بسم الله الرحمن الرحیم

فهرست علوم
فهرست فقه

إزاحة الشكوك في احكام لباس المصلّي المشكوك‌-للميرزا الآشتياني

اللباس المشكوك







الرسائل التسع (للآشتياني):
الفصل الثالث رسالة إزاحة الشكوك في احكام لباس المصلي المشكوك ؛ ص : 123
......الموضع الأول: الصلاة في اللباس المردد بين مأكول اللحم و غيره ؛ ص : 125
.............الاقوال في المسألة: ؛ ص : 126
....................قول المشهور ؛ ص : 126
....................القول المخالف للمشهور ؛ ص : 126
....................التفصيل بين المانعية و الشرطية ؛ ص : 127
....................كلام المحقق الأردبيلي ؛ ص : 127
....................كلام لصاحب المدارك ؛ ص : 128
....................كلام المحقق القمي(ره) ؛ ص : 130
....................كلام صاحب المستند ؛ ص : 135
.............التمهيد للمسألة ؛ ص : 136
....................المقدمة الاولى: في عدم ظهور الدليل عند الشك في موضوعه ؛ ص : 136
....................المقدمة الثانية: في كون الالفاظ موضوعه مادة و هيئة للمعاني النفس الامرية ؛ ص : 138
....................المقدمة الثالثة: في اعتبار جزء أو شرط بواسطة دليل الخطاب ؛ ص : 139
..........................دلالة الطلب النفسى على اعتبار شرط أو جزء في العبادة و عدمه ؛ ص : 141
....................المقدمة الرابعة: في اختصاص دليل البراءة بما يحتمل التحريم ؛ ص : 143
....................المقدمة الخامسة: في امارية يد المسلم و سوق المسلمين ؛ ص : 145
....................المقدمة السادسة: في ان المنفي بادلة نفي الحرج هو الحرج الشخصي ؛ ص : 147
....................المقدمة السابعة: قضيتان مردودتان ؛ ص : 148
....................المقدمة الثامنة: في شرط التمسك بالإجماع العملي ؛ ص : 149
.............وجوه الأقوال في المسألة ؛ ص : 150
....................وجه قول المشهور ؛ ص : 150
....................وجوه القول بالجواز ؛ ص : 151
..........................الوجه الاول: التمسك بالاصل ؛ ص : 151
..........................الوجه الثاني اصالة الطهارة ؛ ص : 154
..........................الوجه الثالث: التمسك بالاطلاق ؛ ص : 159
..........................الوجه الرابع: التمسك بالكتاب ؛ ص : 159
..........................الوجه الخامس: التمسك بدليل حصر المحرمات و المحللات ؛ ص : 160
..........................الوجه السادس: الروايات ؛ ص : 161
..........................الوجه السابع: الاجماع و السيرة ؛ ص : 161
..........................الوجه الثامن: دليل الحرج و العسر ؛ ص : 163
..........................الوجه التاسع: رواية حفص ؛ ص : 166
.............تحقيق المسألة: ؛ ص : 167
....................الجهة الاولى: في شرطية و مانعية غير المأكول ؛ ص : 167
....................الجهة الثانية: الفرق بين الشرطية و المانعية ؛ ص : 168
......الموضع الثاني: حمل المردد بين المأكول و غير المأكول في الصلاة ؛ ص : 169
.............فروع المسألة: ؛ ص : 170
....................الاول: لو كان الحيوان المأخوذ منه اللباس معينا ؛ ص : 170
....................الثاني: موضوع المسألة: هو لو علم كونه من الحيوان مع تردد امره ؛ ص : 171
....................الثالث: لو صلى ثم علم كونه مما لا تجوز الصلاة فيه ؛ ص : 172
....................الرابع: حكم الغافل و صورها ؛ ص : 173
....................الخامس: حكم العلم بعد إيتاء الصلاة ؛ ص : 174
....................السادس: لو علم بأن أحد هذين مما لا تجوز الصلاة فيه ؛ ص : 175
....................السابع: لو كان المصلي لا يملك إلا ثوب واحد ؛ ص : 175
....................الثامن: كفاية الظن بأنه من المأكول ؛ ص : 176
....................التاسع: شمول البحث لكل شرط واقعي في الصلاة ؛ ص : 176
....................العاشر: حكم اخبار الفقيه بالموضوعات الخارجية ؛ ص : 177
....................الحادى عشر: إنه كما لا اشكال بل لا خلاف ظاهرا في عدم الفرق في بطلان الصلاة فيما لا يؤكل بين الساتر و غيره ؛ ص : 178












الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 123‌
الفصل الثالث رسالة إزاحة الشكوك في احكام لباس المصلّي المشكوك‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 125‌
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطّيّبين الطّاهرين المطهّرين المعصومين، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين.
و بعد فقد صعب الأمر و كثر القول فيما جزم به المعظم، في باب الخلل من بطلان الصّلاة، فيما لا يعلم كونه من المأكول من اللّباس، من جهة كثرة الابتلاء بما يحمل من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مما يعمل من الصوف و الوبر و الشعر، كالماهوت و نحوه ممّا يلبسه الرجال و النساء، مع عدم علمهما بحاله و قد سألني جمع من حاضري مجلس البحث، أن أعمل رسالة مفردة في ذلك، و إن شرحت القول فيه في طيّ مسائل الخلل في سالف الزمان، عند قراءتي على شيخي و سندي علّامة دهره و آية اللّه في عصره الحاج شيخ مرتضى أعلى اللّه مقامه و طيّب رمسه، فأجبت مسئولهم مع قصور النّظر و الابتلاء بالمشاغل الشاغلة عنه، و المرجوّ من إخواني أهل العلم أن يتسامحوا عند وقوفهم على الخطأ لاختصاص العصمة بأهلها و على اللّه التكلان، فنقول:
الموضع الأول: الصلاة في اللباس المردد بين مأكول اللحم و غيره‌
اعلم أنّه قد اختلفت كلمة الأصحاب في جواز الصّلاة فيما لا يعلم حاله، من حيث‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 126‌
كونه من مأكول اللحم، أو من غيره، ممّا لا يجوز الصّلاة فيه مع تبيّن حاله سواء كان من اللباس، أو المحمول و نحوه، إذا كان الشك فيه من حيث الشبهة الموضوعية لا الحكميّة، نظراً إلى قضيّة اتفاقهم على جواز الصّلاة في أجزاء ما يشكّ في كونه مأكول اللّحم شرعاً بالنظر إلى الأصول اللّفظية و العملية الجارية في الحيوان، المقتضية لحليّة أكل لحمه، من جهة الشبهه في الحكم.
الاقوال في المسألة:
قول المشهور‌
و لمّا كان منع الصّلاة في اللباس المشتبه أوضح عندهم من منعها في المحمول و نحوه فلا بدّ من إيراد الكلام في موضعين.
فنقول: إما اللّباس، فالمشهور على بطلان الصّلاة فيه، بل نسبه في شرح الارشاد المحقق الأردبيلي «1» قدس سره إلى الاصحاب في بعض كلماتهم، بل في المدارك «2» و غيره، إلى قطعهم به، بل لم نقف على من تأمل فيه إلى زمان المقدّس الورع الأردبيلي قدّس اللّه نفسه الزكيّة،
القول المخالف للمشهور‌
و ذهب غير واحد من المتأخّرين منهم، المحقّق القمي «3» في بعض اجوبة مسائلة، و الفاضل النراقي «4» في مستنده، إلى الصحة و قد سبقهم إلى ذلك السيّد قدس سره في المدارك «5»‌
______________________________
(1) شرح الارشاد (مجمع الفائدة و البرهان) 2: 95.
(2) المدارك 3: 158.
(3) جامع الشتات 2: 776 777.
(4) مستند الشيعة 4: 317.
(5) المدارك 3: 158.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 127‌
في وجه تبعاً لميل شيخه اليه في شرح الارشاد «1»، و شيخنا البهائي في حبل المتين «2»، و المحدّث المجلسي، «3» و المحقّق الخوانساري «4»، و الفاضل السبزواري «5»، على ما حكى عنهم، و بعض الاعلام «ميرزاي شيرازي» من سادة من عاصرناه الذي انتهت إليه رئاسة الامامية في عصره، في أواخر أمره، و إن كان موافقاً للمشهور في أوائل امره قدّس اللّه سرّه الزّكيّ و أسرارهم الزكيّة.
التفصيل بين المانعية و الشرطية‌
و عن بعض المعاصرين التفصيل في المسألة: بين جعل الشرط في السّاتر و اللباس، حلّ أكل اللّحم فيما كان من أجزاء الحيوان؛ فيحكم بلزوم إحراز الشرط و كونه من المأكول، و الفساد مع الشكّ فيه. و بين جعل المانع فيه، حرمة أكل اللحم إذا كان من أجزاء الحيوان؛ فيحكم بعدم لزوم إحرازه و صحّة الصّلاة، مع الشّكّ فيه و اختار الوجه الثاني، من الوجهين. و سنوقفك على الوجه فيما اختاره، و الفرق بين الوجهين، عند الكلام في الأدلّة.
كلام المحقق الأردبيلي‌
قال المحقق الأردبيلي قدّس اللّه نفسه الزكيّة، في شرحه بعد الكلام في إثبات بطلان الصّلاة فيما لا يؤكل لحمه عدا ما استثني، ما هذا لفظه: «ثمّ الظّاهر من بعض كلام القوم، أنّه كلّ ما لم يعلم أنّه مأكول اللّحم، لا تجوز‌
______________________________
(1) شرح الارشاد (مجمع الفائدة و البرهان) 2: 95.
(2) الحبل المتين: 181.
(3) البحار 80: 222.
(4) تعليقات على شرح اللمعة: 178.
(5) انظر السبزواري ذخيرة المعاد: 225.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 128‌
الصّلاة في شي‌ء منه أصلًا، حتى عظم يكون عروة للسكّين و المرمى و غير ذلك، فالمشكوك و المجهول لا تجوز الصّلاة فيه، و الأصل و إطلاق الأمر، و الشهرة في العمل و بعض الآية الدّالة على تحليل كلّ ما خلق، و الزينة و اللباس، و حصر المحرّمات، و كذا الأخبار مثل الأخبار الصحيحة، في أن كلّ ما اشتبه بالحرام فهو حلال، و السعه، و عدم الحرج، يدلّ على الجواز، ما لم يعلم أنه ممّا لا يؤكل.
و يدلّ عليه حكمهم بطهارة كلّ شي‌ءٍ حتّى يعلم أنه نجس، و لولا ذلك لأشكل الأمر إذ لم يعلم كون أكثر الثياب المعمولة و الفراء و السقرلاط و ما عمل لغمد السيف و السّكين، كذلك إلَّا أن يكتفى بالظن و هو أيضاً مشكل؛ لعدم حصوله بالنسبة إلى كثير من النّاس؛ فينبغي الجواز ما لم يعلم أو يظنّ ظنّاً غالباً». و ساق الكلام إلى أن قال: «و لا يضرّ حكمهم بأنّ الحيوان ما لم يعلم أنّه حلال يحكم بتحريمه، على تقدير التسليم؛ لأنّ ذلك يلحق بالمعلوم، في أكل اللحم فقط لا في جميع الأحكام المترتبة على ما هو حرام في الحقيقيّة» «1». انتهى ما اردنا نقله من كلامه.
كلام لصاحب المدارك‌
و قال في المدارك «2»، في باب اللباس من الصّلاة، بعد الحكم ببطلان الصّلاة فيما لا يؤكل لحمه، تبعاً للأصحاب في طيّ ما ذكره من الفروع، ما هذا لفظه: «الثالثة: ذكر العلّامة في المنتهى «3» أنّه لو شكّ في كون الشعر، أو الصّوف، أو الوبر من مأكول اللحم، لم يجز الصّلاة فيه؛ لإنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه و الشّكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط، و يمكن أن يقال: إنّ الشّرط ستر العورة و النهي إنّما تعلّق بالصّلاة في غير المأكول، فلا يثبت إلّا مع العلم بكون الساتر كذلك،
______________________________
(1) مجمع الفائدة و البرهان 2: 95.
(2) المدارك 3: 167.
(3) المنتهى 1: 231.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 129‌
و يؤيّده صحيحة «1» عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كل شي‌ءٍ يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه» و لا ريب أنّ الاحوط التنزّه عنه». انتهى كلامه، رفع مقامه.
و قال: في باب الخلل، فيما علّقه على قول المصنّف: «الثالث: إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلّى فيه و صلّى أعاد» «2» بما هذا لفظه: «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، و استدلّ عليه في المنتهى «3»: بأن الصّلاة مشروطة بستر العورة بما يصلّى فيه، و الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط، و يمكن المناقشة فيه، بالمنع من ذلك؛ لاحتمال أن يكون الشرط ستر العورة بما لا يعلم تعلّق النّهي به، و لو كان الملبوس غير ساتر كالخاتم و نحوه فأولى بالجواز» «4». انتهى كلامه رفع مقامه.
وقد فهم الفريد البهبهاني قدس سره من هذا الكلام، فيما علّقه عليه: كونه مبنيّاً على وضع الألفاظ اللمعاني المعلومة، حيث قال فيه: «إنّ هذا الاحتمال إنّما هو إذا كان الثابت من الشّارع أنّ الشّرط كما ذكره، و أمّا إذا كان الثابت منه المنع عن الميتة، و عن كلّ شي‌ء حرام أكله، و عن الحرير المحض؛ فمقتضاها ما ذكره الأصحاب لأنّ لفظ الميتة، و حرام الاكل و الحرير المحض أسامٍ لما هو في نفس الأمر ميتة و حرام، أو حرير محض، من غير التقييد بالعلم و عدمه، على حسب ما مرّ التّحقيق في باب لباس المصلّي» «5». انتهى كلامه.
و سنوقفك على ما أراده في المدارك.
______________________________
(1) الكافي 5: 313/ 39، الفقيه 3: 216/ 1002، التهذيب 9: 79/ 337.
(2) الشرائع 1: 114.
(3) المنتهى 1: 225.
(4) المدارك 4: 214.
(5) حاشية الوصية البهبهاني على المدارك 3: 277.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 130‌
كلام المحقق القمي (ره)
و قال: المحقّق القمّي «1» قدس سره في أجوبة مسائله في طيّ الجواب عن سؤال، المراد عمّا هو المعروف من كون الالفاظ أسامي للمعاني النفس الأمريّة، و ما يترتّب عليه من الثمرات، و بيانه بما قرع سمع كلّ أحد، و ترتيب المقامات، و دعوى وضوح عدم مدخليّة العلم في الوضع، و ذكر فساد الصّلاة في غير المأكول من أمثلة الوضع للمعاني النفس الأمرية، و جعل وجوب الفحص عمّا تعلّق به الحكم من الموضوعات، من ثمرات القول المذكور في المقام الثاني، بما هذا لفظه: «مقام سيّم اينست كه هرگاه تفحّص كرد و نتوانست معلوم كند مثل آن كه:
تفحّص كرد از منزل مسافت و محقق نشد از براى أو كه هشت فرسخ است، يا آنكه كسى مشترى املاك أو نشده تا بداند كه چند مى‌خرند و اهل خبره هم نيست كه بداند، و استخوانيست كه مى‌خواهد در او نماز كند، يا پشمى، يا كركى و نتوانست كه محقّق كند كه از حيوان مأكول اللّحم است يا غير مأكول.
و ظاهر آنست كه خلافى كه در ميان علماء مشهور است در همين جا است و اظهر در نظر حقير اين است كه تا علم حاصل نشود تكليف ثابت نيست؛ چون اصل براءة ذمة است، و مشروط بودن صحّت نماز، باينكه در نفس الامر بايد جزء غير مأكول اللّحم با مصلّى نباشد، ثابت نيست.
و اخبارى كه دلالت دارد بر منع نماز در اجزاء غير مأكول اللّحم، بعضى از انها صريح است در جائى كه علم حاصل باشد بانكه جزء غير مأكول است، و بعضى هم ظاهر در ان است، و چيزى كه دلالت كند بر اينكه واجب است اجتناب از نفس الامرى در نظر نيست. و اظهر آنها مثل موثّقة عبد اللّه بن بكير است كه امام عليه السلام مى‌فرمايد: «كل شي‌ء حرام أكله فالصّلاة في وبره، و شعره، و جلده، و بوله، و روثه‌
______________________________
(1) جامع الشتات 2: 776 777.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 131‌
فاسدة» «1» و مخفى نيست اينكه متبادر از قول امام: «الصّلاة في وبره و شعره فاسدة» با وجود علم است بانكه و بر و شعر آن است.
