بسم الله الرحمن الرحیم

تفسير القرآن الكريم(الخميني)

فهرست مباحث علوم قرآنی

از نرم افزار جامع تفاسیر نور:

تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 418
النحو و الإعراب
و هنا مسائل:
المسألة الاولى حول إعراب «مالك»
من قرأ بخفض الكاف- كما عن المشهور و عليه السبعة و الآخرون- فهو على الوصف و النعت.
و من قرأ بفتح الكاف فهو على القطع أو النداء، أو الحاليّة بناء على صحّة التأويل أي مالكا يوم الدين، كما يأتي قراءته هكذا. و هذا هو المحكيّ عن جماعة تأتي أسماؤهم عند ذكر اختلاف القراءات، و منهم محمّد بن السميقع- المزبور ذكره- و الأعمش و عثمان بن أبي سليمان و عبد الملك قاضي الهند، و عن ابن عطية هو قراءة عمر بن عبد العزيز و أبي صالح السمّان.
و فيهم من فتح الكاف لكونه فعل ماض، كما يأتي ذكره عند البحث عن اختلاف الأصحاب في القراءة.
و من قرأه بالرفع فهو إما على الخبريّة، كما سلف للمتبدأ المذكور،



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 419
و هو «الرحمن الرحيم»، أو للمبتدأ المحذوف، و هو المنسوب إلى شيخ المضيرة «1» و أبي حياة، و أيضا إلى ابن عبد العزيز، و عن صاحب اللوامع:
أنّه قراءة ابن شداد العقيلي البصري.
و فيهم من قرأ الكاف بالتنوين مرفوعا، و هو المحكي عن خلف و ابن هشام و أبي عبيد و أبي حاتم، و هو أيضا على الخبريّة بأحد الوجهين السابقين «2».
و غير خفيّ: أنّ الأصحاب خلطوا بين مسائل اختلاف القراءات في الكلمة، و بين اختلاف القراءات في الكلام، فإنّ الاولى تذكر في البحث الآتي، و الثانية لا بدّ و أن تذكر في ناحية البحث عن الاعراب.
المسألة الثانية حول إضافة «مالك»
هل إضافة «المالك» أو «الملك» أو غيرهما من الإضافة اللفظيّة، فيكون المضاف إليه معموله أو مفعوله أي هو مالك يوم الدين كما أنّ زيدا مالك الدار، فيوم الدين مملوكه تعالى اعتبارا، أم هذه الإضافة معنويّة، و ليست لفظيّة، و تقديره: أنّه مالك في يوم الدين من غير لزوم كون المضاف مظروفا للمضاف إليه و حدّا محيطا به، كما لا يخفى.
قال ابن حيّان: و من قرأ بجرّ الكاف فعلى معنى الصفة، فإن كان بلفظ
__________________________________________________
(1) يعني أبا هريرة. و المضيرة طعام يطبخ باللبن المضر أي الحامض.
(2) هذه الوجوه مذكورة في البحر المحيط 1: 20.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 420
«ملك» على «فعل» بكسر العين أو إسكانها، أو «مليك» بمعناه فظاهر، لأنّه وصف معرفة، و إن كان بلفظ «مالك» أو «ملاك» أو «مليك» محوّلين من «مالك» للمبالغة، و كان بمعنى الاستقبال- كما هو الظاهر- لأنّ اليوم لم يوجد، فهو مشكل لأنّ اسم الفاعل إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإنّه تكون إضافته غير محضة، فلا يتعرّف بالإضافة، و إن أضيف إلى معرفة فلا يكون- إذ ذاك- صفة لأنّ المعرفة لا توصف بالنكرة، و لا بدل نكرة من معرفة لأنّ البدل بالصفات ضعيف.
ثمّ قال: و حلّ هذا الإشكال و هو: أنّ اسم الفاعل إن كان بمعنى الحال و الاستقبال جاز فيه و جهان، و بذلك تنحلّ المعضلة «1». انتهى ملخّص مرامه.
