بسم الله الرحمن الرحیم

کلمات الحاج الآقا رضا الهمداني قده در باره قراءات

فهرست مباحث علوم قرآنی
قائلین به تعدد قراءات از علمای شیعه پس از قرن یازدهم



************
مصباح الفقيه؛ ج‌12، ص: 105
(و تجب قراءتها أجمع) كما يشهد له الأدلّة المتقدّمة (و) قضيّة ذلك أنّه (لا تصحّ الصلاة مع الإخلال) بشي‌ء (و لو بحرف واحد منها عمدا حتى التشديد).
و لا فرق في الإخلال بالحرف بين نقصه أو إبداله بحرف آخر ممنوع في المحاورات، دون ما ليس كذلك ممّا هو سائغ عرفا و لغة، كقلب اللّام راء في مثل «قُلْ رَبِّي» أو النون ميما مع الباء أو إدغامها في حروف «يرملون» أو غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه.
و كذا لا فرق في الإخلال بالتشديد بإتيان الكلمة المشتملة على الإدغام مخفّفة أو بفكّ الإدغام مع تحريك المدغم أو بدونه، فإنّها تختلّ بذلك في جميع الصور و لو صورة فتبطل.
و لكن هذا فيما إذا كان التشديد معتبرا في قوام ذات الكلمة بمقتضى وضعه الإفرادي، كتشديد كلمة «الباء» من الربّ، أو التركيبي، كإدغام لام التعريف في الراء أو السين و نحوهما، و أمّا ما عدا ذلك ممّا أوجبه علماء التجويد عند وصل بعض الكلمات ببعض من الإدغام الصغير أو الكبير و مع‌
______________________________
(1) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2) الكافي 3: 455/ 20، الوسائل، الباب 3 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 106‌
الغنّة أو بدونها فلم يدلّ دليل على اعتباره.
و دعوى الإجماع عليه- كما عن بعض «1»- غير ثابتة، مع أنّ في استكشاف رأي المعصوم من الإجماع في مثل هذه الموارد التي منشؤه اتّفاق القرّاء تأمّلا.
و دعوى أنّ للكلام هيئة تركيبيّة عند وصل كلماته بعضها ببعض يكون الإخلال بها موجبا لصيرورة الكلام لحنا، كإثبات همزة الوصل في الدرج، أو واو الجمع و ألف التثنية لدى ملاقاة لام التعريف مثلا، مدفوعة:
بمنع اعتبار هيئة تركيبيّة في صحّة الكلام عرفا زائدا عمّا ثبت في علم العربيّة، كما في الأمثلة المتقدّمة، و لا أقلّ من الشكّ في ذلك، و القدر المتيقّن إنّما هو وجوب قراءة الحمد و السورة، أي التلفّظ بكلماتها المضبوطة مادّة و صورة، و أمّا أنّه يجب عند ضمّ بعض فقراتها إلى بعض الإتيان بها بصورة أخرى مغايرة لصورتها الأصليّة فلم يثبت في غير ما تقدّمت الإشارة إليه، و مقتضى الأصل براءة الذمّة عنه، بناء على ما هو الحقّ لدينا من الرجوع إلى البراءة في نظائر المقام، لا قاعدة الاشتغال.
و هكذا الكلام في المدّ المتّصل فضلا عن المدّ المنفصل، أو الإمالة و الترقيق و التفخيم و غير ذلك من التكلّفات التي التزمها القرّاء ممّا لا شاهد من عرف أو لغة على اعتباره في صحّة الكلام.
نعم، هي من محسّنات القراءة التي ينبغي رعايتها مع الإمكان على تأمّل في بعضها الموجب لتغيير مادّة الكلمة أو هيئتها تغييرا خارجا عن‌
______________________________
(1) المحقّق الكركي في حاشية شرائع الإسلام (ضمن موسوعة المحقّق الكركي و آثاره 10): 154- 155.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 107‌
المتعارف في المحاورات، كالإدغام الكبير الذي هو إدراج المتحرّك بعد الإسكان في المتحرّك متماثلين أو متقاربين إمّا في كلمة ك‍ «سَلَكَكُمْ» و «خَلَقَكُمْ»* أو في كلمتين ك‍ «يَعْلَمُ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» و «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّٰارِ» فإنّ الالتزام بجواز الإدغام في مثل هذه الموارد تبعا لمن قال به من القرّاء لا يخلو عن إشكال.
(و كذا) لا تصحّ الصلاة مع الإخلال عمدا بشي‌ء من (إعرابها) على المشهور، بل عن المعتبر دعوى الإجماع عليه «1»، و عن المنتهى نفي الخلاف فيه «2».
و المراد بالإعراب- بحسب الظاهر- ليس خصوص ما هو المصطلح عند النحاة، أي الأمور التي يختلف آخر المعرب بها من الرفع و النصب و الجرّ و الجزم، بل أعمّ منه و من الحركة و السكون الواقعتين في آخر المبني، بل في مطلق حروف الكلمة و لو أوائلها.
و حكي عن السيّد قدّس سرّه القول بصحّة الصلاة بالإخلال بالإعراب ما لم يكن موجبا لتغيير المعنى «3»، كضمّ تاء «أَنْعَمْتَ» تمسّكا بإطلاق الأمر بقراءة الحمد، الصادقة عرفا مع اللحن الغير الموجب لتغيير المعنى، كصدق قراءة شعر امرئ القيس على الملحون.
و فيه: أنّ الصدق العرفي مبنيّ على نحو من التوسّع، و إلّا فالكلمة الملحونة غير الكلمة التي هي من أجزاء المقروء خصوصا إذا كان اللّحن في‌
______________________________
(1) المعتبر 2: 166، و حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة 2: 352.
(2) منتهى المطلب 5: 62- 63، و حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة 2: 352.
(3) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام 3: 338، و راجع: رسائل الشريف المرتضى 2: 387.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 108‌
حركاتها الأصليّة، فإنّ للهيئة التي هي بمنزلة الجزء الصوري للكلمة كالمادّة دخلا في قوام ماهيّة الكلمة بحسب وضعه، و لذا صحّ توصيفه باللّحن.
و هكذا الكلام في الحركات العارضيّة الحاصلة للكلام بواسطة الوضع التركيبي من رفع الفاعل و نصب المفعول، فصدق قراءة الحمد أو الشعر الفلاني مع اللّحن الغير المغيّر للمعنى ليس إلّا كصدقه مع اللّحن المغيّر للمعنى أو مع تحريف بعض كلماته، فإنّه يصدق عليه اسم القراءة و لكن مع اتّصافها بعدم الصحّة، أي بعدم الإتيان بجميع أجزائها على ما هي عليها بمقتضى وضعها الإفرادي أو التركيبي، و إلّا لم تكن توصف بعدم الصحّة.
