بسم الله الرحمن الرحیم

إزاحة الشبهة في حكم الآفاق المتّحدة و المختلفة‌-آية الله سيد عبد الله شيرازى

مباحث رؤیت هلال-كتاب الصوم

رؤيت هلال؛ ج‌5، ص: 3791

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3791‌

خاتمه استدراك و تصحيح

الف) استدراك ب) تصحيح‌

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3793‌

الف) استدراك

در فاصله بين نشر اين مجلّد و مجلّدات پيشين به نواقص و خطاهايى در آنها وقوف يافتم و چون سزاوار است هر چه بيشتر از عيوب و نواقص اين مجموعه كاسته شود نكته‌هاى اصلاحى و توضيحى و تكميلى آن را در اين خاتمه ياد مى‌كنم. همچنين دو رساله سودمند در باب رؤيت هلال به دست آمد كه متن كامل آنها در اين خاتمه درج مى‌شود: يكى از مرحوم آية الله علامه شعرانى (م 1393)، و ديگرى از مرحوم آية الله سيد عبد الله شيرازى (م 1405) كه در نقد نظر مرحوم آية الله خويى و تأييد نظر مشهور يعنى اشتراط اتّحاد آفاق نوشته است. علاوه بر اين دو رساله، در خاتمه، رساله و استدراكى است از حجة الاسلام و المسلمين حاج شيخ محمّد سند (دامت إفاضاته) كه رساله‌اى از ايشان در جلد دوم رؤيت هلال در نقد نظر مرحوم آية الله خويى يعنى عدم اشتراط اتّحاد آفاق چاپ شد. اين رساله متضمّن استدراك رساله قبل و نيز مشتمل بر دو نامه خطاب به حضرت آية الله سيستانى (دام ظلّه العالى) و يك پاسخ از ايشان و مباحثى در زمينه فتواى معظّم له در باب رؤيت هلال است.

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3794‌

1 رؤيت هلال*

آية الله ابو الحسن شعرانى (م 1393)

......
......

رؤيت هلال؛ ج‌5، ص: 3825

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3825‌

2 إزاحة الشبهة في حكم الآفاق المتّحدة و المختلفة

آية الله سيد عبد الله شيرازى قدّس سرّه (م 1405)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه و أشرف بريّته محمّد و آله الطيّبين الطاهرين.

أمّا بعد؛ فيقول العبد المحتاج إلى عفو ربّه الغافر عبد الله بن السيّد محمّد طاهر (عفي عنهما): إنّه لمّا كانت مسألة تأثير اتّفاق الأفق و اختلافه بالنسبة إلى الآثار المترتّبة على الشهور القمرية بلياليها و أيّامها و أوّلها و آخرها خصوصا بالنسبة إلى أوّل شهر رمضان في وجوب الصوم و أوّل شهر شوّال في وجوب الإفطار و التعيّد به و الثامن و التاسع و العاشر و الحادي عشر و الثاني عشر من شهر ذي الحجّة الحرام بالنسبة إلى أعمال الحجّ محلّ الاختلاف بين العلماء و معركة الآراء بين الفقهاء، فكلّ من الطرفين تمسّكوا بدليل أو أدلّة فخطر ببالي أن أكتب رسالة مختصرة في هذا الباب، و نتكلّم في أدلّة الطرفين و أسأل الله تعالى الهداية إلى ما هو الصواب في المسألة، فنقول و منه الإعانة: قال المحقّق قدّس سرّه في الشرائع بشرح و مزج من الجواهر:

فإذا رئي الهلال في البلاد المتقاربة كالكوفة و بغداد و نحوهما ممّا لم يختلف فيه المطالع وجب الصوم على ساكنيها أجمع بلا خلاف و لا إشكال بعد قول الصادق عليه السّلام في صحيح منصور: «فإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه». و في صحيح هشام فيمن صام تسعة و عشرين يوما: «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما» و غيرهما من النصوص، دون البلاد‌

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3826‌

المتباعدة كالعراق و خراسان و نحوهما ممّا علم فيه اختلاف المطالع أو احتمل، فلا يجب الصوم و لا القضاء، بل يلزم حيث رئي، للأصل بعد انصراف النصوص إلى غير الفرض.

