اعیان الشیعه، ج ۵، ص ٨
من اعیان الشیعه ابوعلی الفارسی، ص 82-87
تشيعه في معجم الأدباء وشذرات الذهب وبغية الوعاة وتاريخ ابن خلكان:
كان متهما بالاعتزال وفي تاريخ بغداد: قال محمد بن أبي الفوارس كان متهما بالاعتزال وفي ميزان الاعتدال: كان متهما بالاعتزال لكنه صدوق في نفسه وفي الرياض: الظاهر من الاعتزال هو التشيع إذ قد اشتهر كون أبي علي من الامامية والعامة لا تفرق بين الخاصة والمعتزلة في العقائد اه.
أقول نسبوا جماعة من علماء الشيعة إلى الاعتزال حتى إن الذهبي نسب السيد المرتضى إلى الاعتزال والمراد موافقة المعتزلة في بعض الأصول. ومجرد نسبة الرجل إلى الاعتزال لا يكفي في إثبات تشيعه نعم إذا ثبت تشيعه لا ينافيه نسبتهم له إلى الاعتزال والظاهر تشيعه.
من اعیان الشیعه ابوعلی الفارسی، ص 82-87
ب) تشيعه: برهنت فى كلام سابق على اعتزال أبى على؛ لأوطئ الحديث عن تشيعه، ذلك لأن للشيعة علاقة بالمعتزلة بوجه عام . و طوائف الشيعة على الرغم من تشيعها قد سادت فيها مبادئ المعتزلة، فقد استطاع فقهاء الشيعة، و علماء التوحيد منهم أن يستفيدوا من آثار المعتزلة، و يستخدموها لفهم عقائدهم، و مذاهبهم الخاصة؛ فالشيعة يسمون أنفسهم أهل العدل، و هذا كما رأينا هو نفس التسمية التى تسمى بها المعتزلة.. و الشيعة يقولون: «إن الإمام المنتظر سوف يظهر لنشر العدل و التوحيد، و هذا هو بعينه عقيدة المعتزلة.. و قد بلغ من شدة التشابه بين المعتزلة و الشيعة أن اختلط الأمر على المؤرخين، فلم يميزوا بين كتب الشيعة، و كتب المعتزلة فى التوحيد، و العلامة الوحيدة التى كان يميز بها المؤرخون تلك الكتب: نظرية الإمام و عصمته التى لم تخل منها كتب الشيعة، و قد كان النظام - و هو من كبار أئمة المعتزلة - يوافق الشيعة فيما يتعلق بتلك النظرية.. و قد أقامت الشيعة قواعدها الرئيسية على نظريات و عقائد المعتزلة . و حديثى عن هذه العلاقة ليس معناه أن كل معتزلى شيعى، و لكنه يقربنا تقريبا ما إلى إثبات شيعية أبى على، بعد أن ثبت لدينا اعتزاله، و يؤكد ذلك أن الصاحب بن عباد يظهر الاعتزال فى رسائله - من القول و التوحيد . قول الخوارزمى فيه: و من نصر التوحيد، و العدل فعله و أيقظ نوّام المعالى شمائله و الصاحب من غلاة الشيعة إلى جانب ذلك الاعتزال. انظر مثلا قوله: حب على بن أبى طالب هو الذى يهدى إلى الجنة إن كان تفضيلى له بدعة فلعنة اللّه على السنة و كذلك كان الرمانى على بن عيسى . هذه أدلة عامة، فإذا تلمسنا أدلة خاصة على تشيع أبى على رأينا ذلك: (أولا) فى شيوع التشيع ب (فسا) مولد أبى على، و فى ذلك الوقت المبكر من حياته: «(ولد أبو على سنة 288 ه) قالوا: لما قدم يعقوب بن الليث صاحب خراسان إلى فارس (قدمها قبل سنة 267 ه) أخبر أنه هناك رجل يتكلم فى عثمان ابن عفان، و أراد بالرجل يعقوب بن سفيان الفسوى، فإنه كان يتشيع، فأمر بإشخاصه من فسا إلى شيراز، فلما قدم علم الوزير ما وقع فى نفس يعقوب بن الليث، فقال: «أيها الأمير! إن هذا الرجل قدم، و لا يتكلم فى أبى محمد عثمان بن عفان شيخنا، و إنما يتكلم فى عثمان بن عفان صاحب النبى (صلى اللّه عليه و سلم)، فلما سمع قال: «ما لى و لأصحاب النبى (صلى اللّه عليه و سلم)! و إنما توهمت أنه تكلم فى عثمان ابن عفان السجزى!!» و لم يتعرض له . (و ثانيا) فى انعقاد الصلات بين أبى على و تلاميذه من بعده و شيعين، و هذه الصلات فيما أرى، دليل على ما كان عند أبى من التشيع، و من هذه الصلات: (ا) ما كان بينه و بين الصاحب بن عباد من مواصلة و مراسلة . (ب) وجود نسخة من الشيرازيات عتيقة عادية عليها خط أبى على فى خزانة كتب الأمير على (رضى اللّه عنه) بنجف ، فالحرص على هذه النسخة التى عليها خط أبى على فى