سال بعدالفهرستسال قبل

الحسين بن أحمد بن خالويه أبو عبد الله(000 - 370 هـ = 000 - 980 م)

الحسين بن أحمد بن خالويه أبو عبد الله(000 - 370 هـ = 000 - 980 م)
الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ أبو علي(288 - 377 هـ = 900 - 987 م)




الأعلام للزركلي (2/ 231)
ابن خالَوَيْه
(000 - 370 هـ = 000 - 980 م)
الحسين بن أحمد بن خالويه، أبو عبد الله: لغويّ، من كبار النحاة. أصله من همذان. زار اليمن وأقام بذمار، مدة، وانتقل إلى الشام فاستوطن حلب. وعظمت بها شهرته، فأحله بنو حمدان منزلة رفيعة. وكانت له مع المتنبي مجالس ومباحث عند سيف الدولة. وعهد إليه سيف الدولة بتأديب أولاده. وتوفي في حلب. من كتبه (شرح مقصورة ابن دريد - خ) و (مختصر في شواذ القرآن - ط) و (إعراب ثلاثين سورة من القرآن العزيز - ط) و (ليس في كلام العرب - ط) و (الشجر - ط) ويقال إنه ل أبي زيد، و (الآل) و (الاشتقاق) و (الجمل) في النحو، و (المقصور والممدود) و (البديع - خ) في شستربتي (3051) (1) .
__________
(1) وفيات الأعيان 1: 157 وبغية الوعاة 231 والمكتبة الأزهرية 1: 112 وغاية النهاية 1: 237 وآداب اللغة 2: 301 ولسان الميزان 2: 267 ودائرة المعارف الإسلامية 1: 148 وإبناه الرواة 1: 324 وهو فيه (الحسين بن محمد) ويتيمة الدهر 1: 76 وهو فيه (الحسن بن خالويه) .





رجال النجاشي، ص: 67
161 الحسين بن خالويه أبو عبد الله النحوي،
سكن حلب، و مات بها، و كان عارفا بمذهبنا، مع علمه بعلوم العربية و اللغة و الشعر. و له كتب، منها: كتاب منها الأول و مقتضاه، ذكر إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، حدثنا بذلك القاضي أبو الحسين النصيبي قال: قرأته عليه بحلب، و كتاب مستحسن القراءات و الشواذ، [و] كتاب حسن في اللغة، كتاب اشتقاق الشهور و الأيام‏.




رجال العلامة الحلي، ص: 53
27 الحسين بن خالويه‏
بالخاء المعجمة و الياء المنقطة تحتها نقطتين بعد الواو أبو عبد الله النحوي، سكن حلب و مات بها، و كان عارفا بمذهبنا، و له كتب منها كتاب (إمامة أمير المؤمنين عليه السلام).





الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج‏3، ص: 295
فصل (10) فيما نذكره من الدعاء في شعبان، مروي عن ابن خالويه‏
أقول أنا: و اسم ابن خالويه الحسين بن محمد، و كنيته أبو عبد الله، و ذكر النجاشي انه كان عارفا بمذهبنا مع علمه بعلوم العربية و اللغة و الشعر و سكن بحلب «2»، و ذكر محمد بن النجار في التذييل: و قد ذكرناه في الجزء الثالث من التحصيل، فقال عن الحسين بن خالويه: كان إماما أوحد افراد الدهر في كل قسم من أقسام العلم و الأدب و كان إليه الرحلة من الأوقات و سكن بحلب و كان آل حمدان يكرمونه و مات بها.
قال: انها مناجاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و الأئمة من ولده عليهم السلام، كانوا يدعون بها في شهر شعبان:
اللهم صل على محمد و آل محمد و اسمع دعائي إذا دعوتك، و اسمع‏.....







مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏7، ص: 271
[583] الحسين بن خالويه:
أبو عبد الله النحوي الهمداني، في النجاشي: سكن حلب، و كان عارفا بمذهبنا، مع علمه بعلوم العربية و اللغة و الشعر «1». و مدحه ابن طاوس في الإقبال، و نقل عن كتابه: المناجاة المعروفة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في شهر شعبان «2».
و في تاريخ اليافعي بعد ذكر جملة من حالاته و له أيضا كتاب لطيف سماه: (كتاب الآل)، و ذكر في أوله تفصيل معاني الآل، ثم ذكر فيه الأئمة الاثني عشر من آل النبي (عليهم السلام) و تواريخ مواليدهم، و وفاتهم و آبائهم، و أمهاتهم «3»، انتهى.
و الموجود في غير النجاشي: الحسين بن أحمد ابن خالويه «4».
__________________________________________________
(1) رجال النجاشي: 67/ 161.
(2) إقبال الأعمال: 685.
(3) مرآة الجنان 2: 394 395.
(4) كما في وفيات الأعيان لابن خلكان 2: 178.








البداية والنهاية ط الفكر (11/ 297)
ابن خالويه
الحسين بن أحمد بن خالويه أبو عبد الله النحوي اللغوي صاحب المصنفات، أصله من همذان، ثم دخل بغداد فأدرك بها مشايخ هذا الشأن. كابن دريد وابن مجاهد، وأبي عمر الزاهد، واشتغل على أبي سعيد السيرافي ثم صار إلى حلب فعظمت مكانته عند آل حمدان، وكان سيف الدولة يكرمه وهو أحد جلسائه، وله مع المتنبي مناظرات. وقد سرد له ابن خلكان مصنفات كثيرة منها كتاب ليس في كلام العرب- لأنه كان يكثر أن يقول ليس في كلام العرب كذا وكذا- وكتاب الآل تكلم فيه على أقسامه وترجم الأئمة الاثني عشر وأعرب ثلاثين سورة من القرآن، وشرح الدريدية وغير ذلك، وله شعر حسن، وكان به داء كانت به وفاته.






الحجة في القراءات السبع (ص: 16)
المؤلف: الحسين بن أحمد بن خالويه، أبو عبد الله (المتوفى: 370هـ)
المحقق: د. عبد العال سالم مكرم، الأستاذ المساعد بكلية الآداب - جامعة الكويت
عقيدته:
يذكر سالم الكرنوكي وهو مستشرق، حقق كتاب «إعراب ثلاثين سورة»:
أن ابن أبي طيّ: قال عنه: «كان إماميّا عالما بالمذهب» على حين يرى الذهبى في تاريخه:
أنه كان صاحب سنّة، وابن حجر يؤيد تشيعه ويقول: «كان صاحب سنّة في الظاهر فقط ليتقرّب إلى سيف الدولة الحمداني» «1».
وفي رأي سالم الكرنوكي أنه إماميّ لأنه ألف كتاب «الإمامة». وفي هذا الكتاب تظهر روح تشيّعه واضحة جليّة؛ ذلك لأنه ذكر في كتابه أشياء لا يقولها أهل السنة.
وفي رأيي أن ابن خالويه لو كان إماميا لاشتهر أمره، وفضحه أعداؤه ومنافسوه في وقت كانت تعدّ فيه الهفوات.
ولو كان المتنبي يحس بأنه إماميّ لهجاه، وأظهر عواره لسيف الدولة السني، ليبعده من بلاطه، ويطرده من بلاده. ولو كان ابن خالويه إماميا لما سكت عنه أبو علي الفارسي في رسائله التي كان يبعث بها إلى سيف الدولة مدافعا عن التهم التي كان يوجهها إليه ابن خالويه.
ولو كان ابن خالويه إماميا لما تعبّد على المذهب الشافعي، لأن الشافعي سنّي، وقد ذكره السبكي في طبقات الشافعية.
وليس تأليفه لكتاب «الإمامية» يجعله إماميّا، فالرجل مولع بالثقافة الواسعة، وبالتأليف في مجالاتها المختلفة. ومن ثم ألّف كتابه ليدل على أنه ملمّ بأحداث عصره وبتاريخ مجتمعه.






سعد السعود للنفوس منضود، النص، ص: 259
[فيما نذكره من كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه‏]
1/ 7
فيما نذكره من الوجهة الثانية من تاسع عشرة قائمة من كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن تأليف أبي عبد الله الحسين بن خالويه النحوي بلفظ ما وجدناه و الذين أنعمت عليهم‏ هم الأنبياء و الأصل في عليهم بضم الهاء و هي لغة رسول الله و قد قرأ بذلك حمزة و إنما كسر الهاء من كسرها لمجاورة الياء و أما أهل المدينة و مكة فيصلون الميم بواو في اللفظ فيقولون عليهموا قالوا الواو علامة الجمع كما كانت الألف في عليهما علامة التثنية. يقول علي بن موسى بن طاوس ما الجواب لمن يقول إذا كانت لغة رسول الله ص ضم الهاء و القرآن أحق ما نزل بلغته ص و علام كان ظاهر قراءة أهل الإسلام في الصلوات و غيرها بكسر الهاء و لأي حال صار مجاورة الهاء للياء حجة على قراءة رسول الله و هو أفصح العرب و إذا اختلفت لغاتهم كان هو الحجة عليهم و أعجب من ذلك أن يكون أهل المدينة و أهل مكة البلدين اللذين أقام فيهما على خلاف قراءته و أن يقدم أحد بذكر هذا عنهم أو عن مسلم من المسلمين كيف جاز ذكر مثل هذا من العلماء العارفين‏



فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم، النص، ص: 183
الباب السابع فيمن صح حكمه بدلالة النجوم قبل الإسلام و لم يذكر اسمه‏
فمن ذلك الذي وجدنا في صحة الحكم بدلالة النجوم ممن عرف اسم المحكوم له و لم يذكر اسم المنجم ما ذكره أبو عبد الله الحسين بن خالويه في كتاب الملح من نسخة عتيقة يقتضي أنها كتبت في حياته أحضرها إلينا السيد حسن بن علي المدائني المعروف بابن بنت الكال كرهت شراءها لأجل ما فيها من الهزل فقال فيها ما هذا لفظه أبو بكر بن الأشعث حدثنا عباس بن محمد الصائغ حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثنا نصر بن باب عن الحجاج بن أرطاة قال كتب ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز من ملك الأملاك الذي في مربطه ألف فيل و الذي تحته بنات ألف ملك و الذي يوجد ريحه من تسعة عشر ميلا و الذي له نهران يجبيان له اللؤلؤ و العنبر و الكافور إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئا أما بعد فقد أهديت لك هدية و ليست هدية و لكنها تحفة و قد أحبب
________________________________________
ابن طاووس، على بن موسى، فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم (تاريخ علماء النجوم)، 1جلد، دار الذخائر - قم، چاپ: اول، 1368 ق.




كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ج‏1 20 منها ما ظهر قبل مولده ..... ص : 20
و روى ابن خالويه‏ في كتاب الآل‏ أن آمنة بنت وهب أم النبي ص رأت في منامها أنه يقال لها إنك قد حملت بخير البرية و سيد العالمين فإذا ولدته فسميه محمدا فإن اسمه في التوراة حامد و في الإنجيل أحمد و علقي عليه هذه التميمة التميمة التعويذ قالت فانتبهت و عند رأسي صحيفة من ذهب مكتوب فيها أعيذه بالواحد من شر كل حاسد و كل خلق مارد من قائم و قاعد عن القبيل [السبيل‏] عاند على الفساد جاهد يأخذ بالمراصد من طرق الموارد أنهاهم عنه بالله‏


كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ج‏1 40 تفسير معنى قولهم آل الرسول و أهل البيت و العترة ..... ص : 40
و تبيين من هم و ما ورد في ذلك من الأخبار و أقوال أرباب اللغة قال أبو عبد الله الحسين بن خالويه‏ الآل ينقسم في اللغة خمسة و عشرين قسما آل الله قريش قال الشاعر هو عبد المطلب شعر
نحن آل الله في كعبته‏ لم يزل ذاك على عهد إبرهم‏
و قال آخرون أراد نحن آل بيت الله أي قطان مكة و سكان حرم الله و العرب تقول في الاستغاثة يال الله يريدون قريشا و آل محمد ص بنو هاشم من آل إليه بحسب أو قرابة و قيل آل محمد ص كل تقي و قيل آل محمد من حرمت عليه الصدقة فأما قوله تعالى‏ يرثني و يرث من آل يعقوب‏ قيل يرث نبوتهم و علمهم عن الحسن البصري و قوله تعالى‏ و ورث سليمان داود و قال ابن عباس ورثه الحبورة يعني العلم و الحكمة و لذلك سمي العالم حبرا من الحبار و هو الحسن و الجمال و آل الله أهل القرآن‏


كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ج‏1 43 تفسير معنى قولهم آل الرسول و أهل البيت و العترة ..... ص : 40
قال ابن خالويه‏ هذا مذهب الشيعة و مذهب أهل البيت و قد تخصص ذلك العموم‏


كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ج‏1 90 في محبة الرسول ص إياه و تحريضه على محبته و موالاته و نهيه عن بغضه ..... ص : 90
و نقلت من كتاب الآل لابن خالويه‏ عن حذيفة قال قال رسول الله ص‏ من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي‏


كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ج‏1 91 في محبة الرسول ص إياه و تحريضه على محبته و موالاته و نهيه عن بغضه ..... ص : 90
و من كتاب ابن خالويه‏ عن أبي سعيد قال‏ قال رسول الله ص لعلي ع حبك إيمان و بغضك نفاق و أول من يدخل الجنة محبك و أول من يدخل النار مبغضك و قد جعلك الله أهلا لذلك فأنت مني و أنا منك و لا نبي بعدي‏


كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ج‏1 456 فأما آية الطهارة ..... ص : 456
و روى ابن خالويه‏ في كتاب الآل قال حدثني أبو عبد الله الحنبلي قال حدثنا محمد بن أحمد بن قضاعة قال حدثنا أبو معاذ عبدان بن محمد قال حدثني مولاي أبو محمد الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص‏ لما خلق الله آدم و حواء تبخترا في الجنة فقال آدم لحواء ما خلق الله خلقا هو أحسن منا فأوحى الله إلى جبرئيل ائت بعبدي الفردوس الأعلى فلما دخلا الفردوس نظر إلى جارية على درنوك من درانيك الجنة و على رأسها تاج من نور و في أذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من نور وجهها فقال آدم حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها فقال هذه فاطمة بنت محمد نبي من ولدك يكون في آخر الزمان قال فما هذا التاج الذي على رأسها قال بعلها علي بن أبي طالب ع (قال ابن خالويه‏ البعل في كلام العرب خمسة أشياء الزوج و الصنم من قوله‏ أ تدعون بعلا و البعل اسم امرأة و بها سميت بعلبك و البعل من النخل ما شرب بعروقه من غير سقي و البعل السماء و العرب تقول السماء بعل الأرض)


كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ج‏1 457 فأما آية الطهارة ..... ص : 456
و عن ابن خالويه‏ من كتاب الآل يرفعه إلى علي بن موسى الرضا عن آبائه ع عن علي ص قال قال رسول الله ص‏ إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ص‏


كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ج‏1 526 الخامس فيما ورد في حقه من رسول الله ص و ما رواه ع و إمامته ..... ص : 519
و من كتاب الآل لابن خالويه‏ اللغوي عن ابن عباس قال قال رسول الله ص‏ حسن و حسين سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما أحبني و من أبغضهما أبغضني.











الكتاب: الحجة في القراءات السبع
المؤلف: الحسين بن أحمد بن خالويه، أبو عبد الله (المتوفى: 370هـ)
المحقق: د. عبد العال سالم مكرم، الأستاذ المساعد بكلية الآداب - جامعة الكويت
الناشر: دار الشروق - بيروت
الطبعة: الرابعة، 1401 هـ
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(تنبيه): ط دار الرسالة (الأولى،1421هـ - 2000م) لنفس المحقق وبنفس ترقيم الصفحات


مقدمة الطبعة الأولى
ابن خالويه
ابن خالويه شخصية لم تظفر بالدراسة الواسعة بعد؛ لأنه في مجال القراءات والنحو، واللغة لا يقل عن هؤلاء الأعلام الذين ظفروا بمثل هذه الدراسة كأبي على الفارسي، وابن جني، وغيرهما.
ولعلي بهذه الترجمة الموجزة أنير الطريق أمام الباحثين ليتجهوا إلى تراث هذا الرجل المطبوع والمخطوط، ليقيموا في ضوئه دراسات وبحوثا، تظهر مكانة الرجل في عصره، ومكانة تراثه بين تراثنا الخالد.

نسبه:
سجلت كتب الطبقات أن اسمه: الحسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان؛ وكنيته: أبو عبد الله «1».

