يزيد بن معاوية(25 - 64 هـ = 645 - 683 م)

هل يجوز لعن يزيد بن معاوية؟






الخلاصة في بيان رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في الرافضة (ص: 147)
جمعه وعلق عليه وفهرسه الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود

71-رأيه في يزيد بن معاوية
ج71- افترق الناس في " يزيد " بن معاوية بن أبي سفيان ( ثلاث فرق : طرفان ووسط .
( فأحد الطرفين قالوا : إنه كان كافرا منافقا وأنه سعى في قتل سبط رسول الله تشفيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقاما منه وأخذا بثأر جده عتبة وأخي جده شيبة وخاله الوليد بن عتبة وغيرهم ممن قتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب وغيره يوم بدر وغيرها ؛ وقالوا : تلك أحقاد بدرية وآثار جاهلية وأنشدوا عنه : لما بدت تلك الحمول وأشرفت تلك الرءوس على ربي جيروني نعق الغراب فقلت نح أو لا تنح فلقد قضيت من النبي ديوني وقالوا : إنه تمثل بشعر ابن الزبعرى الذي أنشده يوم أحد : - ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل قد قتلنا الكثير من أشياخهم وعدلناه ببدر فاعتدل وأشياء من هذا النمط . وهذا القول سهل على الرافضة ؟ الذين يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان ؛ فتكفير يزيد أسهل بكثير .
( والطرف الثاني يظنون أنه كان رجلا صالحا وإمام عدل وأنه كان من " الصحابة " الذين ولدوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحمله على يديه وبرك عليه وربما فضله بعضهم على أبي بكر وعمر . وربما جعله بعضهم نبيا ويقولون عن " الشيخ عدي " أو حسن المقتول - كذبا عليه - إن سبعين وليا صرفت وجوههم عن القبلة لتوقفهم في يزيد . وهذا قول غالية العدوية والأكراد ونحوهم من الضلال . فإن الشيخ عديا كان من بني أمية وكان رجلا صالحا عابدا فاضلا ولم يحفظ عنه أنه دعاهم إلا إلى السنة التي يقولها غيره كالشيخ " أبي الفرج " المقدسي فإن عقيدته موافقة لعقيدته ؛ لكن زادوا في السنة أشياء كذب وضلال من الأحاديث الموضوعة والتشبيه الباطل والغلو في الشيخ عدي وفي يزيد والغلو في ذم الرافضة بأنه لا تقبل لهم توبة وأشياء أخر . وكلا القولين ظاهر البطلان عند من له أدنى عقل وعلم بالأمور وسير المتقدمين ؛ ولهذا لا ينسب إلى أحد من أهل العلم المعروفين بالسنة ولا إلى ذي عقل من العقلاء الذين لهم رأي وخبرة .
( والقول الثالث : أنه كان ملكا من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يولد إلا في خلافة عثمان ولم يكن كافرا ؛ ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع " الحسين " وفعل ما فعل بأهل الحرة ولم يكن صاحبا ولا من أولياء الله الصالحين وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة . ثم افترقوا ( ثلاث فرق : فرقة لعنته وفرقة أحبته وفرقة لا تسبه ولا تحبه وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين . قال صالح بن أحمد : قلت لأبي إن قوما يقولون إنهم يحبون يزيد فقال : يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ؟ فقلت : يا أبت فلماذا لا تلعنه ؟ فقال : يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحدا . وقال مهنا : سألت أحمد عن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان . فقال : هو الذي فعل بالمدينة ما فعل قلت : وما فعل ؟ قال : قتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل . قلت : وما فعل ؟ قال : نهبها قلت : فيذكر عنه الحديث ؟ قال : لا يذكر عنه حديث . وهكذا ذكر القاضي أبو يعلى وغيره . وقال أبو محمد المقدسي لما سئل عن يزيد : فيما بلغني لا يسب ولا يحب . وبلغني أيضا أن جدنا أبا عبد الله ابن تيمية سئل عن يزيد . فقال : لا تنقص ولا تزد . وهذا أعدل الأقوال فيه وفي أمثاله وأحسنها . أما ترك سبه ولعنته فبناء على أنه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه أو بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه إما تحريما وإما تنزيها . فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة " حمار " الذي تكرر منه شرب الخمر وجلده لما لعنه بعض الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم " { لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله }(1) " وقال : " { لعن المؤمن كقتله } " متفق عليه(2) . هذا مع أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الخمر وشاربها فقد ثبت أن النبي لعن عموما شارب الخمر ونهى في الحديث الصحيح عن لعن هذا المعين . وهذا كما أن نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى والزاني والسارق فلا نشهد بها عامة على معين بأنه من أصحاب النار ؛ لجواز تخلف المقتضي عن المقتضى لمعارض راجح : إما توبة ؛ وإما حسنات ماحية ؛ وإما مصائب مكفرة ؛ وإما شفاعة مقبولة ؛ وإما غير ذلك كما قررناه في غير هذا الموضع . فهذه ثلاثة مآخذ . ومن اللاعنين من يرى أن ترك لعنته مثل ترك سائر المباحات من فضول القول لا لكراهة في اللعنة . وأما ترك محبته فلأن المحبة الخاصة إنما تكون للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ؛ وليس واحدا منهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " { المرء مع من أحب }(3) " ومن آمن بالله واليوم الآخر : لا يختار أن يكون مع يزيد ولا مع أمثاله من الملوك ؛ الذين ليسوا بعادلين . ولترك المحبة " مأخذان " :
( أحدهما : أنه لم يصدر عنه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته فبقي واحدا من الملوك المسلطين . ومحبة أشخاص هذا النوع ليست مشروعة ؛ وهذا المأخذ ومأخذ من لم يثبت عنده فسقه اعتقد تأويلا .