خزانة من خزائن الشيعة، دليل على هذه الصلة بين أبى على و الشيعيين. (ج) و ابن جنى - تلميذ أبى على الملازم له - ينزل فى دار الشريف أبى على الجوانى نقيب العلويين، و كان الناس يترددون عليه و يسائلونه . (د) و يصاحب ابن جنى الرضى و المرتضى العلويين. و يهتم ابن جنى بقصائد الشريف الرضى، فيؤلف كتابا خاصا بها سماه: تفسير العلويات . و على بن عيسى الربعى (تلميذ أبى على) يأخذ عنه يحيى بن طباطبا العلوى . (ه) و يرى أحد تلاميذ ابن جنى (على بن أبى طالب) فى المنام، يأمر ابن جنى بإتمام كتاب المحتسب، و يثبت هذه الرؤيا ابن جنى بخطه على ظهر نسخة كتاب المحتسب . (و) و هذا الشريف عمر بن إبراهيم بن محمد العلوى الزيدى أبو البركات ينتهى نسبه إلى يحيى بن الحسين ذى الدمعة بن زيد الإمام الشهير ابن على زين العابدين ابن السبط أبى عبد اللّه الحسين بن أبى طالب. يسافر إلى الشام، و يقيم بدمشق مدة، ثم بحلب كذلك، و يقرأ بها كتاب الإيضاح لأبى على الفارسى فى سنة 445 ه. و كان هذا الشريف سببا فى ذيوع كتاب الإيضاح المدة الطويلة بالكوفة، و أخذه عنه الجم الغفير من علماء الرواة و النحاة . (ثالثا) نصوص من كتب أبى على: (ا) و ما جاء بكتاب الإيضاح دليل على تشيع أبى على، و لعله كذلك كان من أسباب حرص ذلك الشريف العلوى على الإيضاح بخاصة، و حرص العلويين بعامة. قال أبو على فى الإيضاح: «و تقول الحسن و الحسين أفضل أو ابن الحنفية» فيكون الجواب. أحدهما بهذا اللفظ، و لا يجوز أن تقول: الحسن و لا الحسين، و لأن المعنى أحدهما أفضل أم ابن الحنفية، فالجواب يكون على ما تضمنه السؤال . و قد قال الإمام عبد القاهر الجرجانى تعليقا و شرحا لذلك فى كتابه «المقتصد فى شرح الإيضاح» ما نصه: «فإذا قال ذلك: أى قال فى الجواب «أحدهما» كان قد فضل كل واحد منهما على ابن الحنفية، و من أراد تفضيل ابن الحنفية كما تزعم الكيسانية، قال فى قولك: الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية - ابن الحنفية». و مضى الجرجانى فى تقرير شيعية أبى على فقال: «و قال الشيخ أبو على: نقول أحدهما بهذا اللفظ على موجب المذهب لا أن حكم الإعراب يقتضى أن يقال أحدهما، و أنه لا يجوز أن يقال ابن الحنفية إذا أريد تفضيله عليها، و لو قلت الحسن أم الحسين أفضل أم ابن الحنفية، كنت قد سويت بين الثلاثة، و صرت تسأل عن الأفضل من جميعهم حتى كأنك قلت: أيهم أفضل؟ فيكون الجواب أن يقال: الحسن، أو يقال: ابن الحنفية. كل يقول على مقتضى مذهبه، و نحن فى حكم الأعراب لا فى حديث الفصل بين السديد و الفاسد من المذاهب فى ذلك . و كلام الإمام عبد القاهر الجرجانى واضح فى تشيع أبى على، و غنى عن التعليق، بما فيه من دلالة صريحة على مذهب أبى على، و تفضيله الحسن و الحسين. (ب) و قد رأيت أبا على يذكر أخبارا من أخبار سيدنا على كما قال: «و يروى أن عليا (عليه السلام) لما قال له عدى بن حاتم ما الذى لا ينسى قال: المرأة لا تنسى أبا عذرها و لا قاتل وحدها» . و ألق بالك إلى دعائه لعلى بقوله (عليه السلام)، و هو دعاء لا يكون إلا للأنبياء؟ و الدعاء بالسلام لسيدنا على من شأن الشيعة؛ توقيرا منهم لشخصه، و ارتفاعا به إلى درجة الأنبياء و المرسلين . (ج) و قد جاء فى المسائل البصرية خبر يدل على تشيع أبى على، إذ أورده بمثابة الدفاع عن على، و انصافه من بنى أمية، و دعا له كذلك بما يدعى للأنبياء، قال: و روى عن عمر بن شبه قال: كانت سنة بنى أمية شتم على (عليه السلام) على منابرهم، فلما أتى خلفه عمر بن عبد العزيز لم يفعل، فقيل له فى ذلك فقال: سبحان اللّه! إن الرجل لا يزال عند اللّه صدوقا حتى يكذب، فإذا كذب فجر، فما أقبح الفجور بمن خوله ما خولنى! أنا لا نغر عباد اللّه من ربهم، و لا نقوى الملك بالإفك و الظلم، و أنه لا يفل مع الحق، و يقوى مع الباطل عديد، ففي ذلك يقول كثير: وليت، فلم تشتم عليا، و لم تخف بريّا، و لم تتبع سجيّة مجرم و قلت، فصدّقت الذى قلت بالّذى فعلت، فأضحى راضيا كلّ مسلم تكلمت بالحق المبين، و إنما تبيّن آيات الهدى بالتكلم فانظر كيف كان شتم على كذبا و فجورا، و الهجوم عليه إفكا و زورا؟ و كيف أورد أبيات كثير، و فيها يصف بنى أمية بالإجرام، و أن خطة عمر أرضت المسلمين باتباعه الحقّ المبين؟ (د) و يروى البيت الآتى فى الشيرازيات، و فيه ثناء على الهاشميين: و إن الألى بالطف من آل هاشم تأسوا، فسنوا للكرام التأسّيا (ه) هذا و قد وردت كتب أبى على فى الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، كما تحدث عنه عينا من أعيان الشيعة العاملى محسن الأمين، فى الكتاب المترجم بأعيان الشيعة ، و قد جعله العاملى من الإمامية، و ذلك إذ يقول: و قد اشتهر كون أبى على من الإمامية - و الإمامية هم القائلون بإمامة على (رضى اللّه عنه) بعد النبى نصا ظاهرا، و تعيينا صادقا، من غير تعريض بالوصف، بل إشارة إليه بالعين . (و) و أخيرا يرثى الشريف الرضى أبا على ، كما يرثى الصاحب بن عباد الشيعى المعتزلى. *** هذه الأدلة متظاهرة على أن أبا على كان شيعيا، و فيها أكثر من دليل يثبت تشيعه من غير شك أو مراء. و لست أرى بعد ذلك علام اعتمد محققو كتاب سر صناعة الإعراب، إذ يقولون: «و لم يكونا - أبو على و ابن جنى - شيعيين، مع ما كانا فيه من نعم البويهيين، و هم شيعيون و إنما صانعاهم !! و هو كلام ينبغى ألا يترك من غير مناقشة، فإذا كان البويهيون شيعيين، و قد غرق أبو على فى نعمهم، فلما ذا لا يكون تشيعه حقيقة كما انتهيت إليه - لا مصانعة؟ و هل يخفى على البويهيين تصنعه، و التصنع ثوب يشف عما تحته؟! ثم ما الذى يدعوه أن يصانع؟ و ما ذا تكون العاقبة لو أن البويهيين - و هم غلاة فى التشيع - كشفوا ما وراء هذا التصنع؟
لقد كان عضد الدولة شيعيا من قوم شيعيين . حتى أنه اتخذ كاتبا من قم المشهورة بالتشيع هو: «أبو الحسن القمى ». و هكذا كان يصطفى عضد الدولة المتشيعين، و كان أبو على مصطفى من المصطفين، فهو شيعى حقا فى غير مواربة أو مصانعة، إلى أن عضد الدولة كان متيقنا صفاء الطوية من أبى على . و هكذا كانت القضية التى ساقها الأساتذة المحققون تحمل فى طياتها دليل نقضها و بطلانها. و لم يتبع السادة الأساتذة القضية بالدليل، و لكنى وجدتهم بعد صفحات ثمان يذكرون القصة الآتية دليلا على أن ابن جنى كان لا يسلم من حسد معاصريه: ذلك أن ابن جنى كان يوما فى «زبزب» مع الرضى و المرتضى العلويين، و كان على ابن عيسى الربعى يمشى حينئذ على شاطئ النهر، فلما رآهم قال للعلويين: من أعجب أحوال الشريفين أن يكون عثمان (ابن جنى) جالسا معهما فى الزبزب، و على يمشى على الشط بعيدا منهما ، و فى رواية أن المرتضى قال للملاح حين سمع ذلك منه: «جد و أسرع قبل أن يسبنا». ثم علقوا على هذه القصة بما فهموه منها: حيث قالوا: «و يفهم من هذا ما هو مذكور عن الربعى هذا من أن به لوثة، و جسارة، و بدوات لا تؤمن، و أنه كان شيعيا، و أن ابن جنى لم يكن شيعيا . و أنت ترى أن القصة لا تنتهى بنا إلى هذه النتيجة التى انتهى السادة الأساتذة اليها؛ بل هى دليل على ثبوت التشيع عند ابن جنى، و لا تنفيه عنه، فهو مع شريفين شيعيين، و لا يؤول كلام الربعى بأنه شيعى، و ابن جنى غير ذلك؛ فالرواية التى اعتمدوا عليها لا تؤيد شيئا مما فهموه، و رواية ابن الانبارى فى نزهة الألباء تثبت تشيع الربعى، و لا تنفى تشيع ابن جنى، فكلام الربعى أشبه بالعتب على المرتضى، و نص فى الحسد لابن جنى دون التعرض لشيعيته. و اللّه أعلم.