نشأته
- ذكر ياقوت: أنه نشأ في (همذان)، ثم وفد إلى (بغداد) بعد ذلك، ويشاركه في هذا الرأي السيوطي في البغية «2» وقد سجل الرواة أنه في سنة أربع عشرة وثلاثمائة دخل بغداد ليتلقى عن شيوخها، ويأخذ عن أعلامها.
هذا، ولم تتعرض كتب الرواة لسنة مولده، وإن تعرضت لسنة وفاته، فقد أجمعت على أنه توفي بحلب سنة سبعين وثلاثمائة «3».
__________
(1) البغية 1 - 529، معجم الأدباء 9 - 200.
(2) البغية 1 - 529.
(3) البغية 1 - 529، معجم الأدباء 9 - 200، غاية النهاية 1 - 237.
(1/5)
************
شيوخه
- من شيوخه الذين كان لهم أثر كبير في تكوينه العلمي والثقافي.
1 - ابن مجاهد:
تلقى ابن خالويه، على ابن مجاهد علوم القرآن الكريم والقراءات وهو: أحمد بن موسى بن العباس التميمي، كان يلقب في عصره بشيخ الصنعة، ويكفيه فخرا أنه أول من سبع السبعة، وكان إليه المرجع في فن القراءات «1».
2 - ابن دريد:
وهو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، تلقى عليه ابن خالويه النحو والأدب.
وكان ابن دريد شاعرا كثير الشعر، ومن شعره «المقصورة» المشهورة، والقصيدة المشهورة التي جمع فيها بين المقصور والممدود «2». ولما مات هو وأبو هاشم الجبائي في يوم واحد، ودفنا في مقبرة (الخيزران)، قال الناس: مات علم اللغة والكلام بموت ابن دريد والجبائي.
وقد رثاه جحظة فقال:
فقدت بابن دريد كل منفعة ... لما غدا ثالث الأحجار والترب
قد كنت أبكي لفقد الجود آونة ... فصرت أبكي لفقد الجود والأدب
«3» 3 - ابن الأنباري:
هو أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري النحوي، كان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين، وأكثرهم حفظا للغة.
وكان ابن الأنباري- كما يذكر الرواة- مهتما بالدراسة القرآنية، فقد ذكروا أنه كان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن الكريم. «4»
وقال عنه: محمد بن جعفر التميمي: «أما أبو بكر بن الأنباري فما رأينا أحفظ منه، ولا أغزر منه في علمه». «5»
__________
(1) غاية النهاية 1 - 142.
(2) نزهة الألباء- 174.
(3) نزهة الألباء- 175.
(4) نزهة الألباء- 179.
(5) نزهة الألباء- 181
(1/6)
************
ويحكى أن الأنباري عن نفسه فيقول: إنه كان يأخذ الرطب ويشمه ويقول:
«أما إنك طيب، ولكن أطيب منك ما وهب الله عز وجل لي من العلم» «1».
4 - أبو عمر الزاهد:
هو أبو عمر: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم اللغوي الزاهد كان من أكابر أهل اللغة، وأحفظهم لها. أخذ عن أبي العباس ثعلب، وكان يعرف بغلام ثعلب.
وقد قال عنه أبو القاسم عبد الواحد بن برهان الأسدي: «لم يتكلم في علم اللغة من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمر الزاهد». وقال فيه أبو العباس اليشكري يمدحه
أبو عمر أوفى من العلم مرتقى ... يزل مساميه، ويردي مطاوله
فلو أنني أقسمت ما كنت كاذبا ... بأن لم ير الراءون حبرا يعادله
إلى أن يقول:
إذا قلت شارفنا أواخر علمه ... تفجر حتى قلت هذي أوائله
«2» 5 - أبو سعيد السيرافي:
هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي، كان من ألمع نجوم عصره، فسعى إليه ابن خالويه، وجلس في حلقته، وتأثر به أثرا كبيرا ظهر في منهجه اللغوي والنحوي الذي سنتعرض له فيما بعد، ذلك لأن أبا سعيد كان كما يقول المرحوم الأستاذ أحمد أمين: «زعيم المحافظين في عصره» «3» حيث يرى أن اللغة مرجعها الرواية والنقل، لا القياس والعقل. وبهذا المنهج استطاع السيرافي أن يهزم (متى) المنطقي في مناظرة مشهورة، جعلت الوزير ابن الفرات- وكان مشاهدا لها- يقول في السيرافي: «عين الله عليك أيها الشيخ، فقد نديت أكبادا، وأقررت عيونا، وبيضت وجوها، وحكت طرازا لا يبليه الزمان، ولا يتطرق إليه الحدثان. «4»
وبعد، فإذا كان التلميذ صنعة أستاذه، فقد كان حظ ابن خالويه في تكوين شخصيته، وتربية عقله، وسمو تفكيره، كبيرا، لأنه جلس في حلقات هؤلاء الأعلام الذين ملئوا
__________
(1) نزهة الألباء- 181
(2) نزهة الألباء: 189.
(3) ظهر الإسلام: 2 - 91.
(4) الامتاع والمؤانسة: 1 - 128، 129.
(1/7)
************
الدنيا بآثارهم الفكرية، وإنتاجهم الأدبي، الذي خلد ذكرهم، وعطر في التاريخ سيرتهم.

رحلاته
- ذكر «إنباء الرواة»: أنه دخل اليمن، ونزل ديارها، وهي رواية اللحجي اليمني في كتابه «الأترجة» «1» حين تعرضه لابن الحائك اليمني وشعره، قال ما نصه:
«ومن الشاهد على ذلك أن الحسين بن خالويه الإمام لما دخل اليمن، ونزل ديارها، وأقام بها، شرح ديوان ابن الحائك، وعنى به، وذكر غريبه وإعرابه».
قال صاحب الإنباه:
«ولم أعلم أن ابن خالويه دخل اليمن إلا من كتاب «الأترجة» هذا، وهو كتاب غريب، قليل الوجود اشتمل على ذكر شعر اليمن في الجاهلية والإسلام إلى قريب من زماننا هذا، وما رأيت منه نسخة، ولا من ذكره إلا نسخة واحدة جاءت في كتاب الوالد أحضرت بعد وفاته من أرض اليمن» «2».
على أية حال كانت إن صحت هذه الرواية فمن المؤكد أن رحلته هذه إلى اليمن كانت قبل رحلته إلى حلب حيث سكنها، وعاش في كنف سيف الدولة بها، وهناك انتشر علمه. «3»
ويزيد «الإنباه» أنه تصدر أيضا (بميافارقين) و (حمص) للإفادة والتصنيف «4» وأخيرا استقر به المقام في (حلب) حيث وافاه الأجل المحتوم في سنة سبعين وثلاثمائة.

حياته الاجتماعية
- فيما يبدو أن ابن خالويه كانت معيشته ضنكا، فقد كان يجري وراء المال ليسد العوز، ويبعد الفاقة، يدل على ذلك قوله لسيف الدولة حينما سأل جماعة في مجلسه؛ هل تعرفون اسما ممدودا، وجمعه مقصور؟ فقالوا: لا. فقال ابن خالويه: أنا أعرف اسمين لا أقولهما إلا بألف درهم لئلا يؤخذا بلا شكر. «5»
ويدل على ذلك أيضا قوله:
وكم قائل ما لي رأيتك راجلا ... فقلت له من أجل أنك فارس
__________
(1) الأترج: بضم الهمزة، وتشديد الجيم: فاكهة معروفة، الواحدة: «أترجة».
(2) الإنباه: 1 - 326.
(3) البغية 1 - 529.
(4) الإنباه: 1 - 325
(5) البغية 1 - 530.
(1/8)
************
وقوله:
الجود طبعي، ولكن ليس لي مال ... فكيف يبذل من بالقرض يحتال
فهاك حظي فخذه اليوم تذكرة ... إلى اتساعي فلي في الغيب آمال
«1»

معاصروه:
1 - أبو علي الفارسي:
في عصر ابن خالويه ظهر رجل له شهرته، ومكانته في النحو واللغة والقراءات، ذلك هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان الفارسي.
كان الفارسي من أكابر أئمة النحو، وشغل الناس بآرائه في القياس والعلة والمنطق والجدل حتى فضله كثير من النحويين على أبي العباس المبرد.
وقال فيه أبو طالب العبدي: ما كان بين سيبويه وأبي علي أفضل منه «2».
هذه المنزلة التي وصل إليها أبو علي في النحو جعلت عضد الدولة يقول: أنا غلام أبي علي في النحو. «3»
وكانت المنافسة بين ابن خالويه وأبي علي الفارسي على أشدها. فقد كتب أبو علي كتابه «الإغفال»، وذكر فيه ما أغفله شيخه أبو إسحاق الزجاج في كتابه: «معاني القرآن»، ولكن هذا النقد الذي وجهه أبو علي إلى أستاذه الزجاج في (الإغفال) لم يرض ابن خالويه، فتعقبه فيما كتب. وعقب على تعقيبه أبو على في كتاب سماه «نقض الهاذور» وبسط الكلام فيه كل البسط. وقد أورد البغدادي في «خزانته» طائفة من المسائل التي كانت موضع نقاش بين أبي علي وابن خالويه، أذكر منها على سبيل المثال قول ابن خالويه:
«إن الواو إذا كانت في أوائل القصائد نحو: وقاتم الأعماق ... فإنها تدل على رب فقط، ولا تكون للعطف، لأنه لم يتقدم ما يعطف عليه بالواو.
وقال الفارسي في «نقض الهاذور»: هذا شيء لم نعلم أحدا ممن حكينا قوله ذهب إليه، ولا قال به» «4».
__________
(1) البغية 1 - 530
(2) نزهة الألباء: 208
(3) معجم الأدباء 7 - 234
(4) خزانة الأدب: 1 - 39.
(1/9)
************
وقال ابن الأنباري في (نزهة الألباء): إنه اجتمع هو وأبو علي الفارسي فجرى بينهما كلام، فقال لأبي علي: نتكلم في كتاب سيبويه، فقال له أبو علي: بل نتكلم في الفصيح.
ويحكى أنه قال لأبي علي: كم للسيف اسما؟ قال: اسم واحد، فقال له ابن خالويه:
بل أسماء كثيرة، وأخذ يعددها نحو: الحسام، والمخذم، والقضيب ... فقال أبو علي:
هذه كلها صفات. «1»
ولم تكن منافسة ابن خالويه لأبي علي إلا صدى لمنافسة أستاذه أبي سعيد السيرافي لأبي علي الفارسي، فقد كان أبو علي- كما يقول أبو حيان التوحيدي- «متقدا بالغيظ على أبي سعيد وبالحسد له، كيف تم له تفسير كتاب سيبويه من أوله إلى آخره، بغريبه، وأمثاله، وشواهده، وأبياته، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لأن هذا شيء ما تم للمبرد، ولا للزجاج، ولا لابن السراج، ولا لابن درستويه مع سعة علمهم، وفيض كلامهم» «2».
ولمنزلة أبي سعيد السيرافي في نفس تلميذه ابن خالويه أرسل إلى سيف الدولة ليعلمه تطاول الفارسي على السيرافي، وهو تطاول غير محمود، لأن منزلة السيرافي وبخاصة بعد هزيمة (متى) المنطقي نسجت حوله ثوبا من القدسية والمهابة، فلا يليق بأبي علي أو غيره، أن ينال من هذه الشخصية التي أعلت لغة العرب، وذللت مصاعب كتاب سيبويه.
ولم يسكت الفارسي حينما علم خبر هذه الرقعة- فأرسل إلى سيف الدولة رقعة ينفي فيها عن نفسه التهمة، ويزيل اللبس. ومن العبارات التي ضمتها رسالة الفارسي قوله: «من ذلك بعض ما يدل على قلة تحفظ هذا الرجل- يعني بذلك ابن خالويه فيما يقوله- هو قوله:
لو يبقى عمر نوح ما صلح أن يقرأ على السيرافي مع علمه بأن (ابن بهراذ) السيرافي يقرأ عليه الصبيان ومعلموهم، أفلا أصلح أن أقرأ على من يقرأ عليه الصبيان؟ هذا، مما لا خفاء فيه، كيف، وقد خلط فيما حكاه عني؟. وأني قلت: إن السيرافي قد قرأ علي. ولم أقل هذا، إنما قلت: تعلم مني، أو أخذ مني هو أو غيره ممن ينظر اليوم في شيء من هذا العلم. وليس قول القائل: تعلم مني مثل قرأ علي، لأنه يقرأ عليه من لا يتعلم منه، وقد يتعلم منه من لا يقرأ عليه. وتعلم ابن بهراذ السيرافي مني في أيام محمد بن السري وبعده
__________
(1) نزهة الألباء: 208.
(2) الإمتاع والمؤانسة: 131.
(1/10)
************
لا يخفى على من كان يعرفني ويعرفه كعلي بن الوراق، ومحمد بن أحمد بن يونس، ومن كان يطلب هذا الشأن من بني الأزرق الكتاب وغيرهم. وكذلك كثير من الفرس الذين كانوا يرونه يغشاني في (صف شوينز) كعبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، لأنه كان جاري بيت بيت قبل أن يموت الحسن بن جعفر أخوه، فينتقل إلى داره التي ورثها عنه في درب الزعفراني» «1».
وإني حرصت على تسجيل هذا الجزء من هذه الرسالة، ليكون مثالا واضحا يدل على مدى التنافس الكبير الذي كان بين الرجلين، ليظفر كل منهما بقلب سيف الدولة من ناحية، وازدهار هذا العصر في مجالات اللغة والنحو من ناحية أخرى.
2 - المتنبي:
لم يكن أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي شاعرا يملأ الدنيا بأشعاره، وتسمع كلماته من به صمم فحسب، بل كان لغويا نحويا متضلعا، يدل على ذلك أن أبا الطيب «اجتمع هو وأبو علي الفارسي، فقال له أبو علي: كم جاء من الجمع على وزن فعلي؟ (بكسر الفاء) فقال المتنبي: حجلى وظربى، جمع: حجل وظربان. قال أبو علي: فسهرت تلك الليلة ألتمس لهما ثالثا فلم أجد. وقال في حقه: ما رأيت رجلا في معناه مثله» «2».
اتصل المتني بسيف الدولة يمدحه، ويكثر من المدح فيه، وكانت بينه وبين ابن خالويه في مجلس سيف الدولة مناقشات توضح مدى التنافس بين الرجلين.
يحكى أنه لما أنشد سيف الدولة بن حمدان قوله في مطلع بعض قصائده:
وفاؤكما كالزبع أشجاه طاسمه.
كان هناك ابن خالويه، فقال له: يا أبا الطيب: إنما يقال: شجاه- توهمه فعلا ماضيا- فقال أبو الطيب: اسكت فما وصل الأمر إليك. «3»
وقال له ابن خالويه النحوي يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن أخي جاهل لما رضي أن يدعي بالمتنبي، لأن معنى المتنبي. كاذب، ومن رضي أن يدعي بالكذب فهو جاهل فقال:
لست أرضى أن أدعي بذلك، وإنما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على المنع. «4»
__________
(1) المسائل الحلبية: لأبي علي الفارسي، ورقة 114، مخطوط رقم 266 نحو. تيمور.
(2) نزهة الألباء: 201.
(3) نزهة الألباء: 201.
(4) نزهة الألباء: 200.
(1/11)
************
وذكر الرئيس أبو الحسن محمد بن علي بن نصر الكاتب في كتاب: «المفاوضة»:
حدثني أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغاء قال: وأذكر ليلة، وقد استدعي سيف الدولة بدرة، فشقها بسكين الدواة، فمد ابن خالويه جانب طيلسانه، وكان صوفا أزرق فحثا فيه سيف الدولة شيئا صالحا، ومددت ذيل دراعتي وكانت ديباجا، فحثا إلي فيها، وأبو الطيب حاضر، وسيف الدولة ينتظر منه أن يفعل مثل فعلنا، أو يطلب شيئا منها، فما فعل، فغاظه ذلك، فنثرها كلها، فلما رأى المتنبي أنها قد فاتته زاحم الغلمان يلتقط معهم، فغمزهم عليه سيف الدولة، فداسوه وركبوه، وصارت عمامته وطرطوره في عنقه، واستحيا، ومضت له ليلة عظيمة، وانصرف.
وخاطب أبو عبد الله بن خالويه سيف الدولة في ذلك، فقال: ما يتعاظم تلك العظمة، ويتضع إلى مثل هذه المنزلة إلا لحماقته. «1»
3 - ابن جني:
أبو الفتح عثمان بن جنى النحوي من معاصري ابن خالويه، فقد توفي ابن جنى سنة 392 هـ.، على حين توفي ابن خالويه 370 هـ. «2» وقد تتلمذ ابن جنى على أبي علي الفارسي، وصحبه أربعين سنة. وكان سبب صحبته إياه أن أبا علي الفارسي سافر إلى (الموصل)، فدخل الجامع، فوجد أبا الفتح عثمان بن جنى يقرأ النحو، وهو شاب، وكان بين يديه متعلم، وهو يكلمه في قلب الواو ألفا، نحو: قام، وقال، فاعترض عليه أبو علي فوجده مقصرا، فقال له أبو علي: زببت قبل أن تحصرم، ثم قام أبو علي ولم يعرفه ابن جني، وسأل عنه، فقيل له: هو أبو علي الفارسي النحوي فأخذ في طلبه، وصاحبه إلى أن مات أبو علي وخلفه ابن جنى ودرس النحو ببغداد بعده، وأخذ عنه. «3»
والذي يعنيني من هذه المعاصرة أن ابن جني تتلمذ على أبي علي الفارسي، وأن ابن خالويه تتلمذ على أبي سعيد السيرافي. والشيخان رأسان في عصرهما، عاشا في مجال النحو واللغة يبدعان ما شاء لهما الإبداع، ولكنهما افترقا في المنهج والطريقة. وقد أثرت هذه التفرقة في نفس تلميذيهما، فسارا على الدرب، وسلكا نفس المنهج. فالفارسي وتلميذه
__________
(1) إنباه الرواة: 1 - 327.
(2) نزهة الألباء: 222.
(3) نزهة الألباء: 221.
(1/12)
************
يكثران من المنطق والعلة. وأبو سعيد وتلميذه لا يحفلان بأهمية المنطق، ولا يعيران التعليل النحوي هذا الاهتمام البالغ، وإنما يحفلان بالرواية، والأثر، والسماع، وما نقل عن العرب يدل على ذلك قول بعض الأدباء في رءوس النحو الثلاثة الفارسي، والرماني، والسيرافي:
«كنا نحضر عند ثلاثة مشايخ من النحويين، فمنهم من لا نفهم من كلامه شيئا، ومنهم من نفهم بعض كلامه دون البعض، ومنهم من نفهم جميع كلامه، فأما من لا نفهم من كلامه شيئا، فأبو الحسن الرماني، وأما من نفهم بعض كلامه دون البعض فأبو علي الفارسي، وأما من نفهم جميع كلامه فأبو سعيد السيرافي» «1».
هذا، وقد كان بلاط سيف الدولة يشهد في كل المجالس العلمية والأدبية التي تعقد فيه مناظرات عديدة بين الفارسي وابن خالويه من ناحية، وبين ابن خالويه والمتنبي من ناحية أخرى ... وكان ابن جنى يشهد هذه المجالس، وتوثقت صلته بالمتنبي حتى قال فيه المتنبي:
«هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس»، وهذا التقدير الأدبي من جانب المتنبي جعل ابن جنى يشرح ديوانه شرحا كما يقول المرحوم الأستاذ أحمد أمين: «استفاد منه كل من شرح الديوان بعده لاتصاله بالمتنبي، ومعرفته بظروف شعره التي كثيرا ما تحدد المعنى، وتمنع التأويلات». «2»
وكما توثقت الصلة بين ابن جنى العالم النحوي وبين المتنبي الشاعر، كذلك توثقت الصلة بين ابن خالويه العالم النحوي وبين الشاعر أبي فراس الحمداني الذي كان الرواية الوحيد لشعره وديوانه. وقد صور هذه المنافسة المرحوم أحمد أمين حيث قال ما نصه:
«فكان في القصر- يقصد قصر سيف الدولة- حزبان، حزب للمتنبي منه ابن جنى النحوي، وحزب عليه، منه ابن خالويه اللغوي وأبو فراس الشاعر» «3».

