سال بعدالفهرستسال قبل

علي بن حمزة الكسائي(000 - 189 هـ = 000 - 805 م)

علي بن حمزة الكسائي(000 - 189 هـ = 000 - 805 م)



السبعة في القراءات (ص: 78)
علي بن حمزة الكسائي
وكان علي بن حمزة الكسائي قد قرأ على حمزة ونظر في وجوه القراءات وكانت العربية علمه وصناعته واختار من قراءة حمزة وقراءة غيره قراءة متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة
وكان إمام الناس في القراءة في عصره وكان يأخذ الناس عنه ألفاظه بقراءته عليهم
حدثني أحمد بن القاسم البرني قال حدثنا إسحق بن إبراهيم قال سمعت الكسائي وهو يقرأ على الناس القرآن مرتين
وقال خلف كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يقرأ على الناس وينقطون مصاحفهم بقراءته عليهم ولم يقم بالكوفة كان يتنقل في البلاد وتوفي برنبويه قرية من قرى الري سنة تسع وثمانين ومائة



الأعلام للزركلي (4/ 283)
الكِسَائِي
(000 - 189 هـ = 000 - 805 م)
علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن الكسائي: إمام في اللغة والنحو والقراءة. من أهل الكوفة. ولد في إحدى قراها. وتعلم بها. وقرأ النحو بعد الكبر، وتنقل في البادية، وسكن بغداد، وتوفي بالريّ، عن سبعين عاما. وهو مؤدب الرشيد العباسي وابنه الأمين.
قال الجاحظ: كان أثيرا عند الخليفة، حتى أخرجه من طبقة المؤدبين إلى طبقة الجلساء والمؤانسين. أصله من أولاد الفرس. وأخباره مع علماء الأدب في عصره كثيرة. له تصانيف، منها " معاني القرآن " و " المصادر " و " الحروف " و " القراآت " و " نوادر " ومختصر في " النحو " و " المتشابه في القرآن خ " رسالة في شستربتي (3165) و " ما يلحن فيه العوامّ - ط " صغير في 16 صفحة نشر في المجلة الأشورية ببرلين (1) .



تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (9/ 176)
حدثنا محمد بن يحيى الكيساني قال: حدثنا هشام البربري قال: حدثنا علي بن حمزة الكسائي قال: حدثنا موسى بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لكل شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن جل ذكره» [163] «1» .
__________
(1) كنز العمال: 1/ 582 ج 2638.



شعب الإيمان (4/ 116)
أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)
2265 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا علي بن الحسين بن جعفر الحافظ، [ص:117] ببغداد، حدثنا أحمد بن الحسن دبيس المقرئ، حدثنا محمد بن يحيى الكسائي المقرئ، حدثنا هشام البربري، حدثنا علي بن حمزة الكسائي، حدثنا موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لكل شيء عروس، وعروس القرآن الرحمن "




كتاب الصلاة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌1، ص: 368
و كيف يحتمل أن يكون مثل الإمالة الكبرى التي يقرأ بها الكسائيّ و حمزة- اللذين تلمّذ أوّلهما على أبان بن تغلب المشهور في الفقه و الحديث، الذي قال له الإمام عليه السلام: «اجلس في مسجد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و أفت الناس» «1»، و على ثانيهما، الذي قرأ على الإمام أبي عبد اللّٰه جعفر بن محمد عليهما السلام، و على حمران بن أعين الجليل في الرواة، القارئ على أبي الأسود الدؤلي، القارئ على مولانا أمير المؤمنين عليه السلام «2»- مع اشتهارهما بذلك و عدم هجر قراءتهما وجوبا لذلك، أن يكون لحنا في العربيّة و مبطلا للصلاة؟! فما يظهر من بعض المعاصرين «3» من التأمّل في بعض القراءات المشتملة على الحذف و الإبدال، ليس على ما ينبغي، قال في المنتهى: و أحب القراءات إليّ ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عيّاش، و طريق أبي عمرو بن العلاء، فإنّها أولى من قراءة حمزة و الكسائي لما فيهما من الإدغام و الإمالة و زيادة المدّ، و ذلك كلّه تكلّف، و لو قرأ به صحّت بلا خلاف «4».



أعيان‏الشيعة، ج‏1، ص: 132
و قرأ على أبيه و قرأ على أبيه و قرأ على أبيه و قرأ على أمير المؤمنين علي ع (اه) (156).
و محمد بن فضيل بن غزوان الضبي من أصحاب الصادق (ع) و من مشايخ الامام أحمد بن حنبل نص على تشيعه السمعاني في الأنساب و الذهبي و ابن قتيبة في المعارف و ابن حجر في تهذيب التهذيب و قال إنه قرأ القراءات على حمزة الزيات (195). «1»
و الكسائي النحوي علي بن حمزة أحد القراء السبعة المشهورين قال ابن النديم من القراء السبعة من أهل الكوفة و منشؤه بها قرأ على عبد الرحمن بن أبي ليلى و كان ابن أبي ليلى يقرأ بحرف علي (ع) و كان الكسائي من قراء مدينة السلام و كان أولا يقرئ الناس بقراءة حمزة ثم اختار لنفسه قراءة فاقرأ بها الناس (اه) ثم ذكر من روى عن الكسائي و أسماء الكتب التي ألفها العلماء في قراءته و ذكر في موضع آخر أن له كتاب القراءات (أقول) سمعنا تشيعه من المشايخ و لم يصل إلينا من ذكره من المؤلفين. و في كتاب الشيعة و فنون الإسلام: ذكرت في الأصل من نص على تشيعه (اه) «2» (197).




أعيان‏الشيعة، ج‏8، ص: 233
أبو الحسن و يكنى أبا عبد الله علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فزار الكسائي‏
توفي سنة 189 بالري.
أحد القراء السبعة قرأ في القرآن على حمزة و قرأ حمزة على أبي عبد الله و قرأ على أبيه و قرأ على أمير المؤمنين (ع) على ما عن رياض العلماء في باب الألقاب و قرأ الكسائي على ابان بن تغلب و هو من الشيعة و التشيع مذهب أكثر أهل الكوفة في ذلك العصر. و أكثر الشيخ حسن بن علي الطبرسي في كتاب اسرار الامامة من النقل عن كتاب قصص الأنبياء للكسائي هكذا استدل بعض المعاصرين على تشيعه و الله اعلم.
و هو كوفي نزل بغداد و أدب محمد بن الرشيد. و هو امام أهل الكوفة في النحو و القراءة و أستاذ الفراء و خلف الأحمر. و الكسائي قليل الشعر و له أبيات يصف فيها النحو و يحث على تعلمه مشهورة أولها:
انما النحو قياس يتبع و به كل امر ينتفع‏
فإذا ما أبصر النحو الفتى مر في المنطق مرا فاتسع‏
و إذا لم يعرف النحو الفتى هاب ان ينطق حسنا فانقمع‏
يقرأ القرآن ما يعلم ما صرف الاعراب فيه و صنع‏
فتراه يخفض الرفع و ما كان نصب و من خفض رفع‏

مات هو و محمد بن الحسن الفقيه مع الرشيد بناحية الري في خرجته الأولى إلى خراسان. و كتب الكسائي إلى الرشيد و هو يؤدب محمد بأبيات أولها:
ما ذا تقول أمير المؤمنين لمن امسى إليك بحرمة يدلي‏

و استماحه فيها فأمر له بعشرة آلاف درهم و جارية حسناء و خادم و برذون بسرجه و لجامه. «1»
و يحتل الكسائي منزلة سامية بين علماء عصره، فهو شيخ أئمة الكوفة في النحو، و أحد القراء السبعة المشهورين في الأمصار، و من أوائل من اسهموا في وضع قواعد اللغة العربية و إرساء دعائمها.

أعيان‏الشيعة، ج‏8، ص: 234
و من المعروف انه نشا بالكوفة، و نال مركز الصدارة بين علمائها، ثم رحل إلى بغداد حيث استفاضت شهرته فيها، و عرف له الخليفة المهدي هذه المكانة فاسند اليه مهمة تثقيف ولده الرشيد، و لما تولى الرشيد الخلافة عهد اليه بمهمة تأديب ولديه: الأمين و المأمون، فقام الكسائي بأداء المهمة على خير وجه، إذ رفعه الرشيد بعدها من طبقة المعلمين و المؤدبين إلى طبقة الجلساء و المؤنسين.
و من العجيب ان الرجل الذي وصل إلى هذه المنزلة، قضى شبابه كله و صدرا من كهولته، و هو أبعد الناس عن العلم، و لو ان عرافا أسر اليه بأنه سيصبح من أئمته في المستقبل لظنه يسخر منه أو يهزأ به، و لكن الذي حدث ان الكسائي، و كان يذهب كثيرا لمجالسة صديق له من العلماء، ذهب ذات مرة إلى صديقه هذا، و هو في حال شديدة من التعب و الارهاق، فلما ساله الرجل عن حاله، قال الكسائي: لقد عييت، فأظهر الرجل اشمئزازه و سخطه من هذه الكلمة و قال له: أ تجالسني و أنت تلحن؟
فقال الكسائي كيف لحنت؟ فقال له: ان كنت أردت من انقطاع الحيلة و التحير في الأمر، فقل: عييت مخففا، و ان كنت أردت من التعب، فقل: أعييت.
فانف الكسائي من هذه الكلمة، ثم قام من فوره ذلك، فسال:
من يعلم النحو؟ فأرشدوه إلى معاذ بن مسلم الهراء، فلزمه حتى انفد ما عنده.
ثم لم يكتف الكسائي بما اخذه عن استاذه من علم كان كفيلا على التحقيق الا يجعله يقع فيما استنكفه من نفسه من لحن. يبدو ان نفسه قد تفتحت للعلم، و طمح بأمله إلى بلوغ مرتبة أعلى من مرتبة الذين أخذ بعضهم عليه زلة الوقوع في اللحن، فرحل إلى البصرة حيث جلس في حلقة الخليل بن احمد، و قد أدهشه ما يتمتع به الخليل من وفرة العلم و اتساع المعرفة، فسأله في لحظة من لحظات إعجابه به مأخوذا: من اين أخذت علمك هذا؟ فأجاب الخليل: من بوادي الحجاز و نجد و تهامة، و سرعان ما كان الكسائي يشد رحاله إلى تلك البوادي، يسمع عن اعرابها من غريب اللغة و نوادرها ما انفذ في كتابته خمس عشرة قنينة حبر، سوى ما حفظ، و رجع بعد ذلك إلى الكوفة، و قد وعى من العلم الشي‏ء الكثير.
ثم رحل الكسائي إلى بغداد تسبقه شهرته كعالم فذ من علماء اللغة، و كان عليه لكي يقرر هذه الحقيقة و يزيدها تأكيدا ان يخوص كثيرا من المناظرات اللغوية التي كان يخرج منها كلها غالبا منتصرا.
و لعل أشهر مناظرة خاضها الكسائي في بغداد، هي تلك المناظرة المعروفة، التي جرت بينه و بين سيبويه امام النحاة البصريين، على مشهد من العلماء في محفل البرامكة، و هي تتلخص في ذلك السؤال الذي وجهه الكسائي إلى سيبويه قائلا: كيف تقول: كنت أظن ان العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: أقول: فإذا هو هي، و لا يجوز النصب، فقال له أخطأت، العرب ترفع ذلك و تنصبه.
و حينئذ أصر سيبويه على رأيه، و صمم الكسائي على ورود الوجهين.
و كان ان استدعى يحيى بن خالد البرمكي الاعراب الواقفين على بابه لتحكيمهم في الأمر، فشهدوا ان القول ما قاله الكسائي. هذه هي خلاصة المناظرة الشهيرة التي كان من نتيجتها ان ترك سيبويه بغداد، و رحل إلى قريته" البيضاء" في فارس، ثم لم يلبث بعد ذلك ان مات و هو في ريعان رجولته حزينا آسفا.
لا شك ان ما مني به الرجل من فشل، ثم انزواءه و موته، كان لهما أكبر الأثر في إعطاء هذه المناظرة أكثر مما تستحق من نقاش و جدل، فقد انبرى أنصار سيبويه لمهاجمة الكسائي و الحط من شانه، فاتهموه بالجهل، و قالوا ان هذه المناظرة لم تكن الا تمثيلية مرتبة احكم وضعها مع الاعراب الذين شهدوا معه و قبضوا ثمن شهادتهم قبل الادلاء بها، و ان الكسائي خشي على مكانته من خصمه ففعل ذلك و هو يعلم ان الحق ليس معه. إلى غير ذلك من التهم التي يطول بنا الأمر لو أوردناها، و اوردنا الردود عليها.
و الواقع ان الرجل كما يتضح من تاريخ حياته العلمية يبدو أكبر من ان يسلك هذا المسلك في سبيل النيل من خصمه، و قد أدلى في مناظرته معه بما كان يعتقده صوابا، و بما صح لديه من كلام العرب حتى قبل ان يعرف ان ثمة مناظرة ستجري بينهما في يوم من الأيام. و نظرة إلى مذهب مدرسة الكوفة في النحو توضح لنا الرأي الذي أدلى به الكسائي، فمن المعروف ان مذهبهم في اللغة يقوم على الفسحة و التوسع فيها، و لهذا فهم مثلا يعتبرون الشاذ و الضرورة من كلام العرب ليسا خطا- و ان كانا قليلين- و يجيزون القياس عليهما بناء على ذلك، على حين ان مدرسة البصرة التي يمثلها سيبويه تتشدد في ذلك و تأبى الاعتراف بغير المتواتر الكثير الورود من الكلام، و ما عداه خطا لا يجوز القياس عليه، و قد أدلى كلا الرجلين بما يؤمن به و ما صح عنده من غير حاجة إلى تواطؤ من الكسائي مع الاعراب لتقرير شي‏ء لم يرد في كلام العرب اختلافا و كذبا، و كيف هو الذي شهد له معاصروه بالصدق و العلم. يقول ابن الاعرابي: ما جربت على الكسائي في كذبه قط.
بعد المناظرة التي جرت بين الكسائي و سيبويه، يمكننا ان نقول: ان سيبويه كان و لا شك آخر الشخصيات العظيمة التي ناظرها الكسائي، فقد كان انبغ من انجبتهم البصرة من رجالها بعد الخليل، و حسبه مكانة انه صاحب" الكتاب" الذي لم يؤلف في العربية أتم و لا أكمل منه حتى الآن.
و قد عاش الكسائي بعد ذلك علما شامخا معترفا بنبوغه و وفرة علمه من علماء عصره جميعا. و يتضح ذلك بجلاء من قصة مناظرة، لعلها اخر مناظرة جرت بينه و بين أحد من العلماء و هو الفراء.
يقول الفراء: مدحني رجل من النحويين فقال في: ما اختلافك إلى الكسائي و أنت مثله في النحو؟ فاعجبتني نفسي فأتيته فناظرته مناظرة الاكفاء، فكاني كنت طائرا يغرف من البحر بمنقاره.




فهرس‏ التراث، ج‏1، ص: 192
علي بن حمزة الكسائي (- 189 ح) «1»
أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فرار الأسدي الكوفي.
قال السيد حسن الصدر: «من القراء السبعة المشهورة، نص على تشيّعه في رياض العلماء في الألقاب، قرأ على شيوخ الشيعة كحمزة و أبان بن تغلب و أخذ النحو عن أبي جعفر الرواسبي و معاذ الهراء، و الكل من أئمة علماء الشيعة ... قرأ الكسائي القرآن على حمزة، و قرأ حمزة على أبي عبد الله و قرأ على أبيه و قرأ على أمير المؤمنين، كذا وجد بخط الشهيد بن مكي».
من آثاره:
رسالة ما تلحن فيه العوام‏
طبع بتحقيق عبد العزيز الميمني الراجكوتي، في القاهرة سنة 1344 و 1387 ه.