أقول: قد عرفت أنّ اتّصافه تعالى بالمالك ليس له معنى وراء اتّصافه بالملك و غيره، و الكلّ بحسب المعنى واحد، و هو المسيطر على يوم الدين أو المسيطر على الخلائق في يوم الدين، و الثاني أرجح لعدم الحاجة إلى التقدير، كما هو الظاهر، فهو تعالى مالك يوم الدين، و يكون يوم الدين ظرف قدرته و سطوته و جبروته بوجه من الظرفيّة، لا كظرفيّة المملكة لسطوة السلطان.
ثمّ إنّ يوم الدين- و هو يوم القيامة- الآن موجود بضرورة العقل و النقل، و يدلّ عليه روايات المعراج و آياته، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
و بالجملة: على هذا لا يكون من الإضافة اللفظيّة لأنّ المضاف إليه ليس مفعوله و لا فاعله، كما في إضافة الصفة المشبّهة، كقولهم:
__________________________________________________
(1) البحر المحيط 1: 21.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 421
حسن الوجه، فإنّه معناه حسن وجهه، بل هو من الإضافة المعنويّة، و لا برهان على أنّ إضافة أسماء الفاعلين و المفعولين من اللفظيّة، و إلّا لما كان وجه لأن يذكر لها الشروط، فعند انتفاء أحد الشروط تكون الإضافة معنويّة بتقدير أحد حروف الجرّ.
هذا، مع أنّ يوم الدين إذا كان موجودا بالفعل، فهو الوصف الذي جاء بمعنى الماضي و الاستمرار، فيقع نعتا للمعرفة، كما صرّح به أهله.
و أمّا إضافة «يوم» إلى «الدين» فهي أيضا معنويّة بتقدير اللام أي مالك على يوم للجزاء و الانتقام.
و من الممكن دعوى: أنّ المضاف إلى الدين هو المالك المضاف إلى اليوم، كما ذكرناه في إضافة الاسم إلى «اللّه» و إلى «الرحمن»، و له نظير في الفقه غير خفيّ على طلّابه و روّاده.
و ممّا حصّلناه إلى هنا تبيّن نقاط ضعف كثير في كتب القوم صدرا و ذيلا:
1- في معنى الملك مادة، 2- و في هيئة المالك، 3- و في أنّها ليست مادّة متعدّية، 4- و في إضافة المالك أو الملك أو غيرهما، و غير ذلك مما أشير إليه، و سيتبيّن المواقف الاخرى طيّ المباحث الآتية إن شاء اللّه تعالى.
تنبيه
لو سلّمنا: أنّ إضافة المالك إلى يوم الدين من الإضافة اللفظيّة، فتوصيف المعرفة بها أيضا، جائز و ذلك لأنّ ما اشتهر من منعه فهو مخصوص بما إذا كان الوصف نكرة محضة، دون ما إذا كانت مخصّصة



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 422
ضرورة أنّ المدار على حسن الاستعمال و موافقة الطباع، دون القواعد الاختراعيّة النحويّة الوهميّة.
و إنّي قد صرفت مدّة من عمري العزيز في تحريرها، و بالغت في البحث عنها حتى علّقت الحواشي على شرح الرضيّ رحمه اللّه «1» و كنت أباحثه، و أدرّس الدروس العالية من المغني مع إبراز النظر فيها، و لكن مع الأسف إنّ المعتبر من بينها ما يوافقه الوجدان و الذوق، دون تلك التخيّلات الباردة، فلاحظ و تدبّر جيّدا.
__________________________________________________
(1) الحواشي على شرح الرضي رحمه اللّه مع كثير من تأليفاته في الفقه و الأصول و الحكمة و الرجال مفقودة.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 423
القراءة و اختلافها
و هنا فوائد:
الفائدة الاولى قراءات الآية
قال السيوطي في «الإتقان»: فيه ثلاثة عشر قراءة. و هذا هو مأخوذ مّما فصّله ابن حيّان، و لا بأس بنقلها مع رعاية الاختصار:
1- قرأ «مالك» على وزن فاعل بالخفض، عاصم و الكسائي و خلف في اختياره و يعقوب، و هي قراءة العشرة إلّا طلحة و الزبير، و قراءة كثير من الصحابة، منهم أبيّ و ابن مسعود و معاذ و ابن عباس، و التابعين منهم قتادة و الأعمش.
