إعراب القرآن و بيانه، ج6، ص: 115 - درويش محي الدين
3- من هو سيبويه:
و قد تردد اسم سيبويه كثيرا و لا بد لنا من إلقاء نظرة عاجلة على قصة حياته لأن فيها فائدة و لأنه ترك لنا في نحو البصريين الكتاب الذي خلد الى يومنا هذا، و كان كتاب النحو الجامع حتى قيل فيه قرآن النحو.
فهو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي و هي نسبة الى الحارث بن كعب قبيلة يمنية و هذه النسبة بالولاء فقد كان سيبويه فارسيا فأما لقبه فسيبويه و قد غلب عليه و هو فارسي مركب مزجي من سيب أي التفاح و بوى أي الرائحة فمعناه رائحة التفاح على قاعدة إعراب القرآن و بيانه، ج6، ص: 116
الأوصاف باللغة الفارسية سمي بذلك لطيب رائحته أو لجماله و حسن خلقه و قيل مركب من سيب و ويه اسم صوت و يذكر بعض العارفين باللسان الفارسي ان ويه في هذا اللسان معناها مثل و شبه، فمعنى التركيب مثل التفاح و هكذا نفطويه: مثل النفط و عمرويه: مثل عمرو.
حكم سيبويه:
و الجاري على الألسنة سيبويه بفتح الباء و الواو و الهاء مكسورة و هذا حكم شائع في الاعلام المختومة بويه جاء في الكتاب قول سيبويه:
«و عمرويه عندهم بمنزلة حضر موت في انه ضم الآخر الى الأول و عمرويه في المعرفة مكسور في حال الجر و الرفع و النصب غير منون و في النكرة تقول هذا عمرويه آخر و رأيت عمرويه آخر» و تراه في الكتاب اقتصر على المشهور عند الناس و قد ينطق سيبويه بضم الباء و فتح الياء و سكون الهاء و يعزى هذا الى العجم تجنبوا الصورة الأولى لأن ويه صوت ندبة.
مولده و نشأته:
ولد سيبويه في البيضاء من كورة إصطخر بفارس من أبوين فارسيين و لا يعرف على وجه اليقين تاريخ ولادته و قد انتقل الى البصرة فتلقى العلم فيها و كانت هي و الكوفة المصرين المبرزين في علوم العربية والدين و لا يعرف شيئا عن أسرته إلا ما ذكر أنه مات بين يدي أخيه و لا ندري هل انتقلت معه الى البصرة أسرته و نحن لا نرى لأبيه ذكرا و نرى بشارا يهجوه حين اشتهر أمره فيقول:
ظللت تغني سادرا في مساءتي و أمك بالمصرين تعطي و تأخذ
و يظهر من هذا أن أمه كانت معه في العراق و لا ندري هل تزوج و في حديث للفراء أن سيبويه كانت له جارية تخدمه و في طبقات النحاة أن جاريته مزقت جزازات كتابه فطلقها فهل يريد بجاريته زوجته أو يريد بتطليقها إخراجها من بيته؟ و الظاهر انه لم يكن له زوج و لا ولد و آية ذلك انه بعد أن أخفق في بغداد في قصته مع الكسائي- على ما يأتي- أم يعد الى منزله بالبصرة.
كيف طلب النحو؟
اختلف سيبويه الى حماد بن سلمة شيخ الحديث و الرواية في البصرة في عصره فألقى عليه حماد الحديث: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: ما من أحد من أصحابي إلا أخذت عليه ليس أبا الدرداء» فقال سيبويه، و كان قد شدا شيئا من النحو: ليس أبو الدرداء فقال حماد لحنت يا سيبويه، فقال سيبويه: لا جرم لأطلبن علما لا تلتحنني فيه أبدا، و اتجه لدرس النحو فلزم الخليل و قد ظن سيبويه أن الواجب رفع ما بعد ليس ليكون اسما لها و لم يكن عرف أسلوب ليس في الاستثناء و قد عرض سيبويه لذلك في الكتاب و أشبعه بيانا و تعليلا.