مكانته اللغوية والنحوية:
ابن خالويه كانت له قدم راسخة في الدراسات اللغوية، فقد تتلمذ على ابن دريد- كما ذكرنا- وابن دريد له في اللغة كتاب «الجمهرة» وهو كتاب ثمين عرف قيمته أولو العلم، ورجالات الأدب منذ تأليفه، فأبو علي القالي كان يملك نسخة من «الجمهرة» بخط مؤلفها، وكان قد أعطى بها ثلاثمائة مثقال فأبى، فاشتدت
__________
(1) نزهة الألباء: 211.
(2) ظهر الإسلام: 1 - 186.
(3) ظهر الإسلام: 1 - 186.
(1/13)
************
به الحاجة فباعها بأربعين مثقالا وكتب عليها هذه الأبيات:
أنست بها عشرين عاما وبعتها ... وقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لعجز وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهل شئوني
فقلت: ولم أملك سوى عبرتي ... مقالة مكوى الفؤاد حزين
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم رب بهن ضنين
قال: فأرسلها الذي اشتراها، وأرسل معها أربعين دينارا أخرى. «1»
وابن خالويه كان راويا لهذه الجمهرة. وقد كتب عليها حواشي من استدراكه على مواضع منها، ونبه على بعض أوهام وتصحيفات. «2»
ولمكانة ابن خالويه اللغوية رد على ابن دريد، ونقده في مسائل عديدة من جمهرته.
فمثلا: يقول السيوطي: ليس في الكلام كلمة صدرت بثلاث واوات إلا أول.
قال في الجمهرة: هو فوعل ليس له فعل، والأصل: وول قلبت الواو الأولى همزة، وادغمت إحدى الواوين في الأخرى، فقالوا: أول.
وقال ابن خالويه: الصواب: أن أول: أفعل بدليل صحبة (من) إياه، تقول:
«أول من كذا» «3».
ومما يدل على اتساعه في حفظ اللغة رده على ابن دريد حينما قال في جمهرته: لم يجيء في الكلام فعل فعلا إلا حرفان: حنق حنقا، وضرط ضرطا.
قال ابن خالويه: وحكى الفراء: حلف حلفا، وحبق حبقا، وسرق سرقا، ورضع رضعا. «4»
ولابن خالويه حس مرهف في إدراك أسرار اللغة وتذوقه لها:
قال السيوطي: لم يأت اسم المفعول من أفعل على فاعل إلا في حرف واحد، وهو قول العرب: أسمت الماشية في المرعى، فهي سائمة، ولم يقولوا مسامة، قال تعالى:
__________
(1) المزهر: 1 - 95.
(2) المزهر: 1 - 95.
(3) المزهر: 1 - 60.
(4) المزهر: 2 - 75.
(1/14)
************
«فيه تسيمون» «1»: من أسام يسيم.
قال ابن خالويه: أحسب المراد: أسمتها أنا، فسامت هي، فهي سائمة، كما تقول:
أدخلته الدار فدخل، فهو داخل. «2»
وابن خالويه محيط بمعظم كلام العرب، حافظ له. قال في كتاب «ليس»: قلت لسيف الدولة بن حمدان: قد استخرجت فضيلة ل (حمدان) جد سيدنا لم أسبق إليها، وذلك أن النحويين زعموا أنه ليس في الكلام مثل: رحيم وراحم، ورحمان، إلا نديم، ونادم، وندمان. وسليم، وسالم، وسلمان، فقلت: فكذلك: حميد، وحامد، وحمدان. «3»
ويؤمن بلغة الأعراب، يستشهد بها في مواطن الاستشهاد قال في شرح «الدريدية»:
كل اسم على فعيل ثانية حرف حلق يجوز فيه اتباع الفاء العين نحو بعير، شعير، رغيف، رحيم. أخبرنا ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي أن شيخا من الأعراب سأل الناس، فقال: ارحموا شيخا ضعيفا. «4»
والأمثلة عديدة على مكانته اللغوية اكتفى بما ذكرت منها حبا في الإيجاز.
والسؤال الذي يقال هنا إن لابن خالويه أثارا لغوية تشهد بفضله، وتشير إلى قدره، وهي آثار لا تنكر، لأنها واقع ملموس، فهل كان ابن خالويه في النحو كاللغة .. ؟ في رأيي أن ابن الأنباري ظلم ابن خالويه حينما قال عنه في مجال النحو: «ولم يكن في النحو بذاك» «5» لأن ابن خالويه له آراء في النحو لا تقل عن آرائه في اللغة كما يبدو لنا ذلك عند دراستنا لكتاب الحجة.
ولعل السبب في عدم اشتهار ابن خالويه بالنحو هو أنه كان يؤمن بأن اللغة تؤخذ سماعا، لا قياسا، والتأليف النحوي- كما جرت به عادة النحاة- يدور حول العلة والمعلول، والقياس والمنطق، ومن أجل ذلك لم يؤلف كتبا عديدة في النحو، أو في أصوله كما فعل الفارسي وتلميذه ابن جنى، ولكنه مع هذا كان معلما نحويا ولغويا، وقد سجل له الرواة هذه الحقيقة فقالوا: «كان إماما أحد أفراد الدهر في كل قسم من أقسام العلم والأدب، وكان إليه الرحلة من الآفاق، وكان آل حمدان يكرمونه» «6».
__________
(1) النحل: 10.
(2) المزهر: 2 - 88.
(3) المزهر: 2 - 90.
(4) المزهر: 2 - 90.
(5) نزهة الألباء: 208
(6) إنباه الرواة: 1 - 326.
(1/15)
************
عقيدته:
يذكر سالم الكرنوكي وهو مستشرق، حقق كتاب «إعراب ثلاثين سورة»:
أن ابن أبي طي: قال عنه: «كان إماميا عالما بالمذهب» على حين يرى الذهبى في تاريخه:
أنه كان صاحب سنة، وابن حجر يؤيد تشيعه ويقول: «كان صاحب سنة في الظاهر فقط ليتقرب إلى سيف الدولة الحمداني» «1».
وفي رأي سالم الكرنوكي أنه إمامي لأنه ألف كتاب «الإمامة». وفي هذا الكتاب تظهر روح تشيعه واضحة جلية؛ ذلك لأنه ذكر في كتابه أشياء لا يقولها أهل السنة.
وفي رأيي أن ابن خالويه لو كان إماميا لاشتهر أمره، وفضحه أعداؤه ومنافسوه في وقت كانت تعد فيه الهفوات.
ولو كان المتنبي يحس بأنه إمامي لهجاه، وأظهر عواره لسيف الدولة السني، ليبعده من بلاطه، ويطرده من بلاده. ولو كان ابن خالويه إماميا لما سكت عنه أبو علي الفارسي في رسائله التي كان يبعث بها إلى سيف الدولة مدافعا عن التهم التي كان يوجهها إليه ابن خالويه.
ولو كان ابن خالويه إماميا لما تعبد على المذهب الشافعي، لأن الشافعي سني، وقد ذكره السبكي في طبقات الشافعية.
وليس تأليفه لكتاب «الإمامية» يجعله إماميا، فالرجل مولع بالثقافة الواسعة، وبالتأليف في مجالاتها المختلفة. ومن ثم ألف كتابه ليدل على أنه ملم بأحداث عصره وبتاريخ مجتمعه.

