بسم الله الرحمن الرحیم

فهرست علوم
فهرست فقه

رسالة في حكم اللباس المشكوك فيه-للميرزا الشيرازي

اللباس المشكوك





رسالة في حكم اللباس المشكوك فيه (للميرزا الشيرازي)، ص: 1‌

[المدخل]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ‌

هذا تحرير ما أفاده العلامة الآية العظمى مجدد المذهب في رأس المأة الرابعة عشر المرحوم الحاج ميرزا حسن الشيرازي قدس سره في حكم اللباس المشكوك فيه على ما حرره بعض تلامذته قدّس سرّه.

(مسئلة) إذا شك في ان اللباس مما يصلى فيه أو لا‌

مثل ان شك في كونه مما يؤكل لحمه أو لا أو انه حرير محض أولا ففي جواز الصلاة فيه خلاف، و كذلك في المحمول بناء على المنع من المعلوم منه، فذهب المشهور كما قيل الى العدم، بل لم ينقل مخالف صريح الأصحاب المدارك، و تبعه جماعة من المحققين قدس اللّٰه أسرارهم كما قيل مثل المحقق القمي (قده) و ذهب الى ذلك سيد مشايخنا قدس اللّٰه نفسه الزكية‌

(حجة القائلين بالمنع)
أصالة الاشتغال، و تقريره ان التكليف بالعبادة الخالية من جنس ذلك المانع معلوم و لا يحصل الا بالتحرز عن المشكوك‌

(و حجة القائلين بالجواز)
أصالة البراءة عقلا و نقلا، اما الأول فتقريره ان النهي سواء كان نفسيا أو غيريا يرجع الى تكاليف متعددة، فمرجع النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه إلى النهي عن كل فرد من افراده بالعموم الاستغراقي الأفرادي، فيكون مرجع الشك في صدق عنوان ما لا يؤكل لحمه على شي‌ء الى كونه مستقلا قد نهى عن الصلاة فيه كسائر أفراد ما لا يؤكل لحمه التي نهى عن كل واحد منها بالخصوص لأجل صدق العنوان عليه فيكون نظير الشك في صدق عنوان الحرام كالخمر على شي‌ء فكما ان الأصل براءة الذمة كذلك فيما نحن فيه.



رسالة في حكم اللباس المشكوك فيه (للميرزا الشيرازي)، ص: 2‌

(و الحاصل) انا لا نعقل الفرق بين النهي الغيري و النفسي بحسب الشمول اللفظي و بحسب الانطباق على الافراد، فكل فرد شك في صدق المهية عليه يكون الشك فيه راجعا الى الشك في التكليف، و الأصل فيه البراءة.

(فان قلت) انا لا نفرق بين افراد النهي بحسب الشمول و الانطباق، بل نقول ان اجراء البراءة في النهي الغيري لا محصل له و ذلك لان النهي الغيري بما هو نهي غيري لا يترتب على مخالفته مؤاخذة يحتاج إثبات تلك المؤاخذة إلى البيان حتى يحكم بانتفائها عند عدم البيان بحكم قاعدة قبح المؤاخذة قبل البيان، بل لاداء مخالفته الى مخالفة الأمر النفسي، و قد تم البيان بالنسبة اليه.
(و الحاصل) ان الشك في التكليف الغيري ما لم يكن مرجعه الى الشك في التكليف النفسي لا معنى لإجراء أصالة البراءة فيه، و الأمر هنا معلوم تفصيلا و هو الأمر بالصلاة الخالية عن الموانع، و الشك في صدق تلك الموانع على شي‌ء راجع الى الشك في امتثال ذلك التكليف المعلوم تفصيلا

(قلت) ان الأمر النفسي المذكور يرجع بعد التحليل الى الأمر بأفعال معلومة بالذوات و تروك معلومة بالعنوان مجهولة الأشخاص فكل ترك علم ان عنوان المنهي عنه صادق عليه يكون داخلا في المأمور به، و كل ترك شك في صدق العنوان عليه فدخوله في المأمور به مشكوك، و قد قرر في مسئلة البراءة و الاحتياط ان الشك في دخول شي‌ء في المأمور به لرجوعه الى تيقن مطلوبية الأقل و الشك في الزائد يرفع حكمه بأصالة البراءة عن الزائد المشكوك فيه.

(فان قلت) العلم بعنوان المأمور به كاف في الاشتغال و الشبهة المصداقية مرجعها إلى الشبهة في حصول العنوان الذي علم باشتغال الذمة به.

(قلت) الاشتغال المعلوم الحصول هو اشتغال الذمة بالاجزاء و التروك‌



رسالة في حكم اللباس المشكوك فيه (للميرزا الشيرازي)، ص: 3‌

المعلوم صدق العنوان عليها، و اما غيره فاشتغال الذمة به غير معلوم.
(و توضيح المرام) ان المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه يرجع الى النهي عن إيقاع الصلاة في تحصلات تلك المهية، كما ان النهي عن شرب الخمر يرجع الى النهي عن شرب تحصلات تلك المهية، في الخارج، و (ح) فلا يكون العلم بالعنوان بيانا.