بوادر نبوغه و حرية فكره:
و كان أكثر تلقيه عن الخليل حتى انه إذا قال: قال أو سألته فإنه يعني الخليل، و كان الخليل قد عرف له قدره و ثقابة ذهنه و قوة فطنته فأبثه علمه و نصح له في التعليم، و أخذ عن غير الخليل: أخذ عن عيسى ابن عمر و يونس بن حبيب و الأخفش الكبير أبي الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد و يذكر أبو زيد الأنصاري انه إذا قال سيبويه: أخبرني الثقة فإنما يعنيه و أول ما ظهر من بوادر نبوغه ما حدث به الأخفش قال: كنت عند يونس فقيل له: قد جاء سيبويه فقال أعوذ باللّه منه فجاء فسأله فقال: كيف تقول:
مررت به المسكين؟ فقال جائز أن أجره على البدل من الهاء فقال له:
فمررت به المسكين بالرفع على معنى المسكين مررت به فقال هذا خطأ لأن المضمر قبل الظاهر فقال له: إن الخليل أجاز ذلك و أنشد فيه أبياتا فقال: هو خطأ، قال فمررت به المسكين بالنصب؟ فقال جائز، فقال على أي شيء؟ فقال على الحال، فقال أليس أنت أخبرتني أن الحال لا تكون بالألف و اللام، فقال: صدقت ثم قال لسيبويه: فما قال صاحبك فيه؟ يعني الخليل، فقال سيبويه: قال انه ينصب على الترحم، فقال: ما أحسن هذا، و رأيته مغموما بقوله نصبته على الحال. و كان سيبويه مع إجلاله للخليل يزيف قوله ففي الكتاب: «و زعم الخليل انه يجوز أن يقول الرجل: هذا رجل أخو زيد إذا أردت أن تشبهه بأخي زيد و هذا قبيح لا يجوز إلا في موضع الاضطرار و لو جاز هذا لقلت هذا قصير الطويل تريد مثل الطويل فلم يجز هذا كما قبح أن تكون المعرفة حالا كالنكرة إلا في الشعر».
بين سيبويه و الكسائي:
و أتى الحظ و السعادة الكسائي و أصحابه فحلوا في بغداد محلا رفيعا و كان منهم مؤدبو أولاد الخلفاء و كانوا عند البصريين في النحو و الأدب أقل منهم معرفة و أضعف أسبابا و قد رأى سيبويه- و هو إمام البصريين- أن يزاحمهم في مركزهم فقصد بغداد و عرض على البرامكة أن يجمعوا بينه و بين الكسائي و يناظره و كان واثقا انه سيكون له الفلح و الظفر و بلغ الكسائي مقدم سيبويه و خشي مغبة المناظرة أن يزول سلطانه في بغداد فأتى جعفر بن يحيى بن برمك و الفضل أخاه و قال: أنا وليكما و صاحبكما و هذا الرجل إنما قدم ليذهب محلي قالا فاحتل لنفسك فإنا سنجمع بينكما و يبدو أن فارسية سيبويه يقابلها فارسية الكسائي فهو أيضا فارسي من ولد بهمن بن فيروز و كان أسديا بالولاء فلم يكن لسيبويه ما يجعله أقرب الى قلوب البرامكة من الكسائي فدبر هو و أصحابه خطة كان لها ما توقعوه و هي: أن يتقدمه في مجلس المناظرة أصحابه فيسألوا سيبويه أسئلة و يتألبوا فيها عليه حتى إذا فترت همته و بان كلاله جاء الكسائي فوجد قرنا ذهب حده و عزب نشاطه فكان له ما أراد من صرعه و قد تقدمت قصة المسألة الزنبورية في موضع آخر من هذا الكتاب.