لكنّه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون إمّا لعدم كرويّة الأرض بل هي مسطّحة فلا تختلف المطالع حينئذ و إمّا لكونه قدرا يسيرا لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علوّ السماء، و ربما يومئ إلى ذلك مضافا إلى الإطلاق المزبور خصوصا صحيح هشام المشتمل على النكرة الشائعة المتناولة للجميع على البدل قوله عليه السّلام في الدعاء: «و جعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحدا» و عدم اتّفاق حصول الاختلاف بين البلاد الشرقية و الغربية في ذلك، و لعلّه لذا قال في الدروس- بعد نسبة ما في المتن إلى قول الشيخ-:

«و يحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية و إن تباعدت للقطع بالرؤية عند عدم المانع» «1» انتهى.

و لا يخفى أنّ الظاهر بل الصريح من كلام الجواهر أنّ ميله إلى عدم لزوم الاتّفاق في الأفق من جهة عدم التزامه بكرويّة الأرض و قول الإمام في دعاء سمات: «و جعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحدا».

و أمّا كرويّتها لا في الجملة فقد ثبتت و تحقّقت عند الفقهاء و أهل الفنّ.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و جعلت رؤيتها، الخ». فقد أجبنا عنه في كتاب الصوم- مع قطع [النظر] عن أنّ الضمير لا يرجع إلى القمر بل يرجع إلى خصوص الكواكب كما لا يخفى- أنّه ليس في مقام بيان أنّه إذا رئي في مكان يكون بالنسبة إلى الكلّ مرئيّا، بل المقصود بحسب الظاهر أنّه كلّ ما كان من شأنه الرؤية في وقت أو مكان كان بالنسبة إلى الكلّ على حدّ سواء، مثلا بدرية القمر بالنسبة إلى الكلّ على حدّ سواء مع أنّه إذا كان في الشرق لا يراه أهل الغرب إذ هناك نهار.

و العمدة في الاستدلال على عدم لزوم الاتّفاق ما بيّنه بعض الأعاظم من المعاصرين و هو أمران:

الأوّل: بحسب الميزان العلمي في سير القمر.

الثاني: الأخبار الواردة في المقام.

______________________________
(1). رؤيت هلال، ج 4، ص 2297- 2298.

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3827‌

أمّا [الأمر] الأوّل، فبعد بيان الأقوال و تقسيم البقاع بذوات آفاق متّحدة أو متقاربة و ذوات آفاق مختلفة يقول:

إنّ الشهور القمرية إنّما تبدأ على أساس وضع سير القمر و اتّخاذه موضعا خاصّا من الشمس في دورته الطبيعية. و في نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس. و في هذه الحالة (حال المحاق) لا يمكن رؤيته في أيّة بقعة من بقاع الأرض. و بعد خروجه عن حالة المحاق، و التمكّن من رؤيته ينتهي شهر قمري، و يبدأ شهر قمري جديد.

و من الواضح أنّ خروج القمر من هذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها و مغاربها، لا لبقعة دون أخرى، و إن كان القمر مرئيّا في بعضها دون الآخر، و ذلك لمانع خارجيّ كشعاع الشمس أو حيلولة بقاع الأرض، أو ما شاكل ذلك؛ فإنّه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق؛ ضرورة أنّه ليس لخروجه منه أفراد عديدة، بل هو فرد واحد متحقّق في الكون لا يعقل تعدّده بتعدّد البقاع. و هذا بخلاف طلوع الشمس؛ فإنّه يتعدّد بتعدّد البقاع المختلفة، فيكون لكلّ بقعة طلوع خاصّ بها.