إنتاجه العلمي:
السيوطي في «البغية» ينص على أن من تصانيفه: الجمل في النحو- الاشتقاق- اطرغش- القراءات- إعراب ثلاثين سورة- شرح الدريدية- المقصور والممدود- الألفات- المذكر والمؤنث- كتاب ليس- كتاب اشتقاق خالويه- البديع في القراءات «2».
ويزيد كتاب الإنباه على البغية ما يأتي:
كتاب الأسد- تقفية ما اختلف لفظه واتفق معناه لليزيدي- المبتدأ في النحو- تذكرته، وهو: مجموع ملكته بخطه. «3»
ومعجم الأدباء يزيد على ما ذكر:
__________
(1) انظر: مقدمة كتاب: «إعراب ثلاثين سورة».
(2) البغية 1 - 530.
(3) الإنباه: 1 - 325.
(1/16)
************
كتاب الآل: ذكر في أوله أن الآل ينقسم إلى خمسة وعشرين قسما، وذكر فيه الأئمة الاثني عشر ومواليدهم ووفياتهم، وغير ذلك. «1»
«وغاية النهاية» يزيد ما يأتي:
حواشي البديع في القراءات- كتاب مجدول في القراءات ألفه لعضد الدولة «2».
ومن قراءاتي في مجال دراسة ابن خالويه أزيد على هؤلاء الرواة ما يأتي:
1 - كتاب الريح: وهو مخطوط، يتكون من ثلاث ورقات. مخطوط رقم 5252 هـ- دار الكتب المصرية.
أوله: قال الشيخ أبو عبد الله الحسين بن خالويه النحوي: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، وصحبه أجمعين، وبعد، فإن الريح اسم مؤنثة .. الخ.
2 - كتاب أسماء الله الحسني:
فقد نص في كتابه: «إعراب ثلاثين سورة»: أن له كتابا في أسماء الله الحسنى، وقد قال في ذلك ما نصه:
«وقد صنفتها في كتاب مفرد، واشتقاق كل اسم منها ومعناه» «3».
3 - رسالة في قوله: ربنا لك الحمد ملء السموات إلى آخره، وقد أشار إلى هذه الرسالة الشيخ محي الدين يحيى النووي في كتابه: (تصحيح التنبيه في الفقه على مذهب الإمام الشافعي) للشيخ أبي إسحاق الشيرازي.
وقال ما نصه قوله: ربنا لك الحمد ملء السموات، يجوز «ملء» بالنصب والرفع، والنصب أشهر. وممن حكاها ابن خالويه، وصنف في المسألة. «4»
4 - شرح ديوان ابن الحائك حيث عني بغريبه وإعرابه. «5»
5 - كتاب مختصر في شواذ القراءات من كتاب «البديع» عني بنشره المستشرق ج.
برجستراسر وطبع بالمطبعة الرحمانية بمصر 1934.
6 - كتاب الشجر: وينفي نسبة الكتاب إليه المستشرق ج. برجستراسر فيقول: «ليس مصنفه، بل الحقيقة مصنف اللغوي أبي زيد صاحب كتاب: «النوادر في اللغة» «6»
__________
(1) معجم الأدباء 9 - 204.
(2) غاية النهاية: 1 - 237.
(3) إعراب ثلاثين سورة 14.
(4) مقدمة التنبيه في الفقه على مذهب الإمام الشافعي.
(5) انظر ص 7 من المقدمة
(6) مقدمة مختصر شواذ القراءات 6.
(1/17)
************
7 - العشرات في اللغات: أي اللغات التي لها عشر معان وهو مخطوط بمكتبة مجيد موقر بطهران، ونسخ سنة 760 هـ. «1»
8 - كتاب الهاذور الذي رد فيه على أبي علي الفارسي حينما ألف كتاب «الإغفال» ليرد على شيخه أبي إسحاق الزجاج. «2»
9 - شرح ديوان أبي فراس الحمداني:
وقد جاء في مقدمة شرحه للديوان ما نصه:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه: من حل من الشرف السامي، والفضل والكرم الذائع، والأدب البارع، والشجاعة المشهورة، والسماحة المأثورة، أبو فراس:
الحارث بن سعيد بن حمدون بن الحارث العدوي. كان سيف الدولة ... مثقفه ومتبنيه ...
وما زال يعاملني بالمحبة ... يلقي إلي شعره دون الناس، ويحظر على نشره حتى سبقتني وإياه الركبان، فحملت منه ما ألقاه إلي وشرحته مما أرجو أن يقرنه الله عز وجل بالصواب والرشاد. «3»
وليس لابن خالويه عمل في هذا الديوان غير روايته، وبيان المناسبات المختلفة للقصائد التي احتواها الديوان.
هذا، وقد قام الدكتور سامي الدهان بنشر الديوان وتحقيقه في جزءين 1944 م وطبع في بيروت.
10 - كتاب شرح فصيح ثعلب، نقل عنه السيوطي في المزهر. «4»
وبعد، فإن هذا التراث الضخم الذي تركه ابن خالويه من ورائه يشهد بقدرته الفائقة، وثقافته الواسعة، ومكانته السامية في عصره، وفيما بعد عصره إلى يومنا هذا. ولم يبق من هذا التراث غير القليل الذي دلنا على نبوغ هذا الرجل، ومكانته في حقل النحو واللغة.
__________
(1) انظر: مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد الثالث 2: 13.
(2) خزانة الأدب: 1 - 352.
(3) مقدمة شرح ديوان أبي فراس الحمداني.
(4) المزهر: 1 - 213، وغيرها.
(1/18)
************
كتاب الحجة توثيقه- منهجه
توثيقه:
كان من مراجعي في إعداد رسالة الدكتوراة: «القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية» كتاب الحجة لابن خالويه. قرأته، فراعني فيه أسلوبه الجذل، وعبارته المختارة، وعرضه للقراءات في ضوء النحو واللغة عرضا جذابا، لا يبعد القارئ عنه، ولا يجعل الملل يتسرب إلى نفسه، يعطيك النتيجة في صراحة ووضوح من غير أن يجهد نفسك، أو يتعب عقلك، من غير استطراد ينسيك موضوع الحديث كما فعل الفارسي في حجته.
لهذا، صمم عزمي على أن أحقق هذا الكتاب بعد انتهائي من رسالة الدكتوراة، لما فيه من النفع الكبير، والخير العميم.
وها أنا ذا أحقق رغبتي في تحقيقه، وأفي بالدين الذي حملته على عاتقي منذ أن عشت في هذا الكتاب أثناء دراستي للدكتوراه. واقتضى منهج التحقيق أن أوثق هذا الكتاب، لأتأكد من نسبته إلى ابن خالويه، لأن هناك سحبا من الشك في نفوس بعض المعاصرين من حيث نسبة هذا الكتاب إلى ابن خالويه. ودليلهم أنه لم يرد في كتب الطبقات أن لابن خالويه كتابا يسمى كتاب «الحجة»، وإن ذكرت أن له كتبا في القراءات حملت أسماء مختلفة، ولم يحمل واحد منها اسم الحجة. وبعد جهد استغرق ما يقرب من عامين في دراسة هذا الكتاب ودراسة مؤلفات ابن خالويه استطعت أن أصدر حكمي في ثقة لا تعرف التردد، وبإيمان لا يعرف الشك أن هذا الكتاب نسبته إلى ابن خالويه صحيحة، وإليك الدليل:
1 - تلمذة ابن خالويه لأستاذه ابن مجاهد فرضت عليه أن يحيا في الدراسة القرآنية، ويتمكن منها، ويلم بالقراءات، ويدافع عنها، وابن مجاهد- كما قدمت سابقا- أول من سبع السبعة وكان إليه المرجع في فن القراءات كما يقول ابن الجزري «1»، وابن مجاهد حينما سبع السبعة، وألف كتابه القراءات السبع شرحه أبو علي الفارسي وسمي بالحجة. ثم اختصرها أبو محمد مكي بن أبي طالب المصري المتوفى 437 هـ.
ثم اختصر هذا الشرح أبو طاهر إسماعيل بن خلف الأندلسي المتوفي 455 هـ. «2».
__________
(1) غاية النهاية 1 - 142.
(2) كشف الظنون م 2 نهر 1448.
(1/19)
************
فإذا كان أبو علي الفارسي يشرح القراءات السبع لابن مجاهد فليس بدعا أن يتولى هذا الشرح أيضا تلميذه ابن خالويه لأنه ابن عصره، ألف في معظم فروع المعرفة السائدة فيه. وقدم لنا إنتاجا ضخما تحدثت عنه فيما سبق.
ومن أهم الفروع التي كانت تشغل أذهان العلماء إذ ذاك علم القراءات، والاحتجاج بها في مجالي اللغة والنحو.
وقد أسهم في هذا الاحتجاج بالتأليف في عصر ابن خالويه محمد بن الحسن الأنصاري المتوفي 351 هـ. حيث ألف كتاب السبعة بعللها الكبير «1».
وأبو محمد بن الحسن بن مقسم العطار المتوفي 362 هـ. حيث ألف كتاب احتجاج القراءات، وكتاب السبعة بعللها الكبير، وكتاب السبعة الأوسط، وكتاب السبعة الأصغر «2».
هذا فضلا عن تأليف أبي علي للحجة كما قدمت، وابن جني للمحتسب في القراءات الشاذة.
ومن أجل ذلك ألف ابن خالويه كتابه الحجة في القراءات السبع ليدلي بدلوه بين الدلاء، وليسهم في هذا العلم الذي شغل أذهان العلماء في عصره.
وكل الذين ترجموا لابن خالويه أكدوا أن له كتبا في القراءات: كتاب البديع- كتاب مختصر شواذ القراءات- كتاب مجدول في القراءات ألفه لعضد الدولة، كما نص على
ذلك ابن الأثير في «غاية النهاية» «3»:
وقد أشار ابن خالويه إلى أن له كتابا في القراءات فيقول في كتابه «إعراب ثلاثين سورة» عند تعرضه للقراءات في قوله تعالى: «أنعمت عليهم» «4»:
«أجمع القراء على كسر الهاء في التثنية إذا قلت: عليهما. قال الله عز وجل: يخافون أنعم الله عليهما «5» إلا يعقوب الحضرمي، فإنه ضم الهاء في التثنية، كما ضمها في الجمع وقد ذكرت علة ذلك في كتاب القراءات» «6».
وفي كتابه الحجة تجد هنا التعليل الذي أشار إليه «7». والسؤال الذي يقال هنا: لم لم يشتهر
__________
(1) الفهرست: 433.
(2) الفهرست: 33.
(3) غاية النهاية 1 - 237
(4) الفاتحة: 7.
(5) المائدة: 23.
(6) إعراب ثلاثين سورة: 32.
(7) انظر: الحجة: 63.
(1/20)
************
ابن خالويه بالحجة؟ ولم لم يذكر في كتب الرواة على حين ذكروا أن له كتبا في القراءات؟
أقول: قد يرجع ذلك إلى أن الكتاب في القراءات فاستغنوا بذكرها عن كلمة:
«الحجة»، مع أن تسمية الكتاب بالحجة تسمية لا غبار عليها، فهو في الاحتجاج بالقراءات، ودائما في كل مسألة يكرر هذه العبارة: والحجة لمن قرأ الخ.
هذا تعليل، وتعليل آخر، وهو أن حجة أبي علي الفارسي غطت شهرتها على حجة ابن خالويه، فاحتفظوا للفارسي بهذه التسمية لإيمانهم بأقسيته، وعللها واكتفوا بذكر القراءات لابن خالويه.
2 - وما لي أذهب بعيدا. وقد قدمت في إنتاجه العلمي، أن لابن خالويه كتبا عديدة لم ترد في كتب الطبقات التي بين أيدينا، ككتاب معجم الأدباء، والإنباه، والبغية، مع أن ابن خالويه أشار إلى بعضها كإشارته إلى أن له كتابا في أسماء الله الحسنى، وذلك في كتابه «إعراب ثلاثين سورة» «1».
3 - التسمية بالحجة من عمل المتأخرين:
ولعل التسمية بالحجة جاءت متأخرة عن تأليف كتاب الحجة، وحتى كتاب الحجة للفارسي لم يقدمه أبو علي لعضد الدولة باسم الحجة، وإنما قدمه بهذه العبارة:
«فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد» «2».
وابن خالويه لم يشر في مقدمته إلى هذه التسمية، وإن أشار إلى أن كتابه في الاحتجاج.
يقول: «إني تدبرت قراءة الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة المعروفين بصحة النقل، وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية ... إلى أن يقول: وأنا بعون الله ذاكر من كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم» «3».
ولما كان كتاب أبي علي في الاحتجاج سمي بالحجة. وكذلك كانت أنسب تسمية لكتاب ابن خالويه هي «الحجة» لأنه في الاحتجاج من ناحية، ولأن عبارته في المقدمة تستوجب هذه التسمية من ناحية أخرى.
__________
(1) انظر ص 19
(2) مقدمة الحجة للفارسي، نسخة مصورة رقم 462 - قراءات دار الكتب.
(3) مقدمة الحجة لابن خالويه: 62
(1/21)
************
4 - التنافس العلمي في عصر ابن خالويه يفرض عليه أن يؤلف كتاب الحجة في القراءات، فقد كان ابن خالويه منافسا للفارسي وابن جني، فلما ألف الفارسي الحجة ألف ابن خالويه الحجة، ولما ألف ابن جني المحتسب في القراءات الشاذة ألف ابن خالويه كتابه في شواذ القراءات.
وطبيعة هذا العصر تقتضي هذا التنافس العلمي في التأليف وفي موضوع بعينه في كثير من الأحيان.
والدليل على ذلك أن أبا بكر محمد بن الحسن بن مقسم ألف كتاب السبعة بعللها الكبير- وكتاب السبعة الأوسط- وكتاب السبعة الأصغر، كذلك ألف محمد بن الحسن الأنصاري في نفس الموضوع حيث ألف كتاب السبعة بعللها الكبير، وكتاب السبعة الأوسط، وكتاب السعة الأصغر «1».
وإذا كان الفارسي يقدم كتاب الحجة لعضد الدولة حيث يقول في المقدمة: أما بعد- أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجل المنصور، ولى النعم عضد الدولة، وتاج الملة،
إلى أن يقول: فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد ... «2».
أقول: إذا كان الفارسي يقدم كتابه الحجة لعضد الدولة فابن خالويه يقدم له أيضا كتابا مجدولا في القراءات. «3»
5 - ومن أوضح أدلة التوثيق لهذا الكتاب، ونسبته إلى ابن خالويه تشابه أسلوبه ومنهجه مع مؤلفات ابن خالويه الأخرى، ويتمثل هذا التشابه في عدة ظواهر قلما تتخلف أجملها فيما يأتي:
أ- الإيجاز والاختصار فهو في مقدمة الحجة يقول: «وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم، وتارك ذكر اجتماعهم وائتلافهم ... إلى أن يقول: «جامعا ذلك بلفظ بين جزل، ومقال واضح سهل، ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده «4».
__________
(1) الفهرست: 32، 33.
(2) الحجة لأبي علي الفارسي: ص: 3 نسخة مصورة رقم 462 - قراءات دار الكتب.
(3) غاية النهاية: 1 - 237.
(4) الحجة: 1.
(1/22)
************
وفي كتابه: (إعراب ثلاثين سورة) يؤكد هذه الظاهرة فيقول: «إني قد تحريت في هذا الكتاب الاختصار والإيجاز ما وجدت إليه سبيلا ليعم الانتفاع به، ويسهل حفظه على من أراده» «1».
ب- ومن الظواهر: إذا تحدث عن مسألة، وحرر القول فيها، ثم عرضت مسألة أخرى تشبهها لا يعيد القول فيها، وإنما يحيل إليه. وهذه الظاهرة واضحة في الحجة، وفي كتابه «القراءات» المخطوط بالجامعة العربية، وفي «إعراب ثلاثين سورة».
ج- الإكثار في هذه الكتب من النقل عن ابن مجاهد وابن الأنباري، وغيرهما من الأعلام الذين سبقوه.
6 - ومن أدلة التوثيق أن الأعلام الذين سجلهم ابن خالويه في كتابه كانوا أسبق منه زمنا مما يدل على أن الكتاب نسبته إليه أصيلة.
7 - ومن الأدلة تقارب بعض النصوص في مؤلفات ابن خالويه مع بعض نصوص الحجة، ولا أبالغ إذا قلت: إن هناك نصوصا بأسلوبها وكلماتها في هذه المؤلفات هي بعينها في كتاب الحجة، وإليك الدليل:
من كتاب القراءات:
أ- ففي كتاب القراءات المخطوط بالجامعة العربية رقم 52 قراءات، والمنسوب إلى ابن خالويه ورد ما نصه:
«أذهبتم طيباتكم» «2» قرأ ابن عامر: «أأذهبتم» بهمزتين: الأولى ألف توبيخ بلفظ الاستفهام، ولا يكون في القرآن استفهام، لأن الاستفهام استعلام ما لا يعلم، والله تعالى يعلم الأشياء قبل كونها. فإذا ورد عليك لفظ من ذلك فلا يخلو من أن يكون توبيخا، أو تقريرا أو تعجبا، أو تسوية، أو إيجابا، أو أمرا.
فالتوبيخ: «أأذهبتم»، والتقرير: «أأنت قلت للناس». والتعجب: «ما القارعة» «ما الحاقة؟» و «كيف تكفرون؟» والتسوية: «سواء عليهم أأنذرتهم»، والإيجاب:
«أتجعل فيها من يفسد فيها» والأمر: «أأسلمتم». معناه: أسلموا «3».
__________
(1) إعراب ثلاثين سورة: 14.
(2) الأحقاف: 20.
(3) القراءات: نسخة مصورة ميكروفيلم رقم 52 قراءات: الجامعة العربية.
(1/23)
************
وهذا النص مذكور في الحجة على الوجه التالي:
«أذهبتم طيباتكم».
«وكل لفظ استفهام ورد في كتاب الله عز وجل فلا يخلو من أحد ستة اوجه:
إما أن يكون توبيخا أو تقريرا أو تعجبا أو تسوية أو إيجابا أو أمرا؛ فأما استفهام صريح فلا يقع من الله تعالى في القرآن لأن المستفهم مستعلم ما ليس عنده ... والله عالم بالأشياء قبل كونها.
فالتوبيخ: «أذهبتم طيباتكم». والتقرير: «أأنت قلت للناس». والتعجب:
«كيف تكفرون بالله». والتسوية: «سواء عليهم أأنذرتهم». والإيجاب: «أتجعل فيها من يفسد فيها».
والأمر: «أأسلمتم». فعلى هذا يجري ما في كتاب الله فاعرف مواضعه» «1».
ب- «في أيام نحسات «2»»:
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «نحسات» بإسكان الحاء. وشاهدهم: «في يوم نحس» «3» أي في يوم شؤم وبلاء.
ويجوز أن يكون أراد: ونحسات مثل فخذات، فأسكنوا تخفيفا. وقرأ الباقون بكسر الحاء. وحجتهم: أن النحسات صفة. تقول العرب: يوم نحس مثل رجل هرم، قال الشاعر:
أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم ... طيا وبهراء قوم نصرهم نحس
«4» وقال في الحجة:
«في أيام نحسات»، يقرأ بإسكان الحاء وكسرها، فالحجة لمن أسكن أنه أراد جمع نحس، ودليله قوله تعالى: «في يوم نحس مستمر» «5». ويحتمل أن يكون أراد كسر الحاء، فأسكنها تخفيفا. والحجة لمن كسر أنه جعله جمعا للصفة من قول العرب: هذا يوم نحس، وزن: هذا رجل هرم، قال الشاعر:
أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم ... طيا وبهراء قوم نصرهم نحس
«6»
__________
(1) الحجة 197.
(2) فصلت: 16.
(3) القمر: 19.
(4) انظر: كتاب القراءات- المشار إليه- في هذه الآية.
(5) القمر: 19.
(6) الحجة: 317.
(1/24)
************
وبمقارنة هذه النصوص نتبين أن كتاب القراءات يحتوي على نصوص كثيرة متقاربة من نصوص كتاب الحجة مما يدل على ان مؤلف الكتابين واحد.
والكتابان مختلفان من الناحية المنهجية:
وذلك لأن «القراءات» المصور بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية رقم 52 «قراءات» منهج ابن خالويه فيه: يقوم على الاستطراد، والإطناب، فهو يسند القراءة لأصحابها في سلسلة طويلة. وهو يتحدث عن تفسير معاني الآيات، وأسباب نزولها. ويحشد قصصا عديدة في مناسبات مختلفة، وليست القراءات فيها، والاحتجاج بها إلا جزءا من هذا المنهج. فكتابه في حقيقة أمره كتاب تفسير لا قراءات، شأنه شأن كتب التفسير التي تتعرض لهذه الأغراض جميعا.
أما كتاب الحجة فهو كتاب موقوف على القراءات وحدها في مجال الاحتجاج، ولا يتعرض لتفسير المعنى إلا في القليل النادر الذي يعد على الأصابع.
ولعله من الجائز أن يكون كتاب القراءات أسبق في التأليف من كتاب الحجة، ثم لخص هذا الكتاب، وهذبه، وجعله مقصورا على القراءات وحدها. وظاهرة التلخيص ليست غريبة على ابن خالويه، فالمستشرق برجستراسر يقول عنه: «وكان من عادة ابن، خالويه أن يهذب مصنفات مشايخه» «1». وأزيد فأقول: ومصنفاته أيضا، أليس كتاب «مختصر في شواذ القراءات» الذي حققه ونشره المستشرق برجستراسر هو تلخيص لكتابه (البديع) في القراءات الشاذة؟.
من كتاب إعراب ثلاثين سورة:
أ- قال ابن خالويه:
مالك يوم الدين «2» قال أهل النحو: إن ملكا أمدح من مالك، وذلك أن المالك قد يكون غير ملك ولا يكون الملك إلا مالكا. «3»
وقال في الحجة:
مالك يوم الدين: والحجة لمن طرحها (أي الألف) أن الملك أخص من المالك وأمدح، لأنه قد يكون المالك غير ملك، ولا يكون الملك إلا مالكا. «4»
ب- وما أدراك ما الطارق «5»:
__________
(1) مختصر في شواذ القراءات 6.
(2) الفاتحة: 4.
(3) إعراب ثلاثين سورة 27.
(4) الحجة 62.
(5) الطارق: 2.
(1/25)
************
قال في إعراب ثلاثين سورة: «حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال: كل ما في كتاب الله: وما أدراك فقد أدراه وما يدريك فما أدراه بعد «1»».
وقال في الحجة: «وما كان في كتاب الله تعالى من قوله: «وما أدراك» فقد أدراه، وما كان فيه من قوله: وما يدريك؟ فلم يدره بعد «2»».
من كتاب الريح:
قال ابن خالويه:
وأمهات الريح أربعة: الشمال وهي للروح والنسيم عند العرب، والجنوب للأمطار والأنداء، والصبا لإلقاح الأشجار، والدبور للعذاب والبلاء- نعوذ بالله منها- فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح يقول: «اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا .. «3»
وقال في الحجة: وتصريف الرياح «4» ... فالحجة لمن أفرد أنه جعلها عذابا، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعلها رياحا لا ريحا.
ثم قال: والأرواح أربعة أسست أسماؤها على الكعبة: فما استقبلها منها فهي الصبا والقبول، وما جاء عن يمينها فهي الجنوب، وما جاء عن شمالها فهي الشمال، وما جاء من مؤخرها فهي الدبور، وهي روح العذاب نعوذ بالله منها. «5»
8 - قدم النسخ:
وتاريخ نسخ الحجة الذي قمت بتحقيقه قديم لأنه نسخ سنة 496 هـ. وهو تاريخ قريب من عصر المؤلف بمائة وستة وعشرين عاما على حين نجد كتاب القراءات المصور بمعهد المخطوطات نسخ سنة 600 هـ بخطوط مختلفة آخرها خط صديق بن عرين محمد ابن الحسن. «6»
__________
(1) إعراب ثلاثين سورة: 40.
(2) الحجة 365.
(3) كتاب الريح: 2.
(4) البقرة: 164.
(5) الحجة 91.
(6) فهرس مخطوطات الجامعة العربية 12 وفهرس المخطوطات القسم الأول أ- س 276.
(1/26)
************
وكتاب إعراب ثلاثين سورة الذي نشرته دار الكتب عام 1941 م اعتمدت فيه على النسخة التي ضمتها مكتبة الشنقيطي رقم 7 تفسير دار الكتب، وقد تمت كتابة هذه النسخة في العشر الأولى من شعبان الذي هو من شهور سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، وملك بمدينة صنعاء المحروسة. «1»
وذلك يؤكد أن كتاب الحجة أقدم كتاب في مجال النسخ من الكتب الأخرى التي وصلت إلينا أمثال: كتاب القراءات، وإعراب ثلاثين سورة.
نعم، إن الكتاب نسخة فريدة احتفظت بها مكتبة طلعت رقم 134 قراءات. وقد أشار إليها (بروكلمان) في كتابه: تاريخ الأدب العربي «2»، وقد حاولت العثور على نسخة أخرى لأقابلها بها حتى يتيسر التحقيق، وينكشف الغموض، ولكن لم يتيسر لي ذلك على الرغم من اطلاعي على فهارس المكتبات العربية والإفرنجية، لهذا كانت هذه النسخة هي عمدتي في التحقيق، وقد يسرت لي مصاعبها واستقام نصها، بفضل الله وعونه، وإلهامه وتوفيقه. هذا، وانفراد الحجة بنسخة واحدة في مكتبات العالم لا يغض من قدره، ولا ينزل من مكانته، فتراثنا العربي ذهب معظمه بسبب الأحداث الجسام، والفتن التي حلت بالعالم الإسلامي والعربي في العصور المختلفة.
ولا أدل على ذلك من هذه العبارة التي ذيلت بها الصفحة الأخيرة من الحجة، وهي:
«قوبل وصحح بأصله المكتوب منه» ولكن أين ذهب هذا الأصل؟.
أقول: ذهب هذا الأصل، لأن ظاهرة ضياع الكتب وفقدها ليست غريبة على تراثنا العربي، فهذا هو أبو علي الفارسي ذكر «أن بعض إخوانه سأله بفارس إملاء شيء من ذلك فأملي عليه صدرا كبيرا، وتقصى القول فيه، وأنه هلك في جملة ما فقده، وأصيب من كتبه.
قال عثمان بن جنى: وإن وجدت نسخة، وأمكن الوقت عملت بإذن الله كتابا أذكر فيه جميع المعتلات في كلام العرب. «3» ولم يكتف ابن جنى بما حدث عن شيخه عن ضياع كتابه الذي أملاه بفارس، بل بين في وضوح أكثر «أنه وقع حريق بمدينة (السلام)
__________
(1) فهرس دار الكتب.
(2) تاريخ الأدب العربي: بروكلمان 2 - 140.
(3) معجم الأدباء: 7 - 256.
(1/27)
************
فذهب به جميع علم البصريين. قال: وكنت قد كتبت ذلك كله بخطي، وقرأته على أصحابنا، فلم أجد من الصندوق الذي احترق شيئا البتة إلا نصف كتاب الطلاق عن محمد ابن الحسن» «1».
إذن، فظاهرة ضياع الكتب ظاهرة سائدة حتى في عصر المؤلفين أنفسهم، وقد بلى بهذه الظاهرة المجتمع الإسلامي منذ أن أصبحت الدولة دويلات، وزاد خطرها أكثر
حينما زحف التتار على بغداد، فالتهم تراث الأجداد.
وما لي أذهب بعيدا، وهذا السيوطي جماعة الكتب الذي لا يخلو مؤلف من مؤلفاته من ذكرها والتعريف بها يقول في كتاب: (ليس) لابن خالويه ي: «إنه كتاب حافل في ثلاث مجلدات ضخمات، وقد طالعته قديما، وانتقيت منه فوائد، وليس هو بحاضر عندي الآن» «2».
مع أن كتاب «ليس» المطبوع بمطبعة السعادة بتصحيح أحمد بن الأمين الشنقيطي ليست فيه هذه الضخامة التي ذكرها السيوطي مما يدل على أن الكتاب ضاع معظمه.
على أية حال، نحن- نحمد الله- إذ حفظ لنا كتاب الحجة من ألفه إلى يائه لم يضع منه شيء، ونحمده إذ وفقنا إلى تحقيقه، ويسر لنا أمره حتى جاء، وقد رضيت عنه نفسي كل الرضا. وأسأل الله أن يتم النفع به.

