغيّمة «4» فأصبح صائما، و إن كانت صاحية و تبصّرته و لم تر شيئا فأصبح مفطرا» «5». فحينئذ فلا بعد في أن يكون مراده أنّ الصوم الذي أردته في الليل السابق باعتبار الغيم جواز إفطاره في النهار قبل الرؤية معلوم، و أمّا بعد الرؤية فهل يجوز إفطاره أم لا؟ فأجاب عليه السلام بقوله: «تتمّ» «6» إلى آخره. يعني إذا تمّ و انقضى، أو إذا كان صالحا للرؤية في الليل السابق لرئي، فيكون هلالا جديدا، فلا يكون خلاف ظاهر على تقدير حمله على هلال رمضان.

فظهر ضعف ما ذكره بقوله: «و هذا إنّما يناسب هلال شوّال لا هلال رمضان» و ظاهر قوله:

«فالسؤال إنّما هو في جواز الإفطار».

______________________________
(1). الفهرست، ص 98، الرقم 415.

(2). المصدر السابق.

(3). مختلف الشيعة، ج 3، ص 360، المسألة 89.

(4). في المصدر: «متغيّمة».

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 159، ح 447.

(6). تقدّم في ص 26 من هذه الرسالة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 331‌

و لعلّ هذا أقرب، و إن أمكن المناقشة فيه، فهو يناسب هلال رمضان، كما لا يخفى.

و لو سلّم كون ظاهر «نفطر» مناسبا لهلال شوّال، فقوله: «و القرينة المذكورة تجعل اللفظ ظاهرا في شوّال» في محلّ المنع؛ لأنّ إبقاء القرينة على الظاهر و ارتكاب خلاف الظاهر في هلال رمضان ليس أولى من العكس، بل هذا أولى، فكيف يجعله ظاهرا في شوّال.

و ظاهر قوله: «و لا منافرة لما ذكرته عن أسلوب العبارة» أنّ على تقدير هذا الحمل يلزم المنافرة و يرتفع بتقديره، فكان ينبغي أن يذكر ذلك التنافر حتّى يظهر رفعه بتقديره؛ لأنّ والدي العلّامة لم يذكر وجه التنافر، و له احتمالات. فلعلّ وجه التنافر أنّ الأسلوب يقتضي لفظ «فيجب» حينئذ بدل قوله: «فترى» و غير ذلك من الوجوه.

و قوله: «فظهر أنّ المطلقة»- إلى آخره- أيضا ممنوع، بيانه أنّ معنى قوله عليه السلام: «فإن كان تامّا لرئي» «1» على تقدير إرجاع الضمير إلى الشهر المطلق المفهوم بحسب المقام، أو إلى المذكور في ضمن شهر رمضان و هو أقرب، كان المعنى أنّ الشهر أعمّ من أن يكون تامّا أو ناقصا، إن كان تامّا- أي وقت كونه متّصفا بالتماميّة، أيّ وقت كان- يترتّب عليه حكم الرؤية، فترتّب الرؤية على مجرّد التماميّة ظاهره أنّ التماميّة مستقلّ، لا أنّه إذا ضمّ إليه شي‌ء آخر في بعض الأوقات لرئي؛ و لهذا قال بعض الأفاضل: إنّ ظاهر منطوق الشرط و الصفة العموم، فإذا دخل عليه لفظ «كلّ» كان تأكيدا للعموم المستفاد من الشرط أو الصفة في أمثال هذه المقامات.

و ما ذكر بقوله: «و ما ذكر في الأصول- إلى قوله- على الكلّية» «2» من الحصر ممنوع، و إنّما يستقيم على تقدير الحمل على جزئي بخصوصه، و أمّا إذا حمل على أيّ جزئيّ كان، لم يكن كلامهم خارجا عن الإفادة. و تمثيل بواحد من الجزئيّات- كما في المثال المذكور- إن حمل على الجزئيّة كان المعنى: لبعض سائمة الغنم زكاة، أيّ بعض كان، لا لكلّه، بل الوجه ما ذكرناه؛ لأنّ الكلّ مشترك مع البعض في السائميّة، و علّق الزكاة على مجرّد السوم، فيكون الظاهر العموم، فلو لم يحمل على الكلّية في موضع من المواضع باعتبار مانع، فلا بدّ من حمله‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 490.

(2). تقدّم في ص 27 من هذه الرسالة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 332‌

على الأكثريّة «1». و الظاهر أنّ هذا سبيل الاستظهار، فتأمّل.

ثمّ قال:

و ما ذكره رحمه اللّه من حمل التامّ على المعنيين المذكورين فهو حمل للّفظ على معنى لا ينساق ذهن أكثر الناس لو لم نقل بعدم انسياق ذهن أحد إليه، و إرجاع الضمير إلى الشهر المفهوم بحسب المقام ممكن، و أرجع رحمه اللّه هذا الضمير إلى الشهر بقوله: «أو المراد أنّ شهر رمضان» إلى آخره. انتهى.

و يرد «2» على قوله: «و ما ذكره رحمه اللّه من حمل التامّ»- إلى آخره- أنّ على تقدير تسليم البعد في المعنى الأوّل فلا بعد في المعنى الثاني أصلا، بل هو شائع متعارف، و يقولون عند رؤية هلال شهر: «إنّ الشهر الفلاني قد انقضى، و دخل الشهر الآخر».

و في قوله: «و أرجع رحمه اللّه»- إلى آخره- أيضا مناقشة؛ لأنّ قول والدي العلّامة رحمه اللّه: «أو المراد» «3»- إلى آخره- يحتمل أن يكون من باب التمثيل، فلا يكون في صدد بيان إرجاع الضمير، فحينئذ لا يتعيّن الإرجاع إلى الشهر المطلق، فتأمّل. ثمّ قال (وفّقه الله):

اعلم أنّ قوله عليه السلام: «إن كان تامّا لرئي قبل الزوال» مشتمل على منطوق و مفهوم، و هو أنّه إن لم يكن تامّا لم ير قبل الزوال، و ظاهر أنّ منطوق الرواية لا يدلّ على مذهب السيّد رحمه اللّه، سواء أخذ كلّيا أو جزئيّا؛ لأنّ كون رؤية بعض التامّ أو كلّه قبل الزوال لا ينافي رؤية بعض غير التامّ قبله، فبرؤية قبل الزوال لا يمكن الحكم بكون الهلال تامّا كما ذكره أوّلا، أو الشهر تامّا كما ذكره ثانيا، بل يحتاج إلى حمل الأصل على الكلّيّة و المفهوم أيضا عليها، و ليس شي‌ء منهما بعيدا عند أدنى حاجة، و جعل المقصود بالإفادة هو المسكوت الذي هو أنّه إن لم يكن الهلال تامّا أو الشهر تامّا لم ير قبل الزوال.

و ظاهر أنّ ترك المقصود بالإفادة و ذكر ما يستنبط منه حكم المسكوت الذي هو المقصود بالإفادة في غاية البعد، فلا يجوز حمل كلامه عليه السلام عليه بلا ضرورة داعية إليه،

______________________________
(1). في بعض النسخ زيادة، و هي: «و لهذا قيّد والدي العلّامة «العادات» بالأكثريّة».

(2). في بعض النسخ زيادة، و هي: «و إلّا يمكن منع إجراء المعادة مطلقا إن كان المراد بالتامّ المعنى المتعارف بين الناس و المنجّمين و إن كان بحسب القواعد ممكنا كما في تسع و عشرين، مع أنّه سلّم أنّ الرؤية قبل زواله غير ممكن عادة، كما في رؤية النجوم بعد طلوع الشمس».

