سال بعدالفهرستسال قبل

بسم الله الرحمن الرحیم

جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسين ابن سعيد الهذلي الحلي المحقق-صاحب الشرائع(602 - 676 هـ = 1205 - 1277 م)

جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسين ابن سعيد الهذلي الحلي المحقق-صاحب الشرائع(602 - 676 هـ = 1205 - 1277 م)





الأعلام للزركلي (2/ 123)
المُحَقِّق الحِلِّي
(602 - 676 هـ = 1205 - 1277 م)
جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسين ابن سعيد الهذلي الحلي، نجم الدين أبو القاسم: فقيه إمامي مقدم، من أهل الحلة (في العراق) كان مرجع الشيعة الإمامية في عصره.
له علم بالأدب، وشعر جيد. من تصانيفه (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - ط) و (النافع - ط) مختصر الشرائع، و (المعتبر في شرح المختصر - ط) و (أصول الدين - خ) و (نكت النهاية - ط) فقه، وغير ذلك. توفي في الحلة (1) .
__________
(1) أمل الآمل 36 وروضات الجنات 1: 146 وضوء المشكاة - خ - والذريعة 2: 186 وفهرس الدار 1: 570 و 572.








************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 82‌
حياة المحقق الحلي‌
بقلم الشيخ محمد مهدي الآصفي‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 84‌
[مولده]
ولد الإمام نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي المعروف ب «المحقق الحلي» و «المحقق الأول» سنة 602، و توفي سنة 676 من الهجرة.
و ولد و نشأ في مدينة الحلة على مقربة من بغداد «دار السلام» عاصمة الدولة العباسية. و هذه الفترة هي بالذات فترة ضعف و انهيار و سقوط الخلافة العباسية و احتلال المغول للعراق و لأجزاء واسعة من العالم الإسلامي. و قد عاش المحقق الحلي هذه الفترة الصعبة من تاريخ الإسلام، و كان على مقربة من أحداث الكارثة الكبرى التي حلت بالإسلام و المسلمين على يد التتار الذين أسقطوا الخلافة العباسية و ما استتبع هذه الكارثة من الكوارث و المحن، و كان هو و جمع من علماء الشيعة في مدينة الحلة يتابعون أحداث سقوط بغداد و يعملون من موقع المسؤولية على درء ما يمكن درؤه من خطر هذا الهجوم الكاسح عن العراق و الحواضر الإسلامية في هذا البلد السلامي العريق،. إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث و العلم و من مراكز العلم و من الكتب و المكتبات الضخمة و من شيوخ العلم و الدين بعد أن احتل الهجوم المغولي الساحق قلب العام الإسلامي في غياب من أي استعداد للمواجهة من قبل الخليفة العباسي و جهازه، و قد أثمرت هذه الجهود في درء بعض الخطر عن العراق و مراكز العلم و الدين في العراق، و انتقل العلم من بغداد إلى الحلة، حيث كان‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 85‌
المحقق الحلي- رحمه الله- يتزعم فيها الحركة الفقهية و العلمية في هذه الفترة، و قد نهضت حاضرة الحلة بدور كبير في هذه الفترة في حفظ العلم و التراث الإسلامي و إعادة الثقة الى نفوس المسلمين بعد أن حل ما حل من الخراب و التدمير ببغداد الإسلامي.
و لكي نعرف موقع المحقق الحلي- حمة الله- في هذا الحركة، و موقع الحلة و العلماء الذين عاصروا هذا الهجوم في حاضرة الحلة، و الهموم و المسؤوليات التي تحملوها، و الأعمال الكبيرة التي قاموا بها لا بد لنا من أن نستعرض أولا ظروف سقوط الخلافة و سقوط مدينة بغداد عاصمة الخلافة، ثمن بعد ذلك نستعرض الأعمال التي قام بها علماء الشيعة و زعماؤهم في العراق في درء ما أمكن درؤه من الخطر عن العراق و عن مراكز العلم و الدين في هذا البلد، و إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الهجوم التتري الكاسح، و الدور الذي نهضت به الحلة في هذه النهضة العلمية لإعادة بناء مراكز العلم و الثقافة في العراق.
أذان نبدأ هذه المقدمة عن دراسة لعصر المحقق- رحمه الله ليتسنى لنا بعد ذلك أن مدخل عن معرفة و تفهم آفاق حياة المحقق الحلي المباركة.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 86‌
عصره‌
(أولا) سقوط بغداد:
في سنة 656 ه‍ سقطت بغداد حاضرة العالم الإسلامي بيد التتار بقيادة «هولاكو». و كان سقوط بغداد واحدة من أعظم النكبات التي حلت بالعالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام إلى اليوم الحاضر و كان التخريب الحضاري و الثقافي و الاقتصادي و السكاني الذي حل بعاصمة العباسيين في هذا الهجوم بمقاييس ذلك التاريخ من أوسع ما حل بالحواضر البشرية، و قد قدر عدد القتلى في هذه المجزرة الرهيبة كما يقول اليافعي بألف ألف و ثمانمائة و كسر «1» و إذا كان في هذا التقدير ثمة شي‌ء من المبالغة فما لا ريب فيه أن الخسائر البشرية كبيرة جدا و فادحة بمقاييس الخسائر الحربية في ذلك التاريخ. و قد استمر القتل و النهب سبعة أيام «ثمَّ رفعوا السيف و بطل. وا السبي» «2» و قيل: إن القتل و النهب و السبي استمر نيفا و ثلاثين يوما «3» و قيل: أربعين يوما.
يقول الدكتور حسن إبراهيم حسن،: و قد اعمل جند المغول السيف في رقاب أهل بغداد أربعين يوما سلبوا فيها أموالهم و أهلكوا كثيرين من رجال العلم و قتلوا ائمة المساجد و حملة القرآن و تعطلت المساجد و المدارس و الربط، و أصبحت المدينة قاعا صفصفا، ليس‌
______________________________
(1) مرآة الجنان الليافعي: 4- 137.
(2) تاريخ مختصر الدول لابن العبري (المتوفى 0 سنة 685 ه‍-): ص 272 (سلسلة منابع الثقافة الإسلامية).
(3) مرآة الجنان لليافعي: 4- 137.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 87‌
فيها إلا فئة قليلة مشردة الأذهان. و كان القتلى في الطرقات كأنها التلال، و لما نودي بالأمان خرج من تحت الأرض من اختفوا في المطامير و المقابر و من لجأ إلى الآبار و الحشائش كأنهم الموتى قد نبشت قبورهم، و قد أنكر بعضهم البعض فلم يعرف الأب ابنه و لا الأخ أخاه، ثمَّ انتشر الوباء فحصدهم بمنجله حصدا ذريعا و فصد الهواء و عم الوباء «1».
و أما ما حل بخزائن العلم من المكاتب و المدارس في بغداد فحدث و لا حرج، فقد كانت بغداد مركزا من أعظم مراكز الاشعاع الفكري في العالم كله في ذلك التاريخ من دون مبالغة، و قد أحرق التتار كلما وجدوا في بغداد من علم و من مراكز للعلم، كما قتلوا كل من عثروا عليه من العلماء أو كل من كان في بغداد من العلماء، و ليس بإمكان أحد أن يقدر ضخامة الخسارة التي لحقت بالفكر و الثقافة الإسلامية و البشرية في هذه النكبة.
يقول قطب الدين الحنفي: تراكمت الكتب التي ألقاها التتار في نهر دجلة حتى صارت معبرا يعبر عليه الناس و الدواب و اسودت مياه دجلة بما ألقي فيها من الكتب «2».
و لتقرأ لتقي الدين بن أبي اليسر هذه النفثة من شعره في بغداد:
لسائل الدمع عن بغداد أخبار فما وقوفك و الأحباب قد ساروا
يا زائرين الى الزوراء لا تفدوا فما بذاك الحمى و الدار ديار
تاج الخلافة و الربع الذي شرفت به العالم قد عفاه أقفار
أضحى لعصف البلى في ربعه أثر و للدموع على الآثار آثار
يا نار قلبي نار لحرب و غي شبت عليه و وافي الربع أعصار
______________________________
(1) تاريخ الإسلام للدكتور حسن البراهيم: 4- 160- 161 عن الحوادث الجامعة في أعيان المائة السابعة ص 330 و 331.
(2) تاريخ التمدن الإسلام 0 للدكتور گوستاف لوبون ترجمة السيد هاشم الحسن (ترجمة فارسية 1358):
ص 214.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 88‌
علا الصليب على أعلى منابرها و قام بالأمر من يحويه زنار
و كم حريم سبته الترك غاصبة و كان من دون ذاك الستر أستار
و كم بدور على البدرية انخسفت و لم يعد لبدور منه أبدار
و كم ذخائر أضحت و هي شائعة من النهاب و قد حازته كفار
و كم حدود أقيمت من سيوفهم على الرقاب و حطت فيه أوزار
ناديت و السبي مهتوك تجر بهم الى السفاح من الأعداء دعار «1»
و لسنا نستطيع أن نقدر الخسارة التي لحقت بالإسلام و بالبشرية في هذه النكبة التي حلت بمدينة السلام، كما نجزم أن الخسارة الواسعة التي حلت بعاصمة العباسيين في القرن السابع الهجري لم تعوض بالمعنى الدقيق للكلمة الى اليوم الحاضر، و لو لم تتعرض بغداد لهذه النكبة لكان تاريخ المسلمين غير هذا التاريخ، و كان للإسلام و المسلمين شأن آخر على وجه الأرض غير هذا الشأن.
مؤيد الدين بن العلقمي:
أما كيف حدث هذا الحريق الهائل في مركز العالم الإسلامي و كيف تمزقت هذه الدولة الكبرى و تقطعت أوصالا على يد المغول فهو فصل آخر من فصول مأساة المسلمين في التاريخ. أما الذين لا يريدون أن يجهدوا أنفسهم من المؤرخين في أسباب هذه النكبة الكبرى التي أحلت بالمسلمين و لا يريدون أن يدخلوا الى عمق هذا الجرح النازف في تاريخ الإسلام. فالجواب عندهم جائز لا يحوجهم الى تفكير. فقد تعود هؤلاء أن يلتمسوا لكل نكبة تحل بالمسلمين سببا في شيعة أهل البيت، و لا يطول هذه المرة وقوفهم عند هذه القضية. فهذا مؤيد الدين بن العلقمي الذي استوزره المستعصم العباسي آخر خلفاء بني العباس معروف بالتشيع فلم لا يكون هو الذي يتحمل إثم هذه النكبة؟ ثمَّ لا تسأل عن الدليل، فإن المؤلفين‌
______________________________
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 434 و 435 (دار الفكر).



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 89‌
يتناقلون إسناد هذه الجريمة الى ابن العلقمي جيلا من بعد جيل دون أن يذكروا لذلك دليلا معقولا. ثمَّ أغرب من ذلك كله أن لا يذكروا ابن العلقمي إلا بصفته المتميزة (شيعي رافضي).
و من العجب أن التاريخ يحفل بذكر الخيانة و الأجرام في صفوف السنة و الشيعة، و التاريخ يذكر ذلك كله أو بعضه، فإذا كانت الخيانة و الجريمة من السنة اقتصروا على ذكر اسمه و هويته الشخصية، و إذا كانت الخيانة أو الجريمة من الشيعة لم يسندوها اليه بصفته الشخصية و إنما يصرون إلى جانب ذلك على ذكر انتمائه المذهبي.
و من مئاسي التاريخ أن المؤرخين يتناسون كلما مروا بهذه النكبة التي حلت بالمسلمين الأسباب الحقيقية و العميقة لهذه المأساة و يشغلهم أمر إلصاق هذه التهمة بابن العلقمي و الشيعة عن الأسباب الحقيقية التي أنهكت خلافة آل عباس و نخرت في عرشهم و سلطانهم و أضعفتهم و استقدمت إليهم التتار من أقصى الشرق ليغزوهم في عقر دورهم.
و أما ابن العلقمي فقد كان من أكثر الناس حرصا على كف شر التتار و عدوانهم عن بغداد عاصمة الخلافة العثمانية.
يقول ابن العبري المتوفى سنة 685 و هو ممن عاش و عاصر هذه النكبة في كتابه «تاريخ مختصر الدول»: لما فتح هولاكو تلك القلاع- قلاع الإسماعيلية- أرسل رسولا إلى الخليفة و عاتبه على إهماله تسيير النجدة، فشاوروا الوزير ابن العلقمي- فيما يجب أن يفعلوه، فقال: لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبار ببذل الأموال و الهدايا و التحف له و خواصه، و عند ما أخذوا في تجهيز ما يسيرونه قال الدويدار الصغير و أصحابه: إن الوزير إنما يدبر شأن نفسه مع التتار و هو يروم تسليمنا إليهم فلا تمكنه من ذلك، فبطل الخليفة بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة و اقتصر على شي‌ء نزر لا قدر له، فغضب هولاكو و قال: لا بد من مجيئه هو بنفسه أو يسير أحد ثلاثة نفر: إما الوزير، و إما الدويدار، و إما سليمان شاه، فقدم الخليفة إليهم بالمضي فلم‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 90‌
يركنوا. فسير غيرهم فلم يجديا عنه «1».
و يقول صاحب كتاب «جامع التواريخ»: أن الخليفة عندما استشاره وزيره ابن العلقمي قال له: ينبغي أن تدفعه ببذل المال لأن الخزائن و الدفائن مجمع لوقاية عزة العرض و سلامة النفس، فيجب إعداد ألف حمل من النفائس و ألفا من نجائب الإبل و ألفا من الجياد العربية المجهزة بالآلات و المعدات، و ينبغي إرسال التحف و الهدايا في صحبة الرسل مع تقديم الاعتذار الى هولاكو و جعل الخطبة و السكة باسمه، و مال الخليفة إلى قبول هذا الرأي و لكن مجاهد الدين أيبك و كان يلقب بالدويدار الصغير الذي كان يضمر العداوة و البغضاء للوزير ابن العلقمي استمال بعض الأمراء و بعثوا إلى الخليفة برسالة يقولون فيها: إن الوزير إنما رأى هذا الرأي مدفوعا في ذلك بمصلحته الخاصة «2».
الأسباب الحقيقية لسقوط دولة الخلافة العباسية:
و مهما يكن من أمر فإن الأسباب الحقيقية لسقوط الخلافة العباسية أعمق من كل ذلك، و حتى لا يمكن في المستعصم العباسي آخر الخلفاء العباسيين بقدر ما يكمن في الخلفاء الذين عاشوا فترة ازدهار هذه الدولة و انتعاشها السياسي و الاقتصادي و العسكري و لست أعتقد ان مسؤولية المستعصم العباسي و هو آخر خلفاء بني العباسي و أضعفهم تزيد على مسؤولية هارون الرشيد الذي عاش فترة ازدهار الخلافة العباسية و يعد من أقوى خلفاء بني العباس و لسنا هنا بصدد البحث عن عوامل سقوط الخلافة العباسية، إلا أننا نشير إشارة سريعة الى هذه العوامل قبل ان نتجاوز هذه النقطة من البحث:
[الأول] 1- البذخ و التبذير في بيت مال المسلمين:
______________________________
(1) تاريخ مختصر الدول لابن العبري (المتوفى 685): ص 269 و 270 (منابع الثقافة الإسلامية)، راجع سقوط بغداد تأليف بي تي رستيدو (الترجمة الفارسية): ص 80.
(2) جامع التواريخ: 2- 271 لندن 1910، و تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: 4- 156.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 91‌
كان أقلية من المجتمع الإسلامي في هذا العصر من القريبين الى قصر الخلافة و من رجال المال و الاقطاعات الزراعية الواسعة يتمتعون بثراء واسع و يستخدمون المال في لهوهم و مجونهم بإسراف و بذخ كبيرين، و لئن كانت قصص ألف ليلة و ليلة من نسج الخيال فإن جملة مما ورد في هذه القصص من إسراف الأمراء و التبذير الذي كان يجري في داخل القصور من صلب الواقع في هذه الفترة (الذهبية!!) من تاريخ الإسلام.
و كل هذا الإسراف و التبذير كان يتم على حساب الطبقة المستضعفة و المحرومة في المجتمع، و كانت هذه الطبقة الواسعة في المجتمع هي التي تؤمن- لقصور الأمراء و رجال المال و الإقطاع- هذا اللهو و المجون الذي كان يثقل كأهل بيت المال على شكل ضرائب مرتفعة و ثقيلة، و الذي يقرأ تاريخ هذه الفترة من العصور الإسلامية يلمس- بشكل واضح- الفاصل الطبقي الكبير الذي كان يفصل هذه الطبقة عن تلك، و المآسي المتراكمة من حرمان الطبقة المحرومة، و من ظلم الحكام و جورهم، و البذخ و الإسراف و المجون الذي كان يجري في قصور الطبقة المترفة. و يقرأ ما آل إليه أمر الخلافة العباسية على يد المستعصم آخر خلفاء بني العباس في عصر هارون الرشيد (العصر الذهبي للخلافة العباسية!!).
و من العجب أننا نجد جذور سقوط الخلافة العباسية في العصر الذهبي لسلطان بني العباس و لكي لا نتوقف عند هذه النقطة أكثر من هذا الحد في هذه التوطئة نلتقط للقارئ صورة واحدة لما كان يجري في قصور الخلفاء و الأمراء من اللهو و المجون و الإسراف و التبذير، و نحيل القاري إذا أراد التوسع الى الموسوعات التاريخية الكبيرة التي دونت أحداث هذه الفترة من تاريخ الإسلام.
يقول البشابشتي في كتابه المعروف «الديارات» في تعريف دير السوسي ما هذا نصه: و هذا الدير لطيف على شاطئ دجلة بقادسية سر من رأى، و بين القادسية و سر من رأى أربعة فراسخ و المطيرة بينهما، و هذه النواحي كلها متنزهات و بساتين و كروم و الناس يقصدون هذا الدير و يشربون في بساتينه، و هو من مواطن السرور‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 92‌
و مواضع القصف و اللعب.
و لابن المعتز فيه:
يا ليالي بالمطيرة و الكر خ و دير السوسي بالله عودي
كنت عندي انموذجات من الجنة ، لكنها بغير خلود
و القادسية من أحسن المواضع و أنزهها و هي من معادن الشراب و مناخات المتطربين، جامعة لما يطلب أهل البطالة و الخسارة، و بالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف ببركوارا، و لما فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتز و جعل إعذاره فيه، و كان من أحسن أبنية المتوكل و أجلها، و بلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم.
قال «1»: و لما صح عزمه على اعذار أبي عبد الله المعتز أمر الفتح بن خاقان بالتأهب له «2»، و أن يلتمس في خزائن الفرش بساطا للايوان في عرضه و طوله، و كان طوله مائة ذراع و عرضه خمسون ذراعا، فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني أمية، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الايوان و عرضه. و كان بساطا «3» إبريسما غرز مذهب مفروز مبطن، فلما رآه المتوكل أعجب به و أراد أن يعرف قيمته، فجمع عليه التجار فذكر أنه قوم على أوسط القيم عشرة آلاف دينار، فبسط في الايوان و بسط للخليفة في صدر الايوان سرير، و مد بين يديه أربعة آلاف مرفع [1] ذهب مرصعة بالجوهر، فيها تماثيل العنبر و الند و الكافور، المعمول على مثل الصور، منها ما هو مرصع بالجوهر مفردا، و منها ما عليه ذهب و جوهر، و جعلت بساطا ممدودا و تغدى‌
______________________________
[1] المرفع كمنبر: ما رفع به و كمقعد: الكرسي يمانية (التاج 5: 359) ج: المرافع. و انظر رحلة ابن بطوطة (ص: 378) تكملة المعجمات العربية للدوزي (1: 543).
______________________________
(1) الحكاية وردت بكمالها في كتاب «مطالع البدور في منازل السرور» للغزولي (1: 58- 59) نقلا من كتاب «العجائب و الطرف و الهدايا و التحف» (تحقيق محمد حميد الله. الكويت 1959 ص 113- 119).
(2) وصفت هذه الكفلة في «الطائف المعارف» للثعالبي (ص 74- 75 ليدن 1867) و ثمار القلوب (ص 131).
(3) وصف هذا البساط في مروج الذهب (7: 290- 294).



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 93‌
المتوكل و الناس، و جلس على السرير، و أحضر الأمراء و القواد و الندماء و أصحاب المراتب فأجلسوا على مراتبهم، و جعل بين صوانيهم و السماط فرجة، و جاء الفراشون بزبل [1] قد غشيت بأدم مملوءة دنانير و دراهم نصفين، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت، و قام الغلمان فوقها، و أمروا الناس عن الخليفة بالشرب، و أن ينتقل كل من يشرب بثلاث حفنات ما حملت يداه من ذلك المال، فكان إذا أثقل الواحد منهم ما اجتمع في كمه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم و عاد الى مجلسه، و كلما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملأونه به حتى يعود الى حاله، و خلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد، و أقاموا الى أن صليت العصر و المغرب، و حملوا عند انصرافهم على الأفراس و الشهاري، و أعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد، و أمر لكل واحد منهم بمائة درهم و ثلاث أثواب، و كان في صحن الدار بين يدي الايوان أربعمائة بلية [2] عليهن أنواع الثياب، و بين يديهن [3] ألف نبيجة [4] خيزران، فيها أنواع الفواكه من الأترج و النارنج على قلته كان في ذلك الوقت و التفاح الشامي و الليموه [5] و خمسة آلاف باقة نرجس و عشرة آلاف باقة بنفسج.
______________________________
[1] الزبل واحدها: الزبيل. وعاء ينسج من خوص النخل. و الزبيل معروف إلى اليوم عند العراقيين و يسمونه (زنبيل).
[2] البلية و الجمع البليات: تخفيف الابلية التي تجمع على الابليات نسبة إلى مدينة «الأبله» التي كانت قريبة من البصرة (معجم البلدان 1: 97). و قال القلقشندي (صبح الأعشى 14: 363) نقلا عن رسالة لأبي إسحاق الصابي: «و أمره أن ينصب الارصاد على منازل المغنيات و المغنين و مواطن الابليات و المخنثين».
و في كتاب «الموشى» للوشاء (ص 173 طبعه ليدن): «و رأيت جارية أبلية لبعض المخنثين و قد علقت طبلا في عنقها بزنار».
فالبلية أو الابلية، يراد بها المرأة المغنية الراقصة في الحفلات.
[3] الوجه ان يقال: أيديهن.
[4] النبيجة: السفرة و الطبق من الخوص أو الخيزران.
[5] يريد: الليمون.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 94‌
و تقدم الى الفتح [1] بأن ينثر على البليات و خدم الدار و الحاشية ما كان أعده لهم و هو عشرون ألف ألف درهم [2]، فلم يقدم أحد على التقاط شي‌ء، فأخذ الفتح درهما، فأكبت الجماعة على المال فنهب. و كانت قبيحة [3] قد تقدمت بأن تضرب دراهم، عليها: «بركة من الله لا عذار أبي عبد الله المعتز بالله»، فضرب لها ألف ألف درهم نثرت على المزين و من في حيزه و الغلمان و الشاكرية و قهارمة الدار و الخدم الخاصة من البيضان و السودان.
و كان ممن حضر المجلس ذلك اليوم: محمد بن المنتصر و أبو أحمد و أبو سليمان ابنا الرشيد و أحمد و العباس ابنا المعتصم، و موسى ابن المأمون و ابنا حمدون النديم و أحمد بن أبي رؤيم و الحسين بن الضحاك و علي بن الجهم و علي بن يحيى المنجم و أخوه أحمد.
و من المغنين: عمرو بن بأنه، أحمد بن أبي العلاء، ابن الحفصي، ابن المكي، سلمك [الزازي]، عثعث، سليمان الطبال، المسدود أبو حشيشة، ابن القصار، صالح الدقاف، زفام الزامر، تفاح الزامر.
و من المغنيات: عريب، بدعة جاريتها، سراب، شارية و جواريها، ندمان، منعم، نجلة، تركية، فريدة، عرفان.
قال إبراهيم بن المدبر: لما طهر المعتز اجتمع مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل، و كان فيهم يحيى بن خاقان و ابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير و هو واقف موقف الخدم بقباء و منطقة، و كان يحيى لا يشرب النبيذ، فقال المتوكل لعبيد الله: خذ قدحا من تلك الأقداح و اصبب فيه نبيذا و صير على كتفك منديلا و امض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه.
______________________________
[1] تقدم إلى فلان بكذا: أمره به.
[2] في مطالع البدور: ألف ألف درهم.
[3] هي أم الخليفة المعتز بالله العباسي، كانت رومية فائقة الجمال، فسميت قبيحة من أسماء الأضداد.
توفيت في سامراء سنة 264 ه‍ (887 م).