سلّمنا كه ظاهر در اين نباشد؛ لكن جزماً ظاهر در آن معنى عام هم نيست.
سلّمنا كه ظاهر در اين معنى نفس الامرى باشد؛ لكن مى‌گوييم كه مراد از فساد هم، فاسد نفس الامرى است؛ و چه دليلى دلالت مى‌كند بر اينكه نماز فاسد در نفس الامر محكوم بفساد است در نظر ظاهر، و ما مكلّفيم بظاهر نه بنفس الامر و اگر بگوئى كه مراد از حكم بفساد در حديث فساد على الظاهر است، ما هم مى‌گوييم مراد از حرام اكله حرام الاكل على الظاهر است، و سياق يك سياق است، و دليل بر اجتناب از قبائح نفس الامريّه كه عقل حكم بر قبح ان نمى‌كند ثابت نيست؛ تا آن كه بگوئيم از باب مقدّمۀ واجب بايد ترك محتملات كرد تا آن كه ترك مطلوب نفس الامرى بعمل ايد.
بلكه ما اين مطلب را در شبهۀ محصوره هم مسلّم نداريم و اقوى ادلّۀ مشهور بر وجوب اجتناب از شبهۀ محصوره همان وجوب مقدّمۀ واجبست، و ما در قوانين ابطال ان كرده‌ايم و اينكه آنچه واجب الاجتناب است، حرامى است كه معلوم الحرمه باشد، و نجسى كه معلوم النّجاسه باشد، و اگر دعوى إجماع و حديث إنائين مشتبهين نبود، در خصوص إنائين هم منع وجوب مى‌كرديم.
پس هرگاه در شبهۀ محصوره كه يقيناً حرامى در ان هست مثل: يك دينار ممزوج بده دينار مشتبه [ما تجويز] مى‌كنيم ارتكاب را بتدريج. و غاية امر حصول شغل ذمّه است بدينارى كه بايد بصاحبش برساند «2»؛ چون دليلى بر حرمة تصرّف‌
______________________________
(1) وسائل الشيعة 3: 250 ب 2 من أبواب لباس المصلي ح 1، الكافي 3: 397 ح 1 اللباس الذي يكره فيه الصلاة، الاستبصار 1: 383/ 1454/ 1، التهذيب 2: 209/ 818/ 26.
(2) في المصدر: رساند.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 132‌
در هر يك على حدة نيست. بلى در آن واحد تصرّف در جميع حرام است؛ چون يقينا تصرّف در حرام كرده. پس چگونه در ما نحن فيه، كه يك جامه است، كه نمى‌دانيم كه از پشم و كرك مأكول اللّحم يا غير مأكول است، حائز ندانيم نماز كرد «1» و همچنين است كلام، در وجوب نماز بقبله، در جائى كه مشتبه باشد، كه بنا بر ملاحظۀ مقام ثانى لازم است تفحّص و بعد از يأس از تعيين، دليلى نيست بر وجوب نماز بر چهار جانب؛ الّا حديث خراش كه مشهور بآن عمل كرده‌اند.
و اظهر در نظر حقير آنست كه، ساقطست تكليف بقبله، و كافى است يك نماز بهر جهتى كه خواهد؛ چنان كه حديث معتبر (دلالت بر آن دارد) «2» و جمعى هم به آن عمل كرده‌اند، و تمسّك بوجوب مقدمه مطلقا وجهى ندارد، و همچنين صلوات متعددة، بر كسى كه يك نماز از أو فوت شده باشد؛ به جهت نصّى است كه در آن وارد است. و اگر دليل ان وجوب مقدّمه بود بايد پنج نماز واجب باشد؛ چون نيّت شرط نماز است و جهر و اخفات از شرائط آن است، و حال آنكه مشهور اكتفا به سه نماز كرده‌اند، على الظّاهر المطابق للنصّ ظاهراً على ما هو ببالي.
و علاوه بر اينها مى‌گوييم كه ترك نماز در اين جامۀ مشتبه مقدّمه ترك نماز در جامۀ غير مأكول اللّحم، نيست بلكه مقدّمۀ علم بترك آن است و در اين مقام، هر چند توان گفت كه تركى كه مأمور (به آنست) «3»، موقوفست بر علم بآن، و علم بان موقوفست بر ترك مشتبه و لكن ما فرض مى‌كنيم مقام را در جائى كه امر مردّد باشد ميان نماز عريانا و نماز در اين ثوب مشتبه، و وجوب ترك غير مأكول اللّحم نفس الامرى، در چنين حال معلوم نيست تا مقدّمۀ ان واجب باشد، تا لازم آيد كه عريانا نماز كند، و قول به فرقى در نظر نيست.
و مع هذا مى‌گوييم كه كسى را مى‌رسد كه بگويد كه نماز در ساتر مأكول اللّحم‌
______________________________
(1) في المصدر: كردن را‌
(2) في المصدر: بر آن دلالت دارد.
(3) في المصدر: به است.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 133‌
نفس الامرى و عريان، واجبست؛ پس در اينجا [بايد] «1» دو نماز (بايد) «2» بكند يكى عريانا و يكى در ساتر مشتبه، پس استعمال مشتبه مقدّمه واجب خواهد بود نه ترك ان، و التزام بوجوب محتاجست بدليل؛ با جود آنكه مخالف نفى عسر و حرج است، و با وجود اين همه مى‌گوييم كه اخبار معتبره دلالت دارد بر عدم وجوب اجتناب.
مثل: صحيحۀ عبد اللّه بن سنان از حضرت صادق عليه السلام كه فرموده است: «كلّ شي‌ء يكون فيه حرام و حلال فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه» «3»؛ فان الظاهر منها حكم شبهة موضوع، الحكم و المراد بشبهة الموضوع، إنّ الحكم بالنسبة إلى كلّ نوع من انواع الجنس، أو صنف من اصناف النوع معلوم من الشارع، و لكن لم نعلم ان هذا الفرد، هل هو فرد من نوع حكمه الحرمة، أو من نوع حكمه الحلّ، و لمّا كان متعلّق الأحكام هو أفعال المكلّفين لا الأعيان الموجودة. إلّا بعنوان التوسّع و المجاز، فنقول: الأكل الذي هو فعل من أفعال المكلّفين إذا تعلّق باللّحم المذكّى، فهو حلال، و إن تعلّق بالميّته، فهو حرام؛ فاللّحم المشترى من السّوق الذى هو مطابق لجنس اللّحم القابل لكونه من كلا النوعين [فيه] «4» نوعان قابلان لأن يحكم على كلّ منهما، بما حكم به الشّارع، و علم منه حكمه فكلّ فرد من افراد هذا الجنس يحكم بحليّته بمقتضى هذا الحديث حتّى نعلم أنّه بعينه الحرام، فكذلك الصوف الذي له فرد ان بعضه ممّا لا تحلّ فيه الصّلاة، و بعضه ممّا تحل، فاذا اشتبه الحال فيحكم بحلّه، حتّى تعرف أنّه ممّا لا يؤكل لحمه.
و لحلّ و الحرمة تابع لما قصد من الموضوعات من جملة أفعال المكلّفين، ففى بعضها يراد الأكل وفي بعضها يراد اللّبس، وفي بعضها الصّلاة، وفي بعضها غير ذلك.
و توهّم أنّ هذا في المختلط بالحرام لإشعار الظرفية بذلك و أنّه يتمّ إذا قال: «كلّ‌
______________________________
(1) الاضافة من المصدر.
(2) لم ترد في المصدر.
(3) تهذيب الاحكام 9: 79/ 337، الكافي 5: 313/ 39، الفقيه 3: 216/ 1002.
(4) يقتضيها السياق.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 134‌
شي‌ء منه حلال و حرام» في غاية البعد.
إذ الظرفيّة الحقيقيّة منتفية في الكلّ، و الكلّي معاً، و الظرفيّة المجازيّة موجودة فيهما معاً، و كما أنّ كلمة من المفيدة للبعضيّة تشمل البعضيّة بعنوان الجزئيّة، تشملها بعنوان كونها جزء أيضاً و كما أنّ الأجزاء في الكلّ، فكذا الجزئيّات في الكلّي و إن كان الكلّي في الجزء أيضاً على وجه آخر؛ لأنّه جزء الجزئي، فيقال: الإنسان، و الفرس، و الغنم، و البقر كلّها مندرجة في الحيوان، وفي معناها رواية عبد اللّه بن سليمان «قال:
سئلت أبا جعفر عن الجبن إلى أن قال سأخبرك عن الجبن و غيره، كلّ ما فيه حرام و حلال فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه» «1».
و اشكال الراوي إنّما كان من جهة إختلاف أنواع الجبنّ المأخوذة من المذكّى و الميتة لا الجبنّ الذي ركّب منهما. و أوضح منهما ما روى عن الصّادق عليه السلام «كلّ شي‌ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام فتدعه، من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب: يكون عليك قد اشتريته و لعلّه سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع، أو قهر، امرأة تحتك و هي أختك، أو رضيعتك و الاشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غيره، أو تقوم به البيّنة» «2».
و بالجملة: الاصل و الإطلاقات و نفي العسر و الحرج مضافاً إلى هذه الأخبار الظاهرة في المطلوب لا يجوز تركها، باحتمال وجوب مقدّمة الواجب، الذي لا أصل له أصلًا أو احتمال اشتراط الصّلاة بترك ذلك المشتبه؛ فاذن، المختار صحة الصّلاة في المشتبه بغير المأكول صوفاً كان أو جلداً أو عظماً. و من ذلك يسهل الأمر في الخز المشتبه حقيقته في هذه الأزمان «3». انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
و قال الفاضل النراقي في المستند بعد عنوان المسألة و حكاية استدلال المنتهي،
______________________________
(1) المحاسن 2: 495/ 596 و: 497/ 602، الكافي 6: 339/ 1 باب الجبن.
(2) تقدمت ص 96.
(3) جامع الشتات 2: 776 777.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 135‌
للمنع، و مناقشة، صاحب المدارك فيه، و جواب الفريد البهبهاني قدّس اللّه أسرارهم عنها، و بيان نظر كلّ منهما في الإيراد و الجواب، بما هذا لفظه:
كلام صاحب المستند‌
«ثمّ أقول: أن الجواب إنّما يتمّ لو لا المعارض للموثقة و لكن يعارضها الأخبار المصرّحة بجواز الصّلاة في الجلود الّتي تشتري من سوق المسلمين و فيما يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين، من غير مسألة «1»، و تعارضهما بالعموم من وجه و الأصل مع الجواز فهو الأظهر كما عليه جماعة ممّن تأخّر منهم، صاحب المدارك، و الاردبيلي، و الخوانساري، و المجلسي و والدي العلّامة رحمه الله «2» و يويّده، بل يدلّ عليه عمل النّاس، بل إجماع المسلمين، حيث أنّه لم يعلم كون أكثر الثياب المعمولة من الصّوف و الوبر و الشعر من الفراء، و السقرلات و ما عمل لغمد السيف و السّكين ممّا يؤكل جزماً، و مع ذلك يلبسها، و يصاحبها النّاس من العوام و الخواص في جميع الامصار و الاعصار، و يصلّون فيه من غير تشكيك، أو إنكار، بل لولاه للزم العسر و الحرج في الأكثر.
و يدلّ عليه أيضاً الأخبار «3» المصرّحة بأن كلّ شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه، بل لنا أن نقول: إنّ قوله في الموثّقة «كلّ شي‌ء حرام اكله» يتضمن الحكم التكليفي، فيقيّد بالعلم قطعاً أي: كل شي‌ء علمت حرمة أكله إذ لا حرمة مع عدم العلم، بل نقول: إنّ ما حرم أكله ليس إلّا ما علمت حرمته؛ لحليّة ما لم يعلم حرمته، كما يأتي في بحث المطاعم.
ثمّ إنّ ذلك إنّما هو إذا أخذ من يد أحد، و لم يمكن الفحص، عن حال الحيوان، و امّا لو كان هناك حيوان مشكوك فيه فيرجع فيه إلى قاعدة حليّة اللحم و حرمتها مع‌
______________________________
(1) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات، الباب 50.
(2) مجمع الفائدة 2: 95، المدارك 3: 167، البحار 1: 222، تعليقات على شرح اللمعة: 178.
(3) الوسائل 24: 235، أبواب الأطعمة و الأشربة باب 64.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 136‌
الشّك، كما يأتي في باب المطاعم و المشارب. إن شاء اللّه انتهى كلامه «1»، رفع مقامه.
هذه جملة من الكلمات، و يقرب عنها ما طوينا نقله.
التمهيد للمسألة‌
و توضيح الكلام في المقام، بحيث يرفع به الحجاب، عن وجه المرام، يتوقف على تمهيد مقدّمات و تقديمها، قبل ذكر أدلّة الأقوال:
المقدمة الاولى: في عدم ظهور الدليل عند الشك في موضوعه‌
الاولى: أنه لا ينبغي الإشكال كما عليه المعظم، بل المشهور أنّ الدليل المثبت لحكم الموضوع عامّ مخصّص، أو مطلق مقيّد لا ظهور له أصلًا عند الشك في حال موضوع، من حيث كونه داخلًا في موضوع الحكم، أو خارجاً عنه من جهة الشبهة الموضوعية، و المصداقية، بحيث لا يرجع إلى الشكّ في المراد عن اللفظ أصلًا؛ ضرورة عدم ظهور اللفظ؛ إلّا في إرادة المعنى الظاهر منه بأيّ سبب وضعاً كان، أو غيره، عند الشكّ في إرادة خلافه، لصارف عنه فإذا تبيّن المراد من اللّفظ و شكّ من جهة الشبهة الخارجيّة، في كون جزئي خارجيّ، من مصاديق المراد فلا ظهور له بالنسبة إليه أصلًا؛ فإذا ورد من المولى الأمر بإكرام العلماء بعنوان العموم، مثلًا، و ورد منه أيضاً ما يقتضى إرادة خصوص العدول من هذا العنوان العام أو غير الفساق منه و شك من جهة الشبهة الخارجيّة في أنّ فرداً خاصّاً من العلماء كزيد مثلًا، متصف بالعدالة، أو الفسق، فلا يجوز التمسك بالعموم للحكم بشمول حكم العام له، كما توهم، كما لا يجوز التمسك بالمخصّص للحوق حكم الخاص له، بالاتفاق؛ ضرورة عدم الفرق بينهما في عدم الاقتضاء.
______________________________
(1) المستند 4: 316.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 137‌
نعم لو كان الفرد المردد بين الخارج و المخرج منه في المثال، مسبوقاً بحالة العدالة، أو عدم الفسق، أو بالفسق، حكم بلحوق حكم العام له في الأوّل، و بلحوق حكم الخاص له، في الثاني، لا من جهة التمسّك بالظهور، بل من جهة الاستصحاب الموضوعي و هذا أمر واضح لا سترة فيه أصلًا.
و إن توهّم الخلاف بعض الفقهاء من المتاخرين نظراً إلى: أن عدم الحكم بلحوق حكم العام له، يوجب زيادة الخارج من العام و كثرته و مقتضى العموم قصر الحكم بالخروج على ما علم خروجه منه.