( والثاني : أنه صدر عنه ما يقتضي ظلمه وفسقه في سيرته ؛ وأمر الحسين وأمر أهل الحرة . وأما الذين لعنوه من العلماء كأبي الفرج بن الجوزي وإلكيا الهراس وغيرهما : فلما صدر عنه من الأفعال التي تبيح لعنته ثم قد يقولون هو فاسق وكل فاسق يلعن . وقد يقولون بلعن صاحب المعصية وإن لم يحكم بفسقه كما لعن أهل صفين بعضهم بعضا في القنوت فلعن علي وأصحابه في قنوت الصلاة رجالا معينين من أهل الشام ؛ وكذلك أهل الشام لعنوا مع أن المقتتلين من أهل التأويل السائغ : العادلين والباغين : لا يفسق واحد منهم . وقد يلعن لخصوص ذنوبه الكبار ؛ وإن كان لا يلعن سائر الفساق كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعا من أهل المعاصي وأشخاصا من العصاة ؛ وإن لم يلعن جميعهم فهذه ( ثلاثة مآخذ للعنته . وأما الذين سوغوا محبته أو أحبوه كالغزالي والدستي فلهم مأخذان :
( أحدهما : أنه مسلم ولي أمر الأمة على عهد الصحابة وتابعه بقاياهم وكانت فيه خصال محمودة وكان متأولا فيما ينكر عليه من أمر الحرة وغيره فيقولون : هو مجتهد مخطئ ويقولون : إن أهل الحرة هم نقضوا بيعته أولا وأنكر ذلك عليهم ابن عمر وغيره وأما قتل الحسين فلم يأمر به ولم يرض به بل ظهر منه التألم لقتله وذم من قتله ولم يحمل الرأس إليه وإنما حمل إلى ابن زياد .
( والمأخذ الثاني : أنه قد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له }(1) " وأول جيش غزاها كان أميره يزيد .

" والتحقيق " . أن هذين القولين يسوغ فيهما الاجتهاد ؛ فإن اللعنة لمن يعمل المعاصي مما يسوغ فيها الاجتهاد وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات بل لا يتنافى عندنا أن يجتمع في الرجل الحمد والذم والثواب والعقاب ؛ كذلك لا يتنافى أن يصلى عليه ويدعى له وأن يلعن ويشتم أيضا باعتبار وجهين . فإن أهل السنة : متفقون على أن فساق أهل الملة - وإن دخلوا النار أو استحقوا دخولها فإنهم - لا بد أن يدخلوا الجنة فيجتمع فيهم الثواب والعقاب ؛ ولكن الخوارج والمعتزلة تنكر ذلك وترى أن من استحق الثواب لا يستحق العقاب ومن استحق العقاب لا يستحق الثواب . والمسألة مشهورة ؛ وتقريرها في غير هذا الموضع . وأما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسألة في الجنائز فإن موتى المسلمين يصلى عليهم برهم وفاجرهم وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه لكن الحال الأول أوسط وأعدل ؛ وبذلك أجبت مقدم المغل بولاي ؛ لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات ؛ فسألني . فيما سألني : ما تقولون في يزيد ؟ فقلت : لا نسبه ولا نحبه فإنه لم يكن رجلا صالحا فنحبه ونحن لا نسب أحدا من المسلمين بعينه . فقال : أفلا تلعنونه ؟ أما كان ظالما ؟ أما قتل الحسين ؟ . فقلت له : نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله : نقول كما قال الله في القرآن : ألا لعنة الله على الظالمين ولا نحب أن نلعن أحدا بعينه ؛ وقد لعنه قوم من العلماء ؛ وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد ؛ لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن . وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ؛ لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .
قال : فما تحبون أهل البيت ؟
قلت : محبتهم عندنا فرض واجب يؤجر عليه فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال « أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتى رسول ربى فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ». فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال « وأهل بيتى أذكركم الله فى أهل بيتى أذكركم الله فى أهل بيتى أذكركم الله فى أهل بيتى ». فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال ومن هم قال هم آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . قال كل هؤلاء حرم الصدقة قال نعم.(1) " قلت لمقدم : ونحن نقول في صلاتنا كل يوم : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد "
قال مقدم : فمن يبغض أهل البيت ؟
قلت : من أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا . ثم قلت للوزير المغولي لأي شيء قال عن يزيد وهذا تتري ؟ قال : قد قالوا له إن أهل دمشق نواصب قلت بصوت عال : يكذب الذي قال هنا ومن قال هذا : فعليه لعنة الله ، والله ما في أهل دمشق نواصب وما علمت فيهم ناصبيا ولو تنقص أحد عليا بدمشق لقام المسلمون عليه لكن كان - قديما لما كان بنو أمية ولاة البلاد - بعض بني أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه وأما اليوم فما بقي من أولئك أحد .(1)
__________
(1) - هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟
الحقيقة أنني ترددت كثيرا في إدراج هذه المسألة في هذا البحث وذلك لسببين ، أولهما أن الأمر يحتاج إلى نفس عميق وبحث متأن حتى لا تزل القدم بعد ثبوتها ، والسبب الآخر أن هذه المسألة قد وقع فيها التخبط الكثير من الناس ، وأحيانا من الخواص فضلا عن العوام ، فاستعنت بالله على خوض غمار هذه المسألة ونسأل الله الهداية والرشاد
وقد صنفت المصنفات في لعن يزيد بن معاوية والتبريء منه ، فقد صنف القاضي أبو يعلى كتابا بين فيه من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد بن معاوية ، وألف ابن الجوزي كتابا سماه " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد " ، وقد اتهم الذهبي - رحمه الله- يزيد بن معاوية فقال : " كان ناصبيا، فظا ، غليظا ، جلفا ، يتناول المسكر ويفعل المنكر " ، وكذلك الحال بالنسبة لابن كثير - رحمه الله - حينما قال : " وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم ، والحلم ، والفصاحة ، والشعر ، والشجاعة ، وحسن الرأي في الملك ، وكان ذا جمال وحسن معاشرة ، وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات ، وترك الصلوات في بعض أوقاتها ، وإماتتها في غالب الأوقات "
قلت : الذي يجوز لعن يزيد وأمثاله ، يحتاج إلى شيئين يثبت بهما أنه كان من الفاسقين الظالمين الذين تباح لعنتهم ، وأنه مات مصرا على ذلك ، والثاني : أن لعنة المعين من هؤلاء جائزة .
وسوف نورد فيما يلي أهم الشبهات التي تعلق بها من استدل على لعن يزيد والرد عليها :
أولا: استدلوا بجواز لعن يزيد على أنه ظالم ، فباعتباره داخلا في قوله تعالى { ألا لعنة الله على الظالمين }
الرد على هذه الشبهة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " هذه آية عامة كآيات الوعيد ، بمنزلة قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا }وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب للعن والعذاب ، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح ، إما توبة ، وإما حسنات ماحية ، وإما مصائب مكفرة ، وإما شفاعة شفيع مطاع ، ومنها رحمة أرحم الراحمين " ا.هـ .
فمن أين يعلم أن يزيد لم يتب من هذا ولم يستغفر الله منه ؟ أو لم تكن له حسنات ماحية للسيئات ؟ أو لم يبتلى بمصائب وبلاء من الدنيا تكفر عنه ؟ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن لعن الموصوف لا يستلزم إصابة كل واحد من أفراده إلا إذا وجدت الشروط ، وارتفعت الموانع ، وليس الأمر كذلك "
ثانيا : استدلوا بلعنه بأنه كان سببا في قتل الحسين - رضي الله عنه - :
الرد على هذه الشبهة:
الصواب أنه لم يكن ليزيد بن معاوية يد في قتل الحسين - رضي الله عنه - ، وهذا ليس دفاعا عن شخص يزيد لكنه قول الحقيقة ، فقد أرسل يزيد عبيد الله بن زياد ليمنع وصول الحسين إلى الكوفة ، ولم يأمر بقتله ، بل الحسين نفسه كان حسن الظن بيزيد حتى قال دعوني أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده . قال ابن الصلاح - رحمه الله - : " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله - أي الحسين رضي الله عنه - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله - كرمه الله - إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ، ولم يسب لهم حريما بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم ، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أهين نساء آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات ، وأهن هناك هذا كله كلام باطل ، بل كان بنو أمية يعظمون بني هاشم ، ولذلك لما تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر ، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها ، فهم كانوا يعظمون بني هاشم ، بل لم تسب هاشمية قط " ا.هـ .
قال ابن كثير - رحمه الله - : " وليس كل ذلك الجيش كان راضيا بما وقع من قتله - أي قتل الحسين - بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ، كما أوصاه أبوه ، وكما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك ، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو "ا.هـ.