السبعة في القراءات (ص: 78)
علي بن حمزة الكسائي
وكان علي بن حمزة الكسائي قد قرأ على حمزة ونظر في وجوه القراءات وكانت العربية علمه وصناعته واختار من قراءة حمزة وقراءة غيره قراءة متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة
وكان إمام الناس في القراءة في عصره وكان يأخذ الناس عنه ألفاظه بقراءته عليهم
حدثني أحمد بن القاسم البرني قال حدثنا إسحق بن إبراهيم قال سمعت الكسائي وهو يقرأ على الناس القرآن مرتين
وقال خلف كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يقرأ على الناس وينقطون مصاحفهم بقراءته عليهم ولم يقم بالكوفة كان يتنقل في البلاد وتوفي برنبويه قرية من قرى الري سنة تسع وثمانين ومائة
حدثنا محمد بن عبد الرحيم المقرىء قال حدثنا محمد بن عيسى المقرىء الأصبهاني قال حدثنا محمد بن سفيان قال قال الكسائي أدركت أشياخ أهل الكوفة القراء الفقهاء ابن أبي ليلى وأبان بن تغلب والحجاج بن أرطاة وعيسى بن عمر الهمذاني وحمزة الزيات
حدثنا ابن أبي الدنيا قال حدثنا محمد بن خالد المقرىء قال حدثنا عبد الله بن صالح العجلي عن الكسائي قال قال لي هارون أمير المؤمنين أقرىء محمدا قراءة حمزة فقلت هو أستاذي يا أمير المؤمنين




معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (ص: 72)
7- علي بن حمزة الكسائي3 الإمام أبو الحسن الأسدي، مولاهم الكوفي المقرئ النحوي.
أحد الأعلام، ولد في حدود سنة عشرين ومائة، وسمع من جعفر الصادق والأعمش. وزائدة، وسليمان بن أرقم وجماعة يسيرة، وقرأ القرآن وجوده على حمزة: الزيات وعيسى بن عمر الهمداني.
ونقل أبو عمرو الداني وغيره: أن الكسائي قرأ على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أيضا، واختار لنفسه قراءة، ورحل إلى البصرة فأخذ العربية عن الخليل بن أحمد.
قال محمد بن عيسى الأصبهاني: حدثنا محمد بن سفيان قال: قال الكسائي: أدركت أشياخ أهل الكوفة أبان بن تغلب وابن أبي ليلى، وحجاج بن أرطأة وعيسى بن عمر الهمداني وحمزة.
قلت: وأخذ الحروف أيضا عن أبي بكر بن عياش وغيره، وخرج إلى البوادي فغاب مدة طويلة، وكتب الكثير من اللغات والغريب عن الأعراب. بنجد وتهامة.
ثم قدم وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبر.
قال الصولي: هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز مولى بني أسد.
قلت: قرأ عليه أبو عمر الدوري، وأبو الحارث الليث، ونصير بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني.
وأحمد بن أبي سريج النهشلي، وأبو حمدون الطيب بن إسماعيل، وعيسى بن سليمان الشيرزي، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وأبو عبد القاسم بن سلام، ومحمد بن سفيان، وخلق سواهم.
وحدث عنه: يحيى الفراء، وخلف البزار، ومحمد بن المغيرة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن يزيد الرفاعي، ويعقوب الدورقي، وأحمد بن حنبل ومحمد بن سعدان، وعدد كثير، وإليه انتهت الإمامة في القراءة والعربية.
قال ابن مجاهد: كان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم، قال أبو عبيد، في كتاب القراءات: كان الكسائي يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا.
وكان من أهل القراءة، وهي كانت علمه وصناعته، ولم نجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه.
وقال أبو عمر الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت بعيني أصدق لهجة من الكسائي.
وقال إسحاق بن إبراهيم: سمعت الكسائي وهو يقرأ على الناس القرآن مرتين.
وقال خلف بن هشام: كنت أحضر بين يدي الكسائي، وهو يقرأ على الناس وينقطون مصاحفهم بقراءته عليهم.
قلت: لم يكن ظهر للناس الشكل بعد، إنما كانوا يعربون بالنقط، قال خلف: قرأ الكسائي على حمزة القرآن أربع مرات.
وقال أحمد بن رستم: حدثنا نصير بن يوسف، قال: قرأت على الكسائي، وأخبرني أنه قرأ القرآن على حمزة، وعلى جماعة في عصر حمزة، منهم ابن أبي ليلى، والهمداني وأبو بكر بن عياش.
وقال موسى بن عبد الرحيم: سألت الكسائي عن نسبته فقال: أحرمت في كساء.
قال الشافعي -رضي الله عنه: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.
وقال أبو بكر بن الأنباري: اجتمعت في الكسائي أمور، كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وكان أوحد الناس في القرآن، فكانوا يكثرون عليه، حتى لا يضبط الأخذ عليهم.
فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره, وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ.
قلت: وكان في الكسائي تيه وحشمة، لما نال من الرياسة بإقراء محمد الأمين ولد الرشيد، وتأديبه أيضا للرشيد.
فنال ما لم ينله أحد من الجاه والمال، والإكرام، وحصل له رياسة العلم والدنيا.
قال ثعلب: حدثنا خلف بن هشام، قال: عملت وليمة فدعوت الكسائي واليزيدي فقال اليزيدي، للكسائي: يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك ننكر مثلها.
فقال الكسائي: أومثلي يخاطب بهذا، وهل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقي هذا، ثم بصق فسكت اليزيدي.
وقال أبو طاهر بن أبي هاشم، قال محمد بن بشار: حدثني أبي عن بعض أصحابه قال: قيل لأبي عمر الدوري، كيف صحبتم الكسائي على الدعابة التي فيه؟ قال: لصدق لسانه.
وقال أحمد بن فرح: حدثنا الدوري سمعت الكسائي يقول: من علامة الأستاذية ترك الهمز في المحاريب.
أخبرنا أبو بكر العطار، أخبرنا عبد الوهاب بن رواج، أنا أبو طاهر السلفي الحافظ، أنا أبو طاهر بن سوار مؤلف المستنير حدثنا الحسن بن علي العطار حدثنا إبراهيم بن أحمد الطبري المقرئ حدثنا أحمد بن فرح حدثنا الدوري قال: قيل للكسائي لم لا تهمز الذيب؟ قال: أخاف أن يأكلني.
وقيل إنه قال هذه الأبيات: قل للخليفة لا يلوم؛ ولا يصح ذلك عنه.
وقال أبو العباس بن مسروق، حدثنا سلمة بن عاصم قال: قال الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط، أردت أن أقول: {لعلهم يرجعون} ، فقلت: لعلهم يرجعين، فوالله ما اجترأ هارون أن يقول أخطأت.
ولكنه لما سلم قال: أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، قال: أما هذه فنعم، أنبأني بها المؤمل بن محمد وغيره، عن الكندي عن أبي منصور الشيباني، عن أبي بكر الخطيب.
عن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، عن الخلدي، عن ابن مسروق وروى سلمة عن الفراء1 قال: قال لي الكسائي: ربما سبقني لساني باللحن، فلا يمكنني أن أرده أو كلاما نحو هذا.
وأنبأنا عن الكندي عن الشيباني عن الخطيب، قال: أنا أبو الحسن الحمامي، سمعت عمر بن محمد الإسكاف، سمعت عمي يقول: سمعت ابن الدورقي يقول: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد، فحضرت صلاة فقدموا الكسائي يصلي فأرتج عليه، قراءة {قل يا أيها الكافرون} ، فقال اليزيدي: قراءة {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون: 1] ترتج على قارئ الكوفة.
قال: فحضرت صلاة، فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في الحمد، فلما سلم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ... إن البلاء موكل بالمنطق
وروى الخطيب بإسناده عن خلف البزار قال: كان الكسائي يقرأ لنا على المنبر، فقرأ يوما ونحن تحته "أنا أكثر منك" فنصب أكثر فلما فرغ سألوه عن العلة.
فثرت في وجوههم أنه أراد في فتحه أقل: {إن ترن أنا أقل منك مالا"} .
وقال الكسائي أكثر فمحوه من كتبهم ثم قال لي: يا خلف يكون أحد من بعدي يسلم من اللحن.
وعن الفراء قال: ناظرت الكسائي يوما وزدت فكأني كنت طائرا أشرب من بحر.
قال الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على كبر، لأنه جاء إلى قوم وقد أعيا فقال قد عييت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن، قال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت، وإن كنت أردت انقطاع الحيلة والتحير في الأمر، فقل عييت، فأنف من ذلك.
وقام من فوره، فسأل عمن يعلم النحو، فدل على معاذ الفراء فلزمه ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل، ثم خرج إلى بادية الحجاز.
وقال ابن الأنباري: حدثنا أبي قال قال الفراء: لقيت الكسائي يوما، فرأيته كالباكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: هذا الملك يحيى بن خالد، يحضرني فيسألني عن الشيء فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عتب، وإن بادرت لم آمن الزلل.
فقلت: يا أبا الحسن من يعترض عليك، قل ما شئت فأنت الكسائي فأخذ لسانه بيده فقال: قطعه الله إذا إن قلت ما لا أعلم.
وقال أحمد بن أبي سريج، سمعت أبا المعاني وكان عالما بالقراءات يقول:
الكسائي القاضي على أهل زمانه.
وقال أبو عمرو الداني من ترجمة عبد الله بن ذكوان أخذ عن أيوب بن تميم وقرأ على الكسائي حين قدم الشام ثم قال: وقال محمد بن الحسن البقاش؛ قال ابن ذكوان.
أقمت على الكسائي سبعة أشهر وقرأت عليه القرآن غير مرة قلت: لم يتابع النقاش أحد على هذا والنقاش يأتي بالعجائب دائما, وذكر الداني في ترجمة الكسائي أن ابن ذكوان سمع الحروف من الكسائي.
وأما الحافظ فلم يذكر شيئا من ذلك ولا ذكر الكسائي في تاريخ دمشق أصلا، وروى عن نصير بن يوسف قال: دخلت على الكسائي في مرض موته فأنشأ يقول:
قدر أحلك ذا النخيل وقد ترى ... لولاه ملك ذو النخيل بدار
ألا كداركم بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقر من المزدار
فقلت: كلا ويمتع الله الجميع بك.
فقال: لئن قلت ذاك لقد كنت أقرئ الناس في مسجد دمشق فأغفيت في المحراب فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- داخلا من باب المسجد فقام إليه رجل فقال: بحرف من تقرأ فأومأ إلي.
وللكسائي من التصانيف كتاب معاني القرآن، كتاب القراءات، كتاب العدد، كتاب النوادر الكبير، كتاب النوادر الأوسط، كتاب النوادر الأصغر، كتاب النحو، كتاب العدد واختلافهم فيه، كتاب الهجاء.
كتاب مقطوع القرآن وموصوله، كتاب المصادر، كتاب الحروف، كتاب أشعار المعاياة، كتاب الهاءات، قال أبو سعيد السيرافي: رثى يحيى اليزيدي محمد بن الحسن والكسائي، وكانا خرجا مع الرشيد إلى خراسان فماتا في الطريق، فقال:
تصرمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة سيبيد
لكل امرئ كأس من الموت مترع ... وما إن لنا إلا عليه ورود
ألم تر شيبا شاملا ينذر البلى ... وإن الشباب الغض ليس يعود
سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت ... فكن مستعدا فالفناء عتيد
أسيت على قاضي القضاة محمد ... فأذريت دمعي والفؤاد عميد
وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا ... بإيضاحه يوما وأنت فقيد
وأقلقني موت الكسائي بعده ... وكادت بي الأرض الفضاء تميد
فأذهلني عن كل عيش ولذة ... وأرق عيني والعيون هجود
هما عالمنا أوديا وتخرما ... فما لهما في العالمين نديد
فحزني إن تخطر على القلب خطرة ... بذكرهما حتى الممات جديد
قال أبو عمر الدوري:
توفي الكسائي بالري بقرية رنبوية، وقال أحمد بن جبير الأنطاكي: توفي برنبوية، سنة سبع وثمانين ومائة، وقال أبو بكر بن مجاهد: توفي برنبويه سنة تسع وثمانين، وكذا وأرخه غير واحد وهو الصحيح.
وقد قيل في وفاته أقوال واهية: سنة إحدى وثمانين، وسنة اثنتين وسنة ثلاث وسنة خمس أعني وثمانين وسنة ثلاث وتسعين والله أعلم، وقيل: إنه عاش سبعين سنة.
ولما مات محمد والكسائي قال الرشيد: دفنا الفقه والنحو بالري1.
__________
1 انظر/ تهذيب التهذيب "7/ 313, 314". شذرات الذهب "1/ 321". سير أعلام النبلاء "9/ 131". طبقات ابن الجزري "1/ 535".




غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 535)
2212- "ع" علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي مولاهم وهو من أولاد الفرس من سواد العراق كذا قال أبو بكر بن أبي داود السجستاني1 أبو الحسن الكسائي الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات، أخذ القراءة عرضًا عن "ع" حمزة أربع مرات وعليه اعتماده وعن "ف" محمد بن أبي ليلة و"ف" عيسى بن عمر الهمداني وروى الحروف عن "ج" أبي بكر بن عياش و"ك ج" اسماعيل و"ك" يعقوب ابني جعفر عن نافع ولا يصح قراءته على نافع كما ذكره الهذلي بل ولا رآه وعن عبد الرحمن بن أبي حماد وعن أبي حيوة شريح بن يزيد في قول وقيل: بل شريح أخذ عنه وعن المفضل بن محمد الضبي وعن "س مب" زائدة بن قدامة عن الأعمش ومحمد بن الحسن بن أبي سارة و"ج ك" قتيبة بن مهران1، ورحل إلى البصرة فأخذ اللغة عن الخليل، أخذ عنه القراءة عرضًا وسماعًا إبراهيم بن زاذان وإبراهيم بن الحريش و"ج ك" أحمد بن جبير و"س ك" أحمد بن أبي سريج و"ك" أحمد بن أبي ذهل وأحمد بن منصور البغدادي و"س" أحمد بن واصل و"س ف" اسماعيل بن مدان و"ع" حفص بن عمر الدوري و"س ف ك" حمدويه بن ميمون وحميد بن ربيع الخزاز2 وزكريا بن وردان و"ك" سريج3 بن يونس و"س ك" سورة بن المبارك و"س ف ك" أبو حمدون الطيب بن اسماعيل وعبد الرحمن بن واقد و"ك" عبد الرحيم بن حبيب وعبد القدوس بن عبد المجيد وعبد الله بن أحمد بن ذكوان وعبيد الله بن موسى و"ك" عدي بن زياد وعلي بن عاصم و"ك" عمر بن حفص المسجدي و"س ج ك" عيسى بن سليمان والفضل بن إبراهيم و"ك" فورك بن شبويه و"مب ج ك" أبو عبيد القاسم بن سلام وتقيبة4 بن مهران و"ت س ف ك" الليث بن خالد ومحمد بن سفيان ومحمد بن سنان ومحمد بن واصل والمطلب بن عبد الرحمن والمغيرة بن شعيب و"ج ك" أبو توبة ميمون بن حفص و"س ج ف ك" نصير بن يوسف وأبو أناس هارون بن سورة بن المبارك وهارن بن عيسى وهارون بن يزيد و"س ف ك" هاشم بن عبد العزيز البربري و"س" يحيى بن آدم ويحيى بن زياد الخوارزمي فهؤلاء المكثرون عنه وأما المقلون فهم "ك" إسحاق بن إسرائيل وحاجب بن الوليد و"ك" حجاج بن يوسف بن قتيبة و"مب ك" خلف بن هشام البزاز وزكريا بن يحيى الأنماطي وأبو حيوة شريح بن يزيد و"ك" صالح الناقط وعبد الواحد بن ميسرة القرشي5 وعلي بن خشنام وعمر بن نعيم بن ميسرة وعروة بن محمد الأسدي وعون بن الحكم و"ك" محمد بن زريق6 ومحمد بن سعدان ومحمد بن عبد الله بن يزيد الحضرمي ومحمد بن عمر الرومي ومحمد بن المغيرة و"ك" محمد بن يزيد الرفاعي ويحيى بن زياد الفراء ويعقوب الدورقي ويعقوب الحضرمي روى عنه الحروف، وقال الحافظ أبو عمرو الداني إن عبد الله بن ذكوان سمع الحروف من الكسائي حين قدم دمشق وقال: قال النقاش: قال ابن ذكوان: أقمت على الكسائي أربعة أشهر وقرأت عليه القرآن غيرة مرة قال أبو عبد الله الذهبي: لم يتابع النقاش أحد على هذا والنقاش يأتي بالعجائب دائما وأما الحافظ ابن عساكر فلم يذكر شيئا من ذلك ولا ذكر الكسائي في تاريخ دمشق أصلا، قلت: أخبرني الحسن بن هلال بقراءتي عليه أخبركم أبو الحسن علي بن أحمد عن عبد الوهاب بن سكينة وسفيان بن منده قالا: أخبرنا الحسن بن أحمد الحافظ أنبأ محمد بن الحسين الشيباني أنا محمد بن علي الخياط أنبأ السوسنجردي أنبأ عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم إجازة ثنا أبو غانم عمر بن سهل بن الحسين بن علي النحوي حدثنا شاهين عن الدنداني عن نصير قال: دخلت على الكسائي في مرضه الذي مات فيه فأنشأ يقول:
قدر أحلك ذا النخيل وقد أرى ... وأبي ومالك ذو النخيل بدار
إلا كداركم بذي بقر اللوى ... هيهات داركم من المزوار
قال نصير فقلت كلا ويمتع الله الجميع بك قال إني قلت إني كنت1 أقرئ الناس في مسجد دمشق فأغفيت في المحراب فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرى النائم داخلا من باب المسجد فقام إليه رجل فقال بحرف من نقر فأومأ إلي قلت: فهذا تصريح منه بدخوله دمشق وإقرائه بمسجدها ولو اطلع أبو القاسم بن عساكر الحافظ على هذا لذكره فيمن دخل دمشق فإنه ذكر غيره بأخبار واهية ولا يمنع دخول الكسائي دمشق فإنه كان أولا يطوف البلاد كما ذكر غير واحد وإنما أقام ببغداد في آخر وقت وقد ذكر هذه الحكاية أيضا أبو الحسن طاهر بن غلبون في كتابه التذكرة، وروى عنه من الأئمة غير من تقدم الإمام2 أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال: ما رأيت بعيني هاتين أصدق لهجة من الكسائي وقال الشافعي -رحمه الله- من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي وقال الفضل بن شاذان لما عرض الكسائي على حمزة خرج إلى البدو فشاهد العرب وأقام عندهم حتى صار كواحد منهم ثم دنا إلى الحضر وقد علم اللغة، وقال أبو عبيد في كتاب القراءات كان الكسائي ينخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا وكان من أهل القراءة وهي كانت علمه وصناعته ولم يجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه، وقال ابن مجاهد فاختار من قراءة حمزة وقراءة غيره قراءة متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة وكان إمام الناس في القراءة متوسطة في عصره وكان يأخذ الناس عنه ألفاظه بقراءته عليهم، وقال أبو بكر الأنباري اجتمعت في الكسائي أمور كان أعلم الناس بالنحو وأوحدهم في الغريب وكان أوحد الناس في القرآن فكانوا يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادي، أخبرنا شيخنا أبو حفص عمر بن الحسن المزي قراءة عليه عن أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي أنا أبو منصور القزاز1 أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرني العتيقي وهو أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد العتيقي أنا محمد بن العباس حدثنا جعفر بن محمد الصندلي أنا أبو بكر بن حماد عن خلف قال: كان الكسائي إذا كان شعبان وضع له منبر فقرأ هو على الناس في كل يوم نصف سمع يختم ختمتين في شعبان وكنت أجلس أسفل المنبر فقرأ يوما في سورة الكهف "أنا أكثرَ منك" [الكهف: 33] فنصب أكثر فعلمت أنه قد وقع فيه فلما فرغ أقبل الناس يسألونه عن العلة في أكثر لِمَ نصبه فثرت في وجوههم2 أنه أراد في فتحه أقل "أن ترن أنا أقل منك مالا" [الكهف: 39] فقال الكسائي أكثر فمحوه من كتبهم ثم قال لي يا خلف يكون أحد من بعدي يسلم من اللحن قال: قلت: لا أما إذ لم يسلم أنت فليس يسلم منه أحد بعدك قرأت القرآن صغيرا وأقرأت الناس كبيرا وطلبت الآثار فيه والنحو، وقال: حدثني أبي عن بعض أصحابه قال: قيل لأبي عمر الدوري لِمَ صحبتم الكسائي على الدعابة التي كانت فيه قال: لصدق لسانه، وقال خلف بن هشام البزار عملت وليمة فدعوت الكسائي واليزيدي فقال اليزيدي للكسائي: يا أبا الحسن أمور بلغتنا عنك فننكر بعضها فقال الكسائي: أو مثلك1 يخاطب بهذا وهل مع العالم من العربية الأفضل بصاقي هذا ثم بصق فسكت اليزيدي، أخبرني أبو حفص عمر بن الحسن وغيره أذنا عن يوسف بن المجاور أنبأ أبو اليمن الكندي أنبأ أبو منصور الشيباني أنبأ أبو بكر الخطيب الحافظ أنبأ أبو الحسن الحمامي قال: سمعت عمر بن محمد الإسكاف سمعت عمي يقول: سمعت ابن الدورقي يقول: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت صلاة فقدموا الكسائي يصلي فارتج عليه قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فقال اليزيدي: قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا} ترتج على قارئ الكوفة قال: فحضرت صلاة فقدموا لليزيدي فارتج عليه في الحمد فلما سلم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلي ... إن البلاء موكل بالمنطق
واختلف في تسميته بالكسائي فالذي رويناه عنه أنه سئل عن ذلك فقال لأني أحرمت في كساء وقيل لأنه كان يتشح بكساء ويجلس في حلقة حمزة فيقول2 أعرصوا على صاحب الكسائي وقيل من قرية باكسايا والأول أصحها والآخر أضعفها، وقد ألف من الكتب كتاب معاني القرآن كتاب القراءات كتاب العدد كتاب النوادر الكبير كتاب النوادر الأوسط كتاب النوادر الأصغر كتابا في النحو كتاب العدد واختلافهم فيه كتاب الهجاء كتاب مقطوع القرآن وموصوله كتاب المصادر وكتاب الحروف كتاب الهاءات كتاب أشعار3، واختلف في تاريخ موته فالصحيح الذي أرخه غير واحد من العلماء والحفاظ سنة تسع وثمانين ومائة صحبة هارون الرشيد بقرية رنبويه من عمل الري متوجهين إلى خراسان ومات معه بالمكان المذكور محمد بن الحسن القاضي صاحب أبي حنيفة فقال الرشيد: دفنا الفقه والنحو بالري وقيل: سنة إحدى وثمانين وقيل: سنة اثنتين وثمانين وقيل: سنة ثلاث وثمانين وقيل: سنة خمس وثمانين وقيل: سنة ثلاث وتسعين، قال الحافظ أبو العلاء الهمذاني: وبلغني أن الكسائي عاش سبعين سنة ورثاه أبو محمد اليزيدي مع محمد بن الحسن فقال.
تصرمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة ستبيد
لكل امرئ كأس من الموت مترع ... وما إن لنا إلا عليه ورود
ألم تر1 شيبا شاملا يندر البلى ... وأن الشباب الغض ليس يعود
سنفنى كما أفنى القرون التي خلت ... فكن مستعدا فالفناء عتيد
أسيت على قاضي القضاة2 محمد ... وفاضت عيوني والعيون جمود
وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا ... بإيضاحه يوما وأنت فقيد
وأقلقني موت الكسائي بعده ... وكادت بي الأرض الفضاء تميد
وأذهلني عن كل عيش ولذة ... وآرق عيني والعيون هجود
هما عالمانا أوديا وتخرما ... فما لهما في العالمين نديد
فحزني متى يخطر على القلب خطرة ... بذكرهما حتى الممات جديد
أخبرني بذلك عمر بن الحسن بن مزيد قراءة مني عليه عن علي بن أحمد بن عبد الواحد أخبرنا شيخ الشيوخ عبد الوهاب بن علي في كتابه من بغداد أخبرنا أبو الكرم المبارك بن الحسن أخبرنا أبا بكر أحمد بن عمر السمرقندي أنا أبو علي الحسن بن إبراهيم ثنا أبو الفرج محمد بن أحمد الشنبوذي ثنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن بشار3 ثنا أبو عمر حفص بن عمر الدوري قال: خرج الرشيد بالكسائي وبمحمد بن الحسن حين خرج إلى طوس فماتا في سنة تسع وثمانين ومائة فقال أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي يرثيهما وذكر الأبيات.



وفيات الأعيان (3/ 295)
أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي الإربلي (المتوفى: 681هـ)
433 - (1)
الكسائي
أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن (2) بن فيروز، الأسدي بالولاء الكوفي المعروف بالكسائي؛ أحد القراء السبعة (3) ، كان إماماً في النحو واللغة والقراءات، ولم تكن له في الشعر يد، حتى قيل: ليس في علماء العربية أجهل من الكسائي بالشعر؛ وكان يؤدب الأمين بن هارون الرشيد ويعلمه الأدب ولم يكن له زوجة ولا جارية، فكتب إلى الرشيد يشكو العزبة في هذه الأبيات:
قل للخليفة لا تقول لمن ... أمسى إليك بحرمة يدلي
ما زلت مذ صار الأمين معي ... عبدي يدي ومطيتي رجلي
وعلى فراشي من ينبهني ... من نومتي وقيامه (4) قبلي
أسعى برجل منه ثالثة ... موفورة مني بلا رجل (5)
وإذا ركبت أكون مرتدفاً ... قدام سرجي راكب (6) مثلي
فامنن علي بما يسكنه ... عني وأهد الغمد للنصل فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم وجارية حسناء بجميع آلاتها وخادم وبرذون بجميع آلته.
__________
(1) ترجمته في انباه الرواة 2: 256 وفي الحاشية ذكر لعدد كبير من المصادر الأخرى؛ وانظر نور القبس: 283 وصفحات كثيرة من " مجالس العلماء "؛ وقد وردت الترجمة بكاملها في المسودة.
(2) بهمن: سقط من ل ر؛ س: عثمن الأسدي.
(3) زاد في س: وهو من ولد بهمن بن فيروز، وهو أصل المسودة لكنه شطب.
(4) نور القبس: بقيامه.
(5) نور القبس: نقصت زيادتها من الرجل.
(6) ر: راكباً.


وفيات الأعيان (3/ 296)
واجتمع يوماً بمحمد بن الحسن الفقيه الحنفي في مجلس الرشيد فقال الكسائي: من تبحر في علم تهدى إلى جميع العلوم، فقال له محمد: ما تقول فيمن سها في سجود السهو، هل يسجد مرة أخرى قال الكسائي: لا، قال: لماذا قال: لأن النحاة تقول: التصغير لا يصغر، هكذا وجدت هذه الحكاية في عدة مواضع؛ وذكر الخطيب في " تاريخ بغداد " (1) أن هذه القضية جرت بين محمد بن الحسن المذكور والفراء - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وهما ابنا خالة، والله أعلم بالصواب.
رجعنا إلى بقية الحكاية:
فقال محمد: فما تقول في تعليق الطلاق بالملك قال: لا يصح، قال: لم قال: لأن السيل لا يسبق المطر.
وله مع سيبويه وأبي محمد اليزيدي مجالس ومناظرات - سيأتي ذكر بعضها في تراجم أربابها إن شاء الله تعالى.
روى الكسائي عن أبي بكر ابن عياش وحمزة الزيات وابن عيينة وغيرهم وروى عنه الفراء وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهما. وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة بالري وكان قد خرج إليها صحبة هارون الرشيد. قال السمعاني: وفي ذلك اليوم توفي محمد بن الحسن المذكور بالري أيضاً - كما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى - وكذا قال ابن الجوزي في " شذور العقود "، توفي برنبويه (2) قرية من قرى الري - ورنبويه مذكورة في ترجمة محمد بن الحسن - وقال السمعاني أيضاً: وقيل إن الكسائي مات بطوس سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ومائة، والله أعلم، ويقال إن الرشيد كان يقول: دفنت الفقه والعربية بالري.
والكسائي: بكسر الكاف وفتح السين المهملة وبعدها ألف ممدودة، وإنما قيل له الكسائي لأنه دخل الكوفة وجاء إلى حمزة بن حبيب الزيات وهو ملتف بكساء، فقال حمزة: من يقرأ فقيل له: صاحب الكساء، فبقي عليه (1) ، وقيل بل أحرم في كساء فنسب إليه، رحمه الله تعالى.
__________
(1) تاريخ بغداد 14: 151.
(2) تصحفت في النسخ كثيراً، وأثبتنا ما في المسودة وضبط المؤلف.





طبقات النحويين واللغويين (ص: 127)
المؤلف: محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج الزبيدي الأندلسي الإشبيلي، أبو بكر (المتوفى: 379هـ)
الطبقة الثانية
59 - الكسائي
هو أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، مَوْلَى بني أسد، من أهل باحَمْشا. أخذ عن الرُّؤَاسيّ، ودخل الكوفةَ وهو غلام، وأدَّب ولدَ الرشيد.
قال محمد بن الحسين السمريّ: رأيت الكسائيَّ بالبصرة في مجلس يونس، وهو يناظره مناظرة النظير.
وقال أبو عليٍّ إسماعيل بن القاسم البغداذي: سمعت محمد بن السَّرِيّ يقول: حضر الكسائيُّ مجلس يونس فقال: لم صارت "حتَّى" تنصب الأفعال المستقبلة؟ فقال: هكذا خُلِقَتْ! فضحك به.
وقال عبد الله بن أبي سعد: حدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبيد بن آدم بن جُشَم العبديُّ قال: حدثني الأحمر قال: دخل أبو يوسف على الرشيد والكسائي عنده يمازحه، فقال له أبو يوسف: هذا الكوفي قد استفرعك وغَلب عليك! فقال: يا أبا يوسف، إنه ليأتيني بأشياء يشتمِل عليها قلبي. فأقبل الكسائي على أبي يوسف قال: يا أبا يوسف، هل لك في مسألة؟ قال: نحو أم فقه؟ قال: بل فقه. فضحك الرشيد حتى فحص برجله. ثم قال: تُلْقِي على أبي يوسف فقهًا؟! قال: نعم. قال: يا أبا يوسف، ما تقول في رجل قال لامرأته: "أنت طالق إن دخلتِ الدار"؟ قال: إن دَخَلتِ الدارَ طَلَقَتْ. قال: أخطأت يا أبا يوسف. فضحك الرشيد، ثم قال: كيف الصواب؟ قال: إذا قال: "أَنْ" فقد وجب الفعل، وإذا قال: "إِنْ" فلم يجب، ولم يقع الطلاق. قال: فكان أبو يوسف بعدها لا يدَع أن يأتيَ الكسائيَّ.
حدثنا محمد بن العباس الهاشمي الحلبيُّ قال: أخبرنا أحمد بن عثمان، حدثنا محمد بن عبد العزيز: أخبرني مَنْ أثِقُ به أن الرشيد تلقاه الكسائي في بعض طريقه، فوقف عليه وسأله عن حاله، فقال الكسائيُّ: لو لم أجْتَنِ من ثمرة الأدب إلا ما وَهَبَ الله لي من وقوف أمير المؤمنين عليَّ لكان كافيًا.
وقال الأوارجي الكاتب: حدثني العَجْوَزِيُّ أن الكسائيَّ النحويَّ ارتحل إلى حمزةَ الزياتِ، وعليه كِسَاءٌ جيدٌ، فجلس بين يديه فقرأ ثلاثين آية، وكان حمزة أخذ أكثر من ثلاثين آية، فقال له: اقرأ. فقرأ أربعين، ثم قال له: اقرأ إلى أن تتم مئة آية. فقال له: قم. ثم افتقده، فقال: ما صنع صاحبُ الكساءِ الجيدِ؟ فسُمِّيَ الكسائيّ.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب: قال سَلَمَةُ: صحَّف الكسائيُّ في بيت الجَعْدِيّ:
* وكان النكيرُ أن تُضيف وتَجأرَا *
قال: "يُضِيف".
قال: ولم يبلغني أن الكسائي ولا الفراء قالا شعرًا قطّ. وكان الأحمر يَقْرض الشعر، وله أبيات.
قال سلَمة: أنشد الكسائيُّ الرشيدَ بحضرة الأصمعي:
أم كيف ينفع ما تُعطَى العَلُوق بِه ... رئمانَ أَنفٍ إذا ما ضُنّ باللَّبنِ
قال الأصمعيُّ: "رئمانُ أنف". فقال الكسائيُّ: "رئمانَ أنف"، و"رئمانَ أنف"، اسكتْ، ليس هذا من صنعتك.
قوله: "رئمان أنف" يريد أنها ترأم البوَّ، وهي مع ذلك لا تَدُرُّ اللبن، والعَلُوق التي ترأمُ بأنفها وتمنعُ ضَرْعها. ويقال: العلوق من النُّوق التي تريد الفحل ولا ترأم الولد، ومن النِّساء التي لا تحبُّ غير زوجها. وقال:
وبُدِّلتُ من أُمٍّ عليَّ شفيقةٍ ... عَلوقًا، وشرُّ الوالدات عَلوقُها
ابن أبي سعد قال: حدثني ابن طهمان قال: سمعت والله الفراء يحيى يقول: مدحني رجل من النحويين فقال: ما اختلافك إلى الكسائيِّ وأنت مثله في العلم؟ قال: وأعجَبَتْنِي نفسي فناظرته وسألته؛ فكأنِّي كنتُ طائرًا يغْرِف من بَحْرٍ.
قال الهَرَوي: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال: كان الكِسائيُّ فصيح اللسان، لا يُفْطَن لكماله، ولا يُخيَّل إليك أنه يُعرِب، وهو يُعرِب.
وقال أحمد بن أبي الطاهر: حدثني محمد بن عبد الله بن آدم بن جُشَم العَبْدي، حدثني ثابت الغنمي، أخبرني رجل في حلقة الأحمر النَّحويِّ، عن تميم الداري -رجل كان بالرَّي- قال: لما خرج الرشيد إلى طُوس، خرج الكسائيُّ معه، فلمَّا صار إلى الرَّيّ اعتلّ علَّة منكرة، فأتى إليه هارون الرشيد ماشيًا متفزِّعًا، وخرج مِن عِنْده وهو مُغْتَمّ، فقال لأصحابه: ما أظنُّ الكسائيَّ إلَّا ميتًا. وجعل يَسْتَرْجِع. فجعل القوم يعزُّونه ويطيِّبون نفسَه، وجعل يظهر حزنًا. فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما الذي قضيت عليه بهذا له! فقال: لأنَّه حدثني أنه لقي أعرابيًّا عالمًا غزيرًا بموضع يقال له: "ذو النَّخْلَتين". فقال الكسائي: فكنت أغدُو عليه وأرُوح، أمْتاح ما عنده، فغدوتُ عليه غُدوةً من الغدوات، وهو ثقيل، فرأيت به علَّة منكرة، فألقى نفسه، وجعل يَنْتَفِضُ ويقول:
قَدَرٌ أحلَّك ذا النُّخَيْل وقد تَرَى ... لولاه مَالَكَ ذو النُّخَيْل بدارِ
إلَّا كداركمُ بذي بقَرِ الحِمَى ... أَيْهَاتَ ذو بقرٍ من المُزدار
قال الكسائيُّ: فغدوتُ إليه صباحًا، فإذا هو لمآبه، ودخلتُ على الكسائيِّ وهو يُنشد البيتين، فغمَّني ذلك.
فمات الكسائي بالرّيّ، وكان كما ظن الرشيد.
وتُوفِّي هو ومحمد بن الحسن الفقيه صاحب أبي يوسف، ودفنا في يوم واحد، سنة تسع وثمانين ومئة، فقال الرشيد: دفنَّا الفقه واللغة في الري في يوم واحد.
قال محمد بن عبد الملك توفي الكسائي سنة ثلاث وتسعين ومئة.
قال ابن أبي سعد: ورثاهما اليزيدي فقال:
أَسيتُ على قاضي القضاة محمَّدٍ ... فأَذريتُ دمْعِي والفؤادُ عميدُ
وأفزعني موتُ الكسائيِّ بعدَه ... فكادت بيَ الأرض الفضاء تميدُ
هما عَلَمانا أَوْديَا وتُخرِّمَا ... فما لهما في العالمينَ نديدُ