و هذه كما ترى شبهة واضحة الدّفع بعد التأمّل فيما ذكرنا هنيئة؛ ضرورة أنّه على تقدير الخروج، لم يكن مخرجاً بمخرج آخر حتّى يشكّ في زيادة الخروج، و المخصّص الوارد من المولى، أو إلى إنّ عنوان العام من قبيل المقتضي و عنوان الخاص من قبيل المانع، فاذا شكّ في صدق عنوان الخاص بعد العلم بصدق عنوان العام كما هو المفروض يحكم بعدمه، كما عليه بناء العقلاء، في جميع. ما كان التردد فيه من هذا القبيل، لوضوح فساده، مضافاً إلى عدم اطّراده بالنسبة، إلى التخصيص بالمخصّصات المتصلة، كما تبيّن في محلّه، و إلى عدم استقامته فيما تردّد الموجود الخارجي، بين المانع، و غيره، كما هو المفروض، إلَّا فيما كان له حالة سابقة مستصحبة، كما أشرنا إليه فيما مثّلناه لك، و سنوضح لك القول فيه: بأنّه لا تعلّق له بالتمسّك بالعموم، و الظهور اللفظي أصلًا، كما لا يخفى، على ما هو المقصود بالبحث. فإذا ورد من الشارع مثلًا: لا صلاة إلَّا بطهور «1» أو «لا تجوز الصّلاة «2»، فيما لا يؤكل لحمه، أو لا يقبل اللّه الصّلاة فيه» و مثلًا: شكّ المكلّف في كونه محدثاً، أو متطهّراً، أو فيما يلبسه، أنّه ممّا يؤكل لحمه، أو من غيره، و قلنا بمقالة الأعمّي في الفاظ العبادات، مع اجتماع شرائط التمسك بالمطلق، في إطلاقات الصلاة، فلا معنى للتمسك بإطلاق الأمر بالصلاة، للحكم بصحّة الصلاة‌
______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 1: 58/ 129، التهذيب 1: 144/ 7.
(2) عوالي اللئالي 1: 346/ 125.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 138‌
في المثالين. و هكذا بل يتعيّن الرّجوع فيهما و في اشباههما، إلى الأصول العمليّة.
المقدمة الثانية: في كون الالفاظ موضوعه مادة و هيئة للمعاني النفس الامرية‌
الثانية: أنّه كما لا سترة في وضع الألفاظ مادّة و هيئة للمعاني النفس الأمريّة و الامور الثابتة الواقعيّة من غير مدخلية لحالات المخاطب، من علمه و جهله بأقسامه، فيها بمعنى عدم ملاحظتها في مقام الوضع أصلًا، كذلك لا سترة في عدم انصرافها، إلى خصوص ما تعلّق به علم المخاطب في مقام الإرادة، و لو بالنسبة إلى متعلّقات الخطابات، و لو كانت شرعيّة و خطابات تكليفيّة إلزاميّة؛ لعدم الموجب للانصراف المذكور أصلًا مضافاً إلى امتناع ذلك في الجملة، بالقضيّة المطلقة، كما هو واضح، و سدّه باب الرجوع إلى الأصول الموضوعيّة مطلقاً، بل و الإصول الحكميّة في الجملة، كما هو ظاهر.
و توهّم كون الموجب قضاء العقل بذلك، فيما كان الخطاب من قبيل التكليف الإلزامي؛ نظراً إلى حكمه بقبح تعلّق التّكليف بالواقع المجهول، كما يوهمه كلام بعض الاعلام، فاسد جدّاً؛ ضرورة أنّ العقل لا يحكم إلَّا بقبح المؤاخذة و العقاب فيما يحكم به على الواقع المجهول، لا باختصاص التكليف واقعاً بالمعلوم.
و هذا معنى تبعيّة تنجّز التكليف، للعلم في الجملة، في حكم العقل و البراءة العقليّة.
كتوهّم كون الموجب قضاء الشرع به، بالنظر إلى ما ورد من أخبار الحليّة و البراءة في الشبهة الموضوعيّة و الحكميّة؛ ضرورة صراحتها في إثبات الحليّة الظاهرية و الجواز الظاهري، فيما فرض له حرمة واقعيّة تابعة للواقع المجهول، و إلّا لم يكن معنى للتردّد بين الحلال و الحرام كما هو ظاهر.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 139‌
المقدمة الثالثة: في اعتبار جزء أو شرط بواسطة دليل الخطاب‌
الثّالثة: أنّ اعتبار شي‌ء في العبادة شرطاً وجوداً، أو عدماً، أو جزءاً، قد يكون مدلولًا لما هو من قبيل خطاب الوضع، كقوله: «لا صلاة إلّا بطهور» «1»، أو لمن لم يقم صلبه، أو «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «2» و قوله، «لا يقبل اللّه الصّلاة في غير ما احلّ اللّه لحمه»، أو الصّلاة فيه فاسدة و نحو ذلك، وقد يكون مدلولًا لما هو من قبيل التكليف الغيريّ المقدّمي الإرشادي، كقوله تعالى: «وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ» «3» و قوله تعالى: «فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» «4» بناء على سوقهما لإيجاب الركوع و القراءة في الصّلاة و ما ورد من النهي عن الصّلاة في الحرير، أو غير المأكول، أو لبس الذهب و قوله تعالى: «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» «5»، وقد يكون مدلولًا لتكليف و خطاب نفسيّ من غير أن يكون له تعلّق بالعبادة و نظر إليها، كشرطيّة إباحة المكان أو اللباس، المستفادة مما دلّ على حرمة الغصب و النهي عنه مطلقاً.
إمّا الاول: فلا يتوهّم اختصاص مدلوله بما إذا علم المكلّف، بما اعتبر في العبادة تفصيلًا، بحيث يجوز الصّلاة مع الشك واقعاً نظراً إلى اختصاص قضية اعتباره بصورة العلم، لما عرفت من فساد توهّمه في المقدّمة الثانية.
و امّا الثاني: فقد يتوهّم اختصاص مدلوله بصورة العلم من جهة بعض ما عرفت فساده بما لا مزيد عليه في المقدّمة الثّانية، كما إنه قد يتوهّم جواز الرجوع فيه إلى البراءة؛ نظراً إلى قصور دلالة الدليل، من حيث كونه أمراً أو نهياً، من الكشف، عن الشرطيّة، أو الجزئية المطلقتين، و لو من جهة قصر تنجّزه بصورة العلم؛ فيرجع في‌
______________________________
(1) تقدمت ص 100.
(2) انظر الكافي 3: 317/ 28، الاستبصار 1: 310/ 1152/ 1.
(3) سورة البقرة: 43.
(4) سورة المزمل: 20.
(5) سورة البقرة: 144.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 140‌
صورة الشكّ إلى البراءة و لا اشكال في ظهور فساده أيضاً، حيث إنّ المفروض كون التكليف فيه غيريّاً، مقدّميّاً، معلولًا للارتباط بين متعلّقه و العبادة بحسب نفس الأمر و الواقع، على ما يقتضيه لفظ متعلّقه، كالحرير، و غير المأكول، و شطر المسجد الحرام و نحوها؛ فإنه و ان لم يجز التمسّك بنفس الخطاب المذكور، مع الشك في وجود متعلّقه، في الخارج، كما لا يجوز التمسّك به، في القسم الأول أيضاً، مع كونه من مقولة الوضع لا التكليف، إلَّا أنّه بعد الكشف، عن ارتباط العبادة بوجودها بحسب نفس الامر، يحكم العقل حكماً قطعيّاً ضروريّاً، بعدم جواز القناعة باحتمال وجودها، نظراً إلى ثبوت الاشتغال اليقيني بإيجاد العبادة المشتملة عليها؛ فيحكم بعدم جواز الدخول في العبادة، مع الشكّ في وجودها، كما هو الشأن في القسم الأوّل أيضاً، إلّا فيما إذا كان هناك أصل يقتضي تحقّقها، كما في مستصحب الطهارة، و ما كان الشكّ فيه بعد الدخول في غيره، أو إمارة شرعيّة مقتضية لوجودها، كما في موارد الشكّ في التذكية مع أخذ الجلد من المسلم، أو من سوق المسلمين و من هنا اتفقت كلمتهم على الاشتغال في مسألة دوران الامر بين الاقلّ و الأكثر في الشبهة الموضوعيّة منها، مع ذهاب المشهور إلى البراءة في الشبهة الحكميّة منها، حتّى من قال بالبراءة في الشبهة المحصورة، حيث إن الاشتغال اليقيني في المقام مفروض، بخلاف الشبهة المحصورة، فإن القائل بالبراءة فيها، يمنع من تنجّز الخطاب بالواقع المردّد.
و منه يظهر فساد مقايسته المقام بالشبهة المحصورة و المساواة بينهما و ابتناء الحكم فيهما على وجوب المقدّمة، كما عرفته، عن المحقق القمّي قدس سره فيما تقدّم من كلامه، مع منعه وجوبها مشيراً إلى ما فصّله في القوانين، مع أنّه سلّم وجوبها بالوجوب التبعيّ الغيري، بل حكم بخروجه عن محلّ النزاع و جعل النّزاع في الوجوب الاصلي، مع أن الحكم في المقام مترتّب على ما سلّمه، بل ما دونه من الوجوب الإرشادي العقلي، بل لا يتصوّر غيره فيه لإن اصل وجوب ذي المقدّمة و هو العلم ارشاديّ عقليّ فكيف يكون وجوب مقدّمته، مع أنّه تبعه و معلوله، أجلّ و أعلى منه.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 141‌
نعم حكم العقل المذكور مبنيّ على وجوب دفع العقاب المحتمل و منعه، كما عليه المحقق المذكور، هدم للقواعد العقليّة الضرورية و موجب لإفحام الانبياء، بل عدم وجوب المعرفة و إتمام الحجة على تارك النظر كما هو ظاهر، إذ الاستناد في ذلك إلى الشرع كما ترى.
نعم لو قام هناك دليل شرعيّ على قناعة الشارع واقعاً باحتمال وجود الشي‌ء في صحة العبادة، كما في مسألة الجهل بالخبث مع عدم سبقه في اللباس، أو البدن لا المسجد، فإنه من محلّ الخلاف، كشف ذلك، عن كون المانع واقعاً النجاسة المعلومة في الجملة لا الواقعية، لكنّه خارج، عن مفروض البحث، و إلى ما ذكرنا يرجع استدلال العلّامة للمدّعى في المنتهى، كما ستقف على شرح القول فيه إن شاء تعالى.
و أمّا الثالث: فلمّا كان اعتباره في العبادة معلولًا للتكليف النفسيّ بالفرض، عكس القسم الثاني، فيحكم باختصاص اعتباره بمورد وجود التكليف النّفسي؛ ضرورة اقتضاء التبعية لذلك.
دلالة الطلب النفسى على اعتبار شرط أو جزء في العبادة و عدمه‌
هذا فإن شئت توضيح القول في ذلك فاستمع لما يتلى عليك، فنقول: إنه لا إشكال في أن الطلب النفسي المتعلّق بفعل لا يمكن أن يستكشف منه كون متعلّقه مربوطاً بالعبادة و معتبراً فيها، من غير فرق بين الاستكشاف بطريق الإنّ، أو اللّمّ؛ ضرورة أن الطّلب المتعلّق بالشي‌ء من حيث هو لا يكشف إلّا عن كونه مطلوباً كذلك، فكونه مطلوباً للغير لا يمكن استفادته منه، حتى يستكشف منه الارتباط، و إن أمكن صيرورة ما هو المطلوب بالذّات، مقدّمة للغير، و مطلوباً بالطلب المقدّميّ، كما في الطهارة الحدثية فإنه، لا ينافي ما ذكرنا أصلًا من عدم إمكان كشف الطلب النفسي، من جهة الغيريّة، كما لا يخفى و هذا من غاية وضوحه لا يحتاج إلى البيان.
نعم هنا شي‌ء يمكن بمعونته و ملاحظته استفادة اعتبار انتفاء الطلب النفسي، في‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 142‌
امتثال الأمر المتعلّق بالعبادة، فإنه إذا تعلّق النهي النفسي بعنوان قد يجتمع مصداقاً مع أفعال العبادة كالغصب المجامع لأفعال الصلاة، أو الطّهارات فلا محالة يمنع، من امتثال الأمر المتعلّق بالعبادة، المتوقف على قصد التقرّب بالفعل، ضرورة امتناع التقرّب بالمبغوض. و من هنا يجعل اباحة المكان، أو اللباس شرطاً مثلًا، فإن شرطيّتها ليست على حدّ سائر الشرائط المعتبرة في أصل العبادة و صحّتها فإنها، كما عرفت شرط للامتثال لا العبادة و من هنا لا يمكن استفادة الجزئية من الطّلب النفسي، و حيث كانت الاستفادة من الجهة المذكورة، فلا محالة يحكم بصحّة الصلاة مع الجهل، الذي يعذر فيه المكلّف موضوعاً أو حكماً في الجملة، بل مع نسيان الغصب موضوعاً، أو حكماً في الجملة، حيث أن الإباحة الظاهريّة و انتفاء تنجّز النهي يتأتّى معه امتثال الأمر و قصد التقرّب بفعل العبادة، و إن كان حراماً في نفس الأمر، بناءً على كون الوجه ما أشرنا إليه، في مسألة امتناع اجتماع الأمر و النّهي؛ لا كونهما ضدّين على ما قرّره جماعة؛ فإنّه بناءً عليه يحتاج إلى كلفة، دعوى عدم التضادّ بين النهي الواقعي، و الامر الفعلي و قصر التّضادّ بين الفعليّين منهما؛ فانها كما ترى لا يستقيم أصلًا على ما حققناه في معنى الحكم الواقعي في محلّه، و ان الحكم الفعلي ليس حكماً آخر في قبال الحكم الواقعي، و انما هو من شئونه و مراتبه بالنظر إلى حكم العقل.
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا في كيفيّة الاستفادة، اختصاصها بما إذا اجتمع العنوان المنهيّ عنه مع المأمور به مصداقاً، و إمّا إذا انتفى ذلك، فلا معنى للحكم بفساد العبادة بالنظر إلى النهي النفسيّ. و من هنا حكموا و حكمنا بصحّة الصّلاة في لباس الشهرة، و صحة صلاة كلّ من الرجل و المرأة، فيما يختصّ بالاخر إلى غير ذلك، خلافاً لفقيه عصره في كشف الغطاء «1» حيث حكم ببطلان الصّلاة فيما ذُكر، زعماً منه أن النهي عن الستر بالمحرّم يقتضي بطلان الصّلاة و لو كان النّهي نفسيّاً، و هو كما ترى؛ ضرورة أنّ حيثية الشرطية حيثيّته توصّلية لتحصيل ما هو المقصود و الغرض منه بفعل الحرام،
______________________________
(1) كشف الغطاء 3: 27.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 143‌
و هذا بخلاف الجزء فانه لا يمكن التوصّل بفعل الحرام إليه أصلًا و هذا مع ظهوره قد برهن عليه في محلّه.
و امّا الحكم ببطلان الصلاة في الحرير المحض للرجال، و الذهب لهم، فليس من جهة النّهي النفسيّ المتعلّق، بلبسهما، بل من جهة النّهي الغيريّ المتعلّق بهما، الكاشف، عن اعتبار متعلّقه، في أصل الماهيّة، كما فَصَّل القول فيه، في بابهما، فلا يقاس بهما ما لم يرد فيه إلَّا النهي النفسي الغير مجامع للأمر مصداقاً.
المقدمة الرابعة: في اختصاص دليل البراءة بما يحتمل التحريم‌
الرّابعة: إنه لا إشكال، في اختصاص دليل البراءة عقلًا و نقلًا، فيما يحتمل التحريم، سواء كان في الشبهة الحكمية، أو الموضوعيّة، في التكليف، أو المكلّف به، بما إذا كان التحريم المحتمل ذاتياً نفسيّاً، و عدم شموله للتحريم التشريعي فإذا شككنا في مشروعيّة صلاة مثلًا، من جهة من الجهات كمّاً، أو كيفاً فلا معنى للرجوع فيه إلى دليل البراءة، و الحكم بجوازها، بل يحكم فيه بالتحريم.
إمّا على ما هو المشهور من كون التشريع إدخال ما لم يعلم من الدين فيه، فهو ظاهر؛ لكون الحرمة معلومة عند الشّك فلا شك في الحرمة حتّى يرجع فيه إلى البراءة.
و امّا على القول بكونه، الإدخال في الدين كما استظهرناه في محلّه؛ فلان المرجع عند الشّك هو أصالة عدم الأمر و الجعل و التشريع، فيترتّب عليها حكم التشريع في مرحلة الظاهر؛ فلا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة ضرورة ورود الاستصحاب، أو حكومته عليها، كما فصّلنا القول فيه في محلّه.
و هذا مع وضوحه قد نبّهوا عليه في باب البراءة و الإشتغال، في الأصول.
و من هنا حكموا و حكمنا برجحان الاحتياط أو وجوبه، في موارد الشكّ في المكلف به، أو التكليف في العبادات المحتمله، أو المحقّقة المردّدة مع ما فيها، من الحرمة‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 144‌
التشريعيّة، بل في غير العبادات أيضاً.