وقال الغزالي - رحمه الله - : " فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلا فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت ، فضلا عن اللعنة ، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق "
قلت : ولو سلمنا أنه قتل الحسين ، أو أمر بقتله وأنه سر بقتله ، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه ، لكن بتأويل باطل ، وذلك فسق لا محالة وليس كفرا ، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين ولم يثبت سروره بقتله من وجه صحيح ، بل حكي عنه خلاف ذلك .
قال الغزالي : "فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله ؟ أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة ، لأن وحشيا قتل حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتله وهو كافر ، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعا ولا يجوز أن يلعن ، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر ، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ، وليس في السكوت خطر ، فهو أولى "
ثالثا : استدلوا بلعنه بما صنعه جيش يزيد بأهل المدينة ، وأنه أباح المدينة ثلاثا حيث استدلوا بحديث " من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله من صرفا ولا عدلا "
الرد على هذه الشبهة :
إن الذين خرجوا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة كانوا قد بايعوه بالخلافة ، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يبايع الرجل الرجل ثم يخالف إليه ويقاتله ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ،فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر " ، وإن الخروج على الإمام لا يأتي بخير ، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة التي تحذر من الإقدام على مثل هذه الأمور ، لذلك قال الفضيل بن عياض- رحمه الله - : " لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام ، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد " ، وهذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة والجماعة ، ومعركة الحرة تعتبر فتنة عظيمة ، والفتنة يكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل ، حتى لا يتميز لكثير من الناس ، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته ،ويكون فيها ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير ، فالفتنة كما قال شيخ الإسلام : " إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت فأما إذا أقبلت فإنها تزين ، ويظن أن فيها خيرا " .
وسبب خروج أهل المدينة على يزيد ما يلي :
غلبة الظن بأن بالخروج تحصل المصلحة المطلوبة ، وترجع الشورى إلى حياة المسلمين ، ويتولى المسلمين أفضلهم .
عدم علم البعض منهم بالنصوص النبوية الخاصة بالنهي عن الخروج على الأئمة .
قال القاضي عياض بشأن خروج الحسين وأهل الحرة وابن الأشعث وغيرهم من السلف : " على أن الخلاف وهو جواز الخروج أو عدمه كان أولا ، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم " ، ومن المعلوم أن أهل الحرة متأولون ، والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة ، لأنهم لا يريدون إلا الخير لأمتهم ، فقد قال العلماء : " إنه لم تكن خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرة " ، وأهل الحرة ليسوا أفضل من علي وعائشة و طلحة و الزبير وغيرهم ، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال ، وهم أعظم قدرا عند الله ، وأحسن نية من غيرهم .
... فخروج أهل الحرة كان بتأويل ، ويزيد إنما يقاتلهم لأنه يرى أنه الإمام ، وأن من أراد أن يفرق جمع المسلمين فواجب مقاتلته وقتله ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح .وكان علي - رضي الله عنه - يقول : " لو أن رجلا ممن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه ، ولو أن رجلا ممن بايع عمر خلعه لقاتلناه "
... أما إباحة المدينة ثلاثا لجند يزيد يعبثون بها يقتلون الرجال ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض ، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح ، فلا يوجد في كتب السنة أو في تلك الكتب التي ألفت في الفتن خاصة ، كالفتن لنعيم بن حماد أو الفتن لأبي عمرو الداني أي إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض ، وكذلك لا يوجد في أهم المصدرين التاريخيين المهمين عن تلك الفترة ( الطبري والبلاذري ) أي إشارة لوقوع شيء من ذلك ، وحتى تاريخ خليفة على دقته واختصاره لم يذكر شيئا بهذه الصدد ، وكذلك إن أهم كتاب للطبقات وهو طبقات ابن سعد لم يشر إلى شيء من ذلك في طبقاته .
نعم قد ثبت أن يزيد قاتل أهل المدينة ، فقد سأل مهنا بن يحيى الشامي الإمام أحمد عن يزيد فقال : " هو فعل بالمدينة ما فعل قلت : وما فعل ؟ قال : قتل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعل . قلت : وما فعل ؟ قال : نهبها " وإسنادها صحيح ، أما القول بأنه استباحها فإنه يحتاج إلى إثبات ، وإلا فالأمر مجرد دعوى ، لذلك ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى إنكار ذلك ، من أمثال الدكتور نبيه عاقل ، والدكتور العرينان ، والدكتور العقيلي . قال الدكتور حمد العرينان بشأن إيراد الطبري لهذه الرواية في تاريخه " ذكر أسماء الرواة متخليا عن مسئولية ما رواه ، محملا إيانا مسئولية إصدار الحكم ، يقول الطبري في مقدمة تاريخه : " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجها من الصحة ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما أتي من بعض ناقليه إلينا "ا.هـ.