و على ضوء هذا البيان، فقد اتّضح أنّ قياس هذه الظاهرة الكونيّة بمسألة طلوع الشمس و غروبها قياس مع الفارق، و ذلك لأنّ الأرض بمقتضى كرويّتها تكون بطبيعة الحال لكلّ بقعة منها مشرق خاصّ و مغرب كذلك.

ثمّ يقول:

نتيجة ذلك أنّ رؤية الهلال في بلدمّا أمارة قطعيّة على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتّخذه من الشمس في نهاية دورته و أنّه بداية لشهر قمري جديد لأهل الأرض جميعا، لا لخصوص البلد الذي يرى فيه و ما يتّفق معه في الأفق «1». انتهى.

أقول: و إن كان ما ذكر في غاية التحقيق و التدقيق و إنّ ما ذكر من كون خروج القمر عن المحاق جزئيّا لا ينطبق على كثيرين بخلاف طلوع الشمس الذي ينطبق على كثيرين كما في قوله تعالى: بِرَبِّ الْمَشٰارِقِ وَ الْمَغٰارِبِ «2» إلّا أنّ الالتزام بأنّ هذا الخروج سبب لتحقّق شهر قمريّ جديد لجميع أهل الأرض يلزم منه خروج كثير من الأحكام الشرعيّة بل موضوعاتها عن ميزانهما الشرعيّ؛ لأنّه بملاحظة رؤيته في ليلة أوّل شهر شوّال في بقعة يلزم التعيّد في‌

______________________________
(1). راجع رؤيت هلال، ج 4، ص 2701.

(2). المعارج (70): 40.

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3828‌

هذه الليلة و يومها في هذه البقعة من الإتيان بالأدعية و الصلاة المأثورة في الليل و إتيان صلاة العيد و أداء زكاة الفطرة و غيرهما من الوظائف في نهارها، مع أنّه لا يمكن التعيّد في هذا الوقت في البقعة المقابلة لتلك البقعة من النقاط المسامتة لها في النصف الآخر من كرة الأرض لا بحسب الآثار الليلية و لا بحسب الآثار النهارية، أمّا الآثار الليلية، لأنّه ما كان لأهاليها شهر شوّال، لأنّه هذا الوقت نهار عندهم و كانوا صائمين من جهة بقاء شهر رمضان لهم.

و أمّا الآثار النهارية، ففي صبيحة هذه الليلة التي يؤدّي فيها أهل هذه البقعة زكاة الفطرة و يصلّون العيد، و يقولون: «أسألك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا» لم يكن لأهالي تلك البقعة المسامتة لها نهار و لا صلاة بل ربما كلّهم أو أكثرهم نائمون و بعضهم مشغولون بوظائف ليلة العيد لو كانوا من أهل العبادة و يأتون بالأدعية و الصلاة المأثورة في ليلة العيد، و هكذا الحال بالنسبة إلى ليلة القدر التي هي موضوعة لأحكام كثيرة من العبادات و وقت نزول الملائكة و الروح و تقدير الآجال و الأرزاق و المقدّرات، و بطلوع فجرهم تختم تلك الأحكام و المطالب لزوال الموضوع حسب الفرض، و بعد تماميّة تلك الليلة في هذه البقعة يشرع في النقاط المسامتة لها ليلة القدر، فحينئذ لا بدّ إمّا من الالتزام بأنّه لا عيد لهم ليلا و لا نهارا و لا قدر لهم كذلك و إمّا من الالتزام بأنّ عيدهم و قدرهم غير عيد الأوّلين و قدرهم، و الأوّل باطل إجماعا و ضرورة و الثاني بمعنى اختلاف الأفق و أنّ وجود القمر محقّق لموضوع الأحكام و ترتّبها في نفس تلك البقعة.

فثبت أنّ خروج القمر من المحاق و تحت الشعاع و إن كان أمرا جزئيّا لا ينطبق على كثيرين إلّا أنّه لا يمكن أن يكون سببا لتحقّق شهر جديد بالنسبة إلى جميع بقاع الأرض كما هو صريح كلامه.