تاريخ بغداد ت بشار (13/ 345)
المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ)
6243 - علي بْن حمزة أَبُو الحسن الأسدي المعروف بالكسائي النحوي
أحد أئمة القراء من أهل الكوفة، استوطن بَغْدَاد، وكان يعلم بها الرشيد، ثم الأمين من بعده، وكان قد قرأ على حمزة الزيات، فأقرا بِبَغْدَادَ زمانا بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه قراءة فأقرأ بها الناس، وقرأ عليه بها خلق كثير بِبَغْدَادَ وبالرقة وغيرهما من البلاد، وحفظت عنه.
وصنف " معاني القرآن " " والآثار فِي القرءات "، وكان قد سمع من سُلَيْمَان بْن أرقم، وأبي بكر بْن عياش، ومحمد بْن عبيد اللَّه العرزمي، وسفيان بْن عيينة، وغيرهم.
روى عنه أَبُو توبة ميمون بْن حفص، وأبو زكريا الفراء، وأبو عبيد القاسم بْن سلام، وأبو عُمَر حفص بْن عُمَر الدوري، وجماعة.
أَخْبَرَنَا أَبُو نصر أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الثابتي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُوسَى القرشي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: علي بْن حمزة الكسائي هو علي بْن حمزة بْن عَبْد اللَّه بْن بهمن بْن فيروز، مولى بني أسد أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء مُحَمَّد بْن علي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جعفر بْن مُحَمَّد بْن هارون التميمي بالكوفة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو علي الحسن بْن داود النقار، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جعفر عقدة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بديل الوضاحي، قَالَ: قَالَ لي الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه أنه جاء يوما، وقد مشى حتى أعيي، فجلس إِلَى الهباريِّين، وكان يجالسهم كثيرا، فقال قد عييت، فقالوا له: أتجالسنا؟!، وأنت تلحن، فقال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب، فقل: أعييت، وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير فِي الأمر، فقل: عييت مخفقة، فأنف من هذه الكلمة، ثم قام من فوره ذلك، فسأل عمن يعلم النحو، فأرشدوه إِلَى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إِلَى البصرة، فلقي الخليل، وجلس فِي حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها، وعندها الفصاحة، وجئت إِلَى البصرة؟ فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج، ورجع، وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا فِي الكتابة عَن العرب سوى ما حفظ، فلم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات، وقد جلس فِي موضعه يونس النحوي، فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها، وصدره موضعه أنبأنا علي بْن أَحْمَد بْن عُمَر المقرئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الواحد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي هاشم، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن محبوب، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن البصري مردوية، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد اللَّه الخياط المدني، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرحيم بْن مُوسَى، قَالَ: قلت للكسائي: لم سميت الكسائي؟ قَالَ: لأني أحرمت فِي كساء.
قلت: وقد قيل فِي تسمية الكسائي قول آخر أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن علي الصوري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن عبيد اللَّه بْن القاسم الهمداني القاضي بطرابلس، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسن علي بْن مُحَمَّد الحراني الأرزي إملاء من حفظه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن سُلَيْمَان المروزي، قَالَ: سألت خلف بْن هشام لم سمي الكسائي كسائيا؟ فقال: دخل الكسائي الكوفة، فجاء إِلَى مسجد السبيع، وكان حمزة بْن حبيب الزيات يقرئ فيه، فتقدم الكسائي مع آذان الفجر، فجلس، وهو ملتف بكساء من البركان الأسود، فلما صلى حمزة، قَالَ: من تقدم فِي الوقت يقرأ، قيل له: الكسائي أول من تقدم، يعنون صاحب الكساء، فرمقه القوم بأبصارهم، فقالوا: إن كان حائكا، فسيقرأ سورة يُوسُف، وإن كان ملاحا، فسيقرأ سورة طه، فسمعهم، فابتدأ بسورة يُوسُف، فلما بلغ إِلَى قصة الذئب قرأ " فأكله الذيب " بغير همز، فقال له حمزة: الذئب بالهمز، فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت " فالتقمه الحؤت "؟، قَالَ: لا، قَالَ: فلم همزت الذئب، ولم تهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب، وهذا فالتقمه الحوت؟ فرفع حمزة بصره إِلَى خلاد الأحول، وكان أجمل غلمانه، فتقدم إليه فِي جماعة من أهل المجلس، فناظروه، فلم يصنعوا شيئا، فقالوا: أفدنا يرحمك اللَّه، فقال: لهم الكسائي: تفهموا عَن الحائك، تقول إذا نسبت الرجل إِلَى الذئب قد استذأب الرجل، ولو قلت استذاب بغير همز لكنت إنما نسبته إِلَى الهزال، تقول: قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه بغير همز، وإذا نسبته إِلَى الحوت، تقول: قد استحات الرجل، أي كثر أكله؛ لأن الحوت يأكل كثيرا، لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب، ولم يهمز الحوت، وفيه معنى آخر لا يسقط الهمز من مفرده، ولا من جمعه، وأنشدهم:: يا أمير المؤمنين أخطأ يعقوب فِي اثنتين، وأصاب اثنتين، أما قوله أنت طالق طالق طالق، فواحدة؛ لأن الثنتين الباقيتين تأكيد كما تَقُولُ: أنت قائم قائم قائم، وأنت كريم كريم كريم، وأما قوله: أنت طالق، أو طالق، أو طالق، فهذا شك، وقعت الأولى التي تُتَيَقَّن، وأما قوله: طالق، ثم طالق، ثم طالق، فثلاث؛ لأنه نسق، وكذلك طالق وطالق وطالق.
أيها الذئب وابنه وأبوه أنت عندي من أذؤب ضاريات
قَالَ: فسمي الكسائي من ذلك اليوم أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جعفر التميمي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو علي الحسن بْن داود، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن فرح، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر، قَالَ أَبُو علي: وحَدَّثَنَا أَبُو جعفر عقدة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بديل، عَن سلمة، قَالَ: كان عند المهدي مؤدب يؤدب الرشيد، فدعاه يوما المهدي، وهو يستاك، فقال: كيف تأمر من السواك؟ فقال: استك يا أمير المؤمنين، فقال المهدي: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قَالَ: التمسوا لنا من هو أفهم من ذا، فقالوا: رجل، يقال له: علي بْن حمزة الكسائي، من أهل الكوفة، قدم من البادية قريبا، فكتب بإزعاجه من الكوفة، فساعة دخل عليه، قَالَ: يا علي بْن حمزة قَالَ لبيك يا أمير المؤمنين، قَالَ: كيف تأمر من السواك؟ قَالَ: سك، يا أمير المؤمنين، قَالَ: أحسنت، وأصبت، وأمر له بعشرة آلاف درهم أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جعفر التميمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الدرامي، وأبو علي النقار، وأبوالعباس محمد بن الحسن الهذلي؛ قالوا: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن فرح، قَالَ: سمعت أبا عُمَر الدوري، يَقُولُ: كان أَبُو يُوسُف يقع فِي الكسائي، ويقول: أيش يحسن؟ إنما يحسن شيئا من كلام العرب، فبلغ الكسائي ذلك، فالتقيا عند الرشيد، وكان الرشيد يعظم الكسائي لتأديبه إياه، فقال لأبي يُوسُف: يا يعقوب أيش تقول فِي رجل قَالَ لامرأته: أنت طالق طالق طالق؟ قَالَ: واحدة، قَالَ: فإن قَالَ لها: أنت طالق، أو طالق، أو طالق؟ قَالَ: واحدة، قَالَ: فإن قَالَ لها: أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق؟ قَالَ: واحدة، قَالَ: فإن قَالَ لها: أنت طالق وطالق وطالق؟ قَالَ: واحدة، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس الخزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد النخشبي، قَالَ: حَدَّثَنَا العباس بْن عزيز القطان المروزي، قَالَ: حَدَّثَنَا حرملة بْن يَحْيَى التجيبي، قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن إدريس الشافعي، يَقُولُ: من أراد أن يتبحر فِي النحو، فهو عيال على الكسائي أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد أخو الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا الصاحب أَبُو القاسم إِسْمَاعِيل بْن عباد بْن العباس بالري، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الإيجي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسن الأزدي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم سهل بْن مُحَمَّد السجستاني، قَالَ: ورد علينا عامل من أهل الكوفة، لم أر فِي عمال السلطان بالبصرة أبرع منه، فدخلت مسلما عليه، فقال لي: يا سجستاني من علماؤكم بالبصرة؟.
قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي، والمازني أعلمنا بالنحو، وهلال الرأي أفقهنا، والشاذكوني من أعلمنا بالحديث، وأنا رحمك اللَّه أنسب إِلَى علم القرآن، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط، قَالَ: فقال لكاتبه: إذا كان غد فاجمعهم إليَّ قَالَ: فجمعنا، فقال: أيكم المازني؟ قَالَ أَبُو عُثْمَان ها أنا ذا يرحمك اللَّه، قَالَ: هل يُجزئ فِي كفارة الظهار عتق عَبْد أعور؟ فقال المازني: لست صاحب فقه رحمك اللَّه، أنا صاحب عربية، فقال: يا زيادي كيف يكتب بين رجل وامرأة خالعها على الثلث من صداقها؟ قَالَ: ليس هذا من علمي هذا من علم هلال الرأي.
قَالَ يا هلال: كم أسند ابْن عون، عَن الحسن؟، قَالَ: ليس هذا من علمي، هذا من علم الشاذكوني، قَالَ: يا شاذكوني، من قرأ: " تثنوني صدورهم "؟ قَالَ: ليس هذا من علمي هذا من علم أَبِي حاتم.
قَالَ: يا أبا حاتم، كيف تكتب كتابا إِلَى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة، وما أصابهم فِي الثمرة، وتسأله لهم النظر والنظرة؟ قَالَ: لست رحمك اللَّه صاحب بلاغة وكتابة، أنا صاحب قرآن، فقال: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فنا واحدا، حتى إذا سئل عَن غيره لم يجل فيه ولم يمر، ولكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عَن كل هذا لأجاب أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الأصبهاني، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر بْن مُحَمَّد بْن نصير الخلدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مسروق، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة بْن عاصم، قَالَ: قَالَ الكسائي: صليت بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي، فغلطت فِي آية ما أخطأ فيها صبي قط، أردت أن أقول: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
فقلت: لعلهم يرجعين.
قَالَ: فوالله ما اجترأ هارون أن يَقُولُ لي أخطأت، ولكنه لما سلمت، قَالَ لي: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، فقال: أما هذا فنعم!
أَخْبَرَنِي العتيقي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر بْن مُحَمَّد الصندلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن حماد، عَن خلف، قَالَ: كان الكسائي إذا كان شعبان وضع له منبر، فقرأ هو على الناس فِي كل يوم نصف سبع يختم ختمتين فِي شعبان، وكنت أجلس أسفل المنبر، فقرأ يوما فِي سورة الكهف أنا أكثر منك، فنصب أكثر فعلمت أنه قد وقع فيه، فلما فرغ أقبل الناس يسألونه عَن العلة فِي " أكثر " لم نصبه؟ فثرت فِي وجوههم أنه أراد فِي فتحه أقل {إن ترني أنا أقل منك مالا}، فقال الكسائي: أكثر.
فمحوهم من كتبهم، ثم قَالَ: يا خلف، يكون أحد بعدي يسلم من اللحن؟ قَالَ: قلت: لا، أما إذا لم تسلم أنت، فليس يسلم أحد بعدك، قرأت القرآن صغيرا، وأقرأت الناس كبيرا، وطلبت الآثار فيه والنحو
أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جعفر التميمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العباس مُحَمَّد بْن الحسن، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن فرح، قَالَ: سمعت سلمة، يَقُولُ: سمعت الفراء، يَقُولُ: سمعت الكسائي، يَقُولُ: ربما سبقني لساني باللحن، فلا يمكنني أن أرده؟ أو كلاما نحو هذا
أَخْبَرَنَا علي بْن أَحْمَد بْن عُمَر المقرئ، قَالَ: سمعت أبا بكر عُمَر بْن مُحَمَّد الإسكاف، يَقُولُ: سمعت عمي، يَقُولُ: سمعت ابْن الدورقي، يَقُولُ: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد؛ فحضرت صلاة يجهر فيها، فقدموا الكسائي يصلي، فارتج عليه في قراءة: قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ.
فلما أن سلم، قَالَ اليزيدي /: قارئ أهل الكوفة يرتج عليه فِي قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ؟ فحضرت صلاة يجهر فيها، فقدموا اليزيدي، فارتج عليه فِي سورة الحمد، فلما أن سلم قَالَ:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى إن البلاء موكل بالمنطق
أَخْبَرَنَا الحسن بْن علي الجوهري، وعلي بْن المحسن التنوخي قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس، قَالَ: حَدَّثَنَا الصولي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحزنبل، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة بْن عاصم، قَالَ: حَدَّثَنِي الفراء، قَالَ: قَالَ لي قوم: ما اختلافك إِلَى الكسائي وأنت مثله فِي العلم؟ فأعجبتني نفسي فناظرته وزدت، فكأني كنت طائرا أشرب من بحر.
أَخْبَرَنَا أَبُو طالب عُمَر بْن إِبْرَاهِيم الفقيه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر بْن حيويه، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القاسم الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا خلف بْن هشام.
وأَخْبَرَنَا هلال بْن المحسن الكاتب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الجراح الخزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابْن الأنباري، قَالَ: قَالَ أَبُو العباس يعني: ثعلبا قَالَ لي خلف: أولمت وليمة، فدعوت الكسائي، واليزيدي، فقال اليزيدي للكسائي: يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك، وحكايات تتصل بنا ينكر بعضها؟ فقال الكسائي: أو مثلي يخاطب بهذا؟ وهل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقي هذا، ثم بصق، فسكت اليزيدي.
هذا لفظ ابن الجراح.
وقال: قَالَ أَبُو بكر ابْن الأنباري: اجتمعت للكسائي أمور لم تجتمع لغيره، فكان واحد الناس فِي القرآن، يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم، فيجمعهم ويجلس على كرسي، ويتلو القرآن من أوله إِلَى آخره، وهم يسمعون حتى كان بعضهم ينقط المصاحف على قراءته، وآخرون يتبعون مقاطعه ومبادئه، فيرسمونها فِي ألواحهم وكتبهم، وكان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم فِي الغريب أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَدَ الصَّيْرفي، قَالَ: حَدَّثَنَا القاضي أَبُو عبد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الحسين الجعفي بالكوفة، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بْن داود النقار، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد الفسطاطي عَبْد اللَّه بْن عيسى وكان متعبدا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سهل التميمي وراق أَبِي عبيد، قَالَ: سمعت الكسائي، يَقُولُ: بعد ما قرأت القرآن على الناس رأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال لي: أنت الكسائي؟، قلت: نعم يا رسول اللَّه! قَالَ: علي بْن حمزة؟، قلت: نعم يا رسول اللَّه.
قَالَ: الذي اقرأت أمتي بالأمس القرآن؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه، قَالَ: فاقرأ عليَّ، قَالَ: فلم يَتَأتَّ على لساني إلا والصافات، فقرأت عليه {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)}، فقال: لي أحسنت ولا تقل {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}.
نهاني عَن الإدغام، ثم قَالَ لي: اقرأ، فقرأت حتى انتهيت إِلَى قوله تعالى {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}، فقال: أحسنت ولا تقل يزفون.
ثم قَالَ: قم فلأباهين بك، شك الكسائي القراء أو الملائكة أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن جعفر بْن علان الوراق، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن مُحَمَّد بْن الفرج الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الحسن المقرئ دبيس، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن غزال الإسكاف، قَالَ: كان رجل يجئينا يغتاب الكسائي، ويتكلم فيه، فكنت أنهاه، فما كان ينزجر، فجاءني بعد أيام، فقال لي: يا أبا جعفر، رأيت الكسائي فِي النوم أبيض الوجه، فقلت: ما فعل اللَّه بك يا أبا الحسن؟ قَالَ: غفر لي بالقرآن، إلا أني رأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لي: أنت الكسائي؟، فقلت: نعم يا رسول اللَّه، قَالَ: اقرأ، قلت: وما أقرأ يا رسول اللَّه؟ قَالَ: اقرأ، {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}، قَالَ: فقرأت {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)}، فضرب بيده كتفي، وقال: لأباهين بك الملائكة غدا
أَخْبَرَنَا هلال بْن المحسن، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الجراح، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابْن الأنباري، قَالَ: اجتاز الكسائي بحلقة يونس بالبصرة، وكان شخص مع المهدي إليها، فاستند إِلَى أسطوانة تقرب من حلقته، فعرف يونس مكانه، فقال: ما تقول فِي قول الفرزدق:
غداة أحلت لابن أصرم طعنة حصين عبيطات السدائف والخمر
على أي شيء رفع الخمر؟ فأجاب الكسائي، فقال: يونس أشهد أن الذين رأسوك رأسوك باستحقاق حَدَّثَنِي الحسن بْن مُحَمَّد الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يعقوب المقرئ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق أَبُو بكر الملحمي، قَالَ: حَدَّثَنِي الحسين بْن مُحَمَّد بْن فهم، قَالَ: حَدَّثَنَا القعقاع المقرئ، قَالَ: كنت عند الكسائي، فأتاه أعرابي، فقال: أنت الكسائي؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كوكب ماذا؟ قَالَ: دَرِّي ودُرِّي ودِرِّيءٌ، فالدُّري: يشبه الدر، والدِّري: جار، والدَّريءُ: يلتمعُ قَالَ: ما فِي العرب أعلم منك.
أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد جعفر التميمي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو علي النقار، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن فرح، قَالَ: سمعت أبا عُمَر الدوري، يَقُولُ: قرأت هذا الكتاب " معاني الكسائي " فِي مسجد السَّواقين بِبَغْدَادَ على أَبِي مسحل، وعلى الطوال، وعلى سلمة وجماعة، قَالَ: فقال أَبُو مسحل لو قرئ هذا الكتاب عشر مرات لاحتاج من يقرؤه أن يقرأه أَخْبَرَنَا هلال بْن المحسن، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الجراح، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابْن الأنباري، قَالَ: قَالَ الفراء: رأيت الكسائي يوما، فرأيته كالباكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: هذا الملك يَحْيَى بْن خالد يوجه إلي، فيحضرني، فيسألني عَن الشيء، فإن أبطأت فِي الجواب لحقني منه عيب، وإن بادرت لم آمن الزلل، قَالَ: فقلت له ممتحنا: يا أبا الحسن من يعترض عليك، قل ما شئت، فأنت الكسائي، فأخذ لسانه بيده، فقال: قطعه اللَّه إذًا، إن قلت ما لا أعلم أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جعفر التميمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحسن بْن يونس القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن فرح، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر الدوري، قَالَ: لم يغير الكسائي شيئا من حاله مع السطان إلا لباسه، قَالَ: فرآه بعض علماء الكوفيين، وعليه جربانات عظام، فقال له: يا أبا الحسن ما هذا الزي؟ قَالَ: أدب من أدب السلطان لا يثلم دينا، ولا يدخل فِي بدعة، ولا يخرج عَن سنة وأَخْبَرَنَا أَبُو العلاء، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جعفر التميمي، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن القاسم الكاتب، قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بْن داود بْن الجراح: أَخْبَرَنِي أَبُو الفضل أَحْمَد بْن طاهر، قَالَ: كتب الكسائي النحوي إِلَى الرشيد بهذه الأبيات، وهو يؤدب مُحَمَّدا، واحتاج إِلَى التزويج، وهي أبيات جياد:
قل للخليفة ما تقول لمن أمسى إليك بحرمة يُدْلي
ما زلت مذ صار الأمين معي عبدي يدي ومطيتي رجلي
وعلى فراشي من ينبهني من نومتي وقيامه قبلي
أسعى برجل منه ثالثة موفورة مني بلا رجل
وإذا ركبت أكون مرتدفا قدام سرجي راكبا مثلي
فأمنن علي بما يسكنه عني وأهدِ الغمد للنصل
فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم، وجارية حسناء بآلتها، وخادم معها، وبرذون بسرجه، ولجامه أَخْبَرَنَا علي بْن أَحْمَد بْن عُمَر المقرئ، قَالَ: أنشدنا أَبُو طاهر عَبْد الواحد بْن عُمَر بْن أَبِي هاشم، قَالَ: أنشدني أَبُو الحسن علي بْن الحارث المرهبي، قَالَ: أنشدني عنبسة بْن النضر لعلي بْن حمزة الكسائي الأسدي:
إنما النحو قياس يتبع وبه فِي كل أمر ينتفع
فإذا ما أبصر النحو الفتى مر فِي المنطق مرا فاتسع
فاتقاه كل من جالسه من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر النحو الفتى هاب أن ينطق جبنا فانقطع
فتراه ينصب الرفع وما كان من خفض ومن نصب رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما صَرَّف الإعراب فيه وصنع
والذي يعرفه يقرأه فإذا ما شك فِي حرف رجع
ناظرا فيه وفي إعرابه فإذا ما عرف اللحن صدع
فهما فيه سواء عندكم ليست السنة فينا كالبدع
كم وضيع رفع النحو وكم من شريف قد رأيناه وضع
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الثابتي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُوسَى القرشي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا عون بْن مُحَمَّد الكندي، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة بْن عاصم، قَالَ: قَالَ الكسائي: حلفت أن لا أكلم عاميا إلا بما يوافقه، ويشبه كلامه، وقفت على نجار، فقلت: بكم هذان البابان؟ فقال: بسلحتان، فحلفت أن لا أكلم عاميا إلا بما يصلح أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن علي الصلحي، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الحسن عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن محمود القاضي بواسط، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الزاهد، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثعلب، قَالَ: كتب الكسائي إِلَى مُحَمَّد بْن الحسن
إن ترفقي يا هند فالرفق أيمن وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم
فأنت طلاق والطلاق عزيمة ثلاثا ومن يخرق يعق ويظلم
أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن علي الصيرفي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان بْن الأشعث، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مصفى، قَالَ: وعلي بْن حمزة الكسائي مات فِي سنة ثلاث وثمانين ومائة.
أَخْبَرَنَا هلال بْن المحسن، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الجراح، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابْن الأنباري، قَالَ: مات الكسائي، ومحمد بْن الحسن فِي سنة اثنتين وثمانين ومائة، فدفنهما الرشيد بقرية، يقال لها: رنبويه، وقال اليوم دفنت الفقه والنحو، فرثاهما اليزيدي، فقال
تصرمت الدنيا فليس خلود وما قد ترى من بهجة سيبيد
سيفنيك ما أفنى القرون التي مضت فكن مستعدا فالفناء عتيد
أسيت على قاضي القضاة مُحَمَّد فأذريت دمعي والفؤاد عميد
وقلت إذ ما الخطب أشكل من لنا بإيضاحه يوما وأنت فقيد؟
وأوجعني موت الكسائي بعده وكادت بي الأرض الفضاء تميد
وأذهلني عَن كل عيش ولذة وأرق عيني والعيون هجود
هما عالمانا أوديا وتخرما وما لهما فِي العالمين نديد
حَدَّثَنِي الحسن بْن أَبِي طالب، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة، قَالَ: سمعت أبا العباس أَحْمَد بْن يَحْيَى، قَالَ: توفي الكسائي، ومحمد بْن الحسن فِي يوم واحد، فقال الرشيد: دفنت اليوم الفقه واللغة أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جعفر التميمي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بشار الأنباري إِمْلاء، قَالَ: حَدَّثَنِي ثعلب، قَالَ: أَخْبَرَنِي سلمة عن الفراء، قَالَ: لما صار الكسائي إِلَى رنبوية وهو مع الرشيد فِي سفره إِلَى خراسان اعتل فتمثل:
قدر أحلك ذا النخيل وقد ترى وأبي ومالك ذو النخيل بدار
إلا كدار كما بذي بقر الحمى هيهات ذو بقر من المزدار
وبها مات، ويقال: بل مات بطوس، وفيها مات مُحَمَّد بْن الحسن يعني برنبويه فقال الرشيد لما رجع إِلَى العراق: خلفت الفقه والنحو برنبويه، قلت: قد ذكرنا تاريخ وفاة الكسائي، وأنها كانت فِي سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين، وقيل: مات بعد ذلك أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة، قَالَ: سنة تسع وثمانين فيها توفي مُحَمَّد بْن الحسن الفقيه، وعلي بْن حمزة الكسائي فِي يوم واحد وقرأت على الحسن بْن أَبِي بكر عَن أَحْمَد بْن كامل القاضي، قَالَ: ومات الكسائي بالري فِي سنة تسع وثمانين ومائة، وكان عظيم القدر فِي دينه، وفضله.
قلت: ويقال: إن عمره بلغ سبعين سنة أَخْبَرَنَا علي بْن أَحْمَد بْن عُمَر المقرئ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن مقسم، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْن فضلان، قَالَ: حَدَّثَنَا الكسائي الصغير، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مسحل، قَالَ: رأيت الكسائي فِي النوم كأن وجهه البدر، فقلت له: ما فعل بك ربك؟ قَالَ: غفر لي بالقرآن.
فقلت: ما فعل بحمزة الزيات؟ قَالَ: ذاك فِي عليين ما نراه إلا كما يرى الكوكب الدري أَخْبَرَنِي الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد البزوري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الحسن، قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن يَحْيَى، قَالَ: سمعت أبا مسحل عَبْد الوهاب بْن حريش، قَالَ: رأيت الكسائي فِي النوم، فقلت له: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غفر لي بالقرآن.
قلت: ما فعل بحمزة الزيات، وسفيان الثوري؟ قَالَ: فوقنا، ما نراهم إلا كالكوكب الدري.
قَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: فلم يدع قراءته حيا، ولا ميتا