... قلت : ولا يصح في إباحة المدينة شيء ، وسوف نورد فيما يلي هذه الروايات التي حصرها الدكتور عبد العزيز نور - جزاه الله خيرا - في كتابه المفيد " أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري - والتي نقلها من كتب التاريخ المعتمدة التي عنيت بهذه الوقعة :
... نقل ابن سعد خبر الحرة عن الواقدي . ونقل البلاذري عن هشام الكلبي عن أبي مخنف نصا واحدا ، وعن الواقدي ثلاثة نصوص . ونقل الطبري عن هشام الكلبي أربعة عشر مرة ، وهشام الكلبي الشيعي ينقل أحيانا من مصدر شيعي آخر وهو أبو مخنف حيث نقل عنه في خمسة مواضع .ونقل الطبري عن أبي مخنف مباشرة مرة واحدة . وعن الواقدي مرتين . واعتمد أبو العرب على الواقدي فقط ، فقد نقل عنه أربعا وعشرين مرة .ونقل الذهبي نصين عن الواقدي . وذكرها البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان الفسوي . وأول من أشار إلى انتهاك الأعراض هو المدائني المتوفى سنة 225هـ ويعتبر ابن الجوزي أول من أورد هذا الخبر في تاريخه .
قلت : مما سبق بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل هذه الروايات تكمن في الواقدي ، وهشام الكلبي ، وأبي مخنف ، بالإضافة إلى رواية البيهقي التي من طريق عبد الله بن جعفر .
... أما الروايات التي جاءت من طريق الواقدي فهي تالفة ، فالواقدي قال عنه ابن معين : " ليس بشيء " . وقال البخاري : " سكتوا عنه ، تركه أحمد وابن نمير " . وقال أبو حاتم و النسائي : " متروك الحديث " .وقال أبو زرعة : " ضعيف " .
... أما الروايات التي من طريق أبي مخنف ، فقد قال عنه ابن معين : " ليس بثقة " ، وقال أبو حاتم : " متروك الحديث " . وقال النسائي : " إخباري ضعيف " . وقال ابن عدي : " حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين ، ولا يبعد أن يتناولهم ، وهو شيعي محترق ، صاحب أخبارهم ، وإنما وصفته لأستغني عن ذكر حديثه ، فإني لا أعلم له منة الأحاديث المسندة ما أذكره ، وإنما له من الأخبار المكروهة الذي لا أستحب ذكره " . وأورده الذهبي في " ديوان الضعفاء " و " المغني في الضعفاء " . وقال الحافظ : " إخباري تالف " .
مناقشة الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض : ...
أما الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض ، وهي التي أخرجها ابن الجوزي من طريق المدائني عن أبي قرة عن هشام بن حسان : ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ، والرواية الأخرى التي أخرجها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان : قال : حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن المغيرة قال : أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام . فزعم المغيرة أنه افتض ألف عذراء ، فالروايتان لا تصحان للعلل التالية:
... - أما رواية المدائني فقد قال الشيباني : " ذكر ابن الجوزي حين نقل الخبر أنه نقله من كتاب الحرة للمدائني ، وهنا يبرز سؤال ملح : وهو لماذا الطبري والبلاذري ، وخليفة وابن سعد وغيرهم ، لم يوردوا هذا الخبر في كتبهم ، وهم قد نقلوا عن المدائني في كثير من المواضع من تآليفهم ؟ قد يكون هذا الخبر أقحم في تآليف المدائني ، وخاصة أن كتب المدائني منتشرة في بلاد العراق ، وفيها نسبة لا يستهان بها من الرافضة ، وقد كانت لهم دول سيطرت على بلاد العراق ، وبلاد الشام ، ومصر في آن واحد ، وذلك في القرن الرابع الهجري ، أي قبل ولادة ابن الجوزي رحمه الله ، ثم إن كتب المدائني ينقل منها وجادة بدون إسناد " ا.هـ.
... - في إسناد البيهقي عبد الله بن جعفر ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ( 2/400) وقال : " قال الخطيب سمعت اللالكائي ذكره وضعفه . وسألت البرقاني عنه فقال : ضعفوه لأنه روى التاريخ عن يعقوب أنكروا ذلك ، وقالوا : إنما حديث يعقوب بالكتاب قديما فمتى سمع منه؟ "ا.هـ.
راوي الخبر هو : المغيرة بن مقسم ، من الطبقة التي عاصرت صغار التابعين ،ولم يكتب لهم سماع من الصحابة ، وتوفي سنة 136هـ ، فهو لم يشهد الحادثة فروايته للخبر مرسلة .
كذلك المغيرة بن مقسم مدلس ، ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين الذين لا يحتج بهم إلا إذا صرحوا بالسماع .