هذا و أمّا الحكم بحلّية التصرّف فيما يشترى من السوق، أو في المرأة مع احتمال النسب، المانع عن صحّة النكاح، أو الرضاع كذلك، فليس من جهة الاستناد إلى البراءة، بل من جهة أصالة الصّحة و أصالة عدم العلاقة المانعة في النّكاح، و إلّا فيحكم بالحرمة من جهة أصالة الفساد في المعاملات.
هذا و لكن قد يتوهّم من رواية مسعدة بن صدقة، خلاف ما ذكرنا؛ حيث أن الظاهر منها في بادئ النّظر، كون الحلّية في الأمثلة المذكورة فيها مستندة إلى نفس الشك و احتمال الحلّية لا إلى الأصول الموضوعيّة، لكنّه كما ترى في كمال الضعف و السقوط، بعد التّأمّل في الرواية، و لو بملاحظة ما هو المسلم عندهم، من حكومة الأصول الموضوعيّة المقتضية، للتحريم، على البراءة الشرعيّة و ورودها على البراءة العقلية، بل فتح الباب المذكور يوجب فقهاً جديداً، لم يقل به أحد فلا بدّ من جعل ما ذكر في الرواية من الموارد الشخصيّة، من باب التقريب و التوضيح لا التمثيل، و دعوى أن قوله في الرّواية: كلّ شي‌ء لك حلال، مثل قوله تعالى: «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «1» و نحوه ممّا يستفاد منه، الوضع، و الامضاء، و ترتيب الآثار، و الصحّة و إن افترقا من حيث القضيّة الواقعيّة و الظاهريّة؛ حيث أنّ مدلول الرواية، حكم ظاهريّ بما ذكر، و مدلول الآية الشريفة حكم واقعيّ، فجعل الرّواية بناء عليه دليلًا عليه، ويحكم بصحّة الصّلاة مع الشك؛ فاسدة جدّاً نظراً إلى أنّ المستفاد منها، كنظائرها من الروايات المتحدة معها بحسب السياق، بل التعبير، مجرّد إثبات الحكم التكليفي الظاهريّ، في مورد احتمال التحريم الواقعيّ الذاتي لا الاعمّ منه و من التّحريم التشريعي، على ما عرفت سابقاً، فإن غاية الحلّيّة في الرّواية العلم بالحرمة الظاهرة فيما ذكرنا، غاية الظهور، فلا محالّة يحكم بكون سوقها سوق سائر أخبار الحلّية الظاهريّة؛ فلا معنى لجعل الرواية أصلًا في باب الشّك في الأجزاء و الشرائط مقتضياً لصحّة الصّلاة مع الشك فيهما.
______________________________
(1). البقره/ 275.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 145‌
هذا مضافاً إلى ما أشرنا إليه، من لزوم الالتزام بفقه جديد على المعنى المذكور، أو التخصيص الذي لا يلتزم به أحد و يستهجن [عليه] جداً.
المقدمة الخامسة: في امارية يد المسلم و سوق المسلمين‌
الخامسة: أنّه لا ريب و لا إشكال، في اختصاص ما جَعل يد المسلم و سوق الإسلام دليلًا عند الشكّ من الأخبار، بالشكّ في التذكية لحماً أو جلداً؛ فلا تعلّق له بالشّكّ في مفروض البحث، فإنّه من حيث الشكّ في حلّية ما أخذ منه الجلد، أو الصّوف، أو الوبر، المعمول منهما اللّباس، و إن علم بجريان التذكية الشرعية عليه، فلا معنى للتشبث بذيل الأخبار المذكورة في مفروض المقام، كما صنعه بعض أفاضل من قارب عصرنا فيما عرفت من كلامه.
و ما ذكرنا من الاختصاص و إن كان أمراً ظاهراً لمن راجع الأخبار المذكورة، و من هنا لم يستشهد بها أحد في المقام مع استشهادهم بها، في مسألة الشكّ، في التذكية، في باب اللّحوم و الجلود المشكوكين، لا في الصّوف و الوبر و الشعر، نظراً إلى طهارة ما لا تحلّه الحيوة من الميتة عندهم، إلّا أنه لا بأس بنقل جملة من الاخبار المذكورة لتزول ببركتها الشبهة المتوهّمة.
فمنها: ما رواه الشيخ في الصحيح، عن الحلبي «قال سئلت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخفاف الّتي في السّوق، فقال: اشتر و صلّ فيها حتى تعلم إنه ميّت بعينه» «1».
و منها: ما في الصحيح أيضاً عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن مولانا الرضا عليه السلام، «عن الخفّاف الّتي تأتي السّوق فنشتري الخفّ، لا ندري أ ذكيّ هو أم لا؟ ما تقول في الصّلاة فيه و هو لا يدري أ يصّلي فيه؟ قال: نعم إنا نشتري الخفّ و يصنع لي و أصّلي‌
______________________________
(1) تهذيب الاحكام 2: 234/ 920/ 128، الوسائل 3: 490/ 4262، الكافي 3: 403/ 28.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 146‌
فيه، و ليس عليكم المسألة» «1».
و منها: ما في رواية أخرى له عنه أنه، قال: من بعد ذلك «أنّ أبا جعفر كان يقول:
إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم؛ إنّ الدّين أوسع من ذلك» «2».
و منها: ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن سليمان ابن جعفر الجعفري أنّه سئل العبد الصّالح موسى بن جعفر، «عن الرّجل يأتى السّوق فيشترى منه جبّه فرو لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكيّة أ يصّلي فيها؟ قال: نعم ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر كان يقول: إنّ الخوارج ضيفوا على انفسهم بجهالتهم إنّ الدين اوسع من ذلك» «3».
و منها: ما في الحسن عن جعفر بن محمّد بن يونس «أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن يسأله، عن الفرو و الخفّ ألبسه و أصلّي فيه و لا أعلم انّه ذكيّ فكتب، لا بأس به» «4».
إلى غير ذلك من الاخبار الواردة في هذا الباب المطابقة لما ذكر، و لا إشكال في اختصاص مدلولها بما ذكرنا؛ حيث إنّ المصرّح فيها السؤال، عن قدح احتمال الموت و عدم التذكية في الجلود المأخوذة، و أين هذا من احتمال، عدم حل اللحم مع القطع بالتذكية.
وهنا جملة من الرّوايات منافية في ابتداء النظر لما ذكرناه من الروايات، إلَّا أنّها مختصّه أيضاً بما ذكر، مثل: ما رواه الشيخ عن أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن الصلاة في الفراء فقال كان عليّ بن الحسين عليهما السلام رجلًا صرداً فلا يدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرط فكان يبعث إلى العراق فيؤتى بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك، فيقول: إن أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة و يزعمون أن دباغه ذكوته» «5».
______________________________
(1) قرب الاسناد: 385/ 1307، التهذيب 2: 371/ 1546/ 78.
(2) من لا يحضره الفقيه 1: 258/ 791، التهذيب 2: 368/ 1529/ 61.
(3) من لا يحضره الفقيه 1: 167/ 787، الوسائل 4: 456/ 5706/ 1.
(4) الوسائل 4: 456/ 5708/ 3، من لا يحضره الفقيه 1: 167/ 789.
(5) الكافي 3: 397/ 2، التهذيب 2: 203/ 796/ 4، الوسائل 4: 462/ 5730/ 2.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 147‌
و ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «قلت: لأبي عبد اللّه إنّي أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام فأشتري منهم الفراء، للتجارة فأقول: لصاحبها أ ليس هي ذكيّة؟ فيقول: بلىٰ فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكيّة؟
فقال: لا و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة، قلت:
و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة و زعموا أن دباغ جلد الميتة ذكوته، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك، إلّا علىٰ رسول اللّه صلى الله عليه و آله» «1».
إلى غير ذلك و هذه كما ترى و إن كانت معارضة للأخبار المتقدمه بظواهرها في بادي النظر، إلَّا أنها صريحة أيضاً، في حكم الجلد المردّد من حيث التذكية و الموت.
المقدمة السادسة: في ان المنفي بادلة نفي الحرج هو الحرج الشخصي‌
السّادسة: أنه لا ينبغي الاشكال، في أنّ الحكم المنفيّ بأدلة نفي العسر و الحرج، يمنع لزوم الحرج بحسب الموارد الشخصية، في حقّ أشخاص المكلّفين و حالاتهم الجزئيّة، فلو فرض لزوم الحرج من الالتزام بحكم بحسب دليله في حقّ مكلّف دون غيره؛ فلا يقتضي دليل نفيّه نفيَه، عمّن لا حرج في حقّه أصلًا كما أنه لو لزم من ثبوته في بعض حالات المكلّف دون بعضها، لم يحكم بنفي الحكم بالنّسبة إلى الحالتين.
و هذا معنى اعتبار الحرج الشّخصي في كلماتهم في قبال الحرج النوعي و الغالبي.
و من هنا استشكلنا في التمسك بدليل نفي الحرج في الشبهة الغير المحصورة؛ للحكم بعدم وجوب الاحتياط فيها على الاطلاق، مع عدم لزومه إلّا في الجملة. وفي التمسّك به، للحكم بعدم وجوب الاحتياط، عند انسداد باب العلم في غالب الأحكام، بالنسبة‌
______________________________
(1) الكافي 3: 398/ 5، التهذيب 2: 204/ 798/ 6، الوسائل 3: 503/ 4293/ 4.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 148‌
إلى جميع محتملات التكليف، مع عدم لزومه إلّا في الجملة، حسب ما حررنا القول فيه في محلّه تبعاً لشيخنا الاستاد العلامة قدس سره الشريف.
و هذا الذي ذكرنا جارٍ في كلّ مورد جعل لزوم العسر فيه علة لرفع الحكم عنه.
و أمّا إذا لوحظ حكمة في تشريع حكم في الشرع بحسب دليل الحكم؛ فلا يلزم فيه الاطّراد قطعاً، كما هو الشأن في سائر الحِكَم الملحوظة في تشريع الاحكام و جعلها.
و هذا الذي اخترناه و ان لم يكن مسلّماً عندهم؛ لمصير جمع في ظاهر كلامهم إلى كفاية الحرج النوعي و الغالبي، في رفع الأحكام الثابتة بمقتضى أدلّتها، إلَّا أنه مقتضى التأمّل فيما اقتضى نفي الحرج، سيّما بملاحظة سوقها، في مقام الامتنان على العباد.
المقدمة السابعة: قضيتان مردودتان‌
السّابعة: إنّه قد تكرّر في كلماتهم، قضيتان لا أصل لهما في ظاهر النظر.
إحداهما: حصر المحرمات. وقد تمسك بها بعض، في حكم المقام و نحوه. و الاخرى:
عكسها، و هو حصر المحللات. وقد تمسّك بها غير واحد من الأخبارييّن، في الشبهة التحريميّة الحكميّة.
و أنت خبير بما في القضيتين.
1 حصر المحرمات إمّا حصر المحرمات؛ فلأنه و إن وردت جملة من الاخبار، في تعداد الكبائر، إلَّا أنّه لا تعلّق لها بالحصر، ثمّ بحصر المحرمات.
هذا مع منافات الحصر لقضيّة، تثليث الامور، فيما ورد عن النّبيّ و الائمة صلوات اللّه عليهم.
و إن أريد التشبث في ذلك بذيل بعض الآيات الظاهرة في ابتداء النظر في الحصر كقوله تعالى: «قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...» «1» الآية و نحوه، ففيه إنّه لا بدّ من‌
______________________________
(1) سورة الأنعام: 145.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 149‌
أن يحمل، على الإضافي و إلّا توجّه عليه تخصيص الأكثر المستهجن جدّاً سيّما بالنسبة إلى القضية الحاصرة.
2 حصر المحللات و إن أريد من حصر المحرمات حصرها بحسب العنوان الكلّي كما دلّ عليه أنه تحريم الخبائث، فيتوجّه عليه، عدم دلالته على الحصر، و معارضة بحصر المحللات، في الطيّبات أيضاً.
هذا كلّه مضافاً إلى أن تسليم الحصر بحسب الحكم لا تعلق له بالشبهة الموضوعيّة، و لا يفيد بالنسبة اليها أصلًا مع إنّ المقام لا تعلق له بالشبهة التحريميّة أصلًا، على ما عرفت الكلام فيه، و ستعرفه.
و امّا حصر المحللات، فلا وجه له أصلًا مضافاً، إلى ما عرفت، من منافاته لحديث التثليث؛ ضرورة منافات وجود الأمر المشتبه المردّد، من حيث التحليل و التحريم في لسان الشارع؛ لحصر كلّ منهما في الشرع.
و بالجملة كلما زيد التامّل فيما ذكر زيد وضوح فساده و إن صدر عن بعض الأعلام.
المقدمة الثامنة: في شرط التمسك بالإجماع العملي‌
الثامنة: إنّه قد ذكر في محلّه في الأصول: إنّه يعتبر في التمسّك بالسيرة، المعبّر عنها في لسانهم، بالإجماع العملي لإثبات حكم شرعي امور.
منها: انتهاء العمل إلى زمان المعصوم من النبيّ أو الوصيّ عليهما السلام.
و منها: عدم المانع من ردع الامام بعد اطلاعه، على تقدير عدم جواز الفعل في الواقع.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 150‌
و منها ارتداع العامل بردعه في وجه.
و منها: عدم استناد العمل، إلى التقليد.
و منها: عدم استناده إلى عدم المبالات في الدين أو قلتها.
و منها: العلم بعنوان العمل المنطبق على العنوان الذي يراد تسرية الحكم، من السيرة إليه، و الاستدلال بهاله.
إلى غير ذلك؛ فلو اختل احد هذه لم يجز التمسك بالسيرة جزماً؛ فإذا حكم المعظم ببطلان الصلاة في اللباس المشكوك مثلًا، فلا تجدي سيرة الناس في الأعصار على الصلاة فيه، مع لزوم التقليد عليهم، في الأحكام كما انّها لا تجدي، فيما فرض انتفاء هذا الموضوع في زمان الائمة عليهم السلام، أو كون العامل غافلًا عن حال اللباس. و ان فرض عروض الشك له على تقدير التنبّه و الالتفات.
هذا وهنا إجماع عملي آخر لا يعتبر فيه الامور المذكورة، لكنّه لا تعلق له بالسيرة، و هو الإجماع العملي من خصوص العلماء؛ فانّه طريق إلى فتاويهم، فهو كاشف حقيقةً عن الإجماع القولي.
إذا عرفت ما مهّدنا لك من المقدّمات فاستمع لما يتلى عليك من.
تحقيق وجوه الاقوال في المسألة‌
وجوه الأقوال في المسألة‌
فنقول:
وجه قول المشهور‌
أمّا المشهور فيكفيهم دليلًا على ما اختاروه، الأصل الذي اشار إليه في محكّي المنتهى، و عدم دليل وارد عليه، كما ستقف عليه، حسب ما عرفت في بيانه، في استقلال العقل، في الحكم بعدم جواز القناعة باحتمال وجود ما فرض اعتباره في المأمور به، كحكمه، بعدم جواز القناعة باحتمال إيجاد المامور به، و ما اشتغلت الذّمة به يقيناً، بل الاوّل راجع إلى الثاني في الحقيقة.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 151‌
و من هنا ذكرنا في طيّ المقدمات، أنّ القول المذكور يجامع القول، بعدم وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة أيضاً، و ليس المقام من الشبهة التحريميّة في شي‌ء و لا من الشبهة الوجوبيّة، حتّى يرجع فيه إلى البراءة، و ان عبّروا عن حكم المقام بعدم الجواز فإنّ مرادهم منه، ليس التحريم الشّرعي، بل عدم تجويز العقل للصلاة في الثوب المشتبه، و عدم صحّتها، فإذا حكم العقل بعدم جواز الإقدام، فيحكم بفساد العمل جزماً، إذا دخل فيه مع الشك، و ان تبيّن بعد العمل كون اللّباس ممّا يؤكل لحمه لعدم إمكان قصد القربة و الحال هذه، فعدم جواز الإقدام و إن كان مبناه قاعدة الاشتغال المبتنية على عدم تجويز العقل بالقناعة، بالامتثال الاحتمالي للتكليف تكليف المعلوم، إلَّا إنّه يكفي دليلًا للحكم، بالفساد قطعاً بالملاحظة المذكورة، كما يأتي الكلام فيه إن شاء تعالى.