(3). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 333‌

فكيف يحمل عليه، و يجعل مؤيّدا لمذهب السيّد الذي يتوقّف على كونه ظاهرا فيه؟

فظهر بما ذكرته أنّه لو لم ينضمّ إلى أحد البعدين- اللذين هما: بعد حمل التامّ على المعنيين، و بعد جعل المقصود بالإفادة هو المسكوت- البعد الآخر لكان كافيا في الحكم ببطلان التوجيه المشتمل عليه إذا كان للرواية محمل لا يشتمل على مثله، فكيف إذا اجتمعا فيه؟

و لو قيل: إنّ مراده رحمه اللّه من قوله: «و معنى التعليل أنّ الرؤية قبل الزوال إنّما تكون إذا كان الهلال تامّا» لزومه من قوله عليه السلام: «إن كان تامّا لرئي قبل الزوال» بعنوان الانعكاس، فمع بعده- لعدم قول أحد بانعكاس الموجبة الكلّيّة كلّية- يرد عليه ما أورد عليه على تقدير استفادته من المفهوم. انتهى.

أقول: نحن نبيّن كلام والدي العلّامة رحمه اللّه حتّى يسهل لك دفع ما ذكره بقوله: «اعلم، إلى آخره».

اعلم أنّ والدي العلّامة (طاب ثراه) قال: «إنّ المسؤول عنه هلال رمضان لا هلال شوّال، و معنى التعليل أنّ الرؤية قبل الزوال إنّما تكون إذا كان تامّا» «1»- إلى آخره- حاصله أنّ المذكور في كلام السائل هلال رمضان، و ظاهره أنّ المسؤول عنه هو هلال رمضان، و ينبغي حمل الجواب على وجه يطابق المسؤول الظاهر من السؤال، فهو بأن يكون في الواقع منحصرا في ذلك، و القرينة عليه إمّا الأسلوب أو غيره، و إن لم يكن مدلولا ظاهريّا للّفظ.

فإن قلت: لا ترجيح لإبقاء السؤال على الظاهر و ارتكاب خلاف الظاهر في مدلول التعليل، بل يمكن إبقاء التعليل على الظاهر باعتبار معلوميّة أنّ مقصود السائل السؤال عن هلال شوّال للإمام عليه السلام باعتبار بعض القرائن و إن ساهل في لفظه.

قلت: لا يمكن إرادة المدلول الظاهر من التعليل على تقدير ارتكاب خلاف الظاهر في السؤال، و حمل التامّ على الثلاثين أيضا؛ لأنّ الرؤية إذا لم تكن منحصرة في الثلاثين لم يكن لذكر الثلاثين في هذا المقام دون تسع و عشرين وجه معتدّ به، و ذكر هذا دون ذلك دليل الحصر. فظهر أنّه لا بدّ من اعتبار الحصر في الاحتمالين، لكن جهة الاعتبار مختلفة، و أيضا‌

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 334‌

الرؤية مترتّبة على التماميّة، فتكون التماميّة شرطا لها، و بانتفاء الشرط ينتفي المشروط، إلّا إذا ثبت أنّ لها شرطا آخر، و لمّا لم يثبت فيما نحن فيه شرط آخر فالأصل عدمه، فيتعيّن أن يكون هو الشرط، فثبت الانحصار ظاهرا.

فبما ذكرنا يسهل عليك دفع ما ذكره؛ لأنّ الدلالة لا تنحصر في المنطوق الصريح و المفهوم، بل للدلالة أنحاء شتّى، و في بعض المواضع بالقرائن أعمّ من الخارجيّة و الداخليّة.

و لو سلّم انتفاء الدلالة مطلقا فقوله: «بل يحتاج إلى حمل الأصل على الكلّيّة و المفهوم أيضا عليها» غير سديد، بل يكفي اعتبار الكلّية في المفهوم فقط.

ثمّ قال:

و قوله رحمه اللّه: «و تقييد الإفطار بكونه قبل الزوال» صريح في جعله «قبل الزوال» ظرفا لقول السائل: «نفطر»، و يمكن أن يكون ظرفا لقوله: «رأيناه» و قدّم للإشارة إلى أنّ المقصود من السؤال هو هذا؛ للعلم بحكم الرؤية بعد الزوال، و إن جعل ظرف «نفطر»- كما اختاره رحمه اللّه- يحتاج إلى أن يقال: إنّ مراده بقوله: «إذا رأيناه» أنّه إذا رأيناه قبل الزوال، مع عدم كونه مذكورا هاهنا بالقرينة، و هي ظهور أنّ الرؤية بعد الزوال لا تصير سببا لجواز الإفطار قبل الزوال الذي هو قبل الرؤية حينئذ، و أمّا إذا جعلناه ظرفا لقوله: «إذا رأيناه» فيكون المعنى إذا رأيناه قبل الزوال- الذي هو المقصود بالسؤال- هل يجوز لنا أن نفطر أم لا؟ و لا يتعلّق غرض أحد بالاستفسار عن كون وقت الإفطار قبل الزوال حتّى يقال:

«إنّه لا يستقيم إلّا في الصوم المستحبّ»؛ لأنّه إذا جاز الإفطار برؤية الهلال قبل الزوال يجوز الإفطار بعد الرؤية أيّ وقت شاء، سواء كان قبله أو بعده.

و على تقدير تسليم كون قبل الزوال ظرف «نفطر» نقول: مراد السائل من تقييد الإفطار بقبل الزوال هو الإشارة إلى أنّ سؤاله إنّما هو عن الإفطار بعد الرؤية التي تحقّقت قبل الزوال؛ لأنّه إذا وجب الإفطار برؤيته قبل الزوال يكون الإفطار أيضا قبل الزوال غالبا، فالمقصود من السؤال عن الإفطار قبل الزوال السؤال عن إيجاب الرؤية قبل الزوال للإفطار بذكر لازمها الأكثري على تقدير الإيجاب، و لا يبعد أن يكون سؤال إيجاب الرؤية قبل الزوال للإفطار ناشئا عن كونه مذهب بعض العامّة الذي كان في زمانه عليه السلام، فأجاب بعدم الإيجاب، كما أومأت إليه. فظهر ضعف قوله: «و تقييد الإفطار بكونه- إلى قوله:- ممّا نهي عنه».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 335‌

و قوله: «و لو حمل هلال شهر رمضان»- إلى آخر ما نقل من كلامه- إنّما يصحّ إذا حمل الكلام على الكلّيّة، و لا يخفى كفاية الجزئيّة، كما أومأت إليها، و لا حاجة إلى الكلّيّة التي حمل الكلام عليها، و زعم من عدم صحّتها عدم جواز إرادة شهر شوّال من لفظ شهر رمضان. و صاحب المدارك جعل هذه الرواية من الروايات الدالّة على المذهب المشهور، و لم يلتفت إلى إضافة الهلال إلى رمضان. انتهى.

اعلم أنّ قول أبي رحمه اللّه: «لا يستقيم على تقدير الحمل»- إلى آخره- يحتمل أن يكون المقصود أنّه لا يكون المعنى على استقامة العبارة و إبقائه على الظاهر، بل يحتاج إلى ارتكاب خلاف ظاهر و تكلّف لا يكون أولى بالنسبة إلى الظاهر، بل يكون إبقاؤه على الظاهر أولى؛ لأنّه أتمّ فائدة، فحينئذ اندفع قوله: «و يمكن أن يكون ظرفا لقوله: «رأيناه» و قدّم للإشارة إلى أنّ المقصود من السؤال هو هذا؛ للعلم بحكم الرؤية بعد الزوال»؛ لأنّه لم يدّع التعيين، على أنّ هذه الإشارة المستفادة من ظاهر كلامه تحصل على تقدير كونه ظرفا لقوله عليه السلام: «نفطر»، و إن كان مقصوده أنّه قدّم للإشارة إلى الاهتمام و إن كان لا يلائم ظاهر عبارته، فالظاهر عدم أولويّته، بل ذلك أولى، فلعلّ هذا القدر يكفي للتأييد، و أيضا لا يضرّ بأصل المدّعى؛ لأنّ مبنى التأييد ليس على هذا بخصوصه.

و يرد على قوله: «و إن جعل ظرف نفطر كما اختاره رحمه اللّه»- إلى آخره- أن لا قصور في نصب قرينة يفهم المقصود بسببها و تفيد فائدة أخرى، بل من المحسّنات.

و ظهر أيضا اندفاع قوله: «و على تقدير تسليم كون قبل الزوال»- إلى آخره- لأنّه تكلّف لا يساوي الفائدة الّتي ذكرها أبي رحمه اللّه.