مقارنة بين حجة أبي علي، وحجة ابن خالويه:
قدمت أن ابن مجاهد هو أول من سبع السبعة، وأنه بهذا العمل الذي انفرد به استطاع أن يفتح باب الاحتجاج بالقراءات في مجال اللغة والنحو، فتسابق تلاميذه ومعاصروه في التأليف في هذا الفن.
وأول من شرع في هذا من معاصريه «أبو بكر محمد بن السري شرع في تفسير صدر من ذلك في كتاب كان ابتدأ بإملائه ولكنه لم يتمه» «3».
__________
(1) معجم الأدباء: 7 - 256.
(2) المزهر: 2 - 3.
(3) انظر مقدمة الحجة رقم 462 - قراءات نسخة مصورة بدار الكتب. وانظر مقدمة: المحتسب لابن جنى مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
(1/28)
************
وأمكن لأبي علي الفارسي أن ينجح فيما قصر فيه محمد بن السري فألف كتابه:
«الحجة» في الاحتجاج بالقراءات.
وكتاب الحجة بين أيدينا مخطوطا حيث تضم دار الكتب والمكتبة الأزهرية نسخا منه، ومطبوعا منه الجزء الأول الذي قام بتحقيقه أستاذنا علي النجدي، والمرحوم الدكتور النجار والدكتور عبد الفتاح شلبي، وهم في هذا التحقيق قدموا جهدا جبارا يتناسب مع هذا العمل الخالد.
وبمقارنة كتاب الحجة للفارسي بكتاب الحجة لابن خالويه نتبين اختلاف المنهجين، وتباين الطريقتين:
فأبو علي في حجته يغوص إلى الأعماق، فمن لم يكن ذا مقدرة على الغوص، لا يستطيع أن يتابع الفارسي، ولا يستطيع أن يصل إلى الجوهر المنشود، فكثرة الاستطرادات، وضخامة التعليلات، قد تحول بينه وبين ما يريد.
ومن هنا كان كتاب الحجة للفارسي كتابا لا يفهمه إلا القلة. ولا تهضمه إلا فئة خاصة تسلحت بما تسلح به أبو علي من عقلية منطقية، تؤمن بالقياس، وتجري وراء العلة.
وحتى في عصره، عصر الازدهار الفكري، عصر المنطق والجدل، عصر المناظرات التي كانت تتعدد حلقاتها في بلاط الأمراء، لم يلق هذا الكتاب قبولا حسنا، ولم يصادف في نفوس معاصريه التقدير اللازم لهذا الجهد المبذول فيه:
ويكفينا في هذا المقام شهادة تلميذه ابن جني في ذلك وهي شهادة على النفس؛ لأن أبا علي من ابن جني بمثابة الروح من الجسد.
يقول ابن جني في كتاب: «المحتسب» ما نصه: «فإن أبا علي رحمه الله عمل كتاب الحجة في القراءات فتجاوز فيه قدر حاجة القراء إلى ما يجفو عنه كثير من العلماء» «1».
ويقول في موضع آخر عند تعرضه لقوله تعالى في سورة الأنعام: تماما على الذي أحسن «2».
«وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة، في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله
__________
(1) انظر مقدمة الحجة المصور، وانظر مقدمة المحتسب من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
(2) الأنعام: 154.
(1/29)
************
حتى منع كثيرا ممن يدعي العربية. فضلا عن القراء، وأجفاهم عنه» «1».
وأما كتاب الحجة لابن خالويه، فإن ابن خالويه في حجته نهج نهجا آخر، نهجا يقوم على الرواية والسماع، فليست اللغة في نظره تؤخذ من المنطق، أو تقوم على الأقيسة كما كان يفعل أبو علي في الحجة.
ولعل السر في تأليف الحجة لابن خالويه أنه أحس في مرارة أن كتاب أبي علي، لا ينتفع به الخاصة فضلا عن العامة، فحفزه ذلك إلى تأليف كتابه في أسلوب سهل ممتع، وفي عرض يشرق عليك بهاؤه، ويستولي على نفسك جماله. وقد جعل الاختصار رائده ليتحقق الهدف الأكبر من تأليفه، وهو انتفاع الناس به أو كما يقول: «قاصد قصد الإبانة، في اختصار من غير إطالة ولا إكثار ... جامعا ذلك بلفظ بين جزل، ومقال واضح سهل، ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده «2».

قيمة كتاب الحجة لابن خالويه في عصرنا الحاضر:
ونحن نعيش في عصر السرعة، ومن متطلبات السرعة الصراحة والوضوح، صراحة الأفكار، ووضوح المعاني وتحديد الألفاظ، والوصول إلى الهدف من أقرب طريق وأيسر سبيل.
وكل ذلك تجده في الحجة متمثلا في كل صفحة من صفحاته بل في كل سطر من سطوره.
ولا أخفي سرا إذا قلت: إن هذا المنهج الذي التزمه ابن خالويه أعجبني وسحرني، أعجبني لأني استطعت أن أقف على كل مسائل الاحتجاج في وقت قصير، وسحرني لأنه يقدم لي خلاصة مهذبة، واضحة المعالم، بينة السمات في قراءات القرآن الكريم، والاحتجاج بها.
فنحن إذا في أشد الحاجة إلى هذا الكتاب للوقوف على القراءات القرآنية في ضوء النحو واللغة من ناحية، ولأنه أقدم كتاب ظهر في القراءات السبع هو وحجة الفارسي من ناحية أخرى.
__________
(1) مقدمة المحتسب لابن جنى من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
(2) مقدمة كتاب الحجة ص: 62.
(1/30)
************
وصف كتاب الحجة لابن خالويه
في الصفحة الأولى من الحجة نجد ما يأتي:
كتاب الحجة في قراءات الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة المعروفين بصحة النقل، وإتقان الحفظ، المأمونين في الرواية للعلامة المحقق إمام النحو واللغة أبي عبد الله الحسين بن خالد بن خالويه رحمه الله، وحباه من الخير ما يتوالى.
قراءات 134 - طلعت وفي هامش الصفحة تجد تملكا لهذه النسخة، فهي قد دخلت في نوبة العبد الفقير إلى الله إبراهيم السدي المصري سنة 1191 هـ، وكتب أنه اطلع على النسخة. ومن غير شك، فان هذه التملكات العديدة تدل على قيمة هذه النسخة، وتسابق العلماء في اقتنائها إلى أن وصلت إلى مكتبة طلعت.
وفي آخر صفحة من الكتاب ذيلت بهذه العبارة:
وقع الفراغ من نسخه كله في ذي الحجة سنة ست وتسعين وأربعمائة.
وتحت هذا التذييل تذييل آخر، وهو:
«قوبل وصحح بأصله المكتوب منه».
ومن ناحية الخط، فإنه كتب بخط النسخ الذي كانت تسود الكتابة به في هذا العصر، وقد وقفت على ذلك بعد مقارنة قمت بها في مخطوطات القرن الخامس الهجري.
وقد نسخت من هذه النسخة القديمة نسخة أخرى، «بقلم معتاد تمت كتابتها في 28 شوال سنة 1355 هـ، وهذه النسخة مخطوطة برقم 19523 ب دار الكتب المصرية «1» ولم اعتمد عليها، بل اعتمدت على الأصل الذي نسخت منه وهو النسخة التي نسخت في 496 هـ.

منهج ابن خالويه في الحجة، وآراؤه:
1 - اعتمد في حجته على القراءات المشهورة، تاركا الروايات الشاذة المنكورة. «2»
2 - الإيجاز والاختصار حتى يفهم القارئ أو الدارس المراد من غير استطراد ممل،
__________
(1) انظر: فهرس المخطوطات: القسم الأول أ- س. ص 276.
(2) مقدمة كتاب الحجة 62.
(1/31)
************
أو أسلوب معقد. يقول في المقدمة: «وقاصد قصد الإبانة في اقتصار من غير إطالة ولا إكثار».
3 - عرض القراءات من غير سند الرواية، لأن هدفه الإيجاز ولا يلجأ إلى نسبة القراءات إلى أصحابها إلا إذا دعت الضرورة لذلك، ليبين مكانة من قرأ بها في حقل الدراسات القرآنية.
4 - وإذا عرض لمسألة، وبين وجه التعليل والحجة فيها ثم تكرر نظيرها، لا يعيد القول فيها، وإنما يحيلك إلى الموضع حرصا على الوقت، وإيمانا بالإيجاز.
5 - اللغة في نظره لا تقاس، وتؤخذ سماعا يقول في قوله تعالى المتعال «1». والدليل على أن اللغة لا تقاس، وإنما تؤخذ سماعا قولهم: الله متعال من: تعالى، ولا يقال:
متبارك من: تبارك. «2»
وفي قوله تعالى: في آذانهم من الصواعق «3» يقول: فأما إمالة الكسائي رحمه الله قوله تعالى: في آذانهم من الصواعق فإن كان أماله سماعا من العرب، فالسؤال عنه ويل «4».
6 - ومن منهجه أن لغة العرب، وإن اختلفت حجة، يؤخذ بها ويعتمد عليها، يقول في قوله تعالى: إن كنتم للرءيا تعبرون «5» وروي عن الكسائي أنه أمال هذه وفتح قوله:
لا تقصص رؤياك
«6» فإن كان فعل ذلك، ليفرق بين النصب والخفض فقد وهم، وإن كان أراد الدلالة على جواز اللغتين فقد أصاب «7».
7 - ويميل إلى لغة أهل الحجاز:
يقول في قوله تعالى: وزنوا بالقسطاس «8»: يقرأ بكسر القاف وضمها، وهما لغتان فصيحتان. والضم أكثر لأنه لغة أهل الحجاز. «9»
8 - ومن منهجه أن القرآن الكريم لا يحمل على الضرورة، فقد أنكر الخفض على الجوار في قوله تعالى: وأرجلكم «10».
__________
(1) الرعد: 9.
(2) الحجة: 201.
(3) البقرة: 19.
(4) الحجة: 70.
(5) يوسف: 43.
(6) يوسف: 5.
(7) الحجة: 193.
(8) الإسراء: 5
(9) الحجة: 217.
(10) المائدة؛ 6. انظر ص 129 من الحجة
(1/32)
************
9 - لا يرجع إلى تفسير المعنى إلا في القليل النادر لتفسيره قوله تعالى: جعلا له شركاء فيما آتاهما «1».
10 - من النادر تعرضه لإعراب الشواهد التي يحتج بها، ولكنه في بيت:
يا رب سار بات لن يوسدا ... تحت ذراع العنس أو كف اليدا
فإنه يتعرض لإعراب مواضع من البيت، مفسرا بعض كلماته. «2»
11 - يعتد برسم المصحف: انظر ص 72 من الحجة عند قوله تعالى: إن الله على كل شيء قدير «3».
وقوله تعالى: ثم اتخذتم «4» حيث ذكر أن من أظهر أتى بالكلمة على أصلها، واغتنم الثواب في كل حرف منها «5».
12 - وابن خالويه يستشهد بالحديث الشريف في عدة مواضع من كتابه الحجة انظر مثلا:
ص 53 و 57 و 64 و 117 و 141.
13 - وهو في الحجة مستقل التفكير، متحرر النزعة، لا يتعصب للبصريين ولا للكوفيين، وقد يعرض آراء المدرستين وحجة كل منهما من غير ترجيح، وقد يرجح بأدلة يراها، وقد يختلف عنهما بآراء متحررة.
وظهور هذه النزعة التجديدية في ابن خالويه جعلت المستشرق برجستراسر يقول عنه:
«في حلب أخذ ابن خالويه يدرس النحو وعلم اللغة، ونهج فيها نهجا جديدا، لأنه لم يتبع طريقة الكوفيين، ولا طريقة البصريين، ولكنه اختار من كليهما ما كان أحلى وأحسن» «6»

قراءات لم ترد إلا عن طريقه:
1 - وذلك في قوله تعالى: «فله عشر أمثالها» «7».
قال: يقرأ بالتنوين، ونصب الأمثال، وبطرحه والخفض. فالحجة لمن نصب: أن التنوين يمنع من الإضافة، فنصب على خلاف المضاف. والحجة لمن أضاف: أنه أراد فله عشر حسنات، فأقام الأمثال مقام الحسنات. «8»
__________
(1) الأعراف: 190، وانظر ص 168 من الحجة.
(2) الحجة: 204.
(3) البقرة: 20.
(4) البقرة: 51.
(5) الحجة: 77.
(6) مقدمة مختصر في شواذ القرآن: 6
(7) الأنعام: 160.
(8) الحجة: 152.
(1/33)
************
وليس في كتب القراءات التي بين أيدينا إلا حذف التنوين وجر اللام بالإضافة، وهي قراءة جميع القراء في الأمصار ما عدا «الحسن البصري» فانه كان يقرأ عشر بالتنوين، وأمثالها بالرفع، وذلك وجه صحيح في العربية غير أن إجماع قراء الأمصار على خلافها.
أما رواية النصب، فلم أجدها إلا عند ابن خالويه.
2 - ينسب إلى حفص قراءات لا وجود لها في المصحف الذي بين أيدينا.
يقول في قوله تعالى: بنصب «1» أجمع القراء على ضم النون إلا ما رواه حفص عن عاصم بالفتح، وهما لغتان «2». كذلك ينسب إليه قراءة أخرى لا نراها في المصحف الذي بين أيدينا عند قوله تعالى: وعزني في الخطاب «3»:
قال: إسكان الياء إجماع إلا ما رواه حفص عن عاصم بالفتح لقلة الاسم، وكذلك قوله «وعزني» بالتشديد إجماع الا ما رواه أيضا عنه بالتشديد وإثبات الألف وهما لغتان «4».