وجوه القول بالجواز‌
أمّا القائلون بالجواز و صحّة الصلاة في مفروض البحث، فقد استدلّوا بوجوه، و ان اقتصر بعضهم على بعضها:
الوجه الاول: التمسك بالاصل‌
1 اصالة البراءة الاوّل: الأصل، أعني أصالة البراءة و الحليّة، من حيث أن غايتهما العلم التفصيلي بالحرمة، و لم يحصل في المقام.
و هذا الوجه، تمسك به غير واحد منهم، على ما عرفت عند نقل كلماتهم، في أصل المسألة زعماً منهم، أنّ الشكّ في المسألة من الشكّ، في التكليف لا الوضع.
و فيه ما لا يخفى، فإنّه: إمّا أن يريد إجراؤه في لبس الثوب المردّد مع قطع النظر عن الصلاة و من حيث هو هو.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 152‌
و إمّا أن يريد إجراؤه فيه في الصلاة.
و إمّا أن يريد إجراؤه في الصلاة فيه.
إمّا الأول، فيتوجّه عليه: أنّ المفروض جواز لبس غير المأكول إذا كان ذكيّاً، فلا شك في المعلوم فضلًا عن المشكوك، حتى يرجع إلى الأصل، هذا مضافاً إلى انّ الشرطيّة ليست مسبّبة عن حرمة اللبس، حتى يتمسك لنفيها بإجراء الأصل المذكور، و إنّما ينفع إجراء الاصل المذكور فيما كانت الشرطيّة مسبّبة عن النّهي الفعلي المتعلّق باللّبس، كما في الغصب على ما اسمعناك في طي المقدّمات.
و امّا الثاني: فيتوجّه عليه: أنّ حرمة لبس غير المأكول في الصلاة، إنّما هي من جهة إبطالها لها، و إلّا فليس له حرمة ذاتيّة في خصوص هذه الحالة؛ فإذا حكم العقل على وجه الضرورة، بعدم جواز لبس المشكوك، من حيث حكمه، بلزوم إحراز ما فرض شرطاً، فلا معنى للرجوع إلى البراءة و الحلّية فيه.
و امّا الثالث: فيتوجّه عليه: أنّ حرمة الصلاة في غير المأكول، إنّما هي من جهة كونها فاقدة للشّرط، فالحرمة تشريعيّة مختصة، لا معنى للرجوع إلى اصالة البراءة و الحلّية بالنسبة اليها، على ما عرفت شرح القول فيه، في مطاوي المقدمات.
و بالجملة ليس في المقام نهي مشكوك يرجع فيه إلى الاصل، وقد أسمعناك أنّ مرجع الشكّ في المقام إلى الشكّ في وجود المأمور به، في الخارج، بعد الفراغ عن كيفيته و حقيقته فهل ترى من نفسك الرجوع إلى البراءة إذا شككت في إتيان الصلاة في الوقت؟! فحديث أصالة البراءة و الحلّية أجنبيّ عن المقام. فانّه من قبيل الشكّ في الوضع حقيقة، لا التكليف.
فان قلت: إن الشكّ في مفروض البحث مسبّب، عن الشكّ في حرمة أكل لحم الحيوان المأخوذ منه الجلد، أو الصّوف، أو الوبر، أو الشّعر، فيحكم من جهة جريان أصالة الحلّية فيه، بجواز الصلاة و صحّتها، في اجزاءه. فإن شئت قلت: إنّ الرجوع إلى أصالة الاشتغال بالنسبة إلى الشرط المشكوك، إنّما هو فيما لم يكن هناك أصل يقتضي‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 153‌
وجود الشّرط و ليس المقام إلَّا مثل الشك في وجود الطهارة الحديثة، مع جريان الاستصحاب فيها، فالأصل الجاري في الحيوان، المسلّم عند المجتهدين و الاخباريّين من حيث كون الشبهة فيه في الموضوع، المردّد بين الحلال و الحرام وارد على أصالة الاشتغال.
قلت ما ذكر في كمال الوضوح، من الفساد، لا من جهة عدم فرض الابتلاء باللحم المأخوذ منه اللباس، حتى يقال يكفي تحقق الابتلاء ببعض اجزاءه، في إجراء الاصل، مع ما فيه، بل من جهة عدم فرض الشك، في حكم الحيوان المأخوذ منه أصلًا، فإنا إذا فرضنا الشك، في أنّ الجنس الذي يحمل من بلاد الكفر، و يسمّى بالماهوت، مثلًا، هل يعمل من صوف الكلب مثلًا، أو وبره، أو من صوف الغنم و وبره، أو من وبر الأرانب، أو الغنم مثلًا، و هكذا فأين الحيوان المردّد بين ما يؤكل لحمه و يحرم، حتى يصير مجرى لأصالة الحلّية و أصالة عدم أخذه من غير المأكول مضافاً إلى [كونها] معارضة، و كونها من الاصول المثبتة، لا تعلّق لها باصالة الحليّة، فالأصل المذكور إنّما يجدي، فيما إذا فرض هناك، حيوان مردّد من حيث الشبهة الموضوعية، علم بأخذ اللباس من أجزاءه، كما هو الشأن فيما فرض أخذه من الحيوان المردّد بين الحلال و الحرام، من حيث الشبهة الحكميّة.
و من هنا حكمنا بخروجه، عن محلّ الكلام في عنوان المسألة سواءً قلنا بأنّ الأصل فيه الحليّة، كما عليه المعظم أو الحرمة كما عليه الاخباريّون، فان الحكم واضح عند كل فريق، و لو بحسب الاصول الظاهريّة.
و أين هذا من محل البحث الذي لم يفرض الشكّ فيه، من جهة الشك في اللحم المردّد، مع العلم بأخذه منه بخصوصه. و تتميم المدّعى بانضمام عدم الفصل، كما ترى، ممّا تضحك منه الثكلى.
فان شئت قلت: الشك في مفروض البحث و التردّد فيه، إنّما هو من جهة التردّد، في أخذ الثوب من أيّ الحيوانين، مع العلم بحالهما، كالغنم و الارنب مثلًا، لا من جهة‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 154‌
التردّد في حال حيوان شخصيّ، مع العلم بأخذه منه، حتّى يرجع فيه إلى أصالة الحليّة.
فان قلت: إنّما يستقيم ما ذكر من منع الأصل، فيما لو فرض سَوق أخبار الحلّية، لبيان الحكم التكليفي فقط، لم لا تجعل، مسوقة لبيان الوضع و صحّة الصلاة مع الشك في الشّرط، بالبناء على وجوده، سيّما قوله في رواية مسعدة بن صدقة، فإنّه ظاهر في بيان الحكم الوضعيّ و الحليّة و الجواز، بمعنى ترتيب الآثار و لو بمعونة الأمثلة المذكورة فيها. قلت: قد اشبعنا الكلام، في مطاوي المقدمات، على فساد التوهم المذكور، و أنه مضافاً إلى كونه تمحّلًا بارداً، منافياً لظهور الرواية، بل صراحتها، موجب لفقه جديد، أو تخصيص مستهجن لا يلتزم به أحد.
[الوجه الثاني اصالة الطهارة]
2 اصالة الطهارة و يتلوا الرجوع إلى الاصل المذكور في الضعف، بل أضعف منه في وجه، الرجوع إلى أصالة الطهارة في مفروض البحث و جعلها واردةً على أصالة الاشتغال، كما عرفته عن المحقق الورع الأردبيلي قدس سره عند نقل كلامه، حيث أنّ مفروض الكلام، ليس فيما تردّد الحيوان الماخوذ منه اللباس، أو اجزاؤه، بين طاهر العين و نجسه، بل فيما تردّد بين مأكول اللّحم و غيره، و إن كان طاهر العين، كما هو ظاهر، بل نقول لو فرض في بعض الفروض كون غير المأكول الذي هو أحد طرفي الدوران، نجساً، كالكلب و الخنزير لم يلازم الحكم بطهارة المأخوذ المردّد، جواز الصلاة فيه، و إن لزمه الحكم بجواز لبسه، من حيث البناء على طهارته، بناءً على عدم جواز استعمال النجس و اجزاءه و الإنتفاع به مطلقاً، بل عدم المانع فيه من الصلاة فيه، من حيث النجاسة فتأمل فيما ذكرنا، فإنه دقيق نافع في كثير في الأبواب.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 155‌
الوجه الثاني: الثّاني: انّ اعتبار الشرط المذكور في اللباس، إنما هو مع العلم بالموضوع، لا أن يكون وجوده الواقعي شرطاً و معتبراً.
و هذا كما ترى، يحتمل وجهين: احدهما كون القدر الثابت من الدليل، هو اعتبار الأمر المذكور مع العلم بالموضوع فتبقى صورة الشكّ خالية عن الدليل، فيرجع إلى الشكّ في أصل الشرطيّة، و الشبهة الحكميّة، فيرجع إلى أصالة البراءة، كما ربما يستظهر من المحقّق القمى قدس سره، فيما تقدّم من كلامه.
ثانيهما: إنّ الأمر مردّد بين الشرطية الواقعيّة و العلميّة فإذا اقتضىٰ الدليل الثّاني، فلا معنى لثبوت الأوّل؛ إذ الجمع بين الأمرين ممّا لا محصّل له أصلًا؛ لعدم إمكان اعتبار الشى‌ء بحسب وجوده الواقعي و العلمي معاً مستقلًا، بحيث يكون كلّ منهما ملحوظاً في قبال الآخر، نعم اعتبار وجوده العلمي لا بوصف الموضوعيّة، بل بوصف الطريقيّة يجامع الاعتبار من حيث الوجود الواقعي، إلَّا أنّه في الحقيقة راجع إلى تعلق الاعتبار بنفس الواقع من حيث هو، إمّا احتمال اعتباره مع الشكّ موضوعاً في قبال الاعتبار العلمي مع عدم الاعتبار بحسب الواقع، فلم يعلم له معنىً محصل أيضاً، كما هو ظاهر.
كون شرط عدم المأكولية في اللباس علمياً لا واقعياً ثمّ إن الوجه في اختصاص مدلول الدليل بصورة العلم أحد أمور: أحدهما: دعوى وضع الالفاظ، للمعاني المعلومة.
ثانيها: دعوى انصرافها، و لو في مقام التكليف إليها.
ثالثها: دعوى صراحة، خصوص الأخبار في ذلك، على ما عرفته، من المحقّق القمّى رحمه الله.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 156‌
رابعها: تنزيلها على صورة العلم؛ من جهة قبح توجيه التكليف إلى الجاهل؛ حيث أن الدليل المثبت للشرطيّة، أو المانعيّة في الفرض، النهي، فلا يتوجّه إلى الجاهل، فيقتصر في إثبات مفاده، على صورة العلم بالموضوع.
خامسها: كون المانع من امتثال أوامر العبادة تنجّز النهي عنها، مع فقدان الشرط المفروض، و لا شك، في عدم تنجّزه مع الشك في الموضوع.
أمّا الأمر الأول: فقد استظهره غير واحد، من كلام السيد قدس سره في المدارك، و من هنا اقتصروا، في ردّه: بكون الالفاظ موضوعة للمعاني النفس الامريّة، الثابتة في الواقع، من غير مدخليّة لعلم المخاطب بها، لكنّ التأمّل في كلامه، يشهد بعدم ظهوره في ذلك، بل الظاهر منه، عند التأمّل، صرف دليل الاعتبار اليه؛ من جهة كونه نهياً فيحمل على أحد الوجهين الأخيرين.
و أمّا الثاني: فقد زعمه المحقق القمى قدس سره في موثقة عبد اللّه بن بكير، بعد تسليم إختلاف مساقها، لمساق ساير أخبار الباب، الصريحة بزعمه في الاختصاص، بصورة العلم؛ حيث ادعىٰ فيما تقدم من كلامه كون المتبادر من الموثقة صورة العلم بحرمة الحيوان، و فيه ما لا يخفى؛ إذ لا شاهد لما زعمه من التبادر أصلًا و أمّا المعارضة المذكورة في كلامه، بأن حمل اللفظ في غير المأكول الذي هو موضوع للقضيّة في الموثّقة، على الواقع يوجب حمل لفظ الفساد في المحمول، على الفساد الواقعي أيضاً؛ لوحدة السّياق المانعة من حمل الاوّل على الواقع، و الثاني على الظاهر؛ فلم يعلم له معنىً محصل؛ إذ لم يتمسك أحد بالموثقة في مورد الشك، حتّى يتوجّه عليه المعارضة المذكورة؛ ضرورة فساد التمسك بها، للحكم في مورد الشك في الموضوع، كما هو الشان بالنسبة إلى جميع ما يدل على الحكم الشرعي، للموضوعات النفس الامريّة، الذي هو بمنزلة الكبرى، بل بالنسبة إلى جميع القضايا الدالة على الكبرى، فانّها ساكتة عن وجود صغرياتها، و إنّما يتمسك بها لأصل ارتباط الصلاة في نفس الأمر بكون الملبوس من المأكول الموجب للشك في تحقق امتثال الأمر، المعلوم عند الشك في حال‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 157‌
اللباس الذي يحكم العقل فيه بعدم القناعة، باحتمال وجود شرط المأمور به، فالاعتبار النفس الامري من محقّقات موضوع حكم العقل، لا من الادلة على فساد الصلاة مع الشك، حتى يتوجّه المعارضة المذكورة.
و أمّا الثالث: فلم يعهد من غير المحقق القمي قدس سره و لم ينقل من احد و لا بدّ للعلم بحال الدّعوى المذكورة صدقاً و كذباً، من نقل أخبار المسألة، غير ما رواه عبد اللّه بن بكير «1»؛ فانّه اعترف بعدم صراحته في الاختصاص، و إن جعل النراقي سبيلها سبيل سائر الأخبار، فيما تقدم من كلامه.
فمنها: ما رواه الحسن بن عليّ الوشاء، قال: «كان أبو عبد اللّه عليه السلام يكره الصلاة في وبر كلّ شي‌ء لا يؤكل لحمه» «2».
و منها: ما رواه احمد بن اسحاق الابهري، قال: «كتبت اليه جعلت فداك، عندنا جوارب و تكك، تعمل من وبر الأرانب، فهل يجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقيّة؟ فكتب: لا يجوز الصلاة فيها» «3».
و منها: ما رواه ابراهيم بن محمّد الهمداني، قال: «كتبت اليه، يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة و لا ضرورة؟ فكتب: لا يجوز الصلاة فيه «4». و هذه الأخبار كما ترى، لا إشعار لها بالاختصاص فضلًا، عن الدلالة فضلًا، عن الصراحة، فلعلّ مراده من صراحتها، سوقها في مقام الطلب لا الوضع كالموثقة؛ فلا بدّ من تنزيلها على صورة العلم فيرجع إلى الوجه الرابع حقيقة، فهذا الوجه كما ترى أيضاً لا محصل له، هذا مضافاً إلى أن تنزيل أخبار الباب على صورة العلم، ينافى ما جزم به في المقام الثاني، من وجوب الفحص عن حال الموضوع المردّد، فتأمّل.
و أمّا الرابع: فيتوجّه عليه، مضافاً إلى أنّ بعض اخبار الباب كالموثّقة صريح في‌
______________________________
(1) وسائل الشيعة 3: 25 ب 2 من أبواب لباس المصلي ح 1.
(2) علل الشرائع 2: 342/ 2 باب 43.
(3) الكافي 3: 399/ 9، التهذيب 2: 206/ 806، الاستبصار 1: 383/ 1451.
(4) التهذيب 2: 206/ 805، الاستبصار 1: 383/ 1452.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 158‌
بيان الوضع، و إن زعم المحقق القمى خلاف ذلك في وجه، و كونه في مقام التكليف و تبعه الفاضل النراقي مع الجزم، ما اسمعناك في طي المقدمات في المقام عن قريب من أن الغرض ليس الاستدلال بنفس الأخبار في مورد الشك، بل الغرض الاستناد إلى حكم العقل بعد ظهور الأخبار في اثبات الارتباط الواقعي، و لا اشكال في دلالة ما اشتمل على النهي على ذلك، من حيث كونه غيرياً ارشادياً مسبّباً عن المقدميّة و الارتباط؛ فحديث عدم توجّه النهى إلى الشاك اجنبي عن المقام.