2- و قرأ «ملك» على وزن فعل بالخفض، باقي السبعة و زيد و أبو الدرداء و ابن عمر و المسور و كثير من الصحابة و التابعين.
3- و قرأ «ملك» على وزن سهل، أبو هريرة و عاصم الجحدري، و رواها الجعفي و عبد الوارث، عن أبي عمرو، و هي لغة بكر بن وائل.
4- و قرأ «ملكي»- بإشباع كسرة الكاف- أحمد بن صالح، عن ورش، عن نافع.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 424
5- و قرأ «ملك» على وزن عجل، أبو عثمان الهندي و الشعبي و عطيّة، و نسبها ابن عطيّة إلى أبي حياة.
6- و قال صاحب اللوامح: قرأ أنس بن مالك و أبو نوفل عمر بن مسلم بن أبي عدي «ملك» بنصب الكاف من غير ألف، و جاء كذلك عن أبي حياة.
انتهى.
7- و قرأ كذلك إلّا أنّه رفع الكاف، سعد بن أبي وقاص و عائشة و مورّق العجلي.
8- و قرأ «ملك» فعلا ماضيا، أبو حياة و أبو حنيفة و جبير بن مطعم و أبو عاصم عبيد بن عمير الليثي و أبو المحشر عاصم بن ميمون الجحدري، فينصبون «اليوم»،
و ذكر ابن عطيّة: أنّ هذه قراءة يحيى بن يعمر و الحسن و عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام.
9- و قرأ «مالك» بنصب الكاف، الأعمش و جماعة اخرى مضى ذكرهم في مبحث الإعراب.
10- و روى ابن أبي عاصم عن اليمان ملكا بالنصب و التنوين.
11- و قرأ «مالك» برفع الكاف و التنوين، عون العقيلي، و رويت عن خلف بن هشام و أبي عبيد و أبي حاتم و بنصب اليوم.
12- و قرأ «مالك يوم» بالرفع و الإضافة، أبو هريرة و أبو حياة و عمر بن عبد العزيز بخلاف عنه، و نسبها صاحب اللوامح إلى أبي روح عون بن أبي شدّاد العقيلي ساكن البصرة.
13- و قرأ «مليك» على وزن فعيل، أبيّ و أبو هريرة و أبو رجاء العطاردي.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 425
14- و قرأ «مالك» بالإمالة البليغة، يحيى بن يعمر و أيوب السختياني.
15- و بين بين قتيبة بن مهران، عن الكسائي، و جهل النقل- أعني في قراءة الإمالة- أبو علي الفارسي، فقال: لم يمل أحد من القرّاء ألف «مالك»، و ذلك جائز، إلّا أنّه لا يقرأ بما يجوز إلّا أن يأتي بذلك أثر مستفيض.
16- و ذكر أيضا: أنّه قرأ في الشاذّ «ملّاك» بالألف و التشديد للام و كسر الكاف.
فهذه ثلاث عشرة قراءة «1». انتهى.
و أنت قد عرفت بلوغها إلى ستّة عشر. و من العجب أنّ «روح المعاني» قد أخذ ما أفاده و لم ينسبه إليه «2»، و هو من الخيانة في وجه، كما لا يخفى.
الفائدة الثانية في ترجيح إحدى القراءات
بناء على ما تقرّر و تحرّر في بحث اللغة: أنّ «المالك» هو معناه ذو الملك بكسر الميم و ذو الملك بضم الميم، و هما بمعنى واحد، و الملك أيضا معناه ذو المملكة و ذو الملك و ذو الملك، و هي بمعنى واحد، و المليك مثله، و هكذا الملك بسكون اللام سواء كان مخفّفا عن المالك
__________________________________________________
(1) البحر المحيط 1: 20.