نقد منهجه:
وابن خالويه لم يلتزم منهجه فقد خرج عنه في عدة مواضع:
1 - مع الأمثلة المتعددة التي تدل على اعتداده برسم المصحف فإنه قد خرج عن هذه القاعدة في قوله تعالى:
بالغداة والعشي «5». قال: يقرأ بالألف، وبالواو في موضع الألف، مع إسكان الدال. ثم قال: «والحجة لمن قرأ بالواو: أنه اتبع الخط، لأنها في السواد بالواو، وليس هذا بحجة قاطعة، لأنها إنما كتبت بالواو كما كتبت الصلاة والزكاة. «6»
وفي هذا مخالفة صريحة للمنهج مع أن هذه القراءة قراءة ابن عامر، وابن عامر من القراء السبعة.
2 - ومع احترامه للسماع، وإيمانه بالرواية، إلا أنه أحيانا لا يستطيع أن يتخلص
__________
(1) ص: 41.
(2) الحجة: 304.
(3) ص: 23.
(4) الحجة: 305.
(5) الأنعام: 52.
(6) الحجة: 140.
(1/34)
************
من النزعة النحوية التي تؤمن بالعلة، وتقدس المنطق. يقول في قوله تعالى: وكل أتوه «1»:
فإن قيل: لم اختص ما يعقل بجمع السلامة دون ما لا يعقل؟ فقل لفضيلة ما يعقل على ما لا يعقل، فضل في اللفظ بهذا الجمع كما فضل بالأسماء الأعلام في المعنى. وحمل ما لا يعقل من الجمع على مؤنث ما يعقل، لأن المؤنث العاقل فرع على المذكر، والمؤنث مما لا يعقل فرع على المؤنث العاقل فتجانسا بالفرعية، فاجتمعا في لفظ الجمع بالألف والتاء. «2»
وبعد، فهذا عمل متواضع بذلت فيه الجهد، وعشت في مجاله أجمل الساعات، تغمرني نشوة روحية لأنها دراسة في رحاب القرآن، فإن جاء هذا العمل وافيا بالغرض، محققا للهدف، فبتوفيق الله وإلهامه، وإن جاء غير ذلك فقد اجتهدت وبذلت، والمجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر.
أرجو من الله أن ينفع به، وأن ينير الطريق أمام الدراسين في القراءات، والنحو، واللغة؛ ليسهموا في استمرار هذه الدراسات ونشرها حتى لا يبتلعها سيل المادية الجارف في عصرنا الحاضر. إنه نعم المولى، ونعم النصير.
عبد العال سالم مكرم الكويت
__________
(1) النمل: 87.
(2) الحجة: 275.
(1/35)
************