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 95‌
قال: ففعل، فرفع يحيى رأسه الى ابنه فقال المتوكل: يا يحيى لا ترده. قال لا يا أمير المؤمنين، ثمَّ شربه. و قال: قد جلت نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين، فهنأك الله النعمة و لا سلبنا ما أنعم به علينا منك. فقال: يا يحيى إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة في طهور ولي عهد! و قال إبراهيم بن العباس: سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم فقلت: كم حصل لك الى أن وضع الطعام؟ فقال: نيف و ثمانون ألف دينار، سوى الصياغات و الخواتيم و الجواهر و العدات.
قال: و أقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام، ثمَّ أصعد الى قصره الجعفري و تقدم بإحضار إبراهيم بن العباس و أمره أن يعمل له عملا [1] بما أنفق في هذا الاعذار و يعرضه عليه، ففعل ذلك فاشتمل العمل على ستة و ثمانين ألف ألف درهم، و كان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران حتى ارخ ذلك في الكتب و سميت دعوة الإسلام، ثمَّ أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك.
و كانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثا لم يكن مثلها، فمنها: دعوة المعتز- هذه المذكورة.
و منها: عرس زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر، فإن المهدي زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة و صناديق الجوهر و الحلي و التيجان و الأكاليل و قباب الفضة و الذهب و الطيب و الكسوة، و أعطاها بدنة [2] عبدة «1»، ابنة عبد الله بن يزيد بن معاوية امرأة هشام، و لم ير في الإسلام مثلها و مثل الحب الذي كان فيها، و كان في ظهرها و صدرها خطان ياقوت أحمر و باقيها من الدر الكبار الذي ليس مثله. و دخل بها الرشيد في المحرم سنة خمس و ستين و مائة في قصره‌
______________________________
[1] معنى «عملا عملا» في هذه العبارة، كتبه ثبتا أو إحصاء بما أنفق.
[2] البدنة: ما يلبس من الثياب على البدن و المراد بها هاهنا ضرب من القمصان تلبسه النساء.
______________________________
(1) ذكرها ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص 104 القاهرة 1948). و كتاب بغداد لطيفور (6: 115 طبعة القاهرة).



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 96‌
المعروف بالخلد [1]، و حشر الناس من الآفاق، و فرق فيهم من الأموال أمر عظيم، فكانت الدنانير تجعل في جامات [2] فضة، و الدراهم في جامات ذهب، و نوافج [3] المسك و جماجم [4] العنبر و الغالية في بواطي زجاج، و يفرق ذلك على الناس و يخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة، و أوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب [5].
و أحضر نساء بني هاشم، و كان يدفع الى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير و كيس فيه دراهم، و صينية كبيرة فضة فيها طيب، و يخلع عليها خلعة و شي‌ء مثقل، فلم ير في الإسلام مثلها، و بلغت النفقة في هذا العرس من بيت المال الخاصة سوى ما أنفقه الرشيد من ماله خمسين ألف ألف درهم.
و اسم زبيدة أمة العزيز، و زبيدة لق، و كان أبو جعفر يرقصها «1»، و هي صغيرة و كانت سمينة و يقول: ما أنت إلا زبيدة، ما أنت إلا زبيدة فمضى عليها هذا الاسم.
و منها عرس [6] المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، بفم الصلح، و كانت النفقة عليه أمرا عظيما، و سأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس، فقالت: ما بين خمسة و ثلاثين ألف ألف إلى سبعة و ثلاثين ألف ألف، فبلغ الحسن بن سهل‌
______________________________
[1] الخلد: قصر بناه المنصور ببغداد بعد فراغه من مدينة على شاطئ دجلة، في سنة 159 ه‍ «معجم البلدان 2: 459 و المراصد 1: 362».
[2] الجامات: واحدها الجام: بمعنى الكأس.
[3] النوافج: واحدتها النافجة: وعاء المسك.
[4] الجماجم: واحدتها الجمجمة: قدح من خشب (النهاية لابن الأثير 1: 178).
[5] الاتوار: واحدتها التور (بالتاء المثناة من فوقها): إناء كالإجانة يصنع من صفر أو مجارة (النهاية لابن الأثير 1: 120).
[6] اشتهر خبر هذا العرس كثيرا في كتب الأدب و التاريخ (تاريخ الطبري 3: 1081- 1084، و ثمار القلوب ص 130- 131، و لطائف المعارف ص 73، و تاريخ بغداد للخطيب 7: 321، و الوفيات 1: 130- 132، و البداية و النهاية 11: 49- 50، و مقدمة ابن خلدون 1: 311 طبعة باريس، و الصبوح و الغبوق ص 99- 100).
______________________________
(1) الأغاني (9: 97)، و تاريخ بغداد للخطيب (14: 433)، و زهر الآداب (2: 236)، و الشريشي (2: 245).



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 97‌
فقال: كان النفقة على يد زبيدة! أنفقنا خمسة و ثلاثين ألف ألف و كان يجري في جملة الجرايات في كل يوم على نيف و ثلاثين ألف ملاح.
و كان دخولها في المدينة التي بناها بفم الصلح- على شاطئ دجلة- لثمان خلون من شهر رمضان سنة عشر و مائتين.
قال: و أمهر المأمون بوران مائة ألف دينار و خمسة آلاف ألف درهم، و أوقد بين يديه تلك الليلة ثلاث شمعات عنبر و كثر دخانها، فقالت زبيدة: إن فيما ظهر من المروءة لكفاية، ارفعوا هذا الشمع العنبر و هاتوا الشمع.
قال: و لما جليت بوران على المأمون نثر عليها حبا كبارا كان في كمه، فوقع على حصير ذهب كان تحته، فقال: لله در الحسن بن هانئ ما أعظمه من شاعر فصيح حيث يقول:
كأن صغرى و كبرى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب
قال: و امتنع من كان حاضرا أن يلتقط شيئا، فقال المأمون: أكرميها! فمدت زبيدة يدها فأخذت حبة فالتقط من حضر الباقي.
و كان اسم بوران خديجة و كانت وفاتها في سنة إحدى و سبعين و مائتين في أيام المعتمد، و لها ثمانون سنة، و لبوران ترثي المأمون:
أسعداني على البكا مقلتيا صرت بعد الامام للهم فيا
كنت أسطو على الزمان فلما مات صار الزمان يسطو عليا
ذكر ابن خرداذبه: أن المتوكل أنفق على الأبنية التي بناها و هي: بركوارا، و الشاه، و العروس، و البركة، و الجوسق، و المختار، و الجعفري، و الغريب، و البديع، و الصبيح، و المليح، و السندان، و القصر، و الجامع، و القلاية، و البرج، و قصر المتوكلية، و البهو، و اللؤلؤة، مائتي ألف ألف و أربعة و سبعين ألف ألف درهم. و من العين مائة ألف ألف دينار، تكون قيمة الورق عينا بصرف «1».
______________________________
(1) الديارات للبشابشتي: ص 149- 159.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 98‌
[الثاني] 2- إطلاق يد المماليك في شؤون الدولة:
بعد عصر هارون فقدت الخلافة السيطرة المركزية على أطراف البلاد الواسعة القريبة و البعيدة، و أخذت ترتفع أصوات المعارضة هنا و هناك، و لم يعد بإمكان الخليفة أن يحكم القبضة على شؤون البلاد المختلفة، و لكي لا يفقد جهاز الخلافة السيطرة على مساحة و نفوذ و سلطان الخلافة حاول الخلفاء أن يسدوا هذه الثغرة التي انفتحت على أمن الخلافة بالاستعانة بالمرتزقة من الموالي و المماليك الذين كانوا يعدون يومذاك مواطنين من الدرجة الثانية في المجتمع الإسلامي، فلجأ قصر الخلافة العباسية الى الاحتماء بهؤلاء المماليك و الموالي و استقدموا أعدادا كبيرة منهم الى مركز الخلافة، و أولوهم مراكز السلطة و السيادة في الجيش و الشرطة، و أطلقوا أيديهم في أمور الجيش و الشرطة و الأمن، ثمَّ في سائر شؤون الدولة.
و كثر عددهم حتى ضاق بهم الناس في بغداد أيام المعتصم العباسي، و ضاق الناس بهم ذرعا، و كثر شكوى الناس عنهم، فلم يجد الخليفة بدا من أن ينقل مركز حكومته و سلطانه من بغداد الى سامراء و استشرى أمر هؤلاء المماليك، و زاد نفوذهم و بأسهم في مركز الحكم و القوة في الدولة العباسية، و زاد في نفس الوقت أذاهم للناس و شكوى الناس منهم.
و رغم ذلك لم يتمكن الخليفة أن يصنع أكثر مما صنع من نقل مركز الخلافة من بغداد الى سامراء، و لم يستطع أن يجدد من نفوذ هؤلاء المماليك، و لا أن يمنع أذاهم عن الناس. و هل كان الخليفة العباسي يعجز حقيقة عن تحديد نفوذ هؤلاء المماليك الذي أمكنهم الخليفة من مركز حكمه و سلطانه بيده أم أنه كان بحاجة إليهم في توفير الحماية و الأمن للقصر فلم يشأ أن يسلب عنهم ما أولاهم من النفوذ و السلطان؟
قد يكون هذا أو ذاك، و قد يكون هذا و ذاك، و لكن الحقيقة الثابتة تأريخيا أن الخليفة العباسي لم يسلب من هؤلاء المماليك شيئا مما أولاهم من النفوذ و السلطان بعد أن ضاق الناس بهم ذرعا و كثر شكوى الناس منهم، و في القصة‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 99‌
التالية التي يرويها ابن الأثير في الكامل دلالة واضحة على ما نقول، يقول ابن الأثير:
اتفق أن المعتصم خرج بموكبه يوم عيد فقام إليه شيخ فقال له: يا أبا إسحاق.
فأراد الجنود ضربه و تنحيته، فمنعهم الخليفة و قال: يا شيخ مالك؟ قال الشيخ:
لا جزاك الله عن الجوار خيرا، جاورتنا و جئت بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك فأسكنتهم بيننا، فأيتمت بهم صبياننا و أرملت نساءنا و قتلت رجالنا، و الله لنقاتلنك بسهام السحر «1».
و دب نفوذ هؤلاء المماليك و الموالي في جهاز الخلافة دبيب المرض الى أن شل قدرة الخليفة تماما، و أصبح الخليفة لا يملك من أمره شيئا كثيرا، و أصبح نفوذ العسكر في قصر الخليفة و في شؤون الحكم هو النفوذ الأول، و لم يكن بطبيعة الحال استقدام هؤلاء المماليك و الموالي إلى مراكز العسكر من منطلقات إسلامية صحيحة، و انما كان لغايات سياسية و أمنية تخص الخليفة و قصره و جهاز حكمه، و لذلك لم يتم استقدام هؤلاء المماليك و إناطة مراكز القوة و النفوذ بهم على أساس صحيح، مما أدى في النتيجة الى الشلل الكامل لإرادة الخليفة و الى ازدياد سخط الناس و غضبهم على الخليفة و جهازه و تمرد القادة العسكريين و الولاة بما في أيديهم من القوة العسكرية و المال و الولايات عن مركز الخلافة.
[الثالث] 3- الفتن الطائفية:
الفتن الطائفية التي كانت تلتهب في أرجاء الدولة العباسية بين الحين و الحين، و بشكل خاص في مركز الخلافة العباسية كالتي كانت تحدث بين السنة و الشيعة من الفتن، أو بين الحنابلة و الشافعية، أو بين الحنابلة و الأشاعرة، أو بين الشافعية و الحنفية.
و قد شهدت بغداد خلال هذه الفترة غارات و هجمات كبيرة و شرسة على الشيعة الذين كانوا يجتمعون في الكرخ من بغداد، و كان المهاجمون يشعلون الحرائق في المدارس و المكتبات، و قد أحرقوا في بعض هذه الهجمات مكتبة شيخ الطائفة‌
______________________________
(1) الكامل لابن الأثير: 7- 181.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 100‌
أبي جعفر الطوسي- رحمه الله- و أحرقوا الكرسي الذي كان يدرس عليه.
و كان بنو العباس من وراء جملة من هذه الفتن يشجعونها و يدعمونها، و قد كان ابن الخليفة المستعصم بالتعاون مع الدويدار الصغير (دواتدار الصغير) قائد الخليفة من وراء الهجوم الشرس على شيعة الكرخ في عهد المستعصم بل في مقدمة هذا الهجوم الشرس. و في هذا الهجوم قتل الكثير من الأبرياء، و أحرقت البيوت على أصحابها، و نهبت البيوت و المحلات في الأسواق، و أخرجت النساء من بيوتهن على هيئة الأسرى يطاف بهن في الشوارع سافرات حفاة و قد شددت على أشفار الخيل، و خوطب الخليفة في أمرهم فأمر بالكف عنهم و حملت النسوة و الأسرى الى دار الرقيق، ثمَّ أعيدوا بعد ذلك الى بيوتهم و ذويهم.
و تجري هذه الفتن في مركز الخلافة العباسية و بعلم من الخليفة نفسه و على يد ابن الخليفة و قائده و خطر التتار يهدد بغداد مركز الخلافة و يهدد الخلافة نفسها [1].
و من الفتن الكبرى التي عصفت بالدولة العباسية فتنة خلق القرآن التي أضرت كثيرا بسلامة الدولة و أمنها و استقرارها، و التي أدت إلى إراقة الكثير من الدماء و اضطهاد و تعذيب الكثير من العلماء و منهم أحمد بن حنبل إمام المذهب الحنبلي، و كان الخليفة نفسه متورطا في هذه الفتنة و طرفا فيها.
و حوادث هذه الفتن كثيرة في عهد هذه الدولة، و الحديث عنها يطول و لسنا نريد أن نسهب أكثر من هذا الحد في تفصيل هذه الفتن في هذه المقدمة و لقد كانت لهذه الفتن أكبر الأثر في سقوط الدولة العباسية [2].
______________________________
[1] راجع في أحداث الفتن الطائفية الكامل لابن الأثير 9- 83 و 205 و 213 و ابن الفوطي 276 و 304.
[2] راجع مؤيد الدين بن العلقمي و أسرار سقوط الدولة العباسية: ص 77 نقلا عن ابن الفوطي الحوادث الجامعة: 315، و بغداد مدينة السلام: 208، و مختصر تاريخ العرب: 340.
و يقول ابن الوردي المتوفى سنة 749 ه‍ في أحداث سنة 656 ه‍: أمر أبو بكر ابن الخليفة المستعصم ركن الدين الدواتدار العسكر فنهبوا الكرخ (الكرخ كانت محلة الشيعة في بغداد) فنهبوا الكرخ و ركبوا من النساء الفواحش. (راجع تاريخ ابن الوردي: 2- 279).



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 101‌
دور الحلة في الحد من هجوم التتار:
كان سقوط بغداد أمرا حتميا لا مفر منه و كان رجال المسلمين في العراق ينظرون الى هذه الحقيقة المأساوية بأسى و أسف بالغين، فلم يكن للخليفة العباسي المستعصم قدرة على صد الهجوم و إحباطه، و لم يكن لديه استعداد على امتصاص ضراوة التتار ببعض الهدايا و التنازلات، كما اقترح عليه وزيره مؤيد الدين بن العلقمي، و بقيت بغداد بين ضعف الخليفة العباسي و غروره و اعتداده بنفسه مهددة بالخطر الحقيقي من قبل هولاكو، و ظل المسلمون ينظرون الى هذا الخطر المقبل على قلب العالم الإسلامي بجزع.
و تمت محاصرة بغداد من قبل التتار فكان لا بد من عمل سريع من قبل رجال المسلمين بعد عجز الخليفة عن درء الخطر عن نفسه و عن مركز سلطانه بغداد للحد من الخسائر و تقليلها مهما أمكن، و إنقاذ ما يمكن إنقاذه من دماء المسلمين و أعراضهم و أموالهم و تراثهم و أفكارهم من الغزو المغولي الذي يطوق بغداد.
و كانت مدينة الحلة يومذاك من أهم المراكز العلمية في العراق، و كانت هذه المدينة مركزا معروفا للشيعة يسكنها في أوان هذه المحنة علماء بارزون من الشيعة من أمثال المحقق الحلي و الإمام سديد الدين يوسف بن علي بن مطهر- والد العلامة- و الامام رضي الدين بن طاوس و السيد مجد الدين محمد بن الحسن بن طاوس و الفقيه ابن أبي العز، و غيرهم من رجال الشيعة و زعمائها و أصحاب الشأن منهم.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 102‌
فأدرك هؤلاء ضرورة التحرك السريع لدرء الخطر المقبل، و امتصاص ضراوة التتار و نقمتهم، و العمل على دفع هجوم التتار من سائر بقاع العراق، و لا سيما المراكز الدينية منها.
و كان الناس من بعد ما سمعوا فروا من المدينة إلى المناطق النائية ليسلموا بأنفسهم و ما يمكن نقله من أموالهم.
فاستقر رأي علماء الشيعة و علماؤها في الحلة على أن يكتبوا إلى هولاكو كتابا يطلبون منه الأمان للحلة و ما والاها من المناطق.
الوفد الأول:
يقول العلامة الحلي- رحمه الله- في كتابه «كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين»:
لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر الحلة إلى البطائح إلا القليل، فكان من جملة القليل والدي- رحمه الله- و السيد مجد الدين بن طاوس و الفقيه ابن ابي العرفاء، اجتمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت الإيلية، و أنفذوا به شخصا أعجميا، فأنفذ السلطان إليهم فرمانا مع شخصين أحدهما يقال له: نكلة، و الآخر يقال له: علاء الدين، و قال لهما: قولا لهم: إن كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم تحضرون إلينا، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه. فقال والدي- رحمه الله-: إن جئت وحدي ك‍ في؟ فقالا: نعم، فاصعد معهما.
فلما حضر بين يديه و كان ذلك قبل فتح بغداد و قبل قتل الخليفة قال له: كيف قدمتم على مكاتبتي و الحضور عندي قبل أن تعلموا بما ينتهي اليه أمري و أمر صاحبكم؟ و كيف تأمنون أن يصالحني و رحلت عنه؟ فقال والدي: انما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال في خطبته:
الزوراء، و ما أدراك ما الزوراء، أرض ذات أثل يشيد فيها البنيان، و تكثر فيها‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 103‌
السكان، و يكون فيها مهادم و خزان، يتخذها ولد العباس موطنا، و لزخرفهم مسكنا، تكون لهم دار لهو و لعب، يكون بها الجور و الجائر و الخوف المخيف و الأئمة الفجرة و الأمراء الفسقة و الوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس و الروم، لا يأمرون بمعروف إذا عرفوه، و لا يتناهون عن منكر إذ أنكروه، تكتفي الرجال منهم بالرجال و النساء بالنساء، فعند ذلك الغم العميم و البكاء الطويل و الويل و العويل لأهل الزوراء من سطوات الترك، و هم قوم صغار الحدق، وجوههم كالمجال المطوقة، لباسهم الحديد، جرد مرد، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم، جهوري الصوت، قوي الصولة، عالي الهمة، لا يمر بمدينة إلا فتحها، و لا ترفع عليه رأيه إلا يكشفها، الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر.
فلما وصف لنا ذلك و وجدنا الصفات فيكم رجوناك فقصدناك، فطيب قلوبهم، و كتب لهم فرمانا لهم باسم والدي- رحمه الله- يطيب فيه قلوب أهل الحلة و أعمالها «1».
الوفد الثاني:
و هناك رواية أخرى بشأن الوفد الذي التقى هولاكو من مدينة الحلة، و بناء على هذه الرواية يتكون الوفد من جمع من وجهاء العلويين بصحبة السيد مجد الدين ابن طاوس الذي ألف فيما بعد كتاب «البشارة» و أهداه إلى السلطان المغولي درء لشره و أذاه عن المسلمين. و هذه الرواية يرويها المؤرخ المعروف بن الفوطي في «الحوادث الجامعة».
و لما كانت الرواية الاولى من رواية العلامة الحلي و هو شاهد و حاضر في هذه القصة، و كان الأمر يتعلق بوالده الامام سديد الدين بن المطهر، و ليس لدينا من سبب للتشكيك في إسناد كتاب «كشف اليقين» إلى العلامة الحلي و الكتاب‌
______________________________
(1) روضات الجنات: 8- 200 و 201.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 104‌
مطبوع أكثر من مرة، و يذكره العلامة في كتابه «نهج الحق» و توجد منه نسخ مخطوطة متعددة «1» كما توجد منه طبعات متعددة، و عليه فلا سبيل للتشكيك في هذه الرواية.
كما لا سبيل للتشكيك في رواية ابن الفوطي، فإن الشيخ كمال الدين عبد الرزاق ابن الفوطي عاصر هذه الكارثة (646- 700 ه‍) و هو راوية ثقة و ليس من سبيل للتشكيك في صحة روايته. و عليه فنحن نتصور أن الحلة أوفدت الى هولاكو وفدين، و ليس وفدا واحدا: الوفد الأول برئاسة الامام سديد الدين بن المطهر والد العلامة- رحمهما الله- (أو الإمام سديد الدين وحده كما يظهر من رواية العلامة). و الوفد الثاني برئاسة السيد مجد الدين بن طاوس صاحب كتاب «البشارة».
و كان الوفد الثاني وفدا كبيرا يتكون من جمع من وجهاء العلويين، يترأسهم السيد مجد الدين بن طاوس، و يبدو أن هذا الوفد التقى هولاكو بعد أن اطمأنوا الى هولاكو، و مهما يكن من أمر فسوف نستعرض قصة الوفد الثاني برواية ابن الفوطي.
يروي ابن الفوطي أنه في سنة ست و خمسين و ستمائة سار السلطان هولاكو خان من بلاده نحو بغداد، و كان أهالي الحلة و الكوفة قد انتزحوا الى البطائح بأولادهم و ما قدروا عليهم من أموالهم، و حضر أكابر من العلويين و الفقهاء مع مجد الدين بن طاوس العلوي إلى حضرة السلطان و سألوه حقن دماءهم، فأجاب سؤالهم و عين لهم شحنة، فعادوا الى بلادهم، و أرسلوا الى من في البطائح من الناس يعرفونهم ذلك، فحضروا بأهليهم و أموالهم و جمعوا مالا عظيما و حملوه الى السلطان «2».
و يقول النسابة الشهير السيد جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين المعروف بابن عنبة المتوفى سنة 828 في ترجمة مجد الدين بن طاوس: خرج الى السلطان هولاكو خان‌
______________________________
(1) الذريعة الى تصانيف الشيعة: 18- 69.
(2) الحوادث الجامعة لابن الفوطي: ص 223.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 105‌
و صنف له كتاب «البشارة» و سلم الحلة و النيل و المشهدين الشريفين من القتل و النهب، ورد اليه حكم النقابة بالبلاد الفراتية، فحكم في ذلك قليلا ثمَّ مات [1].
الوفد الثالث:
و هناك وفد ثالث أعظم منهما ترأسه الإمام الزاهد رضي الدين بن طاوس- رحمه الله- و قد صحبه في هذا الوفد نحو ألف من الناس. و يظهر من الرواية أن السيد رضي الدين التقى هولاكو هنا المرة برغبة من هولاكو نفسه، و قد أولاه هولاكو في هذه المقابلة نقابة العلويين، و لنذكر الحديث برواية رضي الدين بن طاوس- رحمه الله- نفسه في كتابه الكبير «الإقبال»: فصل فيما نذكره عن يوم الثامن و العشرين من محرم، و كان يوم الاثنين سنة ست و خمسين و ستمائة فتح ملك الأرض بغداد، و كنت مقيما بها في داري بالمقيدية، و بتنا في ليلة هائلة من المخاوف الدنيوية، فسلمنا الله جل جلاله من تلك الأهوال، و لم نزل في حمى السلامة الإلهية و تصديق ما عرفناه من الوعود النبوية. الى أن استدعاني ملك الأرض إلى دركاته في صفر و ولاني على العلويين و العلماء و الزهاد، و صحبت معي نحو ألف نفس و معنا من جانبه من حمانا، إلى أن وصلت الحلة ظافرين بالآمال، و قد قررت مع نفسي أنني أصلي في كل يوم من مثل اليوم المذكور ركعتي الشكر للسلامة من ذلك المحذور «1».
و مهما كان من أمر فقد نجحت خطة علماء الشيعة في الحد من غزو التتار، و إيقاف الهجوم المغولي عند سقوط بغداد، و إنقاذ ما أمكن إنقاذه من دماء المسلمين و أعراضهم و تراثهم و أموالهم. و لو كان يقدر للجيش المغولي أن يعمل في الإبادة‌
______________________________
[1] عمدة الطالب: ص 190 و 191 و أشار عمر رضا كحاله في معجم المؤلفين: 9- 224 الى كتاب «البشارة» الذي أهداه السيد مجد الدين الى هولاكو.
______________________________
(1) الإقبال للسيد ابن طاوس: ص 586.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 106‌
و التخريب و النهب و الحرق في سائر مناطق العراق ما صنعه ببغداد لكانت أبعاد الكارثة أعظم مما حصل بكثير، و مما يؤسف له أن الذين أرخوا هذه الفترة لم يعرفوا قيمة الدور الذي نهض به علماء الشيعة في هذه الكارثة من درء الخطر عن وسط و جنوب العراق.
و لا نعدم من المؤرخين من حاول أن يفسر تحرك علماء الشيعة في هذه الفترة بهذا الاتجاه تفسيرا سلبيا مغاليا في السلبية مفرطا في سوء الظن، و ليس يعنينا من أمر هؤلاء شي‌ء، فإن أمثال هؤلاء كثير من الذين يحاولون أن يعكروا الماء ليصيدوا في الماء العكر.
و لكن الحقيقة من وراء هذا أو ذاك أن علماء الشيعة حدوا كثيرا من ضراوة هذا الغزو و أنقذوا الكثير مما كان لا يمكن إنقاذه لو لا هذا التحرك السياسي، فقد استطاع المحقق نصير الدين الطوسي- رحمه الله- مثلا من إنقاذ الكثير من المدن العراقية من الغزو المغولي، كما استطاع أن ينقذ الكثير من علماء بغداد و مدارسها و مكتباتها، و قد سلم بفضل هذا العالم الجليل الكثير من التراث و الكتب و المكتبات من سقوط بغداد.
يقول محمد شاكر الكشي في «فوات الوفيات» في ترجمة نصير الدين الطوسي: كان رأسا في علم الأوائل و لا سيما في الإرصاد و المجسطي فإنه فاق الكبار و قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي و غيره، و كان ذا حرمة وافرة و منزلة عالية عند هولاكو، و كان يطيعه فيما يشير به عليه، و الأموال في تصريفه و ابتنى بمراغة قبة، و رصدا عظيما شرع في تأسيسه سنة 657، و جعل في الرصد دارا واسعة و استنبط آلات عديدة شريفة للارصاد، و اتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الإرجاء و ملأها من الكتب التي نهبت من بغداد و الشام و الجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد «1».
______________________________
(1) تعليقة السيد محمد صادق بحر العلوم على اللؤلؤة: ص 245 و 246 نقلا عن «فوات الوفيات».