و أمّا الخامس: فيتوجه عليه أنّ المانع من الامتثال عند الشكّ المفروض في حكم العقل، هو احتمال عدم حصول المأمور به بعد العلم بحقيقته كماً و كيفاً، لا النهي الوارد في الأخبار على ما اسمعناك عن قريب؛ و الوجه المذكور إنما يجدي فيما كان اعتبار الشي‌ء في العبادة مسبباً عن النهي كما في اباحة المكان مثلًا، بناءً على ما تسالموا عليه من عدم التضاد بين الأمر و النهي الواقعي على ما عرفت الكلام فيه، لا فيما كان النهي مسبباً، عن الاعتبار كما في المقام.
هذا وقد جعل في كلام غير واحد منهم كالأردبيلي «1» و المحقق القمي «2» و الفاضل النراقي «3» كلٌّ من الاصل و اخبار الحل دليلًا مستقلًا على المدّعى، فلعلّ مرادهم من الاصل البراءة العقليّة، أو ما كان مدلولًا للأخبار العامّة، أو استصحاب البراءة و إلَّا فلا معنى لجعل كلٍّ منهما دليلًا في قبال الآخر كما هو ظاهر، و الجواب من الأخبار أيضاً، ما عرفت من خروج الشك في مفروض البحث عن الشك في التحريم، فلا تعلق لها بالمقام أصلًا؛ فالمورد مورد الاشتغال لا البراءة، من غير فرق بين جعل المدرك لها العقل، أو الشّرع على ما شرحنا لك الكلام في طيّ المقدمات.
______________________________
(1) مجمع الفائدة 2: 99.
(2) غنائم الايام 2: 309.
(3) مستند الشيعة 4: 317.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 159‌
الوجه الثالث: التمسك بالاطلاق‌
الثّالث: إطلاق أوامر الصلاة. تمسّك به المحقّق الأردبيلي «1» و من يحذو حذوه فيما تقدّم من كلماتهم قدّس اللّه اسرارهم الشريفة، و فيه ما عرفت في طي المقدمات؛ فلا نطيل المقام بطول الكلام.
نعم قد اشرنا إلى بطلان المناقشة في الاستدلال المذكور، بمعارضة التمسك بإطلاق المقيد، من حيث مساوات المطلق و المقيد بالنسبة إلى الفرد المردد نظراً إلى وضوح الفرق بينهما جدّاً، من حيث أنّ القطع بصدق عنوان المطلق و الشك في اصل صدق عنوان المقيد، فيمكن في الاوّل ترتيب قياس مغالطي و صورة برهان للتمسك بالإطلاق بخلافه في الثاني.
الوجه الرابع: التمسك بالكتاب‌
الرابع: الآيات الدالة بعمومها و إطلاقها على تحليل العنوانات العامّة مثل ما خلق، و الزينة، و اللباس إلى غير ذلك، و كذا الأخبار الواردة بمساقها فإنها تقتضي جواز لبس المشكوك في الصلاة، فيحكم بصحّة الصلاة فيها و هو المدّعي.
و هذا الوجه تمسك به المحقق الأردبيلي فيما تقدم من كلامه.
و هو كما ترى؛ لأنّ التمسك بها أوهن من التمسك بأخبار الحلّ فإنّها عمومات، أو اطلاقات اجتهاديّة ناظرة إلى الواقع لا تعرض لها لحكم الشبهة الموضوعيّة، و هذا بخلاف عمومات الحليّة و الاصول، فانّها عمومات فقاهتية مسوقة لبيان حكم الشك و الشبهة، و انّ توجّه على التمسّك بكلٍّ منهما، بأنّ الشك في المسألة ليس في التّحليل و التحريم، و إنما الشك في الصحّة و الفساد، على ما عرفت مراراً، فمرجع التمسك بها بعد‌
______________________________
(1) مجمع الفائدة 2: 95.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 160‌
الاغماض عمّا ذكرنا، إلى التمسك بالعموم، أو الإطلاق في الشبهة الموضوعيّة الخارجيّة، و قد عرفت ما يتوجّه عليه في كلامه المتقدّم ذكره.
الوجه الخامس: التمسك بدليل حصر المحرمات و المحللات‌
الخامس: ما تمسك به المحقّق الأردبيلي «1» و لم اقف على تمسّك غيره به، من حصر المحرمات، و كلامه يحتمل وجهين: أحدهما: التمسك بالآية الظاهرة في الحصر، كقوله تعالى: «قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً» الآية و هذا الوجه مبنيّ على عطف قوله و حصر المحرّمات على قوله و تحليل كلّ ما خلق.
ثانيهما: التمسك بالحصر الخارجي بجعل قوله و حصر المحرمات، عطفاً على الاصل.
و يتوجه على الأول: مضافاً إلى ما عرفت في طيّ المقدّمات، ما اسمعناك في الجواب عن الوجه الرابع، من خروج الشك في المسألة على الشك في التحريم أوّلًا و كون الشبهة على تقدير الاغماض، من الشبهة في الموضوع ثانياً.
و على الثاني: مضافاً إلى ما عرفت في طيّ المقدّمات، من وضوح فساده من جهة أنّ حصر المحرّمات الحكميّة، لا يجدي في الموضوع المردّد بين الحلال و الحرام بحسب الشبهة المصداقية الخارجة.
هذا مضافاً إلى ما عرفت من عدم رجوع الشك في المقام إلى الشك في التّحليل و التحريم حتّى يجدي التمسك بقضيّة الحصر.
______________________________
(1) مجمع الفائدة 2: 95.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 161‌
الوجه السادس: الروايات‌
السّادس: الأخبار الواردة في باب يد المسلم «1» و سوق المسلمين، و لو بجعلها معارضة لموثقة عبد اللّه بن بكير بالعموم من وجه، فيرجع إلى اصالة الجواز.
و هذا الوجه لم يتمسك به أحد في المقام فيما أعلم إلَّا الفاضل النراقي فيما عرفت من كلامه. و يتوجه عليه، مضافاً إلى ما اسمعناك في طيّ المقدّمات، من اختصاص الأخبار الواردة في ذلك الباب بالشك في التذكية فلا تعلّق لها بالشكّ في مفروض البحث، أنّ الأخبار المذكورة لا تنافي ما بنى المعظم عليه من لزوم الاحتياط، عند الشكّ في حال اللباس، و عدم وجود امارة شرعيّة على كونه من المأكول كما أنّ ذهابهم إلى البناء على عدم التذكية عند الشك في الجلود و اللحوم لا ينافي كون اليد و السوق دليلًا على التذكية فتفيد المسألة فيما لم يكن هناك إمارة شرعيّة فلا معنى للاستدلال بالأخبار المذكورة أصلًا.
و امّا ما افاده من المعارضة و الرجوع إلى الأصل فلم يعلم له معنى محصل؛ إذا لموثقة الحاكمة باشتراط الصلاة بحل أكل لحم الحيوان الذي جعل أجزائه لباساً، لا ينفي كون يد المسلم دليلًا على الحلية، كما أنّ الأخبار الدالة على اعتبار تذكية الجلد فيما جعل لباساً، لا ينافي جعلها دليلًا على التذكية، كما هو الشأن بالنسبة إلى جميع أدلّة الاجزاء و الشرائط؛ فانّها غير متعرّضة لحكم صورة الشك فضلًا عن صورة وجود الإمارة الشرعية في موضع الشك، فافهم و لا تغفل.
الوجه السابع: الاجماع و السيرة‌
السّابع: السيرة و الاجماع العملي تمسك به الفاضل النراقي في كلامه المقدّم و هو‌
______________________________
(1) انظر وسائل الشيعة الباب 50 من أبواب النجاسات.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 162‌
المراد بشهرة العمل في كلام المحقّق الأردبيلي المتقدّم ذكره وقد جعل الفاضل النراقي كلّاً من سيرة الناس و اجماع المسلمين دليلًا و مغائراً للاخر حيث، قال في كلامه المتقدّم: بل يدل عليه عمل الناس بل إجماع المسلمين فإنّه ظاهر في المغايرة.
و لا يخفى ما فيه فلعلّ مراده من السيرة الناس عمل خصوص العوام و من اجماع المسلمين عمل العوام و الخواص كما يظهر من كلامه بعد كلامه المتقدّم، في المقام.
فراجع اليه، فكأن الثاني أقوى من الاوّل، و إن كان الوجه في اعتبار كلّ منهما الكشف عن التقرير.
و يتوجّه عليه.
أوّلًا: المنع من أصل وجود السيرة المنتهية إلى زمان الائمة حيث أنّ وجود نوع هذه الألبسة في الأعصار السابقة غير معلوم بل معلوم العدم في بلاد الإسلام.
و ثانياً: أن الجهة غفلتهم عن حال اللباس كما هو الغالب أو علمهم أو اطمينانهم بكونها من المأكول و إلّا فكيف يظنّ باعاظم علماء الشيعة الذين هم اساس الشريعة أن يعملوا على خلاف آرائهم و كذا مقلّديهم من اهل الديانة و الورع بل قد عرفت عن المدارك كون المنع مما قطع به الاصحاب مع انّ المستدلّ ادّعى في كلامه المتقدم، عمل الخواص و العوام في كلّ عصر و زمان على لبس الاثواب المشتبهة المشكوكة فلا بد من ان يحمل على تقدير تصديق اصل العمل على ما ذكرنا في وجهه إذ لا تنافي أصلًا بين كون الفتوى عندهم عدم صحّة الصلاة مع الشك في حال اللباس و عدم حصول الشك لهم فيما يلبسونه من جهة غفلتهم أو علمهم بكونها من المأكول، مع حملها من بلاد الكفر كما هو الشان في زماننا بالنسبة إلى كثير فمن يتداول لبس الالبسة المذكورة فانه يدعي علمه بكونها من المأكول من جهة السؤال عمّن شاهد و بالجملة هذا الوجه للعمل في كمال القرب.
و قد حكى شيخنا الأستاد العلّامة قدس سره: أن الالتفات بحال الماهوت و كونه من أيّ جنس، إنّما حصل له عند مسافرته إلى بلد اصفهان، بسؤال بعض الأعلام من السادة‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 163‌
الذي انتهت اليه الرّئاسة في عصره، عن حقيقة الماهوت الذي تداول لبسه، كما أنّ حاضري مجلس البحث كانوا غافلين، عن حال الموضوع المذكور إلىٰ زمان سؤال شيخنا منهم عن حقيقته.
وقد كان شيخنا جازماً ببطلان الصلاة مع الشك في حال اللّباس، كما يظهر من الرجوع إلى رسائله العمليّة أيضاً، مع أنه كان يلبس الماهوت في الصلاة، حتّى أنّه قدس سره كان لابساً له عند سؤاله و يتعذر بعدم علمه بحال ما لبسه، و قد ذكر ما ذكر عند البحث عن كتاب الصيد و الذباحة، في جواز تسرية اعتبار اليد و السوق، إلى الشكّ في حليّة أكل اللحم، بعد جزمه بعدم التسرية.
فأنظر إلى حال عمل مثل الشيخ، الذي قل عهد الدهر بمثله علماً و عملًا مع جزمه ببطلان الصلاة مع الشكّ، فأي دلالة للعمل على كون العامل شاكاً، مع ندائهم بأنّ العمل أمر مجمل لا دلالة له على وجهه و عنوانه، فأيّ فائدة في السيرة و الاجماع العملي و الحال هذه، و بالجملة الكلام إنّما هو في حكم الصلاة مع الشك في حال اللباس، و امّا الكلام في حقيقة الماهوت و اشباهه و أنه من أيّ جنس فهو كلام في مسألة موضوعيّة لا يبحث الفقيه عنها.
هذا مع أنه لو سلّم عمل جمع فانما هو من جهة الاجتهاد و التقليد، أو قلّة المبالات في الدين، كما هو المشاهد من العوام المقصّرين، وقد أسمعناك في مطاوي المقدّمات أنّ العمل بما هو، لا فائدة فيه أصلًا مع فقده لشروط السيرة الكاشفة فافهم و لا تغتر.
الوجه الثامن: دليل الحرج و العسر‌
الثامن: ما تمسّك به غير واحد منهم على ما عرفت عند نقل كلماتهم من لزوم الحرج الشديد، من الاحتياط وترك اللبس رأساً، أو النزع حال الصلاة مع كثرة التداول و شدة الابتلاء في هذه الازمنة، فلعلّ حكمهم بالاحتياط و لزوم الاحراز في‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 164‌
الازمنة السابقة، من جهة قلّة الابتلاء بلبسها، فلا يلزم من المنع حرج يلزم منه في زماننا و أشباهه، و إلَّا فكيف يظنّ بهم القطع بالمنع على ما في المدارك، مع كون قاعدة نفي الحرج من القواعد المسلمة عندهم، قد دلّ عليها الكتاب و السنة، بل العقل عند بعضهم، أو غفلتهم عن لزوم الحرج على أبعد الوجهين، سيما مع ما شاهدوا من استدلال مثل الأردبيلي قدس سره به، فإنّ عامّة من تأخر عنه إلّا من شذّ تابع في الحكم، بلزوم الاحتياط، من تقدّم عليه، فلا يتوجه على هذا الاستدلال، كون القاعدة بنفسها موهونة، من جهة كثرة الخارج عنها مضافاً إلى إعراض الاصحاب عنها في خصوص المقام.
و دعوى أن الغالب الغفلة عن حال اللباس في حق اكثر المكلفين. فلا يلزم حرج من المنع عن صورة الالتفات و الشكّ، فاسدة؛ لأنّ الكلام في أنّ الحكم الشرعى في موضوع الشك في حال اللباس لو كان، لزوم الاحتياط و بطلان الصلاة لزمه وقوع المكلفين الشاكين في الحرج الشديد و إن لم يحصل الشك لأكثرهم، و هذا نظير منع لزوم الحرج من الاحتياط الكلي على تقدير انسداد باب العلم و الظنّ الخاصّ في غالب الاحكام بذهاب الاكثر إلى انفتاح باب الظّنّ الخاصّ.
هذا و يتوجه على هذا الوجه المنع من لزوم الحرج من ترك لبس الثوب المشتبه؛ إذ توهّم لزومه إنّما هو من جهة الابتلاء باللبس في هذه الازمنة، و هذا الابتلاء كما ترى إنّما هو باختيار المكلف فلو بنى على ترك اللبس، أو النّزع حال الصلاة فأي حرج يلزم عليه، فان اهالي الاعصار السابقة كانوا مستريحين عن لبس هذه الالبسة و لم يقعوا في حيص وبيص فلو تبعهم اهالى ساير الاعصار لم يلزم عليهم نقص أصلًا، لا في دينهم و لا في دنياهم.
و دعوى عدم التفات أعاظم الأصحاب رضوان اللّه عليهم، بلزوم هذا المحذور من الفتوى بالمنع، في كمال البعد عن ساحتهم، فلا بدّ، إمّا من القول: بعدم لزوم الحرج، عندهم، أو من إعراضهم عن القاعدة، الموهن لها جدّاً.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 165‌
و دعوى الفرق بين الأزمنة مع ما ترى من جزم من يقارب عصرنا بل اكثر معاصرينا بالمنع، كما ترى.
هذا كلّه مضافاً إلى ما عرفت من غفلة غالب المكلفين عن حال الموضوع، أو علمهم، أو اطمينانهم بالحال؛ فكيف يدعى مع ذلك، لزوم الحرج. و قياس المقام بالاحتياط الكلي على تقدير انسداد باب العلم في غالب الاحكام كما ترى، سيّما مع ما نبني الأمر عليه من عدم لزوم الإعادة و القضاء، على تقدير حصول العلم. يكون اللباس من غير المأكول بعد العمل، فيما، كان غافلًا حال العمل، فضلًا عما لو عرض له الشك بعد العمل.
هذا ما عرفت في طي المقدمات في تحقيق حال القاعدة و أنّها تتبع الحرج الشخصي، فيما كان علة، فلو فرض حرج في حق شخص فلا يتعدى الحكم عنه إلى غيره، ممن لا يلزم من الاجتناب عليه حرج أصلًا.