(2) روح المعاني 1: 77- 78.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 426
أو صفة مشبّهة، و من راجع موارد استعمالات هذه المادّة في الكتاب العزيز يجد صدق دعوانا، فإنّ الملك- بالضمّ- كثير استعماله، و معناه العزّة و القدرة و السيطرة: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ «1» وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «2» رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي «3» فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً «4» ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ «5». و هذا الأخير- بحسب الاستعمال- منحصر في موضع واحد في سورة النحل، و هو أيضا معناه أي الذي لا يقدر و لا يكون له السلطنة.
فما ترى في كتب القوم و التفاسير من التمسّك بالوجوه المعنويّة لترجيح إحدى القراءات على الاخرى، كلّه ساقط جدّا لاتّحاد معنى الكلّ، و بذلك تسقط صفحات كثيرة من كتب التفسير المتعرضة لذلك، الغافلين عن حقيقة الحال، و اللّه هو المستعان.
و ممّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة آل عمران: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ «6»، فلو كان المالك من «الملك» بالكسر، لكان ينبغي أن يقال:
«قل اللّهمّ مالك الملك» بالكسر.
__________________________________________________
(1) الإسراء (17): 111.
(2) آل عمران (3): 189. و الآيات بهذا اللفظ كثيرة في القرآن الكريم.
(3) ص (38): 35.
(4) النساء (4): 54. [.....]
(5) النحل (16): 75.
(6) آل عمران (3): 26.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 427
و من هنا يسقط كثير من الوجوه المعنويّة المتمسّك بها لترجيح «الملك» على «المالك» «1» لمناسبة إضافته إلى يوم توهّما أنّ الزمان لا يناسب المملوكيّة بخلاف الملكية، مع أنّ «مالك» كصاحب وزنا و معنى في وجه، و يقال: صاحب الزمان (عجّل اللّه فرجه الشريف)، فاغتنم.
الفائدة الثالثة حول عدم الاعتناء بالقراءات
ربّما يخطر بالبال سؤال و هو: أنّ الكتب السابقة على القرآن، و الأنثار و الأشعار المتعارفة بين الناس قبل هذا الوحي الإلهيّ، كانت تقرأ في المحافل و المجالس و على المنابر و الأعواد، و ما كان يقرأ إلّا على الوجه الظاهر، و لم يكن بين الناس خلاف في كيفيّة القراءة، بل و ما كانت الكتب السماويّة غير هذا السّفر القيّم مورد هذا الشقاق و النفاق، و لا محلّ الميول و الآمال، و لا مصبّ الأمراض و الأغراض.
فهل كان الرسول الأعظم الإلهي يقرأ الكتاب مختلفا حسب الحالات و الأطوار، أم هل كان القرآن نزل كرارا و مختلفا، أو النبيّ الأعظم الإسلامي و العقل الكلّي الإنساني أمر و أصدر حكما حول هذه النكتة، فذهب كلّ اشتهاء و ميل إلى ما يميله، أم هل المسلمون رأوا أنّ عظمة القرآن، تقتضي أن يكون الكتاب النافي لسائر الكتب، مورد الدقّة و محلّ الفكرة و موضوعا لهذه المباحث الراقية مثلا؟
__________________________________________________
(1) راجع التفسير الكبير 1: 238.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 428
أو هل يمكن توهّم: أنّ عناد المسلمين للقرآن و معاندتهم للوحي أورثوا مثل هذه الاحدوثة، أم اليهود و النصارى و أمثالهم كانوا يشعرون بذلك، فأوقعوهم في مثل هذه الخلافات، الموجبة للوهن في الكتاب و لسقوطه عن الاهتداء به، و عن الاستدلال بكثير من الآيات لأنّ اختلاف القراءات لا ثمرة فيه إلّا ذلك؟
فالأمر عندي مشكل جدّا، و لا أستطيع أن اصغي إلى روايات لو كانت هي معتبرة، تشعر بصحّة القراءات أو اختلاف القرآن في الوحي و النزول، فإنّه كسائر الكتب المدوّنة، لا يخصّه شي‏ء وارء رقاء موضوعاته و كيفيّة تأليفه و تركيبه، و ارتقاء ما فيه من الأحكام العقليّة و النقليّة من السياسات و غيرها، و أمّا هذا الاختلاف فلا يظهر لي منه شي‏ء، إلّا توهّم الوجه الأخير، أو قلّة شعور جماعة من المسلمين و ثلّة من الطبقة العليا.