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 107‌
مدرسة الحلة:
كان واحدا من أبرز نتائج الخطة التي رسمها علماء الشيعة لمواجهة الغزو المغولي أن المغول لم يتمكنوا من القضاء على العلم في بغداد.
فقد كانت بغداد أعظم مراكز العلم في العالم الإسلامي على الإطلاق، و لو كان التخريب الذي أصاب سائر مرافق الحياة في بغداد كان يصيب مراكز العلم في بغداد لعظمت محنة المسلمين في هذه الكارثة أضعافا مضاعفة.
و لكن الذي حدث أن الحلة استطاعت أن تكسب أمان السلطان المغولي، و استطاع علماء الشيعة أن ينقلوا ما تبقى من مراكز العلم و الكتب و العلماء في بغداد إلى الحلة، و كان للمحقق نصير الدين الطوسي- رحمه الله- الذي احتبسه السلطان لنفسه و الذي كان يحظى باحترام كبير من قبل هولاكو الدور الكبير في إنقاذ ما أمكن إنقاذه من العلماء و المكتبات في بغداد.
و قد أصبحت الحلة منذ هذا التاريخ مركزا علميا من كبريات مراكز العلم في العالم الإسلامي، و ازدهرت هذه المدينة بالفقهاء و المحدثين و المفسرين و الحكماء و الأدباء و الشعراء و بالمدارس العلمية، و حفلت هذه المدارس بأعداد كبيرة من شباب الطلبة الوافدين إلى الحلة من الشام و إيران و المدن العراقية و الجزيرة.
و قد بنى السيد فخار بن معد الموسوي مجمعا سكنيا لطلبة العلوم الإسلامية و كان يحضر درس المحقق الحلي كما يقول السيد الصدر- على ما في إعلام العرب-:



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 108‌
أربعمائة من المجتهدين الجهابذة «1» و هو أمر قلما يحصل في تاريخ المدارس و الدروس، فقلما يتفق أن يجتمع أربعمائة مجتهد في منطقة واحدة فضلا من أن يجتمعوا في درس واحد.
و عن هذه الفترة يقول السيد محمد صادق بحر العلوم: و قد تلمذ عليه- المحقق- جماعة كبيرة من العلماء و الفقهاء المبرزين، و كانت الحركة العلمية في عصره بلغت شأوا عظيما حتى صارت الحلة من المراكز العلمية في البلاد الإسلامية «2».
و هذه الفترة التي نتحدث عنها هي الفترة التي تعقبت كإرثه سقوط بغداد مباشرة، و كان المحقق الحلي- رحمه الله- أبرز رجال هذه الفترة في الفقاهة و الزعامة و المرجعية.
و يقول السيد الصدر أيضا عن الحلة في نفس العصر عن تلامذة العلامة الحلي- رحمه الله-: و خرج عن عالي مجلس تدريسه خمسمائة مجتهد «3».
و يقول الدكتور البصير عن الحلة في هذا العصر: و كانت الحلة مركز نهضة ثقافية عظيمة بزغت شمسها في أوائل القرن العاشر، حيث انتقلت الثقافة الإسلامية إلى كربلاء ثمَّ ما لبثت أن انتقلت الى النجف الذي لم يزل مركزا عظيما من مراكز الثقافة العربية الإسلامية.
و يقول الشيخ عبد المولى الطريحي عن نفس الفترة، و قد نبغ في الحلة فريق عظيم من العلماء و الفقهاء و الأطباء و الفلاسفة و الأدباء و الشعراء ما لا يحصون عدا لكثرتهم، فطبقت شهرتهم الذائعة الآفاق، و خدموا العلوم الإسلامية و الفنون و الآداب العربية خدمات جلي تذكر فيشكرون عليها. و قد ذكر الخوانساري في روضات الجنات نقلا عن بعض الرواة الثقات منهم الشيخ ميرزا عبد الله الأصفهاني الأفندي في كتابه «رياض العلماء» ما مضمونه: أنه عاش في الحلة‌
______________________________
(1) أعلام العرب: 2- 98.
(2) لؤلؤة البحرين: ص 227 (في الهامش).
(3) تأسيس الشيعة: ص 270.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 109‌
خمسمائة مجتهد في قرن واحد فضلا عن سائر القرون. و هذا الإحصاء دليل من الأدلة الواضحة الناصعة التي تثبت لنا رواج سوق العلم و الأدب و الثقافة الإسلامية في هذه المدينة التاريخية «1».
و لا نريد أن نطيل الحديث في مدرسة الحلة فإن هذه المدرسة جاءت بديلا عن مدرسة بغداد و خليفة لها و حلت محلها، و استطاعت ان تجتذب ما تناثر من بغداد من العلم و العلماء بعد كإرثه سقوط بغداد. و ما أسرع ما نمت هذه المدرسة و ازدهرت و خف إليها العلماء و طلبة العلوم الإسلامية.
و كان المحقق الحلي- رحمه الله- (ثالثا) من أبرز رجال هذه المرحلة في مدرسة الحلة فقها و تدريسا و زعامة.
و قد كان درس المحقق هو الدرس الرئيسي الأول في هذه المدرسة، و أكثر فقهاء الحلة يعدون من تلامذته أو من تلامذة تلامذته، و كانت دروسه تحفل بالعلماء و الفقهاء و المجتهدين كما أشرنا قبل قليل، هذا الى جانب الزعامة الدينية التي كان ينهض بها المحقق في هذه الفترة، و لم يكن ينافسه فيها أحد من معاصريه كما يظهر.
لقاء المحقق نصير الدين بالمحقق الحلي في الحلة:
و قد أنفذ هولاكو المحقق نصير الدين الطوسي إلى الحلة، فاجتمع بالمحقق الحلي- رحمه الله- أكثر من مرة، و أعجب به و أكبره و حضر درسه، فأراد المحقق أن يعطل الدرس احتراما له، فطلب المحقق نصير الدين الطوسي منه أن يستمر في درسه، و سوف يمر علينا ما حدث من حوار بين هذين العالمين الجليلين في هذا المجلس عندما نتحدث عن فقاهة المحقق.
و لقد كان المحقق الطوسي يطلب من المحقق الحلي أن يقيم له علماء الحلة.
يقول العلامة الحلي- رحمه الله- في إجازته الكبيرة لبني زهرة: و كان الشيخ الأعظم الخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي- قدس الله روحه- وزيرا‌
______________________________
(1) مقدمة مثير الأحزان:



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 110‌
للسلطان هولاكو خان، فأنفذه إلى العراق، فحضر الحلة، فاجتمع عنده فقهاؤها، فأشار إلى الفقيه نجم الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد فقال: من أعلم هؤلاء الجماعة؟ فقال: كلهم فاضلون علماء، و إن كان واحد منهم مبرزا في فن كان الآخر منهم مبرزا في فن آخر. فقال: و من أعلمهم بالأصولين؟ (أصول العقائد و أصول الفقه) فأشار الى والدي سديد الدين يوسف بن المطهر و الى الفقيه مفيد الدين محمد بن جهم، فقال: هذا أعلم الجماعة يعلم الكلام و أصول الفقه، فتكدر الشيخ يحيى بن سعيد، و كتب الى ابن عمه أبي القاسم (المحقق) يعتب عليه، و أورد في مكتوبة أبياتا و هي:
لا تهن من عظيم قدر و إن كنت مشارا إليه بالتعظيم
فالكبير اللبيب ينقص قدرا بالتعدي على اللبيب الكريم
ولع الخمر بالعقول رمى الخمر بتنجيسها و بالتحريم
كيف ذكرت ابن المطهر و ابن الجهم و لم تذكرني؟ فكتب إليه يعتذر إليه و يقول: لو سألك الخواجة مسألة في الأصولين ربما وقفت و حصل لنا الحياء «1».
و بعد، هذه خلاصة سريعة عن عصر المحقق و الأحداث الكبيرة التي حصلت في هذا العصر، و الكارثة التي أحلت بالمسلمين فيه، و دور علماء الشيعة و من أبرزهم المحقق الحلي- رحمه الله- في الحد من هذه الكارثة و إنقاذ ما كان يمكن إنقاذه من دماء المسلمين و أعراضهم و تراثهم من الغزو المغولي.
و الآن بعد هذه الدراسة التمهيدية السريعة ندخل إن شاء الله في الآفاق الرحبة المباركة لحياة المحقق الحلي- رحمه الله.
______________________________
(1) أعيان الشيعة: 15- 279 و 280.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 111‌
نشأته العلمية:
نشأ المحقق الحلي في الحلة، و كانت هذه المدينة من مراكز العلم الشهيرة في العراق في وقته، و في تقديرنا أنها كانت المركز الثاني في العراق بعد بغداد، و بعد سقوط بغداد كانت المركز الأول للعلم و الدين في العراق. و كانت هذه المدينة حافلة بالعلماء و مجالس العلم و المذاكرة و المدارس، و قد نشأ المحقق- رحمه الله- في مثل هذه المدينة الحافلة بشيوخ العلم و مجالس الدرس و المذاكرة.
أسرته:
و كانت أسرته من الأسر العريقة في الحلة و المعروفة بالعلم و التقوى و الزعامة الدينية. يقول عنه صاحب أعلام العرب بأنه أحد أفراد أسره اشتهرت بالمنزلة العلمية و الزعامة الدينية «1».
والده: و كان والده الشيخ حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي الحلي من كبار علماء عصره في الحلة، و قد روى عنه ابنه المحقق و هو من شيوخه في الرواية.
يقول عنه الحر العاملي في «أمل الآمل»: كان فاضلا عظيم الشأن يروي عنه ولده «2».
______________________________
(1) مقدمة الشرائع للسيد محمد تقي الحكيم: ج 1 عن كتاب أعلام العرب: 2- 97.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 80، راجع لؤلؤة البحرين طبع مؤسسة آل البيت: ص 228 الهامش للسيد محمد صادق بحر العلوم، و تنقيح الأقوال: 1- 314 رقم 2792.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 112‌
قال الشهيد في أربعينه: إنه يروي المحقق عن والده الحسن بن يحيى بن سعيد عن جده عن الشيخ ابن عبد الله محمد بن إدريس عن عربي بن إلياس بن هاشم عن أبي علي المفيد ولد الشيخ الطوسي عن الشيخ أبي يعلي السلار بن عبد العزيز الديلمي عن السيد المرتضى عن المفيد «1».
و يقول ميرزا عبد الله أفندي في التعقيب على النص المتقدم: أقول لعل لفظة «ابن» قد سقطت بين كلمة «جده» و كلمة «الشيخ ابن عبد الله» لأن ابن إدريس ليس بجد للشيخ حسن بن يحيى هذا و إنما هو الجد الأمي للشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد صاحب «الجامع» و غيره «2».
و أما جده الشيخ أبو زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي فقد كان من مشاهير الفقهاء في عصره، و قد قال عنه الحر العاملي في «أمل الآمل» كان عالما محققا و هو جد المحقق. يروي عنه ولده و عن ولده ولده «3».
و في الرياض قال عنه: كان من أكابر الفقهاء في عصره «4».
و قال الشهيد عند ذكره إياه: الشيخ الأسعد العلامة المغفور رئيس المذهب في زمانه نجيب الدين يحيى بن الحسن بن سعيد صاحب «الجامع» و غيره «5».
و عقب الأفندي ميرزا عبد الله في رياض العلماء على رواية الحر العاملي عن الشهيد بقوله: أقول فيما قاله الشهيد على ما حكاه شيخنا المعاصر عنه محل تأمل، لأن نجيب الدين صاحب «الجامع» هو ابن عم المحقق الذي مر ترجمته لا جده، فلاحظ.
و لعل الشبهة إنما نشأت من النسبة إلى الجد اختصارا، لأن نجيب الدين هو يحيى بن‌
______________________________
(1) رياض العلماء: 1- 351.
(2) المصدر السابق: 1- 351 و 352.
(3) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 345.
(4) رياض العلماء: 5- 342.
(5) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 345.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 113‌
أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد «1».
و يحيى بن الحسن جد المحقق كان من كبار فقهاء عصره، و قد نقل عن الشهيد- رحمه الله- في شرح الإرشاد القول بالتوسعة، في قضاء الصلوات الفائتة.
قال في شرح الإرشاد في عد القائلين بالتوسعة من الفقهاء: و من المتأخرين القائلين بالتوسعة قطب الدين الراوندي و نصير الدين عبد الله بن حمزة الطوسي و سديد الدين محمود الحمصي و الشيخ يحيى بن سعيد جد الشيخ نجم الدين «المحقق الحلي» «2».
أذن فقد كان البيت الذي نشأ فيه المحقق الحلي بيتا عريقا في العلم و الدين مشهورا بذلك في أوساط الحلة و العراق، و كان لهذا البيت أثر كبير في نشأة المحقق العلمية، كما كان للوسط العلمي في مدينة الحلة نفس الأثر.
آيات الثناء:
كان المحقق الحلي- رحمه الله- منذ كان يعيش في الحلة إلى أن توفاه الله تعالى و الى اليوم عبر العصور الطويلة موضع احترام و اعتماد و أكبار العلماء الذين تعرضوا لذكره بشكل من الاشكال يحتل موضع الصدارة في الفقه و الحديث و التقوى و البصر في الفقه و دقة النظر و سلامة الذوق الفقهي و قوة الدليل و شمولية المنهج و رغم أن الدراسات الفقهية و الأصولية قد تقدما أشواطا كثيرة من بعد المحقق لم يفقد المحقق موضع الصدارة و الريادة في تاريخ هذا العلم الشريف. فهو- رحمه الله- من الرواد الأول للتحقيق في الفقه دون أن ننتقص من قيمة الجهود الفقهية الكبيرة التي سبقت المحقق الحلي.
يقول السيد حسن الصدر- رحمه الله- في إجازته للعلامة الطهراني (آغا بزرگ):
هو أول من نبغ منه التحقيق في الفقه، و عنه أخذ، و عليه تخرج ابن أخته العلامة‌
______________________________
(1) رياض العلماء: 5- 342 و 343.
(2) رياض العلماء: 5- 343.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 114‌
الحلي و أمثاله أرباب التحقيق و التنقيح «1».
و رغم أهمية دور المحقق الرائد في تحقيق الفقه و تنقيحه كما يقول العلامة الصدر الكاظمي- رحمه الله- فليس هو كل شي‌ء في شخصية المحقق، و لست أعلم ما ذا في هذه الشخصية الفقهية المعروفة من الربانية و صبغة العبودية لله و الإخلاص و الصدق و التقوى و طهارة النفس و القلب يعطي لهذا الفقيه المتقدم كل هذا الجلال و الاحترام و الوقار في تاريخ فقهاء الإمامية و أود أن أقدم للقارئ في هذه الصفحات بآية من آيات الثناء على هذا الفقيه الجليل من لدن النقاد من المشهورين في علم الرجال من عصور مختلفة، و لست بصدد الاستقصاء و إنما أريد أن أقدم للقارئ إضمامة واحدة فقط من آيات الثناء على المحقق نجم الأئمة الحلي- رحمه الله.
يقول الحر العاملي في «أمل الآمل»: حاله في الفضل و العلم و الثقة و الجلالة و التحقيق و التدقيق و الفصاحة و الشعر و الأدب و الإنشاء و جمع العلوم و الفضائل و المحاسن أشهر من أن يذكر، و كان عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة لا نظير له في زمانه، و له شعر جيد و إنشاء حسن بليغ و كان مرجع أهل زمانه في الفقه و غيره.
و قال العلامة في بعض إجازاته عند ذكر المحقق: كان أفضل أهل زمانه في الفقه.
قال الشيخ حسن في إجازته: لو ترك التقييد بأهل زمانه كان أصوب إذ لا أرى في فقهائنا مثله «2».
و قال ابن داود: شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقق المدقق الإمام العلامة واحد عصره، كان ألسن أهل زمانه و أقومهم بالحجة و أسرعهم استحضارا، قرأت عليه و رباني صغيرا، و كان له علي إحسان عظيم و التفات، ثمَّ قال: و له كتب كثيرة.
و له تلامذة فضلاء «3».
______________________________
(1) تعليقات اللؤلؤة: ص 228.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 49 و 50.
(3) نفس المصدر السابق.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 115‌
و قال عنه صاحب «الرياض»: كان محقق الفقهاء و مدقق العلماء و حاله في الفضل و النبالة و العلم و الثقة و الفصاحة و الجلالة و الشعر و الأدب و الإنشاء و البلاغة أشهر من أن يذكر و أكثر من أن يسطر «1».
و ذكره صاحب «الروضات» مادحا إياه بآيات الثناء الشيخ الأجل الأفقه الأفضل الأفخر نجم الملة و الحق و الدين الملقب بالمحقق على الإطلاق، و المسلم من كل ما بهر من العلم و الفهم و الفضيلة في الآفاق، يغني اشتهار مقاماته العالية بين الطوائف عن الإظهار، و يكفي انتشار إفاداته المالية درج الصحائف مئونة التكرار، كان إماما محققا فائق الرأي في فنون شتى، بل لم يكد يفرض في مراتب تفضيله على سائر الأفاضل موضع للفظة، لما أنه علم منطقا في العلم قد عجز عن القيام بمثله السلف و ألهم مسلكا في الفقه ليس يكاد يبلغه وسع أحد من الخلف، كيف لا و قد اتفقت كلمة من علمناه من العصابة على كون الأفقه الأفضل إلى الآن من جملة من كان قد تأخر عن الأئمة و الصحابة «2».
و قال عنه صاحب «اللؤلؤة»: كان محقق الفقهاء و مدقق العلماء و حاله في الفضل و النبالة و العلم و الفقه و الجلالة و الفصاحة و الشعر و الأدب و الإنشاء أشهر من أن يذكر و الظهر من أن يسطر «3».
و قال في «التنقيح» و في «تذكرة المتبحرين» و هي تكملة «أمل الآمل»: إن حاله في الفضل و العلم و الثقة و الجلالة و التحقيق و التدقيق و الفصاحة و الشعر و الأدب و الإنشاء و جميع العلوم و الفضائل و المحاسن أشهر من أن يذكر، و كان عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة لا نظير له في زمانه «4».
و في المستدرك: من مشايخ آية الله العلامة، خاله الأكرم و أستاذه الأعظم،
______________________________
(1) رياض العلماء: 1- 106.
(2) روضات الجنات: 2- 182 و 183.
(3) لؤلؤة البحرين: 227.
(4) تنقيح المقال: 1- 215 حرف الجيم.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 116‌
الرفيع الشأن اللامع البرهان كشاف حقائق الشريعة بطرائف من البيان لم يطمثهن إنس من قبله و لا جان، رئيس العلماء فقيه الحكماء، شمس الفضلاء بدر العرفاء، المنوه باسمه و علمه في قصة الجزيرة الخضراء، الوارث لعلوم الأئمة المعصومين عليهم السلام و حجتهم على العالمين، الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن يحيى بن سعيد الهذلي الحلي، الملقب بالمحقق على الإطلاق الرافع أعلام تحقيقاته في الآفاق، أفاض الله على روضته شآبيب لطفه الخفي و الجلي و أحله في الجنان المقام السني و المكان العلي، و هو أعلى و أجل من أن يصفه و يعدد مناقبه و فضائله مثلي «1».
و قال عنه العلامة القمي في «الكنى و الألقاب»: حاله في الفضل و العلم و الثقة و الجلالة و التحقيق و التدقيق و الفصاحة و البلاغة و الشعر و الأدب و الإنشاء و جميع الفضائل و المحاسن أشهر من أن يذكر، كان عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة لا نظير له في زمانه، له شعر جيد و إنشاء حسن «2».
و قال عنه العلامة الأميني في «أعيان الشيعة»: و كفاه جلالة قدر اشتهاره بالمحقق، فلم يشتهر من علماء الإمامية على كثرتهم في كل عصر بهذا اللقب غيره و غير الشيخ علي بن عبد العالي الكركي، و ما أخذ هذا اللقب إلا بجدارة و استحقاق، و قد رزق في مؤلفاته حظا عظيما، فكتابه المعروف بشرائع الإسلام و هو عنوان دروس المدرسين في الفقه الاستدلالي في جميع العصور، و كل من أراد الكتابة في الفقه الاستدلالي يكتب شرحا عليه «3».
______________________________
(1) المستدرك: 3- 473.
(2) الكنى و الألقاب: 3- 134.
(3) أعيان الشيعة: 15- 278.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 117‌
ثقافته في الفقه و الأصول و سائر المعارف الإسلامية فقاهته‌
المحقق الحلي فقيه قبل كل شي‌ء، و أبرز صفة في حياة المحقق بالتأكيد الفقاهة، و قد قدر الله تعالى لهذا الفقيه الجليل أن ينهض بدور مؤثر في بناء مدرسة الحلة و مدرسة جبل عامل الفقهيتين، و ترك من بعده انطباعا و أثرا قويا في كل من هاتين المدرستين.
و أهم الأعمال الفقهية التي أنجزها المحقق- رحمه الله-: 1- شرائع الإسلام.
2- النافع في مختصر الشرائع. 3- المعتبر في شراح المختصر. 4- نكت النهاية، و قد يسمى بحل مشكلات النهاية. 5- رسالة في القبلة.
و فيما يلي شرح و إيضاح موجز لكل من هذه الأعمال الفقهية إلى:
«شرائع الإسلام»:
هذا الكتاب هو المتن الفقهي المعروف عند الإمامية و الذي جعل فقهاء الإمامية محورا لدراساتهم الفقهية منذ عصر المؤلف، و لا زال هذا الكتاب رغم مرور أكثر من سبعمائة و خمسين سنة على تأليفه محورا للتدريس في الحوزات العلمية.
و يجد القارئ في هذا الكتاب من الخصائص ما قلما يجتمع في متن من المتون الفقهية، فهو يجمع بين التركيز و استيعاب الفروع الفقهية الكثيرة و جزالة اللفظ و القدرة على التعبير و سلامة التعبير من التعقيدات اللفظية التي كان يولع بها القدماء‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 118‌
و حسن النظم و التبويب و اقتباس نصوص الروايات في صياغة الأحكام الفقهية و البصر بالفقه و سلامة الذوق الفقهي و النضح و المتانة، و هذه الخصائص و غيرها جعل هذا الكتاب محورا للدراسات الفقهية إلى اليوم الحاضر.
يقول العلامة الطهراني عن هذا الكتاب: و كتابه هذا من أحسن الكتب الفقهية ترتيبا و أجمعها للفروع، و قد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلفه الى الآن، و لا يزال من الكتب الدراسية في عواصم العلم الشيعية، و قد اعتمد عليه الفقهاء خلال هذه القرون العديدة فجعلوا أبحاثهم و تدريساتهم فيه و شروحهم عليه «1».
المنهج الفقهي:
و في هذا الكتاب نلتقي في أول مرة في تاريخ الفقه الإسلامي بمنهجة فقهية جديدة و تنظيم جديد، فالكتاب ينقسم إلى أربعة أقسام: 1- العبادات.
2- المعاملات. 3- الإيقاعات. 4- الأحكام، و كل قسم يحتوي على مجموعة من الكتب الفقهية.
و أساس هذا التقسيم أن الأحكام الشرعية إما أن تتقوم بنية القربة أو لا، و ما يتقوم بالنية هو العبادات كالصلاة و الصوم و الحج و الاعتكاف و الخمس و الزكاة و الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و ما لا يتقوم بالنية فإما أن يحتاج إلى اللفظ أو لا، و ما يحتاج الى اللفظ إما أن يتقوم باللفظ من الطرفين فهو العقود (المعاملات) كالبيع و الشركة و المضاربة و الإجارة و النكاح، و إما أن يتقوم باللفظ من طرف واحد فقط و هو الإيقاعات كالطلاق و العتق، و إما ما لا يحتاج الى اللفظ مطلقا فهو الاحكام كالإرث و الحدود و القصاص.
______________________________
(1) الذريعة: 13- 47.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 119‌
فهذه أربعة أقسام نظم كل أبواب الفقه في حصر عقلي: (العبادات) و (العقود) و (الإيقاعات) و (الأحكام).
و لا زالت هذه المنهجة هي الأساس في الدراسات الفقهية الإمامية حتى اليوم، و على هذا الأساس ينظم أصحاب الموسوعات الفقهية أبواب الفقه، و لئن كان المنهج الفقهي الذي جاء به المحقق الحلي في الشرائع جديدا في ذلك التاريخ فليس من شك أن الاستمرار عليه إلى اليوم في الموسوعات و المتون الفقهية المعاصرة (الرسائل الفقهية العملية) لا يخلو عن مؤاخذة، فإن للمنهج تأثير مباشر على المحتوى، و إثراء المنهج و تجديده يؤدي بصورة مباشرة إلى إثراء محتوى عملية الاستنباط و تجديدها.
و المنهجة التي يطرحها المحقق في كتاب «الشرائع» منهج جديد من دون شك إذا كانت الغاية من المنهج هو توزيع أبواب الفقه حول عدد من المحاور. فإن هذا المنهج يوزع كل الكتب الفقهية حول هذه المحاور الأربعة و لا يشذ منها كتاب، و حصر المحاور في الأربعة حصر عقلي لا يقبل الزيادة و النقصان.
و أما إذا كانت الغاية من المنهج إبراز دور الفقه في حياة الإنسان و قدرته على تنظيم حياة الإنسان و استيعابه لمختلف جوانب حياة الإنسان في علاقته بالله تعالى و بأسرته و بالمجتمع و بالدولة و غير ذلك فلا شك أن هذا المنهج لا يفي بهذه المهمة.
و على الفقهاء المعاصرين أن يهتموا بوضع منهج جديد للفقه يبرز الكفاءات و القدرات و الثروات التي ينطوي عليها هذا الفقه لاستيعاب كل شؤون و حاجات الإنسان.
و فيما تحريت من المناهج التي وضعها الفقهاء المحدثون لم أجد عملا كاملا يخلو من المؤاخذات العلمية و الضعف، و من أفضل هذه المناهج المنهج الذي يطرحه الأستاذ مصط في أحمد الزرقاء حيث يقسم الفقه إلى: 1- الأحكام المتعلقة بعبادة الله تعالى (العبادات). 2- الأحكام المتعلقة بالأسرة من نكاح و طلاق (الأحوال الشخصية). 3- الأحكام المتعلقة بأفعال الناس و تعاملهم بعضهم مع بعض في‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 120‌
الأموال و الحقوق (المعاملات). 4- الأحكام المتعلقة بسلطان الحاكم على الرعية و الحقوق المتقابلة (السياسة الشرعية أو الأحكام السلطانية). 5- الأحكام المتعلقة بعقاب المجرمين و ضبط النظام الداخلي (العقوبات). 6- الأحكام المتعلقة بتنظيم علاقة الدولة بالدولة الأخرى (الحقوق الدولية). 7- الأحكام المتعلقة بالأخلاق و الحشمة (الآداب) «1».
و هو تنظيم جيد، إلا أن هذا التصنيف في الأساس مقتبس من مناهج الفقه الوضعي، و قد أضاف إليه الأستاذ الشيخ الزرقاء العلاقة بالله و هي (العبادات) و جعل منه منهجا للفقه الإسلامي. على أن هذا التصنيف لا يبرز العلاقة العضوية بين أبواب الفقه كالذي لاحظناه في تنظيم المحقق للفقه.
و من المناهج الجيدة الحديثة لفقهائنا المحدثين التنظيم الذي يذكره الشهيد المحقق الصدر- رحمه الله- في مقدمة كتابه «الفتاوى الواضحة» يقول- قدس سره-:
و أحكام الشريعة على الرغم من ترابطها و اتصالها بعضها ببعض يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام كما يلي:
1- العبادات: و هي الطهارة و الصلاة و الصوم و الاعتكاف و الحج و العمرة و الكفارات.
2- الأموال: و هي على نوعين:
(أ) الأموال العامة، و نريد بها كل مال مخصص لمصلحة عامة، و يدخل ضمنها الزكاة و الخمس، فإنهما على الرغم من كونهما عبادتين يعتبر الجانب المالي فيهما أبرز، و كذلك يدخل ضمنها الخراج و الأنفال و غير ذلك، و الحديث في هذا القسم يدور حول أنواع الأموال العامة، و أحكام كل نوع و طريقة إنفاقه.
(ب) الأموال الخاصة، و نريد منها ما كان مالا للأفراد و استعراض أحكامها في بابين:
______________________________
(1) راجع الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد للشيخ مصط في الزرقاء: 1- 60 و 61.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 121‌
الباب الأول: في الأسباب الشرعية للتملك أو كسب الحق الخاص، سواء كان المال عينا- أي مالا خارجيا- أو ما لا في الذمة، و هي الأموال التي تشغل بها ذمة شخص لآخر كما في حالات الضمان و الغرامة. و يدخل في نطاق هذا الباب أحكام الاحياء و الحيازة و الصيد و التبعية و الميراث و الضمانات و الغرامات بما في ذلك عقود الضمان و الحوالة و القرض و التأمين و غير ذلك.
الباب الثاني: في أحكام التصرف في المال، و يدخل في نطاق ذلك البيع و الصلح و الشركة و الوقف و الوصية و غير ذلك من المعاملات و التصرفات.
3- السلوك الخاص: و نريد به كل سلوك شخصي للفرد لا يتعلق مباشرة بالمال و لا يدخل في عبادة الإنسان لربه، و أحكام السلوك الخاص نوعان:
الأول: ما يرتبط بتنظيم علاقات الرجل مع المرأة، و يدخل فيه النكاح و الطلاق و الخلع و المبارأة و الظهار و الإيلاء و غير ذلك.
الثاني: ما يرتبط بتنظيم السلوك الخاص في غير ذلك المجال، و يدخل فيه أحكام الأطعمة و الأشربة و الملابس و المساكن و آداب المعاشرة و أحكام النذر و اليمين و العهد و الصيد و الذباحة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غير ذلك من الأحكام و المحرمات و الواجبات.
4- السلوك العام: و نريد به سلوك ولي الأمر في مجالات الحكم و القضاء و الحرب و مختلف العلاقات الدولية، و يدخل في ذلك أحكام الولاية العامة و القضاء و الشهادات و الحدود و الجهاد و غير ذلك «1».
و هو تنظيم جيد يخلو من نقطتي الضعف اللتين ذكرناهما لتنظيم الشيخ مصط في الزرقاء، فليس فيه اقتباس واضح من منهجة الفقه الوضعي، و العلاقة العضوية (الاشتقاقية) بين الأبواب أو ما يعبر عنه ب‍ «الحصر العقلي» موجود الى حد ما، إلا أنه مع ذلك لم يخضع لدراسة نقدية توضح نقاط الضعف فيه، و لسنا الآن بصدد‌
______________________________
(1) الفتاوى الواضحة: ص 46 و 47.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 122‌
ذلك و انما نشير فقط الى أن موضع (الخمس و الزكاة) في الأموال العامة ليس وضعا دقيقا، فإن قدماء فقهائنا يضعونهما في العبادات لاشتراط النية فيهما، و المحدثون من الفقهاء يضعونهما و سائر الأموال العامة كالأنفال و الخراج في شئون الدولة أو ما يطلق عليه بالأمور السلطانية أو الولاية العامة. و هذا الباب هو أنسب الأبواب الثلاثة للخمس و الزكاة.
و الإرث و ان كان يدخل بموجب هذا التنظيم في الأموال الخاصة في قسم الأسباب الشرعية للتملك إلا أنه أكثر انسجاما بالأحوال الشخصية- أي القسم الأول من السلوك الخاص.
و مهما يكن من أمر فإن هذا النهج لو توفر له نقد علمي دقيق و جرى عليه تعديل في ضوء هذا النقد يصلح أن يكون أساسا جيدا لتنظيم أبواب الفقه.
و قد سمعنا مناهج اخرى.
من قبيل تنظيم الفقيه على أساس: 1- علاقة الإنسان بالله. 2- علاقته بعائلته.
3- علاقته بالمال و الأشياء. 4- علاقته بنفسه. 5- علاقته بالمجتمع. إلخ.
و من قبيل تنظيم الفقيه على أساس: ارتباطه بحياة الإنسان من الولادة إلى الوفاة.
و أعتقد أنهما يواجهان صعوبات علمية لدى التطبيق، و مهما يكن من أمر فقد طغى القلم و خرج عن الصدد في هذا البحث من دون أن نريد ذلك، و معذرة إلى المحقق الحلي و إلى القارئ، و نعود مرة أخرى إلى البحث عن كتاب «الشرائع».
الجانب البياني و الفقهي في كتاب الشرائع:
و ما دمنا بصدد الحديث عن الشرائع ينبغي أن لا نترك الجانب البياني من هذا الكتاب الشريف. فقد كتب المحقق الحلي هذا الكتاب بنية أن يكون متنا فقهيا، و العادة تقتضي أن يكون المتن خاليا من الحشو و الزوائد في حدود الإمكان، و قد كان يتحدى أصحاب المتون القراء أن يعثروا في كتبهم على كلمة واحدة يمكن الاستغناء عنها من دون أن يضر بالمعنى.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 123‌
و كانت هذه الحالة في تجريد المتون العلمية من الإضافات و الزوائد تؤدي في الغالب إلى الإخلال بالجانب البياني. و «الشرائع» واحد من أهم المتون الفقهية، لكن المحقق الحلي- رحمه الله- أعطى للجانب البياني اهتماما خاصا في تدوين هذا الكتاب.
و أول ما يأخذ الإنسان في هذا الكتاب جزالة الألفاظ مع الوجازة و الاختصار و قوة التعبير و متانة و استقامة اللغة و سلامتها، و كان القارئ يسرح النظر في متن من المتون الأدبية المعروفة، و ليس في متن فقهي لا تنقاد له اللغة إلا بمشقة و جهد، فاقرأ ما شئت من هذا الكتاب و أينما وقع، نظرك عليه تجد الجانب البياني يملأ العين و الذوق، و لا أحب أن أقتطع من الكتاب شاهدا على ذلك لأن الكتاب كله شاهد على ما أقول.
على أن الكتاب كثير التفريعات و لعل هذا الكتاب بعد كتاب «المبسوط» للشيخ الطوسي أكثر الكتب الفقهية فروعا على أن «المبسوط» لا يعد متنا فقهيا.
و لكن «الشرائع» من المتون.
و جانب آخر لا ينبغي أن نهمله في دراسة هذا الكتاب هو بصر المؤلف بالفقه، فالمحقق الحلي يملك حسا مرهفا في فهم النص. و له اطلاع واسع بأقوال الفقهاء، و بين هذا و ذاك هو فقيه دقيق ثاقب النظر سليم الذوق سليم الاختيار، و ليس كتابه فقط خاليا من حشو الألفاظ و زوائده، و إنما يخلو كتابه أيضا من حشو المعاني و زوائده و من الاختيارات الضعيفة.
و لعل هذه الميزات مجتمعة جعلت هذا الكتاب متنا فقهيا يولع فيه الأصحاب منذ أن ألفه المحقق الى اليوم كما يقول العلامة الطهراني «1».
شروح الفقهاء على «شرائع الإسلام»:
أصبح هذا الكتاب- كما قلنا- محورا للافادة و الاستفادة و التحقيق و الشرح‌
______________________________
(1) راجع الذريعة: 13- 47.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 124‌
و التعليق منذ أن ألفه المحقق الى اليوم الحاضر. و كان الكتاب خلال هذه الفترة المتن الفقهي الذي تحوم حوله الدراسات الفقهية، و قد ألف فقهاء الشيعة الإمامية خلال هذه الفترة مجموعة كبيرة من الموسوعات الفقهية الضخمة حول هذا الكتاب مثل: جواهر الكلام و مدارك الاحكام و مسالك الأفهام و مصباح الفقيه و معارج الأحكام و مناهج الأحكام و هداية الأنام و غيرها.
و إنما اختار الفقهاء هذا الكتاب متنا للدراسات الفقهية لما يتميز به من التركيز و الاختصار و الاستيعاب و جزالة اللفظ و المنهجة و التنظيم الصحيحين و بصرف المؤلف بالفقه و غير ذلك من ميزات هذا الكتاب الكثيرة.
و قد ذكر العلامة الطهراني- رحمه الله- في الذريعة مجموعة من الشروح و التعليقات و الحواشي «1».
و فيما يلي نذكر بعض الموسوعات الفقهية التي كتبها الفقهاء قديما و حديثا في شرح هذا الكتاب:
1- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمد حسن النجفي، المتوفى سنة 1266 ه‍. و قد طبع أخيرا في أكثر من أربعين مجلدا.
2- دلائل الأحكام في شرح شرائع الإسلام، للسيد إبراهيم بن محمد باقر الموسوي القزويني المتوفى سنة 1262 ه‍.
3- مطالع الأنوار، للسيد محمد باقر الأصفهاني الشهير بحجة الإسلام الشفتي، المتوفى سنة 1260 ه‍.
4- المباني الجعفرية، للشيخ جعفر بن الشيخ عبد الحسن آل الشيخ راضي النجفي.
5- البرهان الساطع للأنام في شرائع الإسلام، للشيخ محمد جواد بن حسن بن حيدر بن عبد الله الحارثي الهمداني العاملي النجفي.
______________________________
(1) راجع الذريعة: 13- 316- 332 (شروح الشرائع): 6- 106- 108 (حواشي الشرائع).