تاريخ الإسلام ت بشار (4/ 927)
257 - الكسائي: عليّ بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز، مولى بني أسد، أبو الحَسَن الأسَديّ الكوفيُّ الكِسائيّ، [الوفاة: 181 - 190 ه]
شيخ القراء والنُّحاة.
نزل بغداد، وأدّب الرشيد، ثمّ ولده الأمين. قرأ القرآن على حمزة الزّيّات أربع مرّات، وقرأ أيضًا على مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عرْضا.
وَرَوَى عَنْ: جعفر الصادق، والأعمش، وسليمان بن أرقم، وأبي بكر بن عيّاش، وتلا أيضًا على عيسى بن عَمْر الهَمَدانيّ.
واختار لنفسه قراءة صارت إحدى القراءات السَّبْع، وتعلّم النَّحْوَ على كِبَر سنّه، وخرج إلى البصْرة، وجالّس الخليلَ فقال له: من أين أخذت؟ قال: ببَوَادي الحجاز، ونجْد، وتِهامَة. فخرج الكسائيّ إلى أرض الحجاز، وغاب مدةً، ثمّ قدم وقد أنفد خمسَ عشرةَ قَنّينة حِبْر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ في قلبه، ورجع والخليل قد مات، وجلس يونس بعده، فمرّت بين الكسائيّ وبين يونس مسائل أقرّ له فيها يونس.
قال عبد الرحيم بن موسى: سألته لِم سُمِّيت الكِسائيّ؟ قال: لأنّي أحْرَمْتُ في كِساء.
وقال الشّافعيّ: من أراد أن يتبحر في النَّحْو فهو عَيَّالٌ على الكِسائي.
قال أبو بكر ابن الأنباريّ: اجتمع في الكِسائيّ أمورٌ: كان أعلم النّاس بالنَّحْو، وواحَدَهم في الغريب، وكان أوحد النّاس في القرآن، وكانوا يكثرون عليه حتّى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم، ويجلس على كرسيّ، ويتلو القرآن من أوّله إلى آخره، وهم يسمعون، ويضبطون عنه حتّى المقاطع والمبادئ.
قال إسحاق بن إبراهيم: سمعتُ الكِسائيّ يقرأ القرآن على النّاس مرتين، وعن خَلَف بن هشام قال: كنت أحضر بين يدي الكِسائيّ، وهو يقرأ على النّاس، وينقّطون مَصَاحفَهم على قراءته.
قلت: وتلا على الكِسائيّ أبو عَمْر الدُّوريّ، وأبو الحارث اللَّيث بْن خالد، ونصير بن يوسف الرّازيّ، وقُتَيْبة بن مهران الأصبهانيّ، وأبو جعفر أحمد بن [ص:928] أبي سريج، وأحمد بن جبير الأنطاكيّ، وأبو حمدون الطيب بن إسماعيل، وأبو موسى عيسى بن سليمان الشيزري.
وَرَوَى عَنْهُ: أبو عُبَيْد القاسم بْن سلام، ويحيى الفرّاء، وخَلَف البزار، وعدة.
قال خَلَف: أولَمْتُ وليمةً فدعوت الكِسائيّ، واليَزِيديّ، فقال اليَزِيديّ: يا أبا الحَسَن، أمورٌ تبلُغُنا عنك ننكر بعضها، فقال الكسائي: أومثلي يخاطَبُ بهذا؟ وهل مع العالم إلا فَضْلُ بُصاقي في العربية، ثمّ بَصَق، فسكت اليَزِيديّ.
وللكِسائيّ كُتُب مصنَّفة، منها: كتاب "معاني القرآن"، "ومختصر النَّحْو"، وكتاب في القراءات، وكتاب "النوادر الكبير"، وتصانيف أُخر.
وقيل: إنّما عُرف بالكِسائيّ؛ لأنّه أيّام قراءته على حمزة كان يلْتَفّ في كساء، فلقَّبه أصحاب حمزة بالكِسائيّ.
أبو العبّاس بن مسروق: حدثنا سَلَمة بن عاصم قال: قال الكِسائيّ: صلَّيْتُ بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي فغلطت في آيةٍ ما أخطأ فيها صبيٌّ قط أردت أن أقول " لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [آل عمران] فقلت " يرجعين " فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول أخطأت، لكنّه لما سلّم قال: أيُّ لغةٍ هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثُرُ الجواد، قال: أما هذا فنعم.
وعن سلمة: سمعت الفراء يقول: سمعتُ الكِسائيّ يقول: ربّما سبقني لساني باللَّحْن فلا يمكنني أن أرد لساني.
وذكر ابن الدَّوْرَقيّ قال: اجتمع الكِسائيّ واليزيديّ عند الرشيد، فحضرت العشاء فقدّموا الكِسائيّ، فارْتُجّ عليه قراءة " قل يا أيها الْكَافِرُونَ " فقال اليزيديُّ: قراءة هذه السورة ترتجّ على قارئ أهل الكوفة! قال: فحضرت صلاةً فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في الحمد فلمّا سلم قال:
احْفَظْ لسانك لا تقول فتبتلى ... إنّ البلاء مُوكل بالمنطِق
وعن خَلَف قال: كان الكِسائيّ يقرأ لنا على المنبر، فقرأ يوما: " أنا أكثرَ منك مالا ". فسألوه عن العِلَّة فثُرْت في وُجوههم، فَمَحَوْه من كُتُبهم، ثمّ قال لي: يا خَلَف، يكون أحدٌ من بعدي يَسْلَم من اللَّحْن؟ [ص:929] قال الفرّاء: ناظرت الكِسائيّ يومًا وزدت، فكأنيّ كنت طائرًا يشرب من بحر.
وعن الفرّاء قال: إنما تعلّم الكِسائيّ النَّحْو على كِبَر؛ لأنّه جاء إلى قوم وقد أعيا، فقال: قد عَيَّيْتُ، فقالوا له: تُجالِسُنا، وأنت تَلْحن؟ قال: وكيف؟ قالوا: إنّ أردت من التعب فقل أعييت، وإن أردت انقطاع الحيلةُ في الأمر فقل عَيِيت، فأنِفَ من هذا، وقام وسأل عمَّن يعلّم النَّحْو، فأُرشِد إلى مُعاذ الهرّاء، فلزِمَه حتّى أنفد ما عنده، ثمّ خرج إلى الخليل.
قلت: وقد كانت للكِسائيّ عند الرشيد منزلة رفيعة، وسار معه إلى الرَّيّ، فمرض، ومات بقرية رَنْبَوَيْه، فلمّا اعتل تمثل، فقال.
قَدَرٌ أَحَلَّك ذا النخيل وقد رأى ... وأبي ومالك ذو النخيل بدارِ
ألا كداركم بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقرٍ من المُزْدارِ
ومات معه محمد بن الحسن الفقيه، فقال الرشيد لمّا رجع إلى العراق: دفنتُ الفقه والنَّحْو برَنْبَوَيْه.
وقال نُصير بن يوسف: دخلت على الكِسائيّ في مرض موته فأنشأ يقول: قَدَرٌ أَحَلَّك، وذكر البيتين، فقلت: كلا، ويمتع الله الجميع بك، فقال: لئن قلتَ ذاك لقد كنت أُقرئ في مسجد دمشق، فأغفيت في المحراب، فرأيتُ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داخلا من باب المسجد، فقام إليه رجلٌ، فقال: بحرف من نقرأ؟ فأومأ إلي.
قال الدُّوريّ: تُوُفّي الكِسائيّ بقرية أرْنَبَوَيْه، وكذا سماها أحمد بن جبير، وزاد فقال: في سنة تسعٍ وثمانين ومائة، وكذا أرخه جماعة.
فقيل إنه عاش سبعين سنة.
وفي وفاته أقوال واهية، سنة إحدى وثمانين، وسنة اثنتين، وسنة ثلاثٍ، وسنة خمسٍ وثمانين، وقيل: سنة ثلاثٍ وتسعين، والأول أصحّ.




الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (7/ 201)
الكتاب: الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (يُنشر لأول مرة على نسخة خطية فريدة بخطِّ الحافظ شمس الدين السَّخاوي المتوفى سنة 902 هـ)
المؤلف: أبو الفداء زين الدين قاسم بن قُطْلُوْبَغَا السُّوْدُوْنِي (نسبة إلى معتق أبيه سودون الشيخوني) الجمالي الحنفي (المتوفى: 879هـ)
7985 - علي [4] بن حمزة الكِسَائي المُقرئ، كنيته أبو الحسن.
يروي عن: الأعمش وعاصم بن أبي النجود. روى عنه أبو عبيد، وأهل العراق. مستقيم الحديث. مات بالري سنة تسع وثمانين ومائة برَنْبُويَه (1) قرية من قراها مع محمد بن الحسن الشيباني في يوم واحد (2).
وروى عن: حمزة الزيات، وأبي بكر بن عياش، ومحمد بن سهل، ومحمد بن مهران [147 - أ].
وروى عنه: أحمد بن أبي سُرَيج، ومبشر (3) بن عبيد، ويحيى بن آدم، وأبو عمر (4) الدوري (5).
_________
(1) في الأصل: بزيتونية. خطأ، ورنبويه قرية قرب الري. قال ياقوت في «معجم البلدان»: (3/ 73): بها مات علي بن حمزة الكسائي، ومحمد بن حسن الشيباني صاحب أبي حنيفة فدفنا بها، وكانا خرجا بصحبة الرشيد فقال: اليوم دفنت الفقه والنحو.
(2) «الثقات»: (8/ 457 - 458).
(3) في مطبوعة «الجرح والتعديل» كلمة غير ظاهرة كأنها مثسر، والصواب ما أثبتناه، ومبشر هذا من رجال «التهذيب».
(4) في الأصل: عمرو، خطأ، والدوري هو المقرئ المشهور، وهو من رجال «التهذيب».
(5) «الجرح والتعديل»: (6/ 182).



التاريخ الكبير للبخاري بحواشي محمود خليل (6/ 268)
2368- عَلِيّ بْن حَمزَة، أَبو الحَسَن، الكِسائِيُّ.
عَنْ مُحَمد بْن سَهل، سَمِعَ منه القاسم بْن مُلاَئِم.
يُقال: مات بالرَّي سَنَة تسع وثمانين ومئة.



سير أعلام النبلاء ط الرسالة (9/ 131)
44 - الكسائي أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله *
الإمام، شيخ القراءة والعربية، أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي مولاهم، الكوفي، الملقب: بالكسائي؛ لكساء أحرم فيه.
تلا على: ابن أبي ليلى عرضا، وعلى حمزة (1) .
وحدث عن: جعفر الصادق، والأعمش، وسليمان بن أرقم، وجماعة.
وتلا أيضا على: عيسى بن عمر المقرئ.
__________
(*) التاريخ الكبير 6 / 268، التاريخ الصغير 2 / 247، المعارف: 545، الجرح والتعديل 6 / 182، مراتب النحويين: 74، 75، طبقات النحويين: 138، 142، الفهرست لابن النديم: 29، تاريخ بغداد 11 / 403، المقتبس: 283، 291، الأنساب 10 / 419، نزهة الالباء 67، 75، معجم الأدباء 13 / 167، 203، إنباه الرواة 2 / 256، 274، وفيات الأعيان 3 / 295، تاريخ أبي الفداء 2 / 17، دول الإسلام 1 / 120، العبر 1 / 302، مرآة الجنان 1 / 421، 422، البداية والنهاية 11 / 201، 202، تهذيب التهذيب 7 / 313، 314، غاية النهاية 1 / 535، النجوم الزاهرة 2 / 130، بغية الوعاة 2 / 162، 165، طبقات المفسرين: 1 / 399، شذرات الذهب 1 / 321، معرفة القراء 1 / 100 - 107.
(1) هو حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، المتوفى سنة (156 هـ) أحد القراء السبعة.


سير أعلام النبلاء ط الرسالة (9/ 132)
واختار قراءة اشتهرت، وصارت إحدى السبع.
وجالس في النحو الخليل، وسافر في بادية الحجاز مدة للعربية، فقيل: قدم وقد كتب بخمس عشرة قنينة حبر.
وأخذ عن: يونس (1) .
قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو، فهو عيال على الكسائي.
قال ابن الأنباري: اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وأوحد في علم القرآن، كانوا يكثرون عليه، حتى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم، ويجلس على كرسي، ويتلو، وهم يضبطون عنه، حتى الوقوف.
قال إسحاق بن إبراهيم: سمعت الكسائي يقرأ القرآن على الناس مرتين.
وعن خلف، قال: كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يتلو، وينقطون على قراءته مصاحفهم.
تلا عليه: أبو عمر الدوري، وأبو الحارث الليث، ونصير (2) بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، وأحمد بن أبي سريج، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وأبو حمدون الطيب، وعيسى بن سليمان الشيزري، وعدة.
__________
(1) هو يونس بن حبيب الضبي النحوي، إمام نحاة البصرة في عصره، المتوفى (182هـ) .
أخذ عنه سيبويه، والكسائي، والفراء، وغيرهم من الأئمة.
(2) تحرف في المطبوع من " العبر " 1 / 434 إلى نصر، وهو مترجم في " غاية النهاية " 2 / 340، 341.


سير أعلام النبلاء ط الرسالة (9/ 133)
ومن النقلة عنه: يحيى الفراء، وأبو عبيد، وخلف البزار.
وله عدة تصانيف، منها: (معاني القرآن) ، وكتاب في القراآت، وكتاب (النوادر الكبير) ، ومختصر في النحو، وغير ذلك.
وقيل: كان أيام تلاوته على حمزة يلتف في كساء، فقالوا: الكسائي.
ابن مسروق: حدثنا سلمة، عن عاصم، قال الكسائي:
صليت بالرشيد، فأخطأت في آية، ما أخطأ فيها صبي، قلت: لعلهم يرجعين، فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، لكن
قال: أي لغة هذه؟
قلت: يا أمير المؤمنين! قد يعثر الجواد.
قال: أما هذا فنعم (1) .
وعن سلمة، عن الفراء، سمعت الكسائي يقول: ربما سبقني لساني باللحن.
وعن خلف بن هشام: أن الكسائي قرأ على المنبر: {أنا أكثر منك مالا} بالنصب، فسألوه عن العلة، فثرت في وجوههم، فمحوه، فقال لي: يا خلف! من يسلم من اللحن؟
وعن الفراء، قال: إنما تعلم الكسائي النحو على كبر (2) ، ولزم معاذا الهراء مدة، ثم خرج إلى الخليل.
قلت: كان الكسائي ذا منزلة رفيعة عند الرشيد، وأدب ولده الأمين، ونال جاها وأموالا، وقد ترجمته في أماكن.
سار مع الرشيد، فمات بالري، بقرية أرنبوية، سنة تسع وثمانين ومائة، عن سبعين سنة.
وفي تاريخ موته أقوال، فهذا أصحها.
__________
(1) الخبر في " تاريخ بغداد " 11 / 407، 408، و" غاية النهاية " 1 / 538، و" إنباه الرواة " 2 / 263، ونصه بتمامه: صليت بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط، أردت أن أقول (لعلهم يرجعون) فقلت " لعلهم يرجعين " قال: فوالله ما اجترأ هارون أن يقول لي: أخطأت، ولكنه لما سلمت، قال لي: يا كسائي أي لغة هذه؟ قلت يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، فقال: أما هذا، فنعم.
(2) وكان سبب تعلمه أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعيى، فجلس إلى قوم فيهم فضل، =




معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (4/ 1737)
المؤلف: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (المتوفى: 626هـ)
[753] علي بن حمزة الكسائي:
هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان، من ولد بهمن بن فيروز، مولى بني أسد، النحوي أحد الأئمة في القراءة والنحو واللغة، وأحد السبعة القراء المشهورين، وهو من أهل الكوفة استوطن بغداد وروى الحديث وصنف الكتب، ومات بالريّ صحبة الرشيد- على ما نذكره فيما بعد- سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ومائة وقيل بعد ذلك في سنة تسع وثمانين، وقال مهدي بن سابق: في سنة اثنتين وتسعين ومائة هو ومحمد بن الحسن الفقيه صاحب أبي حنيفة، فقال الرشيد: اليوم دفنت الفقه والعربية، قال الخطيب «1» إن عمر الكسائي بلغ سبعين سنة.
وكان الكسائي مؤدّبا لولد الرشيد، وكان أثيرا عند الخليفة حتى أخرجه من طبقة المؤدبين إلى طبقة الجلساء والمؤانسين. وكان الكسائي قد قرأ على حمزة الزيات ثم اختار لنفسه قراءة، وسمع من سليمان بن أرقم وأبي بكر ابن عياش. (وفي القرّاء آخر يقال له الكسائي الصغير واسمه محمد بن يحيى روى عنه ابن مجاهد عن خلف بن هشام البزار) .
حدث الخطيب قال قال الفراء «2» : إنما تعلم الكسائي النحوي على كبر، وسببه أنه جاء إلى قوم من الهبّاريين، وقد أعيا، فقال لهم: قد عييت، فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟ فقال: كيف لحنت؟ قالوا: إن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل عييت مخفّفا، وإن كنت أردت من التعب فقل أعييت، فأنف من هذه الكلمة، ثم قام من فوره ذلك فسأل من يعلّم النحو، فأرشده إلى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة وجئت إلى البصرة؟! فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ قال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ، فلم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس النحوي، فمرت بينهما مسائل أقرّ له يونس فيها وصدّره موضعه.
وحدث الخطيب أيضا بإسناد رفعه إلى عبد الرحيم بن موسى قال «1» : قلت للكسائي لم سمّيت الكسائي، قال: لأني أحرمت في كساء، قال وقيل فيه قول آخر، وذكر إسنادا رفعه إلى محمد بن يحيى المروزي قال: سألت خلف بن هشام لم سمّي الكسائي كسائيّا؟ فقال: دخل الكسائي الكوفة، فجاء إلى مسجد السّبيع، وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرىء فيه، فتقدم الكسائي مع أذان الفجر فجلس وهو ملتفّ بكساء من البرّكان الأسود، فلما صلّى حمزة قال: من تقدم في الوقت يقرأ، قيل له الكسائي أول من تقدم- يعنون صاحب الكساء- فرمقه القوم بأبصارهم، فقال:
إن كان حائكا فسيقرأ سورة يوسف وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه، فسمعهم فابتدأ بسورة يوسف، فلما بلغ إلى قصة الذئب قرأ فأكله الذّيب بغير همز، فقال له الزيات:
بالهمز، فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت في قوله تعالى فالتقمه الحؤت؟
قال: لا قال: فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب وهذا فالتقمه الحوت، فرفع حمزة بصره إلى خلّاد الأحول، وكان أجمل غلمانه، فتقدم إليه في جماعة من أهل المجلس فناظروه فلم يصيبوا «2» شيئا، فقال: أفدنا رحمك الله، فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك: تقول إذا نسبت الرجل إلى الذئب قد استذأب الرجل، ولو قلت قد استذاب بغير همز لكنت إنما نسبته إلى الهزال، تقول:
استذاب الرجل إذا استذاب شحمه بغير همز، وإذا نسبته إلى الحوت تقول قد استحات الرجل أي كثر أكله لأن الحوت يأكل كثيرا لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت، وفيه معنى آخر: لا تسقط الهمزة من مفرده ولا من جمعه وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذؤب ضاريات
قال: سمّي الكسائي من ذلك اليوم.
وحدث المرزباني فيما رفعه إلى ابن الأعرابي قال: كان الكسائي أعلم الناس على رهق فيه، كان يديم شرب النبيذ، ويجاهر باتخاذ الغلمان الرّوقة، إلا أنه كان ضابطا قارئا عالما بالعربية صدوقا.
وحدث المرزباني «1» فيما رفعه إلى الكسائي قال: أحضرني الرشيد سنة اثنتين وثمانين ومائة في السنة الثالثة من خلافته فأخرج إليّ محمدا الأمين وعبد الله المأمون كأنهما بدران فقال: امتحنهما بشيء، فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب فيه، فقال لي: كيف تراهما فقلت:
أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد
يسدّان آفاق السماء بهمّة ... يؤيدها حزم ورأي وسؤدد
سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبي محمد
حياة وخصب للوليّ ورحمة ... وحرب لأعداء وسيف مهند
ثم قلت: فرع زكا أصله، وطاب مغرسه، وتمكنت فروعه، وعذبت مشاربه، آواهما ملك أغرّ نافذ الأمر واسع العلم عظيم الحلم، أعلاهما فعلوا، وسما بهما فسموا، فهما يتطاولان بطوله، ويستضيئان بنوره، وينطقان بلسانه، فأمتع الله أمير المؤمنين بهما، وبلّغه الأمل فيهما، فقال: تفقدهما، فكنت أختلف إليهما في الأسبوع طرفي نهارهما.
وحدث الخطيب باسناد رفعه إلى سلمة قال «2» : كان عند المهدي مؤدّب يؤدّب الرشيد، فدعاه المهديّ يوما وهو يستاك فقال له: كيف تأمر من السواك قال استك يا أمير المؤمنين، فقال المهدي: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال: التمسوا لنا من هو أفهم من ذا، فقالوا: رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة قدم من البادية قريبا، فكتب بازعاجه من الكوفة، فساعة دخل عليه قال: يا علي بن حمزة، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: كيف تأمر من السواك، قال: سك يا أمير المؤمنين، قال: أحسنت وأصبت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
وحدث المرزباني عن عبد الله بن جعفر عن ابن قادم عن الكسائي قال:
حججت مع الرشيد، فقدّمت لبعض الصلوات فصليت فقرأت ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ
(النساء: 9) فأملت ضعافا، فلما سلمت ضربوني بالنعال والأيدي وغير ذلك حتى غشي عليّ، واتصل الخبر بالرشيد فوجّه بمن استنقذني، فلما جئته قال لي: ما شأنك، فقلت له: قرأت لهم ببعض قراءة حمزة الرديئة ففعلوا بي ما بلغ أمير المؤمنين، فقال بئس ما صنعت، ثم ترك الكسائي كثيرا من قراءة حمزة.
وحدّث فيما رفعه إلى الأحمر النحوي قال «1» : دخل أبو يوسف القاضي (وقال عبد الله بن جعفر: محمد بن الحسن) على الرشيد وعنده الكسائي يحدثه، فقال:
يا أمير المؤمنين قد سعد بك هذا الكوفي وشغلك، فقال الرشيد: النحو يستفرغني لأنني أستدلّ به على القرآن والشعر، فقال محمد بن الحسن أو أبو يوسف: إن علم النحو إذا بلغ فيه الرجل الغاية صار معلّما، والفقه إذا عرف الرجل منه جملة صار قاضيا، فقال الكسائي: أنا أفضل منك لأني أحسن ما تحسن وأحسن ما لا تحسن، ثم التفت إلى الرشيد وقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن له في جوابي عن مسألة من الفقه، فضحك الرشيد وقال: أبلغت يا كسائي إلى هذا، ثم قال لأبي يوسف:
أجبه، فقال الكسائي: ما تقول لرجل قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار، فقال أبو يوسف: إن دخلت الدار طلقت، فقال الكسائي: خطأ، إذا فتحت أن فقد وجب الأمر، وإذا كسرت فإنه لم يقع الطلاق بعد، فنظر أبو يوسف بعد ذلك في النحو.
وحدث أيضا عمن سمع الكسائي يقول «2» : اجتمعت أنا وأبو يوسف القاضي عند هارون الرشيد، فجعل أبو يوسف يذمّ النحو ويقول: وما النحو؟ فقلت:
- وأردت أن أعلمه فضل النحو- ما تقول في رجل قال لرجل أنا قاتل غلامك، وقال له آخر أنا قاتل غلامك، أيهما كنت تأخذ به، قال: آخذهما جميعا، فقال له هارون:
أخطأت، وكان له علم بالعربية، فاستحيا وقال: كيف ذلك؟ قال: الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال أنا قاتل غلامك بالاضافة لأنه فعل ماض، وأما الذي قال أنا قاتل غلامك بالنصب فلا يؤخذ لأنه مستقبل لم يكن بعد، كما قال الله عز وجل: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
(الكهف: 23) فلولا أنّ التنوين مستقبل ما جاز فيه غدا، فكان أبو يوسف بعد ذلك يمدح العربية والنحو.
وحدث فيما رفعه إلى إبراهيم بن إسماعيل الكاتب قال «1» : سأل اليزيدي الكسائي بحضرة الرشيد قال: انظر في هذا الشعر عيب، وأنشده:
ما رأينا خربا ن ... فّر عنه البيض صقر
لا يكون العير مهرا ... لا يكون المهر مهر
فقال الكسائي: قد أقوى الشاعر، فقال له اليزيدي: انظر فيه، فقال: أقوى لا بدّ أن ينصب المهر الثاني على أنه خبر كان، قال: فضرب اليزيديّ بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، الشعر صواب، إنما ابتدأ فقال المهر مهر، فقال له يحيى بن خالد: أتتكنّى بحضرة أمير المؤمنين وتكشف رأسك؟! والله لخطأ الكسائي مع أدبه أحبّ إلينا من صوابك مع سوء فعلتك «2» ، فقال: لذة الغلب أنستني من هذا ما أحسن.
حدث المرزباني، حدث محمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق، حدثنا النعمان بن هارون الشيباني قال: كان أبو نواس يختلف إلى محمد بن زبيدة، وكان الكسائي يعلّمه النحو، فقال أبو نواس: إني أريد أن أقبّل محمّدا قبلة، فقال له الكسائي: إن عليّ في هذا وصمة وأكره أن يبلغ هذا أمير المؤمنين، فقال أبو نواس: إنك إن تركتني أقبله وإلا قلت فيك أبياتا أرفعها إلى أمير المؤمنين، فأبى عليه الكسائي وظنّ أنه لا يفعل، فكتب أبو نواس رقعة:
قل للامام جزاك الله صالحة ... لا تجمع الدهر بين السخل والذيب
فالسخل غرّ وهمّ الذئب غفلته ... والذئب يعلم ما بالسخل من طيب
ودفعها إلى بعض الخدم ليوصلها إلى الرشيد، فجاء بها الخادم إلى الكسائي، فلما قرأها علم أنه شعر أبي نواس، فقال له ويحك: هذا أمر عظيم، سأتلطّف لك، فغب أياما ثم احضر وسلّم عليّ وعلى محمد فستبلغ حاجتك، فغاب وتحدث الكسائي أن أبا نواس غائب، ثم جاء فقام إليه الكسائي فسلّم عليه وعانقه، وسلم أبو نواس على محمد وقبله، وقال أبو نواس:
قد أحدث الناس ظرفا ... يزهو على كلّ ظرف
كانوا إذا ما تلاقوا ... تصافحوا بالأكف
فأظهروا اليوم رشف ال ... خدود والرشف يشفي
فصرت تلثم من شئ ... ت من طريق التحفي
قال وقال ابن أبي طاهر: وهذا الحديث عندي باطل مصنوع من قبل من حدّث به ابن أبي سعد عنه لا منه، لأن أبناء الخلفاء كانوا في مثل حال المخلوع أجلّ مكانا من أن يعانقوا أحدا من الرعية، ومن قبل أن هذا الشعر الأخير أنشدنيه غير واحد لعبد الصمد بن المعذّل، حتى خبرني أبو علي الفضل بن جعفر بن الفضل بن يوسف المعروف بالبصير أنه له، وأنه قاله بالكوفة في حداثة من سنه، وكان بعيدا من الكذب في ادعاء مثل هذا من الشعر، والله أعلم.
حدث عبد الله بن جعفر عن محمد بن يزيد عن المازني عن الأصمعي قال «1» :
كان الكسائي يأخذ اللغة من أعراب الحطمة «2» ينزلون بقطربّل وغيرها من قرى سواد بغداد، فلما ناظر الكسائي سيبويه استشهد بكلامهم واحتجّ بهم وبلغتهم على سيبويه، فقال أبو محمد اليزيدي:
كنا نقيس النحو في ما مضى
الأبيات في أخبار اليزيدي «3» .
ولليزيدي أشعار في الكسائي ذكرت في أخباره، ومن قول اليزيدي فيه «4» :
أفسد النحو الكسائ ... يّ وثنّى ابن غزاله
وأرى الأحمر تيسا ... فاعلفوا التيس النخاله
وحدث المرزباني عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن يزيد عن المازني والرياشي عن أبي زيد قال: لما ورد نعي الكسائي من الريّ قال أبو زيد: لقد دفن بها علم كثير بالكسائي. ثم قال: قدم علينا الكسائيّ البصرة فلقي عيسى والخليل وغيرهما وأخذ منهم نحوا كثيرا ثم صار إلى بغداد فلقي أعراب الحطمة فأخذ عنهم الفساد من الخطأ واللحن فأفسد بذلك ما كان أخذه بالبصرة كله. قال عبد الله: وذلك أنّ الكسائي كان يسمع الشاذّ الذي لا يجوز من الخطأ واللحن وشعر غير أهل الفصاحة والضرورات فيجعل ذلك أصلا ويقيس عليه حتى أفسد النحو.
قال أبو عبد الله ابن مقلة حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى قال «1» اجتمع الكسائي والأصمعي عند الرشيد وكانا معه يقيمان بمقامه ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائي «2» :
أم كيف ينفع ما يعطي العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن
فقال الأصمعي ريمان بالرفع، فقال له الكسائي: اسكت ما أنت وهذا، يجوز رئمان ورئمان ورئمان، ولم يكن الأصمعي بصاحب عربية، فسألت أبا العباس:
كيف جاز ذلك؛ فقال: إذا رفع رفع بينفع أي أم كيف ينفع رئمان أنف، وإذا نصب نصب بيعطي، وإذا خفض ردّه على الهاء في به. قال: والمعنى وما ينفعني إذا وعدتني بلسانك ثم لم تصدقه بفعلك؟ يقال ذلك للذي يبرّ ولا يكون منه نفع، كهذه الناقة التي تشمّ بأنفها مع تمنّع درتها، والعلوق التي قد علق قلبها بولدها، وذلك أنه نحر عنها ثم حشي جلده تبنا أو حشيشا وجعل بين يديها حتى تشمّه وتدرّ عليه، فهي تسكن إليه مرة ثم تنفر عنه ثانية، تشمّه بأنفها ثم تأباه مقلتها، فيقول: فما نفع هذا البوّ إذا تشممته ثم منعت درّتها.
قال أبو العباس: حدثني سلمة قال، قال الفرّاء: مات الكسائي وهو لا يحسن حدّ نعم وبئس ولا حدّ أن المفتوحة ولا حدّ الحكاية، قال فقلت لسلمة: فكيف لم يناظر في ذلك؟ فقال: قد سألته ذلك فقال: أشفقت أن أحادثه فيقول فيّ كلمة تسقطني فأمسكت. قال الفرّاء ولم يكن الخليل يحسن النداء ولا كان سيبويه يدري حدّ التعجب.
وحدث المرزباني في ما رفعه إلى الفرّاء قال «1» : قدم سيبويه على البرامكة فعزم يحيى بن خالد أن يجمع بينه وبين الكسائي، وجعل لذلك يوما، فلما حضر تقدمت والأحمر، فدخل فإذا بمثال في صدر المجلس فقعد عليه يحيى وقعد إلى جانب المثال جعفر والفضل ومن حضر بحضورهم، وحضر سيبويه فأقبل عليه الأحمر فسأله عن مسألة، فأجابه فيها سيبويه، فقال له: أخطأت، ثم سأله عن ثانية فأجاب فقال له: أخطأت، ثم سأله عن ثالثة فأجابه فيها فقال له: أخطأت، فقال له سيبويه: هذا سوء أدب، قال الفرّاء: فأقبلت عليه فقلت: إن في هذا الرجل حدة وعجلة، ولكن ما تقول فيمن قال هؤلاء أبون ومررت بأبين، كيف تقول على مثال ذلك وأيت أو أويت؟ قال فقدر فأخطأ، فقلت له: أعد النظر، ثلاث مرات تجيب ولا تصيب، فلما كثر عليه ذلك قال: لست أكلمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره، قال فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال: أتسألني أو أسألك؟ فقال: بل سلني أنت، فقال له الكسائي: كيف تقول قد كنت أظنّ أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي ولا يجوز النصب، فقال له الكسائي:
لحنت، ثم سأله عن مسائل من هذا النوع «خرجت فإذا عبد الله القائم» أو «القائم» فقال سيبويه في ذلك كلّه بالرفع دون النصب، فقال الكسائي: ليس هذا من كلام العرب، العرب ترفع في ذلك كلّه وتنصب، فدفع سيبويه قوله: فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؛ فقال له الكسائي:
هذه العرب في بابك قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت، فأمر باحضارهم فدخلوا فهم أبو فقعس وأبو دثار وأبو الجراح وأبو ثروان «2» ، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله: قال: فأقبل يحيى على سيبويه فقال له: قد تسمع أيها الرجل، فاستكان سيبويه، وأقبل الكسائي على يحيى فقال:
أصلح الله الوزير، إنه قد وفد عليك من بلده مؤملا فإن رأيت ألا تردّه خائبا، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصيّر وجهه نحو فارس، فأقام هناك حتى مات ولم يعد إلى البصرة. قال ثعلب: وإنما أدخل العماد في قوله «فإذا هو إياها» لأن فإذا مفاجأة أي «فوجدته ورأيته» ، ووجدت ورأيت ينصب شيئين ويكون معه خبر فلذلك نصبت العرب.
قال المؤلف: وقد ذكرنا هذا الخبر في باب سيبويه برواية أخرى، وذكرنا الاحتجاج للبصريين على تصويب قول سيبويه هناك إن شاء الله.
الزبير عن إسحاق الموصليّ قال: ما رأيت رجلا منسوبا إلى العلم أجهل بالشعر من الكسائي.
وبالاسناد قال: كان الكسائي من أشدّ خلق الله تسكّعا في تفسير شعر، وما رأيت أعلم بالنحو قطّ منه ولا أحسن تفسيرا ولا أحذق بالمسائل، والمسألة تشتقّ من المسألة والمسألة تدخل على المسألة.
وقرأت في «نوادر ابن الأعرابي» التي كتبها عنه ثعلب، سمعت الكسائي يقول: قلت لأبي زيد وآذاني باللزوم: يا هذا قد أمللتني كم تلزمني؟ فقال له أبو زيد: إنما ألزمك لأعلّمك، قال فقلت له: فاجلس في بيتك حتى آتيك. قال: وما جربت على الكسائي كذبة قط؛ قال أبو عبد الله ابن الأعرابي: ولئن كان أبو زيد قال هذا ما في الأرض أحد قط أخلّ عقلا منه. قال: وكان الكسائي أعلم من أبي زيد بكثير بالعربية واللغات والنوادر، ولو كان نظر في الأشعار ما سبقه أحد ولا أدركه أحد بعده.
وقال أبو الطيب اللغوي في «كتاب مراتب النحويين» «1» عن أبي حاتم قال: لم يكن لجميع الكوفيين عالم بالقرآن ولا كلام العرب، ولولا أنّ الكسائي دنا من الخلفاء فرفعوا ذكره لم يكن شيئا، وعلمه مختلط بلا حجج ولا علل إلا حكايات الأعراب مطروحة لأنه كان يلقنهم ما يريد، وهو على ذلك أعلم الكوفيين بالعربية والقرآن، وهو قدوتهم وإليه يرجعون.
وحدث المرزباني في كتابه قال «1» : كتب الكسائي إلى الرشيد وهو يؤدّب محمدا الأمين:
قل للخليفة ما تقول لمن ... أمسى إليك بحرمة يدلي
ما زلت مذ صار الأمين معي ... عبدي يدي ومطيتي رجلي
وعلى فراشي ما ينبّهني ... من نومتي بقيامه قبلي
أسعى برجل منه ثالثة ... نقصت زيادتها من الرجل
فامنن عليّ بما يسكّنه ... عني وأهد الغمد للنصل
قال: فضحك الرشيد وأمر له ببرذون بسرجه ولجامه، وبجارية حسناء بآلتها، وخادم وعشرة آلاف درهم.
قيل للكسائي: قد أبحت علمك الناس، فقال: يعين الله عليهم بالنسيان.
من «مجالسات ثعلب» : وصف ابن الأعرابي الكسائي فقال: كان أعلم الناس على رهق فيه، يريد إتيان ما يكره لأنه كان يشرب الشراب ويأتي الغلمان.
قال: ومن شعر الكسائي «2» :
إنما النحو قياس يتبع ... وبه في كلّ أمر ينتفع
فإذا ما أبصر «3» النحو الفتى ... مرّ في المنطق مرّا فاتّسع
فاتّقاه جلّ من جالسه ... من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر «4» النحو الفتى ... هاب أن ينطق جبنا فانقطع
فتراه يرفع النصب وما ... كان من خفض ومن نصب رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما ... صرّف الاعراب فيه وصنع
والذي يعرفه يقرأه ... فإذا ما شكّ في حرف رجع
ناظرا فيه وفي إعرابه ... فإذا ما عرف اللحن صدع
كم وضيع رفع النحو وكم ... من شريف قد رأيناه وضع
فهما فيه سواء عندكم ... ليست السنة فينا كالبدع
وحدث هارون بن علي المنجم في «أماليه» عن أبي توبة قال «1» : سمعت الفراء يقول: مدحني رجل من النحويين فقال لي: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو؟ فأعجبتني نفسي فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأني كنت طائرا يغرف من البحر بمنقاره.
وحدث محمد بن إسحاق النديم قال «2» : قرأت بخط أبي الطيب ابن أخي الشافعي قال: أشرف الرشيد على الكسائي وهو لا يراه، فقام الكسائي ليلبس نعله لحاجة يريدها، فابتدرها الأمين والمأمون، وكان مؤدبهما، فوضعاها بين يديه، فقبل رؤوسهما وأيديهما ثم أقسم عليهما ألّا يعاودا، فلما جلس الرشيد مجلسه قال: أيّ الناس أكرم خدما؟ قال: أمير المؤمنين أعزه الله، قال: بل الكسائي يخدمه الأمين والمأمون، وحدثهم الحديث.
حدث السلامي قال: حضر مجلس الكسائي أعرابيّ وهم يتحاورون في النحو، فأعجبه ذلك، ثم تناظروا في التصريف فلم يهتد إلى ما يقولون، ففارقهم وأنشأ يقول:
ما زال أخذهم في النحو يعجبني ... حتى تعاطوا كلام الزنج والروم
بمفعل فعل لا طاب من كلم ... كأنه زجل الغربان والبوم
وقرأت بخط أبي سعيد عبد الرحمن بن علي اليزدادي اللغوي الكاتب في «كتاب جلاء المعرفة» من تصنيفه «3» : قيل اجتمع إبراهيم النظام وضرار بين يدي الرشيد فتناظرا في القدر حتى دقّت مناظرتهما فلم يفهمهما، فقال لبعض خدمه ومن يثق به ويرضى برأيه: اذهب بهذين إلى الكسائي حتى يتناظرا بين يديه، ثم ليخبرك لمن الفلج منهما، فلما صار في بعض الطريق قال إبراهيم النظام لضرار: أنت تعلم أنّ الكسائي لا يحسن شيئا من النظر، وإنما معوّله على النحو والحساب، ولكن تهيء له مسألة نحو وأهيّء له مسألة حساب فنشغله بهما، لأنا لا نأمن أن يسمع منا ما لم يسمعه ولم يبلغه فهمه أن ينسبنا إلى الزندقة، فلما صارا إليه سلما عليه، ثم بدأ ضرار فقال:
أسألك أصلحك الله عن مسألة من النحو، قال: هاتها قال: ما حدّ الفاعل والمفعول به؟ قال الكسائي: حدّ الفاعل الرفع أبدا وحدّ المفعول به النصب أبدا، قال فكيف تقول: ضرب زيد؟ قال: ضرب زيد قال: فلم رفعت زيدا وقد شرطت أن المفعول به منصوب أبدا، قال: لأنه لم يسمّ فاعله، قال له: فقد أخطأت في العبارة إذ لم تقل إن من المفعولين من إذا لم يسمّ فاعله كان مرفوعا، ومن جعل لك الحكم بأن تجعل الرفع لمن لم يسمّ فاعله؟ قال: لأنا إذا لم نذكر الفاعل أقمنا المفعول به مقامه، لأنّ الفعل الواقع عليه غير مستحكم النقص، وعدم «1» النقص مطابق للرفع، فإذا ذكرنا من فعل به وأفصحنا بذلك نصبناه، قال له: فإن كان النصب مطابقا للنقص فمن لم يسمّ فاعله أولى به لأنا إذا قلنا ضرب زيد فقد يمكن أن يكون ضربه مائة رجل، وإذا قلنا ضرب عبد الله زيدا فلم يضربه إلا رجل واحد، فالذي أمكن أن يضربه مائة رجل أولى بالنصب والنقص ممن لم يضربه إلا رجل واحد، فوقف الكسائي فلم يدر ما يقول. ثم قال له إبراهيم: أسألك- أصلحك الله- عن مسألة من الحساب، قال:
قل، قال: كم جذر عشرة، قال: اجتمع الحسّاب على أنه لا جذر لعشرة، قال:
فهل علم الله جذرها؟ قال الله عالم كلّ شيء، قال: فما أنكرت أن يكون الله إذ علم كلّ شيء ألقاه إلى نبيّ من أنبيائه، ثم ألقاه ذلك النبي إلى صفيّ من أصفيائه، فلم يزل ذلك العلم ينمي حتى صار علم جذر عشرة عندي وأكون أعلم جذرها ولا تعلمه أنت وتكون مخطئا فيما قلت؟ فالتفت الكسائي إلى الغلام وقال: اذهب بهذين إلى أمير المؤمنين فقل: إنهما زنديقان كافران بالله العظيم، قال: وكان الخادم لبيبا حصيفا فأحسن العبارة عنهما وحسّن أمورهما فأمر لهما بجائزة سنية وصرفهما.
قال المؤلف: وهذه الحكاية عندي مصنوعة باردة وإنما كتبتها لكوني وجدتها بخط رجل عالم.
وحدث سلمة بن عاصم قال، قال الكسائي «1» : حلفت ألا أكلّم عاميّا إلا بما يوافقه ويشبه كلامه، وذلك أنني وقفت على نجار فقلت له: بكم ذانّك البابان؟ فقال بسلحتان، فحلفت ألا أكلم عاميّا إلا بما يصلحه.
وحدث الحزنبل قال: أنشدنا يعقوب بن السكيت لأبي الجراح العقيلي يمدح الكسائي:
ضحوك إذا زفّ الخوان وزوره ... يحيّا بأهلا مرحبا ثم يجلس
أبا حسن ما جئتكم قطّ مطفئا ... لظى الشوق إلا والزجاجة تقلس
قال يعقوب: يريد تمتلىء حتى تفيض، ونصب قوله يحيا بأهلا على الحكاية.
وحدث عبد الله بن جعفر عن عليّ بن مهدي عن أحمد بن الحارث الخراز قال «2» : كان الكسائي ممن وسم بالتعليم، وكان كسب به مالا إلا أنه حكي عنه أنه أقام غلاما ممن عنده في الكتّاب وقام يفسق به، وجاء بعض الكتاب ليسلّم عليه فرآه الكسائي ولم يره الغلام، فجلس الكسائي في مكانه وبقي الغلام قائما مبهوتا، فلما دخل الكاتب قال للكسائي: ما شأن هذا الغلام قائما؟ قال: وقع الفعل عليه فانتصب.
وحدث المرزباني فيما أسنده إلى سعدون القارىء قال: رأيت الكسائي وهو يسأل أبا الحسن المروزي وقد أقام أربعين سنة يختلف إلى الكسائي والمروزي يقول:
كيف تقول مررت بدجاجة تنقرك أو تنقرك، أو تنقرك، فقال له الكسائي: استحييت لك بعد أربعين سنة لا تعرف حروف النعت أنها تتبع الأسماء قل تنقرك من نعت الدجاجة. قال: والكسائي يهزأ به ويعبث وينقر أنفه.
وحدث أيضا باسناد رفعه إلى نصير الرازي النحوي- رجل كان بالري- قال:
قدم الكسائي مع هارون فاعتلّ علة منكرة، فأتاه هارون ماشيا متفرعا، فخرج من عنده وهو مغموم جدا فقال لأصحابه: ما أظن الكسائي إلا ميّتا، وجعل يسترجع، فجعل القوم يعزّونه ويطيبون نفسه وهو يظهر حزنا فقالوا: يا أمير المؤمنين وما له قضيت عليه بهذا؟ قال: إنه حدثني أنه لقي رجلا من الأعراب عالما غزير العلم بموضع يقال له ذو النخيلة، قال الكسائي: فكنت أغدو عليه وأروح أمتاح ما عنده، فغدوت عليه غدوة من تلك الغدوات فإذا هو ثقيل ورأيت به علة منكرة، قال: فألقى نفسه وجعل يتنفس ويقول «1» :
قدر أحلّك ذا النخيل وقد ترى ... وأبيّ ما لك ذو النخيل بدار «2»
إلا كداركم بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقر من المزدار
قال الكسائي: فغدوت عليه صباحا فإذا هو لما به، قال: فدخلت الساعة على الكسائي فإذا هو ينشد هذين البيتين فغمّني ذلك غما شديدا، فكان كما قال، مات من يومه ودفن بمنزله في سكة حنظلة بن نصر بالري سنة اثنتين وثمانين ومائة. وفي غير هذه الرواية زيادة في الشعر:
قالت جمال وكلهنّ جميلة ... ما تأمرون بهؤلا السفّار
قالوا بنو سفر ولم نشعر بهم ... وهم الذين نريد غير تماري
لما اتكأن على الحشايا مضمضت ... بالنوم أعينهنّ بعد غرار
سقط الندى بجنوبهنّ كأنما ... سقط الندى بلطائم العطار
وكانت وفاته برنبويه «3» ، كورة من كور الري، هو ومحمد بن الحسن الفقيه في وقت واحد، وكانا خرجا مع الرشيد إليها، فقال الرشيد: دفنت الفقه والنحو برنبويه، فقال أبو محمد اليزيدي يرثيهما «4» :
تصرّمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة سيبيد
سيفنيك ما أفنى القرون التي مضت ... فكن مستعدّا فالفناء عتيد
أسيت على قاضي القضاة محمد ... فأذريت دمعي والفؤاد عميد
وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا ... بايضاحه يوما وأنت فقيد
وأوجعني موت الكسائيّ بعده ... وكادت بي الأرض الفضاء تميد
وأذهلني عن كلّ عيش ولذة ... وأرّق عيني والعيون هجود
هما عالمانا أوديا وتخرّما ... وما لهما في العالمين نديد
وقد روي أن وفاة الكسائي كانت بطوس لا الريّ.
ولما بلغت هذه الأبيات إلى الرشيد قال: يا يزيدي لئن كنت تسيء بالكسائيّ في حياته لقد أحسنت بعد موته. وقيل بل قال له: أحسنت يا بصري، لئن كنت تظلمه في حياته لقد أنصفته بعد موته.
ومات الكسائي وله من التصانيف: كتاب معاني القرآن. كتاب مختصر في النحو. كتاب القراءات. كتاب العدد. كتاب النوادر الكبير. كتاب النوادر الأوسط.
كتاب النوادر الأصغر. كتاب اختلاف العدد. كتاب الهجاء. كتاب مقطوع القرآن وموصوله. كتاب المصادر. وكتاب الحروف. كتاب أشعار المعاياة وطرائقها. كتاب الهاءات المكني بها في القرآن «1» .
قرأت بخط الأزهري في «كتاب نظم الجمان» للمنذري: أسمعني أبو بكر عن بعض مشايخه أن الكسائي كان يقوم في المحراب يؤمّ فيشتدّ عليه القراءة حتى لا يقوم بقراءة الحمد لله ربّ العالمين، ثم يتحرّف فيقبل عليهم فيملي القرآن حفظا ويفسّره بمعانيه وتفسيره.