الراوي عن المغيرة هو عبد الحميد بن قرط ، اختلط قبل موته ، ولا نعلم متى نقل الخبر هل هو قبل الاختلاط أم بعد الاختلاط ، فالدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
الرواية السالفة رويت بصيغة التضعيف ، والتشكيك بمدى مصداقيتها : " زعم المغيرة - راوي الخبر - أنه افتض فيها ألف عذراء .
أما الرواية الأخرى التي جاء فيها وقوع الاغتصاب ، هي ما ذكرها ابن الجوزي أن محمد بن ناصر ساق بإسناده عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمته أم الهيثم بنت يزيد قالت : " رأيت امرأة من قريش تطوف ، فعرض لها أسود فعانقته وقبلته ، فقلت : يا أمة الله أتفعلين بهذا الأسود ؟ فقالت : هو ابني وقع علي أبوه يوم الحرة " ا.هـ.
خالد الكندي وعمته لم أعثر لهما على ترجمة .
أما الرواية التي ذكرها ابن حجر في الإصابة أن الزبير بن بكار قال : حدثني عمي قال : كان ابن مطيع من رجال قريش شجاعة ونجدة ، وجلدا فلما انهزم أهل الحرة وقتل ابن حنظلة وفر ابن مطيع ونجا ، توارى في بيت امرأة ، فلما هجم أهل الشام على المدينة في بيوتهم ونهبوهم ، دخل رجل من أهل الشام دار المرأة التي توارى فيه ابن مطيع ، فرأى المرأة فأعجبته فواثبها ، فامتنعت منه ، فصرعها ، فاطلع ابن مطيع على ذلك فخلصها منه وقتله "
وهذه الرواية منقطعة ، فرواوي القصة هو مصعب الزبيري المتوفى سنة 236هـ ، والحرة كانت في سنة 63هـ ، فيكون بينه وبين الحرة زمن طويل ومفاوز بعيدة .
قلت :فلم نجد لهم رواية ثابتة جاءت من طريق صحيح لإثبات إباحة المدينة ،بالرغم من أن شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن حجر - رحمهما الله - قد أقرا بوقوع الاغتصاب ، ومع ذلك لم يوردا مصادرهم التي استقيا منها معلوماتهما تلك ، ولا يمكننا التعويل على قول هذين الإمامين دون ذكر الإسناد ، فمن أراد أن يحتج بأي خبر كان فلا بد من ذكر إسناده ، وهو ما أكده شيخ الإسلام ابن تيميه حينما قال في المنهاج : " لا بد من ذكر ( الإسناد ) أولا ، فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جرزة بقل لم يقبل منه ، فكيف يحتج به في مسائل الأصول " ا.هـ . فكيف نقبل الحكم الصادر على الجيش الإسلامي في القرون المفضلة بأنه ينتهك العرض دون أن تكون تلك الروايات مسندة ، أو لا يمكن الاعتماد عليها ! ثم على افتراض صحتها جدلا فأهل العلم حينما أطلقوا الإباحة فإنما يعنون بها القتل والنهب كما جاء ذلك عن الإمام أحمد ، وليس اغتصاب النساء ، فهذه ليست من شيمة العرب ، فمن المعلوم أن انتهاك العرض أعظم من ذهاب المال ، فالعرب في الجاهلية تغار على نسائها أشد الغيرة ، وجاء الإسلام ليؤكد هذا الجانب ويزيده قوة إلى قوته ، واستغل الرافضة هذه الكلمة - الإباحة - وأقحموا فيها هتك الأعراض ، حتى أن الواقدي نقل بأن عدد القتلى بلغ سبعمائة رجل من قريش والأنصار ومهاجرة العرب ووجوه الناس ، وعشرة آلاف من سائر الناس ! وهو الذي أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- فقال : لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -" ا.هـ.
ثم إن المدينة كانت تضم الكثير من الصحابة والتابعين ، وبعضهم لم يشترك في المعركة من أمثال : ابن عمر ، وأبي سعيد الخدري ، وعلي بن الحسين ، وسعيد بن المسيب ، وهؤلاء لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون النساء المؤمنات يفجر بهن ، حتى التبس أولاد السفاح بأولاد النكاح كما زعموا ! .
كما أننا لا نجد في كتب التراجم أو التاريخ ذكرا لأي شخص قيل إنه من سلالة أولاد الحرة ( الألف ) كما زعموا .
سجل لنا التاريخ صفحات مشرقة ما اتسم به الجندي المسلم والجيوش الإسلامية ، من أخلاق عالية وسلوك إسلامي عظيم ، حتى أدت في بعض الأحيان إلى ترحيب السكان بهم ، كفاتحين يحملون الأمن والسلام والعدل للناس .
لم ينقل إلينا أن المسلمين يفتحون المدن الكافرة ، ويقومون باستباحتها وانتهاك أعراض نسائها ! فكيف يتصور أن يأتي هذا المجاهد لينتهك أعراض المؤمنات ، بل أخوات وحفيدات الصحابة - رضوان الله عليهم - سبحانك هذا بهتان عظيم .
