بسم الله الرحمن الرحیم

کلمات باقلاني در باره قراءات

فهرست مباحث علوم قرآنی
شرح حال محمد بن الطيب أبو بكر القاضي الباقِلَّانِي(338 - 403 هـ = 950 - 1013 م)





الانتصار للقرآن للباقلاني (1/ 122)
وإذا كان ذلك كذلك وَضُحَ بهذه الجملة قيامُ الحجة بنقل جميع القرآن
الثابت في مصحفنا والقراءات، وأن ذلك أجمع ثابث معلوم من دين الرسول
- صلى الله عليه وسلم - وإثباته لجميعه وقليلِه وكثيره ولطوالِ سُوَرِه وقصارها، كان على وجهٍ واحدٍ في الإذاعة والإعلان والإشاعة والقصدِ إلى إقامة الحجة وإثباتِ الحفظ له عنه، وحصول العلم به، وهذا ما لا شبهةَ على عاقلٍ فيه.


الانتصار للقرآن للباقلاني (1/ 123)
فذلك محالٌ، لأنّه
ليس من دينِ أحدٍ من المسلمين اعتقادُ شيءٍ من هذا في القرآن ولا فيما دونه
من السنن والآثار، ولأنّ الأمّةَ مطبقةٌ وغيرُهم من المِلَلِ وكل من عرَفَ سيرةَ
المسلمين في تلقي القرآن من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنه لم يكن هذا دينَ المسلمين أو رأيَهم أو أحداً منهم في شيءٍ من القرآن الذي يتلوه عليهم ويخبر بأنه منزَّلٌ من عند الله، بل كانوا على سَجِيةٍ واحدةٍ ونمطٍ متساوٍ في حفظ القرآن عن الرسول وتعظيمِ جميعِهِ وانصرافِ هممها إلى تحفظه واعتقادِ تعظيمِه وتصديقِ من جاء به.





الانتصار للقرآن للباقلاني (1/ 331)
(باب)
ذكرِ اعتراضِهم في نقلِ القرآنِ بما رُوي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "أنزِلَ القرآنُ على سبعة أحرف، كلّها شافٍ كافٍ ".
ووصفُ تواترُ الأخبارِ بذلك، وذكرُ تأويلها واختلافِ الناسِ
في تفسيرها، وهل نصَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - للأمّةِ على جميعِها وجملتِها وتفصيلِها ووقفَهُم على إيجابِها على حسبِ نصِّه
وتوقيفِه على نفسِ القرآنِ وجميعِ ما ظهرَ مِن ديِنه من الأحكامِ أم لا، ووصفُ ما نختارهُ في هذه الفصول.
فإن قالوا: كيف يجوزُ لكم أن تدَّعوا أنّ ظهورَ نقلِ القرآن، وما يجبُ له