و أيضا يلزم تعدّد الأفق و اختلافه على فتواه في الحاشية على العروة حيث إنّ الماتن يقول بعدم ثبوت شهر رمضان إذا رئي الهلال قبل الزوال، فلا يكون ذلك اليوم من شهر رمضان و هو يقول: «لا يخلو من الإشكال و لا يبعد الثبوت» «1» مع أنّه لو رئي بعد الزوال يحكم برمضانية بكرى هذا اليوم، ففيما إذا رئي قبل الزوال بساعة في بقعة يكون شهر رمضان ثمّ إذا رئي بعد الزوال في بقعة أخرى يكون بكراه شهر رمضان، و هل هذا إلّا تعدّد الأفق و اختلافها!؟ و دفع هذا التهافت بأنّه إذا انكشف رؤيته قبل الزوال في بقعة فالميزان على ذلك‌

______________________________
(1). راجع رؤيت هلال، ج 4، ص 2468.

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3829‌

اليوم، و المقصود كون الرؤية بعد الزوال ميزانا إذا لم ير في أيّ بقعة خلاف ظاهر الفتوى و الفتاوى.

و العجب أنّ هذا المحقّق جعل في ذيل كلامه قضيّة العيد في الدعاء المأثور: «اللهم بحقّ هذا، إلخ» و قضيّة ليلة القدر لجميع أهل الأرض و أنّه تنزّل الملائكة و تقدّر الأمور لجميع أهلها في وقت واحد دليلا على أنّ العيد في جميع أنحاء الأرض وقت واحد و يوم فارد، و حصل الغفلة عن المحذور الأشدّ.

و نحن أجبنا عن ذلك في سالف الزمان بأنّ المقصود من ليلة القدر مجموع الظلمة التي تكون محيطة بالأرض في مدّة أربع و عشرين ساعة شروعها أوّل غروب ليلة الثالث و العشرين من بقعة ما كانت مسبوقة بهذا الوصف و العنوان من كرة الأرض أصلا في هذا الشهر و آخرها غروب بكرى هذه الليلة، فنصف هذه الظلمة ليلة القدر بالنسبة إلى هذا النصف من الكرة و تنزّل الملائكة و تقدّر الأمور إلى طلوع فجرهم، و نصف هذه الظلمة يكون ليلة القدر للنصف الآخر، ففي مجموع هذه المدّة تنزّل الملائكة و الروح و تقدّر الأمور بالنسبة إلى جميع أهالي الأرض، و كلّ [ليلة] أوّلها الغروب و آخرها الفجر، فافهم و اغتنم.

و لو كان المحقّق المعاصر يخصّ المطلب بنصف كرة الأرض كان كلامه محفوظا عن الإشكال، و لا يمكن التخصيص؛ لأنّه يضادّ برهانه كما لا يخفى.

الأمر الثاني الذي استدلّ به هو و غيره من الفقهاء القائلين بعدم تأثير اختلاف الأفق في الأحكام و في موضوعاتها الأخبار الواردة في هذا الباب:

منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه قال فيمن صام تسعة و عشرين:

«إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما» «1».

وجه الاستدلال أنّ إطلاقها بوضوح تدلّ على أنّ الشهر إذا كان ثلاثين يوما في مصر كان كذلك في بقيّة الأمصار بدون فرق بين كون هذه الأمصار متّفقة في آفاقها أو مختلفة؛ إذ لو كان المراد من كلمة «مصر» فيها المصر المعهود المتّفق مع بلد السائل في الأفق لكان على الإمام عليه السّلام أن يبيّن ذلك فعدم بيانه مع كونه عليه السّلام في مقام البيان كاشف عن الإطلاق.

و منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان، فقال عليه السّلام: «لا تقضه إلّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس‌

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 10، ص 265، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، ح 13.

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3830‌

الشهر» «1» و قال: «لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلّا أن يقضي أهل الأمصار، فإن فعلوا فصمه» «2».