و الحاصل: أنّه يعتبر في كون المقروء قرآنا حقيقة كونه بعينه هي الماهيّة المنزلة من اللّه تعالى على النبي صلّى اللّه عليه و آله مادّة و صورة، و قد أنزله اللّه تعالى بلسان عربيّ، فالإخلال بصورته- التي هي عبارة عن الهيئات المعتبرة في العربيّة بحسب وضع الواضع- كالإخلال بمادّته مانع عن صدق كونه هي تلك الماهيّة، و صدق اسم قراءة القرآن على المجموع المشتمل على الجزء الملحون إمّا من باب التجوّز أو التغليب، و إلّا فيصحّ أن يقال: إنّ هذه الكلمة بهذه الكيفيّة ليست بقرآن، كما هو واضح.
و كيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنّه لا يجوز الإخلال عمدا بشي‌ء من الإعراب المعتبر في صحّتها من حيث العربيّة، و إنّما الإشكال و الكلام في أنّه هل يكفي الإتيان بها صحيحة بمقتضى العربيّة مطلقا، أم تجب متابعة أحد القرّاء السبع الذين ادّعى جماعة الإجماع على تواتر قراءاتهم «1»،
______________________________
(1) كما في مدارك الأحكام 3: 338، و منهم: المحقّق الكركي في جامع المقاصد 2:
245، و الشهيد الثاني في روض الجنان 2: 700.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 109‌
و هم: عاصم و نافع و أبو عمرو و حمزة و الكسائي و ابن عامر و ابن كثير، أو العشر، و هم: السبعة المذكورة، و خلف و يعقوب و أبو جعفر، الذين حكي عن بعض الأصحاب- كالشهيد «1»- ادّعاء تواتر قراءاتهم.
فربما يظهر من بعض القول أو الميل إلى كفاية القراءة الصحيحة مطلقا؛ لصدق القراءة، و انتفاء اللّحن و الغلط «2».
و عن جماعة من الأصحاب التصريح بعدم الكفاية، و أنّ المراد بالإعراب الواجب مراعاته هاهنا هو ما تواتر نقله، لا ما وافق العربيّة؛ لأنّ القراءة سنّة متّبعة «3».
و في المدارك قال: صرّح المصنّف بأنّه لا فرق في بطلان الصلاة بالإخلال بالإعراب بين كونه مغيّرا للمعنى، ككسر كاف «إِيّٰاكَ» و ضمّ تاء «أَنْعَمْتَ» أو غير مغيّر، كضمّ هاء «اللّه» لأنّ الإعراب كيفيّة للقراءة، فكما وجب الإتيان بحروفها وجب الإتيان بالإعراب المتلقّى عن صاحب الشرع، و قال: إنّ ذلك قول علمائنا أجمع «4»، و حكي عن بعض الجمهور أنّه لا يقدح في الصحّة الإخلال بالإعراب الذي لا يغيّر المعنى؛ لصدق القراءة معه «5»، و هو منسوب إلى المرتضى- رضي اللّه تعالى عنه- في بعض مسائله «6»،
______________________________
(1) الذكرى 3: 305، و الحاكي عنه هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد 2: 246، و كذا العاملي في مدارك الأحكام 3: 338.
(2) راجع الحدائق الناضرة 8: 101، و كتاب الصلاة- للشيخ الأنصاري- 1: 356.
(3) قاله الشهيد الثاني في روض الجنان 2: 700، و العاملي في مدارك الأحكام 3:
338، و حكاه عنهما الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة 1: 354.
(4) المعتبر 2: 166- 167.
(5) المجموع 3: 393.
(6) راجع الهامش (3) من ص 107.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 110‌
و لا ريب في ضعفه. ثمّ قال: و لا يخفى أنّ المراد بالإعراب هنا ما تواتر نقله في القرآن، لا ما وافق العربيّة؛ لأنّ القراءة سنّة متّبعة «1». انتهى.
أقول: لا ريب أنّ القرآن و كذا سائر أسامي السور كالفاتحة و نحوها اسم لخصوص الكلام المنزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله، كما أنّ كتاب الشرائع- مثلا- اسم لخصوص الكتاب الذي صنّفه المصنّف رحمه اللّه، و كلام زيد أو شعره اسم لخصوص ما تلفّظ به و نظمه، ففي مثل هذه الموارد إن بنينا على أنّ الحركات المختلفة الجارية على حسب القواعد العربيّة بمنزلة الحركة و السكون الناشئين من الوقف و الوصل من العوارض المشخّصة للكلام ممّا لا يوجب اختلافها زوال الاسم و لا انتفاء المسمّى، كما في عوارض الشخص، فمقتضى الأصل بل إطلاقات الأدلّة كفاية ما وافق العربيّة مطلقا.
و إن قلنا بأنّ لصورته الشخصيّة و حركاته الخاصّة الثابتة له حال نزوله دخلا في قوام المسمّى و لكن لا على وجه ينافيه الاختلاف الناشئ من الوقف و الوصل المعلوم عدم كونه قادحا في تحقّق مفهوم المسمّى، وجب الاقتصار على حكايته بتلك الصورة لدى الإمكان، و هي صورة شخصيّة غير قابلة للاختلاف، فيشكل حينئذ توجيه صحّة القراءة بكلّ من القراءات.
و أشكل منه توجيه ما يظهر منهم من التسالم و ادّعاء الإجماع عليه من تواتر كلّها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله؛ إذ كيف يصحّ ذلك من النبي صلّى اللّه عليه و آله بعد فرض أنّه لا تتحقّق حكاية القرآن إلّا مع حفظ صورته الشخصيّة!؟ بل لو صدق هذه الدعوى لكان من أقوى الشواهد على أنّ مثل هذه التغييرات غير مناف لتحقّق مفهوم القرآنيّة، كما أنّه ربما يؤيّد ذلك أيضا خلوّ المصاحف‌
______________________________
(1) مدارك الأحكام 3: 338.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 111‌
القديمة- كالمصاحف المنسوبة إلى خطّ مولانا أمير المؤمنين و بعض أولاده المعصومين على ما ذكره بعض «1» من شاهد عدّة منها في مشهد مولانا الرضا عليه السّلام- عن الإعراب، و كذا المصاحف العثمانيّة على ما ذكروه «2»، فإنّه يفصح عن أنّ المقصود بكتابة القرآن لم يكن إلّا ضبطه- كضبط سائر الكتب- لأن يقرأ على حسب ما جرت العادة في قراءة هذا المكتوب بلسان العرب و إن اختلفت ألسنتهم في كيفيّتها، و مقتضاه أن لا تكون الخصوصيّات الشخصيّة معتبرة في قوام ماهيّتها كما في سائر الكتب.
و لكن مع هذا أيضا قد يشكل توجيه تواتر مجموع القراءات عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، فإنّه ربما تكون الاختلافات الواقعة بين القرّاء راجعة إلى المادّة أو الهيئات المغيّرة للمعنى.