و يرد على قوله: «و لا يبعد»- إلى آخره- أنّه في غاية البعد كما لا يخفى، فظهر ضعف قوله: «و تقييد الإفطار» إلى آخره.

و ضعف قوله: «و لو حمل هلال رمضان»- إلى آخره- ظهر أيضا ممّا سبق، و لا يحتاج إلى الإعادة.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ الفائدة في تقييد الإفطار بقبل الزوال- إذا حمل على هلال شوّال- أنّ الإفطار إذا كان بعد الزوال يكون بعد صلاة العيد، و المستحبّ في الفطر أن يكون قبل صلاة العيد، فيكون التقييد إشارة إلى هذا المعنى، فتأمّل.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 336‌

و ممّا يشعر إشعارا تامّا بمذهب السيّد رحمه اللّه ما رواه بسّام الجمّال:

أنّ رجلا قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فيما بين مكّة و المدينة في شعبان و هو صائم، ثمّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر، قلت له:- جعلت فداك- أمس كان من شعبان و أنت صائم، و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟ فقال: «إنّ ذلك تطوّع، و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض، فليس لنا أن نفعل إلّا ما أمرنا» «1».

و أمثال «2» ذلك كثير، لكن بناء الإشعار في هذا الخبر و أمثاله على كون الظاهر من لفظ «فأفطر» أن يكون صائما، و يكون الإفطار بعده بلا مهلة، و لو منعهما باعتبار شيوع الأوّل في غير هذا، و «فاء» الشرطية لا يلزم أن تكون بلا مهلة كما ذكره بعض الأصحاب، فلا إشعار لها «3».

نعم، يمكن تأييد عدم الاعتبار ببعض الروايات، كرواية الحسين بن سعيد، عن محمّد بن فضيل، عن أبي الصباح، و عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحلبي جميعا، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:

قلت: أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما، أقضي ذلك اليوم؟ فقال: «لا، إلّا أن يشهد لك بيّنة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك اليوم فاقض ذلك اليوم» «4».

______________________________
(1). الكافي، ج 4، ص 131، باب صوم التطوّع في السفر و تقديمه و قضاؤه، ح 5.

(2). في بعض النسخ زيادة و هي: «و أقلّ إشعارا منه صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، أله أن يصوم؟ قال: «إذا لم يشكّ فليفطر، و إلّا فليصم».

و ما رواه إسماعيل بن سهل، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج أبو عبد الله عليه السلام من المدينة في أيّام بقين من شعبان فكان يصوم، ثمّ دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فأفطر، فقيل له: تصوم شعبان و تفطر رمضان؟ فقال:

«نعم، شعبان إليّ، إن شئت صمته و إن شئت لا، و شهر رمضان عزم الله (عزّ و جلّ) عليّ الإفطار».

(3). في بعض النسخ زيادة، و هي: «و يشعر به أيضا في الجملة ما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور في الزيادة و النقصان، فإن تغيّمت السماء يوما فأتمّوا العدّة»؛ لأنّ المراد باليوم إمّا الثلاثون أو تسع و عشرون، و ترتّب قوله عليه السلام: «فأتمّوا العدّة» على الثلاثين لا يحتاج إلى التكلّف، بخلاف تسع و عشرين، فإنّه محتاج إلى التكلّف، كما لا يخفى.

نعم، يمكن تأييد عدم الاعتبار بضعيفة صابر مولى أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصومه تسعة و عشرين يوما، و يفطر للرؤية و يصوم للرؤية، أ يقضي يوما؟ فقال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا، إلّا أن يجي‌ء شاهدان عدلان، فيشهدا أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما».

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 156، ح 434.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 337‌

و بهذا المضمون أخبار أخر «1»، لكن دلالة هذا أظهر؛ لأنّ لفظ «اليوم» مذكور بعد قوله عليه السلام:

«قبل ذلك» بخلاف باقي الأخبار.

وجه التأييد أنّ الظاهر من قول السائل: «أقضي ذلك اليوم؟» اليوم الذي أفطر في أوّل الشهر، و مشار إليه بذلك في قوله: «قبل ذلك» الظاهر أيضا ذلك، و حمله على يوم الصوم لا يخلو عن تكلّف، و في باقي الأخبار يمكن أن يكون المشار إليه غير ذلك، كوقت الرؤية و غيره، كما لا يخفى. و يمكن أن يكون التخصيص باعتبار أنّه الفرد الغالب الشائع، و دلالته أيضا بعنوان العموم، و رواية الموثّقة و الحسنة خاصّتان، فيحمل على غير هذه الصورة.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ ما ذكره الفاضل الأردبيلي- أن ليس في الحديث ما يدلّ على الحصر «2»- محلّ كلام. و يمكن توجيه كلامه بالتكلّف، فتدبّر. «3»

ثمّ قال والدي العلّامة (طاب ثراه):

و يؤيّد مذهب السيّد ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار في الموثّق، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان؟ فقال: «لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه، و إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل» «4».

و لم يذكر (طاب ثراه) وجه التأييد.

قال الفاضل (وفّقه الله):

فإن كان وجهه هو حمل الأمر بالإتمام على ظاهره الذي هو الوجوب فهو ضعيف؛ لقوله رحمه اللّه بشيوع الأوامر في كلام الأئمّة عليهم السلام في الاستحباب، بحيث لا يتبادر منها الوجوب عند خلوّها عن القرينة، فكيف يكون هذا الأمر ظاهرا في الوجوب، و مع قطع النظر عن عدم قوله بظهور هذه الأوامر في الوجوب نقول: ليس الوسط ظاهرا في قبل الزوال فقط، و لا هو مساوي الاحتمال؛ لعدم الاختصاص و إن لم يكن نافيا له حينئذ؛ لبعد‌

______________________________
(1). انظر وسائل الشيعة، ج 10، ص 261- 275، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان.

(2). مجمع الفائدة و البرهان، ج 5، ص 299- 300.

(3). في بعض النسخ زيادة، و هي: «و ربّما يتوهّم بإشعار بعض الأخبار على عدم الاعتبار أيضا، كرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان، فإذا صمت تسعة و عشرين يوما ثمّ تغيّمت السماء فأتمّ العدّة» باعتبار عدم تفصيله عليه السلام. لكن بعد التأمّل يظهر عدم إشعاره، فتدبّر».

(4). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 338‌

اختصاصه بزمان هو قدر نصف ما بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس الذي يكون آخر هذا النصف نصف النهار النجومي لو قلنا باحتمال الاختصاص، فإطلاق الأمر بالإتمام عند رؤية الهلال في وسط النهار قرينة إرادة أحد الأمرين اللذين هما الرجحان المطلق الذي لم يمكن الاستدلال به على الوجوب، كما هو ظاهر جعله رحمه اللّه هذه الرواية مؤيّدة لما اختاره، أو الاستحباب كما حمل الشيخ رحمه اللّه أو الراوي الأمر بالاتمام عليه.

و إن تنزّلنا عن عدم قوله بظهور هذه الأوامر في الوجوب، و عن دلالة القرينة المذكورة على عدم إرادة الوجوب هاهنا نقول: المراد ب‍ «الوسط» في هذه الرواية إمّا ما بين الحدّين، أو منتصف ما بين الحدّين، فعلى الأوّل لا يمكن حمل الأمر بالإتمام على الوجوب؛ لاندراج بعد الزوال في الوسط بهذا المعنى، و على الثاني يلزم عليه أن يكون الوسط بعد الزوال؛ لأنّه (طاب ثراه) حمل قوله عليه السلام في رواية محمّد بن قيس، السابقة:

«فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار، أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» على وجوب الإتمام على التقديرين في هلال شوّال، و الحال أنّه قال بوجوب الإفطار عند رؤية الهلال قبل الزوال، فيلزمه أن يكون الوسط هناك بعد الزوال، و كلامه هناك يدلّ على انحصار معنى الوسط في الاحتمالين المذكورين، فالاحتمال الثاني متعيّن عند بطلان الاحتمال الأوّل، و هو كان موجبا لإتمام الصيام عند رؤية هلال شوّال فيه، فكيف يوجب هاهنا الإتمام عند رؤية هلال رمضان فيه؟

و حمل «الوسط» في إحدى الروايتين على بعد الزوال و في الأخرى على قبله، حمل للّفظ في كلّ رواية على ما يوافق مطلوبه بلا بيّنة و دليل، كما ظهر لك.