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الثانية
بفضل الله وتوفيقه تم توزيع هذا الكتاب في أرجاء العالم العربي والإسلامي، ونفدت طبعته الأولى في مدة محدودة، تتجاوز العام بأشهر معدودة.
ومن البدهي أن هذا يدل على مكانة هذا الكتاب في نفوس المتعطشين إلى الدراسات القرآنية من ناحية، وعلى وعي أبناء الأمة العربية والإسلامية حيث لم تفتنهم ما تخرجه دور النشر العديدة عن تراثهم الأصيل من ناحية أخرى.
وقد رأى الأستاذ الفاضل محمد المعلم مدير دار الشروق ببيروت أن يسرع في إعادة طبعه من جديد ليسد حاجة القراء إلى هذا اللون من الدراسات القرآنية. وطلب مني كتابة تقديم لهذه الطبعة الثانية، فلم أجد خيرا من البحث النقدي الذي نشر في المجلد التاسع، الجزء الأول ص 315 عدد يناير سنة 1972 من مجلة اللسان العربي التي يصدرها مكتب التنسيق والتعريب في الوطن العربي بالرباط بإشراف الجامعة العربية.
والله أشهد أن نقد الأخ الأستاذ العابد لنسبة كتاب الحجة لابن خالويه دفعني مرة أخرى لمعايشة ابن خالويه، واستطعت- بحمد الله- أن أضيف جديدا من أدلة توثيق نسبة هذا الكتاب لصاحبه، لهذا آثرت، لأجل أن ينتفع القارئ، أن يكون هذا البحث مقدمة للطبعة الثانية. والله ولي التوفيق.
(1/37)
************
حول نسبة كتاب الحجة في القراءات السبع لابن خالويه
تفضل الأستاذ الكريم محمد العابد الفاسي، الأستاذ بجامعة القرويين بالمغرب بنشر بحث قيم في مجلة «اللسان العربي»، المجلد الثامن، الجزء الأول ص 521، ينقد فيه توثيقي لكتاب الحجة، ونسبته إلى ابن خالويه، وقد نشر بحثي في المجلة نفسها، والجزء نفسه ص 502.
وقد أسعدني هذا النقد، لأن الحقيقة بنت البحث كما يقولون. وقد اقتصر نقده على الفصل الذي كتبته، وأثبت فيه نسبة الكتاب إلى ابن خالويه.
وإني لا أضيق ذرعا بالنقد البناء، فاحتكاك الأفكار بعضها ببعض ينمي العلم، ويطور المعرفة، ويبعث في الفكر الحركة والحياة.
وكنت أود أن أبارك هذه الأدلة التي أوردها الناقد الفاضل لنفي نسبة الحجة إلى ابن خالويه، وأضع يدي في يده مسلما له بكل ما قال، ولكن الحقيقة التي دفعته إلى أن يكتب هذا النقد هي الحقيقة نفسها التي دفعتني إلى أن أنقد هذا النقد، لأنه قائم على أدلة لم تقتنع بها نفسي، وأنا طالب معرفة، فإذا اقتنعت آمنت وسلمت، وإذا لم أقتنع لا ألوذ بالصمت أو بالصبر فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
علي إذن أن أبين السبب في عدم اقتناعي من غير أن أسمح للحظوظ النفسية أن تتدخل في هذه المناقشة، لأن الحقيقة العلمية أكبر مني، ومن أخي الأستاذ العابد.
وقبل مناقشة أدلة سيادته أحب أن أشير هنا إلى أن بعض المعاصرين الذين شكوا في نسبة هذا الكتاب إلى ابن خالويه فريق من أصدقائي ناقشوني مشافهة في هذه النسبة، وكل أدلتهم تنحصر في أن كتب الطبقات لم تشر إلى ذلك، ولم يقدم لنا هؤلاء الزملاء دراسة مفصلة منشورة في نفي هذه النسبة، وليست هناك دراسة لابن خالويه، ولكتابه الحجة تضمها المكتبة العربية في الشرق أو في الغرب غير الدراسة التي قمت بها، وغير هذا التعليق
(1/38)
************
الذي تفضل به الأخ الأستاذ العابد على هذه الدراسة.
وأما الأدلة التي ذكرها الأستاذ العابد ليناقض بها أدلتي، فإني أنقدها على الوجه التالي:
(1) ذكرت أن تلمذة ابن خالويه لابن مجاهد فرضت عليه أن يحيا في الدراسات القرآنية، ويتمكن منها، ويلم بالقراءات، ويدافع عنها، وأنه ألف الحجة في القراءات السبع لينافس به كتاب الحجة الذي ألفه أبو علي الفارسي، وأن عدم ذكر الحجة لابن خالويه في كتب الطبقات يرجع إلى أن الكتاب في القراءات، فاستغنوا بذكرها عن كلمة الحجة.
ولكن هذا الدليل لم يقنع الأستاذ العابد «لأن كونه من تلامذة ابن مجاهد وكونه برع في الدراسات القرآنية، وألف فيها كتبا لا يكفي ذلك دليلا على إثبات نسبة كتاب الحجة له، وأما كونه ليس بدعا أن يؤلف في الموضوع كما فعل معاصروه أبو علي وغيره فصحيح، ولكن المسألة مسألة إثبات لا مسألة احتمال وتخمين ... ».
أقول:
إن تلمذة ابن خالويه لابن مجاهد، وبراعة ابن خالويه في الدراسات القرآنية حيث ألف كتبا في هذا المجال نصت عليها كتب الطبقات ككتاب: إعراب ثلاثين سورة، والبديع في القراءات، ومختصر شواذ القراءات، وكتاب مجدول في القراءات ألفه لعضد الدولة، أقول: إن هذا كله يشير إلى أن كتاب الحجة موضع القضية نسبته إلى ابن خالويه صحيحة.
وقد قلت في بحثي المنشور في مجلة «اللسان العربي» بصدد عدم ذكر هذه التسمية في كتب الطبقات: إن شهرة كتاب الحجة للفارسي غطت على شهرة الحجة لابن خالويه حيث اشتغل الناس به قراءة وتلخيصا كما فعل أبو محمد مكي بن أبي طالب في كتابه:
المنتخب في اختصار كتاب الحجة للفارسي وغيره.
ومن الجلي أن أصحاب كتب الطبقات، وابن خالويه نفسه أشاروا إلى أن له كتابا في القراءات، فأين ذهب هذا الكتاب؟ لا يمكن أن يكون كتاب القراءات المصور بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية رقم 52 قراءات، لأن منهج ابن خالويه فيه يقوم على الاستطراد والإطناب، إذ يتحدث عن تفسير الآيات، وأسباب نزولها، ويحشد قصصا عديدة في مناسبات مختلفة، وليست القراءات فيها، والاحتجاج بها إلا جزءا يسيرا من هذا المنهج، فكتابه في حقيقة أمره كتاب تفسير لا قراءات، شأنه شأن كتب التفسير التي تتعرض لهذه
(1/39)
************
الأغراض جميعا، وقد نسخ هذا الكتاب المصور سنة 600 هـ بخطوط مختلفة آخرها خط صديق بن عرين محمد بن الحسين «1».
على أننا نجد كتاب الحجة موضوع الحديث نسخ بخط واحد سنة 496 هـ وهو موقوف على القراءات وحدها، والاحتجاج لها.
إن الذي يطمئن إليه القلب، ويرتضيه العقل أن كتاب القراءات المنسوب إلى ابن خالويه في كتب الطبقات هو كتاب الحجة نفسه، لأنه لا يعقل أن يكرر ابن خالويه ما كتبه أستاذه ابن مجاهد في القراءات، لأن ابن مجاهد كل عمله في القراءات أنه انتخب من القراءات العديدة هذه القراءات السبع، وليس فيه الاحتجاج النحوي أو اللغوي لهذه القراءات، على حين يطالعنا كتاب الحجة لابن خالويه بالتوجيه لكل قراءة، والاحتجاج لها في مجال النحو واللغة وكذلك فعل أبو علي الفارسي في حجته، اعتمد على هذه القراءات السبع التي جمعها أستاذه ابن مجاهد، واحتج لها في ميدان النحو واللغة.
يقول الفارسي في مقدمته: «فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد» «2»، فأبو علي الفارسي كما يبدو في مقدمته، لم يرد أن يكون كتابه نسخة مكررة من كتاب أستاذه ابن مجاهد، بل كان عمله التوجيه والاحتجاج. إذا كان الأمر كذلك فهل يعقل في باب المنطق أن يأتي معاصر لأبي علي كانت بينهما منافسات علمية خطيرة أشرت إليها في بحثي المنشور في مجلة «اللسان العربي» - ليؤلف في القراءات وتكون مهمته تكرار كتاب أستاذه؟
إن العصر الذي ضم هؤلاء الأعلام كان عصر احتجاج للقراءات التي ثبتت عن ابن مجاهد، ولم يكن الأمر مقصورا على أبي علي الفارسي فقد شاركه في ذلك محمد بن الحسن الأنصاري المتوفي 351 حيث ألف كتاب السبعة بعللها الكبير، وكتاب السبعة الأوسط، وكتاب السبعة الأصغر «3» وألف كذلك أبو محمد الحسن بن مقسم المتوفي 362 هـ كتاب السبعة بعللها: الكبير، والأوسط، والأصغر «4».
__________
(1) فهرس مخطوطات الجامعة العربية 12، وفهرس المخطوطات، الجزء الأول: 1 س/ 276.
(2) مقدمة الحجة لأبي علي الفارسي 1 - دار الكتاب العربي.
(3) الفهرست لابن النديم- 32 - 33.
(4) المرجع نفسه والصفحة ..
(1/40)
************
أيصح أن يقال إذن: إن ابن خالويه اللغوي الكبير كان عاجزا عن متابعة هذه الحركة القرآنية في عصره، وهو من خيرة أعلامه، ومن أشهر تلاميذ ابن مجاهد؟.
الواقع أن العقل لا يسلم بذلك، فإن الظروف المحيطة بهذا اللون من الدراسات تلح على ابن خالويه أن يؤلف في القراءات، ويوجهها، ويحتج لها كما فعل معاصروه. وأكبر الظن أن الكتاب كان عنوانه الحجة في القراءات السبع فعند النسخ سقطت كلمة الحجة، وهو أمر يحدث كثيرا على يد النساخ، أو اختصر عنوانه فأصبح: القراءات، واختصار العناوين ليس بدعا في مؤلفاتنا. وقد أشار إلى ذلك محققو كتاب الحجة للفارسي حيث ذكروا أن كتاب الحجة يرد «في الكتب التي تذكره بأسماء مختلفة منها: الحجة، والحجة في علل القراءات السبع، والحجة في شرح القراءات السبع. «1»
ألا يدل ذلك على أن أبا علي لم يضع هذه الأسماء العديدة لكتابه، وإنما وضع اسما واحدا فقط، فجاء الرواة، أو الناسخون، فغيروا وبدلوا مما جعل اسم هذا الكتاب يتخذ صورا متعددة.
على أن ابن خالويه كان في مقدمته صريحا، فقد ذكر أن الكتاب في الاحتجاج وقد قلت: إن أنسب تسمية لهذا الكتاب هي الحجة، فكلمة الحجة تطالعك في كل سطر من سطور هذا الكتاب.
(2) ذكرت أن كتب الطبقات ليست حجة قاطعة نرجع إليها في نفي نسبة الكتاب إلى ابن خالويه حيث لم تشر إليه، ذلك لأن هذه الكتب نفسها أغفلت ذكر كتب لابن خالويه، منها: كتاب أسماء الله الحسنى الذي أشار إليه ابن خالويه نفسه في كتابه:
إعراب ثلاثين سورة حيث قال: وقد صنفتها في كتاب مفرد، واشتقاق كل اسم منها ومعناه «2».
وقد علق الأستاذ الناقد على هذا القول بقوله: «هذا كلام من نمط سابقه فإن كتابه الحجة جدير بأن يذكر في أول قائمة كتب ابن خالويه لو صحت النسبة وحيث لم يذكر في كتب الطبقات، ولا ذكر في باقي كتب ابن خالويه، فهذا دليل على عدم صحة نسبته إليه، لأن كتب الطبقات لم تذكره، ولأن ابن خالويه لم يشر إليه في تضاعيف كتبه».
__________
(1) انظر مقدمة الحجة للفارسي- 4.
(2) إعراب ثلاثين سورة- 14.
(1/41)
************
أقول لأخي الناقد:
لا أحب أن أكرر ما قلت في شأن كتب الطبقات فليس أصحابها معصومين من النسيان، وليست هذه الكتب بمأمن من الخطأ، ولا أدل على ذلك من هذا التراث الضخم الذي حوته فهارس مكتباتنا في الشرق والغرب، ولا تجد للكثير منه ذكرا في كتب الطبقات المعروفة.
ألم أقل في بحثي لإنتاج ابن خالويه العلمي: إنني استطعت أن أنسب إلى ابن خالويه كتبا لم تضمها كتب الطبقات؟ وعددت من هذه الكتب عشرة كتب أذكر منها: كتاب الريح. وكتاب أسماء الله الحسنى، وكتاب الهاذور، وشرح ديوان أبي فراس الحمداني ..
أتسقط هذه الكتب لأنها لا توجد في البغية، أو في أنباء الرواة، أو في معجم الأدباء ... الخ؟
لو فعلنا ذلك لأجهزنا على تراثنا بأيدينا من حيث لا نشعر.
ولا أسلم أيضا للناقد الفاضل بأن ابن خالويه لم يشر إليه في تضاعيف كتبه، لأن ابن خالويه قد أشار إليه، أشار إليه في كتابه «إعراب ثلاثين سورة» عند تعرضه للقراءات في قوله تعالى: أنعمت عليهم قال: «أجمع العلماء على كسر الهاء في التثنية إذا قلت: عليهما، قال الله عز وجل: يخافون أنعم الله عليهما «1» إلا يعقوب الحضرمي فإنه ضم الهاء في التثنية كما ضمها في الجمع، وقد ذكرت علة ذلك في كتاب «القراءات». «2» وهذا التعليل تجده في الحجة «3». وأما عدم ذكره باسم الحجة فقد بينت السر في ذلك، وأن هذه التسمية جاءت متأخرة عن عصر ابن خالويه.
إن ابن خالويه حينما يقول: ذكرت علة ذلك في كتاب «القراءات» أليست هذه إشارة واضحة إلى أن المعني بذلك هو كتاب الحجة؟ وما مدلول قوله: «علة ذلك»؟
أليست العلة هي التوجيه النحوي أو اللغوي؟ وما التوجيه النحوي أو اللغوي إلا الاحتجاج، وما الاحتجاج إلا ذكر الحجة، والحجة تتكرر في كل قراءة يعرضها.
إن الذي يعنيني يا سيدي أولا وأخيرا هو المضمون لا الشكل، والجوهر لا العرض، والمعنى لا اللفظ، وهذا كله يشير إلى أن كتاب القراءات الذي أشار إليه ابن خالويه هو في الاحتجاج، وبذلك لا نسلم للناقد الفاضل قوله: إنه لم يشر إليه في تضاعيف كتبه.
__________
(1) المائدة- 23.
(2) إعراب ثلاثين سورة- 32.
(3) الحجة في القراءات السبع: تحقيق: عبد العال سالم مكرم- طبع دار الشروق- بيروت.
(1/42)
************
(3) وحينما ذكرت أن التسمية بالحجة قد تكون من عمل المتأخرين، وحتى كتاب الحجة للفارسي لم يقدمه أبو علي لعضد الدولة باسم الحجة.
يقول الأستاذ العابد معلقا: «إننا نؤكد أن النسخ العتيقة التي توجد من كتاب الحجة لأبي علي الفارسي مكتوب بظهر أول ورقة من أجزائه بخط عريق في القدم من نسخة كان يتملكها الحافظ الحجة أبو الحسن علي بن محمد الشاري ما صورته: الجزء السابع من كتاب الحجة لقراء الأمصار ... الخ. فمن أين الجزم بأن أبا علي الفارسي لم يسم كتابه بالحجة؟
أقول:
أخي، إن الذي دفعني إلى هذا القول هو أن عنوان الكتاب على الغلاف ليس هو الفيصل في القضية كما فهمت سيادتك .. فقد درج المؤلفون أن يذكروا في مقدمة كتبهم أسماء هذه الكتب أو موضوعاتها، ويقوم الناسخون بوضع هذه التسمية على الغلاف إن كانت مذكورة في المقدمة، أو وضع اسم ينطبق على موضوع الكتاب إن لم يكن اسمه مذكورا بنصه، على أن الغالب في مؤلفات القدامى أنهم يذكرون موضوعات كتبهم في مقدماتهم، ولا يشيرون إلى أسمائها، فعل ذلك أبو علي الفارسي حينما ذكر في مقدمة كتابه الحجة ما نصه: فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد «1» ولم يشر إلى هذه التسمية وإنما فهمت التسمية من موضوع الكتاب، ولذلك اختلف الرواة فيها كما بينت آنفا.
وفعل ذلك ابن خالويه حينما ذكر في مقدمته ما نصه: «وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم» «2» فكلمة «احتج» تجدها في مقدمة ابن خالويه على حين تفتقدها في مقدمة الفارسي.
وفعل ذلك أيضا الفارسي في كتابه: «الإغفال» حيث يقول في مقدمته بصدد المسائل التي أغفلها الزجاج ما نصه: «ذكرناها لما اقتضت عندنا من الإيضاح للإغفال الواقع فيها» وكتب على غلاف النسخة المخطوطة «الإغفال لأبي علي الفارسي «3».
__________
(1) مقدمة الحجة للفارسي- 3.
(2) الحجة لابن خالويه- 62 - طبع دار الشروق- بيروت.
(3) الإغفال لأبي علي الفارسي مخطوط رقم 649 تفسير- دار الكتب المصرية.
(1/43)
************
وكذلك فعل أبو محمد مكي بن أبي طالب الأندلسي في مقدمة كتابه «تفسير مشكل إعراب القرآن» حيث يقول: «فقصدت في هذا الكتاب إلى تفسير مشكل الإعراب، وذكر علله، وصعبه، ونادره، ليكون خفيف المحمل» «1» .. الخ. ولم يشر إلى أن هذا الكتاب اسمه: «تفسير مشكل إعراب القرآن» وإنما ذكر الموضوع، ولا يخفى على الراوية أو الناسخ لب هذا الموضوع، فاستنتج الاسم منه ونسب إليه.
ولا أبالغ إذا قلت: إن كتاب سيبويه أشهر كتاب انتشر في الآفاق لم يسمه سيبويه بهذا الاسم، وإنما جاءت التسمية من الرواة أو الدارسين أو الناسخين، يقول أستاذنا
المحقق الكبير الأستاذ عبد السلام هارون في مقدمته القيمة لتحقيق كتاب سيبويه ما نصه:
«وقد عرف كتاب سيبويه من قديم الدهر إلى يومنا هذا باسم الكتاب أو كتاب سيبويه، ومن المقطوع تاريخيا أن سيبويه لم يسمه باسم معين» «2».
وفي العصور المتأخرة نجد المؤلفين ينصون على تسمية كتبهم في مقدماتها وبذلك يكون عنوان الغلاف وفق عنوان اسم الكتاب المشار إليه في المقدمة فهذا ابن هشام في مقدمة كتابه المغنى يشير إلى اسم كتابه فيقول: «سميته بمغنى اللبيب عن كتب الأعاريب». والسيوطي في مقدمة كتابه الهمع يقول: «فتخيرت لهم هذه العجالة الكاملة بحل مبانيه، وتوضيح معانيه إلى أن يقول: مسماة بهمع الهوامع في شرح جمع الجوامع».
ولعل في هذا الدليل الشافي في أن عنوان الكتاب قد لا يكون في بعض الأحيان من وضع المؤلف، أو من تسمية المؤلف.
(4) وقد ذكرت أن من الأدلة على أن الحجة لابن خالويه دليل التنافس العلمي في هذا العصر، ولكن هذا الدليل لم يرق في نظر الناقد فكتب يقول: «وأنا لا أدري ما وقع هذا الدليل. والتنافس العلمي ولو بلغ ما بلغ لا ينتج مثل هذا الفرض المشكوك فيه من أصله، وقد وقع التنافس في كثير من الفنون في عصره، ولم يؤلف ابن خالويه في جميع تلك العلوم المتنافس فيها»؟.
أقول:
لعل الناقد الفاضل يذكر أن أهم ما كان يشغل ذهن ابن خالويه هو العلوم القرآنية،
__________
(1) مشكل إعراب القرآن مخطوط رقم 232، تفسير- دار الكتب.
(2) مقدمة المحقق 1 - 23 - طبع دار القلم.
(1/44)
************
وإذا نافس فإنه ينافس في مجالها، أما ما عدا ذلك من ألوان المعرفة كالطب والفلك، والمنطق والفلسفة، والحساب والهندسة، فهذه علوم لا تدخل في حساب المنافسة.
وقد أشرت إلى منافسته للفارسي وابن جني، وغيرهما كما سبق بيانه في مجال الدراسات القرآنية.
(5) وقد قلت:
إن من أوضح أدلة التوثيق لهذا الكتاب، ونسبته لابن خالويه تشابه أسلوبه ومنهجه مع مؤلفات ابن خالويه الأخرى، وهذا التشابه محصور في الإيجاز والاختصار، وموضوعات أخرى ذكرتها في بحثي، واستدللت عليها بنصوص لا تقبل الجدل، ولا تحتمل الشك.
ولكن الأخ الناقد لم يعجبه هذا التدليل فقال: «إن الأسلوب والمنهج الذي كان سائدا في عصر ابن خالويه لم يكن خاصا به بل كان عاما لدى الشخصيات التي تتلمذ لابن مجاهد، وأبو علي الفارسي في كتابه لم يكن يتبع غير طريقة الإيجاز ولو نسبيا».
أقول:
لقد جعلني الناقد الفاضل أشك في أنه قرأ أو اطلع على كتاب الحجة للفارسي الذي طبع منه الجزء الأول بتحقيق أستاذنا النجدي ورفاقه، وقد أشار سيادته في نقده إلى هذا الجزء المطبوع.
من قال: إن أبا علي الفارسي في كتابه الحجة كان طابعه الإيجاز ولو نسبيا؟ إن هذا قول لا تطمئن إليه النفس وإليك الدليل:
إن الجزء الأول المطبوع من حجة الفارسي يحتوي على 331 صفحة من القطع الكبير، ابتداء بفاتحة الكتاب، وانتهاء بقوله تعالى: على كل شيء قدير آية 20 من سورة البقرة. أي أن هذا الجزء الضخم كله توجيه لقراءات الفاتحة، ولعشرين آية من سورة البقرة، فهل هذا إيجاز يا سيدي؟
إن الأساتذة المحققين أحسوا أن نشر كتاب الحجة للفارسي قد يصل إلى أربعين جزءا على غرار الجزء الأول مما يتطلب وقتا طويلا، وعمرا مديدا، ومنذ ثلاث سنوات لم ير النور من كتاب الحجة للفارسي غير هذا الجزء الأول، مما دفعني دفعا قويا إلى إخراج كتاب الحجة لابن خالويه، لأنه يقدم للقارئ خلاصة موجزة للاحتجاج النحوي واللغوي للقراءات السبع في أسلوب ممتع، وفي عرض يشرق على القارئ بهاؤه، ويستولي على نفسه جماله، وقد جعل الاختصار رائده ليحقق الهدف الأكبر من تأليفه، وهو انتفاع الناس
(1/45)
************
به، أو كما يقول في مقدمته:
«قاصد قصد الإبانة في اقتصار من غير إطالة ولا إكثار، جامع ذلك بلفظ بين جزل، ومقال واضح سهل، ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده» «1».
ومن حسن الحظ أن كتاب الحجة لابن خالويه أصدرته ونشرته دار الشروق ببيروت في أوائل أغسطس سنة 1971، وهو الآن يشق طريقه إلى عقول القراء، لأنه الكتاب الوحيد في المكتبة العربية الآن الذي يمكن للقارئ الرجوع إليه عند توجيه قراءة في مجال النحو واللغة من القراءات السبع.
وإلى أخي الفاضل الأستاذ العابد أقدم دليلا ملموسا من كلام ابن جنى تلميذ الفارسي حول هذا الكتاب، ورأي ابن جني الذي امتص ثقافة أستاذه الفارسي في هذا المجال رأي لا يتسرب إليه الشك أو الضعف لأنه شهادة على النفس، ولأن ابن جني من الفارسي بمثابة الروح من الجسد. يقول ابن جني في المحتسب: «فإن أبا علي رحمه الله عمل كتاب الحجة في القراءات فتجاوز فيه قدر حاجة القراء، إلى ما يجفو عنه كثير من العلماء» «2».
ويقول في موضع آخر: «وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة في قراءة السبعة فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرا ممن يدعي العربية فضلا عن القراء، وأجفاهم عنه «3».