البيان في تفسير القرآن (ص: 91)
وحدث المرزباني فيما رفعه إلى ابن الاعرابي ، قال : " كان الكسائي أعلم الناس على رهق فيه ، كان يديم شرب النبيذ ، ويجاهر ب . . . إلا أنه كان ضابطا قارئا علما بالعربية صدوقا " ( 1 ) .
------------
( 1 ) معجم الادباء ج 5 ص 185 .



معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (4/ 1739)
المؤلف: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (المتوفى: 626هـ)
وحدث المرزباني فيما رفعه إلى ابن الأعرابي قال: كان الكسائي أعلم الناس على رهق فيه، كان يديم شرب النبيذ، ويجاهر باتخاذ الغلمان الرّوقة، إلا أنه كان ضابطا قارئا عالما بالعربية صدوقا.


معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (4/ 1747)
من «مجالسات ثعلب» : وصف ابن الأعرابي الكسائي فقال: كان أعلم الناس على رهق فيه، يريد إتيان ما يكره لأنه كان يشرب الشراب ويأتي الغلمان.



معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (4/ 1750)
وحدث عبد الله بن جعفر عن عليّ بن مهدي عن أحمد بن الحارث الخراز قال «2» : كان الكسائي ممن وسم بالتعليم، وكان كسب به مالا إلا أنه حكي عنه أنه أقام غلاما ممن عنده في الكتّاب وقام يفسق به، وجاء بعض الكتاب ليسلّم عليه فرآه الكسائي ولم يره الغلام، فجلس الكسائي في مكانه وبقي الغلام قائما مبهوتا، فلما دخل الكاتب قال للكسائي: ما شأن هذا الغلام قائما؟ قال: وقع الفعل عليه فانتصب.


الوافي بالوفيات (21/ 49)
وحكي أنه كان يشرب الشراب ويأتي الغلمان قيل إنه أقام غلاما ممن عنده في الكتاب يفسق به وجاء بعض الكتاب ليسلم عليه فرآه الكسائي ولم يره الغلام فجلس الكسائي في مكانه وبقي الغلام قائما مبهوتا فلما دخل الكاتب قال ما شأن هذا الغلام قائما قال وقع الفعل عليه فانتصب ذكر ذلك ياقوت في معجم الأدباء




أبجد العلوم (ص: 586)
علي بن حمزة الكسائي من ولد: بهمن بن فيروز إمام الكوفيين في النحو واللغة وأحد القراء السبعة
وسمي الكسائي: لأنه أحرم في كساء واستوطن بغداد وتعلم النحو على كبر وخدم عمرو بن العلاء سبع عشرة سنة وجلس في حلقة خليل وكان يديم شرب النبيذ ويأتي الغلمان وأدب الأمين: ولد هارون الرشيد ولم يكن له زوجة ولا جارية وجرى بينه وبين أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الفقيه الحنفي مجالس حكاها في طبقات النحاة وغيرها وله مع سيبويه وأبي محمد اليزيدي مجالس ومناظرات ذكر ابن خلكان بعضها في تراجم أربابها ومات هو ومحمد بن الحسن بالري في يوم واحد وكانا خرجا مع الرشيد فقيل: دفن النحو والفقه في يوم واحد وذلك سنة اثنتين أو ثلاث أو تسع وثمانين ومائة أو اثنتين وتسعين ومائة.
ثم صار الناس فريقين:
كوفيا: وشيخهم الكسائي وتلميذه المبرد.
وبصريا: وشيخهم سيبويه والأخفش تلميذه.
محمد بن يزيد أبو العباس الأزدي البصري المبرد إمام العربية ببغداد في زمانه كان إماما في النحو واللغة.




طبقات الحنابلة (1/ 153)
وقال أبو جعفر النفيلي خلف بن هشام كان من أصحاب السنة لولا بلية فيه شرب النبيذ.
وقال عباس الدوري وسئل عن حكاية عن أحمد بن حنبل في خلف فقال: لم أسمعها من أحمد ولكن حدثني أصحابنا أنهم ذكروا خلف البزار عند أحمد فقيل يا أبا عبد الله إنه يشرب قال: قد انتهى إلينا علم هذا عنه ولكن هو والله عندنا الثقة الأمين شرب أو لم يشرب.
وقال يحيى بن معين إنه الصدوق الثقة وقال الدارقطني أبو محمد خلف بن هشام بن تغلب البزار المقرىء كان عابدا فاضلا وآخر من روى عنه ابن منيع وقال أعدت صلاة أربعين سنة كنت أتناول فيها الشراب على مذهب الكوفيين.


الأغاني (3/ 460، بترقيم الشاملة آليا)
أخبرني عمي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعدٍ، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان السلمي، قال: حدثني أحمد بن سنانٍ البيساني، وأخبرني عمي قال: أخبرنا ابن أبي سعدٍ، قال: حدثنا مسعود بن عيسى، عن موسى بن عبد الله التميمي: أن جماعة من الشعراء اجتمعوا ببغداد وفيهم منصور النمري، وكانوا على نبيذٍ، فأبى منصور أن يشرب معهم، فقالوا له: إنما تعاف الشرب لأنك رافضي، وتسمع وتصغي إلى الغناء، وليس تركك النبيذ من ورعٍ، فقال منصور:
خلا بين ندماني موضع مجلسي ... ولم يبق عندي للوصال نصيب
وردت على الساقي تفيض وربما ... رددت عليه الكأس وهي سليب
وأي امرىء لا يستهش إذا جرت ... عليه بنانٌ كفهن خضيب
الغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل، مطلق في مجرى البنصر. ومن الناس من ينسبه إلى مخارق، هكذا في الخبر.



نور القبس (ص: 105، بترقيم الشاملة آليا)
المؤلف: أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود اليغموري (المتوفى: 673هـ)
قيل لأبي عمر الدوري: لم صحبتم الكسائي؟ وفيه من المجانة والخلاعة والمجاهرة بشرب النبيذ ومداعبة الغلمان ومخالطتهم، مافيه؟! قال: لضبطه القراءة وعلمه بالعربية وصدقه الحديث.