و ما ذكرته إنّما هو على تقدير تسليم ما ذكره رحمه اللّه، و إلّا فقد عرفت عند تكلّمي فيما ذكره رحمه اللّه في صحيحة محمّد بن قيس امتناع إرادة هذا الاحتمال، فالاحتمال الأوّل الذي ذكره رحمه اللّه، أو ما هو مثله هو المتعيّن، فيجب حمل الأمر بالإتمام إمّا على الرجحان المطلق، أو على الاستحباب، فظهر أنّه لا تأييد بهذه الرواية لما جعلها رحمه اللّه مؤيّدة بوجه من الوجوه. انتهى.

نقول: هاهنا لا يمكن حمل الأمر على الاستحباب إلّا بتكلّف بعيد؛ لأنّ قوله عليه السلام: «و إذا رأيته وسط النهار»- إلى آخره- يأبى عن ذلك؛ لأنّ استحبابه ثابت، سواء رئي أو لم ير، لا أنّه بسبب الرؤية يصير مستحبّا. و قرينة أخرى لفظة «لا تصمه»؛ لأنّه نهي عن الصوم الواجب‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 339‌

بنيّة رمضان و الواجب، لا الصوم مطلقا. و يؤيّده: «إلّا أن تراه أو شهد». إلى آخره.

فقوله: «فأتمّ صومه» كان محمولا على الوجوب بمقتضى المقابلة، فينبغي حمل الأمر على الوجوب أو الرجحان المتحقّق في ضمن الوجوب، و حينئذ يكون المقصود في هذه الرواية من «الوسط» هو الجزء الّذي ينتهي إلى الآن الحقيقي، و التخصيص باعتبار أنّ هذا هو الفرد الخفيّ المستلزم للحكم في سائر الأجزاء السابقة بطريق أولى، أو غير هذا من معاني الوسط، و ارتكاب خلاف الظاهر في رؤية الوسط، و أن تكون الرؤية في بعض أجزائه موجبة للإتمام دون الكلّ بالدليل الخارج. فبما حرّرنا ظهر اندفاع جميع ما ذكره في هذا المقام.

أمّا اندفاع قوله: «فإن كان وجهه هو حمل الأمر- إلى قوله:- مع قطع النظر» ظاهر؛ لأنّ في هذه الصورة لم يكن خاليا عن القرينة، و قد عرفت القرينة. و دفع قوله: «مع قطع النظر- إلى قوله:- فإطلاق الأمر بالإتمام» أيضا ظاهر؛ لأنّه لا يلزم من عدم ظهوره في قبل الزوال بهذا المعنى الذي ذكره أن لا يمكن الاختصاص بقبل الزوال بمعنى آخر، و ليس في هذه الرواية لفظة «من» حتّى يكون لها ظهور في الجملة باعتبار لفظة «من»، فيحمل على ما يمكن حمل رواية قيس «1» عليه، فيحتاج إلى تقييد آخر.

و ظهور ضعف قوله: «فإطلاق الأمر- إلى قوله:- و إن تنزّلنا» كاد أن يكون غنيّا عن البيان؛ لأنّ الأمر بالإتمام عند الرؤية قرينة خلاف أحد الأمرين، لا قرينة إرادة أحد الأمرين «2».

و أمّا اندفاع قوله: «و إن تنزّلنا» إلى آخره؛ فلأنّ المقصود من قوله: «إمّا ما بين الحدّين أو منتصف ما بين الحدّين» إن كان الحصر فهو ممنوع، و قوله: «فعلى الأوّل لا يمكن حمل الأمر بالإتمام على الوجوب؛ لاندراج بعد الزوال في الوسط» أيضا ممنوع؛ لأنّه لا مفسدة فيه؛ لخروجه بالدليل الخارج. و قوله: «و على الثاني يلزم عليه أن يكون الوسط بعد الزوال» أيضا مسلّم. و ما ذكره في بيانه مدفوع؛ لأنّ حاصل ما أفاده أنّ (طاب ثراه) حمل الوسط في رواية محمّد بن قيس على بعد الزوال، و كلامه هناك يدلّ على الحصر، فعند بطلان الاحتمال الأوّل‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 158، ح 440.

(2). في بعض النسخ زيادة، و هي: «و توهّم التأييد مع إرادة الرجحان المطلق لا يصدر عن أدنى الطلبة، فكيف رضي بنسبته إلى والدي العلّامة رحمه اللّه ظاهرا؟!».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 340‌

يتعيّن الثاني، فيلزم أن يكون الوسط هاهنا بعد الزوال.

فنقول حينئذ: أيّ شي‌ء أراد بقوله: «و كلامه هناك يدلّ على انحصار معنى الوسط في الاحتمالين المذكورين»؟ فإن كان مراده أنّ كلامه هناك يدلّ على انحصار مطلق معنى الوسط، أعمّ من الحقيقي و المجازي في الاحتمالين مع أنّه لا يقول به من له أدنى تميّز، فممنوع؛ لأنّ التعريف في الوسط للعهد، و هو في صدد بيان الوسط في الرواية، لا الوسط مطلقا، و إن كان مقصوده أنّ كلامه هناك يدلّ على انحصار معنى الوسط في تلك الرواية في الاحتمالين بحسب الإرادة في ذلك المقام في بادئ الرأي، فهو مسلّم، لكنّ اللزوم الذي ادّعى عليه هاهنا ممنوع، و هو ظاهر غنيّ عن البيان.

فظهر ممّا ذكرناه أنّ قوله: «و حمل الوسط في إحدى الروايتين»- إلى آخره- في غاية الضعف؛ لأنّ المانع هنا مفقود، و البيّنة موجودة. و يتراءى من ظاهر كلامه التناقض مع سابقه أيضا، و يحتاج في تصحيحه إلى التكلّف، و قد عرفت ما في قوله في صحيحة محمّد بن قيس من امتناع إرادة هذا الاحتمال «1»، فتذكّر.

و ضعف تفريع قوله: «فيجب حمل الأمر» إلى آخره، فقد ظهر أيضا ممّا سبق، فلا نطوّل بذكره ثانيا. و على تقدير حمل الأمر على الاستحباب أيضا مؤيّد للمطلوب؛ لأنّه يمكن حينئذ حمل الوسط على الزوال، فيكون دالّا بمفهومه للمدّعى، فظهر وجه التأييد على كلا الحملين.

و يظهر وجه تعبير والدي العلّامة رحمه اللّه بالتأييد «2» لمن تأمّل في أصل الرواية؛ لأنّ له وجوها من الحلّ، فتأمّل.

ثمّ قال (وفّقه الله):

و لعلّ المراد من قوله: «فأتمّ صومه»- إلى آخره- إن كنت صمت هذا اليوم، فيكون الإتمام محمولا على ظاهره، و يحتمل أن يكون المراد بإتمام الصوم هو الإمساك الراجح المطلق الذي لا يدلّ على الوجوب أو الإمساك المستحبّ. فقوله عليه السلام: «فأتمّ صومه» مصروف عن ظاهره إمّا بتقدير إن صمت، و إمّا بحمل «أتمّ صومه» على الإمساك الذي‌

______________________________
(1). تقدّم في ص 36 من هذه الرسالة.

(2). تقدّم في ص 35 من هذه الرسالة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 341‌

ليس صوما حقيقة. فظهر بما ذكرته أنّ قوله عليه السلام: «تتمّ» في مكاتبة محمّد بن عيسى مؤيّد لما جعلته مؤيّدا له؛ لكونه محمولا على ظاهره. انتهى.