و الحقّ أنّه لم يتحقّق أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قرأ شيئا من القرآن بكيفيّات مختلفة، بل ثبت خلافه فيما كان الاختلاف في المادّة أو الصورة النوعيّة التي يؤثّر تغييرها في انقلاب ماهيّة الكلام عرفا، كما في ضمّ التاء من «أَنْعَمْتَ» ضرورة أنّ القرآن واحد نزل من عند الواحد، كما نطق به الأخبار المعتبرة المرويّة عن أهل بيت الوحي و التنزيل.
مثل: ما رواه ثقة الإسلام الكليني بإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
«إنّ القرآن واحد [نزل] من عند الواحد و لكنّ الاختلاف يجي‌ء من قبل الرّواة» «3».
______________________________
(1) هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 30.
(2) راجع مطالع الأنوار 2: 30.
(3) الكافي 2: 630/ 12، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 112‌
و عن الفضيل بن يسار- في الصحيح- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
إنّ الناس يقولون: نزل القرآن على سبعة أحرف، فقال: «كذبوا أعداء اللّه، و لكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد» «1».
و لعلّ المراد بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أرادوه من هذا القول ممّا يوجب تعدّد القرآن، و إلّا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، بل قد يدّعى تواتره، و لكن أعداء اللّه حرّفوها عن موضعها، و فسّروها بآرائهم، مع أنّ في بعض رواياتهم إشارة إلى أنّ المراد بالأحرف أقسامه و مقاصده، فإنّهم- على ما حكي «2» عنهم- رووا عن النبي «3» صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «نزل القرآن على سبعة أحرف: أمر و زجر و ترغيب و ترهيب و جدل و قصص و مثل» «4».
و يؤيّده ما روي من طرقنا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كلّ قسم منها كاف شاف، و هي أمر و زجر و ترغيب و ترهيب و جدل و مثل و قصص» «5».
و ربما يظهر من بعض أخبارنا أنّ الأحرف إشارة إلى بطون القرآن و تأويلاته.
مثل: ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن حمّاد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ الأحاديث تختلف منكم، فقال: «إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، و أدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه» ثمّ قال:
______________________________
(1) الكافي 2: 630/ 13.
(2) الحاكي هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 31.
(3) في «ض 13» و الطبعة الحجريّة: «عنه» بدل «عن النبي».
(4) المستدرك- للحاكم- 2: 289، كنز العمّال 1: 549/ 2459 نحوه.
(5) بحار الأنوار 93: 4 و 97.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 113‌
«هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ «1»» «2».
فظهر ممّا «3» ذكرنا أنّ الاستشهاد بالخبر المزبور لصحّة القراءات السبع و تواترها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في غير محلّه، و كفاك شاهدا لذلك ما قيل من أنّه نقل اختلافهم في معناه ما يقرب من أربعين قولا «4».
و الحاصل: أنّ دعوى تواتر جميع القراءات السبعة أو العشرة بجميع خصوصيّاتها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله تتضمّن مفاسد و مناقضات لا يمكن توجيهها، و قد تصدّى جملة من القدماء و المتأخّرين لإيضاح ما فيها من المفاسد بما لا يهمّنا الإطالة في إيرادها، و لأجل ما ذكر ارتكب بعض التأويل في هذه الدعوى بحملها على إرادة تواترها عن القرّاء السبع «5»، و آخر على إرادة انحصار المتواتر فيها، لا كون كلّ منها متواترا «6»، و ثالث على تواتر جواز القراءة بها بل وجوبها عن الأئمّة عليهم السّلام «7».
و كيف كان فما عن الشهيد الثاني رحمه اللّه في شرح الألفيّة- مشيرا إلى القراءات السبع: فإنّ الكلّ من عند اللّه نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين تخفيفا على الأمّة و تهوينا على أهل هذه الملّة «8»، انتهى- محلّ نظر؛ إذ كيف يعقل ذلك بعد فرض كون القرآن واحدا بالشخص، و مباينة‌
______________________________
(1) سورة «ص» 38: 39.
(2) الخصال: 358/ 43، و عنه في بحار الأنوار 92: 49/ 10.
(3) في «ض 13، 17»: «بما» بدل «ممّا».
(4) قاله البحراني في الحدائق الناضرة 8: 99.
(5) البرهان في علوم القرآن- للزركشي- 1: 319.
(6) المقاصد العليّة: 245.
(7) الحاشية على مدارك الأحكام 3: 20- 21.
(8) المقاصد العليّة: 245، و حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة 8: 96.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 114‌
بعض القراءات مع بعض في الذات!؟
فالذي يغلب على الظنّ أنّ عمدة الاختلاف بين القرّاء نشأ من الاجتهاد و الرأي و الاختلاف في قراءة المصاحف العثمانيّة العارية عن الإعراب و النقط، مع ما فيها من التباس بعض الكلمات ببعض بحسب رسم خطّه ك‍ «ملك» و «مٰالِكِ» و لذا اشتهر عنهم أنّ كلّا منهم كان يخطّئ الآخر، و لا يجوّز الرجوع إلى الآخر.
نعم، لا ننكر أنّ القرّاء يسندون قراءتهم إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ الاختلاف قد ينشأ من ذلك، فإنّه نقل أنّ عاصم الكوفي قرأ القراءة على جماعة منهم: أبو عبد الرحمن، و هو أخذها من مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام، و هو من النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ نافع المدني أخذ القراءة من خمسة منهم:
أبو جعفر يزيد [بن] «1» القعقاع القارئ، و هم أخذوها من أبي هريرة، و هو من ابن عبّاس، و هو من النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ حمزة الكوفي أخذها من جماعة منهم: مولانا الصادق عليه السّلام، و هم يوصلون سندها إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، و هكذا سائر القرّاء «2».
و لكن لا تعويل على هذه الأسانيد فضلا عن صيرورة القراءات بها متواترة خصوصا بعد أن ترى أنّهم كثيرا ما يعدّون القراءات قسيما لقراءة عليّ و أهل البيت عليهم السّلام.
قال بعض الأفاضل: إنّه يظهر من جماعة أنّ أصحاب الآراء في القراءة كانوا كثيرة، و كان دأب الناس أنّه إذا جاء قارئ جديد أخذوا بقوله‌
______________________________
(1) ما بين المعقوفين أضفناه من «السبعة في القراءات».
(2) كما في مطالع الأنوار 2: 31، و انظر: السبعة في القراءات- لابن مجاهد-: 54- 60 و 64- 65 و 69- 74 و 78- 83 و 85- 86.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 115‌
و تركوا قراءة من تقدّمه، نظرا إلى أنّ كلّ قارئ لاحق كان ينكر سابقه، ثمّ بعد مدّة رجعوا عن هذه الطريقة، فبعضهم يأخذ قول بعض المتقدّمين، و بعضهم يأخذ قول الآخر، فحصل بينهم اختلاف شديد، ثمّ عادوا و اتّفقوا على الأخذ بقول السبعة «1». انتهى.