ومن العجيب أن هناك من نسب إلى يزيد بن معاوية أنه لما بلغته هزيمة أهل المدينة بعد معركة الحرة ، تمثل بهذا البيت :
ألا ليت أشياخي ببدر شهدوا ... ... جزع الخزرج من وقع الأسل
فهذا البيت قاله ابن الزبعري بعد معركة أحد ، وكان كافرا ويتشفى بقتل المسلمين ، وذكره البن كثير ثم عقب بعده بالقول : " فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فعليه لعنة الله وعليه لعنة اللاعنين ، وإن لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه ليشنع به عليه " ا.هـ. ثم أنكر - رحمه الله - في موضع آخر من كتابه نسبة هذا البيت إلى يزيد ، وقال : " إنه من وضع الرافضة " ا.هـ. ، وجزم شيخ الإسلام ببطلانه فقال : " ويعلم ببطلانه كل عاقل "
رابعا : استدلوا بجواز لعنه بما روي عن الإمام أحمد :
... وهي التي أخرجها أبو يعلى الفراء بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : إن قوما ينسبون إلى تولية يزيد ، فقال : يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ؟ فقلت : ولم لا تلعنه ؟ فقال : ومتى رأيتني ألعن شيئا ، ولم لا يلعن من لعنه الله في كتابه ؟ فقرأ قوله تعالى { أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .
قلت : وهذه الرواية لا تصح للعلل التالية :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " هذه الرواية التي ذكرت عن أحمد منقطعة ليست ثابتة عنه ، ثم إن الآية لا تدل على لعن المعين " ا.هـ.
ثبت عن الإمام أحمد النهي عن اللعن ، كما في رواية صالح نفسه ، أن أحمد قال : " ومتى رأيت أباك يلعن أحدا ، لما قيل له ألا تلعن يزيد " ، وحين سأل عصمة بن أبي عصمة أبو طالب العكبري الإمام أحمد عن لعن يزيد ، قال : " لا تتكلم في هذا . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لعن المؤمن كقتله " ، وقال : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم " . وقد كان يزيد فيهم فأرى الإمساك أحب إلي " ا.هـ.
قال الخلال : " وما عليه أحمد هو الحق من ترك لعن المعين ، لما فيه من أحاديث كثيرة تدل على وجوب التوقي من إطلاق اللعن "
قال تقي الدين المقدسي : " إن المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق لا المعين ، كما قلنا في نصوص الوعد والوعيد ، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار ، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة ، وأن الكافرين في النار ، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة ، ولا نشهد بذلك لمعين إلا من شهد له النص ، أو شهدت له الاستفاضة على قول ، ثم إن النصوص التي جاءت في اللعن جميعها مطلقة ، كالراشي والمرتشي ، وآكل الربا وموكله ، وشاهديه وكاتبه " ا.هـ.
اختلاف الحنابلة - رحمهم الله - في تجويز لعن يزيد إنما جاء باعتماد بعضهم على رواية صالح المنقطعة ، والتي لا تثبت عن الإمام أحمد - رحمه الله - ، لذلك اعتمد أبو يعلى على تلك الرواية فألف كتابا ذكر فيه بيان ما يستحق من اللعن ، وذكر منهم يزيد ، وتابعه في ذلك ابن الجوزي - رحمه الله - فألف كتابا سماه " الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد " ، وأباح فيه لعن يزيد بن معاوية .ولم يقتصر ذلك على بعض فقهاء الحنابلة بل امتد إلى غيرهم ، فتابع السيوطي ابن الجوزي في ذلك ، وإلى ذلك ذهب ابن حجر - رحمه الله - وذكر أن الإمام أحمد يجيز لعن يزيد ، بينما شذ أبو المعالي حينما نقل الإتفاق على جواز لعن يزيد بن معاوية .
خامسا : استدلوا بجواز لعنه بأنه كان يقارف المسكرات ، وينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويدع الصلوات :
... نقل الطبري روايتين عن أبي مخنف . ونقل البلاذري عدة روايات عن الواقدي . ونقل ابن عساكر وابن كثير عن محمد بن زكريا الغلابي نصا واحدا .ونقل البيهقي وابن عساكر وابن كثير رواية واحدة من طريق الفسوي . ونقل ابن كثير رواية واحدة عن أبي مخنف .ونقل الطبري وخليفة بن خياط وأبو الحسن العبدي وابن كثير والذهبي وابن حجر على رواية جويرية بن أسماء عن أشياخ أهل المدينة ، ونقل ابن سعد عن الواقدي نصا واحدا .ونقل البياسي عن أبي مخنف نصا واحدا .ونقل ابن عساكر عن عمر بن شبة باتهام يزيد بشرب الخمر .
... قلت : مما سلف بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل تلك الروايات تكمن في الواقدي ، وأبي مخنف ، وعوانة بن الحكم ، ورواية عمر بن شبة .