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 125‌
6- جامع الجوامع، للسيد حسن بن السيد محسن الأعرجي الكاظمي.
7- معارج الأحكام في شرح مسالك الافهام و شرائع الإسلام، للسيد محمد حسين ابن المير إبراهيم بن المير معصوم القزويني أستاذ السيد مهدي بحر العلوم.
8- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، للعلامة السيد حسين بن السيد حسن مير المتوفى سنة 1162 ه‍.
9- نتائج البدائع أو (نتيجة البديعة)، للشيخ محمد حسين بن علي الطالقاني.
10- هداية الأنام، للعلامة الشيخ محمد حسين بن هاشم الكاظمي، المتوفى سنة 1308 ه‍.
11- كشف الاسرار، للمولى حسين على التوي سركاني، المتوفى سنة 1286 ه‍.
12- مصباح الفقيه، للفقيه الشيخ آغا رضا الهمداني، المتوفى سنة 1322 ه‍.
13- مسالك الأفهام، للشيخ السعيد الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي، المستشهد سنة 966 ه‍.
14- موارد الأنام، للشيخ عباس بن علي كاشف الغطاء، المتوفى سنة 1315 ه‍.
15- مناهج الأحكام، للشيخ عبد علي الرشتي الجيلاني.
16- تقرير المرام، للمولى محمد علي بن المولى حسين التستري.
17- كشف الإبهام، للمولى محمد علي بن مقصود علي المازندراني الغروي، المتوفى سنة 1264 ه‍، في عشرين جزء.
18- كنز الأحكام، للشيخ قاسم النجفي، المتوفى سنة 1290 ه‍، خرج منه تسع مجلدات.
19- بدائع الأحكام، للميرزا محمد بن سليمان التنكابني، المتوفى سنة 1302 ه‍.
20- شوارع الأعلام، للسيد محمد الهندي النجفي، المتوفى سنة 1323 ه‍.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 126‌
ترجماته:
ترجم كتاب الشرائع إلى الفارسية ذكره العلامة الطهراني في الذريعة قال:
ترجمة شرائع الإسلام إلى الفارسية للشيخ محمد تقي بن المولى عباس النهاوندي، المتوفى 1353، و هو مجلد كبير مبسوط «1».
و ذكر مؤلفو دائرة المعارف الإسلامية أنه ترجم الى الروسية و الفرنسية، ففي دائرة المعارف، كتاب الشرائع، و هو عمدة كتب الشيعة في الفقه، ترجمه الى الروسية قاسم بك، و الى الفرنسية كورى «2».
و قد تكون له ترجمات اخرى من قبيل الانكليزية و التركية «3».
2- المختصر النافع في مختصر الشرائع (أو النافع في مختصر الشرائع):
و هو متن فقهي جليل اختصره المحقق- رحمه الله- من كتابه الشهير «شرائع الإسلام»، ثمَّ شرحه بعد ذلك شرحا جيدا في كتابه المعروف «المعتبر» الذي سوف يأتي ذكره بعد قليل إن شاء الله.
و قد حظي هذا المتن الفقهي باهتمام الفقهاء، فشرحه الشيخ فخر الدين بن محمد علي بن أحمد الطريحي النجفي المتوفى بها سنة 1085.
و شرحه الأمير السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي في كتابه الفقهي القيم الجليل «رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل».
و كتاب المختصر النافع طبع مرات عديدة في الهند و إيران و بيروت، كما طبع في القاهرة سنة 1376 بأمر وزير الأوقاف المصري في وقته الشيخ أحمد حسن الباقوري و أقر تدريسه في جامع الأزهر.
______________________________
(1) الذريعة: 4- 108 الطبعة الثانية.
(2) دائرة المعارف الإسلامية: 8- 57 و 58.
(3) راجع مقدمة السيد محمد تقي الحكيم على الشرائع: ص (ف)، و أعيان الشيعة: 6- 374.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 127‌
3- المعتبر:
كتب المحقق هذا الكتاب كشرح على «المختصر النافع»، و هو كتاب فقهي استدلالي مقارن، شرح فيه المحقق أبواب العبادات الى مواقيت الحج من كتاب «المختصر النافع».
و ليس هذا الشرح شرحا مزجيا على الطريقة المألوفة من الشروح المزجية التي تمزج فيها المتن بالشرح، و لا هو على الطريقة التعليقة التي يأخذ الشارح قطعة من المتن و يعلق عليها، و إنما يحوم المحقق حول المتن «المختصر» و يستعرض في كل باب مجموعة من المسائل و الفروع ذات العلاقة بذلك الباب و يتناول كل مسألة بصورة استدلالية موجزة. و في كثير من هذه المسائل يذكر آراء المذاهب الفقهية السنية المعروفة و يناقشها أو يوافقها، كما يذكر آراء فقهاء الإمامية بنفس الطريقة.
و هذا الشرح على اختصاره يعد من الشروح الفقهية الجيدة، يقول المحقق- رحمه الله- في مقدمة كتاب «المعتبر»:
أحببت أن أكتب دستورا يجمع أصول المسائل و أوائل الدلائل، أذكر فيه خلاف الأعيان من فقهائنا و معتمد الفضائل من علمائنا و ألحق بكل مسألة من الفروع ما يمكن إثباته بالحجة و سياقه إلى المحجة، فقطعت الحوادث عن ذلك القصد، و منعت الكوارب ورود ذلك الورد، حتى اتفق لنا اختصار كتاب الشرائع بالمختصر النافع، فدق كثير من معانيه لشدة اختصاره و اشتبهت مقاصده لبعد اغواره، فحركني ذلك لشرح مشتمل على تحرير مسائله و تقرير دلائله، هذا و الموانع حاجزة و الأسباب عاجزة حتى ورد أمر الصاحب الأعظم. محمد بن محمد الجويني- أعز الله نصرهما- أن أمضي على ذلك شارحا مسائله موضحا مشكلة كاشفا وجوهه و علله فقويت العزيمة بعد فتور و شابت الهمة بعد نفورها. و جعلته مشتملا على أصول المسائل و فروعها محتويا على تقسيمها و تنويعها، و خدمت بها الخزانة المعظمة (خزانة الكتب) البهائية، عمر الله معاهد الإسلام بعمارة معاهدها‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 128‌
و مهد قواعده بتمهيد قواعدها «1».
4- نكت النهاية:
و هو تعليقات على كتاب «النهاية» للشيخ الطوسي، و قد يسمى ب‍ «حل مشكلات النهاية» و هو كتاب جليل في حل مشكلات و غوامض النهاية و شرحها و تفسيرها و الاستدلال لها.
و كتاب «النهاية» من مجرد الفقه و الفتاوى واحد من أفضل ما كتبه شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر الطوسي- رحمه الله- في الفقه. و يروي العلامة النوري في مستدرك الوسائل «2» قصة طريفة في قيمة هذا الكتاب عند أهل البيت عليهم السلام، و قد طبع كتاب النكت سنة 1276 ضمن الجوامع الفقهية، و هو الكتاب التاسع منها في 98 صفحة، و قد قامت مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المقدسة أخيرا بطبع هذا الكتاب بتحقيق و إخراج جيدين منضما إلى أصل كتاب «النهاية» و هو جهد مشكور في إحياء فقه أهل البيت عليهم السلام.
5- رسالة في التياسر من قبلة أهل العراق:
قال المحقق الشيخ يوسف البحراني في «لؤلؤة البحرين»: نقل غير واحد من أصحابنا أن المحقق الطوسي خواجة نصير الملة و الدين حضر ذات يوم حلقة درس المحقق بالحلة حين ورود الخواجة بها، فقطع المحقق الدرس تعظيما له و إجلالا لمنزلته، فالتمس منه إتمام الدرس، فجرى البحث في مسألة استحباب تياسر المصلي العراقي، فأورد المحقق الخواجة بأنه لا وجه لهذا الاستحباب لأن التياسر إن كان من القبلة الى غير القبلة فهو حرام، و إن كان من غيرها إليها فهو واجب. فأجاب المحقق‌
______________________________
(1) مقدمة كتاب المعتبر ص 3 طبع 1317.
(2) مستدرك الوسائل: 3- 506.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 129‌
في الحال: من القبلة إلى القبلة. فسكت المحقق الطوسي.
ثمَّ إن المحقق الحلي- رحمه الله- ألف رسالة لطيفة في المسألة و أرسلها إلى المحقق، فاستحسنها.
و قد أوردها الشيخ أحمد بن فهد في «المهذب البارع في شرح مختصر الشرائع» بتمامها و نحن ذكرنا في كتابنا «الحدائق الناضرة» نقلا عن بعض مشايخنا وجها وجيها في استحباب التياسر في المسألة المذكورة [1].
و هذه الرسالة رسالة وجيزة و لطيفة في توجيه استحباب التياسر لأهل العراق.
و يبدأ المحقق في هذه الرسالة في توجيه اعتراض المحقق نصير الدين الطوسي- رحمه الله- على مسألة التياسر أولا، فيقول في أدب جم: أجري في أثناء فوائد المولى أفضل علماء الإسلام و أكمل فضلاء الأنام نصير الدنيا و الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي، أيد الله بهمته العالية قواعد الدين و وطد أركانه. إشكال على التياسر، و حكايته: الأمر بالتياسر لأهل العراق لا يتحقق معناه لأن التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلا بالإضافة الى صاحب يسار متوجه إلى الجهة، و حينئذ إما أن يكون الجهة محصلة و إما أن لا يكون، و يلزم من الأول التياسر عما وجب التوجه اليه و هو خلاف مدلول الآية، و من الثاني عدم إمكان التياسر، إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي يتياسر عنها.
و توضيح ذلك: أن التياسر أمر إضافي، فلا بد من تعيين الجهة أو لا ليتحقق التياسر عنها، و الجهة التي يستحب التياسر عنها إما أن تكون محصلة للقبلة، فيكون التياسر عن القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها لقوله تعالى «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «1». و إما أن تكون الجهة غير محصلة للقبلة، فالتياسر غير ممكن لأن التياسر فرع تحقق الجهة، و المفروض عدم تحصيل الجهة.
______________________________
[1] لؤلؤة البحرين: ص 230 طبع مؤسسة آل البيت- قم. و قد أورد صاحب الأعيان الرسالة بتمامها في ج 15- 280. كما وردت هذه الرسالة في مقدمة المعارج: ص 9 طبع مؤسسة آل البيت- قم.
______________________________
(1) البقرة: 144.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 130‌
و خلاصة جواب المحقق الحلي- رحمه الله- لشبهة المحقق الطوسي: «أن مساحة الحرم بتمامها هي قبلة الآفاق دون عين الكعبة، بل يذهب الى تعذر استقبال عين الكعبة بالنسبة إلى الآفاق البعيدة فيقول: حتى أن استقبال الكعبة في الصف المتطاول متعذر، لأن عنده جهة كل واحد من المصلين غير جهة الآخر، إذ لو خرج من وجه كل واحد منهم خط مواز للخط الخارج من وجه الآخر لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة، فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال و يعود الاستقبال مختصا باستقبال ما اتفق من الحرم.
و حينئذ يرد السؤال لما ذا التياسر و ليس التيامن أو استقبال الجهة بالدقة؟
و الجواب: أنه قد ورد في بعض الأخبار أن الحرم من طرف يسار الكعبة يكون ثمانية أميال و من طرف يمينها أربعة أميال، و عليه فإن في استقبال عين الكعبة أو التيامن عنها احتمال للانحراف لضيق امتداد القبلة من جهة اليمين، أما من جهة الشمال فيضعف هذا الاحتمال لطول امتداد الحرم من جهة الشمال ضعف الامتداد من جهة اليمين.
6- مختصر المراسم في الفقه:
و كتاب «المراسم في الفقه» لسلار و اسمه «الأحكام النبوية و المراسم العلوية» للشيخ المتقدم الفقيه أبي يعلي حمزة الملقب بسلار أو (سالار) بن عبد العزيز الديلمي، و قد طبع ضمن الجوامع الفقهية سنة 1276 «1» و توجد نسخة من كتاب مختصر المراسم للمحقق الحلي ضمن مخطوطات مكتبة الشيخ محمد السماوي «2».
______________________________
(1) راجع الذريعة: 20- 298.
(2) راجع الذريعة: 20- 208.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 131‌
7- أجوبة المسائل البغدادية:
و هي 72 مسألة فقهية سألها تلميذه الشيخ جمال الدين بن يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي، توجد نسخة منها في الخزانة الرضوية بمشهد الرضا عليه السلام.
«في علم الأصول»‌
للمحقق كتابان في الأصول على ما هو المشهور:
الكتاب الأول: معارج الأصول،
و هو أشهر كتابي المحقق في الأصول، و قد طبع هذا الكتاب في طهران عام 1310 ه‍. على الحجر، كما طبع عام 1403 بتحقيق السيد محمد حسين الرضوي، و للكتاب نسخ خطية كثيرة في مكتبات النجف و قم و غيرهما، و هو كتاب معروف يتداوله العلماء كثيرا.
و الكتاب الثاني: نهج الوصول إلى معرفة الأصول،
يقول العلامة الطهراني في الذريعة: إن لهذا الكتاب شرحا بعنوان «نظام الفصول في شرح نهج الوصول في علم الأصول» للشيخ فتح الله بن علوان الكعبي. و يوجد بهذا العنوان عند السيد شهاب الدين بقم و هو مرتب على عشرة أبواب أوله: أحمد الله على سابغ نعمته و سائغ عطيته.
و قد جاء اسم هذا الكتاب في إجازة شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح القسيني لطومان بن أحمد العاملي، فذكر أنه قرأه على المصنف و حفظه عنه في أيام قراءته على شيخه نجيب الدين محمد بن نما الذي أجازه في 637، فكان يتردد أواخر النهار و يقرأه عليه «1».
و يستظهر العلامة الطهراني في الذريعة أن يكون هذا الكتاب هو كتاب‌
______________________________
(1) الذريعة: 24- 426 و 427.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 132‌
المعارج نفسه، و مما يؤكد هذا الاستظهار هو التوافق بين عدد أبواب المعارج و بدايته و أبواب هذا الكتاب و بدايته.
و مهما يكن من أمر فإن في كتاب المعارج كفاية للوقوف على التراث الأصولي للمحقق الحلي- رحمه الله- و قيمة هذا التراث و دوره في تنمية علم الأصول و تطويره و تكامله.
و رغم أن عمر الفكر الأصولي للشيعة الإمامية لم يكن في ذلك الحين عمرا طويلا فإن قراءة سريعة لكتاب المعارج تكشف عن تطور ملحوظ للثقافة الأصولية عند الشيعة الإمامية، كما تكشف عن نضج الفكر الأصولي لدى المحقق الحلي.
و لا بد أن ننظر نظرة سريعة في الأشواط التي قطعها علم أصول الفقه عند الشيعة الإمامية قبل المحقق الحلي لنستطيع أن نقيم بصورة صحيحة الجهد العلمي الذي بذله المحقق في هذا الأثر القيم (المعارج).
فقد كان علم أصول الفقه في الوقت الذي صنف فيه المحقق الحلي كتاب المعارج يقطع أشواطه الاولى من الناحية التاريخية، و مع ذلك فنحن نجد في هذا الكتاب و فيما بلغه الجهد الفكري في الأصول عند الإمامية مرحلة متقدمة و متطورة نسبيا في ذلك الوقت.
فالمعروف تاريخيا أن الفكر الأصولي عند الشيعة الإمامية ظهر بعد الغيبة الكبرى عام 329 ه‍، و ذلك لقرب الفقهاء من مصادر تعليمات أهل البيت عليهم السلام و إمكانية الاتصال المباشر بأئمة أهل البيت عليهم السلام أو بوكلائهم القريبين منهم و استعلام فتاواهم بصورة دقيقة، و لذلك فقلما كانت تحصل الحاجة الى القواعد الأصولية لاستنباط الحكم الشرعي.
و كان ائمة أهل البيت عليهم السلام قد بينوا للفقهاء بعض القواعد و الأصول العامة للاستنباط التي تمكن الفقيه من فهم الحكم الشرعي أو الوظيفة الشرعية و العقلية عند فقدان النص، و ذلك كأدلة البراءة الشرعية و أدلة الاستصحاب و الروايات العلاجية الواردة في علاج النصوص المتعارضة و ما أشبه ذلك، و لم تكن‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 133‌
هناك حاجة حقيقية إلى شي‌ء أكثر من ذلك في ذلك الوقت. ذلك كله لم يكن يعتبر منهجا متكاملا لعلم الأصول.
أما علم الأصول عند السنة فقد بدأه في وقت مبكر محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 من الهجرة.
يقول الفخر الرازي من مناقب الشافعي: كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه و يستدلون و يعترضون، و لكن ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة و في كيفية معارضاتها و ترجيحاتها، فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه، و وضع للخلق قانونا كليا يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع، فثبت أن نسبة الشافعي إلى علم الشرع كنسبة أرسطاطاليس الى علم العقل «1».
أما الشيعة الإمامية فقد بدأوا بتدوين علم أصول الفقه بصورة منهجية و منظمة بعد عصر الغيبة عام 329 لانتفاء الحاجة الى هذا العلم قبل هذا الوقت بأكثر من القواعد و النصوص الواردة في روايات أهل البيت عليهم السلام، و في أغلب الظن أن أول من كتب في هذا العلم من فقهاء الإمامية هما القديمان الشيخ الجليل حسن بن علي بن أبي عقيل من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه، و الشيخ محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي المتوفى بري سنة 381 أستاذ الشيخ المفيد «2».
ثمَّ كتب من بعدهما تلميذهما الشيخ المفيد المتوفى سنة 413 رسالة موجزة في الأصول ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة «3» نقلا عن النجاشي و قال: إن الكراجكي أدرجها باختصار في كتابه كنز الفوائد و هو مشتمل على تمام مباحث الأصول.
ثمَّ جاء دور تلميذ المفيد و هو علم الهدى السيد المرتضى المتوفى سنة 436 ه‍.
فألف «الذريعة إلى أصول الشيعة» و هو أول كتاب منهجي في الأصول للشيعة‌
______________________________
(1) مقدمة كتاب الرسالة للشافعي: ص 4 الطبعة الاولى.
(2) الكنى و الألقاب: 2- 22 و 23.
(3) الذريعة: 2- 209 الطبعة الثانية- طهران.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 134‌
الإمامية و لم يصلنا، قبل هذا الكتاب دراسة منهجية و منظمة في علم أصول الفقه للشيعة الإمامية، و عليه فإن بإمكاننا أن نعتبر كتاب الذريعة هذا أول عمل علمي في أصول الفقه للشيعة الإمامية.
و رغم ان هذا الكتاب يعتبر بداية لخط التصنيف العلمي في الأصول فإنه بداية جيدة و قوية و منهجية. و الكتاب ينقل كثيرا آراء فقهاء السنة في الأصول كأبي بكر الفارسي و أبي قاسم البلخي و أبي حنيفة و الشافعي و أبي هاشم الجبائي و أبو الحسن البصري و النظام و أبي علي الجبائي و غيرهم، و يناقشهم و ينقد آراءهم و يقبل منها الصحيح و يرد منها ما لا يصح عنده، كل ذلك ضمن مدرسة أصولية ذات أصالة و استقلال. و ليس على الكتاب من أثر التقليد و التبعية شي‌ء و هو أمر ملفت للنظر في أول جهد فكري منهجي للإمامية في الأصول.
و من التجديد الذي يلفت النظر في هذا الكتاب فصل مسائل أصول الفقه عن مسائل أصول الدين (الكلام). و قد كان المؤلفون السابقون على السيد المرتضى يخلطون بين مسائل أصول الدين و أصول الفقه كثيرا كالقاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه المعروف «المغني». و يتحدث المرتضى في مقدمة الذريعة «1» عن الجهد الذي بذله في فصل مسائل أصول الدين (الكلام) عن أصول الفقه.
ثمَّ يأتي بعده دور الشيخ الطوسي تلميذ المفيد و المرتضى- رحمهم الله- في تطوير علم الأصول، و قد كان للشيخ أبي جعفر الطوسي- رحمه الله- المتوفى سنة 460 ه‍. دور رائد في بلورة مفاهيم الأصول و تنضيج الفكر الأصولي في كتابه القيم «عدة الأصول» و قد قال في شأن هذا الكتاب السيد بحر العلوم: هو أحسن كتاب صنف في الأصول.
و قد صنف الشيخ الطوسي كتاب العدة في حياة أستاذه المرتضى، و يبدو من كلامه أن تأليفه للعدة كان قبل تأليف المرتضى للذريعة، فهو يقول في مقدمة‌
______________________________
(1) المصدر: ص 2 و 3 من طبع طهران تحقيق الدكتور أبو القاسم.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 135‌
العدة: و إن سيدنا الأجل المرتضى أدام الله علوه- و إن أكثر في أماليه و ما يقرأ عليه- شرح ذلك فلم يصنف في هذا المعنى شيئا يرجع اليه و يجعل ظهرا يستند اليه.
و من المستبعد أن يكون الشيخ غير مطلع على وجود كتاب الاستاذه المرتضى- رحمه الله- في هذا العلم.
و مهما يكن من أمر فإن كتاب «العدة» يحدد بشكل دقيق مهمة علم الأصول و غايته و يفرق بين المسألة الأصولية و المسألة الفقهية بالتعميم و التخصيص، حيث تتميز المسألة الأصولية بإمكانية الاستفادة منها في كل أبواب الفقه، بينما الدليل الفقهي لكل مسألة تخص نفس المسألة و الموارد المشابهة لها.
تقييم كتاب «معارج الأصول»:
و بعد العدة يأتي دور كتاب «معارج الأصول» للمحقق الحلي و قد كتب فقهاء الإمامية خلال هذه الفترة ما بين «عدة الأصول» و «معارج الأصول» كتاب عديدة في الأصول، إلا أن المعارج يبقى هو الكتاب الثالث للإمامية في أصول الفقه بعد الذريعة و العدة.
و في هذا الكتاب نلتقي تحديدا علميا لأصول الفقه، و هذا التحديد و إن كان لا يخلو عن بعض المؤاخذات العلمية إلا أنه على قدر كبير من الدقة.
يقول المحقق في تحديد أصول الفقه: هي طرق الفقه على الاجمال «1» و يقصد بطرق الفقه الأمور التي يستخدمها الفقيه للوصول إلى الأحكام الشرعية في الفقه، و يدخل في ذلك الوظيفة الشرعية، و هذه الأمور على طائفتين تفصيلية و إجمالية.
أما التفصيلية: فهي التي تخص مسألة معينة في الفقه و الموارد المشابهة لها، أو تخص طائفة محدودة من المسائل الفقهية نحو أكثر القواعد الفقهية، فإنها تختص بأبواب معينة من الفقه دون غيرها.
______________________________
(1) المعارج: ص 47 طبع مؤسسة آل البيت.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 136‌
و أما الإجمالية فهي التي تعم كل أبو أب الفقه من قبيل البحث عن مدلول الأمر و النهي، فهو بحث يمكن أن يدخل مادة أساسية للاستدلال في عامة أبو أب الفقه.
و الطائفة الاولى من البحوث يمكن أن يتم بحثها ضمن البحث في الباب أو المسألة التي تختص به.
أما الطائفة الثانية فلا يمكن بحثها ضمن كل مسألة مسألة يرد فيها ذكر لها لأنها تتكرر في عموم أبو أب الفقه و في أكثر المسائل، و لذلك فقد اقتضى الأمر فصل هذه الطائفة من المسائل و بحثها بصورة مستقلة في علم مستقل باسم «علم الأصول».
و هذا هو ما يقصده المحقق من (طرق الفقه على نحو الاجمال). و رغم بعض الملاحظات الفنية الواردة على هذا التحديد فهو تحديد دقيق.
و المعارج كتاب أصولي مقارن الى حد ما، فهو ليس فقط مجموعة اختيارات المحقق الحلي في علم الأصول و إنما يذكر فيه أيضا آراء فقهاء أهل السنة في المسائل الأصولية كأبي حنيفة و الشافعي و الجبائيين و أبي بكر الدقاق و أبي الحسن البصري و غيرهم، و في أغلب الأحوال يخضع أقوال هؤلاء العلماء لمناقشات و مؤاخذات علمية دقيقة فيها الكثير من النضج و الدقة و العمق، و تقوم هذه المناقشات على مبادئ علمية صلبة أصبحت فيما بعد اسسا لعلم الأصول نحو قاعدة (الاستناد إلى الحجة) التي يعتمدها المحقق في مناقشة القياس «1».
و يقول: إن الدليل الذي يعتمده الفقيه لا بد أن يكون يقينيا أو ينتهي إلى اليقين، و بالتالي لا بد في الاجتهاد من الاستناد إلى الحجة، و من دون أن يستند الفقيه إلى الحجة اليقينية لا يكون اجتهادا صحيحا مبرئا للذمة، و هذا أصل أصيل في المدرسة الأصولية للشيعة الإمامية في كل مراحلها التاريخية. و على هذا الأصل يقوم كل الجهد الفقهي و الأصولي في هذه المدرسة، و من دون أن يقوم الاجتهاد على هذا‌
______________________________
(1) راجع ص 88 من كتاب المعارج طبع مؤسسة آل البيت.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 137‌
الأساس العلمي الصلب (الحجة) لا يكتسب الاجتهاد قيمة علمية، و الشك في حجية الحجة يساوق انتفاء الحجة رأسا. و على هذا الأساس يكون كل ما يؤدي إليه اجتهاد المجتهد من أحكام شرعية أو وظائف شرعية أو عقلية حكما أو وظيفة يقينية لا بد أن ينتهي و يؤول أمره الى أساس يقيني و هو ما يسمى ب‍ (الحجة) في المصطلح الأصولي.
كتاب المعارج يتميز بمنهجية جيدة سواء في مجمل أبحاث الكتاب أو في كل بحث، ففي بحث الأوامر مثلا يبحث أولا عما يتعلق بصيغة الأمر «1» ثمَّ يتحدث بعد ذلك عن المأمورية «2» و هو تقسيم جيد يوزع البحث في الأوامر إلى شطرين مختلفين.
و المحقق يصب بحوث الأصول في هذا الكتاب ضمن عشرة أبو أب يبدأ فيها بالبحوث اللغوية من قبيل الحقيقة و المجاز، ثمَّ يدخل بعد هذا التمهيد في مباحث الأوامر و النواهي، ثمَّ يبحث عن العام و الخاص و المجمل و المبين، و يكاد يكون هذا المنهج هو المنهج الشائع اليوم في كتب الأصول في قسم مباحث الألفاظ.
أما في القسم الثاني من الكتاب فيبحث عن الحجة السيرة الإجماع، الخبر الواحد، ثمَّ يبحث عن تعارض الحجة و نسخ الحجة (الدليل).
ثمَّ يختم الكتاب ببحث عن الاجتهاد و التقليد.
و هذا التصنيف كما يلاحظ القارئ تصنيف جيد للبحث الأصولي بمقاييس تلك المرحلة.
و نقطة الفراغ و الخلاء في هذا المنهج هو مباحث الأصول العملية التي تشغل اليوم مساحة واسعة من البحث الأصولي، بينما لا نجد في المعارج شيئا بارزا في هذا المجال، و هو أمر طبيعي في تلك المرحلة من عمر المدرسة الأصولية عند الشيعة الإمامية.
و مهما يكن من أمر فإن كتاب المعارج للمحقق الحلي من خير ما كتبه قدماء‌
______________________________
(1) المعارج: ص 61.
(2) المعارج: ص 72.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 138‌
فقهاء الشيعة في أصول الفقه، و من أبرز الأعمال العلمية في تلك المرحلة من عمر هذا العلم عند فقهاء المسلمين جميعا.
«شعره و أدبه»‌
المحقق الحلي شاعر مرهف الحس، ذواق للأدب و الشعر، و كاتب أديب ينتقي الكلمة انتقاء بصير خبير بمفردات اللغة و استخدامها، و يصوغ الجملة كما يصوغ الفنان قطعة فنية. و هذا الحس الجمالي و الذوق الأدبي المرهف و القدرة على استخدام المفردات و صياغة الجمل يظهر من كتابات المحقق الفقهية و الأصولية بشكل واضح. و في ضوء ذلك نقدر أن المحقق كان أديبا من المستوي الرفيع ذا مقدرة أدبية عالية.
يقول الحر العاملي في «أمل الآمل»: و له شعر جيد و إنشاء حسن بليغ «1».
و من شعره:
يا راقدا و المنايا غير راقدة و غافلا و سهام الليل ترميه
بم اغترارك و الأيام مرصدة و الدهر قد ملأ الأسماع داعيه
أما رأتك الليالي قبح دخلتها و غدرها بالذي كانت تصافيه
رفقا بنفسك يا مغرور أن لها يوما تشيب النواصي من دواهيه
و كتب الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد الى المحقق الحلي أبياتا من جملتها:
أغيب عنك و أشواقي تجاذبني الى لقائك جذب المغرم العاني
إلى لقاء حبيب مثل بدر دجى و قد رماه بإعراض و هجران
و منها قوله:
قلبي و شخصك مقرونان في قرن عند انتباهي و بعد النوم يغشاني
______________________________
(1) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 49 مكتبة الأندلس.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 139‌
يا جعفر بن سعيد يا إمام الهدى يا أوحد الدهر يا من ما له ثان
إني بحبك مغري دون مكترث بمن يلوم و في حبيك يلحاني
فأنت سيد أهل الفضل كلهم لم يختلف أبدا في فضلك اثنان
في قلبك العلم مخزون بأجمعه تهدي به من ضلال كل حيران
و فوك فيه لسان حشوه حكم يروي به من زلال كل ظمآن
و فخرك الشامخ الراسي وزنت به رضوى فزاد على رضوى و ثهلان
الى آخر ما كتبه فأجابه المحقق بهذه الأبيات:
لقد وافت قصائدك العوالي تهز معاطف اللفظ الرشيق
فضضت ختامهن فخلت أني فضضت بهن عن مسك فتيق
و جال الطرف منها في رياض كسين بناظر الزهر الأنيق
فكم أبصرت من لفظ بديع يدل به على المعنى الدقيق
و كم شاهدت من علم خفي يقرب مطلب الفضل السحيق
شربت بها كؤوسا من معاني غنيت بشربهن عن الرحيق
و لكني حملت بها حقوقا أخاف لثقلهن من العقوق
فسريا بالفضائل بي رويدا فلست أطيق كفران الحقوق
و حمل ما أطيق به نهوضا فإن الرفق أنسب بالصديق «1»
و للمحقق مع الشعر قصة يرويها هو في رسالته التي ينقلها الشهيد الثاني في مجموعته و التي سوف ننقلها بعد قليل، و خلاصة هذه القصة أن المحقق كان يتعاطى الشعر في بداية شبابه بين الحين و الآخر، فعرض نموذجا من شعره على والده- رحمه الله- فمنعه عن تعاطي الشعر و أراد منه ان يفرغ نفسه للفقه فحبس المحقق منذ ذلك الحين نفسه عن تعاطي الشعر و القوافي إلا ما كان يظهر على لسانه بين الحين و الآخر من عفو الخاطر، و في ذلك يقول المحقق رحمه الله:
______________________________
(1) روضات الجنات: 2- 184 و 185.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 140‌
هجرت صوغ قوافي الشعر من زمن هيهات يرضى و قد أغضبته زمنا
و عدت اوقظ افكاري و قد هجعت عنفا و أزعجت عزمي بعد ما سكنا
إن الخواطر كالآبار ان نزحت طابت و ان يبق فيها ماؤها أجنا
فأفصح شكرت أياديك التي سلفت ما كنت أظهر عيبي بعد ما كمنا «1»
و أما الرسالة التي تحدثنا عنها فهي رسالة يكتبها المحقق الى أحد مشايخه و ينقلها الشهيد في مجموعته، و هي بخط الشيخ محمد بن علي العاملي الجباعي جد الشيخ البهائي ينقلها العلامة السيد محسن الأمين- رحمه الله- في أعيان الشيعة «2» و نحن ننقل هذه الرسالة بالنص من الأعيان، فهي نموذج من نماذج النثر الغني عند المحقق، و في نفس الوقت يعكس لناقصة المحقق- رحمه الله- مع الشعر، و إليك الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم، لما وقفت على ما أمر به الصاحب الصدر الكبير العالم الكامل العارف المحقق بهاء الدنيا و الدين غياث الإسلام و المسلمين- أدام الله أيامه في عز مؤيد و فخر ممهد و مجد مجدد، و نعمة قارة العيون باسقة الغصون، دارة الحلب حميدة المنقلب، محروسة الجوانب مرصونة من الشوائب و تأملت ما برز عنه من الألفاظ التي هي أعذب من الماء الزلال و أطيب من الغنى بعد الإقلال، فهي التي يعجز الطامع ببديعها و يعجب السامع حسن جمعها و ترصيعها، فكأن الشاعر عناه بقوله:
و لا ذنب للأفكار أنت تركتها إذا احتشدت لم ينتفع باحتشادها
تنوء بإيراد المعاني و ألفت خواطرك الألفاظ بعد شرادها
فان نحن حاولنا اختراع بديعة حصلنا على مسروقها أو معادها
و ليس بمستغرب تفرده ببديع النثر و النظم مع ما وهبه الله سبحانه من جودة القريحة و قوة الفهم، نسأل الله أن يديم لفضلاء الآداب و رؤساء الكتاب ما كنفهم‌
______________________________
(1) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 50 و 51.
(2) أعيان الشيعة: 15- 286- 289.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 141‌
من ظله و شملهم من فضله، و أباحهم من مراتعه و سوغهم من شرائعه، ليستمر نفاق سوقهم و يشمروا للاجتهاد فيه عن سوقهم، دلت ألفاظه الكريمة على استدعاء ما يكون تذكرة لأهل الوداد و عهدا يجدد به ما اختلقته يد العباد، فعند ذلك أحببت أن أدخل فيمن سارع الى امتثال أوامره لأكون في جملة من شرفه بذكره و تخطره بخواطره، فأقول:
إن الشعر من أفضل مشاعر الأدب و أجمل مفاخر العرب، به تستماح المكارم و تستعطف الطباع الغواشم، و تشحذ الأذهان و تستل الأضغان، و يستصلح الرأي الفاسد و تستثأر الهمم الجوامد، لكنه عسر المطلب خطر المركب، لافتقاره إلى أمور غريزية و اخرى كسبية، و هي شديدة الامتناع بعيدة الاجتماع، فالمعتذر عن التعرض له معذور و المعترف بالقصور عنه مشكور، و قد كنت زمن الحداثة أتعرض لشي‌ء منه ليس بالمرضي فكتبت أبياتا الى والدي- رحمه الله- أثنى فيها على نفسي بجهل الصبوة، و هي:
ليهنك أني كل يوم إلى العلى أقدم رجلا لا تزل بها النعل
و غير بعيد أن تراني مقدما على الناس طرا ليس في الناس لي مثل
تطاوعني بكر المعاني و عونها و تنقاد لي حتى كأني لها بعل
و يشهد لي بالفضل كل مبرز و لا فاضل إلا و لي فوقه فضل
فكتب- رحمه الله- فوق هذه الأبيات ما صورته:
لئن أحسنت في شعرك لقد أسأت في حق نفسك، أما علمت أن الشعر صناعة من خلع العفة و ليس الحرفة، و الشاعر ملعون و إن أصاب، و منقوص و إن أتى بالشي‌ء العجاب، و كأني بك قد أوهمك الشيطان فضيلة الشعر، فجعلت تنفق ما تلفق بين جماعة لم يعرفوا لك فضيلة غيره فسموك به، و كان ذلك وصمة عليك آخر الدهر، ألم تسمع:
و لست أرضى أن يقال شاعر تبا لها من عدد الفضائل
فوقف خاطري عند ذلك حتى كأني لم أقرع له بابا و لم أرفع له حجابا، و أكد‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 142‌
ذلك عندي ما رويته بإسناد متصل أن رسول الله صلى الله عليه و آله دخل المسجد و به رجل قد أطاف به جماعة فقال: ما هذا؟ قالوا: علامة، فقال: ما العلامة؟ قالوا:
عالم بوقائع العرب و أنسابها و إشعارها، فقال عليه الصلاة و السلام: ذلك علم لا يضر من جهله و لا ينفع من علمه.
و من البين أن الإجادة فيه تفتقر الى تمرين الطبع و صرف الهمة الى الفكر في تناسب معناه و رشاقة ألفاظه و جودة سبكه و حسن حشوه تمرينا متكررا حتى يصير خلقا، و كما أن ذلك سبب الاستكمال فيه فالاهمال سبب القصور عنه، و الى هذا المعنى أشرت من جملة أبيات:
هجرت صوغ قوافي الشعر مذ زمن هيهات يرضى و قد أغضبته زمنا
و عدت اوقظ أفكاري و قد هجعت عنفا و أزعج غربي بعد ما سكنا
إن الخواطر كالآبار إن نزحت طابت و إن يبق فيها ماؤها أجنا
فاصفح شكرت أياديك التي سلفت ما كنت أظهر عيبي بعد ما كمنا
و لمكان إضرابي عن نظمه و اعراضي حتى ذكر اسمه لم يبق إلا ما هو حقيق أن يرفض و لا يعرض و يضمر و لا يظهر، لكني مع ذلك أورد ما أدخل به في حيز الامتثال و إن كان ستره أنسب بالحال فمنه:
و ما الإسراف من خلقي و اني لأجزأ بالقليل عن الكثير
و لا اعطي المطامع لي قيادا و لو خودعت بالمال الخطير
و أغمض عن عيوب الناس حتى اخال بأن يناجيني ضميري
و احتمل الأذى في كل حال على مضض و أعفو عن كثير
و من كان الإله له حسيبا أراه النجح في كل الأمور
و منه:
يا راقدا و المنايا غير راقدة و غافلا و سهام الدهر ترميه
بم اغترارك و الأيام مرصدة و الدهر قد ملأ الأسماع داعيه
أما أرتك الليالي قبح دخلتها و غدرها بالذي كانت تصافيه