و من الأباطيل الواضحة و الأكاذيب الظاهرة، تواتر القراءات السبع و تفصيله في مقام آخر.
فعلى هذا المنهج و المسلك الذي أبدعناه إلى هنا تبيّن: أنّه لا بدّ من تفتيش القرائن و الآثار على أنّ النازل على النبي الأعظم- صلّى اللّه عليه و آله الطيّبين الطاهرين و سلّم- ماذا من تلك القراءات.
و قبل الخوض في ذلك لا بدّ من الإشارة إلى نكتة و أمر و هو: أنّ كثيرا من تلك القراءات- مضافا إلى شذوذه و برودته و خروجه عن أسلوب الكلام- مخالف للقواعد الأدبيّة، و منها قراءة «ملك» على وزن الفعل الماضي، فإنّه كما مرّ في «ربّ» لا يمكن أن يكون وصفا لما سبق و لا جملة



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 429
حاليّة لاحتياجها إلى الواو الحاليّة و غير ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ طريق استكشاف ذلك هو السبر في القرائين المخطوطة و الكتب المشتملة عليها، كالكتب القديمة التفسيريّة أو الكتب الحديثيّة و الفقهيّة و أمثالها مما تكون مشتملة على سورة الحمد و الفاتحة لتناسب اقتضاه، فإذا كانت الكتب القديمة و أقدم قرآن مخطوط مكتوبا بالألف و مخفوضا، فهو كاف لكشف الحال، و إذا انضمّت إليه سائر الكتب، فهو يورث الاطمئنان و العلم العادي بأنّ ما هو القرآن المتداول من الأوّل بين المسلمين كان مع الألف.
و إذا وجدنا أنّ المولى أمير المؤمنين- عليه أفضل صلاة المصلّين- مع نهاية الدقّة ينظر إلى القرآن و يحافظ عليه من الحدثان، و كان هذا القرآن قبل الأمير عليه السّلام مدوّنا، و لم يرمز إلى ما فيه من الغلط في الضبط بشي‏ء، فهو يشهد على أنّ هذا الكتاب بعينه من غير تفاوت هو النازل، و مجرّد الاحتمالات الاخرى لا يضرّ بما هو مورد النظر، و هو حصول الوثوق و الاطمئنان و العلم النظامي العادي بذلك، و إذا انضمّ إلى ذلك شدّة اهتمام المسلمين بحفظ الكتاب الإلهي عن الاشتباه و الاختلاف، يحصل من وراء هذه الأمور شي‏ء آخر يسمّى بالقطع و اليقين بعدم التحريف.
و لكنّه عندي غير تامّ لأنّ انسداد باب الاحتمالات غير ممكنة، إلّا أنّ الاطمئنان و الوثوق القويّ حاصل بذلك جدّا، فما هو بين أيدينا من الأوّل إلى الآخر- حسب هذا السّبر و التقسيم- هو المنزّل على النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من غير نقص و لا زيادة.
و هنا شواهد اخرى على عدم التحريف بالمعنى الأعمّ، و تفصيله يذكر



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 430
في مدخل الكتاب عند البحث عن تحريف الكتاب- إن شاء اللّه تعالى-.
فبالجملة: كان التجويد و اختلاف القراءات حسب التخريص، من أسباب المعيشة و من موجبات التقرّب إلى السلاطين و التدخّل في البلاط.
و ممّا يؤيّد ذلك جدّا: أنّ مذهب الشيعة ليس متدخّلا في هذه الأمور، و ليس من القرّاء من يعدّ منا أهل البيت لما أنّ الشيعة كانوا يعتقدون بأنّ القرآن واحد و من الواحد إلى الواحد للتوحيد.
و إنّ لهذه المسألة موقفا آخر، ذكرنا هنا شرذمة قليلة من المباحث الطويلة المحتاجة إلى التعمّق الكثير في التاريخ حتّى يتبيّن لغيرنا حقيقة الأمر أيضا.