و يردّ عليه أنّ كون السؤال عن هلال شوّال في مكاتبة محمّد بن عيسى لا يستلزم كونه صائما، فإن كان صائما فمحمول على الظاهر، و إن لم يكن صائما فمصروف عن ظاهره بتقدير إن صمت، و لعلّ هذه الرواية مؤيّدة لخلاف ما جعله مؤيّدا له، كما لا يخفى. و قال أبي رحمه اللّه:

و يؤيّده أيضا ما رواه الكليني عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ المغيريّة يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه اللّيلة المستقبلة، فقال: «كذبوا، هذا اليوم لهذه الليلة الماضية، إنّ أهل بطن نخلة لمّا رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام» «1». انتهى.

قال الفاضل (وفّقه الله):

أقول: لعلّ مراده رحمه اللّه أنّ تصويبه عليه السلام لأهل بطن نخلة في حكمهم بدخول الشهر و بمحض الرؤية كما يدلّ عليه السياق، إنّما يناسب كون الرؤية قبل الزوال؛ لظهور عدم صحّة الحكم بدخول الشهر بمحض الرؤية برؤية الهلال بعد الزوال.

و فيه أنّ قوله عليه السلام: «إنّ أهل بطن نخلة» حينئذ لا يدلّ على كذب المغيريّة؛ لجواز صدق الحكم بدخول الشهر برؤية الهلال قبل الزوال، مع كون ليلة هذا اليوم هي الليلة المستقبلة، فالظاهر حمل الرواية على رؤية الهلال في الليل أو قرب دخوله، كما تكون في الأكثر كذلك.

فعلى الأوّل انطباقه على المطلوب الذي هو تكذيب المغيريّة ظاهر، و على الثاني قول أهل بطن نخلة بدخول الشهر بمحض الرؤية إنّما هو بعنوان المجاز الذي مصحّحه قرب دخول الليل، فينطبق حينئذ أيضا على المطلوب.

و إن نوقش على هذا، فليحمل على الأوّل؛ لأنّ هذا متعلّق بواقعة خاصّة، فيجب حمله على ما يناسب و يصحّ. انتهى.

و لعلّ مراد والدي العلّامة رحمه اللّه أنّ تصويبه عليه السلام لأهل بطن نخلة في حكمهم بدخول الشهر بمحض الرؤية دون ذكر خصوصية معها يشعر بأنّ علّة دخوله هي الرؤية مطلقا، فخرجت الرؤية بعد الزوال بالدليل، فبقي الباقي تحته، و هو الرؤية في الليل و قبل الزوال.

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 342‌

فحينئذ معنى قول المغيريّة: «إنّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة» أنّه إذا رئي الهلال في الليلة المستقبلة لم يكن اليوم السابق داخلا في الشهر، فاليوم الذي من الشهر هو اللاحق، فحكم رؤية الهلال في هذا اليوم حكم رؤيته في الليل اللاحق، فقال عليه السلام: «كذبوا». حكم رؤية الهلال في هذا اليوم حكم رؤيته في الليل السابق، بمعنى أنّه إذا رئي الهلال في الليل السابق كان هذا اليوم من الشهر، فإذا ظهر من قول أهل بطن نخلة أنّ هذا اليوم من الشهر، ظهر أنّ ليله ليل السابق، فلا يمكن أن يكون هذا اليوم من الشهر، و ليله ليل اللّاحق بهذا المعنى، فتدبّر. فحينئذ ينطبق على المدّعى، و هو ظاهر.

فظهر بما حرّرنا ضعف ما ذكره بقوله: «و فيه أنّ قوله عليه السلام: «إنّ أهل بطن نخلة» إلى آخره.

قال أبي رحمه اللّه:

و العجب أنّ الشيخ و جماعة استدلّوا على القول الأوّل بصحيحة محمّد بن قيس، المذكورة، و برواية محمّد بن عيسى، و ما رواه الشيخ عن جرّاح المدائني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «من رأى هلال شوّال نهارا في رمضان يتمّ صيامه» «1». و استدلّ الشيخ بموثّقة إسحاق بن عمّار، المذكورة. و أنت خبير بأنّ الأولى تدلّ على خلاف مقصودهم، و كذا الثانية و الرابعة، و أمّا الثالثة فضعيفة لا تصلح لمقاومة ما ذكرناه من الأخبار.

و لو سلّم من ذلك كان نسبتها إليه نسبة العامّ إلى الخاصّ، فتخصّص، و هي محمولة على الغالب من تحقّق الرؤية بعد الزوال، على أنّ المذكور في الرواية «من رأى هلال شوّال في رمضان».

و لقائل أن لا يسلّم أن الرؤية قبل الزوال رؤية في رمضان. و العجب أنّ صاحب المدارك تردّد في المسألة؛ زعما منه التعارض بين الخبرين الأوّلين، و بين الأخبار الثلاثة المذكورة «2». انتهى كلامه (طاب ثراه).

ثمّ قال الفاضل (وفّقه الله):

و قوله: «و أمّا الثالثة فضعيفة لا تصلح»- إلى آخره- ظاهر بناء على ظنّه الخبرين الأوّلين المعتبرين الدالّين على المشهور، و الخبرين الدالّين على مذهب السيّد، و الخبرين غير‌

______________________________
(1). في المصدر: «فليتمّ صيامه».

(2). ذخيرة المعاد، ص 533.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 343‌

الدالّين على مذهب هما: رواية عمر بن يزيد، و موثّقة إسحاق بن عمّار دالّة «1» على مذهب السيّد، فكيف يعارض الأخبار الستّة المشتملة على الصحيحة و الحسنة؟، و الموثّقة خبر واحد مجهول باشتماله على القاسم بن سليمان، و جرّاح المدائني.

و أمّا على ما أوضحته من دلالة الصحيحة و رواية محمّد بن عيسى، المعتبرة على المشهور، و تأيّدهما برواية جرّاح، فليس التعجّب في عدم حكم صاحب المدارك بقول السيّد، بل تعجّبي من توقّفه مع قوله بدلالة الأخبار الثلاثة على المشهور، كما هي واقعة، مع ظهور تأييدها بالمشهور، و الاستصحاب. انتهى.

أقول: توقّف صاحب المدارك «2» مع قوله بدلالة الأخبار في موقعه، بل يمكن أن يقال: لا مجال للتوقّف؛ بناء على قوله بدلالة العمومات مع كثرتها، و صحّة بعضها على مذهب السيّد، و صراحة دلالة الخبرين الدالّين على مذهبه أيضا، كما لا يخفى.

لكنّ الكلام في الدلالة؛ لأنّه قد عرفت دلالة الصحيحة على مذهب السيّد، و تأييد رواية محمّد بن عيسى على نسخة التهذيب «3»، لكن على نسخة الاستبصار «4» محلّ تأمّل، و تأييد موثّقة إسحاق بن عمّار «5»، و رواية عمر بن يزيد «6» على اعتقاد والدي رحمه اللّه و غيرهما لمذهب السيّد.

فظهر أنّ قول الفاضل (دام فضله)- بدلالة الأوّلين على المشهور، و عدم دلالة الآخرين بعنوان التأييد على شي‌ء من المذهبين- من أعجب العجائب. و ظهر أيضا ضعف قوله: «كما هي واقعة». و أمّا ضعف قوله: «مع ظهور تأييدها بالمشهور و الاستصحاب» فلأنّ الشهرة التي هي مناط التأييد هي الشهرة بين المتقدّمين، و قد عرفت أنّ ثبوته فيما نحن فيه في محلّ المنع، فليتذكّر.

و أمّا الاستصحاب، فنحن نذكر كلام والدي العلّامة في ذخيرة المعاد، و أستاذي النحرير‌

______________________________
(1). مفعول لقوله رحمه اللّه: «ظنّه».

(2). مدارك الأحكام، ج 6، ص 181.

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 490.

(4). الاستبصار، ج 2، ص 73، ح 221.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493؛ الاستبصار، ج 2، ص 73، ح 224.

(6). وسائل الشيعة، ج 10، ص 280، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8، ح 7.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 344‌

في شرح الدروس (طاب ثراهما) حتّى تظهر حقيقة الحال لمن كان له ذكاء و قريحة مستقيمة.