(و توضيحه) ان الطلب المتعلق بالمهية إذا كان على وجه السراية و لم يكن بدليا سواء كان وجوبيا مثل قولنا تواضع للعالم أو تحريميا مثل لا تشرب الخمر، نفيين كالمثالين، أو غيريين كما لو أمر بالصلاة و أمر بقراءة تمام القرآن فيه على وجه الجزئية ثم شككنا في ان المعوذتين من القرآن أو لا، أو نهى عن التكلم بكلام الآدمي في الصلاة سواء كان ذلك النهي بملاحظة دخل التروك المنتزعة من النهي في المهية شطرا أو شرطا أو بملاحظة مانعية الوجودات لها لا يكون المهية الملحوظة في ذلك الطلب (ح) في نظر العقلاء إلا كالمعرف الأجنبي الذي لوحظ به المطلوب، غاية الأمر ان المعرف لا يكون علة للحكم و منشأ له، بخلاف مثل هذه المهية فان صدقها على الافراد علة لمحبوبيتها أو لمبغوضيتها، و السر في ذلك كله حقيقة ان العلم بالكبرى مع قطع النظر عن انضمام الصغرى اليه لا يترتب عليه النتيجة، و العلم بالنتيجة في ضمن الكبرى علما إجماليا لا يعد بيانا للنتيجة، و لأجل ذلك لم يتأمل أحد في الشبهات الموضوعية (وجوبية كانت أو تحريمية) في ان الأصل فيها البراءة عقلا و نقلا.

(و ملخص الكلام) ان العقل بعد ملاحظة الأمر الغيري الساري مثل قوله اقرء القرآن في الصلاة أو النهي الغيري مثل قوله اجتنب عما لا يؤكل لحمه في الصلاة ينتزع أجزاء معلومة و هي ما علم صدق القرآن عليه، و موانع معلومة و هي ما علم انه مما لا يؤكل لحمه، و أمور يشك في جزئيتها‌



رسالة في حكم اللباس المشكوك فيه (للميرزا الشيرازي)، ص: 4‌

و أمور يشك في مانعيتها، غاية الأمر ان منشأ الشك في جزئية تلك الأمور أو مانعية تلك الأشياء هو الشك في صدق المهية عليها، و إلا فحقيقة الجزء و المانع هي ذوات تلك الأشخاص، و (ح) فمن بنى على البراءة في الشك في الجزئية و المانعية لا محيص له هنا عن اجراء البراءة.

(فان قلت) فرق بين ما نحن فيه و مسئلة البراءة في الشك في الشرطية و الجزئية لأن الشك هناك في جعل الشارع و هنا في الأمر الخارجي.

(قلنا) إذا رجع الشك في الأمر الخارجي إلى الشك في الجعل فأي محصل في هذا الفرق، و هلا فصلت بين الشبهات الحكمية الوجوبية أو التحريمية و بين الشبهات الموضوعية.

(فإن قلت) الأمر في المانع لم يرتبط بالمهية السارية بل يرتبط بحقيقة الجنس، و لازمه ترك جميع الافراد، و ذلك نظير ما نذكر في باب تداخل الأسباب و ان الجنس قد يكون سببا فلا يتكرر (ح) بتكرار الافراد و لا يتكثر بتكثرها (نعم) لما كان عدم الجنس بهذا المعنى غير منفك عن عدم جميع الافراد لزم تركها من باب الملازمة و المحصلية.
(و الحاصل) ان النهي بهذه الحيثية ليس نهيا عن الافراد و لا يكون المانع بهذا المعنى هي الأفراد، كما ان السبب إذا لوحظ المهية بهذه الحيثية ليس عبارة عن الافراد فلا يكون لزوم ترك الافراد من اقتضاء الأمر النفسي بل لملازمته لما يقتضي لزومه، و (ح) يكون الشك في فردية شي‌ء شكا في حصول عنوان المأمور به الذي علم الاشتغال به.

(قلت) أولا انا لا نسلم ان المانع هو الجنس، بل الظاهر من الأوامر و النواهي العرفية المتعلقة بالأسباب و الموانع سببية الافراد و مانعيتها من حيث انطباق الجنس عليها و لأجل ذلك ذكرنا هناك ان عدم تداخل الأسباب‌



رسالة في حكم اللباس المشكوك فيه (للميرزا الشيرازي)، ص: 5‌

من مقتضيات الأصول اللفظية.

(و ثانيا) لا محصل لهذا الكلام لأن المهية بهذه الحيثية عبارة أخرى عن مجموع ما وجد في الخارج من الافراد، فمرجع الشك في المانعية إلى الشك في ان المانع مجموع أمور يكون المشكوك جزء منها أو مجموع أمور ليس هذا منها، فمرجع الشك الى دخل شي‌ء زائد عن المقدار المعلوم في الأمر النفسي.

(فإن قلت) مجموع الافراد ملازم للجنس في الخارج.

(قلت) انا نلغى جميع الخصوصيات المنضمة الى الافراد و نلاحظ نفس الجهة التي تشمل على الفرد و هي جهة المانعية و الموجود الخارجي فيكون مرجع النهي إلى اجتناب مجموع تلك الحصص الموجودة من حيث كونها نفس المهية لا من حيث كونها أمورا متباينة متكثرة و هي بهذه الملاحظة يكون النهي عن الماهية عبارة أخرى عن النهي عنها.

هذا خلاصة ما افاده سيد مشايخنا في مدرسة المبارك حين تشرفنا بخدمته في داره المباركة المعروفة في سر من رأى شكر اللّٰه سعيه و أجزل عن الإسلام و اهله مثوبته و وفقنا و سائر تلامذته للمشي على منواله و السلوك على مسلكه و لا حول و لا قوة إلا باللّٰه العلى العظيم.
و قد تم استنساخه بيد العبد الراجي رحمة ربه ضياء الدين الآملي في السادس و العشرين من شهر ذي الحجة الحرام من العام الثالث و السبعين و ثلاثمائة بعد الالف من الهجرة النبوية على المهاجر بها آلاف الصلاة و السلام و التحية و الحمد للّٰه رب العالمين.
________________________________________
شيرازى، ميرزا محمد حسن حسينى، رسالة في حكم اللباس المشكوك فيه (للميرزا الشيرازي)، در يك جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1413 ه‍ ق