و لقد بالغ شيخنا المرتضى رحمه اللّه في إبطال دعوى تواتر جميع الخصوصيّات، إلى أن قال: قال [ابن] الجزري في كتابه- على ما حكي عنه-: كلّ قراءة وافقت العربيّة و لو بوجه و وافقت أحد المصاحف العثمانيّة و لو احتمالا و صحّ سندها فهي القراءة الصحيحة، سواء كانت من السبعة أم غيرهم، إلى أن قال: هذا هو الصحيح عند أئمّة التحقيق من السلف و الخلف لا أعرف من أحد منهم خلافه، و ما عداها ضعيفة أو شاذّة أو باطلة، سواء كانت من السبعة أو غيرهم. انتهى.
ثمّ صرّح في آخر كلامه بأنّ السند لا يجب أن يتواتر، و أنّ ما قيل من أنّ القرآن لا يثبت إلّا بالتواتر لا يخفى ما فيه «2».
و أنت خبير بأنّ السند الصحيح بل المتواتر باعتقادهم من أضعف الأسناد عندنا؛ لأنّهم يعتمدون في السند على من لا نشكّ نحن في كذبه.
و أمّا موافقة أحد المصاحف العثمانيّة فهي أيضا من الموهنات عندنا سيّما مع تمسّكهم على اعتبارها بإجماع الصحابة عليها، الذين جعل اللّه الرشد في خلافهم؛ حيث إنّه غيّر من القرآن ما شاء، و لذا أعرضوا عن مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا عرضه عليهم، فأخفاه لولده القائم عليهم السّلام و عجّل اللّه فرجه، و طبخوا المصاحف الأخر لكتّاب الوحي، فلم يبق من‌
______________________________
(1) السيّد محمّد باقر الشفتي في مطالع الأنوار 2: 30.
(2) النشر في القراءات العشر 1: 9 و 13.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 116‌
الثلاثة المذكورة في كلام [ابن] الجزري- التي هي المناط في صحّة القراءة- ما نشاركهم في الاعتماد عليه إلّا موافقة العربيّة التي لا تدلّ إلّا على عدم كون القراءة باطلة، لا كونها مأثورة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، مع أنّ حكاية طبخ عثمان ما عدا مصحفه من مصاحف كتّاب الوحي، و أمره- كما في شرح الشاطبيّة- كتّاب المصحف عند اختلافهم في بعض الموارد بترجيح لغة قريش معلّلا بأنّ أغلب القرآن نزل عليها، الدالّ على أنّ كتابة القرآن و تعيّن قراءتها وقعت أحيانا بالحدس الظنّي بحكم الغلبة وجه مستقلّ لعدم التواتر «1». انتهى كلام شيخنا المرتضى رحمه اللّه.
هذا كلّه، مع أنّ دعوى التواتر إنّما تجدي لمدّعيها، دون من لم يتحقّق ذلك عنده، و التعويل على قول ناقليه ما لم يحصل القطع من أقوالهم به رجوع عن اعتبار التواتر في القراءة.
و الذي يقتضيه التحقيق هو أنّ القرآن اسم للكلام الخاصّ الشخصي الغير القابل للتعدّد و الاختلاف بمعنى أنّ صورته الشخصيّة مأخوذة في قوام مفهوم المسمّى بشهادة التبادر؛ إذ المتبادر من القرآن أو فاتحة الكتاب- مثلا- هو خصوص ذلك الكلام المنزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله بخصوصه، و المنساق إلى الذهن من الأمر بقراءته هو وجوب التلفّظ بتلك الماهيّة المشخّصة بخصوصها على النهج المتعارف في المحاورات، فلا ينافيه الاختلافات الناشئة من آداب المحاورة، كإسكان أواخر كلماته لدى الوقف و تحريكها مع الوصل و إخفاء بعض حروفه أو إبداله أو إدغامه أو مدّه أو غير ذلك من الاختلافات الناشئة من كيفيّة قراءة ذلك الكلام الشخصي ممّا‌
______________________________
(1) كتاب الصلاة 1: 361- 363.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 117‌
لا ينافي صدق حكايته بعينه عرفا، بخلاف الاختلافات العائدة إلى كيفيّة المقروء، فإنّها مانعة عن صدق اسم حكاية ذلك الكلام بعينه، كما لو كان ذلك الكلام بخصوصيّاته- أي بإعرابه- مكتوبا في لوح مأمور بقراءته، فإنّ حاله بعد فرض تعلّق التكليف بحكاية ألفاظه بعينها حال ذلك المكتوب في كون الإخلال بإعرابه مخلّا بصحّة قراءته.
نعم، لو تعذّر عليه معرفة الخصوصيّات أتى بذلك الكلام الشخصي في مقام امتثال التكليف بصورته النوعيّة، أي بحسب ما تقتضيه القواعد العربيّة، كما هو الشأن في الكلام المكتوب أيضا بعد فرض عجزه و ضعف بصره عن تمييز إعرابه، فإنّ هذا أيضا مرتبة ناقصة من حكاية ذلك الكلام يفي بإثباتها قاعدة الميسور، مع إمكان أن يدّعى أنّ المتبادر عرفا من الأمر بقراءة القرآن و نحوه إنّما هو حكاية ألفاظه بعينها على حسب الإمكان، و هذا ممّا يختلف في الصدق لدى العرف بالنسبة إلى العارف بالخصوصيّات و غير العارف، كما أنّه يختلف بالنسبة إلى المتكلّم الفصيح و غير الفصيح و الأخرس و غير الأخرس.
و لكن هذا إذا تعلّق الجهل بكثير من الخصوصيّات بحيث لا يمكنه الاحتياط و تحصيل الجزم بالموافقة، و أمّا إذا أمكنه ذلك بأن انحصر في مورد أو موردين بحيث لم يلزم من تكرير الكلمة أو الكلام المشتمل عليها إلى أن يحصل له الجزم بالموافقة حرج أو فوات موالاة معتبرة في نظم الكلام، فمقتضى القاعدة وجوب الاحتياط، كما حكي عن جار اللّه الزمخشري التصريح به بعد إنكاره تواتر القراءات السبع حيث قال- على ما حكي عنه-: إنّ القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما هي في صفتها، و إنّما هي صفة واحدة، و المصلّي لا تبرأ ذمّته من الصلاة إلّا إذا قرأ‌



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 118‌
بما وقع الاختلاف على كلّ الوجوه، ك‍ «مٰالِكِ» و «ملك» و «صِرٰاطَ» و «سراط» و غير ذلك «1». انتهى.
هذا كلّه مع الغضّ عن الإجماع و النصوص الدالّة على جواز كلّ من القراءات السبع أو العشر أو غيرها من القراءات المعروفة فيما بين الناس في أعصار الأئمّة عليهم السّلام، و إلّا فلا شبهة في كفاية كلّ من القراءات السبع؛ لاستفاضة نقل الإجماع عليه بل تواتره، مضافا إلى شهادة جملة من الأخبار بذلك.