فان قلت: إن المنع عن اللباس المشتبه لا يختص باحتمال كون تمامه من غير المأكول، بل يعمه و احتمال كون بعضه من غير المأكول، و لو كان قليلًا في غاية القلة، و لو كان شعره بل، و لو كان الامتزاج من غير التفات من صانع اللباس؛ إذ لا حالة سابقة للباس بالفرض حتى يجري فيه الأصل الموضوعى، فعلى هذا لا بدّ من أن يمنع، من لبس جميع ما يصنع في بلاد الإسلام أيضاً، سيما بالنسبة إلى ما يصنع من الصوف و الوبر و الشعر؛ إذ احتمال الخلط و المزج من شعرات مثل الهرة و السمور و الفأرة، في مواد الألبسة، موجود لا رافع له، فيلزم من المنع وقوع الناس في حرج شديد جداً لا يجوز إنكاره، و ليس موضوع الكلام مختصاً بما يحمل من بلاد الكفر، بل اعم منه و ممّا يصنع في بلاد الإسلام؛ إذ الموضوع هو اللباس المشتبه، و المفروض عدم اعتبار يد المسلم و سوق الإسلام في مفروض البحث؛ فكيف يمنع من لزوم الحرج و الحال هذه؟ قلت: موضوع البحث و إن شمل و عم جميع صور الاحتمال إلَّا أنّه يمكن الفرق بأنه فيما لو علم كون بناء النسج و الصنع من المأكول؛ إلَّا أنّه يحتمل ضعيفاً الخلط من غيره،



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 166‌
يرجع فيه إلى أصالة عدم الخلط و المزج، و هذا و إن كان أصلًا مثبتاً إلّا أنّه يمكن القول بكون الواسطة من الوسائط الخفيّة؛ فيكون معتبراً على ما فصّلنا القول فيه، في مسألة الاستصحاب تبعاً لشيخنا قدس سره.
و من هنا قد يقال: بمنع لبس ما كان من الحرير مع احتمال مزج غيره به مع، أن المنع تعلق بالحرير الخالص.
لا يقال: لو كان الأصل المذكور مجدياً جرى فيما يحمل من بلاد الكفر أيضاً، إذ المعمول من الألبسة المشكوكة المحمولة من تلك البلاد، النسج [فيها] «1» ممّا يحمل من بلاد الإسلام اليها من الغنم و البعير فاحتمال الخلط من غير المأكول مدفوع بالاصل؛ لأنا نقول: لو تحقّق ما ذكر كما شهد به جمع من أهل التجارة كان الامر كما ذكر من عدم الفرق إلَّا أنّ هذه مسألة موضوعيّة لا تعلق لها بما يبحث عنه.
هذا مع أن ما ذكرنا لا يخلو عن تأمّل مع قطع النظر، عن محذور الأصل المثبت؛ فانّه ربما يناقش فيه بعدم الحال السابقة فتدبر.
و الذي يهون الأمر عدم الالتفات إلى هذا الاحتمال فيما ينسج و يعمل في بلاد الإسلام فتأمّل.
الوجه التاسع: رواية حفص‌
التّاسع: ما قد يختلج بالبال، من التشبث بذيل التعليل الوارد في رواية حفص بن غياث، التي جعل اليد فيها دليلًا للشهادة على الملكيّة، و هو قوله: «و لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» و التعليل الوارد، فيما تقدم من الأخبار الدالة على كون اليد و السوق دليلين على التذكية؛ فإنّ مقتضى سعة الدين، عدم الاعتناء بالشكّ في المقام، و كون الاحتياط فيه ضيقاً كما أنّه يوجب اختلال نظم السوق على التقدير المذكور، لإيجابه‌
______________________________
(1) يقتضيها السياق.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 167‌
ترك الاقدام على المعاملة.
و هذا الوجه كما ترى، أوهن بمراتب من الوجه السابق، كما هو ظاهر؛ فلا معنى لجعله دليلًا في المسألة بل و لا مؤيّد لما قد أسمعناك، من أنّ ترك معاملة هذه الالبسة لا يترتّب عليه شي‌ء أصلًا فأي اختلال يلزم منه و أي ضيق يترتب عليه.
و ممّا ذكرنا يظهر فساد ما ربّما يسبق إلى بعض الاوهام من جعل التعليلين دليلًا على اعتبار اليد و السوق في المقام و إن كان موردها مختصاً بمسألة الشك في التذكية و الموت؛ ضرورة عدم لزوم المحذور اللازم من عدم اعتبار اليد و السوق في الملكيّة و التذكية في المقام.
هذا بعض الكلام فيما استند اليه القائل بالجواز مطلقاً.
تحقيق المسألة:
و أمّا التفصيل فيقع الكلام فيه: تارةً في تحقيق الحقّ من الوجهين، أعني كون حلّ الأكل شرطاً، أو كون حرمته مانعاً.
و أخرى في كون الفرق فارقاً و مجدياً في المقام.
الجهة الاولى: في شرطية و مانعية غير المأكول‌
أمّا الكلام من الجهة الأولى: فحاصله انه ربما يستظهر من الأخبار المتقدمة من حيث تعلق المنع و عدم الجواز بالصلاة في غير المأكول، أو الارانب، كون حرمة الأكل مانعة من حيث انطباق مفهوم المانع عليها، إلَّا أن التّأمل الصادق يشهد، بأن المنع فيما لا يؤكل من جهة انتفاء حل الأكل؛ لأنّ غير المأكول، عنوان انتفاء حلّ الأكل حقيقة، و يشهد لما ذكرنا موثقة عبد اللّه بن بكير فإنه مع تعلق الحكم في صدرها على ما لا‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 168‌
يؤكل من حيث أنّ الامثلة في السؤال كانت مصاديق العنوان المذكور، تعلق قبول الصلاة بعده على عنوان حلّ الأكل بقوله: «لا يقبل اللّه تلك الصلاة حتّى يصلى في غيره ممّا أحلّ اللّه اكله» و دعوى كون تعلق الحكم عليه من حيث كونه مصداقاً لعدم المانع لا كونه مقصوداً بعنوانه كما ترى.
ثمّ أنّ كلماتهم في التعبير عن هذا الشرط و إن كانت مختلفة، إلَّا أنّ الظاهر بعد التأمل فيها، إرادة ما عرفت من الأخبار لها فراجع إليها.
الجهة الثانية: الفرق بين الشرطية و المانعية‌
هذا و امّا الكلام من الجهة الثانية: فملخّصه أنّه قد يقال، بل قيل كما عرفته عن بعض مشايخ من عاصرناه، الفرق بين الوجهين، فانّه على تقدير القول بشرطية حل الأكل لا بدّ من احرازه عند الشك، و هذا بخلاف القول بمانعيّة حرمة الأكل، فانّه يرجع إلى أصالة عدمه، كما هو الشأن في جميع صور الشكّ في الشرط و المانع، فإن وجود المانع على خلاف الأصل، كما إنّ عدم الشّرط على طبق الاصل فلا بدّ من احرازه.
هذا و لكنك خبير بما فيه، فانّ مجرى الاصل لا يخلو، امّا أن يجعل عنوان المانع و مفهومه، أو مصداقه أعني اللباس، فإن جعل الأول فيتوجّه عليه، أنّ اثبات مفهوم عدم المانع بالاصل لا يجدي في اثبات كون اللّباس من غير المأكول و متّصفاً بعدم المانع، إلّا على القول باعتبار الاصول المثبتة، و هذا نظير اثبات كريّة ماء الحوض باستصحاب وجود الكرّ، لا باستصحاب كرّية الماء و بالجملة الاصل في المتصف لا يثبت اتصاف المحل بالوصف المشكوك، و المقصود في المقام اثبات كون اللباس من غير المأكول؛ ضرورة كون الحكم مترتّباً عليه، و إن جعل الثاني فيتوجّه عليه، عدم الحالة السابقة للباس بالفرض، فالفرق بين الشرط و المانع في أمثال المقام لا معنى له أصلًا.
نعم من قال بالاصول المثبتة، كما حكي عن الشيخ المعاصر، لزمه الفرق بين‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 169‌
الامرين، لكنّه في كمال الضعف و السقوط. و التحقيق في مسألة الاستصحاب. هذا بعض الكلام في الموضع الاوّل.
الموضع الثاني: حمل المردد بين المأكول و غير المأكول في الصلاة‌
و امّا الكلام في الموضع الثاني: أي المحمول المردّد، أو ما في حكمه من الرطوبات المردّدة المشتبهة في الثوب، أو البدن، أو الشعرات المردّدة الملقات على الثوب، فقد عرفت الاشارة إلى كون حمل غير المأكول مما اختلفت فيه كلمات الاصحاب، بعد اتفاقهم على البطلان في باب اللباس، من جهة دلالة جملة من الأخبار على الصحة و ان عارضها موثّقة عبد اللّه بن بكير، وقد اخترنا في سالف الزمان الصحة في المسألة وفي كلام بعض و المحكي، عن اخر التفصيل بين ما كان ملصقاً بالبدن، أو اللباس كالرّطوبات و الفضلات، و ما كان من قبيل المحمول سيما بعض اقسامه، نظراً إلى عدم صراحة الموثّقة فيه و عدم ظهورها أيضاً، نظراً إلى عدم ظهور الظرفية فيه و لو توسّعا، كما في الرطوبات و الفضلات، إلَّا أنّ الكلام في المقام، بعد البناء على البطلان في المعلوم و كونه ملحقاً باللباس كما هو ظاهر الاكثرين.
و حاصل القول فيه: أنّ ظاهر غير واحد و صريح شيخنا الاستاد العلّامة قدس سره، في الرسالة العمليّة، الحكم بالصحة، و الفرق بينه و بين الناسي المردّد؛ نظراً إلى جريان الاصل الموضوعي فيه لا في اللباس، أو في الحمل، و هذا الاصل وارد على اصالة الاشتغال التي هي الاصل الاوّلي في المسألة، من غير فرق بين اللباس المحمول، على القول بالحاق غير المأكول منه باللباس، كما هو المفروض، و صريح غير واحد، و ظاهر جمع، الحاقة باللباس المردّد؛ نظراً إلى ما عرفت في اللباس و هذا هو الأوجه؛ لأنّ الاصل الموضوعي بكلا تقريريه على تقدير الجريان، و إن كان وارداً على اصالة الاشتغال كما ذكر، إلَّا أنّ الكلام في جريانه؛ نظراً إلى أنّه بعد إلحاق المحمول و ما في‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 170‌
حكمه باللباس، لا بدّ من اثبات كونه من المأكول؛ حتّى يصدق بمقتضى الموثقة وقوع الصلاة فيه، كما هو مبنى الالحاق، و الاصل المذكور سواء جرى في البدن، أو اللباس، أو في عنوان عدم الحمل، أو التلبس، لا يثبت حال المحمول و لا ينفيها، إلّا على القول بالاصول المثبتة المنفية عندنا و عند شيخنا الاستاد العلّامة قدس سره و جمع ممن قال باعتبار الاستصحاب، من باب الاخبار، و المفروض عدم جريان الاصل في نفس المحمول المردّد و الرطوبة المردّدة؛ لعدم حالة سابقة لهما كما هو الشأن في اللباس المردّد أيضاً، فلعلّ نظر شيخنا قدس سره إلى كون الواسطة في المقام من الوسائط الخفيّة الغير قادحة، في التمسّك بالاصل، و لا يخلو نظره، عن نظر.
نعم لو كان التردّد و الشكّ، في أصل الحمل و لصوق الرطوبة بالبدن و اللباس، تعين الرجوع إلى الاصل، و لا محذور فيه أصلًا، كما لا يخفى هذا بعض الكلام في أصل المسألة.
فروع المسألة:
و هنا فروع ينبغى التعرض لها:
الاول: لو كان الحيوان المأخوذ منه اللباس معيناً‌
الأوّل: إنك قد عرفت، أنّ محلّ الكلام في المسألة، فيما إذا كان اللباس، أو المحمول مردّداً بين كونه من المأكول المحقق، أو غيره كذلك، كاللباس الذي لا يعلم كونه من وبر الارانب مثلًا، أو الغنم، و امّا إذا كان هناك حيوان معين أخذ منه اللباس، أو المحمول و شكّ في كونه مأكول اللّحم، أو غير مأكول اللّحم، مع العلم بقبوله للتذكية؛ فإن كان الشكّ فيه من حيث الشبهة الحكميّة، بأن كان الشكّ في التحليل و التحريم، في نوعه، ففيه الخلاف بين المجتهدين و الإخباريين بحسب الاصل الاولي، و إن أمكن القول فيه بالحليّة بحسب الدليل الاجتهادي، بالنظر إلى جملة من الآيات و الأخبار، كما أنه قد يقال، بل قيل: بالحرمة من جهة الدليل، و إن كان مقتضى الاصل الحليّة،



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 171‌
فعلى كل قول يخرج عن محلّ البحث كما هو ظاهر؛ لأنّ الشك في صحّة الصلاة في أجزائه مسبّب، عن الشك في حليّة لحمه و حرمته، فعلى كل قول، يرتفع الشكّ المزبور، و ان كان من حيث الشبهة في الموضوع الخارجي مع العلم بحكم النوع، فيرجع فيها إلى أصالة الحليّة بالاتفاق من المجتهدين و الإخباريين، فتكون مانعة عن الرجوع إلى اصالة الاشتغال، كما في الشبهة الحكميّة؛ لورودها عليها و ان كانت أصلًا حكميّاً؛ لما قد عرفت من قضيّة السّببية و المسبّبية، و من هنا قد حكمنا في مطاوي المسألة بخروج الشكّ المزبور عن محلّ الكلام.
و ممّا ذكرنا يظهر توجّه المناقشة إلى ما افاده في شرح الارشاد، من أن الحكم بتحريم الحيوان، مع عدم العلم بالواقع، لا يثبت إلّا تحريم لحمه؛ فلا يحكم ببطلان الصلاة فيه بقوله المتقدم ذكره، و لا يضر حكمهم، بأن الحيوان ما لم يعلم انّه حلال الخ؛ ضرورة أن المنع يترتّب على تحريم اللّحم، فاذا حكم بحرمته و لو من جهة الاصل و القاعدة، حكم ببطلان الصلاة فيه.
الثاني: موضوع المسألة: هو لو علم كونه من الحيوان مع تردد امره‌
الثاني: إنّ صور الدّوران في اللباس كثيرة، فانّه قد يعلم كونه من الحيوان مع تردّد امره و قد لا يعلم بحقيقته و أنّه من الحيوان، أو القتن، أو الحيوان، أو النبات، وقد يعلم بكونه من الحيوان، لكن يحتمل الخلط من الحيوان الذي لا يجوز الصلاة في اجزائه، و المتيقّن من موضوع المسألة هو الاوّل، و امّا الثاني فضلًا، عن الثالث فيمكن القول فيه: بالجواز، نظراً إلى الرجوع إلى الاصل الموضوعي؛ لأنّ صنعه من الحيوان، مشكوك فيدفع بالاصل، و لا يريد به إثبات كونه من غير الحيوان حتى يعارض بالمثل، مضافاً إلى كونه أصلًا مثبتاً، و هذا نظير الرجوع إلى الاصل في كلّ حادث معلوم اجمالًا تردّد امره بين حادثين، يترتّب الاثر الشّرعي على عدم أحدهما بالخصوص دون الاخر.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 172‌
و من هنا يرجع إلى الاصل في النسب في باب الميراث و الخمس و غيرهما من الابواب. هذا، وقد اسمعناك ما عندنا في القسم الثالث، عند الكلام في أصل المسألة؛ لكنّ الانصاف عدم خلوّ المذكور، عن الاشكال، لا من جهة ما ذكر، في حكم الحادث المردّد، فانّه ليس من محلّ الاشكال في شي‌ء، بل من جهة الاشكال، في كون الفرض من مصاديقه و جزئيّاته، كما في باب النسب، فانّه لا اشكال فيه أصلًا و من هنا اتفقوا على أنّ السّيادة على خلاف الأصل فافهم و اغتنم.
و ممّا يتفرع على هذا الفرع، جواز الصلاة مع حمل الساعة مع العلم بتدهينه بدهن مردّد بين كونه من الحيوان، أو غيره كدهن الزيت مثلًا، و من الحيوان مردّد بين المأكول و غيره، و الماكول مردد بين المذكّى و غيره، لا اشكال في الحكم بطهارته و الحال هذه، انّما الكلام في جواز الصلاة معه؛ فانّ الاصل و إن كان مقتضاه، عدم وجود جزء الحيوان فيها، إلَّا أنّ إثبات كون ما فيها من غير الحيوان بالأصل المذكور كما ترى.
الثالث: لو صلى ثم علم كونه مما لا تجوز الصلاة فيه‌
الثّالث: إنّا ذكرنا في مطاوي كلماتنا، أنه بعد البناء على لزوم إحراز حال اللباس و عدم جواز الصلاة قبله، لو التفت إلى حاله و صلى، حكم ببطلان صلاته. و لو انكشف كونه ممّا يجوز الصلاة فيه بعد الصلاة؛ لعدم تأتّي قصد القربة منه حال الالتفات.