و يستشهد بجملتين من هذه الصحيحة:

الأولى: قوله عليه السّلام: «لا تقضه إلّا أن الخ»؛ فإنّه يدلّ بوضوح على أنّ رأس الشهر القمريّ واحد بالإضافة إلى جميع أهل الصلاة على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها و لا يتعدّد بتعدّدها.

الثانية: قوله عليه السّلام: «و لا تصم ذلك اليوم إلّا أن يقضي أهل الأمصار»؛ فإنّها كسابقها في الدلالة على أنّ الشهر القمري لا يختلف باختلاف الأمصار في آفاقها.

و منها: صحيحة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان؟ فقال: «لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه» «3» فهي أيضا واضحة الدلالة بإطلاقها على أنّ رؤية الهلال في بلد تكفي لثبوته في سائر البلدان بدون فرق بين كونها متّحدة معه في الأفق أو مختلفة، و إلّا فلا بدّ من التقيّد بمقتضى ورودها في مقام البيان.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان، فقال: «لا تصم إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» «4» فهذه الصحيحة كسابقتها في الدلالة على المدّعى.

و لكن لا يخفى أنّ النصوص و الأخبار و لو كانت واضحة الدلالة على المطلب بإطلاقها أو عمومها، و لكن لا تصادم البرهان القطعي و الدليل العقلي، كما حقّق في محلّه، فلا بدّ أن تقيّد أو تخصّص، و المفروض حسب ما قلنا لا يمكن أن يكون العيد في يوم واحد أوّله طلوع الشمس و آخره غروبها في جميع الأمكنة و البقاع حتّى البقاع المسامتة لها من النصف من الكرة و كذلك ليلة القدر و يومها، فلا بدّ أن يقيّد أو يخصّص بالبقاع المتقاربة في الأفق بحيث لا تختلف في الليل و النهار بجميع أجزائهما بل بساعة أو ساعتين أو نصف النهار و الليل بحيث يصدق أن يقال في كلّ من البقعتين: إنّ هذا يوم واحد، فيجب على الكلّ الفطرة في يوم واحد، و صحيح أن يؤتى بصلاة العيد في يوم واحد و خطاب فارد، و أمّا إذا لم يكن كذلك بل خالف اليومان أو خالفت الليلتان بجميع الأجزاء من المبدأ إلى المنتهى، و هو الغروب و طلوع الفجر‌

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 10، ص 287، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، ح 5.

(2). وسائل الشيعة، ج 10، ص 293، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 12، ح 1.

(3). وسائل الشيعة، ج 10، ص 278- 279، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8، ح 3.

(4). وسائل الشيعة، ج 10، ص 293، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 12، ح 2.

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3831‌

في الليل و طلوع الفجر أو الشمس و غروبهما أو بأقلّ من نصفهما على وجه، فلا يمكن الالتزام بترتيب آثار عدم اختلاف الأفق من الأحكام؛ لعدم اتّحاد الموضوع.

و يؤيّد أو يشهد على ما ذكرنا تعارف جعل يوم العيد النوروز من الكلّ من أهل النجوم و جميع الطبقات يوم بعد انتقال الشمس أو الأرض إلى برج الحمل إذا كان هذا الانتقال بعد الزوال، حيث إنّ الظاهر الانتقال من برج إلى برج يكون مثل خروج القمر عن المحاق.

نعم، ما ذكرنا من البرهان على تعدّد الأفق بالنسبة إلى طرفي الأرض لا يفيد مثل المحقّق قدّس سرّه حيث إنّه جعل خراسان و بغداد من مختلفي الأفق؛ لأنّهما لم يقعا في النقطتين المقابلتين من الأرض.