الانتصار للقرآن للباقلاني (1/ 336)
فأمّا شهرةُ أمرِ القرآنِ نفسهِ وظهورُ نصِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على جميع ما أنزلَه الله على طريقةٍ واحدةٍ ووجهٍ يُوجِبُ العلمَ ويقطعُ العذر، فقد بيناه وأوضحناه مِن قبلُ بما يغني عن إعادته، وليسَ يُوجِبُ ذلك عندَنا على الرسول ولا في حكمِ التعبُّدِ والشريعةِ أن يَنُصَّ الرسولُ لكافةِ الأمَّة أو مَن تقومُ به الحجَّة ُ على كلِّ حرفٍ من تلكَ الحروفِ والفصلِ بينَه وبينَ غيرِه، وأن يُوقِفَه على أنّ هذا الحرفَ الذي أقرأتُك به أو الحروفَ التي أقرأتُك بها
هيَ من جملة الحروفِ السبعةِ التي أنزَلَها الله تعالى دون وجوهٍ أُخَر قد كان
أنزلها فيما سلف ومما نزلَ من القرآن، ووجوهٍ قد كان يُقرِىءُ بها.
ولا يمتنعُ ولا يستحيلُ أن يكونَ الرسولُ عليه السلام قد أعلم في
الجملةِ أنّ القرآنَ قد أُنزلَ على سبعةِ أحرفٍ وأوجهٍ نُص له عليها وعلى
تفصيلها، وخُيرَ في أن يُقرِىءَ أمته مجتمعين ومتفرقين كيفَ أحب وشاءَ على
أيَ وجهٍ سَهُلَ عليه وعلى الأخذِ عنه وتيسر له، وأن يُقرىءَ واحداً منهم
جميعَ السبعةِ الأحرفِ في سُوَرٍ كثيرةٍ من القرآنِ أو في جميعِه ولا يَنُصَّ له
على أن هذه الوجوهَ على السبعةِ الأحرف أو من السبعة الأحرفِ، ويُقرِىءَ
آحاداً منهم بواحدٍ منها فقط ولا يَنُص له على أنه أحدُ الأحرفِ السبعة، فيظُن القارىءُ أنّ ذلك الوجهَ ليس هو من السبعةِ الأحرف، ويُقرىءَ آخرَ باثنين منها أو ثلاثةٍ ولا يُعرفَ ذلك كما لم يُعرف الواحد، فلا يخرجُ عليه السلامُ من الدنيا حتى يُقرءَ جميعَها على هذه السبيل وإن لم يكن منهُ نص على
تفصيلِها لكل آخذٍ عنه وإن كانت قد حصَلَت لجميعِهم وعُرِفَت عندَهم على
السبيل الذي وصفناه، وأن يكونَ تعالى قد عَلِمَ أن إلقاءَ هذه الأحرفِ وبيانَها على هذه السبيل من الجملةِ دونَ التفصيلِ مِن أصلحِ الأمورِ للأمة وأدعاها لهم إلى الإيمانِ وقبولِ القرآنِ والحرصِ على حفظِه ودراستِه، وأنّه لو جَمَعَهم ونص لهم على تفصيلِ عددِ هذه الأحرفِ وجنسِ اختلافِها لنفروا عن
طاعَتِه وخالَفوا رسولَه.
وإذا لم يمتنعْ هذا ساغَ أن يكونَ بيانُه لهذه الأحرفِ لم يقع إلى كل
واحدِ منهم وإلى جماعتِهم مفصلاَ مبيَّنا بيانا يمكن أن يتقِنَه ويُحكِمَه، وإن
كان الرسولُ قد لَقَّنَ تلك السبعةَ الأحرف جميعَ الأمَّةِ على سبيل ما وصفناه.
حتى إنه لم يبقَ منها حرف إلا وقد أقرأ به بعضَ أمته ونص على جوازِه.
ونظيرُ ذلك أنّ إنسانا منا لو عرفَ قراءةَ السبعةِ الأحرفِ وعُلِمَ ذلك من
حاله واتساع معرفته بالقراءاتِ ثم آثرَ أن يُقرىءَ الناسَ بالجائز من ذلك وأن
لا يلقنَ كلَ أحدِ حرفا مجرداَ على وجهه من هذه الأحرفِ لساغَ له وجازَ أن
يُقرىءَ بعضَ الناس بحرف أبي عمروِ ولا يعرفَه أنه حرفُه، ويقرىءَ آخرَ
شيئا من القرآن بحرفِ ابن عامر، وشيئا منه بحرفِ عاصمِ ويقرىءَ آخرَ
شيئا بحرف حمزة، وشيئا بحرف ابن كثير، وشيئا بحرف يعقوبَ
الحضرمي، ثم لا يعرفه تفصيلَ هذه الحروفِ بل يعلمَه أن ذلك كلّه شائعٌ
جائزٌ وأنّه حقّ وصوابٌ: لكان ذلك من فعله حسناً جائزاَ ولا سيّما إذا كان
ذلك أسهلَ عليه وأيسر.
وإذا ظن أنّ أخْذَه على المتعلم بالجائز أقربُ عليه وأسهلُ وأن تجويزَ
إقرائه بحرفٍ على وجهِه مما يَشُق ويصعب ويُنفرُه عن الحفظ والضبط.
فكذلك الرسولُ عليه السلامُ إذا خُيِّرَ في إقراء الناس بالسبعةِ الأحرفِ المنزلةِ
عليه وجُعِلَ له فعلُ الأخف عليه، ولم يُؤخَذ عليه تفصيلُ تعريفِ ذلك
الناس، وظنَّ أنّ إقراءَهم بالجائز من ذلك أسهلُ عليهم وأيسر: جاز له له
تلقينُه على هذه السبيل وأن يقرىءَ رُبعَ القرآنِ بحرفٍ منها ويقرىءَ الربعَ
الآخرَ بحرفٍ آخرَ ويقرىءَ كل سُبعٍ منه بحرفِ من تلك السبعة، ويخلطَ ذلك
فلا يُفضَلَه تفصيلاً تعرفُه الأمةُ والآخذون عنه حرفا من حرف، بل يظنون
ذلك حرفاً واحداَ من السبعة يُقرأُ على وجهينِ وثلاثةٍ أو سبعة، أو حرفان
منها يُقرآنِ على تلك الوجوه.
ويجوزُ أن تكونَ هي كل السبعةِ قد أُقرِئوا بها شائعاً في جميع القرآن.
ويكونَ ذلك أصلحَ لهم وأنفعَ وأقربَ إلى تحفُّظِهم وحرصهم وتسهيل
دواعيهم على جميع القرآن ومعرفةِ تأويله وأحكامه دونَ عدد حروفه.
وتجريدِ كلِّ حرفٍ منه، غيرَ أنه لا بدَّ في الجملةِ مِن أن يُشتهرَ عن رسولِ الله
- صلى الله عليه وسلم - جملةُ ما أقرأ به من الحروف، إما بتلقَيهِ منه أو بالإخبارِ به عنه، وإن لم يُعرَف بذلك تفصيلُ السبعةِ الأحرف.
فإن قال قائل: فهذا الذي ذكرناه من إقراءِ الرسول والصحابةِ على هذا
الوجه يُوجِبُ أن تكونَ الصحابةُ غيرَ عالمةٍ بأنّ القرآنَ أُنزل على سبعةِ أحرفٍ
ولا متَّبعِين لذلك: أنّها إذا لم تَعرف ولا كلُّ واحدٍ منها تلكَ السبعةَ الأحرفَ
وتُفصِّلَها لم تكن عالمةً بأنه مُنزَلٌ على سبعةِ أحرف.
يُقالُ له: لا يجبُ ما قلتَه لأجل أنهم إذا ظهر بينهم نص الرسول صلّى
الله عليه بأنه منزَل على سبعةِ أحرفٍ ويكونُ ذلك على أسماعهم....