كخبر سالم بن أبي سلمة، قال: قرأ رجل على أبي عبد اللّه عليه السّلام- و أنا أستمع- حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليه السّلام، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللّه على حدّه، و أخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليه السّلام» «2».
و مرسلة محمّد بن سليمان عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: قلت له:
جعلت فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال: «لا، اقرءوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم» «3».
و خبر سفيان بن السمط، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تنزيل «4»‌
______________________________
(1) حكاه البحراني في الحدائق الناضرة 8: 102 نقلا عن شيخه المحدّث الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني عن شيخه عن الزمخشري.
(2) الكافي 2: 633/ 23، الوسائل، الباب 74 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
(3) الكافي 2: 619 (باب أنّ القرآن يرفع كما أنزل) ح 2، الوسائل، الباب 74 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
(4) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ترتيل» بدل «تنزيل». و المثبت كما في المصدر.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 119‌
القرآن، فقال: «اقرءوا كما علّمتم» «1».
و عن أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان نقلا عن الشيخ الطوسي، قال: روي عنهم عليهم السّلام جواز القراءة بما اختلف القرّاء فيه «2».
و ربما يظهر من بعض الأخبار ترجيح بعض القراءات على بعض.
مثل: ما رواه في الوسائل عن الكليني بإسناده عن داود بن فرقد و المعلّى بن خنيس، قالا: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: «إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضالّ» ثمّ قال: «أمّا نحن فنقرأه على قراءة أبيّ» «3».
عن كتاب الوافي أنّه قال: و يستفاد من هذا الحديث أنّ القراءة الصحيحة هي قراءة أبيّ، و أنّها الموافقة لمذهب أهل البيت عليهم السّلام، إلّا أنّها غير مضبوطة عندنا؛ إذ لم يصل إلينا قراءته في جميع ألفاظ القرآن «4». انتهى.
و في الصافي رواه عن عبد اللّه بن فرقد و المعلّى بن خنيس، قالا: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و معنا ربيعة الرأي فذكر القرآن، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا» الحديث، ثمّ قال: و لعلّ آخر الحديث ورد على المسامحة مع ربيعة مراعاة لحرمة الصحابة و تداركا لما قاله في ابن مسعود، و ذلك لأنّهم لم يكونوا يتبعون أحدا سوى آبائهم؛ لأنّ علمهم من اللّه، و في هذا الحديث إشعار بأنّ قراءة أبيّ كانت موافقة‌
______________________________
(1) الكافي 2: 631/ 15، الوسائل، الباب 74 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3.
(2) مجمع البيان 1: 13، التبيان 1: 9، الوسائل، الباب 74 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 5.
(3) الكافي 2: 634/ 27، الوسائل، الباب 74 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 4.
(4) الوافي 9: 1776، ذيل ح 9085- 3، و حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة 8: 98.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 120‌
لقراءتهم أو كانت أوفق لها من قراءة غيره من الصحابة «1». انتهى.
أقول: و يحتمل كون «أبي» بياء المتكلّم، كما يؤيّد هذا الاحتمال كون قراءة عليّ و أهل بيته عليهم السّلام أيضا بحسب الظاهر كقراءة أبيّ بن كعب و ابن مسعود و نظرائهم من القراءات المعروفة بين الناس، كما يشهد له نقلها في كتبهم و إنهاء سند غير واحد من القرّاء السبع- كالحمزة و الكسائي و عاصم الكوفي- إلى عليّ و أهل بيته عليهم السّلام، كما تقدّمت «2» حكايته عنهم.
و كيف كان فلا شبهة في صحّة كلّ من القراءات السبع في مقام تفريغ الذمّة عن التكليف بقراءة القرآن و إن لم يعلم بموافقة المقروء للقرآن المنزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله، بل و إن علم عدمه، كما هو مقتضى بعض الأخبار المتقدّمة و غيرها من الروايات الدالّة على وقوع بعض التحريفات في القرآن، كما في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ «3» الذي ورد في بعض الأخبار أنّه في الأصل: «خير أئمّة» «4» و في قوله تعالى: وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً «5» أنّه في الأصل: «و اجعل لنا من المتّقين إماما» «6» إلى غير ذلك ممّا ورد في الأخبار، فالتخطّي عن هذه القراءات التي ثبت الاكتفاء بها إلى غيرها من الشواذّ فضلا عن الاكتفاء بمطلق العربيّة بعد الالتزام بكون الهيئات الشخصيّة كالموادّ معتبرة في مفهوم القرآنيّة في غاية الإشكال.
هذا، و لكنّ الإنصاف إمكان الالتزام بأنّ اختلاف الحركات و السكنات‌
______________________________
(1) تفسير الصافي 1: 54.
(2) في ص 114.
(3) آل عمران 3: 110.
(4) تفسير القمّي 1: 110، تفسير العيّاشي 1: 195/ 128 و 129.
(5) الفرقان 25: 74.
(6) تفسير القمّي 2: 117.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 121‌
التي لا يوجب اختلافها تغييرا في المعنى و لا في نظم الكلام و ترتيبه و لا إخلالا بالعربيّة- كضمّ المثلّثة من «حيث» و فتحها- مرجعه إلى الاختلاف في كيفيّة التعبير بذلك الكلام الخاصّ بحسب اختلاف الألسن و اللّغات، فهو كالإمالة و الترقيق و التفخيم و المدّ و الإدغام و أشباهها من كيفيّات القراءة لا المقروء، كما هو الشأن بالنسبة إلى المرتبة الخاصّة من الحركة التي تشخّصت الكلمة بها، مع أنّ المباينة بينها و بين مرتبة أخرى من جنسها ربما تكون أشدّ من المباينة بينها و بين حركة أخرى من غير جنسها، ألا ترى أنّ أدنى مرتبة الفتحة ربما تشتبه لدى النطق بالكسرة و لا تشتبه بأقصاها التي قد يتولّد منها الألف، فكيف لا يكون هذا الاختلاف مضرّا بصدق حكاية ذلك الكلام بعينه دون الأوّل!؟ فليتأمّل.
[في أن البسملة جزء من الفاتحة]
(و البسملة جزء منها تجب قراءتها معها) بلا خلاف فيه بيننا على الظاهر، بل إجماعا كما عن جماعة «1» نقله، بل الأمر كذلك بالإضافة إلى سائر السّور عدا «براءة» على المشهور، بل لم ينقل عن أحد منّا الخلاف فيه عدا ما ستسمعه «2» من ابن الجنيد، بل عن التذكرة «3» و غيره «4» دعوى إجماعنا‌
______________________________
(1) كالشيخ الطوسي في الخلاف 1: 328 و 330، المسألة 82، و الطبرسي في مجمع البيان 1: 18، و العلّامة الحلّي في نهاية الإحكام 1: 462، و الشهيد في الذكرى 3: 298، و المحقّق الكركي في جامع المقاصد 2: 244، و العاملي في مدارك الأحكام 3: 339، و الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام 4: 7، و الحاكي عنهم هو العاملي في مفتاح الكرامة 2: 352.
(2) في ص 124.
(3) كذا قوله: «التذكرة» في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و لم نقف على دعوى الإجماع فيها، بل هي في الذكرى 3: 298، كما حكاها عنه العاملي في مفتاح الكرامة 2: 352.
(4) نفس المصادر في الهامش (1) ما عدا مدارك الأحكام و كشف اللثام، و الحاكي‌



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 122‌
عليه، و عن المنتهى نسبته إلى فقهاء أهل البيت عليهم السّلام «1».
و يشهد له في خصوص الفاتحة جملة من الأخبار.
منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السبع المثاني و القرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال: «نعم» قلت: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ من السبع؟ قال: «نعم هي أفضلهنّ» «2».
و مرفوعة يونس بن عبد الرحمن- المرويّة عن تفسير العيّاشي- قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام وَ لَقَدْ آتَيْنٰاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثٰانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ «3» قال: «هي سورة الحمد، و هي سبع آيات، منها بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ و إنّما سمّيت المثاني لأنّها تثنّى في الركعتين» «4».
و عنه عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنٰاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثٰانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فقال: «فاتحة الكتاب يثنّى فيها القول» و قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه تعالى منّ عليّ بفاتحة الكتاب من كنز الجنّة منها بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الآية التي يقول اللّه تعالى فيها: وَ إِذٰا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ نُفُوراً «5» و الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ دعوى أهل الجنّة حين شكروا اللّه حسن الثواب مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال جبرئيل عليه السّلام: ما قالها‌
______________________________
عنها هو العاملي في مفتاح الكرامة 2: 352.
(1) منتهى المطلب 5: 48، و حكاه عنه السبزواري في ذخيرة المعاد: 275.
(2) التهذيب 2: 289/ 1157، الوسائل، الباب 11 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
(3) الحجر 15: 87.
(4) تفسير العيّاشي 1: 19/ 3، و عنه في بحار الأنوار 92: 235/ 23.
(5) الإسراء 17: 46.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 123‌
مسلم قطّ إلّا صدّقه اللّه و أهل سماواته إِيّٰاكَ نَعْبُدُ إخلاص العبادة وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ أفضل ما طلب به العباد حوائجهم اهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرٰاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ صراط الأنبياء، و هم الذين أنعم اللّه عليهم غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اليهود وَ لَا الضّٰالِّينَ النصارى» «1».
و يدلّ عليه في سائر السور صحيحة معاوية بن عمّار- المرويّة عن التهذيب- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إذا قمت إلى الصلاة أقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ؟ قال: «نعم» قلت: إذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ مع السورة؟ قال: «نعم» «2».
و عن الكافي «3» نحوه بأدنى اختلاف في التعبير.
و رواية يحيى بن [أبي عمران الهمداني] «4»- المرويّة عن الكافي- قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ب‍ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ في صلاته وحده في أمّ الكتاب، فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها، فقال العبّاسي: ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطّه «يعيدها- مرّتين- على رغم أنفه» يعني العبّاسي «5».
قوله: «مرّتين» يحتمل أن يكون من كلام السائل متعلّقا بقوله: «كتب» فيكون ضمير «يعيدها» عائدا إلى الصلاة. و يحتمل أن يكون من كلام الإمام عليه السّلام متعلّقا ب‍ «يعيدها» أي يعيد السورة أو البسملة مرّتين: مرّة في‌
______________________________
(1) تفسير العيّاشي 1: 22/ 17، و عنه في بحار الأنوار 92: 238- 239/ 40.
(2) التهذيب 2: 69/ 251.
(3) الكافي 3: 312- 313، الوسائل، الباب 11 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 5.
(4) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبي عمير الهذلي».
و المثبت كما في المصدر و الحدائق الناضرة 8: 105 و كتب الرجال.
(5) الكافي 3: 313/ 2، الوسائل، الباب 11 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 6.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 124‌
الركعة الأولى، و أخرى في الثانية.
و عن العيّاشي في تفسيره عن صفوان الجمّال، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما أنزل اللّه من السماء كتابا إلّا و فاتحته بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* و إنّما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* ابتداء للأخرى» «1».
و عنه عن خالد بن المختار، قال: سمعت جعفر بن محمّد عليه السّلام يقول: «ما لهم قاتلهم اللّه، عمدوا إلى أعظم آية في كتاب اللّه فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها، و هي بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*» «2».
و عنه أيضا عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «حرّفوا أكرم آية في كتاب اللّه بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*» «3».
و ما في بعض هذه الروايات من ضعف الدلالة أو قصور السند مجبور بالشهرة و عدم معروفيّة الخلاف إلّا من أهل الخلاف الذين صدرت جملة من الأخبار تعريضا عليهم.
فما حكي عن ابن الجنيد- من أنّها في الفاتحة بعضها، و في غيرها افتتاح لها «4»- ضعيف، و إن كان قد يشهد له بعض الأخبار النافية لوجوبها مع السورة.
مثل: ما عن الشيخ- في الصحيح- عن عبيد اللّه بن علي الحلبي و محمّد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّهما سألاه عمّن يقرأ‌
______________________________
(1) تفسير العيّاشي 1: 19/ 5، و عنه في بحار الأنوار 92: 236/ 29.
(2) تفسير العيّاشي 1: 21- 22/ 16، و عنه في بحار الأنوار 92: 238/ 39.
(3) تفسير العيّاشي 1: 19/ 4، و عنه في بحار الأنوار 92: 236/ 28.
(4) حكاه عنه الشهيد في الذكرى 3: 299.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 125‌
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: «نعم إن شاء سرّا و إن شاء جهرا» فقالا: فيقرأها مع السورة الأخرى؟ قال: «لا» «1».
و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أ يقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ؟ قال:
«نعم، إذا افتتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح ثمّ يكفيه ما بعد ذلك» «2».
و رواية مسمع قال: صلّيت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ ثمّ قرأ السورة التي بعد الحمد، و لم يقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* ثمّ قام في الثانية فقرأ الحمد و لم يقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ ثمّ قرأ بسورة أخرى «3».
و المتّجه حمل هذه الأخبار بأسرها على التقيّة، كما يؤيّد ذلك ما في الخبر الأخير من تركها مع الحمد أيضا في الركعة الثانية، و ظهور صحيحة محمّد بن مسلم أيضا في عدم وجوبها إلّا في افتتاح القراءة من الركعة الأولى، و هذا بحسب الظاهر ممّا لا محمل له عدا التقيّة، كصحيحته الأخرى الظاهرة في عدم وجوبها مع الفاتحة في الأولى أيضا، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد و لا يقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ فقال: «لا بأس و لا يضرّه» إذ النصوص الدالّة على‌
______________________________
(1) التهذيب 2: 68- 69/ 249، الاستبصار 1: 312/ 1161، الوسائل، الباب 12 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
(2) التهذيب 2: 69/ 250، الاستبصار 1: 313/ 1162، الوسائل، الباب 12 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3.