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 143‌
رفقا بنفسك يا مغرور أن لها يوما تشيب النواصي من دواهيه
و حسب تحصيل الغرض بهذا القدر فنحن نقتصر عليه و نستغفر الله سبحانه و تعالى من فرطات الزلل و ورطات الخلل، و نستكفيه زوال النعم و حلول النقم، و نستعتبه محل العثار و سوء المرجع في القرار، و من أفضل ما يفتتح به النظام و يختتم به الكلام ما نقل عن النبي صلى الله عليه و آله: من سلك طريقا الى العلم سلك الله به طريقا إلى الجنة. و قال صلى الله عليه و آله: لا خير في الحياة إلا لعالم مطاع أو مستمع واع. و قال صلى الله عليه و آله: تلاقوا و تذاكروا و تحدثوا فإن الحديث جلاء القلوب، إن القلوب ترين كما يرين السيف. و قال صلى الله عليه و آله: لا يزيد في العمر مثل الصدقة، و لا يرد البلاء مثل الدعاء، و لا ينور العبد مثل الخلق الحسن، و لا يذهب الذنوب إلا الاستغفار، و الصدقة ستر من النار و جواز على الصراط و أمان من العذاب. و قال صلى الله عليه و آله: صلوا الأرحام يغفر لكم، و تعاهدوا المساكين يبارك لكم في أموالكم و يزاد في حسناتكم، و قال صلى الله عليه و آله:
اطلبوا الحوائج عند ذوي الرحمة من عبادي فإن رحمتي لهم، و لا تطلبوها عند القاسية قلوبهم فإن غضبي فيهم. و قال صلى الله عليه و آله: صنائع المعروف تقي مصارع السوء. و قال صلى الله عليه و آله: من اقتصر من الدنيا على ما أحل له سلم، و من أخذ العلم من أهله و عمل به نجا، و من أراد به الدنيا فهو حظه «1».
«سائر مؤلفات المترجم له»:
ذكرنا جملة من مؤلفات المحقق الحلي- رحمه الله- في الفقه و الأصول و هما أهم ما نبغ فيه من حقول العلم و المعرفة، الا أنه خلف من بعده مجموعة من الكتب، وصل بعضه إلينا و ضاع جملة أخرى منه فيما ضاع من تراثنا نتيجة الإهمال، و فيما بقي‌
______________________________
(1) أعيان الشيعة: 15- 286- 289.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 144‌
لدينا من مؤلفات المحقق ما يكفي للدلالة على نبوغ هذا الفقيه و قدرته العلمية و سلامة ذوقه و تفقهه في كتاب الله و دينه.
في أصول الدين و علم الكلام: 1- المسلك في أصول الدين: هذا الكتاب مرتب على ثلاثة مطالب، يقول صاحب الذريعة نسخة منه عند شهاب الدين التبريزي قم «1». 2- رسالة في الكلام، يقول صاحب الذريعة: توجد منه نسخة في مكتبة راجه فيض‌آباد كما في فهرس المكتبة «2».
في علم المنطق: كنز المنطق، ذكره صاحب الذريعة تحت رقم 1228 من المجلد 18 «3» عن كشف الحجب و رجال ابن داود مع اختلاف في الاسم و الاتفاق على وجود السمي.
في الأجوبة على المسائل: 1- جوابات المسائل المصرية، يقول صاحب الذريعة:
رأيت منه نسخة ناقصة من أولها و هي بخط الشيخ علي بن محمد المعاني، فرغ من الكتابة 671 ه‍. قبل موت المؤلف بخمس سنين، و الظاهر أن الكاتب كان من تلاميذه، و نسخة تامة في كتب الشيخ عبد الحسين الطهراني بكربلاء، و نسخة في الخزانة الرضوية منظمة إلى المسائل البغدادية بخط الشيخ أحمد بن يحيى بن داود «4». 2- المسائل العزية، و هي عشرة مسائل كتبها المحقق الحلي لعز الدين عبد العزيز، توجد منه نسخة عند السيد جعفر بن باقر بحر العلوم صاحب «البرهان»، و نسخة في كتب الطهراني بكربلاء، و نسخة منه بخط الشيخ سليمان بن علي البحراني «5».
في الفهارس: 1- فهرست المصنفين، ذكره صاحب الذريعة و قال: ينسب الى المحقق الحلي، و لم يزد على ذلك «6».
______________________________
(1) الذريعة: 21- 31 رقم 3753.
(2) الذريعة: 18- 106 رقم 899.
(3) الذريعة: 18- 168.
(4) الذريعة: 5- 234 تحت رقم 1123.
(5) الذريعة: 15- 262 تحت رقم 1702.
(6) الذريعة: 16- 395 تحت رقم 1851.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 145‌
شيوخه و تلاميذه‌
شيوخ المحقق:
حضر المحقق الحلي- رحمه الله- على جمع من شيوخ العلم في الحلة و روى عنهم، و كان لهؤلاء المشايخ أثر كبير في شخصية المحقق و نشأته العلمية، و يذكرهم المحقق في كتبه بإجلال و أكبار. و قد ذكرنا نحن- من قبل- والد المحقق الشيخ حسن بن يحيى- رحمه الله- عند الحديث عن نشأته العلمية، و تعرفنا على شخصيته العلمية و موقعه العلمي و الاجتماعي، و الآن نتعرض لذكر بقية شيوخ و أساتذة المحقق:
1- محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني بن زهرة و هو السيد محي الدين أبو حامد محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحلي الاسحاقي، قال عنه الحر العاملي في تذكرة المتبحرين: فاضل، عالم جليل، يروي عنه المحقق، و يروي هو عن أبيه و عن ابن شهر اشوب «1».
و محمد بن عبد الله بن زهرة هو صاحب كتاب «الأربعين» في حقوق الاخوان، و منه نقل الشهيد الثاني في رسالة «كشف الريبة» رسالة الصادق عليه السلام الى النجاشي والي الأهواز، و كانت امه بنت الشيخ الفقيه محمد بن إدريس «2».
و يقول عنه الحر العاملي في أمل الآمل: فاضل عالم جليل، يروي عنه المحقق «3».
______________________________
(1) معجم رجال الحديث: 16- 238.
(2) مستدرك الوسائل الشيعة الطبعة الحجرية: 3- 475.
(3) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 280 مكتبة الأندلس.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 146‌
و محمد بن عبد الله بن زهرة هذا هو ابن أخ أبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي، العالم الجليل و الفقيه المعروف صاحب كتاب «غنية النزوع الى علمي الأصول و الفروع» و «قبس الأنوار في نصرة العترة الأطهار» و غيره من المؤلفات القيمة الجليلة.
و محمد بن عبد الله بن زهرة هذا يروي عن جماعة من شيوخ العلم و الحديث (منهم) عمه، أبو المكارم حمزة بن علي.
يقول العلامة القمي في الكنى و الألقاب في ذكر من يروي عن أبي المكارم حمزة ابن زهرة: و يروى عنه ابن أخيه السيد النحرير العالم المعظم محي الملة و الدين أبو حامد نجم الإسلام محمد بن أبي القاسم عبد الله بن علي بن زهرة صاحب كتاب «الأربعين» في حقوق الإخوان، الذي نقل منه الشهيد الثاني في «كشف الريبة» رسالة مولانا الصادق عليه السلام الى النجاشي والي الأهواز «1» (و منهم) رشيد الدين ابن شهر اشوب المازندراني.
(و منهم) والده أبو القاسم عبد الله بن علي، و قد ذكره العلامة النوري في المستدرك بالصورة التالية: «والده أبو القاسم علي صاحب المؤلفات الكثيرة» «2».
و أعتقد أنه من سهو القلم، و الصحيح ما ذكرناه.
يقول الحر العاملي في أمل الآمل: السيد عبد الله بن زهرة الحسيني الحلبي.
يروي عنه ولده السيد محي الدين محمد و جماعة «3».
(و منهم) الفقيه ابن إدريس صاحب السرائر، قال صاحب المعالم في إجازته الكبيرة: حكى الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد في الإجازة عن السيد محي الدين بن زهرة (المترجم له) أنه قال: أخبرني بكتاب الرسالة المقنعة للشيخ المفيد إجازة الفقيه أبو عبد الله محمد بن إدريس الحلي العجلي، و هو جدي لأمي «4».
______________________________
(1) الكنى و الألقاب: 1- 294 طبع النجف.
(2) مستدرك الوسائل: 3- 476.
________________________________________
حلّى، محقق، نجم الدين، جعفر بن حسن، نكت النهاية، 3 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1412 ه‍ ق