قال والدي العلّامة (طاب ثراه) في شرح كلام العلّامة في الإرشاد: «و ينجس بكلّ ما يقع فيه من النجاسة قليلا كان أو كثيرا» في جملة كلام:

لا يقال: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة: «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين أبدا بالشكّ، و لكن تنقضه بيقين آخر» يدلّ على استمرار أحكام اليقين ما لم يثبت الرافع.

لأنّا نقول: التحقيق أنّ الحكم الشرعي الذي تعلّق به اليقين إمّا أن يكون مستمرّا بمعنى أنّ له دليلا على الاستمرار بظاهره أم لا.

و على الأوّل، فالشكّ في رفعه على أقسام [أربعة]:

الأوّل: إذا ثبت أنّ الشي‌ء الفلاني رافع لحكمه، لكن وقع الشكّ في وجود الرافع.

و الثاني: الشي‌ء الفلاني رافع للحكم لكن معناه مجمل، فوقع الشكّ في كون بعض الأشياء هل هو فرد له أم لا؟

الثالث: أنّ معناه معلوم ليس بمجمل، لكن وقع الشكّ في اتّصاف بعض الأشياء به، و كونه فردا له لعارض، كتوقّفه على اعتبار متعذّر أو غير ذلك.

الرابع: وقع الشكّ في كون الشي‌ء الفلاني هل هو رافع للحكم المذكور أم لا؟

و الخبر المذكور إنّما يدلّ على النهي عن النقض بالشكّ، و إنّما يعقل ذلك في الصورة الأولى من تلك الصور الأربعة دون غيرها من الصور؛ لأنّ في غيرها من الصور لو نقض الحكم بوجود الأمر الذي يشكّ في كونه رافعا لم يكن النقض بالشكّ، بل إنّما حصل النقض باليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا، و باليقين بوجود ما يشكّ فى استمرار الحكم معه لا بالشكّ؛ فإنّ الشكّ في تلك الصورة كان حاصلا من قبل؛ و لم يكن بسببه نقض، و إنّما حصل النقض حين اليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا للحكم بسببه؛ لأنّ الشي‌ء إنّما يستند إلى العلّة التامّة أو الجزء الأخير منه، فلا يكون في تلك الصور نقض للحكم اليقيني بالشكّ، و إنّما يكون ذلك في صورة خاصّة غيرها، فلا عموم في الخبر.

و ممّا يؤيّد ذلك أنّ السابق على هذا الكلام- في الرواية، و الذي جعل هذا الكلام دليلا عليه- أحكام من قبيل الصورة الأولى، فيمكن حمل المفرد المعرّف ب‍ «اللام» عليه؛ إذ لا عموم له بحسب الوضع، بل هو موضوع للعهد، كما صرّح به بعض المحقّقين من علماء العربيّة. و إنّما دلالته على العموم بسبب أنّ الإجمال في مثل هذه المواضع ينافي الحكمة، و تخصيصه بالبعض ترجيح من غير مرجّح.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 345‌

و ظاهر أنّ الفساد المذكور إنّما يكون حيث ينتفي ما يصلح بسببه الحمل على العهد، و سبق الكلام في بعض أنواع الماهيّة لسبب ظاهر لصحّة الحمل على العهد من غير لزوم فساد.

نعم، يتّجه ثبوت العموم في جميع أفراد النوع المعهود، و ليس هذا من قبيل تخصيص العام ببنائه على سبب خاصّ، كما لا يخفى.

على أنّ الاستدلال في المسألة الأصوليّة بأخبار الآحاد ممّا منعه جماعة من المحقّقين، بل نقل عليه الإجماع. و هذا أيضا يوجب وهن هذا الاستدلال على هذا الوجه، مع أنّ الخبر بظاهره مختصّ بحكم يكون له استمرار؛ لأنّ ظاهر النقض ذلك، فلا دلالة في الخبر السابق على ما نحن فيه أصلا.

و أمّا تفصيل أحكام تلك الصور مع قطع النظر عن هذا الخبر، فليس هذا موضع بيانه، فتدبّر جدّا «1». انتهى كلامه، رفع الله مقامه.

و قال أستاذي النحرير (طاب ثراه) في شرح الدروس:

اعلم أنّ القوم ذكروا أنّ الاستصحاب حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه «2»، و هو منقسم إلى قسمين- باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه- إلى شرعي و غيره:

فالأوّل: مثل ما إذا ثبت حكم شرعي بنجاسة ثوب أو بدن مثلا في زمان، فيقولون: إنّ بعد ذلك الزمان أيضا يجب الحكم بالنجاسة؛ إذا لم يحصل اليقين بما يرفعها.

و الثاني: مثل ما إذا ثبتت رطوبة ثوب في زمان، فبعد ذلك الزمان أيضا يحكم برطوبته ما لم يعلم الجفاف. و ذهب بعضهم إلى حجّيّته بقسميه، و بعضهم إلى حجّيّة القسم الأوّل فقط. و استدلّ كلّ من الفريقين بدلائل كلّها مذكورة في محلّها، قاصرة عن إفادة المرام، كما يظهر عند التأمّل فيها. و لم نتعرّض لذكرها هاهنا، بل نشير إلى ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب.

فنقول: إنّ الظاهر عندنا أنّ الاستصحاب بهذا المعنى لا حجّيّة فيه بكلا قسميه أصلا؛ إذ لا دليل عليه تامّا، لا عقلا و لا نقلا.

نعم، الظاهر حجّيّة الاستصحاب بمعنى آخر، و هو أن يكون دليل شرعي على أنّ الحكم‌

______________________________
(1). ذخيرة المعاد، ص 115- 116.

(2). في المصدر: «إنّ الاستصحاب إثبات حكم شرعي في زمان سابق عليه».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 346‌

الفلاني بعد تحقّقه ثابت إلى حدوث حال كذا و وقت كذا مثلا، معيّن في الواقع بلا اشتراط شي‌ء أصلا، فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى أن يعلم وجود ما جعل مزيلا، و لا يحكم بنفيه بمجرّد الشكّ في وجوده. و الدليل على حجّيّته أمران:

الأوّل: أنّ ذلك الحكم إمّا وضعي أو اقتضائي أو تخييري، و لمّا كان الأوّل أيضا عند التحقيق يرجع إليهما فينحصر في الأخيرين، و على التقديرين يثبت ما ذكرنا.

أمّا على الأوّل؛ فلأنّه إذا كان أمر أو نهي بفعل إلى غاية مثلا، فعند الشكّ في حدوث تلك الغاية لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظنّ بالامتثال و الخروج عن العهدة، و ما لم يحصل الظنّ لم يحصل الامتثال، فلا بدّ من بقاء ذلك التكليف حال الشكّ أيضا، و هو المطلوب.

و أمّا على الثاني فالأمر أظهر، كما لا يخفى.

و الثاني: ما ورد في الروايات من أنّ اليقين لا ينقض بالشكّ.

فإن قلت: هذا كما يدلّ على حجّيّة المعنى الأوّل الذي ذكرته كذلك يدلّ على حجّيّة ما ذكره القوم؛ لأنّه إذا حصل اليقين في زمان فينبغي أن لا ينقض في زمان آخر بالشكّ؛ نظرا إلى الرواية، و هو بعينه ما ذكروه.

قلت: الظاهر أنّ المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ أنّه عند التعارض لا ينقض به، و المراد بالتعارض أن يكون شي‌ء يوجب اليقين لو لا الشكّ، و فيما ذكروه ليس كذلك؛ لأنّ اليقين بحكم في زمان لا يوجب حصوله في زمان آخر لو لا عروض الشكّ، و هو ظاهر.

فإن قلت: هل الشكّ في كون شي‌ء مزيلا للحكم مع اليقين بوجوده كالشكّ في وجود المزيل أو لا؟

قلت: فيه تفصيل؛ لأنّه إن ثبت بالدليل أنّ ذلك الحكم مستمرّ إلى غاية معيّنة في الواقع أوّلا، ثمّ علمنا حصولها عند حصول شي‌ء، و شككنا في حصولها عند حصول شي‌ء آخر، فحينئذ لا ينقض اليقين بالشكّ.