(3) التهذيب 2: 288/ 1154، الاستبصار 1: 311- 312/ 1158، الوسائل، الباب 12 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 4.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 126‌
وجوبها مع الفاتحة كالإجماعات المنقولة عليه لعلّها متواترة، و في الأخبار المتقدّمة أيضا شهادة بكون المقام مقام التقيّة، و اللّه العالم.
[في عدم إجزاء ترجمة الفاتحة عنها]
(و لا يجزئ المصلّي) عن الفاتحة (ترجمتها) و لو بالعربيّة فضلا عن الفارسيّة اختيارا بلا شبهة، فإنّ ترجمتها ليست عين فاتحة الكتاب المأمور بقراءتها كي تكون مجزئة.
(و يجب) عليه (ترتيب كلماتها و آيها على الوجه المنقول) بلا خلاف فيه على الظاهر؛ لأنّه هو المنساق إلى الذهن من إطلاق أدلّتها.
(فلو خالف عمدا، أعاد) الصلاة إذا فرض خروجه بذلك عن القرآنيّة و دخوله في كلام الآدميّين، و إلّا فالمتّجه عدم الإعادة إن تداركه قبل فوات محلّه، كما سيأتي تحقيقه في مباحث الخلل إن شاء اللّه.
(و إن كان ناسيا، استأنف القراءة ما لم يركع) إذا فرض فوات الموالاة المعتبرة بين أجزاء الكلام، و الإعادة على ما يحصل معه تدارك ما أخلّ به، فلو قدّم مثلا مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ على الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أجزأه إعادة مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ دون الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ و إن كان هذا- أي إعادة ما أخّره- أيضا أحوط، بل لا يخلو وجوبه عن وجه.
(فإن ركع، مضى في صلاته و لو ذكر) إجماعا، كما ادّعاه في الجواهر «1»؛ لعموم قوله عليه السّلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «2» الحديث.
مضافا إلى فحوى ما دلّ على عدم بطلان الصلاة بترك الفاتحة‌
______________________________
(1) جواهر الكلام 9: 300.
(2) تقدّم تخريجه في ص 103، الهامش (2).



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 127‌
سهوا «1»، و لا بزيادة الكلام كذلك «2».
(و من لا يحسنها يجب عليه التعلّم) و لو قبل دخول الوقت لدى العلم بعدم التمكّن منه بعده، كما يظهر وجهه ممّا حقّقناه في أوّل كتاب الطهارة عند التكلّم في وجوب الغسل في الليل لصوم غده «3».
و ربما استظهر من إطلاق المتن و غيره كون التعلّم واجبا عينيّا لا تخييريّا بينه و بين الائتمام أو متابعة الغير في القراءة.
و قد قوّاه في الجواهر بعد أن حكى عن كاشف الغطاء التصريح به، و فرّع عليه أنّه لو تركه في السعة و ائتمّ أثم، و صحّت صلاته «4».
و لا يخفى عليك أنّ هذا إنّما يتّجه لو قيل بكون التعلّم واجبا نفسيّا، و هو ليس كذلك؛ إذ لا دليل عليه، و إنّما أوجبناه مقدّمة للقراءة الواجبة في الصلاة، فمتى فرض قدرته على الإتيان بصلاة صحيحة مبرئة لذمّته بدون تعلّم القراءة بأن يأتمّ غيره، لا يتعيّن عليه تعلّمها.
و ما يقال من أنّ الائتمام لأجل توقّفه على فعل الغير، الخارج عن قدرته ليس فعلا اختياريّا له كي يتخيّر بينه و بين التعلّم، مدفوع:
أوّلا: بأنّه لو لم يكن فعلا اختياريّا له، لامتنع تعلّق التكليف به مع أنّه أفضل فردي الصلاة الواجبة عليه.
______________________________
(1) الكافي 3: 347 (باب السهو في القراءة) ح 1، الفقيه 1: 227/ 1005، التهذيب 2: 146/ 569، مسائل عليّ بن جعفر: 157/ 227، الوسائل، الباب 27 من أبواب القراءة في الصلاة، الأحاديث 1، 2، 5.
(2) الفقيه 1: 240/ 1060، و 358/ 1569، الوسائل، الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة، ح 9، و الباب 5 من تلك الأبواب، ح 3.
(3) راجع ج 1، ص 17.
(4) جواهر الكلام 9: 300- 301، و راجع: كشف الغطاء 3: 181.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 128‌
و ثانيا: بأنّه يكفي في عدم تنجّز التكليف بالمقدّمة علمه بحصول ذيها و لو بفعل الغير من غير توقّفه على هذه المقدّمة.
نعم، تعلّقه بفعل الغير قد يكون مانعا عن الجزم ببقاء القدرة على إتمام الصلاة مأموما، كما أنّ احتمال طروء بعض موانع الائتمام في الأثناء أيضا- كالحيلولة أو الفصل الكثير- كذلك، فعند تركه للتعلّم قد لا يحصل له الاطمئنان بعدم احتياجه إلى القراءة، فلا يتأتّى منه قصد القربة على سبيل الجزم، فعلى القول باعتبار الجزم في النيّة- كما هو المشهور- اتّجه حينئذ بطلان صلاته، لا صحّتها و كونه آثما بترك التعلّم، كما ذكره في الجواهر «1».
نعم، لو لم نعتبر الجزم في النيّة و قلنا بصحّة صلاته و إن احتمل حال التلبّس بها عدم سلامتها عن الطوارئ، أمكن توجيه الإثم في مثل الفرض من باب التجرّي؛ لاستلزام تلبّسه بالصلاة مع جهله بالقراءة و احتمال عروض موانع الاقتداء العزم على قطع صلاته على خلاف ما يقتضيه تكليفه.
و كيف كان فمقتضى الأصل: عدم وجوب التعلّم عينا، إلّا إذا امتنع الخروج عن عهدة التكليف بالصلاة بدونه، و إلّا فالواجب هو القدر المشترك بينه و بين غيره ممّا يتمكّن معه من الخروج عن عهدة الواجب، لا خصوص شي‌ء منها بعينه. و إطلاق حكم الأصحاب بوجوبه إنّما هو بالنظر إلى ما هو تكليفه من حيث هو، فهو مصروف عن فرض القدرة على الائتمام، أي غير ملحوظ من هذه الجهة، كما أنّ إطلاق حكمهم بوجوب الإتيان بما تيسّر أو بغيره ممّا ستسمعه لدى العجز عن التعلّم إنّما هو بهذه‌
______________________________
(1) جواهر الكلام 9: 300.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 129‌
الملاحظة.