نعم من زعم إمكان قصد التقرب بالامتثال الاحتمالي، لزمه الحكم بصحّة العمل بعد تبين وقوع الصلاة في المأكول، لكنّا أوضحنا فساده بما لا مزيد عليه في محلّه، فلعلّ اطلاق قولهم، بوجوب الاعادة منزّل على ذلك و إن احتمل كون المراد عدم الاكتفاء مع الشك فتدبّر.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 173‌
الرابع: حكم الغافل و صورها‌
الرابع: إنه لو غفل و صلى، فهل يحكم بالصحة أو بالبطلان؟ و لمّا كان للفرع صور كثيرة، فلا بد أوّلًا من تصويرها ثم بيان حكمها، فانّ الحكم يختلف فيها، فانّه: إما أن يغفل عن كون لباسه من أجزاء الحيوان سواء لم يلتفت اليه أصلًا، أو التفت و عرضت له الغفلة، ثم يلتفت بعد العمل و يشكّ.
و امّا أن يلتفت اليه و لكن لا يلتفت إلى حاله من حيث كونه من أيّ حيوان، أو يلتفت و يحصل له الجزم بكونه من المأكول و يعرض له الشك، في الصّورتين بعد العمل، في حال ما صلّى فيه.
و امّا ان يلتفت اليه و يعرض له الشك و التردّد في حاله ثمّ يغفل عن حاله و يصليّ، ثم يلتفت بعد الصلاة أنه صلى في المشكوك.
إمّا الصّورتان الأوليتان، فيمكن الحكم فيهما، بالصحة نظراً إلى قاعدة الشك بعد العمل، كما هو الشأن في الشكّ في جميع الشرائط إذا حدث بعد العمل، كالشكّ في الحدث بعد الصلاة فيما كان معتقداً بالطهارة و عرض له الشك السّاري، أو غافلًا عن حاله بعد الحدث اليقيني، ثم عرض له الشكّ بعد الصلاة، هذا إذا لم يحكم بالصحة في الصورة الثالثة، و إلّا فهما أولى بالحكم بالصحة.
هذا و امّا الصورة الثالثة فالحكم فيها، بالنظر إلى قاعدة الشك بعد العمل، لا يخلو من اشكال من أنّ الشكّ المفروض، كان حاصلًا قبل العمل حقيقة وقد حكمنا فيه بالبطلان، و علم انّه لم يحصل بعده ما يوجب احراز الشرط، و من أن الحكم فيه بالبطلان لم يكن من جهة البناء شرعاً على عدم الشرط، كما إذا كان مستصحِب الحدث قبل العمل و غفل و صلّى، ثم التفت و شكّ، بل من جهة احتمال عدم الشرط، نظراً إلى حكم العقل من جهة قاعدة الاشتغال، كما إذا حكم بوجوب الطهارة قبل الصلاة لا من جهة استصحاب الحدث، بل من جهة قاعدة الاشتغال، فيما لم يكن‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 174‌
مسبوقاً بالحدث، و بالجملة الحكم بجريان القاعدة في أمثال الشك في المقام، مع ما يستفاد من قوله، في أخبار الشكّ في باب الوضوء على سبيل الضابطة «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ، من اختصاص القاعدة، بما يحتمل فيه احراز الواقع حال العمل اختياراً إلّا بحسب الاتفاق بحيث يكون هناك اختلاف بين الحالتين في كمال الاشكال.
نعم هنا وجه اخر يمكن الحكم بالصحّة بملاحظة، في الصورة الثالثة فضلًا عن الاوليين، و هو أنّ مقتضى قوله، في الصحيحة الواردة في باب الخلل «لا تعاد الصّلاة إلَّا من خمسة، الطّهور، و الوقت، و القبلة، و الرّكوع، و السّجود» أنه لو صلّى غفلة، أو ناسياً في غير المأكول حكم بصحة صلاته، كما اختاره شيخنا قدس سره وفاقاً لجمع، خلافاً لصريح كاشف الغطاء «1» و آخرين لأنّه داخل في المستثنى منه، و المقام اولى بالصحة قطعاً؛ لأنّ المفروض فيه وقوع الشكّ بعد العمل لا القطع بوقوعه في غير المأكول، و هذا جار في كل شرط داخل في المستثنى منه، سواء كان من شرائط اللباس، أو غيره فانّ الحكم في جميعها واحد، فاذا حكم بالصحة فيها مع نسيان الشرط فيحكم بها مع الشكّ الحاصل بعد العمل بطريق اولى، فافهم و الفرع غير محرّر، بل و لا مذكور في كلماتهم، فراجع إليها.
الخامس: حكم العلم بعد إيتاء الصلاة‌
الخامس: إنه على تقدير البناء على الصحة، فيما لو كان غافلًا قبل العمل و حصل له الالتفات بعد العمل في الصور المذكورة، أو بعضها، لو حصل له الالتفات في الاثناء و تمكّن من نزع الثوب المشتبه، أو طرح المحمول من دون مناف للصلاة فنزعه، أو طرحه قبل الاشتغال بفعل من افعال الصلاة، حكم بصحة الصلاة، كما هو الشأن في مسألة نسيان الشرائط الداخلة في المستثنى منه؛ لأنّها شروط لأفعال الصلاة لا‌
______________________________
(1) كشف الغطاء 3: 29 30.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 175‌
لأكوانها.
نعم لو لم يتمكن، إلّا بقطع الصلاة، و ايجاد المنافي، فيجب عليه القطع مع سعة الوقت، و الاتمام، و القضاء احتياطاً مع ضيقه، كما ستعرفه.
السادس: لو علم بأن أحد هذين مما لا تجوز الصلاة فيه‌
السّادس: لو كان له ثوبان فعلم بكون احدهما من المأكول و الآخر من غيره، و لم يتمكن من التمييز، و لم يكن له ثوب معلوم الحال، فيجب عليه الاحتياط بتكرار الصلاة تحصيلًا للبراءة اليقينيّة، إذ ليست الحرمة في المقام ذاتيّة، كما في المغصوب و الحرير على ما اسمعناك مراراً، حتى يمنع من الاحتياط، و يتعيّن عليه الصلاة عرياناً، سيما في المغصوب في الشبهة المحصورة، و هذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلًا.
السابع: لو كان المصلي لا يملك إلَّا ثوب واحد‌
السّابع: لو كان له ثوب واحد، مردّد و لم يتمكّن من غيره؛ فيجب عليه الاحتياط بفعل صلاتين مع الثوب المذكور، و بدونه عارياً تحصيلًا للبراءة اليقينيّة.
نعم لو لم يتمكّن من نزع الثوب لبرد، أو مرض، أو ناظر فيما لو كان المكلّف امرأة، فهل يجب عليه الجمع بين الصلاة اداءاً مع اللباس المردّد، و القضاء عند تمكّنه من الثوب المعلوم، أو يجوز له الاقتصار على الصلاة اداءاً؟ وجهان: أوجههما الأوّل، عملًا باصالة عدم فعل الصلاة في الوقت، بعد عدم جريان قاعدة الشكّ، بعد خروج الوقت.
و توهّم كونه من الاصول المثبتة، من حيث كون وجوب القضاء مترتّباً على الفوت الغير الثابت بالاصل.
قد أوضحنا فساده في محلّه بما لا مزيد عليه، و هذا الفرض خارج عن محلّ الكلام، و مما ذكرنا يظهر توجّه المناقشة، إلى ما افاده المحقّق القمّي في طيّ كلامه المتقدّم‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 176‌
ذكره، من الايراد على التمسك بقاعدة الاشتغال في المقام، بوجوب الجمع في الفرض المذكور بين الصلاة في اللباس المردّد و الصلوة عرياناً.
الثامن: كفاية الظن بأنه من المأكول‌
الثّامن: لو حصل له الظنّ بكون اللباس، أو المحمول من المأكول بالفحص، أو السؤال، أو غيره، فهل يكتفي به و يكون حجّة مطلقاً، أو لا يكتفي به مطلقاً، أو يفصّل بين الظنّ الاطميناني و غيره، فلا يكتفي به؟ وجوه، بل قيل: أقوال.
ظاهر الأردبيلي قدس سره فيما تقدّم من كلامه، الاول، و استشكاله في الاكتفاء بالظّنّ إنّما هو لقلّة حصوله لأكثر الناس لا لعدم حجّيّته.
و ربما يستظهر من الاكثرين الوجه الثاني، نظراً إلى قضيّة اطلاق قولهم، بعدم حجيّة الظن في الموضوعات إلّا ما خرج، و صريح بعض الاعلام من سادة من عاصرناه و حضرنا معه عند شيخنا قدس سره، الذي قد سبق ذكره في أوّل المسألة، التفصيل، في بعض اجوبة مسائله، في زمان كان رأيه بطلان الصلاة في المشكوك، و إن عدل عنه بعده في قرب سنتين بارتحاله، و هو لازم الشيخ الفقيه الاعلم في عصره في الجواهر، حيث ألحق الظنّ الاطميناني بالعلم مطلقاً، بل جعله من افراده في بعض كلماته.
و الذي يقتضيه التحقيق في المقام بالنظر إلى الاصول و القواعد، عدم كفاية الظنّ مطلقاً.
نعم لو جرت شبهة دليل الانسداد في المسألة على وجه احتيج إلى العمل بالظنّ، و كان الاحتياط حرجيّاً، كما ادعى، تعيّن العمل بالظن الاطميناني، فان كفى في رفع الحرج اقتصر عليه و إلّا يتعدّى منه إلى مطلق الظن، كما هو الشأن في كلّ مورد يتمسّك فيه بالدليل المذكور.
التاسع: شمول البحث لكل شرط واقعي في الصلاة‌
التاسع: إن ما ذكرنا من الكلام في المقام، يجري في كلّ شرط واقعيّ للصلاة على ما‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 177‌
اشرنا اليه في مطاوي ما قدّمناه لك. فاذا شكّ في شي‌ء منها و لم يكن هناك اصل موضوعيّ، و لا امارة معتبرة على وجود الشرط، يلزم فيه الاحتياط لا ما إذا كان شرطاً للامتثال، كما في اباحة المكان، فلو ثبت اعتبار شي‌ء في ماهية الصلاة بالخطاب الوضعي، أو ما يرجع اليه و كان اصل فعله حراماً نفسيّاً، لم يقبل لاستفادة الشرطيّة منه. نظراً إلى عدم اتحاده مع المأمور به كلبس الحرير للرجال و لبس الذهب لهم، و شكّ في لباس، من حيث كونه حريراً محضاً أو ذهباً، لم يكن هناك اشكال، بل خلاف، في الرجوع إلى اصالة الاباحة و البراءة بالنسبة إلى حرمته النفسيّة، حتى من الاخباريّين نظراً إلى كونه شبهة في الموضوع، فهل يحكم بجواز الصلاة و صحتها، فيه نظر، من حيث أن الوضع فيه ليس تابعاً للتّكليف النفسيّ و الاصل المذكور إنّما ينفع بالنسبة اليه لا بالنسبة إلى الوضع و لذا بنبينا على جريان اصالة الاشتغال، و من حيث أن الوضع فيه و إن لم يكن تابعاً إلَّا إنّ الظّاهر ثبوت التلازم بينهما، و من هنا حكموا بصحّة الصلاة في الحرير و الذهب، فيما حكموا بجواز لبسهما، لضرورة كبرد و نحوه، أو في الحرب.
اللّهمّ إلَّا أن يقال إنّ التّلازم بحسب الواقع و لو كان بين حكمين شرعيّين، لا يفيد في مرحلة الظاهر، إلَّا إذا كان أحدهما موضوعاً للاخر، فإن ثبت أن منع الحرير و الذهب من الصلاة إنّما هو فيما كان محرّماً بحيث يكون موضوع الشّرط اللبس المحرّم من حيث حرمته، كان الحكم باباحة اللبس في مرحلة الظاهر مفيداً، و إلّا فلا و المسألة لا تخلو عن تأمّل و إن كان الاقوى الحكم بجواز الصلاة.
العاشر: حكم اخبار الفقيه بالموضوعات الخارجية‌
العاشر: إنه لا اشكال، بل لا خلاف في أنّ إخبار الفقيه، عن الموضوع الخارجي كإخباره بأن اللباس الفلاني من المأكول مثلًا، لا عبرة به، إلَّا من حيث الشهادة فإنه يساوي غيره، إلّا بالنسبة إلى موضوع لا يعلم به إلّا من جهة الشّرع كالمسوخات.



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 178‌
نعم حكمه بالموضوع يتبع إذا كان في محلّ الخصومة بلا خلاف، و إذا لم يكن في محلّ الخصومة، بل كان حكما ابتدائياً، ففيه الخلاف في باب القضاء كإخباره بالموضوع المستنبط؛ فإنّه معتبر أيضاً بلا خلاف؛ فإنّه راجع حقيقة إلى بيان الحكم الشّرعي، فإذا اخبر بأنّ الصلاة في غير المأكول مثلًا، يشمل الصلاة مع حمله في الصلاة فيلزم متابعته فانه يرجع إلى الإخبار، عن الحكم و مراد الشّارع كالإخبار عن موضوع الغناء و الاناء و نحوهما.
فعلى ما ذكرنا، لو اخبر الفقيه، بأنّ الصدف من النّبات لا من الحيوان فيكون اعتبار خبره من باب الشهادة لا الفتوى، و هكذا، بل ربما يقال: بعدم حجيّة خبره من جهة عدم كونه من اهل الخبرة فتدبّر.
الحادى عشر: إنّه كما لا اشكال بل لا خلاف ظاهراً في عدم الفرق في بطلان الصلاة فيما لا يؤكل بين السّاتر و غيره‌
و إن توهّم الخلاف، كذلك لا فرق في المشكوك منعاً و جوازاً بين السّاتر منه و غيره، و لكن يظهر لك ممّا عرفت: كون غير السّاتر اولى بالجواز، فلو كان الوجه، غموض المنع في المعلوم من غير السّاتر، فله وجه و إن لم يكن وجيهاً؛ لان الكلام في المقام بعد المنع في المعلوم، و إلّا فلا وجه له أصلًا كما لا يخفى.
هذا آخر ما اردنا ايراده في سلك التّحرير و الحمد للّه أوّلًا و آخراً و الصلوة و السّلام على نبيّه و آله دائماً سرمداً.
وقد وقع الفراغ منه في العشر الاوّل من محرّم الحرام سنة ثلاث عشر بعد ثلاثمائة و ألف من الهجرة، مع هجوم الاحزان، و تراكم الهموم، و تزارف العيون بالعبرة، على ما اصاب سيّد شباب أهل الجنّة و أهله صلوات اللّه عليهم، من الكفرة الفجرة اللّئام، و كان زمان الاشتغال بتحريره خمسة ايّام، و المرجوّ من اخوان أهل العلم الاغماض عما صدر عنّي من الخطاء لأنّي قد عملت المسألة في تلك الحالة مع ما بي من القصور، سيما في زمان قلّ العلم فيه قدراً و كان كثير من أهله من أهل البدع و الضّلالة، يرمون‌



الرسائل التسع (للآشتياني)، ص: 179‌
أهل الشرع بما يجرّهم إلى نار جهنّم و لا يزيدهم إلّا كفراً و طغياناً و إن كان للبيت رب و للشّرع أهل و صاحب، و يد اللّه فوق أيديهم و مكروا و مكر اللّه و اللّه خير الماكرين و هو المنتقم الكافي و عليه التكلان و حسبنا و نعم الوكيل.
كتبه بيمناه الداثره العبد المستضي‌ء من أنوار العلماء و المحدثين و اقلّ الطّلاب و المحصّلين محمّد بن أحمد الخوانساري عفى عنهما و قابلته مرة بحسب ما بلغ اليه جهدي امتثالًا لأمر المولى الجليل و العالم الكامل النبيل الذي انتهى اليه الرئاسة لكافّة العلماء في عصره اعلم العلماء و المجتهدين وافقه الفقهاء و المحققين حجة الإسلام و المسلمين الحاج ميرزا حسن الآشتياني متع اللّه المسلمين بطول بقائه في شهر صفر المظفّر من سنة 1313 في الهجرة.