نكت النهاية؛ ج‌1، ص: 146
(3) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 162.
(4) مستدرك الوسائل: 3- 476.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 147‌
(و منهم) شاذان بن جبرئيل القمي «1».
و آل زهرة الذين ينتسب إليهم المترجم أسره معروفة من شيعة حلب، فيها عدد جم من الفقهاء و المحدثين منهم أبو المكارم حمزة بن زهرة الحسيني الحلبي و أبوه و جده و أخوه و ابن أخيه (المترجم له) و قد حفظت لنا هذه الأسرة الشريفة الكثير من تراث أهل البيت عليهم السلام.
2- ابن نما الحلي: نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلي، من أبرز مشايخ المحقق الحلي و أجلهم.
قال المحقق الكركي في وصف المحقق الحلي: و أعلم مشايخه بفقه أهل البيت الشيخ الفقيه السعيد الأوحد محمد بن نما الحلي «2».
و يقول الحر العاملي في أمل الآمل في ترجمته: عالم محقق فقيه جليل من مشايخ المحقق «3».
و قد كان «ابن نما» محمد بن جعفر بن أبي البقاء مرجعا و زعيما للطائفة في الحلة في وقته، و قد أسكن جماعة من الفقهاء في الحلة و تولى أمورهم «4».
و آل نما الربعي أسره شيعية عريقة من أسر الحلة، عرفت بالزعامة الدينية و العلم و الفقاهة و رواية الحديث، و قد تخرج عليهم جمع من العلماء و المحققين و خلفوا من بعدهم علما كثيرا. و «نما» جدهم كان في عصر الشيخ أبي علي ابن الشيخ الطوسي و هو ابن علي بن حمدون الربعي الأسدي «5».
و المترجم له محمد بن جعفر هو أبرز أفراد هذه الأسرة، و إذا أطلق «ابن نما» أريد منه محمد بن جعفر بن أبي البقاء.
______________________________
(1) رياض العلماء: 5- 114.
(2) الكنى و الألقاب للشيخ عباس القمي: 1- 434 طبع النجف.
(3) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 253 رقم 746.
(4) راجع تعليقة السيد محمد صادق بحر العلوم على اللؤلؤة: ص 272.
(5) المصدر السابق.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 148‌
و كان «ابن نما» فقيها جليلا و شيخ فقهاء عصره في الحلة.
يقول العلامة النوري في مستدرك الوسائل عنه: شيخ الفقهاء في عصره أبو إبراهيم محمد بن جعفر بن أبي البقاء «1».
و يقول العلامة القمي- تلميذ الشيخ النوري- عنه في «الكنى»: أبو إبراهيم محمد بن جعفر بن نما شيخ الفقهاء في عصره. أحمد مشايخ المحقق الحلي «2».
يقول عنه الشهيد الأول في إجازته، الشيخ الإمام العلامة قدوة المذهب نجيب الدين أبي إبراهيم محمد بن جعفر بن محمد بن نما الحلي «3».
و يقول عنه الشهيد الثاني: الشيخ العلامة قدوة المذهب نجيب الدين. «4».
و قد تلقى الشيخ ابن نما الرواية و العلم من مجموعة من المشايخ (منهم) برهان الدين محمد بن محمد القزويني و منهم والده جعفر بن نما (و منهم) الفقيه ابن إدريس الحلي (و منهم) الشيخ الجليل السعيد المتبحر أبو عبد الله محمد بن جعفر المشهدي الحائري المعروف بمحمد ابن المشهدي، و ابن المشهدي مؤلف «المزار» المشهور «5» توفي بعد رجوعه من زيارة الغدير في ذي الحجة 645 ه‍ و هو يناهز الثمانين من عمره، و حمل من يومه الى مشهد الحسين عليه السلام، و كان يوما عظيما، و رثاه مؤيد الدين ابن العلقمي «6».
3- شمس الدين فخار بن معد الموسوي: يعد السيد شمس الدين فخار بن معد الموسوي من البارزين من علماء الإمامية و فقهائهم، و له معرفة واسعة بالأنساب و الرجال و الأدب، و قد أثنى عليه علماؤنا.
______________________________
(1) مستدرك الوسائل: 3- 477 الطبعة الحجرية.
(2) الكنى و الألقاب: 1- 434.
(3) اللؤلؤة: 273.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) مستدرك الوسائل: 3- 477.
(6) تعليقات السيد محمد صادق بحر العلوم على اللؤلؤة: ص 272 و 273.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 149‌
يقول عنه الحرفي «الآمل»: كان عالما فاضلا أديبا محدثا و له كتب كثيرة «1».
و قال عنه الشهيد الثاني- رحمه الله- في إجازته: و مصنفات و مرويات السيد السعيد العلامة المرتضى إمام الأدباء و النساب و الفقهاء شمس الدين أبي علي فخار ابن معد الموسوي «2».
و يقول عنه العلامة النوري: و هو من أكابر مشايخنا العظام و فقهائنا الكرام الموصوف في التراجم و الإجازات بكل جميل «3».
و قد روى عنه المحقق الحلي- رحمه الله- «4».
و من تأليفه كتاب «الرد على الذاهب الى تكفير أبي طالب» و قد طبع في النجف سنة 1351، ثمَّ طبع مرة أخرى في 1385، و هو كتاب جيد و محكم، أثنى عليه جمع من العلماء مثل صاحب «الحدائق» في اللؤلؤة و العلامة النوري في المستدرك «5» و لما عرض هذا الكتاب على العلامة المعتزلي ابن أبي الحديد كتب على ظهره أبياتا سبعة في مدح أبي طالب منها:
و لو لا أبو طالب و ابنه لما مثل للدين شخصا فقاما
فذاك بمكة آوى و حامى و هذا بيثرب جس الحماما «6»
و يروي السيد فخار الموسوي عن جمع من الأعلام، منهم: والده الجليل معد بن فخار، و أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إدريس الحلي صاحب «السرائر»، و الشيخ أبو الفضل بن الحسين الحلي الأحدب، و الشيخ الفقيه أبو الفضل شاذان بن جبرائيل‌
______________________________
(1) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 214.
(2) لؤلؤة البحرين: ص 282.
(3) مستدرك الوسائل: 3- 479.
(4) راجع اللؤلؤة: ص 280، و المستدرك: 3- 479، و أمل الآمل (القسم الثاني): ص 214، و غيرها من المصادر.
(5) مستدرك الوسائل. 3- 179.
(6) تعليقة السيد محمد صادق بحر العلوم على اللؤلؤة: ص 280.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 150‌
ابن إسماعيل القمي، و السيد الإمام أبو علي عبد الحميد بن عبد الله التقي العلوي الحسيني النسابة، و السيد الصالح النقيب أبو منصور الحسن بن معية العلوي الحسني، و الشيخ أبو الفتوح نصر بن علي بن منصور الخازن النحوي الحائري، و السيد النقيب أبو جعفر يحيى بن محمد بن محمد بن أبي زيد العلوي الحسني البصري، و أبو العز محمد بن علي ابن الفويقي، و عميد الرؤساء أبو منصور هبة الله بن حامد بن أحمد ابن أيوب الكاتب اللغوي، و الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد الجوزي الواعظ البغدادي.
و أما مشايخه الذين روى عنهم في غير هذا الكتاب، فهم: السيد العلامة محيي الدين أبو حامد محمد بن أبي القاسم عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الصادقي الحلبي، و الشيخ أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن البطريق الأسدي الحلي صاحب كتاب «العمدة» و صديق بن أبي الحديد المعتزلي- كما صرح به في شرح النهج-، و القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد ابن المندني الواسطي و الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن السكون الحلي المعروف بابن السكون، و السيد أبو محمد قريش بن السبيع بن مهنا بن السبيع العلوي الحسيني المدني المعروف بقريش بن مهنا، و الشيخ عربي بن مسافر، و محمد ابن علي بن شهر اشوب المازندراني صاحب كتاب «المناقب» و كتاب «معالم العلماء» المطبوعين.
و يروي عن فخار بن معد جمع من الأعلام و الأساطين، منهم: ولده الجليل السيد جلال الدين عبد الحميد بن فخار، و المحقق الحلي صاحب «الشرائع» و السيد جمال الدين أحمد بن طاوس، و أخوه رضي الدين علي بن طاوس، و والدهما السيد الزاهد سعد الدين أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن طاوس، و الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي- والد العلامة الحلي-، و الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني، و الشيخ الجليل مفيد الدين محمد بن علي بن محمد بن جهم الأسدي الحلي، و نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 151‌
الحسن بن سعيد الحلي- ابن عم المحقق الحلي-، و السيد الجليل صفي الدين محمد ابن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي، و الناصر لدين الله أحمد بن المستضي‌ء بن المستنجد المتوفى سنة 622 ه‍ «1».
و لهذا السيد الجليل قصة يرويها الشهيد الثاني- رحمه الله- في «شرح الدراية» تدل على الاهتمام البليغ عند قدماء الأصحاب- رحمهم الله- بحفظ أسانيد الروايات و اتصال طبقات الرواة و المشايخ لحفظ تراث أهل البيت عليهم السلام من الضياع و الانقطاع.
يقول الشهيد في شرح الدراية: و ذكر الشيخ جمال الدين أحمد بن صالح السيبي- قدس سره- أن السيد فخار الموسوي اجتاز والده مسافرا الى الحج. قال: فأوقفني والدي بين يدي السيد فحفظت منه أنه قال لي: يا ولدي أجزت لك ما يجوز لي روايته. ثمَّ قال: و ستعلم فيما بعد ما خصصتك به. و على هذا جرى السلف و الخلف و كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع حمل الحديث النبوي ليؤدي به بعد حصول أهليته حرصا على توسع السبيل الى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة «2».
و للسيد فخار الموسوي شعر جيد و قد نقل العلامة المجلسي في البحار عن بعضهم هذه القطعة الشعرية للسيد فخار الموسوي:
سأغسل أشعاري الحسان و أهجر القوافي و أقلى ما حييت القوافيا
و ألوي عن الآداب عنقي و اعتذر لها بعد حتى ما أرى القوم ماليا
فإني أرى الآداب يا أم مالك تزيد الفتى مما يروم تنائيا
توفي المترجم له في السابع عشر من شهر رمضان 630 ه‍ كما في خط حفيده علم الدين المرتضى علي بن جلال الدين عبد الحميد بن فخار «3».
______________________________
(1) تعليقة السيد محمد صادق على اللؤلؤة: ص 281.
(2) روضات الجنات: 5- 348.
(3) روضات الجنات: 5- 349.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 152‌
4- مجد الدين العريضي: السيد مجد الدين علي بن الحسن بن إبراهيم بن علي ابن جعفر بن محمد بن علي بن حسن بن عيسى بن علي العريضي ابن الامام جعفر الصادق عليه السلام و أخ الامام الكاظم عليه السلام.
و قد قال عنه الحر العاملي في أمل الآمل و العلامة النوري في مستدرك الوسائل:
«فاضل جليل من مشايخ المحقق» «1».
و يقول عنه الأفندي في رياض العلماء: كان من سادة العلماء و قادة الفقهاء، يروي عن الحسين بن رطبة عن أبي علي- ولد الشيخ الطوسي- و يروي عنه المحقق «2».
و جده علي بن العريضي- رحمه الله- كان رواية للحديث سديد الطريق شديد الورع كثير الفضل، لزم أخاه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام و روى عنه شيئا كثيرا، ذكره العلامة و قال علي بن جعفر أخو موسى الكاظم عليه السلام من أصحاب الرضا عليه السلام ثقة.
و روى الكشي عنه ما يشهد بصحة عقيدته و تأدبه مع أبي جعفر الثاني عليه السلام، سكن العريض- من نواحي المدينة- فنسب ولده إليها «3».
5- الشيخ سديد الدين سالم بن محفوظ: هو الشيخ سديد الدين سالم بن محفوظ ابن العزيزة بن وشاح السوراوي الحلي، من مشايخ المحقق.
و قال عنه في «الروضات»: عالم فقيه، له مصنفات يرويها العلامة عن أبيه عنه، منها كتاب المنهاج في الكلام و غير ذلك «4».
و قال عنه الحر العاملي في الشيخ «أمل الآمل»: عالم فقيه فاضل «5».
______________________________
(1) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 178، المستدرك 3- 484 الطبعة الحجرية.
(2) رياض العلماء: 4- 151.
(3) الكنى و الألقاب: 3- 126.
(4) روضات الجنات: 4- 4.
(5) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 125، كذلك وصفه الأفندي في الرياض: 2- 412.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 153‌
و قد قرأ المحقق الحلي- رحمه الله- على هذا الشيخ الجليل علم الكلام و أنه عليه كتاب «منهاج الأصول» و شيئا من علم الأوائل «1» و هو من مشايخ رضي الدين علي بن طاوس- رحمه الله- «2».
و أعتقد أن الشيخ محفوظ بن وشاح الذي سبق و أن ذكرنا مساجلاته الشعرية مع المحقق- رحمه الله- و الذي يرثي المحقق بعد موته ليس والد الشيخ سديد بن محفوظ بن العزيزة بن وشاح رغم التشابه في الاسم، فإن الشيخ سالم بن محفوظ بن العزيزة بن الوشاح في رتبة مشايخ المحقق، بينما نجد أن الشيخ محفوظ بن وشاح في مرتبة تلاميذ المحقق أو زملائه و معاصريه.
6- الشيخ تاج الدين الحسن بن علي الدربي، قال عنه الحر العاملي في «الآمل»: عالم جليل يروي عنه المحقق «3».
و في الرياض: من أجلة العلماء و قدوة الفقهاء و من مشايخ المحقق و السيد رضي الدين «4».
و يروي هو عن جماعة منهم الشيخ عربي بن مسافر، و ابن شهريار الخازن، و الشيخ محمد بن عبد الله البحراني الشيباني، و الشيخ محمد بن علي بن شهر اشوب المازندراني الفقيه و المحدث المعروف «5».
تلامذة المحقق و الرواة عنه:
المحقق الحلي مدرسة في الفقه بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، له امتداد و فروع و أغصان و تلامذة، جروا على طريقته و رأيه و تأثروا به، و الذي يتابع حركة تطور‌
______________________________
(1) رياض العلماء: 2- 412.
(2) مستدرك الوسائل: 3- 484.
(3) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 65، رقم 177.
(4) رياض العلماء: 1- 184.
(5) مستدرك الوسائل: 3- 484.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 154‌
الفقه من بعد المحقق- رحمه الله- لا يكاد أن يخفى عليه أثر المحقق و طابعه الخاص المتميز. و مدرسة الحلي و إن كان لها وجود سابق على دور المحقق و تلاميذه و مدرسته الفقهية و لكن المحقق في الحقيقة هو الذي أعطى للحلة صفة المدرسة و جعل منها مدرسة فقهية متميزة من بين مدارس الفقه الإسلامي في التاريخ.
يقول السيد محمد صادق بحر العلوم في تعليقته على «لؤلؤة البحرين» في ترجمة المحقق: و قد تلمذ عليه جماعة كبيرة من العلماء و الفقهاء المبرزين، و كانت الحركة العلمية في عصره بلغت شأوا عظيما حتى صارت الحلة من المراكز العلمية في البلاد الإسلامية «1».
و يقول السيد صدر الدين كما في «إعلام العرب»، و برز من عالي مجلس تدريسه أكثر من أربعمائة مجتهد جهابذة، و هذا لم يتفق لأحد قبله «2».
و هذه الصورة التي يرويها السيد صدر الدين تعكس لنا سعة مدرسة الحلة و قوتها و ازدهارها في عهد المحقق. و لا نشك أن للمحقق الحلي- رحمه الله- الدور الرائد في تشييد هذه المدرسة و ترسيخها.
و نحن عند ما نستعرض تلاميذ المحقق و الذين رووا عنه الحديث و تخرجوا عليه في هذه المدرسة نريد أن نتعرف على الدور الكبير الذي نهض به شيخنا المحقق في تكوين مدرسة الحلي و ترسيخها بعد فتنة التتار التي عمت العالم الإسلامي و أضرت به عامة و بالعراق و بما فيه من المراكز العلمية خاصة.
في هذه الفترة الصعبة بالذات نهض المحقق الحلي في مدينة الحلة بإعداد و تربية نخبة من الفقهاء المحققين الذين استطاعوا ان يواصلوا تطوير عملية الاجتهاد في الفقه و تطوير الشؤون المختلفة للثقافة الإسلامية مثل الأصولين (أصول الدين و أصول الفقه) و الحديث و التفسير و غير ذلك. و فيما يلي نستعرض طائفة من تلاميذ المحقق‌
______________________________
(1) لؤلؤة البحرين: ص 227 (في الهامش).
(2) مقدمة العلامة السيد محمد تقي الحكيم على الشرائع: 1- ص ي نقلا عن أعلام العرب: 2- 98.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 155‌
و الذين رووا عنه و تخرجوا عليه:
1- العلامة الحلي: لا نشك أن العلامة الحلي جمال الدين حسن بن يوسف بن علي المطهر (648- 726 ه‍) من أبرز تلاميذ المحقق و من أبرز فقهاء مدرسة الحلة، و قد آتاه الله تعالى علما و فضلا و فقها و بصيرة في شريعة سيد المرسلين، و قدم خدمات جليلة كبرى لمختلف حقول الثقافة الإسلامية من الفقه و الأصول و الكلام و الدراية و الرجال و الحكمة و الحديث.
و قد قال في مقدمة كتابه «المنتهى» أنه فرغ من تصانيفه الفلسفية و الكلامية و أخذ في التأليف في الفقه قبل أن يكمل السادسة و العشرين من عمره.
كان يكتب و هو راكب كما يقول الصفدي في «الوافي».
و قد حضر العلامة- رحمه الله- عند عدد من فقهاء و علماء عصره أبرزهم (خاله) المحقق الحلي- رحمه الله- و قد قال عنه العلامة،: و هذا الشيخ كان أفضل أهل عصره في الفقه «1» (و والده) سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر، و قد كان عالما فاضلا فقيها متبحرا كما يقول الحر العاملي في أمل الآمل «2».
هذا في الفقه، و حضر في الحكمة و الفلسفة و الرياضيات و الفلك و النجوم على المحقق نصير الدين الطوسي- رحمه الله- و عنه يقول العلامة في إجازته الكبيرة لبني زهرة: و كان هذا الشيخ أفضل أهل عصره في العلوم العقلية و النقلية، و كان أشرف من شاهدناه في الأخلاق «3» و قد كان جل دراساته الفقهية على خاله المحقق الحلي، و جل دراساته الفلسفية و الكلامية على المحقق الطوسي، و تكاملت شخصية العلامة العلمية على يد هذين العلمين الجليلين في الفقه و الفلسفة.
و حضر العلامة على عدد آخر غيرهم من علماء عصره في مختلف شؤون و حقول الثقافة الإسلامية و العلم من الشيعة و السنة، و فيما يلي استعراض سريع لأسماء‌
______________________________
(1) بحار الأنوار: 107- 63 (إجازات البحار).
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 350 طبع مكتبة الأندلس.
(3) بحار الأنوار: 107- 62 (إجازات البحار).