و من العجب ميل بعض أصحابنا إلى القراءات الاخرى حتّى كتب شيخ الشريعة الأصفهاني قدّس سرّه رسالة في هذه المسألة سمّاها «إنارة الهالك في قراءة ملك و مالك» و اعتقد أنّه «ملك»، و قد هلك. و اللّه المستعان.
و غير خفيّ: أنّ مقتضى هذه المسألة عدم جواز التجاوز من القرآن الموجود إلى سائر القراءات في القراءات الندبيّة و الوجوبيّة.
اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ ما هو النازل واحد، إلّا أنّه يجوز تغييره إعرابا و في الكيفيّات دون الموادّ، فيجوز- مثلا- رفع «مالك»، و لكنّه لا يجوز حذف الألف، فليتأمّل جيّدا.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 431
الفائدة الرابعة في ذكر الوجوه المتمسّك بها لترجيح «مالك» على «ملك»
بعد سقوط القراءات الاخر لشذوذها «1»:
1- مفهوم «مالك» أوسع و أشمل من مفهوم «ملك».
2- و لزيادة حروفها على حروفه بواحدة، و قد حكي عن الشجر أنّه قال: كان من عادتي قرائة «مالك»، فسمعت من بعض أصحاب الفضل أنّ «ملك» أبلغ، فتركت عادتي و قرأت «ملك»، و رأيت في المنام قائلا يقول لي:
لم نقصت من حسناتك عشرة؟ أما سمعت
قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من قرأ القرآن، كتب له بكلّ حرف عشر حسنات، و محيت منه عشر سيّئات، و رفعت له عشر درجات».
3- و لأنّ فيه إشارة واضحة إلى الفضل الكبير و الرحمة الواسعة، و الطمع بالمالك من حيث إنّه مالك فوق الطمع بالملك من حيث إنّه ملك، فأقصى ما يرجى من الملك أن ينجو الإنسان منه رأسا برأس، و من المالك يرجى ما هو فوق ذلك، فالقراءة به أرفق بالمذنبين، و أنسب بما قبله.
4- و لأنّ إضافته إلى «يوم الدين» أنسب لأنّ يوم الدين يستلزم
__________________________________________________
(1) راجع التفسير الكبير 1: 237- 242، و الجامع لأحكام القرآن 1: 140- 141، و البحر المحيط 1: 22، و روح المعاني 1: 78- 79.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 432
الحرارة في قلوب السامعين، و يورث القلق في أفئدة المؤمنين، و يشبه ذلك في وجه قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «1» فلا بدّ- حينئذ- من المبرّد و المبشّر و من ذكر الرحمة بالعناوين المختلفة «2».
5- و لأنّ قراءة «المالك» تناسب سائر الجمل السابقة المشتملة على الألف، ك «العالمين» و «للّه» و «الرحمن»، فكأنّه يلزم من تلك الكيفيّة الخاصّة الملحوظة في الآيات السابقة، وجود مماثلها في هذه الآية، كما نشاهدها في إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بل إلى آخر السورة، فاغتنم.
الفائدة الخامسة في ذكر الوجوه المتمسّك بها لترجيح قراءة «ملك» على «مالك» «3»

1- هو أعمّ و أشمل مفهوما من «مالك».
2- إنّ الزمان لا يضاف إليه كلمة «مالك» غالبا، بخلاف كلمة «ملك»، فيقال: ملك العصر و العصور.
و هذا لا يستلزم ترجيح «ملك» عليه لأنّه شاذّ لا يعبأ به، و الكلام فيما هو الأرجح بعد جواز كلّ واحدة من القراءتين لتواترهما مثلا، أو لجواز
__________________________________________________
(1) التوبة (9): 43.
(2) روح المعاني 1: 78- 79.
(3) نفس المصدر.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 433
الاقتداء بالسبعة أو العشرة في القراءة، فلا تخلط كما خلطوا.
و من هنا يظهر ما في توهّم بعض من الإشكال في ذكر التراجيح: بأنّه بعد جوازها لا معنى له «1»، و كأنّه تخيّل من هذه الوجوه تعيّن الوجه المقصود بها، و قد غفل عن ذلك لأنّ البحث في الأرجح منهما، لا في المتعيّن من بين القراءات، فلا تغفل.