ألا يدل هذا على أن أبا علي الفارسي لم يكن رائده الإيجاز والاختصار كما يقول الناقد.
بل كان رائده التطويل الممل، والاستطراد المخل، والأسلوب المعقد كما أشار إلى ذلك تلميذه ابن جني.
وليقتنع الناقد الفاضل بما أقول فإليه هذا المثال من كتاب حجة الفارسي:
قال أبو علي في قوله تعالى: مالك يوم الدين. «اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله: ملك يوم الدين ثم يبين قراءة عاصم، وقراءة غيره وبعد ذلك ينقل عن أبي بكر محمد بن السري نصا يستدل فيه على أن «ملك» يجمع (مالكا) أي ملك ذلك اليوم بما فيه، ومالك إنما يكون للشيء وحده.
ولا يكتفي بهذا، بل ينقل حكاية عن عاصم الجحدري، وبعد ذلك ينقل رواية
__________
(1) مقدمة ابن خالويه- 62.
(2) انظر: مقدمة المحتسب لابن جنى- طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
(3) مقدمة المحتسب المرجع السابق.
(1/46)
************
لثعلب يحتج فيها لقراءة الكسائي «ملك الناس» ويستطرد إلى قول أبي عبيد في تفسير معنى ملك يوم الدين ويبين أن المالك والملك يجمعهما معنى واحد ويرجعان إلى أصل وهو الربط والشدة، ويستدل على ذلك بالشعر العربي، ويستطرد مرة أخرى إلى تفسير معنى الاملاك، وهو ربط الرجل بالمرأة، ويعود من حيث بدأ إلى قراءة «ملك»، وقراءة «مالك» وسرعان ما يترك توجيه القراءة إلى موضوع آخر ليس منها فيقول: قال أبو الحسن الأخفش يقال: ملك بين الملك: الميم مضمومة، وتقول: مالك بين الملك والملك بفتح الميم وكسرها.
ولا يكتفي بهذا بل ينقل عن أبي عثمان فيقول: وقال أبو عثمان: شهدنا أملاك فلان وملكه، ولا يقال: ملاكه، وينتقل إلى الحديث عن إملاك المرأة وهو العقد عليها، وقد ذكره فيما قبل، ثم عاد إليه.
ومن غير وحدة أو ترابط يرجع بعد ذلك إلى قراءة «ملك» أو «مالك» فإذا فرغ من هذا اتجه إلى الحديث عن إضافة مالك إلى يوم الدين والإضافة باب من أبواب النحو، أخذ أبو علي يشقق الحديث عنها إلى منتصف ص 36، أي أن الحديث عن مالك يوم الدين تناول 36 صفحة من القطع الكبير. فهل هذا إيجاز أو اختصار؟
انظر إلى ما كتبه ابن خالويه في مالك يوم الدين قال ما نصه: «يقرأ بإثبات الألف وطرحها، فالحجة لمن أثبتها أن الملك داخل تحت المالك، والدليل له قوله تعالى: قل اللهم مالك الملك «1». والحجة لمن طرحها أن الملك أخص من المالك وأمدح، لأنه قد يكون المالك غير ملك، ولا يكون الملك إلا مالكا. «2»
وقد بلغت صفحات حجة ابن خالويه بعد طبعه 318 صفحة من القطع الكبير خلاف المقدمة والفهارس مع أنه تناول توجيه القراءات السبع في القرآن الكريم كله مبتدئا بفاتحة الكتاب، ومنتهيا بسورة الناس.
(6) ومن أدلتي في أن كتاب الحجة تصح نسبته إلى ابن خالويه: أن الاعلام الذين سجلهم ابن خالويه في كتابه كانوا أسبق منه زمنا مما يدل على أن الكتاب لم يؤلف بعد عصر ابن خالويه، ولكن هذا الدليل من الأدلة الواهية في نظر الناقد الفاضل حيث يقول:
«هذا من الاستدلالات الواهية، ومتى كان النقل عن أعلام سابقين في الزمان دليلا على تثبيت نسبة الكتاب لشخص معين».
__________
(1) آل عمران- 26.
(2) الحجة لابن خالويه- 62.
(1/47)
************
أحب أن أذكر الأستاذ الناقد بما ذكره أستاذنا المحقق عبد السلام هارون حيث قال ما نصه في كتابه المبتكر «تحقيق النصوص ونشرها»: «وتعد الاعتبارات التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح نسبة الكتاب أو تزييفها، فالكتاب الذي تحشد فيه أخبار تاريخية تالية لعصر مؤلفه الذي نسب إليه جدير بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف. ومن أمثلة ذلك كتاب نسب إلى الجاحظ وعنوانه «كتاب تنبيه الملوك والمكايد» ومنه صورة مودعة بدار الكتب المصرية برقم 2345 (أدب) وهذا الكتاب زيف لا ريب في ذلك، فإنك تجد من أبوابه باب «نكت من مكايد كافور الإخشيدي» و «مكيدة توزون بالمتقي لله»، وكافور الإخشيدي كان يحيا بين سنتي 292، 357، والمتقي لله كان يحيا بين سنتي 297 و 357، فهذا كله تاريخ بعد وفاة الجاحظ بعشرات من السنين «1» ومن الأمثلة على ذلك أيضا ما ذكرته في كتابي «القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية» أن كتاب إعراب القرآن للزجاج المخطوط بدار الكتب المصرية رقم 528 تفسير ليس للزجاج بأدلة ذكرتها، منها: ورود عبارة في هذا الكتاب وقفت عندها طويلا وهي قوله في باب التقديم والتأخير: «وقد تصالح الأستاذ والغلام على أن الظرف يعمل فيه الوهم ورائحة الفعل». وذهبت أبحث من الأستاذ؟ ومن الغلام؟ لأنه إذا تم التعرف عليهما أو على أحد منهما، وتبين أنهما عاشا في عصر متأخر عن عصر الزجاج أمكن أن يكون ذلك دليلا يؤكد أن كتاب إعراب القرآن هذا ليس للزجاج.
أقول: بعد بحث طويل وجدت في تاريخ الأدب العربي «لبروكلمان» ما نصه:
«وكان أوفى تلاميذ ثعلب له، وأقربهم إليه أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد المطرز الوراق البارودي، ومن ثم سمي غلام ثعلب، وتوفي غلام ثعلب ببغداد سنة 345 هـ» «2» على أن الزجاج المنسوب إليه هذا الكتاب توفي عام 311 هـ «3» ولعل في هذا القدر الكافي لإقناع الأخ الناقد.
(7) وأما الدليل السابع من أدلة النقد، فإنه ينصب على قولي: «ومن الأدلة تقارب بعض النصوص في مؤلفات ابن خالويه الأخرى مع بعض نصوص الحجة، وقلت: إنني لا أبالغ في أن هناك نصوصا بأساليبها وكلماتها في هذه المؤلفات هي بعينها في كتاب الحجة».
__________
(1) تحقيق النصوص ونشرها- 43 طبعة ثانية (الحلبي).
(2) تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2 - 218، والقرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية- 275.
(3) البقية 1 - 413.
(1/48)
************
ولكن الناقد لم يقتنع بهذا أيضا فيقول: «إن هذه المشابهة أو المقارنة بين النصوص لا تفيد شيئا في الواقع، ومجرد إلقاء الباحث نظرة في كتاب الحجة لأبي علي الفارسي المعترف به من الجميع مع مراجعة ما قاله النحويون، والقراء والمفسرون والمعاصرون، للفارسي ولابن خالويه يجد أن جميع تلك النصوص متشابهة ومتقاربة في المعنى حتى وفي اللفظ في بعض الأحيان، ومع ذلك التشابه، والتقارب لا يمكن أن نستدل بذلك على إثبات نسبة كتاب معين لشخص معين بمجرد التشابه والتقارب».
أقول:
كنت أود من الزميل الفاضل أن يذكر لي، ولو نصا واحدا من هذا التشابه والتقارب المعنوي أو اللفظي كما ذكر.
يا سيدي ... لقد علمتنا كتب التراث أمانة النقل فإذا رجع مفسر من المفسرين أو النحويين أو القراء إلى حجة أبي علي مثلا، فإنه لا ينقل نصوصا متقاربة المعنى أو متشابهة اللفظ إلا بعد أن يذكر قوله: (وقال الفارسي في الحجة) أما أن يعتدي على المعاني، ويكسوها ألفاظا من عنده فهذه سرقة لا تليق بعالم يعتد بقوله. ومن وقع فيها شهر به، وسخر منه، والروايات على ذلك عديدة. والمعاني يا سيدي ليست مطروحة على الطريق، وإنما هي نتيجة كد الذهن، وإعمال الفكر، وبذل الطاقة، والاطلاع الواسع والإلهام المبدع. كيف تتقارب المعاني، ولكل مفسر منهجه وطريقته ولكل كتاب من كتب القراءات في الاحتجاج وغيره أسلوبها الخاص، وطريقتها الخاصة؟ نعم إن النقول قد تعددت في كتب التراث، ولكنها نقول لها مصادر معروفة، وأشخاص معروفون صدرت عنهم، ونقلت منهم، ولا يصح التصرف فيها بالتغيير أو التبديل. وما عدا ذلك ففردية في الطريقة، وفي المنهج وفي الأسلوب، وإلا كان تكرارا أو سطوا وكلاهما لا يليق بأولي العلم والمعرفة، هذا في مجال المعاني فما بالك في مجال تشابه اللفظ. أظن أن توافق الخواطر قد يحدث في جملة أو كلمة أما أن يحدث في نص تتعدد سطوره فذلك أمر لا يقبله المنطق. وقد ذكرت يا سيدي تشابه أسلوب ابن خالويه في كتاب الحجة بأساليبه في كتبه الأخرى، لأن المؤلف واحد، والعقل واحد، والأسلوب واحد، وطريقة التفكير واحدة. وقد بينت أن في الحجة من كتاب «إعراب ثلاثين سورة» نصوصا بألفاظها ومعانيها، وأن في الحجة من كتاب «الريح» نصوصا بألفاظها ومعانيها، وقد سجلت ذلك في بحثي المنشور في مجلة اللسان العربي» نفس العدد الذي ذكر فيه نقد الأستاذ الفاضل. ألا يكفي هذا دليلا واضحا على أن الحجة لابن خالويه لا لغيره.
(1/49)
************
(8) والناقد الفاضل لم يعترف بقدم النسخ، «لأن الناسخ مجهول أمره، ولأن الخط ليس من الخطوط المتداولة في القرن الخامس الهجري، يعرف هذا بالبداهة من له خبرة بالخطوط، وتطوراتها، والمقابلة المذكورة لا تفيد أي شيء، ولأن كاتبها مجهول».
أقول:
إن هذا الدليل لا نسلم للسيد الفاضل بصحته، لأن كثيرا من الكتب المخطوطة لم تظفر بذكر اسم ناسخها، وجهل الناسخ لا يقلل من قيمتها، لأن الدراسة التي تقوم حولها، وتحليل مناهجها وطريقة تأليفها، والتمرس بأسلوب مؤلفها، والخبرة بالعصر الذي نسخت فيه كل ذلك يزيل الغموض عنها، كما فعلت ذلك في دراستي لكتاب الحجة.
على أن كتاب الحجة للفارسي لم تظفر النسخة الأصل التي اعتمد عليها المحققون باسم الناسخ، فهل جهل الناسخ ينفي أن كتاب الحجة للفارسي. أليس من التناقض أن أثبت أن كتاب الحجة منسوب للفارسي مع جهل الناسخ، وأنفي نسبة كتاب الحجة لابن خالويه لأن الناسخ مجهول؟
أما جهل ناسخ الحجة للفارسي فإليك الدليل:
قال المحققون: «اعتمدنا في تحقيق كتاب الحجة على نسختين، كتبت أولاهما سنة 390 هـ بخط النسخ الواضح، وضبطت كلماتها بالشكل ضبطا كاملا وهي في مكتبة بلدية الاسكندرية برقم 3570 ع، وفي دار الكتب المصرية صورة منها برقم 462 قراءات.
وفي خزانة مجمع اللغة العربية مصورة منها كذلك، وقد جعل المحققون هذه النسخة هي الأصل لأنها الأقدم في النسخ، ولم يشيروا إلى اسم الناسخ لأنه غير موجود».
من هذا، يتبين أن ظاهرة كتابة اسم الناسخ قد تتخلف في كثير من الكتب المخطوطة وليس الجهل بالناسخ ينقص من قدر المخطوط، ويقلل من قيمته، وإلا لما اعترفنا بكتاب الحجة للفارسي، وهو لا يتطرق إليه الشك.
مع أن هذه النسخة كما يقول المحققون كتبت بخطوط مختلفة فقد ذكروا ما نصه:
«ويلاحظ أن خط الصفحتين الأولى والثانية مخالف لخط سائر الصفحات في كل من الجزء الأول، والثاني، والسابع، وخط الصفحات الأولى والثانية والأخيرة مخالف
لخط سائر صفحات الجزء الثالث، وخط الصفحتين الأوليين والصفحتين الأخيرتين مخالف لخط سائر صفحات الجزء الرابع، وخط الصفحة الأخيرة مخالف لخط سائر
(1/50)
************
صفحات الجزء السادس» «1».
وكتاب الحجة لابن خالويه كتب بخط واحد، لم يتخلف في صفحة واحدة من صفحات هذا الكتاب.
وأحب أن أطمئن الأخ الفاضل إلى أن هذا الخط الذي كتبت به نسخة الحجة من الخطوط المتداولة في القرن الخامس، وقد رجعت إلى أستاذنا المحقق عبد السلام هارون، وعرضت عليه صفحات مصورة من هذه النسخة، فأقر بما لا يدع مجالا للشك أنها من خطوط القرن الخامس الهجري. وكذلك أقر هذا الزميل المحقق الأستاذ عبد الستار فراج رئيس قسم التراث بوزارة الثقافة بالكويت.
ومما يجدر ذكره أن الأستاذ الدكتور شوقي ضيف رغب في أن يقوم طالب من طلاب الدراسات العليا لتحقيق نسخة الحجة لابن خالويه للحصول على الدكتوراة تحت إشرافه وفعلا بدأ الطالب يستعد لتسجيل هذا الموضوع في كلية الآداب- جامعة القاهرة، ولما علم الدكتور الفاضل أني قمت بتحقيقه، وفرغت منه، عدل عنه، اكتفاء بتحقيقي.
ولا أنسى أن أذكر للناقد أن خبراء الخطوط بدار الكتب المصرية عرضوا هذا الكتاب في معرض الخطوط العربية القديمة على أنه واحد من الكتب التي تبين معالم الخطوط في القرن الخامس الهجري.
ولعلي بهذا أكون قد بينت للناقد الفاضل وجهة نظري في أدلته مؤيدة بالدليل بعيدة عن هوى النفس، أو عن داء التعصب للرأي.
بقيت ملاحظات أخرى عامة، أحب أن أوجه نظر الناقد الفاضل إليها:
(1) تناقض الناقد مع نفسه: فعنوان تعقيبه حمل العبارة التالية:
(نسبة الحجة إلى ابن خالويه لا تصح) ثم ذكر بعد ذلك في السطور الأخيرة من تعقيبه أنه (لا يمكن أن ننفيه عنه نفيا قاطعا).
ومن حقي أن أسأل الناقد: هل يجوز في مجال البحث العلمي أن تنفي ثم تنفي هذا النفي ولو بدرجة ما؟ لأن نفي النفي إثبات، كان الأجدر أن يكون عنوان نقدك: «نسبة الحجة إلى ابن خالويه فيها نظر» أو ليست مؤكدة، أو يتطرق إليها الشك، أما أن تنفي
__________
(1) مقدمة الحجة للمحققين- 33.
(1/51)
************
هذه النسبة بلا النافية، ثم تعود بعد ذلك لتنفي ما نفيت، هذا أمر لا يتلاءم مع منهج البحث.
(2) أثبت الناقد في السطور الأخيرة من نقده: «أن الذي تميل إليه النفس هو أن كتاب الحجة هذا هو أحد المختصرات التي اختصر بها كتاب الحجة الأصلي لأبي علي الفارسي لعالم مجهول».
أقول:
إن الناقد الفاضل نقد نفسه بهذا القول، ألم يقل بعد ذلك بسطور «والذي يجعلنا نميل إلى نفي هذه النسبة هو أن جميع المصادر التي ترجمت لابن خالويه لم تذكر في قائمة كتبه تأليفه الحجة، ولم يعرج أصحاب المعاجم والفهارس وطبقات القراء عليه» هذا القول ذاته موجه إليك يا سيدي، فإذا كان حجة ابن خالويه مختصرا لحجة الفارسي فلم لم تشر إليه المعاجم والفهارس وطبقات القراء مع شدة اعتناء العلماء بحجة الفارسي، فقد ذكروا أن مكي ابن أبي طالب المتوفي 437 هـ اختصره في كتاب سماه: منتخب الحجة في القراءات، واختصره أيضا أبو طاهر اسماعيل بن خلف الأندلسي المتوفي 455 هـ، ومحمد بن شريح الرعيني المتوفي 476 هـ. «1»
ولم يشر أحد إلى أن عالما مجهولا لخص حجه الفارسي، وبذلك يكون الناقد وقع فيما نقد به غيره.
والحقيقة أن حجة ابن خالويه تبعد كل البعد أن تكون تلخيصا أو اختصارا لحجة الفارسي، وذلك لأمرين:
أ- إن مقدمة حجة ابن خالويه تختلف في منهجها عن مقدمة الحجة للفارسي، فابن خالويه يقول في مقدمته: «وبعد، فإني قد تدبرت قراءة الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة المعروفين بصحة النقل، واتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية واللفظ، فرأيت كلا منهم قد ذهب في إعراب ما انفرد به من حرفه مذهبا من مذاهب العربية لا يدفع. وقصد من القياس وجها لا يمنع فوافق باللفظ والحكاية طريق النقل والرواية، إلى أن يقول: وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في
__________
(1) البقية: 297 - 195، وكشف الظنون 2 - 244.
(1/52)
************
معاني اختلافهم، وتارك ذكر اجتماعهم وائتلافهم إلى أن يقول: وقاصد قصد الإبانة في اقتصار من غير إطالة ولا إكثار، إلى أن يقول: جامعا ذلك بلفظ بين جزل، ومقال واضح سهل ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده» «1».
والفارسي يقول في مقدمته: «فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المترجم بمعرفة قراءات أهل الأمصار والحجاز، والعراق، والشام بعد أن نقدم ذكر كل حرف من ذلك على حسب ما رواه، وأخذناه عنه، وقد كان أبو بكر محمد بن السري شرع في
تفسير صدر من ذلك في كتاب كان ابتدأ باملائه، وارتفع منه تبييض ما في سورة البقرة من وجوه الاختلاف عنهم، وأنا أسند إليه ما فسر من ذلك في كتابي هذا، وإلى الله أرغب في تيسير ما قصدته» «2». وبمقارنة المقدمتين نتبين في وضوح وجلاء أن المنهجين مختلفان، ولا يليق بعالم مختصر أن يتطاول هذا التطاول، ويكتب هذه المقدمة بهذا المنهج الذي رسمه، وكتابه تلخيص لكتاب معروف، وما الدافع إلى عدم الإشارة إلى هذا التلخيص.
ب- ولو كانت حجة ابن خالويه تلخيصا لحجة الفارسي لرأينا تشابها في اللفظ وتقاربا في المعنى، واتحادا في الفكرة مع أن الكتابين مختلفان لفظا ومعنى، وفكرة ومنهجا، وإن اتحد موضوعهما، (3) أود أن أقول لأخي الفاضل إن كتب المعاجم والفهارس لا يعتمد عليها كل الاعتماد، لأن بعضا منها نسب كتبا إلى غير أصحابها، وفهارس المخطوطات في دور الكتب العربية تحتاج إلى نظر، لتفهرس من جديد، فكثير من المخطوطات قالوا عنها: إنها مجهولة النسبة، وكثير من المخطوطات نسبت إلى غير أصحابها، ولا أدل على ذلك من هذا التصحيح الذي قمت به لبعض المخطوطات: وهذه أمثلة منها:
1) إعراب القرآن المؤلف مجهول ..
جاء في فهارس المخطوطات لمصورة لمعهد إحياء المخطوطات العربية بالجامعة العربية ما نصه: «إعراب القرآن لمؤلف مجهول. الجزء الثاني من نسخة كتبت في القرن التاسع، يبتدئ من أول سورة الأنعام، وينتهي بآخر سورة الاسراء. «3»
__________
(1) الحجة 61 - 62.
(2) مقدمة حجة الفارسي- 4.
(3). 1 - 20.
(1/53)
************
وبعد بحث طويل استطعت أن أثبت أن هذا الجزء ليس لمؤلف مجهول، وإنما هو لمؤلف معلوم، وهو السمين الحلبي، حيث قارنت نصوصه بنصوص النسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية رقم 321 - تفسير- فوجدت النصوص متحدة متماثلة. نفس النصوص ونفس الأسلوب، ونفس الألفاظ «1».
2) معاني للقرآن للزجاج ..
تضم دار الكتب المصرية نسختين مخطوطتين من هذا الكتاب.
- نسخة رقم 111 - تفسير، وقد وثقتها برجوعي إلى كتاب «الإغفال» لأبي علي الفارسي لأنه ضم كثيرا من نصوص معاني القرآن للزجاج ثم علق عليها مصلحا ما أخطأ فيه الزجاج، فرأيت أن نسبة هذه النسخة إلى الزجاج صحيحة، لأن النصوص التي أوردها الفارسي في الاغفال هي نفس النصوص التي أوردها الزجاج في المعاني.
- نسخة رقم 636 - تفسير، وبعد تمحيص استطعت أن أثبت هذه النسخة ليست للزجاج، والزجاج منها بريء «2».
3) إعراب القرآن للزجاج رقم 528 - تفسير- دار الكتب المصرية ليست للزجاج كما بينت سابقا في هذا البحث.
4) البرهان في علوم القرآن للحوفي: نسخة رقم 20503 بدار الكتب المصرية. وقد صورت منها النسخة رقم 20784 ب والنسخة رقم 20785 ب.
ومع مجهود التصوير المكرر لهذه النسخة، فإنها ليست للحوفي، بل هي نسخة من إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس. «3»
وبتوفيق الله لم يسبقني أحد إلى هذه التصحيحات أو التحقيقات، ولا فخر في ذلك، فإن ما يبذل حول الدراسات القرآنية قليل بالنسبة لما يجب أن يكون. وقد ألقت هذه التحقيقات على هذه المخطوطات ضوءا كاشفا يحملنا على أن نعيد النظر في هذه المخطوطات لتقويمها من جديد حتى لا تختلط القيم، وتضطرب الأمور.
__________
(1) - القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: عبد العال سالم مكرم- 253.
(2) انظر الأدلة في ذلك المرجع السابق- 252.
(3) انظر الأدلة في ذلك المرجع السابق- 284.
(1/54)
************
وبعد فإني أقدم شكري العميق للأخ الفاضل الأستاذ العابد، على هذا النقد البريء الذي تفضل به مشكورا.
أشكره لأنه أتاح لي فرصة طيبة لبيان وجهة نظري في نسبة كتاب الحجة إلى صاحبه وأشكره لأنه أثار القراء نحو هذا الكتاب ليطلعوا على ما فيه بأنفسهم، والقارئ شريك الناقد والباحث في أن يكون له رأي والفكر ليس وقفا على أحد.
ومن حسن الحظ فإن الكتاب قد تم طبعه في دار الشروق ببيروت، وقد رأى النور بنشره، وأسعده الحظ في أن يبعث من جديد بعد إحدى وعشرين وألف سنة ...
والله أسأل أن يجنبنا الخطأ، وأن يهدينا سواء السبيل.
ومن حسن الحظ بعد نشر هذه المقدمة رأيت في مقدمة الزبيري لكتابه: «تاج العروس» أن من المراجع التي اعتمد عليها في كتابه: كتاب الحجة في القراءات السبع لابن خالويه.
وبذلك قطعت جهيزة قول كل خطيب.
عبد العال سالم مكرم- الكويت
__________
نشرت في مجلة اللسان العربي، المجلد التاسع الجزء الأول للدكتور عبد العال سالم مكرم ص 315.
(1/55)
************
صورة لغلاف كتاب الحجة
(1/56)
************