و أمّا إذا لم يثبت ذلك، بل إنّما يثبت أنّ ذلك الحكم مستمرّ في الجملة و يزيله الشي‌ء الفلاني، و شككنا في أنّ الشي‌ء الآخر أيضا يزيله أم لا؟ فحينئذ لا ظهور في عدم نقض الحكم و ثبوت استمراره؛ إذ الدليل الأوّل ليس بجار فيه؛ لعدم ثبوت حكم العقل في مثل هذه الصورة، خصوصا مع ورود الروايات الدالّة على عدم المؤاخذة بما لا يعلم. و الدليل الثاني، الحقّ أنّه لا يخلو من إجمال، و غاية ما يسلّم منه إفادته الحكم في الصورتين‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 347‌

اللتين ذكرناهما و إن كان فيه أيضا بعض المناقشات، لكن لا يخلو من تأييد للدليل الأوّل، فتأمّل «1». انتهى كلامه رحمه اللّه.

هذا بعض كلماته المحتاج إليها في هذا المقام، فإن أردت تمام كلماته فارجع إلى شرحه للدروس. فمن تأمّل في هذين الكلامين حقّ التأمّل، و كان أهلا له عرف أنّ الاستصحاب المذكور جار في ما نحن فيه أم لا. فتأمّل جدّا؛ فإنّه من مزالّ الأقدام.

ثمّ قال الفاضل (وفّقه الله):

و مع هذا أقول: كان سنة من السنين لم ير هلال شهر رمضان في ليلة الثلاثين من شعبان، و كان في الجوّ علّة مانعة عن الرؤية، فرئي ليلة أخرى مرتفعا عن الأفق، و غرب بعد الشفق، و كان له بعض الأمارات الدالّة على كونه لليلتين عنده رحمه اللّه، فقال: إنّ هذا الهلال لليلتين بأمور كلّ منها يستقلّ في الدلالة على كونه لليلتين عندي، و عدّ من جملتها غروبه بعد الشفق.

و صرّح بكونه مستقلّا في الدلالة عنده رحمه اللّه، فلاحظت الشهور التي بعده و جرّبت أنّ كثيرا من الأهلّة التي لها عرض شمالي معتدّ به، مع امتداد زمان خروج الشعاع، تغرب بعد الشفق و إن لم يحتمل كونه لليلة الماضية، فسألته عن حال الغروب بعد الشفق قاصدا لأن أقول: هلال الشهر الفلاني و الفلاني غابا بعد الشفق، مع عدم احتمال كون واحد منهما لليلتين بما كنت مستحضرا في ذلك الزمان، فلمّا سألته عنه أظهر أنّه رجع عن الحكم بكونه لليلة الماضية، فكأنّه رحمه اللّه جرّب أيضا، و كان يؤوّل رواية إسماعيل بن الحرّ- المجهول به- عن أبي عبد الله عليه السلام: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» بأنّه يمكن أن يكون المراد بكونه لليلتين كونه كذلك في الأغلب، لا كونه كذلك دائما الذي يعتبر في العلامة.

فعلى ما ذكره رحمه اللّه ليس هذا الكلام في قوله عليه السلام لبيان اختلاف حكم الغروب قبل الشفق و بعده في الصوم و الفطر و غيرهما، بل لبيان كون الأمر في الغالب كذلك و إن لم يظهر للناظر إلى الهلال كون هذا الهلال الذي غاب بعد الشفق لليلتين أم لا.

و هذا التأويل أو غيره لازم في هذه الرواية؛ لمعارضتها للرواية الواضحة الدلالة، معتبرة السند، الدالّة على أنّ الهلال الذي غاب بعد الشفق بزمان طويل لليلة لو فرض عدم تقوية‌

______________________________
(1). مشارق الشموس في شرح الدروس، ص 76.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 348‌

التجربة لهذه الرواية. و هذا التأويل الذي ذكره (طاب ثراه) في رواية إسماعيل بن الحرّ بعينه جار في الحسنة التي استدلّ بها على مذهب السيّد رحمه اللّه بلا تفاوت. و لا يبعد ورود الموثّقة على وفق مذهب بعض العامّة الذي كان في زمانه عليه السلام.

و بالجملة، قوّة المذهب المشهور بحسب الدليل واضحة لمن تدبّر ما ذكرته حقّ التدبّر، و كان أهلا له.

و يرد على قوله: «نسبتها إليه»- إلى قوله:- «فيتخصّص به» أنّ التخصيص بما ذكره إنّما يصحّ لو كانت الأخبار التي ظنّ دلالتها على مذهب السيّد دالّة عليه، و قد عرفت حالها.

و حمل رواية الجرّاح على الغالب حمل للّفظ على الإفادة القليلة الحاجة أو عديمها، و ترك الإفادة العظيمة الحاجة بلا ضرورة داعية إليه.

و يرد على العلاوة التي ذكرها أنّه سواء حمل رمضان على ما هو رمضان بحسب نفس الأمر أو على ما هو معلوم للمخاطب كونه رمضان يكون الأمر بالإتمام، بل كلّ الكلام خاليا عن الفائدة، فينبغي أن يحمل رمضان على ما هو رمضان بحسب الظاهر، مع قطع النظر عن رؤية الهلال حتّى يحتاج إلى بيان حكم عند الرؤية، و يكون الأمر بالإتمام إفادة نافعة، و حينئذ لا يناسب التخصيص ببعد الزوال. انتهى.

و يظهر الجواب من قوله: «و مع هذا- إلى قوله:- و لا يبعد» من آخر كلامه، و هو قوله:

«لمعارضتها رواية واضحة الدلالة، معتبرة السند، الدالّة على أنّ الهلال الذي غاب بعد الشفق بزمان طويل لليلة لو فرض عدم تقوية التجربة»؛ لأنّ هذه المعارضة و التجربة لا تحصل هاهنا حتّى تحمل رواية الحسنة عليه.

فإن قيل: ورود هذا و أمثاله في كلام الأئمّة عليهم السلام قرينة مصحّحة لارتكاب هذا التأويل في الحسنة.

قلنا: هذا قرينة لعدم ورود هذا الخبر عن الإمام عليه السلام، لا أنّه قرينة لتأويل الحسنة بهذا التأويل البعيد.

و يرد على قوله: «و لا يبعد»- إلى آخره- أنّ العمل على التقيّة في صورة الضرورة، و لا ضرورة هنا كما عرفت، على أنّ عدم الاعتبار مذهب أكثر العامّة، فلا يحتاج إلى التقيّة.

و بالجملة، قوّة مذهب السيّد بحسب هذه الأدلّة أيضا واضحة لمن تدبّر ما ذكرته حقّ التدبّر، و كان أهلا له. و ظهر فساد قوله: «و بالجملة قوّة المذهب المشهور»- إلى آخره- أيضا.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 349‌

و ضعف قوله: «و يرد على العلاوة»- إلى آخره- ظاهر لا يحتاج إلى البيان، فتأمّل.

ثمّ قال:

و نقل صاحب المدارك رحمه اللّه من جملة الحجّة على القول الثاني قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر»؛ فإنّ ذلك شامل لما قبل الزوال، و قد تقدّم أنّ وقت النيّة يستمرّ للمعذور إلى الزوال، فيجب الصوم لرؤية الهلال و بقاء الوقت. انتهى كلامه رحمه اللّه.

و فيه أنّه لا يمكن حمل الرؤية على عمومها؛ لظهور خروج رؤية الهلال بعد الزوال عن وجوب الصوم و الفطر، فيحتاج إلى التخصيص برؤية الهلال قبل الزوال إن حمل قوله:

«فصم» و قوله: «فأفطر» على وجوبهما في هذا اليوم، و هو في غاية البعد إن قلنا بالاحتمال؛ للاحتياج إلى حمل المطلق- الذي تتبادر منه الأفراد الشائعة- على الأفراد النادرة التي لا تنساق إلى الأذهان بلا قرينة.

و حملها على وجوب الصوم و الفطر في يوم الرؤية إذا كانت قبل الزوال و في اليوم الذي بعده إذا كانت بعد الزوال- بزعم معلوميّة هذا التفصيل لشيوعه في هذا الزمان أو لخصوص الراوي- مثل الاحتمال الأوّل في كونه في غاية البعد الذي لا ينساق إلى الأذهان مع مزيد، و هو أنّه يحتاج إلى حمل قوله: «فصم» على عموم المجاز؛ لأنّه عند رؤية الهلال بعد الزوال و في الليل و قبل الزوال المسبوق بالأكل يجب الإمساك لا الصوم الحقيقي.

و أمّا على تقدير الحمل على الرؤية الشائعة- التي هي الرؤية بعد الزوال، أو على الرؤية مطلقا، و حمل الصوم و الفطر في اليوم اللاحق- فلا يشتمل على تكلّف أصلا.

و ما ذكره رحمه اللّه: «أنّ وقت النيّة يستمرّ للمعذور إلى الزوال» فهو كذلك، لكن ما يدلّ عليه إنّما يدلّ فيما ثبت كونه يوم صوم، فإن ثبت كون هذا اليوم يوم صوم بدليل آخر يمكن القول بجواز النيّة حين رؤية الهلال؛ لظهور كونه يوم صوم حينئذ، فكانت نيّة المكلّف وجوب الصوم قبل هذا متعذّرة، فيندرج في عموم ما يدلّ على جواز النيّة حينئذ. و أمّا إثبات كون هذا اليوم يوم صوم- بدليل يدلّ على جواز النيّة إلى هذا الوقت فيما علم كونه يوم صوم- فلا وجه له.

و بالجملة، ذكر أمثال هذين الاحتمالين في الأخبار التي صحّ، فإنّما يصحّ بعنوان الاحتمال في رواية تعارض الدليل القويّ التامّ لو لم يذكروا ما ذكرها للاستدلال على أمر، فخارج عن القانون. انتهى.

و فيه أن قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم» مجمل، فدلالته ليس بواضح، فالموضح للدلالة‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 350‌

هو المفصّل، و لا يلزم استفادة التفصيل من لفظ المجمل، بل دلالته على سبيل الإجمال و التفصيل تستفاد من الخارج، فلا مفسدة لعدم انسياق الذهن إلى التفصيل من لفظ المجمل، بل شأن المجمل ذلك.

و قوله: «و أمّا على تقدير الحمل على الرؤية» [إلى قوله:] «فلا يشتمل على تكلّف أصلا» إن كان مراده أنّ هذا المعنى مدلول اللفظ فهو ضعيف؛ لأنّه ليس للفظ «فصم» دلالة على الصوم في اليوم اللاحق، و إن كان مقصوده أنّه محمول عليه بالدليل الخارج فنحن نقول بذلك، لكن نطالب بالدليل في صورة الرؤية قبل الزوال.

و ما يتوهّم أنّه دليل فقد أوضحت حاله، و على تقدير حمل الرؤية على الرؤية مطلقا و حمل الصوم و الفطر على الصوم و الفطر في اليوم اللاحق، يلزم أن يكون لفظ «فصم، فأفطر» مصروفا عن ظاهره بالنسبة إلى جميع الأفراد بلا ضرورة داعية إليه، و لا ترتّب لصوم يوم اللاحق أيضا على الرؤية قبل الزوال إلّا بتكلّف؛ لأنّ الشهر لا يكون أزيد من ثلاثين، فظهر ضعف قوله: «فلا يشتمل على تكلّف أصلا».

ثمّ قال (وفّقه الله):

و نقل الاستدلال بعموم الأخبار على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال عن الحرّ العاملي: في سنة كانت هذه المسألة دائرة في الألسنة، حتّى نقل أنّه يقول: يدلّ ثمانون حديثا على عدم الاعتبار، و لم ينقل عنه وجه الدلالة.

و يمكن تقريبه بأنّ الأمر بالصيام و الإفطار في مثل قوله عليه السلام: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر» إمّا محمول على رؤية قبل الزوال بخصوصه أو بعده بخصوصه أو الأعمّ، و التقييد خلاف الأصل، فالظاهر الإطلاق.

و ظاهر أنّ الأمر بالصيام و الإفطار عند رؤية الهلال بعد الزوال هو الأمر بهما في اليوم الآتي، فينبغي أن يحمل وجوب أحدهما عند رؤيته قبل الزوال أيضا بكونه في اليوم الآتي؛ لئلّا يصير كلامهم عليهم السلام بعيدا عن الإفادة كالألغاز، فيكون الاستدلال على عدم الاعتبار بعد هذا التقريب له وجه لا يبعد ذكره، و إن كان ضعيفا في نفسه؛ لاحتمال إرادة الأفراد الشائعة من الرؤية و هي الرؤية بعد الزوال، و يكون غيرهما مسكوتا عنه، و الداعي إلى التقييد ببعد الزوال هو الشيوع و التبادر، و حينئذ لا بعد في هذا التقييد، بل الحقّ أنّه إذا كان التقييد في أمر متبادرا بقرينة- و إن كانت هي شيوع مطلق في مقيّد- فحمله على‌

رؤيت هلال؛ ج‌1، ص: 351

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 351‌

العموم و الإطلاق خلاف الظاهر، لا حمله على المقيّد.

فظهر بما ذكرته ضعف الاستدلال بعموم الأخبار على الاعتبار و عدمه و إن كان الاستدلال على الاعتبار أضعف. انتهى.

و قد ظهر ممّا سبق أيضا ضعف تقريبه الذي ذكره عن قبل الحرّ العاملي، و ممّا يبعد النقل المذكور عن الحرّ العاملي أنّ في كتابه الذي ألّفه لجمع الأخبار- المسمّى بوسائل الشيعة- ذكر باب عدم اعتبار الرؤية، و لم يذكر فيه إلّا الأخبار المتداولة على ألسنة الأصحاب، فلو كان عنده ثمانون حديثا لكان اللائق أن يذكر واحدا منها.

و لو قيل بتفطّنها بعد هذا التضعيف و لم يكن له فرصة بذكرها فيه أو في غيره في غاية البعد.

ثمّ اعلم أنّ حمل المطلق على الفرد الشائع و إن لم يكن بعيدا لكن هاهنا لا يخلو عن البعد؛ لأنّه مع ما ذكرناه- من صرف لفظ «فصم» و «أفطر» عن ظاهره في الجملة- الرؤية قبل الزوال أيضا شائع متعارف، مختلف فيه بين الخاصّة و العامّة، متوفّر الدواعي، لكن شيوعه ليس بمرتبة شيوع رؤية بعد الزوال، و كثيرا ما يستدلّ القوم بالمطلقات مع كون بعض أفرادها أشيع من بعض، كما لا يخفى على المتتبّع، مع دلالة بعض الأخبار دلالة واضحة على اعتباره، و لم يقع التصريح بخلافه في خبر معتبر.

و قال الفاضل الأردبيلي: «هذه الأخبار مجملة، فيجب حملها على المفصّل» «1». فلا يبعد ادّعاء ظهور شمول هذه الأخبار لهما في الجملة و تأييدها للمطلوب، لكن ليس في مرتبة يمكن الاستدلال عليه، كما ذكره صاحب المدارك «2». فظهر ضعف قوله: «و إن كان الاستدلال على الاعتبار أضعف». و لا يلزم عموم المجاز إذا لم يكن الإمساك مدلول اللفظ، و يكون مفهوما من الأدلّة الخارجيّة.

و صرّح بنظيره أستادنا النحرير (طاب ثراه) في شرح الدروس «3»، فليرجع إليه. فظهر فساد ما ذكره على صاحب المدارك أيضا. و في كلماته أيضا بعض مناقشات جزئيّة لم نتعرّض لذكرها؛ لأنّ المطلب معلوم.

______________________________
(1). مجمع الفائدة و البرهان، ج 5، ص 300.

(2). مدارك الأحكام، ج 6، ص 181.

(3). مشارق الشموس، ص 467.

________________________________________
مختارى، رضا و صادقى، محسن، رؤيت هلال، 5 جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1426 ه‍ ق

 

 

________________________________________
مختارى، رضا و صادقى، محسن، رؤيت هلال، 5 جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1426 ه‍ ق