و هل تجوز القراءة من المصحف؟
أمّا لدى الضرورة و عدم القدرة على الحفظ: فممّا لا شبهة فيه، بل ربما يظهر من غير واحد دعوى الإجماع عليه.
و أمّا مع التمكّن من الحفظ: فعن المصنّف و العلّامة و جماعة من المتأخّرين «1»: الجواز؛ لإطلاق أدلّة القراءة.
و خصوص رواية الحسن بن زياد الصيقل، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في الرجل يصلّي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ فقال: «لا بأس بذلك» «2».
و حكي عن جماعة- منهم: العلّامة في التحرير، و الشهيد في الذكرى و الدروس، و المحقّق الثاني «3»- القول بالمنع إلّا على تقدير عدم التمكّن من الحفظ بدعوى أنّه هو المتبادر من الأمر بالقراءة في الصلاة.
و استدلّ له أيضا بقاعدة الاشتغال.
و بالخبر العامّي: إنّ رجلا سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال له: «قل: سبحان اللّه و الحمد للّه» «4»‌
______________________________
(1) المعتبر 2: 174، تذكرة الفقهاء 3: 136، ضمن المسألة 224، نهاية الإحكام 1:
479، مجمع الفائدة و البرهان 2: 212، ذخيرة المعاد: 272، و الحاكي عنهم السيّد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 33.
(2) التهذيب 2: 294/ 1184، الوسائل، الباب 41 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
(3) تحرير الأحكام 1: 244/ 833، الذكرى 3: 306، الدروس 1: 172، جامع المقاصد 2: 252- 253، و الحاكي عنهم هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار 2:
33.
(4) سنن أبي داود 1: 220/ 832، سنن النسائي 2: 143، سنن الدار قطني 1: 314/ 2، سنن‌



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 130‌
إذ لو جاز القراءة من القرآن لأمره به.
و خبر عليّ بن جعفر- المرويّ عن قرب الإسناد- عن أخيه موسى عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه و يقرأ و يصلّي، قال: «لا يعتدّ بتلك الصلاة» «1».
و لأنّ القراءة من المصحف مكروهة إجماعا كما عن الإيضاح «2»، و لا شي‌ء من المكروه بواجب إجماعا.
و في الجميع نظر.
أمّا دعوى الانصراف: فيتوجّه عليها أوّلا: المنع، خصوصا في الأوامر المتعلّقة بقراءة بعض السور الطوال التي لا يحفظها غالب الناس أو لا يحصل لهم الوثوق غالبا بصحّتها عند القراءة عن ظهر القلب، و لو سلّم فهو بدويّ منشؤه غلبة الوجود، و لا أقلّ من عدم كونه بحيث يجعل اللّفظ ظاهرا في إرادته بالخصوص، فمع الشكّ في اعتبار الخصوصيّة يرجع إلى ما تقتضيه الأصول العمليّة، و هي البراءة، كما حقّقناه في محلّه.
و بهذا ظهر لك ما في الاستدلال له بقاعدة الاشتغال؛ فإنّ إطلاقات الأدلّة واردة على القاعدة، و على تقدير تسليم قصور الإطلاقات عن الدلالة على كفاية القراءة عن المصحف فالمرجع قاعدة البراءة، لا الاشتغال.
و أمّا النبويّ فبعد الغضّ عن سنده و عدم وضوح وروده في الصلاة فمورده على الظاهر هو العاميّ المحض، كما هو الغالب في من لا يستطيع‌
______________________________
البيهقي 2: 381، المستدرك- للحاكم- 1: 241 بتفاوت.
(1) قرب الإسناد: 195- 196/ 742، الوسائل، الباب 41 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
(2) إيضاح الفوائد 1: 108، و حكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام 4: 22.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 131‌
أن يحفظ شيئا من القرآن، و إلّا لأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله بالقراءة من المصحف؛ لتقدّمها على التسبيح و التحميد لدى الضرورة إجماعا، كما ادّعاه غير واحد «1».
و أمّا خبر عليّ بن جعفر: فمقتضى الجمع بينه و بين رواية الصيقل، المتّحدة معه موردا بمقتضى ظاهر السؤال: الحمل على الكراهة، و لا يصحّ تنزيل إطلاق نفي البأس الوارد في خبر الصيقل على من لا يستطيع أن يقرأ شيئا من القرآن حتى الفاتحة عن ظهر القلب، فإنّه تنزيل على فرد نادر بل غير واقع بحسب العادة؛ إذ العادة قاضية بحفظ فاتحة الكتاب و شي‌ء من القرآن ممّا يقرؤه الرجل في صلواته الخمس قبل أن يصير عارفا بقراءة المصحف.
و يتلوه في الضعف حمل خبر الجواز على النافلة، و خبر المنع على الفريضة؛ فإنّه و إن أمكن و لكنّه بلا شاهد.
و أمّا ما ادّعي من الإجماع على كراهة القراءة من المصحف: فهو على خلاف المطلوب أدلّ؛ إذ المراد بها إمّا كراهة الإتيان بالقراءة الواجبة في الصلاة بهذه الكيفيّة، فلا معنى لها إلّا الكراهة العبادي الغير المنافية لصحّتها، كالصلاة في الحمّام، أو كراهتها باعتبار اشتمالها على النظر إلى المصحف المفتوح بين يديه، الذي هو في حدّ ذاته ممّا يكره في الصلاة، فمتعلّق الكراهة في الحقيقة هو النظر إلى المصحف الذي هو مقدّمة للقراءة التي هي عبادة، لا نفسها، فلا محذور فيه أصلا، أو كراهة القراءة من المصحف في الصلاة من حيث هي كراهة حقيقيّة، فحينئذ نقول: يكفي‌
______________________________
(1) كالسيّد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 33.



************
مصباح الفقيه، ج‌12، ص: 132‌
عدم حرمة الفرد في جواز اختياره في مقام امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة من حيث هي، فإنّ قضيّة تعلّق الأمر بالطبيعة كون المكلّف مخيّرا في الإتيان بأيّ فرد من أفرادها السائغة.
و توهّم استلزامه اجتماع الأمر و النهي في واحد شخصيّ عند اختيار الفرد المكروه كالمحرّم، مدفوع أوّلا: بكونه شبهة في مقابلة الضرورة، و ثانيا: بما حقّقناه في كتاب الطهارة عند توجيه كراهة الوضوء بالماء المسخّن بالشمس «1».
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ القول بالجواز هو الأقوى، فعلى هذا يكفي في حصول التعلّم الواجب تحصيل القدرة على القراءة من المصحف، و اللّه العالم.
(و إن
________________________________________
همدانى، آقا رضا بن محمد هادى،


************
مصباح الفقيه، 14 جلد، مؤسسة الجعفرية لإحياء التراث و مؤسسة النشر الإسلامي، قم - ايران، اول، 1416 ه‍ ق