و لكن يسهّل الخطب أنّه بعد عدم إمكان تحقّق أوّل الشهر في جميع الأرض في وقت واحد، فلا بدّ أن يحمل النصوص على البلاد المتقاربة في الأفق. و لذا صرّح في الجواهر و غيره أنّهم حملوا الأخبار على البلاد المتقاربة، و من البعيد أنّ مثله و غيره مثل العلّامة و الشيخ و المحقّق الطوسيّين و غيرهما من أعلام العلماء الذين كانوا عالمين بالعلوم المربوطة بهذه الفنون و القضايا و ما كان علمهم مختصّا بخصوص الفقه و الأصول كانوا غافلين عن مسألة خروج الشعاع و الدخول في الشهر الجديد مع كون الصحاح الأربع و غيرها في مرآهم و منظرهم، بل وصلت إلينا بوسيلتهم.

مع أنّ الثانية منها أي صحيحة أبي بصير لا يدلّ على مدّعى القائلين بالكفاية أصلا، بل هي على خلاف مدّعاهم أدلّ و إن كان قد يقال: إنّها صريحة في مدّعاهم للتعبير بأهل الصلاة، و ذلك من جهة أنّ ثبوت شاهدين عادلين من جميع الأمصار يكون موجبا لقضاء اليوم الفائت. و من المعلوم أنّه حينئذ ظاهر في أنّ وجوب القضاء له من جهة اتّفاق جميع البلدان و البقاع على كون [شهر] رمضان ثلاثين يوما، و هذا خارج عن بحثنا و غير مرتبط به.

و لو سلّم تطرّق احتمال كون شاهدين عادلين مقيّدا للموضوع فمعناه كفاية شهادة العدلين من جميع بلاد المسلمين على البدل، و أنّه إذا شهد عادلان برؤية الهلال في بعض البقاع من جميع البقاع يثبت شهر رمضان في جميع الكرة.

ففيه: أنّه خلاف لفظ «الجميع» حيث إنّ لفظ الجميع ظاهر في الاستغراق لا في العموم المجموعي و لا في العموم البدلي، فحينئذ يصير مجملا لتكافؤ الاحتمالين و تعارضهما.

هذا، بالنسبة إلى الفقرة الأولى التي يستدلّ بها على المدّعى.

و أمّا الفقرة الثانية فهو صريح في أنّه لا يقضي ذلك اليوم إلّا بعد أن يقضي جميع أهالي‌

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3832‌

الأمصار، و لا يكفي قضاء أهالي مصر واحد مع أنّه لو كان الرؤية في أفق واحد كافيا و مثبتا للرمضانيّة في جميع البقاع يلزم وجوب القضاء بقضاء أهل مصر واحد، فهذا صريح في عدم كفاية الرؤية في أفق واحد.

و مثل ذيل هذه الصحيحة خبر آخر ذكره في الوسائل و هو الخبر الثالث في هذا الباب يذكره بعد صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة و بالإسناد عنه أنّه سأله عن ذلك فقال: «لا تصم ذلك اليوم إلّا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه».

و من هذه الجهات و الجهة السابقة التي أشرنا إليها ربما كان نظر المشهور و المحقّقين بعدم الكفاية و قالوا بأنّ اختلاف الأفق يؤثّر في الحكم، و إلّا فمن البعيد عدم الاعتناء من مثل الشيخ و أقرانه بهذه الروايات أو عدم التأمّل في مداليلهما أو الجمع بينها و بين سائر الأدلّة.

و هل يكون [ظ: يمكن] غير الجمع بينها بحمل مصر واحد على المصر القريب في تلك الأخبار؟ مع قطع النظر عن الانصراف في أنفسها إلى البلاد القريبة؛ لأنّ المعمول في السابق كانت المراودات و الارتباطات في البلاد و الاختلافات فيها في البلاد القريبة، و ما كان الاطّلاع على خصوصيات البلاد النائية أمرا معمولا، بل كان نادرا جدّا لأنّه لم يكن هناك وسائل نقل و لم يكن السفر إليها أمرا سهلا مثل أزمنتنا لوجود السيّارات و الطيّارات و الطرق الحديديّة، و لم يكن هناك وسائل الإخبارات السريعة مثل التلغراف و اللاسلكي و الإذاعات.