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 156‌
الأعلام الذين حضر عندهم العلامة للتفقه و التعلم أو للرواية:
1- الشيخ ميثم بن علي البحراني، الحكيم المتأله المعروف الشهير بابن ميثم البحراني صاحب الشرح المعروف على نهج البلاغة «1».
2- الشيخ الجليل مفيد الدين محمد بن علي بن جهيم الأسدي «2».
3- الشيخ الجليل الحسن بن الشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني «3».
4- الشيخ نجيب الدين أبو أحمد يحيى بن أحمد بن سعيد الحلي، الفقيه الأديب النحوي المعروف بالشيخ نجيب الدين ابن عم المحقق الحلي و صاحب كتاب «الجامع» و «نزهة الناظر» «4».
5- السيد جمال الدين أحمد بن سعد الدين موسى بن جعفر بن طاوس مؤلف كتاب «بشرى المحققين» و «الملاذ في الفقه» و «عين العبرة في غبن العترة» «5».
6- السيد الجليل رضي الدين علي بن موسى بن طاوس صاحب كتاب «الإقبال» و «الطرائف» «6».
7- الشيخ جمال الدين حسين بن أبان، النحوي المدرس في المستنصرية ببغداد «7».
8- الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الكيشي، المدرس في النظامية ببغداد، من علماء الشافعية «8». يقول عنه العلامة: كان من أفضل علماء الشافعية و كان من أنصف الناس في البحث «9».
9- الشيخ نجم الدين علي بن عمر الكاتب القزويني، و عن هذا الشيخ يقول العلامة الحلي: كان من أفضل علماء الشافعية، عارفا بالحكمة «10».
______________________________
(1) مستدرك الوسائل الشيعة: 3- 461 الطبعة الحجرية.
(2) المستدرك: 3- 461.
(3) بحار الأنوار: 107- 65.
(4) المستدرك: 3- 462.
(5) المستدرك: 3- 466.
(6) مستدرك الوسائل: 3- 466.
(7) بحار الأنوار: 107- 65.
(8) بحار الأنوار: 107- 66.
(9) بحار الأنوار: 107- 66.
(10) بحار الأنوار: 107- 66.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 157‌
10- الشيخ برهان الدين عمر بن محمد النسفي، يقول عنه العلامة: كان عظيم الشأن زاهدا مصنفا في الجدل «1».
11- الشيخ الحسن بن إبراهيم الفاروقي الواسطي، يقول عنه العلامة: هذا الشيخ كان صالحا من فقهاء السنة و علمائهم «2».
12- الشيخ تقي الدين عبد الله بن جعفر بن علي الصباغ الكوفي، من فقهاء الحنفية بالكوفة «3».
13- الشيخ الفقيه نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي، صاحب كتاب «مثير الأحزان» «4».
14- الشيخ جمال الدين محمد البلخي من علماء العامة «5».
15- الشيخ بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي صاحب كتاب «كشف الغمة» «6».
16- السيد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاوس «7».
17- السيد شمس الدين عبد الله البخاري، من علماء العامة «8».
و قد حرص العلامة- رحمه الله- على تربية و إعداد جيل من الفقهاء و العلماء لا يمكننا أن نستعرض أسماءهم و نحصيهم في هذه الدراسة.
يقول السيد حسن الصدر في كتابه «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام»: و خرج من عالي مجلس تدريسه خمسمائة مجتهد «9».
______________________________
(1) بحار الأنوار: 107- 66.
(2) بحار الأنوار: 107- 66.
(3) بحار الأنوار: 107- 66.
(4) الكنى و الألقاب: 1- 434.
(5) مقدمة إحقاق الحق: 1- مط.
(6) عن مقدمة كتاب الألفين للسيد محمد مهدي الخرسان: ص 21 نقلا عن إجازة للحر العاملي.
(7) نفس المصدر عن الإجازة الكبيرة العلامة في البحار.
(8) عن مقدمة كتاب إحقاق الحق: 1- مط.
(9) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: ص 270.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 158‌
و قال ميرزا عبد الله الأفندي في «رياض العلماء»: و أفاد و أجاد على جمع كثير من فضلاء دهره من الخاصة بل من العامة أيضا كما يظهر من إجازات علماء الفريقين «1».
و كان- رحمه الله- حريصا لا تشغله صحبة السلطان اولجايتو عن تربية و إعداد الطلبة، و لذلك فقد اقترح على السلطان أن يعد له مدرسة سيارة تتحرك في ركب السلطان و تحل حيث السلطان، فقد كان من عادة ملوك المغول الإقامة صيفا في (مراغة و السلطانية) في آذربيجان و شتاء في بغداد. و كان الملك راغبا في مصاحبة العلامة- رحمه الله- و لذلك فقد اقترح عليه العلامة تشييد هذه المدرسة المتحركة، و استجاب السلطان لطلب العلامة، و قد وصف جمع من المؤرخين و أرباب التراجم هذه المدرسة السيارة.
قال صاحب «الروضات» و كان- رحمه الله- (العلامة) في القرب و المنزلة عند السلطان المذكور بحيث كان لا يرضى بعد ذلك أن يفارقه في حضر و لا سفر، بل نقل أنه أمر لجنابة المقدس و طلاب مجلسه بترتيب مدرسة سيارة ذات حجرات و مدارس من الخيام الكرباسية، و كانت تحمل مع الموكب الميمون أينما يصير و تضرب بأمره في كل منزل و مسير «2».
و قد تخرج على العلامة عدد غفير من العلماء و الفقهاء في الحلة و في المدرسة السيارة التي كانت ترافق الملك، يطول بنا الحديث إذا أردنا أن نستقصي أسماء من وصل إلينا اسمه في الإجازات و كتب الرجال من تلاميذ العلامة و الرواة عنه.
و قد حرص العلامة- رحمه الله- على التأليف في الفقه و الأصول و سائر حقول الثقافة الإسلامية، و كان حرصه- رحمه الله- أنه كان يواصل عمل التأليف في السفر في مصاحبة الملك، و قد فرغ من جملة من تأليفه و هو في السفر.
______________________________
(1) رياض العلماء: 1- 359.
(2) روضات الجنات: 2- 281- 282 مكتبة إسماعيليان- قم.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 159‌
يقول صاحب «الروضات»: و نقل أنه وجد في أواخر بعض الكتب وقوع الفراغ منه في المدرسة السيارة السلطانية في كرمانشاهان «1».
و قد كتب- رحمه الله- في آخر كتاب «الألفين»: كتبه حسن بن مطهر ببلدة جرجان في صحبة السلطان الأعظم غياث الدين محمد أولجايتو خلد الله ملكه «2».
و يبلغ مجموع ما وصل إلينا من كتبه أو ما وصل إلينا من ذكره في الفهارس و الإجازات عددا يزيد على المائة.
فله في الفقه وحده عشرون كتابا، و في هذه الكتب موسوعات فقهية ضخمة «التذكرة» و «المختلف» و «التحرير» و «المنتهى». و له في أصول الفقه سبعة كتب. و له في التفسير كتابان، و في الحديث خمسة كتب. و في الرجال ثلاثة كتب، و في الحكمة و الفلسفة ست و عشرون كتابا، و في الأدعية كتابان، و في الفضائل و المناقب كتابان. و مجموعة من الرسائل في الإجابة على الأسئلة المختلفة «3».
و لا نريد أن نقف أكثر من هذا في الحديث عن العلامة الحلي، و دوره العظيم في خلافة المحقق- رحمه الله- على الفقه و تأسيس و تكريس مدرسة الحلة في الفقه، و تعميق المنهج العلمي للبحث الفقهي و الأصولي و الرجالي، و كذلك الكلامي عند الشيعة.
2- غياث الدين السيد عبد الكريم بن طاوس: و هو النقيب الشريف غياث الدين عبد الكريم بن جلال الدين أحمد بن سعد الدين إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله محمد المعروف ب (طاوس).
و أسره آل طاوس من الأسر الحسنية المعروفة، و ينسبون الى جدهم أبي عبد الله محمد المعروف ب‍ (طاوس) لحسنه و جماله و صباحته، و هي أسره شيعية عريقة من الحلة، و قد نشأ في هذه الأسرة عدد من العلماء منهم:
______________________________
(1) روضات الجنات: 2- 282.
(2) الألفين: 437 طبع النجف 1388.
(3) راجع مقدمة السيد محمد مهدي الخرسان على الألفين: ص 37.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 160‌
عمه السيد رضي الدين بن طاوس صاحب كتاب «الإقبال» و «جمال الأسبوع» و غيرهما.
و السيد عبد الكريم بن طاوس كان من أجلاء هذه الأسرة و علمائها الأفذاذ و هو مؤلف كتاب «فرحة الغري» المطبوع في النجف و «الشمل المنظوم في مصنفي العلوم».
يقول عنه المحقق النوري في المستدرك: نادرة الزمان و أعجوبة الدهر الخوان صاحب المقامات و الكرامات كما أشار إليه الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة «1».
و قال عنه تقي الدين الحسن بن داود في رجاله: سيدنا الإمام المعظم غياث الدين الفقيه النسابة النحوي العروضي الزاهد العابد أبو المظفر- قدس الله روحه- انتهت رئاسة السادات و ذوي النواميس إليه، و كان أوحد زمانه، ولد في شعبان سنة 648 ه‍. و توفي في شوال سنة 693، و كان عمره خمسا و أربعين سنة و أياما، كنت قرينه طفلين الى أن توفي، ما رأيت قبله و لا بعده بخلقه و جميل قاعدته و حلو معاشرته ثانيا، و لا لذكائه و قوة حافظته مماثلا، ما دخل ذهنه شيئا قط فكاد ينساه، حفظ القرآن في مدة يسيرة و له إحدى عشر سنة. اشتغل بالكتابة و استغنى عن المعلم في أربعين يوما و عمره آنذاك أربع سنين، و لا تحصى مناقبه و فضائله «2».
و قال عنه ابن الفوطي: كان جليل القدر نبيل الذكر حافظا لكتاب الله المجيد، و لم أر في مشايخي أحفظ منه للسير و الآثار و الأحاديث و الأخبار و الحكايات و الأشعار. جمع و صنف و شجر و ألف و كان يشارك الناس في علومهم، و كانت داره مجمع الأمة و الأشراف، و كان الأكابر و الولاة و الكتاب يستضيئون بأنواره و رأيه و كتبت له لخزانته كتاب «الدر النظيم في ذكر من تسمى بعبد الكريم» و سألته عن مولده فذكر أنه ولد في شعبان سنة 648 ه‍. و توفي في يوم السبت 16 شوال سنة 693 «3».
______________________________
(1) مستدرك الوسائل: 3- 441.
(2) مستدرك الوسائل الشيعة: 3- 441.
(3) تلخيص مجمع الآداب: 4- 194.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 161‌
و من مشايخه و أساتيذه من الإمامية: والده، و عمه رضي الدين علي و المحقق الحلي، و ابن عمه يحيى بن سعيد، و مفيد الدين بن الجهم الحلي، و الخواجة نصير الدين الطوسي، و السيد عبد الحميد بن فخار الموسوي الحائري.
و من مشايخه من العامة: الشيخ حسين بن إياس «1».
3- الحسن بن داود: تقي الدين الشيخ حسن بن علي بن داود الحلي المعروف بابن داود المتولد 647 صاحب الكتاب المعروف في الرجال.
يقول عنه الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة: الشيخ الفقيه الأديب النحوي العروضي ملك العلماء و الأدباء و الشعراء تقي الدين الحسن بن علي صاحب التصانيف الغزيرة و التحقيقات الكثيرة التي من جملتها كتاب «الرجال» سلك فيه مسلكا لم يسبقه أحد من الأصحاب، و من وقف عليه علم جلية الحال فيما أشرنا إليه. و له من التصانيف في الفقه نظما و نثرا مختصرا و مطولا، و في المنطق و العربية و العروض نحوا من ثلاثين مصنفا كلها في غاية الجودة «2».
و قال عنه الحر العاملي في «أمل الآمل»: كان فاضلا جليلا صالحا محققا متبحرا من تلامذة المحقق نجم الدين الحلي، يروي عنه الشهيد بواسطة ابن معية «3».
و يقول ابن داود عن نفسه في كتاب الرجال: الحسن بن علي بن داود مصنف هذا الكتاب، مولده خامس جمادى الآخر سنة 647، و له كتب منها في الفقه:
كتاب تحصيل النافع، و كتاب التحفة السعدية، و كتاب المقتصر من المختصر، و كتاب الكافي، و كتاب النكت، و كتاب الرائع، و كتاب الخلاف في المذاهب الخمسة، و كتاب تكملة المعتبر- لم يتم-، و كتاب الجوهرة في نظم التبصرة، و كتاب اللمعة في فقه الصلاة- نظما-، و كتاب عقد الجواهر في الأشباه و النظائر- نظما-،
______________________________
(1) رياض العلماء: 3- 165، و الكنى و الألقاب: 1- 336.
(2) مستدرك الوسائل: 3- 442 و 443.
(3) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 70 و 71.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 162‌
و كتاب عدة الناسك في قضاء المناسك- نظما- و كتاب الرجال- و هو هذا الكتاب- و له في الفقه غير ذلك. و منها في أصول الدين و غيره: كتاب الدر الثمين في أصول الدين- نظما- و كتاب الخريدة العذراء في العقيدة الغراء- نظما-، و كتاب الدرج، و كتاب أحكام القضية- في المنطق- و كتاب حل الإشكال في عقد الإشكال- في المنطق-، و كتاب قرة عين الخليل في شرح النظم الجليل- لابن الحاجب في العروض أيضا-، و كتاب شرح قصيدة صدر الدين الساوي- في العروض أيضا-، و كتاب مختصر الإيضاح- في النحو-، و كتاب حروف المعجم- في النحو-، و كتاب مختصر أسرار العربية- في النحو- «1».
4- الشيخ صفي الدين عبد العزيز بن السرايا الحلي: الشاعر المشهور. قال عنه صاحب «الأمل»: كان عالما فاضلا شاعرا أديبا منشأ من تلامذة المحقق الحلي، له القصيدة البديعة مائة و خمسة و أربعون بيتا، تشتمل على مائة و خمسين نوعا من أنواع البديع، و له قصائد محبوكة الطرفين جيدة «2».
و قال عنه صاحب «الرياض»: هو الشاعر المشهور و صاحب القصيدة البديعية- الى أن قال-: تسمى الكافية البديعية، و هي في مدح النبي صلى الله عليه و آله، و قد أدرج فيها جميع الصنائع البديعية «3».
و في «الكنى و الألقاب»: «. كان شاعر عصره على الإطلاق، أجاد القصائد المطولة و المقاطيع تطربك ألفاظه المصقولة و معانيه المعسولة و مقاصده التي كأنها سهام راشقة و سيوف مسلولة، دخل مصر سنة 736 و اجتمع بالقاضي علاء الدين بن الأثير و ابن سيد الناس و أبي حيان و فضلاء ذلك العصر، فاعترفوا بفضله ثمَّ عاد الى ماردين «4».
______________________________
(1) رجال ابن داود: 111- 113.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 149.
(3) الرياض: 3- 137- 139.
(4) الكنى: ج 2- 387.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 163‌
و قال عنه صاحب «الروضات»: كان- رحمه الله- من كبار شعراء الشيعة، و مسلما بين الفريقين فضله و نبالته و أخلاقه «1».
تتلمذ- رحمه الله- على المحقق الحلي بشهادة كل من ترجم له من العلماء.
أما مؤلفاته فقد ذكر في «الأمل» أن له ديوان شعر كبير و ديوان شعر صغير و شرحا للقصيدة البديعية «2».
5- الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح الحلي: قال عنه في «الأمل»: كان عالما فاضلا أديبا شاعرا جليلا من أعيان العلماء في عصره، و لما توفي رثاه الحسن بن علي بن داود بقصيدة، و جرى بينه و بين المحقق نجم الدين جعفر بن سعيد، مكاتبات و مراسلات من النظم و النثر، ذكر جملة منها الشيخ حسن في إجازته فقال عند ذكره: و كان هذا الشيخ من أعيان علمائنا في عصره «3»، و ذكره صاحب «الروضات»: من أجلاء تلامذة مولانا المحقق المرحوم «4».
و قال عنه في ترجمة المحقق: الشيخ شمس الملة و الدين محفوظ بن وشاح بن محمد، الراثي له بفاخر قصيدته و المرثي عليه بقصيدة الحسن بن داود من بعد موته «5».
و مدح المحقق بقصيدة فأجابه المحقق بقصيدة نذكر منها:
فسر يا با الفضائل بي رويدا فلست أطيق كفران الحقوق
و حمل ما أطيق به نهوضا فإن الرفق أنسب بالصديق
فقد صيرتني لعلاك رقا ببرك بل أرق من الرقيق «6»
______________________________
(1) الروضات: 5- 81.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 149.
(3) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 229.
(4) الروضات: 6- 105.
(5) الروضات: 2- 184.
(6) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 231.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 164‌
و ابنه أيضا من أجلاء العلماء. قال عنه في «الروضات»: تاج الدين محمد بن محفوظ، هو أيضا من الفضلاء الصلحاء و الأدباء المشهورين «1».
يروي عنه كما عن «الروضات» ابنه القاضي تاج الدين محمد بن محفوظ، و يروي عنه أيضا كمال الدين بن حماد الواسطي.
6- الشيخ رضي الدين علي بن الشيخ سديد الدين يوسف بن المطهر الحلي:
أخو العلامة الحلي و ابن أخت المحقق الحلي و ابن الشيخ سديد الدين و خال السادة الأجلاء عميد الدين عبد المطلب الأعرجي و أخوه.
قال عنه في «الأمل»: عالم فاضل «2».
و وصفه في الرياض ب‍: العالم العلم الفاضل الجليل «3».
و في اللؤلؤة: كان الشيخ رضي الدين علي فاضلا جليلا «4».
يروي عن أبيه و عن المحقق كما في الأمل «5». و في الرياض عن أحمد بن مسعود الأسدي «6».
و يروي عنه فخر المحققين ابن العلامة و أيضا ابن أخته السيد عميد الدين عبد المطلب الأعرجي «7».
و للشيخ رضي الدين كتاب «العدد القوية لدفع المخاوف اليومية» من مصادر بحار الأنوار.
7- الشيخ نجم الدين طومان بن أحمد العاملي: قال عنه في «الأمل»: كان‌
______________________________
(1) الروضات: 2- 185.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 211.
(3) الرياض: 4- 294.
(4) لؤلؤة البحرين: ص 266.
(5) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 211.
(6) الرياض: 4- 296.
(7) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 211.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 165‌
فاضلا عالما محققا. و قال الشيخ حسن في حواشي إجازته: و في كلام الشيخ محمد ابن صالح دلالة على جلالة قدر الشيخ طومان «1».
و في «الروضات» ممدوح محقق «2».
و في الرياض: كان فاضلا عالما محققا «3».
و ذكر في «المستدرك» عن إجازة الشيخ محمد بن صالح للشيخ طومان ما نصه:
قرأ علي الشيخ الأجل العالم الفاضل الفقيه المجتهد نجم الدين طومان بن أحمد الشامي العاملي كتاب النهاية في الفقه «4».
حضر- رحمه الله- على جمع من العلماء و روى عنهم، منهم: 1- الشيخ شمس الدين محمد بن صالح السيبي القسيني «5». 2- المحقق الحلي «6».
تلمذ عليه جمع من العلماء منهم: 1- جمال الدين أبو محمد مكي العاملي والد الشهيد الأول «7». 2- السيد علاء الدين علي بن محمد بن زهرة «8» الحسن الحلي، و كانت وفاته بالمدينة المنورة سنة 728.
8- الوزير شرف الدين أبو القاسم علي بن الوزير مؤيد الدين محمد ابن العلقمي: وصفه في «الأمل»: عالم جليل القدر شاعر أديب من تلامذة المحقق «9».
و مدحه صاحب «الرياض» واصفا إياه: الوزير الكبير من أجلاء علماء الإمامية، كان والده- بل هو أيضا- وزيرا للخليفة المستعصم «10».
______________________________
(1) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 104.
(2) الروضات: 4- 147.
(3) الرياض: 3- 22.
(4) المستدرك: 3- 443.
(5) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 103.
(6) مقدمة الشرائع للسيد محمد تقي الحكيم نقلا عن إجازة الشيخ حسن بن الشهيد الثاني.
(7) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 103.
(8) المصدر السابق: 1- 104.
(9) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 201.
(10) رياض العلماء: 4- 216.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 166‌
و الثابت تلمذته على المحقق الحلي و لم تذكر المصادر شيخا آخر له.
9- الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي العاملي: قال عنه في «الأمل»:
كان فاضلا فقيها عابدا «1».
و في «الرياض»: كان من أجلة فقهاء تلامذة المحقق و السيد ابن طاوس أيضا «2».
و ذكره صاحب «الروضات» قال: كان فاضلا فقيها عابدا في رجال المحدث النيسابوري أنه كان فقيها محدثا «3».
تتلمذ على يد كل من: 1- المحقق الحلي. 2- السيد العابد علي بن طاوس.
و له من الكتب: 1- الأربعين في فضائل أمير المؤمنين. 2- كتاب الدر النظيم في مناقب اللهاميم «4».
10- الشيخ زين الدين أبو محمد الحسن بن ربيب الدين أبي طالب بن أبي مجد البوسطي الآوي الآبي الملقب بالفاضل الآبي: و في الأعيان نقلا عن رجال بحر العلوم: من تلامذة المحقق أبي القاسم نجم الدين و شارح كتابه النافع بالشرح المسمى «كشف الرموز» و هو أول من شرح هذا الكتاب عالم فقيه محقق قوي الفقاهة، حكى الأصحاب كالشهيدين و السيوري و غيرهم أقواله و مذاهبه «5».
و في التنقيح نقلا عن رجال الطباطبائي: شهرة هذا الرجل دون فضله و علمه «6» له من الكتب كشف الرموز شرح لكتاب النافع لاستاذه المحقق، و هو أول شرح لهذا الكتاب الجليل «7».
______________________________
(1) أمل الآمل (القسم الأول): ص 190.
(2) الرياض: 5- 389.
(3) الروضات: 8- 199.
(4) الرياض: 5- 389.
(5) أعيان الشيعة: 20- 172.
(6) التنقيح: 1- 267 باب الحاء رقم 2456.
(7) الرياض: 1- 146.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 167‌
11- الشيخ فخر الدين محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي: قال عنه في «الأمل»: كان فاضلا محققا فقيها ثقة جليلا، ذكر السيد مصط في فقال: من وجوه هذه الطائفة و ثقاتها و فقهائها، جليل القدر عظيم المنزلة رفيع الشأن، حاله في علو قدره و سمو رتبته و كثرة علومه أشهر من أن يذكر «1».
و ذكره في «الرياض»: كان فاضلا محققا ثقة جليلا. قال صاحب القاموس في إجازته لابن الحلواني عن شيخي و مولاي علامة الدين بحر العلوم فخر الدين أبي طالب محمد «2».
و في «لؤلؤة البحرين»: قال شيخنا الشهيد في تعداد جملة من مشايخه، الشيخ الامام سلطان العلماء و منتهى الفضلاء و النبلاء، خاتمة المجتهدين فخر الملة و الدين أبو طالب. قال في مجالس المؤمنين: هو افتخار آل المطهر و شامة البدر الأنور، و هو في العلوم العقلية و النقلية مدقق نحرير، و في علو الفهم و الذكاء مدقق ليس له نظير «3».
و قال في «الكنى»: وجه من وجوه هذه الطائفة و ثقاتها، جليل القدر عظيم المنزلة رفيع الشأن كثير العلم، وحيد عصره و فريد دهره، جيد التصانيف، حاله في علو قدره و سمو مرتبته و كثرة علومه أشهر من أن يذكر «4».
و ذكر في «الكنى» نقلا عن العلامة: أمره لولده بإصلاح الخلل في كتبه بعد وفاته.
مشايخه- أعلى الله مقامه-: 1- أكثر تتلمذه على أبيه العلامة الحلي- رحمه الله- «5». 2- المحقق الحلي «6».
______________________________
(1) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 260.
(2) الرياض: 5- 79.
(3) لؤلؤة البحرين: ص 190 و 192.
(4) الكنى و الألقاب: 3- 13.
(5) الرياض: 5- 77.
(6) مقدمة كتاب الشرائع للسيد محمد تقي الحكيم.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 168‌
تلامذته: 1- الشهيد الأول- رحمه الله- «1».
مؤلفاته: 1- شرح القواعد، اسمه «إيضاح الفوائد». 2- الفخرية في النية.
3- حاشية الإرشاد. 4- الكافية الوافية في الكلام. 5- شرح نهج المسترشدين.
6- شرح تهذيب الأصول المسمى ب‍ «غاية المسؤول». 7- شرح مبادئ الأصول.
8- شرح خطبة القواعد. و غير ذلك.
توفي- رحمه الله- في 25 جمادى 2، 771.
12- السيد جلال الدين محمد رضي الدين علي بن طاوس: و هو الذي كتب له السيد ابن طاوس كتاب «كشف المحجة لثمرة المهجة».
قال عنه في الرياض: كان من الفضلاء الصلحاء الزهاد «2».
13- الشيخ جلال الدين محمد بن محمد بن أحمد الكوفي الهاشمي الحارثي: قال عنه في «الأمل»: كان عالما صالحا فاضلا «3».
و كذلك وصفه صاحب «الرياض» كان عالما صالحا فاضلا «4».
و وصفه الشيخ حسن صاحب «المعالم» كما في المستدرك نقلا عنه: الشيخ الامام البليغ جلال الدين محمد بن الشيخ الامام ملك الأدباء شمس الدين محمد بن أحمد الكوفي «5».
14- الشيخ صفي الدين محمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد: قال عنه في «الأمل»: فاضل جليل من تلامذة المحقق «6».
و أيضا في «الرياض» نعته ب‍: فاضل جليل «7».
و في «المستدرك» نقلا عن الشهيد في أربعينه: أخبرنا الشيخ زين الدين في تاريخه قال: أخبرنا الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن الشيخ الامام شيخ الطائفة‌
______________________________
(1) الكنى و الألقاب: 3- 13.
(2) رياض العلماء: 5- 128.
(3) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 298.
(4) الرياض: 5- 157.
(5) المستدرك: 3- 447.
(6) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 274.
(7) الرياض: 5- 107.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 169‌
نجيب الدين أبي أحمد يحيى بن أحمد بن سعيد الحلي «1».
15- الشيخ شمس الدين محمد بن صالح السيبي القسيني: قال عنه في «الأمل»: فاضل صالح جليل «2».
و في «الرياض» كذلك وصفه ب‍: فاضل صالح جليل «3».
و هذا الشيخ الجليل يروي عن: 1- السيد علي بن طاوس. 2- السيد أحمد بن طاوس. 3- المحقق الحلي. 4- ابن عم المحقق نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلي «4».
16- الشيخ جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي القاشي: قال عنه في «الأمل»:
فاضل جليل «5».
وفاته:
قضى المحقق الحلي عمرا مباركا سعيدا في خدمة الشريعة و إعداد جيل من الفقهاء الذين ورثوا منه العلم و الفقاهة، و توفي سنة 676 على ما ذكره تلميذه ابن داود في رجاله.
قال حسن بن داود في كتابه المعروف «الرجال»: جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقق المدقق العلامة واحد عصره، كان ألسن أهل زمانه و أقومهم بالحجة و أسرعهم استحضارا، قرأت عليه و رباني صغيرا، و كان له علي إحسان عظيم و التفات، و أجاز لي جميع ما صنفه و قرأه و رواه و كل ما يصح روايته عنه، توفي- رحمه الله- في ربيع الآخر سنة 676، له تصانيف‌
______________________________
(1) مستدرك الوسائل: 3- 443.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 241 و 276.
(3) الرياض: 5- 24.
(4) الرياض: 5- 110.
(5) أمل الآمل (القسم الثاني): ص 289.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 170‌
حسنة محررة و عذبة «1».
و في «توضيح المقاصد» للشيخ البهائي أنه توفي في 23 من جمادى الثانية من تلك السنة، و عن بعضهم أن تاريخ وفاته يوافق بحساب الجمل «زبدة المحققين» «2».
لما كان ابن داود ألصق الناس بالمحقق و أقربهم إليه، فلا محالة يكون قوله أقرب الى الصواب، و الله العالم. إذن يكون عمره أربعا و سبعين سنة تقريبا عند وفاته- رحمه الله.
و نقل في اللؤلؤة عن بعض الأجلاء من تلاميذ المجلسي أن مولد المحقق سنة 638 و وفاته ليلة السبت في شهر محرم الحرام سنة 726 ه‍. فعمرة على هذا خمس و ثمانون سنة تقريبا «3».
و يقول الشيخ الجليل البحراني في اللؤلؤة بعد ما نقل كلا من قولي ابن داود و تلميذ المجلسي- رحمه الله- و ما بينهما من تناف. و العجب أن ذلك الفاضل- أي تلميذ المجلسي- بعد ذكر ما قدمناه عنه نقل عن ابن داود ما ذكرنا أيضا و لم يتعرض لما فيه من المنافاة لما قدمه، و الأقرب هو ما ذكره ابن داود، و لعل ما في النسخة التي نقلنا منها ما تقدم عن ذلك الفاضل غلطا. و يؤيده أن تاريخ موت العلامة- رحمه الله- 726 ه‍. فيكون موته و موت المحقق في سنة واحدة! و لا ريب في بطلانه «4».
و كان سبب وفاته على ما ذكره صاحب «اللؤلؤة» عن بعض الأجلاء من الأعلام ما صورته، في صبح يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر سنة 676 سقط الشيخ الفقيه أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلي- رحمه الله- من أعلى درجة في داره فخر ميتا لوقته من غير نطق و لا حركة، فتفجع الناس لوفاته و اجتمع لجنازته‌
______________________________
(1) رجال ابن داود: ص 371.
(2) أعيان الشيعة: 15- 276.
(3) اللؤلؤة: ص 229.
(4) اللؤلؤة: ص 230.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 171‌
خلق كثير. و حمل نعشه الى النجف مشهد أمير المؤمنين عليه السلام «1».
رثاؤه:
يقول الحر العاملي في «أمل الآمل»: لما توفي رثاه جماعة منهم الشيخ محفوظ وشاح رثاه بقصيدة منها:
اقلقني الدهر و فرط الأسى و زاد في قلبي لهيب الضرام
لفقد بحر العلم و المرتضى في القول و الفعل و فصل الخصام
أعني أبا القاسم شمس العلى الماجد المقدام ليث الزحام
أزمة الدين بتدبيره منظومة أحسن بذلك النظام
شبه به البازي في بحثه و عنده الفاضل فرخ الحمام
قد أوضح الدين بتصنيفه من بعد ما كان شديد الظلام
بعدك أضحى الناس في حيرة عالمهم مشتبه بالعوام
لو لا الذي بين في كتبه لأشراف الدين على الاصطلام
قد قلت للقبر الذي ضمه كيف حويت البحر و البحر طام
عليك مني ماحدا سائق أو غرد القمري ألفا سلام
رحم الله المحقق عاش سعيدا و مات سعيدا و يحشر سعيدا إن شاء الله مع الأنبياء و الصديقين و حسن أولئك رفيقا، و رزقنا الله تعالى شفاعته و جواره عنده سبحانه و تعالى.
محمد مهدي الآصفي قم المقدسة في 14 ج 2- 1411‌
______________________________
(1) اللؤلؤة: ص 231.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 172‌
فهرس المصادر المعتمدة لحياة المحقق الحلي‌
1- أعلام العرب.
2- الأغاني.
3- الإقبال للسيد ابن طاوس.
4- الألفين للعلامة الحلي.
5- أمل الآمل.
6- بحار الأنوار.
7- (كتاب) بغداد لطيفور.
8- تاريخ ابن الوردي.
9- تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم.
10- تاريخ بغداد للخطيب.
11- تاريخ التمدن الإسلامي للدكتور كوستاف لوبون.
12- تاريخ الخلفاء للسيوطي.
13- تاريخ الطبري.
14- تاريخ مختصر الدول لابن العبري.
15- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام.
16- تاج العروس.
17- تعليقة السيد محمد صادق بحر العلوم على اللؤلؤة.
18- تعليقات اللؤلؤة.
19- تكملة المعجمات العربية للدوزي.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 173‌
20- تنقيح الأقوال.
21- تنقيح المقال.
22- تلخيص مجمع الآداب.
23- ثمار القلوب.
24- جامع التواريخ.
25- جمهرة أنساب العرب.
26- الحوادث الجامعة لابن الفوطي.
27- دائرة المعارف الإسلامية.
28- الديارات للبشابشتي.
29- الذريعة إلى تصانيف الشيعة.
30- رجال ابن داود.
31- رحلة ابن بطوطة.
32- روضات الجنات.
33- رياض العلماء.
34- زهر الآداب.
35- صبح الأعشى.
36- عمدة الطالب.
37- الفتاوى الواضحة.
38- الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد للشيخ مصطفى الزرقاء.
39- الكامل في التاريخ لابن الأثير.
40- الكنى و الألقاب.
41- لؤلؤة البحرين.
42- لطائف المعارف للثعالبي.
43- مؤيد الدين بن العلقمي و اسرار سقوط الدولة العباسية.
44- مرآة الجنان لليافعي.
45- المراصد.
46- المستدرك.
47- مطالع البدور في منازل السرور للغزولي.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 174‌
48- المعارج.
49- معجم البلدان.
50- معجم المؤلفين.
51- معجم رجال الحديث.
52- مقدمة إحقاق الحق.
53- مقدمة مثير الأحزان.
54- مقدمة كتاب الرسالة للشافعي.
55- مقدمة الشرائع للسيد محمد تقي الحكيم.
56- مقدمة كتاب المعتبر.



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 175‌
نحن و: كتاب النهاية كتاب نكت النهاية المسائل المصرية‌



************
نكت النهاية، ج‌1، ص: 176‌
حول كتاب النهاية:
اسمه «النهاية في مجرد الفقه و الفتاوى» كما ذكره المؤلف في كتابه الفهرست و قال: و هو يشتمل على عدة كتب التهذيب «1».
________________________________________
حلّى، محقق، نجم الدين، جعفر بن حسن، نكت النهاية، 3 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1412 ه‍ ق