نعم لو كان مقصود الأصحاب و المفسّرين من ذكر الوجوه التخيّليّة، تعيين إحدى القراءات، فما قيل في محلّه، إلّا على قول من يقول بعدم جواز الاقتداء بتلك القراءات المحكيّة، بل لا بدّ من الفحص عمّا قرأه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نزل به الكتاب، فإنّه عند ذلك لا بدّ من ذكر الدليل، و هذه الوجوه الاستحسانيّة غير كافية، و ليست حجّة عقلائيّة و لا شرعيّة عليه بالضرورة. و لعمري إنّه لا يتفوّه بذلك أحد، فإنّه كيف يجوز تعيين «مالك» لما فيه من زيادة الثواب، فإنّه منه يعلم أنّه يجوز بقراءة «ملك»، و لكنّه في مقام الترجيح في مقام العمل، فافهم و تأمّل.
3- و لأنّه قراءة أهل الحرمين.
4- و لعدم لزوم التكرار ضرورة أنّ «مالك» من معاني «الربّ»، أو هما مثلان في الشمول، فلا بدّ من ذكر الأخصّ، و هو «ملك» بناء على أخصّيّته، كما لا يخفى.
5- و لأنّه تعالى وصف نفسه و ذاته المتعالية بالملكيّة عند
__________________________________________________
(1) روح المعاني 1: 78- 79، البيان في تفسير القرآن، الخوئي: 480.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 434
المبالغة في قوله تعالى: مالِكَ الْمُلْكِ «1» دون المالكيّة.
الفائدة السادسة حول ترجيح المرجّحات
اعلم أنّ الوجوه الاخر لترجيح «مالك» على «ملك» مذكورة في المفصّلات، و هكذا لعكسه.
و أنت بعد ما أحطت خبرا بمقالتنا في هذا المسائل تقدر على تزييف هذه المسائل بما لا مزيد عليه. هذا أوّلا.
و ثانيا بعد ما اتّضح أنّ مراد المتصدّين لترجيح قراءة على قراءة اخرى، ليس إلّا ترخيص ذلك في مقام العمل، و إلّا فيجوز عند الكلّ قراءتهما، فلا معنى للغور في تلك الوجوه، بل العبد يتبع في قراءته حاله فتارة يغلب على حاله ما يناسب المالكيّة، و اخرى ما يناسب الملكيّة، و على كلّ يقرأ ما يناسبها.
و بعبارة اخرى: لا تنافي بين كون كلّ واحدة منهما ذات مرجّحات اعتباريّة و استحسانيّة، و لا يجب تقديم إحداهما على الاخرى على وجه يتعيّن ذو المزيّة على الآخر، بل لا يمكن ذلك بالضرورة لصحّة كثير من الوجوه المسطورة و غيرها، فيختار العبد حسب حاله إحداهما.
بل لنا أن نقول بجواز تكرار الآية،
ففي «الكافي» عن السجّاد عليه السّلام:
__________________________________________________
(1) آل عمران (3): 26.



تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 435
«أنّه إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، يكرّرها حتّى كاد أن يموت» «1»

فإذا جاز تكرارها بالألف فلم لا يجوز بغير الألف، بعد جواز القراءة حسب ما ارتضوه في الفقه. و بهذا يجمع بين المرجّحات، و لا يلزم إبطالها كما تصدّى له بعض المفسّرين «2».
فما في كتب التفسير في هذه المواقف كلّه ساقط جدّا، و لا يكاد ينقضي التعجّب من أنّ الكتاب العزيز كان مورد البحث من العصر الأوّل، و مع ذلك لم ينقح مباحثه و مسائله، و ذهب كلّ إله إلى ما خلق له و تيسّر.
و اللّه من وراء القصد.
__________________________________________________
(1) الكافي 2: 440/ 13.
(2) روح المعاني 1: 78- 79.
تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏1، ص: 436
المعاني و البلاغة
و هنا جهات: