بسم الله الرحمن الرحیم

کلمات صاحب الحدائق البحراني قده در باره قراءات

فهرست مباحث علوم قرآنی
قائلین به تعدد قراءات از علمای شیعه پس از قرن یازدهم





الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة؛ ج‌8، ص: 91
الفصل الرابع في القراءة‌
و النظر في واجباتها و مستحباتها و لواحقها و حينئذ فيجب بسط الكلام فيها في بحوث ثلاثة‌
[البحث] (الأول) في واجباتها‌
و فيه مسائل‌
[المسألة] (الأولى) [هل القراءة في الصلاة ركن؟]
لا خلاف نصا و فتوى في وجوب قراءة الحمد عينا في الصلاة الواجبة في ركعتي الصبح و أوليي الصلوات الباقية، و عليه عمل النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) من بعده و به استفاضت اخبارهم.
انما الخلاف في الركنية و عدمها فالمشهور- بل ادعى عليه الشيخ (قدس سره) في الخلاف الإجماع- على العدم، و نقل في المبسوط عن بعض أصحابنا القول بركنيتها.
و يدل على المشهور‌
ما رواه الكليني في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» قال: «ان اللّٰه عز و جل فرض الركوع و السجود، و القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة و من نسي القراءة فقد تمت صلاته و لا شي‌ء عليه».
و رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) مثله «2».
و روى في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «3» قال:
«لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود، ثم قال القراءة سنة و التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «4» قال: «قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوليين فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع و السجود؟ قلت نعم. قال اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها».
______________________________
(1) الوسائل الباب 27 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 27 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 29 من القراءة.
(4) الوسائل الباب 30 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 92‌
و عن أبي بصير في الموثق «1» قال: «إذا نسي أن يقرأ في الاولى و الثانية أجزأه تسبيح الركوع و السجود، و ان كانت الغداة فنسي ان يقرأ فيها فليمض في صلاته».
الى غير ذلك من الأخبار الدالة على صحة الصلاة مع نسيانها.
و ربما استدل على القول بالركنية‌
بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته؟ قال لا صلاة له إلا ان يقرأ بها في جهر أو إخفات».
و حملها الأصحاب على ترك القراءة عمدا جمعا بينها و بين ما تقدم من الأخبار.
و عندي في المقام اشكال لم أعثر على من تنبه له و لا نبه عليه و هو ان الفرض الذي تجب إعادة الصلاة بتركه عمدا أو نسيانا هو ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز و اما ما ثبت وجوبه بالسنة فهو واجب لا تبطل الصلاة بتركه سهوا، و بذلك صرح الأصحاب و اليه تشير صحاح زرارة و محمد بن مسلم المتقدمات، مع انه قد ورد في القرآن العزيز ما يدل على الأمر بالقراءة في الصلاة كقوله عز و جل «فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضىٰ وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ وَ آخَرُونَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ» «3» و هي ظاهرة في ما ذكرناه.
و بعض الأصحاب استدل بالآية على وجوب القراءة في الصلاة من حيث دلالة الأمر على الوجوب و أجمعوا على انها لا تجب في غير الصلاة فتجب فيها. و بعض استدل بالتقريب المذكور على وجوب السورة حيث قالوا الأمر للوجوب و ما تيسر عام فوجب قراءة كل ما تيسر لكن وجوب الزائد على مقدار الحمد و السورة منفي بالإجماع فيبقى وجوب السورة سالما عن المعارض. و فيه ما سيأتي عند ذكر المسألة ان شاء اللّٰه تعالى.
______________________________
(1) الوسائل الباب 29 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 1 و 27 من القراءة.
(3) سورة المزمل، الآية 20.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 93‌
و يعضد هذه الآية أيضا قوله عز و جل «وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» «1» و قوله:
«فَإِذٰا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ» «2» فإنهم قد استدلوا على استحباب الاستعاذة في الصلاة بهذه الآية.
و بذلك ينبغي ان تكون القراءة فريضة كالركوع و السجود، و هذه الآيات في دلالتها على ما قلناه لا تقصر عن آيات الركوع و السجود من قوله عز و جل «وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ» «3» و قوله «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا» «4» و نحوهما.
و بالجملة فإن دلالتها على ما ذكرناه أظهر من ان يذكر. و لعل من ذهب إلى الركنية نظر إلى دلالة هذه الآيات فتكون من قبيل الركوع و السجود و فرائض الصلاة. إلا ان الأخبار كما عرفت قد صرحت بأنها ليست بفريضة و ان الصلاة لا تبطل بتركها سهوا كالفرائض من الركوع و السجود، و الأمر في ذلك مرجوع إليهم (عليهم السلام) فليس لنا إلا الانقياد و التسليم بعد ثبوت الحكم عنهم (عليهم السلام).
ثم ان من الأخبار الدالة على ما ذكرناه من وجوب القراءة‌
صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة و رواية أبي بصير «5» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل نسي أم القرآن؟ فقال ان كان لم يركع فليعد أم القرآن».
و عن سماعة في الموثق «6» قال: «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب؟ قال فليقل أستعيذ باللّٰه من الشيطان الرجيم انه هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات».
و روى الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) «7» انه قال: «إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا منسيا و ليكون‌
______________________________
(1) سورة المزمل، الآية 4.
(2) سورة النحل، الآية 100.
(3) سورة البقرة، الآية 40.
(4) سورة الحج، الآية 76.
(5) الوسائل الباب 28 من القراءة.
(6) الوسائل الباب 28 من القراءة.
(7) الوسائل الباب 1 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 94‌
محفوظا مدروسا فلا يضمحل و لا يجهل، و انما بدئ بالحمد دون سائر السور لانه ليس شي‌ء من القرآن و الكلام جمع فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد.
الحديث».
قال: و قال الرضا (عليه السلام) «انما جعل القراءة في الركعتين الأوليين و التسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرض اللّٰه من عنده و بين ما فرضه الرسول صلى اللّٰه عليه و آله».
و روى محمد بن الحسين الرضي في كتاب المجازات النبوية عنه (صلى اللّٰه عليه و آله) «1» «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج».
الى غير ذلك من الأخبار.
و تنقيح الكلام في المقام لئلا يتطرق اليه النقض و الإبرام يتوقف على بيان جملة من الأحكام‌
(الأول) [وجوب الحمد في كل من الثنائية و أوليي غيرها واجبة كانت أو نافلة]
قد عرفت بما ذكرنا من الأخبار مضافا إلى اتفاق علمائنا الأبرار وجوب الحمد في كل من الثنائية و أوليي غيرها، و هل تتعين الفاتحة في النافلة؟
الأشهر الأظهر ذلك لأن الصلاة كيفية متلقاة من الشرع فيجب الوقوف فيها على ما ثبت نقله عن الشارع. و نقل عن العلامة في التذكرة انه لا يجب قراءة الفاتحة فيها للأصل. و قيل عليه انه ان أراد الوجوب بالمعنى المصطلح الشرعي فهو حق لأن الأصل إذا لم يكن واجبا لم تجب اجزاؤه، و ان أراد ما يعم الوجوب الشرطي بحيث تنعقد النافلة بدون القراءة- و هو الظاهر من كلامه- فهو ممنوع و سند المنع ما ذكرنا آنفا. أقول: و لو تم ما ذكره لجرى في جميع واجبات الصلاة من ذكر الركوع و السجود و التشهد و نحوها و الظاهر انه لا يلتزمه.
(الثاني) [عدم جواز الإخلال بشي‌ء من القراءة]
- قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف في الباب بأنه يجب قراءة الحمد اجمع و لا تصح الصلاة مع الإخلال و لو بحرف واحد منها عمدا حتى التشديد لأن الإتيان بها انما يتحقق مع الإتيان بجميع اجزائها فيلزم من الإخلال بالجزء الإخلال بها، و من الحروف التشديد في مواضعه فإنه حرف و زيادة: أحدهما الحرف و الآخر ادغامه‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 95‌
في حرف آخر، و الإدغام بمنزلة الاعراب لا يجوز الإخلال به فالإخلال بالإدغام إخلال بشيئين حينئذ، و لو فكه بطلت و ان لم يسقط الحرف لزوال الإدغام و عدم وقوع القراءة على الكيفية المنزلة.
و كما تبطل بالإخلال بحرف تبطل أيضا بترك الاعراب و المراد به ما يشمل الحركات البنائية، و لا فرق في الإخلال بين كونه مغيرا للمعنى كضم تاء «أنعمت» أولا كفتح دال «الحمد» و ان كان قد ورد في الشواذ لأن الاعراب كيفية للقراءة و كما وجب الإتيان بحروفها وجب الإتيان بالإعراب المتلقى من صاحب الشرع.
و حكى في المعتبر عن بعض الجمهور انه لا يقدح في الصحة الإخلال بالإعراب الذي لا يغير المعنى لصدق القراءة معه، قال في المدارك و هو منسوب للمرتضى في بعض رسائله ثم قال و لا ريب في ضعفه.
[حكم القراءات السبع]
ثم قال و لا يخفى ان المراد بالإعراب هنا ما تواتر نقله في القرآن لا ما وافق العربية لأن القراءة سنة متبعة، و قد نقل جمع من الأصحاب الإجماع على تواتر القراءات السبع «1» و حكى في الذكرى عن بعض الأصحاب انه منع من قراءة أبي جعفر و يعقوب و خلف و هي كمال العشر ثم رجح الجواز لثبوت تواترها كتواتر السبع. قال المحقق الشيخ علي بعد نقل ذلك و هذا لا يقصر عن ثبوت الإجماع بخبر الواحد فيجوز القراءة بها. و هو غير جيد لأن ذلك رجوع عن اعتبار التواتر. و قد نقل جدي (قدس سره) عن بعض محققي القراء أنه أفرد كتابا في أسماء الرجال الذين نقلوا هذه القراءات في كل طبقة و هم يزيدون عما يعتبر في التواتر، ثم حكى عن جماعة من القراء انهم قالوا ليس المراد بتواتر السبع و العشر ان كل ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار التواتر الآن في ما نقل من هذه القراءات فان بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن‌
______________________________
(1) القراء السبعة هم عبد اللّٰه بن عامر و عبد اللّٰه بن كثير و عاصم و أبو عمرو بن العلاء و حمزة بن زيات و نافع و الكسائي.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 96‌
غيرهم، و هو مشكل جدا لكن المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان.
و على هذا المنوال من الحكم بتواتر هذه القراءات عنه (صلى اللّٰه عليه و آله) جرى كلام غيره من علمائنا في هذه المجال، و هو عند من رجع إلى اخبار الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) لا يخلو من الاشكال و ان اشتهر في كلامهم و صار عليه مدار نقضهم و إبرامهم حتى قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة الألفية مشير الى القراءات السبع:
فان الكل من عند اللّٰه تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ على قلب سيد المرسلين (صلى اللّٰه عليه و آله) تخفيفا على الأمة و تهوينا على أهل هذه الملة «1» انتهى.
و فيه (أولا) ان هذا التواتر المدعى ان ثبت فإنما هو من طريق العامة الذين‌
______________________________
(1) قال آية اللّٰه الأستاذ السيد أبو القاسم الخوئي دام ظله في البيان ج 1 ص 92:
ذهب جمع من علماء أهل السنة إلى تواترها- القراءات- عن النبي (ص) و نقل عن السبكى القول بتواتر القراءات العشر، و أفرط بعضهم فزعم ان من قال ان القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر، و نسب هذا الرأي إلى مفتى البلاد الاندلسية (أبي سعيد فرج بن لب) و المعروف عند الشيعة انها غير متواترة بل القراءات بين ما هو اجتهاد من القارئ و بين ما هو منقول بخبر الواحد، و اختار هذا القول جماعة من المحققين من أهل السنة و غير بعيد ان يكون هذا هو المشهور بينهم، و قد حقق- دامت بركاته- البحث تحقيقا وافيا بما لا مزيد عليه و برهن على عدم تواترها- بعد بيان حال القراء- بما حاصله (1) ان استقراء حال القراء يورث القطع بان القراءات نقلت إلينا بأخبار الآحاد فليست هي متواترة عن القراء (2) و ان التأمل في الطرق التي أخذ القراء عنها يدل بالقطع على انها انما نقلت إليهم بطريق الآحاد (3) و ان اتصال الأسانيد بهم أنفسهم يقطع التواتر حتى لو كان متحققا في جميع الطبقات فان كل قارئ انما ينقل قراءته بنفسه (4) و ان احتجاج كل قارئ على صحة قراءته و إعراضه عن قراءة غيره دليل قطعي على استنادها إلى اجتهادهم دون التواتر عن النبي (ص) و إلا لم يحتج إلى الاحتجاج (5) أضف إلى ذلك إنكار جملة من الاعلام على جملة من القراءات و لو كانت متواترة لما صح هذا الإنكار. و من أراد التفصيل فليرجع اليه.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 97‌
هم النقلة لتلك القراءات و الرواة لها في جميع الطبقات و انما تلقاها غيرهم عنهم و أخذوها منهم، و ثبوت الأحكام الشرعية بنقلهم و ان ادعوا تواتره لا يخفى ما فيه.
و (ثانيا) ما ذكره الإمام الرازي في تفسيره الكبير حيث قال على ما نقله بعض محدثي أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم): اتفق الأكثرون على ان القراءات المشهورة منقولة بالتواتر، و فيه إشكال لأنا نقول ان هذه القراءات منقولة بالتواتر، و ان اللّٰه خير المكلفين بين هذه القراءات فان كان كذلك كان ترجيح بعضها على بعض واقعا على خلاف الحكم الثابت بالتواتر فوجب ان يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض على البعض مستوجبين للفسق ان لم يلزمهم الكفر، كما ترى ان كل واحد من هؤلاء القراء يختص بنوع معين من القراءة و يحمل الناس عليه و يمنعهم من غيره، و ان قلنا بعدم التواتر بل ثبوتها من طرق الآحاد فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيدا للجزم و القطع و ذلك باطل قطعا. انتهى.
و الجواب عن ذلك- بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني الذي هو أحد المشيدين لهذه المباني و هو ما أشار إليه سبطه هنا من انه ليس المراد بتواترها ان كل ما ورد متواتر بل المراد انحصار المتواتر الآن في ما نقل إلا من القراءات فان بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غيرهم كما حققه جماعة من أهل هذا الشأن. انتهى- منظور فيه من وجهين (أحدهما) ما ذكره سبطه في الجواب عن ذلك من ان المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان فلو كان بعضها متواترا كما ادعاه لصار معلوما على حدة لا يشتبه بما هو شاذ نادر كما ذكره و الحال ان الأمر ليس كذلك.
و (ثانيهما) ما ذكره في شرح الألفية مما قدمنا نقله عنه فان ظاهره كون جميع تلك القراءات مما ثبت عن اللّٰه عز و جل بطريق واحد و هو ما ادعوه من التواتر.
و بالجملة فإنه لو كان هنا شي‌ء متواتر من هذه القراءات في الصدر الأول أعني زمن أولئك القراء أو كلها متواترة لم يجز هذا التعصب الذي ذكره الرازي بين أولئك القراء في حمل‌



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 98‌
كل منهم الناس على قراءته و المنع من متابعة غيره، و هذا كما نقل عن النحويين من التعصب من كل منهم في ما ذهب اليه و نسبة غيره إلى الغلط مع أنهم الواسطة في النقل عن الغرب و مذاهبهم في النحو كاشفة عن كلام العرب في تلك المسائل. و الاشكال الذي ذكره الرازي ثمة جار أيضا في هذا المقام كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
و (ثالثا) و هو العمدة ان الوارد في أخبارنا يدفع ما ذكروه‌
فروى ثقة الإسلام في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «1» قال: «ان القرآن واحد نزل من عند الواحد و لكن الاختلاف يجي‌ء من قبل الرواة».
و روى فيه أيضا في الصحيح عن الفضيل بن يسار «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) ان الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف؟ فقال كذبوا أعداء اللّٰه و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد».
قال المحدث الكاشاني في كتاب الصافي بعد نقل الخبرين المذكورين: و المقصود منهما واحد و هو ان القراءة الصحيحة واحدة إلا انه (عليه السلام) لما علم انهم فهموا من الحديث الذي رووه صحة القراءات جميعا مع اختلافها كذبهم. انتهى.
و يقرب من ذلك‌
ما رواه في الكافي أيضا في الصحيح إلى المعلى بن خنيس «3» قال: «كنا عند أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) و معنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) ان كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال فقال ربيعة الرأي ضال؟ فقال نعم. ثم قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) اما نحن فنقرأ على قراءة أبي».
قال في كتاب الوافي: و المستفاد من هذا الحديث ان القراءة الصحيحة هي قراءة ابي و انها الموافقة لقراءة أهل البيت (عليهم السلام) إلا انها اليوم غير مضبوطة عندنا إذ لم تصل إلينا قرائته في جميع ألفاظ القرآن. انتهى.
أقول: لعل كلامه (عليه السلام) في آخر الحديث انما وقع على سبيل التنزل‌
______________________________
(1) الوافي ج 5 باب «اختلاف القراءات».
(2) الوافي ج 5 باب «اختلاف القراءات».
(3) الوافي ج 5 باب «اختلاف القراءات».



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 99‌
و الرعاية لربيعة الرأي حيث انه معتمد العامة في وقته تلافيا لما قاله في حق ابن مسعود و تضليله له مع انه عندهم بالمنزلة العليا سيما في القراءة و إلا فإنهم (عليهم السلام) لا يتبعون أحدا و انما هو متبوعون لا تابعون.
ثم اعلم ان العامة قد رووا في أخبارهم ان القرآن قد نزل على سبعة أحرف كلها شاف واف «1» و ادعوا تواتر ذلك عنه (صلى اللّٰه عليه و آله) و اختلفوا في معناه إلى ما يبلغ أربعين قولا أشهرها الحمل على القراءات السبع.
و قد روى الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال «2» بإسناده إليهم (عليهم السلام) قال: «قال رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) أتاني آت من اللّٰه عز و جل يقول ان اللّٰه يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت يا رب وسع على أمتي فقال ان اللّٰه يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف».
و في هذا الحديث ما يوافق خبر العامة المذكور مع انه (عليه السلام) قد نفى ذلك في الأحاديث المتقدمة و كذبهم في ما زعموه من التعدد، فهذا الخبر بظاهره مناف لما دلت عليه تلك الأخبار و الحمل على التقية أقرب قريب فيه و ان احتمل أيضا حمل السبعة الأحرف فيه على اللغات يعني سبع لغات كما قاله ابن الأثير في نهايته في تفسير حديثهم المتقدم، قال أراد بالحرف اللغة أي سبع لغات من لغات العرب أي أنها مفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش و بعضه بلغة هذيل و بعضه بلغة هوازن و بعضه بلغة اليمن و ليس معناه ان يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، على انه قد جاء في القرآن ما قرئ بسبعة و عشرة. و مما يبين ذلك قول ابن مسعود اني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم انما هو مثل قول أحدكم هلم و تعال و اقبل. و فيه أقوال غير ذلك هذا أحسنها. انتهى.
ثم ان الذي يظهر من الأخبار أيضا هو وجوب القراءة بهذه القراءات المشهورة لا من حيث ما ذكروه من ثبوتها و تواترها عنه (صلى اللّٰه عليه و آله) بل من حيث‌
______________________________
(1) تفسير الطبري ج 1 ص 9.
(2) ج 2 ص 11.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 100‌
الاستصلاح و التقية.
فروى في الكافي بسنده إلى بعض الأصحاب عن أبي الحسن (عليه السلام) «1» قال: «قلت له جعلت فداك انا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال لا اقرأوا كما تعلمتم فسيجي‌ء من يعلمكم».
و روى فيه بسنده إلى سالم بن سلمة «2» قال: «قرأ رجل على أبي عبد اللّٰه (عليه السلام)- و انا استمع- حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم. الحديث».
و بالجملة فالنظر في الأخبار و ضم بعضها إلى بعض يعطي جواز القراءة لنا بتلك القراءات رخصة و تقية و ان كانت القراءة الثابتة عنه (صلى اللّٰه عليه و آله) انما هي واحدة و إلى ذلك أيضا يشير كلام شيخ الطائفة المحقة (قدس سره) في التبيان حيث قال: ان المعروف من مذهب الإمامية و التطلع في اخبارهم و رواياتهم ان القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء و ان الإنسان مخير بأي قراءة شاء قرأ، و كرهوا تجريد قراءة بعينها. انتهى و مثله أيضا كلام الشيخ أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان حيث قال: الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على القراءة المتداولة بين القراء و كرهوا تجريد قراءة مفردة و الشائع في أخبارهم (عليهم السلام) ان القرآن نزل بحرف واحد. انتهى.
و كلام هذين الشيخين (عطر اللّٰه مرقديهما) صريح في رد ما ادعاه أصحابنا المتأخرون (رضوان اللّٰه عليهم) من تواتر السبع أو العشر، على ان ظاهر جملة من علماء العامة و محققي هذا الفن إنكار ما ادعى هنا من التواتر أيضا.
______________________________
(1) الوسائل الباب 74 من القراءة. و قد صححنا الحديث على كتب الحديث ارجع إلى الوافي باب «اختلاف القراءات» و أصول الكافي باب «ان القرآن يرفع كما انزل» و النوادر.
(2) الوسائل الباب 74 من القراءة. و قد صححنا الحديث على كتب الحديث ارجع إلى الوافي باب «اختلاف القراءات» و أصول الكافي باب «ان القرآن يرفع كما انزل» و النوادر.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 101‌
قال الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن محمد الجزري الشافعي المقرئ في كتاب النشر للقراءات العشر «1» على ما نقله بعض مشايخنا المعاصرين: كل قراءة وافقت العربية و لو بوجه و وافقت أحد المصاحف العثمانية و لو احتمالا و صح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها و لا يحل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن و وجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم العشرة أم غيرهم من الأئمة المقبولين، و متى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عن من هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف و الخلف صرح بذلك الامام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني و نص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب و كذلك الإمام أبو العباس احمد بن عمار المهدوي و حققه الامام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بابي شامة و هو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه، قال أبو شامة في كتابه (المرشد الوجيز): فلا ينبغي ان يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة و يطلق عليها لفظ الصحة و انها هكذا أنزلت إلا إذا دخلت في ذلك الضابط، و حينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف دون غيره و لا يختص ذلك بنقلها عنهم بل ان نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة و غيرهم منقسمة إلى المجمع عليه و الشاذ غير ان هؤلاء السبعة لشهرتهم و كثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم. انتهى و هو- كما ترى- صريح في ان المعيار في الصحة انما هو على ما ذكروه من الضابط لا على مجرد وروده عن السبعة فضلا عن العشرة و ان العمل على هذا الضابط المذكور‌
______________________________
(1) ج 1 ص 9. و اسم الكتاب في النسخة المطبوعة و في كشف الظنون ج 2 ص 1952 «النشر في القراءات العشر».



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 102‌
مذهب السلف و الخلف فكيف يتم ما ادعاه أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) من تواتر هذه السبع؟
و يؤيد ذلك ما نقله شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد اللّٰه بن صالح البحراني قال سمعت شيخي علامة الزمان و أعجوبة الدوران يقول ان جار اللّٰه الزمخشري ينكر تواتر السبع و يقول ان القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) انما هي في صفتها و انما هي واحدة و المصلي لا تبرأ ذمته من الصلاة إلا إذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كل الوجوه كمالك و ملك و صراط و سراط و غير ذلك. انتهى. و هو جيد وجيه بناء على ما ذكرنا من البيان و التوجيه و لو لا ما رخص لنا به الأئمة (عليهم السلام) من القراءة بما يقرأ الناس لتعين عندي العمل بما ذكره.
[الأخبار الدالة على التغيير في بعض الآيات]
ثم أقول: و مما يدفع ما ادعوه أيضا استفاضة الأخبار بالتغيير و التبديل في جملة من الآيات من كلمة بأخرى زيادة على الأخبار المتكاثرة بوقوع النقص في القرآن و الحذف منه كما هو مذهب جملة من مشايخنا المتقدمين و المتأخرين «1».
و من الأول ما ورد في قوله عز و جل «وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّٰهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ» «2»‌
ففي تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام) «3» «انه قرأ أبو بصير عنده هذه الآية فقال (عليه السلام) ليس هكذا أنزلها اللّٰه تعالى و انما نزلت و أنتم قليل» و في آخر «و ما كانوا اذلة و فيهم رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و انما نزل و لقد نصركم‌
______________________________
(1) ذكر آية اللّٰه الأستاذ الخوئي دام ظله في البيان ج 1 ص 139 ان المشهور بين علماء الشيعة و محققيهم بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف و انه ذهب إليه جماعة من المحدثين من الشيعة و جمع من علماء أهل السنة كما نسبه إليهم الرافعي في إعجاز القرآن ص 41. و قد أجاب عن الروايات التي تمسك بها القائلون به بنحو لا يبقى مجال للتشكيك و من أراد فليرجع إلى البيان ج 1 ص 175.
(2) سورة آل عمران الآية 119.
(3) تفسير الصافي في تفسير الآية.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 103‌
اللّٰه ببدر و أنتم ضعفاء».
و ما ورد في قوله عز و جل «لَقَدْ تٰابَ اللّٰهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهٰاجِرِينَ وَ الْأَنْصٰارِ» «1»‌
ففي الاحتجاج عن الصادق (عليه السلام) و المجمع عن الرضا (عليه السلام) «2» «لقد تاب اللّٰه بالنبي عن المهاجرين» و القمي عن الصادق (عليه السلام) «هكذا أنزلت».
و في الاحتجاج عنه (عليه السلام) «3» «و اي ذنب كان لرسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) حتى تاب منه؟ انما تاب اللّٰه به على أمته».
و ما ورد في قوله تعالى «وَ عَلَى الثَّلٰاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّٰى إِذٰا ضٰاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ. الآية» «4»‌
ففي المجمع عن السجاد و الباقر و الصادق (عليهم السلام) «5» «انهم قرأوا خالفوا».
و القمي عن العالم (عليه السلام) «6» و الكافي و العياشي عن الصادق (عليه السلام) مثله «7» قال: «و لو كانوا خلفوا لكانوا في حال طاعة».
و ما ورد في قوله عز و جل «لَهُ مُعَقِّبٰاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّٰهِ» «8» ففي تفسير القمي عن الصادق (عليه السلام) «9» «ان هذه الآية قرئت عنده فقال لقارئها أ لستم عربا فكيف تكون المعقبات من بين يديه؟ و انما المعقب من خلفه فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا؟ فقال إنما أنزلت (له معقبات من خلفه و رقيب من بين يديه يحفظونه بأمر اللّٰه) و من ذا الذي يقدر ان يحفظ الشي‌ء من أمر اللّٰه؟ و هم الملائكة المقربون الموكلون بالناس».
و مثله في تفسير العياشي «10».
و أنت خبير بان ظواهر هذه الآيات لا تنطبق على ما نطقت به هذه الروايات إلا بارتكاب التكلفات و التعسفات.
______________________________
(1) سورة التوبة، الآية 118.
(2) تفسير الصافي في تفسير الآية.
(3) تفسير الصافي في تفسير الآية.
(4) سورة التوبة، الآية 119.
(5) تفسير الصافي في تفسير الآية.
(6) تفسير الصافي في تفسير الآية.
(7) تفسير الصافي في تفسير الآية.
(8) سورة الرعد، الآية 12.
(9) تفسير الصافي في تفسير الآية.
(10) تفسير الصافي في تفسير الآية.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 104‌
و نحو ذلك ما ورد في قوله عز و جل «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» «1»‌
ففي الكافي عن الصادق (عليه السلام) «2» إنما أنزلت «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ».
و العياشي عن الباقر (عليه السلام) «3» انه كان يقرأها كذلك. و روته العامة أيضا عن جمع من الصحابة «4».
و ما رواه الشيخ في التهذيب عن غالب بن الهذيل «5» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول اللّٰه عز و جل «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ» «6» على الخفض هي أم على النصب؟ قال بل هي على الخفض».
مع ان قراءة النصب احدى القراءات السبع «7».
و مثله ما ورد في قوله تعالى «سلام على آل ياسين» «8» فإنها قراءة أهل البيت (عليهم السلام) و بها وردت اخبارهم «9» مع ان قراءة «آل ياسين» احدى القراءات السبع «10» الى غير ذلك من المواضع التي لا يسع المقام الإتيان عليها.
و اما اخبار القسم الثاني فهي أكثر و أعظم من ان يأتي عليها قلم البيان في هذا المكان، و اللازم اما العمل بما قالوه من ان كل ما قرأت به القراء السبعة و ورد عنهم في أعراب أو كلام أو نظام فهو الحق الذي نزل به جبرئيل (عليه السلام) من رب العالمين على سيد المرسلين، و فيه رد لهذه الأخبار على ما هي عليه من الصحة و الصراحة و الاشتهار و هذا مما لا يكاد يتجرأ عليه المؤمن باللّٰه سبحانه و رسوله (صلى اللّٰه عليه و آله) و الأئمة‌
______________________________
(1) سورة النساء، الآية 24.
(2) الوسائل الباب 1 من المتعة.
(3) تفسير الصافي في تفسير الآية.
(4) تفسير القرطبي ج 5 ص 139.
(5) الوسائل الباب 25 من الوضوء.
(6) سورة المائدة، الآية 6.
(7) و هي قراءة نافع و ابن عامر و الكسائي و عاصم كما في مجمع البيان ج 2 ص 163.
(8) سورة الصافات، الآية 130.
(9) تفسير الصافي في تفسير الآية.
(10) و هي قراءة ابن عامر و نافع كما في مجمع البيان ج 4 ص 456.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 105‌
الاطهار (عليهم السلام) و اما العمل بهذه الأخبار و بطلان ما قالوه و هو الحق الحقيق بالاتباع لذوي البصائر و الأفكار. و اللّٰه العالم.
(الثالث) [البسملة آية من كل سورة إلا براءة]
- لا خلاف بين الأصحاب في أن البسملة آية من الفاتحة و من كل سورة تجب قراءتها معها ما عدا سورة براءة، و عليه تدل الأخبار المتكاثرة:
فروى ثقة الإسلام في الكافي عن معاوية بن عمار «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) إذا قمت للصلاة اقرأ بسم اللّٰه الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال نعم.
قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم اللّٰه الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال نعم».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن السبع المثاني و القرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال نعم. قلت بسم اللّٰه الرحمن الرحيم من السبع؟ قال نعم هي أفضلهن».
و عن معاوية بن عمار في الصحيح «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم اللّٰه الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال نعم. قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم اللّٰه الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال نعم».
و ما رواه في الكافي عن يحيى بن أبي عمران الهمداني «4» قال: «كتبت إلى ابي جعفر (عليه السلام) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها فقال العياشي ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العياشي».
قوله «يعيدها» يعني الصلاة و حمله على البسملة بعيد و قوله «مرتين» يتعلق بقوله «كتب» لا بقوله «يعيدها» إذ لا معنى لإعادة الصلاة مرتين. و العياشي ان حمل على الرجل المشهور صاحب التفسير المشهور و هو محمد بن مسعود العياشي فينبغي تخصيصه بكون ذلك في أول أمره فإنه كان من فضلاء العامة ثم استبصر و رجع إلى مذهب الشيعة فالحمل عليه بالتقريب‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 11 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 11 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 11 من القراءة و الرواية يرويها الشيخ عن الكليني.
(4) الوسائل الباب 11 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 106‌
المذكور غير بعيد «1» و يحتمل غيره من المشهورين في ذلك الوقت.
و روى العياشي في تفسيره عن يونس بن عبد الرحمن عن من رفعه «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) «وَ لَقَدْ آتَيْنٰاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثٰانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» «3» قال هي سورة الحمد و هي سبع آيات منها بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، و انما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين».
و منه عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) «4» قال: «سرقوا أكرم آية في كتاب اللّٰه: بسم اللّٰه الرحمن الرحيم».
و منه عن صفوان الجمال «5» قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) ما انزل اللّٰه من السماء كتابا إلا و فاتحته بسم اللّٰه الرحمن الرحيم و انما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم اللّٰه الرحمن الرحيم ابتداء للأخرى».
و منه عن عيسى بن عبد اللّٰه عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) «6» قال:
«بلغه ان أناسا ينزعون بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ فقال هي آية من كتاب اللّٰه أنساهم إياها الشيطان».
و منه عن خالد بن المختار «7» قال: «سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام)
______________________________
(1) قال في ريحانة الأدب ج 3 ص 142 في ترجمة العياشي: لم نظفر بتاريخ وفاته إلا انه يظهر من طبقته انه من اعلام أواخر القرن الثالث بل يحتمل انه تجاوزه إلى القرن الرابع أيضا. و في الذريعة ج 4 ص 295 عده من طبقة ثقة الإسلام الكليني، و قد عنونه الشيخ الطوسي في كتاب الرجال في باب من لم يرو عنهم «ع» و بهذا يبعد الحمل عليه لبعد كونه في أول أمره معاصرا للجواد «ع» بحيث يكون مفتيا. و في الطبعة الحديثة من فروع الكافي ج 1 ص 313 «العباسي» بالباء الموحدة و السين المهملة، و في التعليقة «2» منه قال: هو هشام بن إبراهيم العباسي و كان يعارض الرضا و الجواد «ع».
(2) مستدرك الوسائل الباب 1 من القراءة.
(3) سورة الحجر، الآية 87.
(4) مستدرك الوسائل الباب 8 من القراءة.
(5) مستدرك الوسائل الباب 8 من القراءة.
(6) مستدرك الوسائل الباب 8 من القراءة.
(7) مستدرك الوسائل الباب 8 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 107‌
يقول ما لهم قاتلهم اللّٰه عمدوا إلى أعظم آية في كتاب اللّٰه فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها؟
و هي بسم اللّٰه الرحمن الرحيم».
و منه عن محمد بن مسلم «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن قول اللّٰه عز و جل «وَ لَقَدْ آتَيْنٰاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثٰانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» «2» فقال فاتحة الكتاب يثنى فيها القول. قال: و قال رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) ان اللّٰه تعالى من علي بفاتحة الكتاب من كنز الجنة، فيها «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» الآية التي يقول اللّٰه تعالى فيها «وَ إِذٰا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ نُفُوراً» «3» و «الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ» دعوى أهل الجنة حين شكروا للّٰه حسن الثواب «مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» قال جبرئيل ما قالها مسلم قط إلا صدقة اللّٰه و أهل سماواته «إِيّٰاكَ نَعْبُدُ» إخلاص للعبادة «وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ» أفضل ما طلب به العباد حوائجهم «اهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرٰاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» صراط الأنبياء و هم الذين أنعم اللّٰه عليهم «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» اليهود «وَ لَا الضّٰالِّينَ» النصارى».
الى غير ذلك من الأخبار الآتي ذكر جملة منها ان شاء اللّٰه تعالى.
و هذه الأخبار- كما ترى- ظاهرة في ان البسملة جزء من الفاتحة بل من كل سورة تجب قراءتها مع كل منها. و المشهور بين الأصحاب انها آية من كل سورة صرح به الشيخ في الخلاف و المبسوط و به قطع عامة المتأخرين. و نقل عن ابن الجنيد انها في الفاتحة بعضها و في غيرها افتتاح لها. و هو متروك و إثباتها في المصاحف مع كل سورة مع محافظتهم على تجرده مما ليس منه دليل على ضعف ما ذهب اليه.
ثم لا يخفى انه قد ورد جملة من الأخبار أيضا مما هو ظاهر المنافاة للأخبار المتقدمة و منها-
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم «4» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه‌
______________________________
(1) البحار ج 18 الصلاة ص 236.
(2) سورة الحجر، الآية 87.
(3) سورة بني إسرائيل، الآية 46.
(4) الوسائل الباب 12 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 108‌
السلام) عن الرجل يكون اماما فيستفتح بالحمد و لا يقرأ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» فقال لا يضره و لا بأس».
و هو محمول على التقية.
و منها-
ما رواه عن زكريا بن إدريس القمي «1» قال: «سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يصلي بقوم يكرهون ان يجهر ب‍ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» فقال لا يجهر».
و هو صريح في التقية و عليه يحمل الخبر الأول كما ذكرنا.
و منها-
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّٰه بن علي الحلبي و محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «2» «انهما سألاه عن من يقرأ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال نعم ان شاء سرا و ان شاء جهرا. فقالا أ فيقرأها مع السورة الأخرى؟ فقال لا».
و منها-
ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أ يقرأ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ»؟
قال نعم إذا افتتح الصلاة فليقلها في أول ما يفتتح ثم يكفيه ما بعد ذلك».
و عن مسمع في الحسن أو الموثق «4» قال: «صليت مع أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) فقرأ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ» ثم قرأ السورة التي بعد الحمد و لم يقرأ «بسم اللّٰه الرحمن الرحيم» ثم قام في الثانية فقرأ الحمد و لم يقرأ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» ثم قرأ بسورة أخرى».
و لعل الصحيحين الأولين هما مستند ابن الجنيد في ما تقدم نقله عنه، و الشيخ قد أجاب عنهما في التهذيب بالحمل على ما إذا كان في صلاة النافلة و قد قرأ من السورة الأخرى بعضها و يريد ان يقرأها فحينئذ لا يقرأ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» و الظاهر بعده.
و قال في المدارك: و الحق ان هذه الروايات انما تدل على عدم وجوب قراءة البسملة عند قراءة السورة، و ربما كان الوجه فيه عدم وجوب قراءة السورة كما هو‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 12 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 12 من القراءة.
(4) الوسائل الباب 12 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 109‌
أحد قولي الأصحاب.
أقول: و الظاهر عندي ان هذه الأخبار انما خرجت مخرج التقية كما صرح به في الاستبصار، و إلى ذلك تشير روايات العياشي المتقدمة و هي رواية أبي حمزة و رواية عيسى بن عبد اللّٰه و رواية خالد بن المختار. و اللّٰه العالم.
(الرابع) [وجوب تعلم الفاتحة في سعة الوقت و الائتمام أو القراءة من المصحف عند ضيقه]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بان من لا يحسن الفاتحة يجب عليه التعلم فان ضاق الوقت و أمكن الصلاة مأموما أو القراءة من مصحف ان أحسن ذلك وجب. و قيل بجواز القراءة من المصحف مطلقا و هو ظاهر الخلاف و المبسوط و به صرح الفاضلان معللين بان الواجب مطلق القراءة. و منع ذلك الشهيد و من تبعه للمتمكن من الحفظ.
و استدل على الأول‌
بما رواه الشيخ في الصحيح إلى الحسن بن زياد الصيقل «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) ما تقول في الرجل يصلي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ فقال لا بأس بذلك».
إلا انه‌
قد روى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الرجل و المرأة يضع المصحف امامه ينظر فيه و يقرأ و يصلى؟ قال لا يعتد بتلك الصلاة».
و اما ما أجاب به في الذخيرة عن هذا الخبر- من حمله على الكراهة حيث اختار القول الأول- ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم.
على انه يمكن الجمع بين الخبرين بحمل الأول على النافلة و الثاني على الفريضة، و إلى هذا التفصيل ذهب شيخنا الشهيد الثاني و جمع من الأصحاب في المسألة مع انه لم ينقلوا خبر علي بن جعفر المذكور و انما ذهبوا إلى ذلك بجعله وجه جمع بين التعليلات التي ذكروها من الطرفين و هي عليلة، و كان الاولى بكل من القائلين الاستناد إلى ما يوافقه‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 41 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 41 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 110‌
من الروايتين. و بالجملة فإن ما ذكرناه وجه حسن في الجمع بين الخبرين.
و يمكن حمل خبر الصيقل أيضا على حال الضرورة كمحل المسألة و هو ظاهر الذكرى حيث انه بعد ان اختار المنع محتجا بأن المأمور به القراءة على ظهر القلب إذ هو المتبادر إلى الأفهام ثم احتج بخبر عامي قدمه و هو‌
ما رواه عبد اللّٰه بن أبي أوفى «1» «ان رجلا سأل النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) فقال اني لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا اصنع؟ فقال له قل سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه».
فقال هنا في الاستدلال به: و لأن النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف، ثم قال: و روى الحسن الصيقل و ساق الحديث المذكور. و ظاهره حمله على الضرورة في الصورة المذكورة و إلا فالخبر باعتبار إطلاقه ظاهر المنافاة لما ذكره فيكون حجة عليه فالواجب الجواب عنه.
ثم انه مع تعذر الائتمام و القراءة من المصحف فالمستفاد من كلامهم (رضوان اللّٰه عليهم) انه اما ان يحسن بعض الفاتحة أو لا يحسن شيئا بالكلية، و على الأول فاما ان يكون ما يحسنه آية تامة أم أقل، و على الثاني فاما ان يحسن غيرها من القرآن أم لا فههنا صور:
(الاولى)- ان يحسن بعض الفاتحة و كان آية تامة‌
و الظاهر انه لا خلاف في قراءتها كما ذكره غير واحد منهم.
و هل يقتصر على الآية التي يأتي بها أو يجب التعويض عن باقي الفاتحة بتكرار تلك الآية أو بغيرها من القرآن أو الذكر مع تعذر الأولين؟ قولان، ظاهر الفاضلين في المعتبر و المنتهى الأول و اختاره في المدارك تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض.
و اختار العلامة في بعض كتبه على ما نقل عنه التعويض، و نسبه شيخنا الشهيد الثاني في‌
______________________________
(1)
في سنن ابى داود ج 1 ص 220 عن عبد اللّٰه بن أبي أوفى قال «جاء رجل إلى النبي «ص» فقال اني لا أستطيع ان آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه قال قل سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إله إلا اللّٰه و اللّٰه أكبر لا حول و لا قوة إلا باللّٰه. الحديث» ..



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 111‌
الروض إلى المشهور بين المتأخرين، و احتج بعموم «فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» «1» قال خرج منه ما اتفق على عدم وجوبه و أخرجه الدليل فيبقى الباقي و لا دليل على الاكتفاء ببعض الفاتحة. انتهى.
ثم انه على تقدير وجوب التعويض كما هو مقتضى هذا القول فلو علم غيرها من القرآن فهل يعوض عن الفائت بقراءة ما يعلمه من الفاتحة مكررا بحيث يساويها أم يأتي ببدله من سورة أخرى؟ قولان، و علل الأول بأنه أقرب إليها من غيرها، و الثاني بأن الشي‌ء الواحد لا يكون أصلا و بدلا. و التعليلان كما ترى.
(الثانية)- ان يحسن بعض آية‌
و في وجوب قراءتها عليه هنا أقوال: الأول الوجوب‌
لما روى عن النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) «2» «فان كان معك قرآن فاقرأ به».
الثاني- عدمه استنادا إلى ان النبي أمر الأعرابي ان يحمد اللّٰه و يكبره و يهلله، و قوله «الحمد للّٰه» بعض آية و لم يأمره بتكرارها. و استحسن هذا القول في المعتبر.
الثالث- وجوب قراءتها ان كانت قرآنا و هو المشهور بين المتأخرين.
(الثالثة)- ان لا يحسن شيئا من الفاتحة و يحسن غيرها‌
من القرآن، و المشهور انه يجب عليه ان يقرأ بدلها من غيرها، و قيل انه يتخير بينه و بين الذكر و هو اختيار المحقق في الشرائع.
و يمكن الاستدلال على الثاني‌
بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «ان اللّٰه فرض من الصلاة الركوع و السجود ألا ترى لو ان رجلا دخل في الإسلام ثم لا يحسن ان يقرأ القرآن أجزأه ان يكبر و يسبح و يصلي».
______________________________
(1) سورة المزمل، الآية 19.
(2)
في المنتقى لابن تيمية على هامش نيل الأوطار ج 2 ص 188 عن رفاعة بن رافع «علم رسول اللّٰه «ص» رجلا الصلاة فقال ان كان معك قرآن فاقرأ و إلا فاحمد اللّٰه و كبره و هلله ثم اركع» ..
(3) الوسائل الباب 3 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 112‌
ثم انه هل يجب مساواة ما يأتي به من غيرها لها في المقدار أم لا؟ ظاهر الشيخ في المبسوط و المحقق في المعتبر الثاني و ظاهر المشهور بين المتأخرين الأول. و على هذا القول فهل تجب المساواة في الحروف أو الآيات أو فيهما؟ أقوال.
(الرابعة)- ان لا يحسن شيئا من القرآن‌
و المشهور انه يسبح اللّٰه تعالى و يهلله و يكبره، و ذكر الشيخ في الخلاف الذكر و التكبير و ذكر بعضهم التحميد و التسبيح و التهليل و التكبير، و الموجود في الرواية المتقدمة التي هي مستند هذا الحكم التكبير و التسبيح قال في الذكرى: و لو قيل بتعين ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح كان وجها لانه قد ثبت بدليته عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين عنهما. انتهى. و جعله في المدارك أحوط.
و فيه منع ظاهر (أما أولا) فلان الرواية التي هي مستند هذا الحكم قد اشتملت على بيان الوظيفة القائمة مقام الحمد فالعدول عنها بمجرد هذه التخريجات لا يخرج عن الاجتهاد في مقابلة النص.
و (اما ثانيا) فان ما بنى عليه من بدلية التسبيح عن الحمد في الأخيرتين- بمعنى ان الأصل في الأخيرتين انما هو القراءة و التسبيح انما جعل عوضا عنها- و ان اشتهر بينهم إلا انه ممنوع أشد المنع لما سيظهر لك ان شاء اللّٰه تعالى في المسألة المذكورة من ان الأمر انما هو بالعكس كما استفاضت به اخبار أهل الذكر (عليهم السلام).
ثم انه هل يجب مساواة ما يأتي به من الذكر للفاتحة أم لا؟ المشهور بين المتأخرين الأول و نفاه المحقق في المعتبر، قال: و قولنا «بقدر القراءة» نريد به الاستحباب لأن القراءة إذا سقطت لعدم القدرة سقطت توابعها و صار ما تيسر من الذكر و التسبيح كافيا. انتهى.
و لو لم يحسن الذكر قال في النهاية يقوم بقدر القراءة ثم يركع إذ لا يلزم من سقوط الواجب سقوط غيره. انتهى.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 113‌
إذا عرفت ذلك فاعلم ان أكثر ما نقلناه من الأقوال خال من النصوص و لذا اقتصرنا في ذلك على مجرد النقل، و الاحتياط في أمثال هذه المواضع مما لا ينبغي تركه بل الظاهر انه الحكم الشرعي كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.
فرع‌
متى قلنا بوجوب القراءة من المصحف فلو توقف تحصيل المصحف على شراء أو استئجار أو استعارة وجب ذلك تحصيلا للواجب بقدر الإمكان، و كذا لو احتاج إلى مصباح للظلمة المانعة من القراءة.
(الخامس) [عدم جواز القراءة بغير العربية و حكم العاجز عنها]
- اتفق الأصحاب على انه لا يجوز القراءة بغير العربية فلا تجزئ الترجمة لأن الترجمة مغايرة للمترجم، و لقوله عز و جل «إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا» «1» و وافقنا على ذلك أكثر العامة.
و قال أبو حنيفة تجزئ الترجمة لقوله سبحانه «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ» «2» و انما ينذر كل قوم بلسانهم «3».
و فيه (أولا) ان أخبارنا دالة على ان المراد بمن بلغ الأئمة (عليهم السلام) فهو عطف على الفاعل في قوله «لِأُنْذِرَكُمْ».
و (ثانيا) انه مع تسليم عطفه على المفعول فان الإنذار بالقرآن لا يستلزم نقل اللفظ بعينه إذ مع إيضاح المعنى بالترجمة يصدق انه انذرهم بخلاف موضع البحث المطلوب فيه صورة المنزل.
و لو عجز عن العربية في القراءة و لم يمكنه إلا الترجمة انتقل إلى الذكر بالعربية، فإن عجز أيضا قالوا وجبت الترجمة، و في تقديم اي الترجمتين قولان، رجح بعض ترجمة القرآن لأنها أقرب إليه من ترجمة الذكر، و وجه القول الآخر فوات الغرض من القرآن‌
______________________________
(1) سورة يوسف، الآية 2.
(2) سورة الأنعام، الآية 19.
(3) المغني ج 1 ص 486 و بدائع الصنائع ج 1 ص 112.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 114‌
و هو نظمه المعجز بخلاف الذكر.
و اتفقوا أيضا على وجوب الترتيب في كلماتها و آيها على الوجه المنقول. و لا ريب فيه لتعلق الأوامر بالقرآن على الكيفية التي نزلت و اتى بها صاحب الشريعة، فلو خالف عامدا أعاد الصلاة على ما قطع به الأصحاب.
قال في المدارك: و هو جيد ان لم يتداركها قبل الركوع لا مطلقا لان المقرو على خلاف الترتيب و ان لم يصدق عليه اسم السورة لكن لا يخرج بذلك عن كونه قرآنا. انتهى. و هو جيد. و لو كان ناسيا قالوا يستأنف القراءة ما لم يركع و هو على إطلاقه محل بحث فإنه انما يتم إذا لم يمكن البناء على السابق لفوات الموالاة و إلا بنى عليه و أتم القراءة كما لو قرأ آخر الحمد ثم قرأ أولها.
(السادس) [وجوب إخراج الحروف من مخارجها]
- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان من واجبات القراءة إخراج الحروف من مخارجها المقررة، و الظاهر ان الوجه فيه هو انه لما كان القرآن عربيا نزل بلغة العرب فكل ما اقتضته اللغة العربية و بنيت عليه من إخراج الحروف من مخارجها و التشديد في موضعه المقرر و الإدغام و المد على الوجوه المذكورة في محلها و الاعراب و نحو ذلك مما بنيت عليه اللغة المذكورة و كان من أصولها المقررة فإنه مما يجب الإتيان به، لأن الواجب القراءة باللغة العربية فكل ما كان من أصولها التي لا تحقق لها إلا به فإنه يجب و ما ليس كذلك مثل الجهر و الهمس و الاستعلاء و الإطباق و الترتيل و الوقف و التفخيم و الترقيق و نحوها فإنه لا يجب بل هو من المحسنات.
قال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان في شرح قول المصنف: «و يجب إخراج الحروف من مواضعها» ما صورته: و يستفاد من تخصيص الوجوب بمراعاة المخارج و الاعراب في ما تقدم عدم وجوب مراعاة الصفات المقررة في العربية من الجهر و الهمس و الاستعلاء و الإطباق و نظائرها، و هو كذلك بل مراعاة ذلك مستحبة. انتهى.
و نقله عنه المحقق الأردبيلي و استحسنه، ثم قال المحقق المشار إليه في موضع‌



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 115‌
آخر- في تعليل عدم إجزاء قراءة القرآن في الصلاة بالترجمة- ما صورته: يشعر بعدم إجزاء ترجمة القرآن مطلقا و معلوم من وجوب القراءة بالعربية المنقولة تواترا عدم الاجزاء و عدم جواز الإخلال بها حرفا و حركة بنائية و إعرابية و تشديدا و مدا واجبا و كذا تبديل الحروف و عدم إخراجها من مخارجها لعدم صدق القرآن فتبطل الصلاة. الى آخر كلامه زيد في مقامه.
و على هذا النهج كلام غيرهما و مرجعه إلى الفرق بين ما كان من أصول القراءة التي بنيت عليها اللغة العربية و غيره و انه مع الإخلال بشي‌ء من أصول القراءة تبطل الصلاة لعدم صدق الإتيان بالقرآن كما ذكره المحقق المذكور في آخر كلامه. و يزيد ذلك إيضاحا ان مع عدم إخراج الحروف من مخارجها المقررة ربما اختلف المعنى باختلاف المخرجين كما في «الضّٰالِّينَ» بالضاد و الظاء فإنه على الأول من الضلال و على الثاني من باب «ظل يفعل كذا» إذا فعله نهارا.
(المسألة الثانية) [هل تجب السورة في الفريضة؟]
- اتفق الأصحاب من غير خلاف يعرف على انه يجوز الاقتصار على الحمد بغير سورة في النوافل و في الفرائض في حال الاضطرار كالخوف و ضيق الوقت بحيث ان قرأ السورة خرج الوقت و كذا مع عدم إمكان التعلم.
و انما الخلاف في وجوب السورة مع السعة و الاختيار و إمكان التعلم فالمشهور الوجوب و به صرح الشيخ في كتابي الأخبار و الخلاف و الجمل و هو اختيار السيد المرتضى و ابن أبي عقيل و أبي الصلاح و ابن البراج و ابن إدريس و غيرهم و عليه أكثر المتأخرين.
و ذهب الشيخ في النهاية إلى الاستحباب و هو اختيار ابن الجنيد و سلار و مال إليه في المعتبر و المنتهى و عليه جمع من متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة و غيرهما.
و الواجب أولا نقل الأخبار المتعلقة بالمقام و تذييلها بما يفهم من مضامينها من الأحكام ليتضح به الحال و ما هو الاولى بالاختيار في هذا المجال:



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 116‌
فأقول و باللّٰه سبحانه التوفيق لبلوغ المأمول: من الأخبار المذكورة التي استدل بها على الاستحباب‌
ما رواه الشيخ عن علي بن رئاب في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال: «سمعته يقول ان فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة».
و في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «2» قال: «ان فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة».
أقول: و هاتان الروايتان من أقوى أدلة القول بالاستحباب و عليهما اعتمد في المدارك لصحتهما و صراحتهما بزعمه، قال و التعريف في الفريضة ليس للعهد لعدم تقدم معهود و لا للحقيقة لاستحالة إرادته و لا للعهد الذهني لانتفاء فائدته فيكون للاستغراق. انتهى و الشيخ قد حمل هذين الخبرين في التهذيبين على حال الضرورة دون الاختيار و هو أقرب قريب في المقام‌
لما رواه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «3» قال: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا».
و بمضمونها أخبار أخر، و قضية إطلاق الخبرين الأولين و تقييد هذه الأخبار حمل الخبرين الأولين على هذه الأخبار كما هو القاعدة.
و بما ذكرنا هنا صرح العلامة في المنتهى حيث نقل عن الشيخ الاحتجاج على الاستحباب بصحيحة الحلبي المذكورة في كلام السيد السند و أجاب عنها بالحمل على حال الضرورة و الاستعجال و أورد الأخبار الدالة على جواز الاقتصار على الحمد في الحالين المذكورين.
و مع الإغماض عن ذلك فاحتمال التقية فيهما مما لا ريب فيه و لا مرية تعتريه، و من ذلك يظهر لك ضعف الاستدلال بالخبرين المذكورين لقيام ما ذكرنا من الاحتمالين في البين و منها-
صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «4»‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 2 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 2 من القراءة.
(4) الوسائل الباب 4 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 117‌
قال: «سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزئه في الثانية ان لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟ قال يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة».
و صحيحة زرارة «1» قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحول عنها إلى غيرها؟ قال كل ذلك لا بأس به و ان قرأ آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع».
و صحيحة إسماعيل بن الفضل «2» قال: «صلى بنا أبو عبد اللّٰه أو أبو جعفر (عليه السلام) فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة فلما سلم التفت إلينا فقال اما إني أردت أن أعلمكم».
و نحو ذلك‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أ يقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟
قال لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات».
و هي و ان احتملت الحمل على تكرار السورة في الركعتين إلا ان التقييد بأكثر من ثلاث آيات لا يظهر له معنى إلا حمل الخبر على قسمة السورة في الركعتين.
و أصرح منه‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابان بن عثمان عن من أخبره عن أحدهما (عليهما السلام) «4» قال: «سألته هل تقسم السورة في ركعتين؟ فقال نعم اقسمها كيف شئت».
و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «5» «انه سئل عن السورة أ يصلي الرجل بها في ركعتين من الفريضة؟ قال نعم إذا كانت ست آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الاولى و النصف الآخر في الركعة الثانية».
و هذه الرواية نقلها المحقق في المعتبر «6» عن حريز بن عبد اللّٰه عن أبي بصير‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 5 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 6 من القراءة.
(4) الوسائل الباب 4 من القراءة.
(5) الوسائل الباب 5 من القراءة.
(6) ص 174.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 118‌
و الظاهر انه نقلها من كتاب حريز.
و صحيحة علي بن يقطين «1» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن تبعيض السورة فقال اكره ذلك و لا بأس به في النافلة».
و قد تقدم في ما يدخل في سلك هذه الأخبار صحيحة محمد بن مسلم و صحيحة الحلبيين و حسنة مسمع أو موثقته السابقات في الحكم الثالث من المسألة المتقدمة.
أقول: و هذه الأخبار و ان دلت بحسب ما يتراءى منها على ما ذكروه إلا ان باب الاحتمال فيها مفتوح، فإن إطلاق جملة منها قابل للحمل على النافلة و ما هو صريح في الفريضة أو ظاهر فيها فحمله على التقية أقرب قريب و كذلك باقي الأخبار. و بالجملة فإن اتفاق العامة على استحباب السورة و جواز تبعيضها «2» مما أوهن الاستناد إليها و أضعف الاعتماد عليها إلا ان أصحابنا (سامحهم اللّٰه تعالى بغفرانه) لما اطرحوا هذه القواعد المنصوصة عن أئمتهم (عليهم السلام) و نبذوها وراء ظهورهم- كما قدمنا بيانه في غير مقام مما تقدم- اتسع لهم المجال في مثل هذه الأقوال، و اللّٰه العالم بحقيقة الحال.
و على هذا فالمراد بقوله (عليه السلام) في صحيحة إسماعيل بن الفضل «إنما أردت أن أعلمكم» يعني جواز التبعيض للتقية، و قوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن يقطين «اكره ذلك» انما هو بمعنى التحريم لا المعنى المصطلح فإنه اصطلاح عرفي طارئ و ورود الكراهة بمعنى التحريم في الأخبار أكثر كثير كما اعترف به جملة من الأصحاب و قد تقدم بيانه في غير مقام. هذا ما يتعلق بالكلام على الأخبار الدالة على الاستحباب و اما الأدلة التي استدلوا بها على الوجوب فمنها الآية أعني قوله عز و جل «فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» «3» فإن الأمر حقيقة في الوجوب.
و منها-
صحيحة منصور بن حازم «4» قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام)
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من القراءة.
(2) المغني ج 1 ص 491 و ص 493.
(3) سورة المزمل، الآية 20.
(4) الوسائل الباب 4 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 119‌
لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر».
و أجاب في المدارك عن الآية بأنه لا دلالة لها على المدعى بوجه لأن موردها التهجد ليلا كما يدل عليه السياق، و لأن الظاهر ان «ما» ليست اسما موصولا بل نكرة تامة فلا تفيد العموم بل يكون حاصل المعنى اقرأوا مقدار ما أردتم و أحببتم. و اما الرواية فلا تخلو من ضعف في السند و الدلالة لأن في طريقها محمد بن عبد الحميد و هو غير موثق مع ان النهي فيها وقع عن قراءة الأقل من سورة و الأكثر و هو في الأكثر محمول على الكراهة كما سنبينه فيكون في الأقل كذلك حذرا من استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه. انتهى أقول: ما ذكره في معنى الآية و ان أمكن المناقشة فيه بما يطول به الكلام إلا ان الظاهر ان الآية لا تصلح هنا للاستدلال لما هي عليه من التشابه و قيام الاحتمال.
و اما ما ذكره في الجواب عن صحيحة منصور من الطعن في السند و الدلالة فهو مردود، اما الطعن من جهة السند ففيه ان منعه من توثيق محمد بن عبد الحميد ممنوع، و الظاهر انه اعتمد في ذلك على عبارة العلامة في الخلاصة و ما كتبه جده (قدس اللّٰه أرواحهم) في حواشيها، حيث قال العلامة في الخلاصة: محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) و كان ثقة من أصحابنا الكوفيين. انتهى. فكتب شيخنا الشهيد الثاني في الحاشية: هذه عبارة النجاشي و ظاهرها ان الموثق الأب لا الابن. انتهى.
و أنت خبير بان ما ذكره في المدارك و ان احتمل بالنسبة إلى عبارة العلامة في الخلاصة إلا انه لا يتم في عبارة النجاشي التي أخذ منها العلامة هذه العبارة فإن هذه العبارة بعينها في كتاب النجاشي و بعدها بلا فصل: له كتاب النوادر. الى آخره. و حينئذ فمرجع ضمير «له» هو مرجع ضمير «كان» كما لا يخفى على العارف بأسلوب الكلام من الأعيان، و لا معنى لرجوع الضمير الأول إلى الأب و الثاني إلى الابن للزوم التفكيك في الضمائر و هو معيب في كلام الفصحاء بل من قبيل التعمية و الألغاز. و يؤيده أيضا ان محمد صاحب‌



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 120‌
الترجمة فجميع ما يذكر فيها يرجع اليه إلا مع قرينة خلافه، و لهذا عد العلامة في الخلاصة طريق الصدوق إلى منصور بن حازم في الصحيح مع ان محمد المشار إليه في الطريق، و جزم بتوثيقه جملة من علمائنا الأعلام منهم الميرزا محمد صاحب كتاب الرجال و شيخنا المجلسي في الوجيزة و شيخنا أبو الحسن في البلغة و غيرهم.
و من مواضع الاشتباه في مثل ذلك ما ذكره النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن النعمان حيث قال الحسن بن علي بن النعمان مولى بني هاشم أبوه علي بن النعمان ثقة ثبت له كتاب نوادر صحيح الحديث كثير الفوائد. إلخ. و السيد السند صاحب المدارك كتب في حواشيه على الخلاصة على هذا الموضع حيث نقل العلامة فيها هذه العبارة ما صورته: استفاد منه بعض مشايخنا توثيقه و عندي في ذلك توقف و المصنف (قدس سره) جعل حديثه في الصحيح في المنتهى في بحث التخيير في المواضع الأربعة و كأنه ظهر له توثيقه و لا يبعد استفادته من هذه العبارة. انتهى.
أقول: و الذي وقفت عليه في كلام أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) من علماء الرجال و غيرهم هو توثيق الحسن بن علي بن النعمان المذكور و لم يتوقف أحد منهم في ذلك، و هو بناء منهم على انه إذا كانت الترجمة لرجل فجميع ما يذكر فيها انما يعود اليه كما هو في كتب الرجال المعول عليها إلا مع قرينة خلافه كما أشرنا آنفا اليه، و حينئذ فما توهمه (قدس سره) في هذا المقام ظاهر السقوط عند علمائنا الاعلام.
و اما الطعن في الرواية من حيث الدلالة بأن النهي عن الأكثر محمول على الكراهة ففيه ان ما وجه به الكراهة- و هو الذي أشار إليه بقوله «سنبينه» من قيام الدليل عنده على جواز القران في الفريضة فتحمل هذه الرواية و نحوها مما دل على النهي عن القران على الكراهة جمعا- مدفوع بما سيجي‌ء تحقيقه ان شاء اللّٰه تعالى في المسألة من ان المستفاد من الأخبار هو التحريم. نعم يمكن توجيه ذلك بغير ما وجهه (قدس سره) و هو ان ظاهر الأخبار الكثيرة الدالة- كما قلنا- على تحريم القران هو انه عبارة عن الجمع‌



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 121‌
بين سورتين بعد الحمد لا مجرد الزيادة على سورة. و لو ادعى أيضا شمول القران لذلك بمجرد هذه الرواية كما ذهب اليه البعض فيمكن توجيه الكراهة حينئذ باستفاضة الروايات و اتفاق الأصحاب على جواز العدول عن سورة إلى أخرى في الجملة و ان اختلفوا في تحديده فإنه يدل على جواز قراءة ما زاد على سورة فيجب حمل النهي هنا عما زاد على الكراهة البتة و بذلك يضعف الاعتماد في الوجوب عليها.
و منها-
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال:
«من غلط في سورة فليقرأ قل هو اللّٰه أحد. ثم ليركع».
حتى انه يفهم من بعضهم وجوب قراءة «قل هو اللّٰه أحد» في هذه الصورة.
و فيه ان هذه الرواية معارضة‌
بصحيحة زرارة «2» قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحول منها إلى غيرها؟ فقال كل ذلك لا بأس به و ان قرأ آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع».
و الاحتمال المخرج عن الاستدلال قائم من الطرفين و جار في الروايتين.
و منها-
صحيحة محمد بن إسماعيل «3» قال: «سألته قلت أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الاعراب أ نصلي المكتوبة على الأرض فنقرأ أم الكتاب وحدها أم نصلي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟ فقال إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة و غيرها و إذا قرأت الحمد و سورة أحب الي و لا أرى بالذي فعلت بأسا».
و هذه الرواية مما استدل به المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل على الوجوب حيث انه اختار فيه ذلك و هي بالدلالة على العدم أشبه، قال (قدس سره) بعد نقلها: أقول لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام و غيره. انتهى.
______________________________
(1) الوسائل الباب 43 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 4 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 4 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 122‌
و فيه ان معنى الرواية انما هو ان السائل لما سأل انه إذا تعارضت الصلاة على الأرض مع ترك السورة للخوف مع الصلاة في المحمل و قراءة السورة فأيهما يختار؟ أجاب (عليه السلام) بأنك إذا خفت فالصلاة في المحمل اولى. و ليس في ذلك دلالة على انه من حيث المحافظة على السورة و إن كان ذلك هو مراد السائل و مفهوم السؤال إلا انهم (عليهم السلام) قد يجيبون بما هو أعم من السؤال بل قد يجيبون بقواعد كلية للمسؤول عنه و غيره و من الظاهر بل الأظهر ان أولوية الصلاة في المحمل انما هو من حيث الإقبال على العبادة و فراغ البال الذي هو روحها. و يؤيد الاستحباب هنا قوله: «و إذا قرأت الحمد و سورة- يعني في صلاتك في المحمل- فهو أحب الي» فان مرمى هذه العبارة انما هو الاستحباب.
و منها- جملة من الأخبار قد تضمنت نفى البأس عن الاقتصار على الفاتحة لمن أعجلت به حاجة، و هو يدل بمفهومه على ثبوت البأس لمن ليس كذلك.
و فيه (أولا) ان ثبوت البأس أعم من التحريم. و (ثانيا) ان ما دل على الاستحباب- كما تقدم- صريح الدلالة على ذلك بمنطوقه و المفهوم لا يعارض المنطوق.
و ربما يستدل على الوجوب بالأخبار الدالة على النهي عن القران في الفريضة بأن يقال النهي حقيقة في التحريم و لا وجه لتحريم ذلك إلا من حيث انه يلزم زيادة واجب في الصلاة عمدا و هو مبطل لها.
و فيه (أولا)- ان ذلك مبني على تحريم القران فلا يقوم هذا الدليل حجة على من يحكم بالكراهة.
و (ثانيا)- ان العبادة واجبة كانت أو مستحبة توقيفية من الشارع فمن الجائز كون السورة مستحبة و النهي عن الإتيان بها ثانية لكونه خلاف الموظف شرعا، و كما ان التشريع يحصل بزيادة الواجب باعتقاد انه واجب و مشروع كذلك يحصل باعتقاد زيادة المستحب باعتقاد توظيفه و استحبابه في ذلك المكان أو زمان من الأزمان، و اما‌



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 123‌
من حيث كونه قرانا فلا تبطل به سواء قلنا بوجوب السورة أو استحبابها.
نعم ربما يمكن الاستدلال على ذلك بالأخبار الدالة على تحريم العدول من سورة التوحيد و الجحد إلى ما عدا سورتي الجمعة و المنافقين و اتفاق جمهور الأصحاب على ذلك.
و من تلك الأخبار‌
صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال:
«إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللّٰه أحد و أنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها و لا ترجع إلا ان تكون في يوم الجمعة. الحديث».
و صحيحة ابن أبي نصر «2» قال: «يرجع من كل سورة إلا من قل هو اللّٰه أحد و قل يا ايها الكافرون».
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ان شاء اللّٰه تعالى في موضعها وجه الاستدلال بها انه لو لا وجوب السورة هنا لما حرم العدول عنها و ليس وجوبها ناشئا عن مجرد الشروع فيها، إذ لا شي‌ء من المستحب يجب بالشروع فيه إلا ما خرج بدليل خاص كالحج، و متى حرم العدول عنها وجب إتمامها، و متى ثبت الوجوب في هاتين السورتين ثبت في غيرهما إذ لا قائل بالفصل، و جواز العدول في غيرهما مع الإتيان بسورة كاملة بعد ذلك لا ينافي أصل الوجوب بل يؤكده. و هذا أقوى ما يمكن ان يستدل به على الوجوب و ان كان بعض مقدماته لا يخلو من المناقشة.
و بما قررناه و أوضحناه يظهر لك ان المسألة محل توقف و اشكال و ان الاحتياط فيها لازم على كل حال، فان ما استدل به على الوجوب كما عرفت لا ينهض بالدلالة الواضحة التي يمكن بناء حكم شرعي عليها، و ما استدل به على الاستحباب و ان كان واضح الدلالة إلا ان اتفاق العامة على القول بمضمونها يضعف الاعتماد عليها و الرجوع إليها لما استفاض في الأخبار من الأمر بمخالفتهم و لو في غير مقام اختلاف الأخبار. و اللّٰه العالم‌
فروع‌
(الأول)- يجب الترتيب بين الحمد و السورة‌
بتقديم الحمد أولا ثم السورة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 69 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 35 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 124‌
فلو أخل أعاد السورة بعدها أو غيرها.
و قد وقع الخلاف هنا في موضعين‌
(أحدهما) انه لو قدم السورة عامدا‌
فهل تبطل الصلاة أم يجب استئناف السورة أو غيرها و تصح صلاته؟ قولان، صرح جماعة من الأصحاب بالأول: منهم- الشهيد في كتبه الثلاثة و الشهيد الثاني في المسالك و العلامة في المنتهى و القواعد و هو ظاهر المحقق الشيخ علي في الشرح حيث علل ذلك بثبوت النهي في المأتي به جزء من الصلاة المقتضي للفساد، و بالجملة فالظاهر انه المشهور. و ظاهر إطلاق عبارة المحقق في الشرائع الثاني و اختاره في المدارك و لم أقف على مصرح به سواه حيث قال- بعد قول المصنف: و لو قدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها- ما لفظه:
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد و الناسي و هو كذلك، و جزم الشارح (قدس سره) ببطلان الصلاة مع العمد و هو غير واضح. أقول: و تخصيصه المخالفة بالشارح فيه نوع إشعار بأن الأكثر على خلافه مع ان الأمر ليس كذلك فان ما ذكره جده هو الذي صرح به جملة من وقفت على كلامه في المسألة و لم أقف على من صرح بخلافه سواه في كتابه المذكور.
بقي الكلام في الدليل على البطلان و قد عرفت ما ذكره المحقق الشيخ على من الدليل على ذلك، و علله العلامة في المنتهى بان المنقول عن النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) و أفعال الأئمة (عليهم السلام) الترتيب و هذه الأمور انما ثبتت توقيفا. انتهى.
و كل من التعليلين لا يخلو من النظر الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر (اما الأول) فلان النهي هنا غير موجود إذ لا نص في المسألة إلا ان يبنى على المسألة الأصولية و هو ان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص و هو مأمور هنا بقراءة السورة بعد الحمد. و القول بمقتضى هذه القاعدة عندنا غير ثابت إذ لا دليل عليه كما تقدم تحقيقه.
و (اما الثاني) فمرجعه إلى انه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة‌



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 125‌
التكليف، و فيه ان ذلك لا يستلزم بطلان الصلاة لإمكان تداركه ما لم يركع فيجب عليه قراءة تلك السورة أو سورة أخرى بعد الحمد و تصح صلاته. و لو قيل- بأنه مع اعتقاده الترتيب على الوجه الذي اتى به يكون مشرعا فتبطل صلاته مع تعمده للنهي عن ذلك القصد- فالجواب انه متى تدارك ذلك قبل الركوع كما ذكرنا فقد حصل امتثال الأمر بالترتيب و النهي انما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة و هو القصد فلا يكون موجبا لبطلانها.
و ربما قيل هنا بالتفصيل بين ما إذا كان عازما على إعادتها فتصح الصلاة أو لا فتبطل، و وجهه غير ظاهر.
الثاني- انه لو قدم السورة ساهيا‌
فظاهرهم الاتفاق على عدم إعادة الصلاة و انه يجب إعادة السورة أو غيرها بعد الحمد و انما الخلاف في انه هل يجب اعادة الحمد أيضا أم لا؟ قولان، قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بعد قول المصنف:
«و نسيانا يستأنف القراءة» ما لفظه: ظاهر هذه العبارة و غيرها كعبارته في التذكرة و النهاية استئناف القراءة من أولها فيعيد الحمد و السورة معا. و هو بعيد لأن الحمد إذا وقعت بعد السورة كانت قراءتها صحيحة فلا مقتضى لوجوب إعادتها بل يبنى عليها و يعيد السورة خاصة. انتهى. و هو جيد. و ظاهر عبارة المدارك في هذا المقام ان هذا الخلاف في صورة تقديم السورة عامدا، و الظاهر انه غفلة منه (قدس سره) فان الموجود في كلامهم كما سمعت من كلام المحقق المذكور ان هذا الخلاف انما هو في صورة التقديم ناسيا و اما في صورة التقديم عامدا فهو كما قدمنا بيانه. ثم انه قد صرح غير واحد منهم بان الجاهل هنا كالعامد. هذا كله على تقدير وجوب السورة كما لا يخفى.
(الثاني) [عدم جواز قراءة ما يفوت بقراءته الوقت]
- قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز ان يقرأ من السور ما يفوت بقراءته الوقت بأن يقرأ سورة طويلة مع علمه بان الوقت لا يسع لها، قالوا فإنه إذا كان عامدا تبطل صلاته لثبوت النهي عن فواتها المقتضى للفساد إذا خرج شي‌ء من الصلاة و ان قل عن وقتها، و ان‌



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 126‌
كان ناسيا بان قرأ سورة طويلة بظن طول الوقت ثم تبين الضيق وجب العدول إلى غيرها و ان تجاوز النصف محافظة على فعل الصلاة في وقتها.
و لا يخفى ان الحكم المذكور مبني على القول بوجوب السورة و تحريم ما زاد عليها و إلا فلا يتجه المنع، اما على القول بالاستحباب فظاهر لجواز قطعها اختيارا و اما على القول بالوجوب مع تجويز الزيادة فلأنه يعدل إلى سورة قصيرة و ما اتى به من القراءة غير مضر. و لم أقف في أصل المسألة على نص مضافا إلى ما عرفت من الإشكال في وجوب السورة و عدمه.
(الثالث) [وجوب تعلم السورة لو لم يحسنها]
- يعتبر في السورة على تقدير القول بالوجوب ما قدمنا ذكره في الفاتحة من وجوب التعلم لو لم يحسن سورة، فلو تعلم بعضها و ضاق الوقت فقد صرحوا بأنه يأتي بما تعلمه.
و اما وجوب التعويض بالتكرار و غيره انما هو في ما لو جهل الفاتحة فإنها الأصل في القراءة فلا يجوز خلو الصلاة منها أو بدلها اما لو علمها بتمامها و انما جهل السورة فإنه يقرأ ما تيسر منها من غير تعويض عن الفائت بقرآن أو ذكر لسقوط اعتبارها مع الضرورة كما عرفت، و الجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها ان لم يكن اولى، و لأن التعويض على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق.
و منه يعلم انه لو جهلها رأسا سقط اعتبارها مع ضيق الوقت و أجزأت الفاتحة.
و في المنتهى ان الحكم إجماعي فلا مساغ للتوقف فيه.
و كذا الكلام في الوجوب عن ظهر القلب و جواز ذلك من المصحف اختيارا أو اضطرارا على الخلاف الذي تقدم ذكره في الفاتحة. و كذا وجوب القراءة بالعربية فلا تجزئ الترجمة على ما تقدم ذكره و الاعراب أيضا حسبما تقدم.
(الرابع) [قراءة الأخرس]
- قال في الذكرى: قراءة الأخرس تحريك لسانه بها مهما أمكن‌



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 127‌
و عقد قلبه بمعناها لأن‌
الميسور لا يسقط بالمعسور «1».
و روى في الكافي عن السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «2» قال: «تلبية الأخرس و تشهده و قراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه».
و هذا يدل على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة كما مر في التكبير. و لو تعذر إفهامه جميع معانيها افهم البعض و حرك لسانه به و أمر بتحريك اللسان بقدر الباقي تقريبا و ان لم يفهم معناه مفصلا. و هذه لم أر فيها نصا. و التمتام و الفأفاء و الألثغ و الأليغ يجب عليهم السعي في إصلاح اللسان و لا يجوز لهم الصلاة مع سعة الوقت مهما أمكن التعلم فان تعذر ذلك صحت القراءة بما يقدرون عليه، و الأقرب عدم وجوب الائتمام عليهم لأن صلاتهم مشروعة. انتهى. أقول و بنحو ذلك صرح غيره.
و أنت خبير بأنه لا إشكال في ما ذكروه من وجوب تحريك اللسان للنص المذكور و يعضده ان الواجب في القراءة شيئان أحدهما تحريك اللسان و الثاني القراءة على الوجه المخصوص فمع تعذر القراءة يبقى وجوب تحريك اللسان بحاله. و اما وجوب عقد القلب بمعناها فهو و ان كان مشهورا في كلامهم إلا انه خال من الدليل. و نقل في المنتهى عن الشيخ الاكتفاء بتحريك اللسان.
و المراد بعقد القلب بها على ما يستفاد من كلام جمع: منهم- العلامة و غيره هو ان يقصد كون هذه الحركة حركة قراءة لتتميز بذلك عن حركته في غيرها، و كأنهم لحظوا أن حركة اللسان أعم من القراءة فلا تنصرف إليها إلا بالقصد و النية. و المفهوم من كلام الشهيد في الدروس و البيان- و هو صريحه في هذا الكلام المنقول هنا- ان المراد بعقد القلب قصد معاني الحمد و السورة و تصورها بقلبه حيث صرح في أثناء الكلام توضيحا لما قدمه أولا بأنه لو تعذر إفهامه جميع معانيها افهم البعض و حرك لسانه به و أمر بتحريك اللسان بقدر الباقي و ان لم يفهم معناه مفصلا. و الظاهر بعده لعدم الدليل عليه كما اعترف به من انه لم‌
______________________________
(1) عوائد النراقي ص 88 و عناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن على «ع».
(2) الوسائل الباب 59 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 128‌
ير به نصا بل لم يقم دليل على ذلك في الصحيح فضلا عن الأخرس. و بالجملة فهذا من قبيل‌
«اسكتوا عما سكت اللّٰه عنه».
كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب «1» و قد مر مزيد بيان له أيضا بقي هنا شي‌ء و هو ان ظاهر النص إضافة الإشارة بإصبعه إلى تحريك لسانه الذي هو بدل عن قراءته و تكبيره و تشهده فيصير داخلا في البدلية. و الخبر لا معارض له في ذلك و ظاهر عبارة شيخنا المشار إليه أيضا ذلك و لا بأس به.
و اما ما ذكره بالنسبة إلى التمتام و الفأفاء و الألثغ و الأليغ فهو جيد، و يدل عليه‌
ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة «2» قال: «سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول انك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح و لو ذهب العالم المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم انه يلزمه و يعمل به و ينبغي له ان يقوم به حتى يكون ذلك منه بالنبطية و الفارسية لحيل بينه و بين ذلك بالأدب حتى يعود إلى ما قد علمه و عقله، قال و لو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرم ففعل فعال الأعجمي و الأخرس على ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا لشي‌ء من الخير و لا يعرف الجاهل من العالم».
أقول: في النهاية فيه «فأرسل إلى ناقة محرمة» أي التي لم تركب و لم تذلل. و في الصحاح جلد محرم اي لم تتم دباغته و سوط محرم اي لم يلن بعد و ناقة محرمة اي لم تتم رياضتها بعد، و قال كل من لا يقدر على الكلام أصلا فهو أعجم و مستعجم، و الأعجم الذي لا يفصح و لا يبين كلامه. انتهى.
أقول: و منه يعلم ان إطلاق المحرم في الخبر على من لا يمكنه الإتيان بالقراءة‌
______________________________
(1) ج 1 ص 50 و قد رواه القاضي محمد بن سلامة المغربي الشافعي في كتابه الشهاب في الحكم و الآداب في باب الالف المقطوع و الموصول.
(2) الوسائل الباب 67 من القراءة.



الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌8، ص: 129‌
و نحوها على وجهها من إخراج الحروف من مخارجها أولا يفصح به لشبهه بالدابة و نحوها من الأشياء المعدودة في عدم لين لسانه و تذليله بالنطق. و حاصل معنى الخبر الفرق بين من يمكنه الإتيان بالقراءة و الأذكار و الأدعية في صلاة أو غيرها على وجهها و لو بالتعلم و بين من لا يمكنه، و ان القادر على الإتيان بذلك على وجهه و لو بالتعلم لا يجزئه غير ذلك و جهله مع إمكان التعلم ليس بعذر شرعي.
و المستفاد من بعض الأخبار ان من لا يقدر على إصلاح لسانه و يقرأ و يدعو على تلك الحال فان اللّٰه سبحانه بمزيد فضله و كرمه يوكل الملائكة بإصلاحه فلا يرفع اليه إلا على الهيئة و الكيفية المأمور بها:
روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال: «قال النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) ان الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته».
و قد ورد في الحديث المشهور عنه (صلى اللّٰه عليه و آله) «2» «ان سين بلال عند اللّٰه شين».
(المسألة الثالثة) [الجهر في الصبح و أوليي المغرب و العشاء و الإخفاء في الباقي]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه علي
________________________________________
بحرانى، آل عصفور، يوسف بن احمد بن ابراهيم،


الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، 25 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1405 ه‍ ق