مع أنّ القائل بالكفاية بحيث إذا رئي في بقعة واحدة يكفي لجميع البقاع قليل و إن لم تكن المسألة مبحوثا عنها في كلمات كثير من المتقدّمين.

فهذا شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدّس سرّه يصرّح بتعدّد الأفق، و المحقّق قد عرفت كلامه بصراحة، و العلّامة و إن حكي عن منتهاه القول بالكفاية و لكن يصرّح في التذكرة بعد نقل اختيار الشيخ قدّس سرّه بأنّه المعتمد.

و أمّا المحكي عن المنتهى اختياره في أوّل كلامه، لكنّه قال في آخره: «و بالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع و عدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لم يتساو حكماهما» «1».

و صاحب الوسائل يصرّح بأنّ أخبار اختلاف الأفق محمول بالبلاد البعيدة فراجع و إن كان كلامه في الأخبار الواردة في الأفق من حيث الشرق و الغرب، و لكن يستدلّ بها على التوافق‌

______________________________
(1). راجع رؤيت هلال، ج 3، ص 1627.

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3833‌

و التخالف في الأفق بالنسبة إلى الهلال فافهم.

و أمّا المستمسك فقد صرّح بتعدّد الأفق حيث إنّه بعد ما يقول بكفاية الرؤية في أحد البلدين للبلد الآخر إذا كانا في أفق واحد أي في خطّ طول واحد و إن لم ير في البلد الآخر و كفاية الرؤية في البلد الشرقي بالنسبة إلى البلد الغربي: «و أمّا إذا رئي في البلد الغربي و لم ير في الشرقي فيحتمل أن يتمسّك بإطلاق الأخبار الدالّة على كفاية الرؤية في مصر لمصر آخر» و لكن بعد ذلك يصرّح بأنّ:

هذا التمسّك فيما إذا لم يعلم بعدم الرؤية في البلد الشرقي، لأنّه حكم ظاهري، و حجّيّة الحكم الظاهري فيما إذا لم يعلم بخلافه «1».

و لا يخفى أنّه صريح في عدم كفاية الرؤية في بلد بالنسبة إلى بلد آخر فيما إذا لم يتوافقا في الأفق.

و بعد ذلك يحتمل أن يكون المراد من الأخبار الأمصار القريبة كما حملها المشهور عليها، و قد بيّنّا وجه الانصراف.

فلا يكون في البين من الأعلام و المشاهير من يقول بالكفاية إلّا المحدّث الكاشاني و المحدّث البحراني و قد عرفت أنّ هذا القول محجوج بما عرفت.

تنبيه: اعلم أنّ ما يكون مسلّما عند الكلّ من كفاية الرؤية في متّفقي الأفق بمعنى أنّهما إذا كانا واقعين في طول واحد أي كانا واقعين في نصف نهار واحد، كما صرّح به في المستمسك، لا يكون مطلقا، بل تختلف بحسب اختلاف الفصول، ففي بعض الفصول كانت كافية، و في بعض الفصول لا تكون كافية، كما التفت إلى هذه النقطة الدقيقة قرّة عيني العلّامة السيّد محمّد باقر، و كان من مبتكراته و برهن على ذلك في رسالته المطبوعة بالفارسية آثار تازه پديد، و صدّقه الفضلاء و علماء الفنّ، و نشرها بعض المجلّات العلمية المهمّة مع التصديق و التحسين و التعجّب، فراجع الكتاب لهذا المطلب و سائر مطالبه القيّمة.

هذا ما جرى عليه قلمي مختصرا في هذا الباب، و الحمد للّه أوّلا و آخرا في السادس من شهر رجب المرجّب سنة اثنين و تسعين بعد ألف و ثلاثمائة من الهجرة النبويّة (على هاجرها و آله الصلاة و السلام).

______________________________
(1). انظر رؤيت هلال، ج 4، ص 2577 و 2586.

رؤيت هلال، ج‌5، ص: 3834‌