... فأما الروايات التي من طريق الواقدي وأبي مخنف فهما متروكا الحديث ، وأما عوانة بن الحكم فقد قال عنه الحافظ ابن حجر : " فكان يضع الأخبار لبني أمية " .وأما رواية عمر بن شبة التي تشير إلى اتهام يزيد بشرب الخمر في حداثته ، فقد تكفل ابن عساكر - رحمه الله - في ردها فقال : " وهذه حكاية منقطعة ، فإن عمر بن شبة بينه وبين يزيد زمان "
... قلت : وأقوى ما يتعلق به المتهمون يزيد بشرب الخمر بروايتين :
الرواية الأولى :
... وهي التي أخرجها ابن عساكر وغيره من طريق محمد بن زكريا الغلابي ، في أن يزيد كان يشرب الخمر في حداثته ، فأرشده أبوه إلى شربها ليلا فقط!! ، وهذه الرواية لا تصح سندا ولا متنا للعلل التالية :
في سندها محمد بن زكريا الغلابي ، قال عنه الدارقطني : " كان يضع الحديث "، وذكره الذهبي في " المغني في الضعفاء " ، وساق له حديثا في ميزان الاعتدال ، وقال : " فهذا من كذب الغلابي " .
وفي سندها ابن عائشة راوي الخبر ، وهو محمد بن حفص بن عائشة ، فقد ذكره أبو حاتم و البخاري و سكتا عنه ، فهو مجهول عندهما كما قرر ذلك ابن القطان في كتابه : " بيان الوهم والإيهام " .
لم تحدد المصادر تاريخ وفاة ابن عائشة ، غير أن ابنه عبد الله الراوي عنه توفي سنة 228هـ ، وبهذا فإن ابن عائشة ولد تقريبا بعد المائة من الهجرة ، ومن ثم تكون الرواية مرسلة ، لأن الراوي بينه وبين هذه القصة - على افتراض وقوعها - أمد بعيد .
من ناحية المتن فكيف يرضى معاوية - رضي الله عنه - لولده بشرب الخمر ، ويشجعه عليها ليلا ، ومعاوية هو الصحابي الجليل وأخو أم المؤمنين وكاتب الوحي المبين ، وهو رواي الحديث : " من شرب الخمر فاجلوده ".
قال الشيباني - حفظه الله - : " ومن الغريب أن ابن كثير - رحمه الله - بعد إيراده لهذا الخبر تعقبه بقوله : قلت : وهذا كما جاء في الحديث من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل " ويفهم من تعقيب ابن كثير كأنه مؤيد لهذه الرواية التي لا تحظى بأي نسبة من الصدق " ا.هـ.
الرواية الثانية :
وهي رواية يعقوب بن سفيان البسوي : سمعت ابن عفير : أخبرنا ابن فليح أن عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه ، وأحسن جائزته ، فلما قدم المدينة قام إلى جنب المنبر ، وكان مرضيا صالحا . فقال : ألم أجب ؟ ألم أكرم ؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكرا. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة فخلعوه "
... قلت : هذه الرواية لا تصح سندا ولا متنا ، وذلك للعلل التالية :
ابن فليح هو يحيى بن فليح بن سليمان المدني ، قال عنه ابن حزم : " مجهول " وقال مرة : " ليس بالقوي " . @@@ .
ابن فليح وأبوه أيضا لم يدركا هذه الحادثة ،فقد ولد أبوه سنة 90 من الهجرة تقريبا ، وتوفي سنة ثمان وستين ومئة من الهجرة ، ومن هنا يتضح أن كان بين مولد أبيه والحادثة مفاوز طويلة وزمان بعيد ، ومن ثم تبقى الرواية منقطعة .
عندما ذهب عبد الله بن مطيع إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى ، فقال ابن مطيع : إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب ، فقال لهم : ما رأيت منه ما تذكرون ، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة ، متحريا للخير ، يسأل عن الفقه ملازما للسنة ، قالوا : فإن ذلك كان منه تصنعا ، فقال : وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر لي الخشوع ؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه ، وإن لك يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا "
محمد بن الحنفية هو أخو الحسين بن علي ، وقد قتل أخوته وأقاربه في كربلاء ، وليس من المعقول أن يقف مع يزيد ، خاصة إذا علم أنه كان يشرب الخمر ويترك الصلاة .
كذلك أقام علي بن الحسين طويلا عند يزيد ( قرابة الشهر ) ، وذلك بعد مقتل والده وأقاربه في كربلاء ، ومع ذلك لم نجد رواية واحدة عن علي بن الحسين يتهم فيها يزيد بن معاوية بشرب الخمر .
الصحابيان الجليلان النعمان بن بشير وعبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما - من الذين كانت لهم صلة قوية بيزيد ، فالنعمان كان أميره على الكوفة ، ثم جعله مستشارا له في أمور الدولة ، وعبد الله بن جعفر صحابي جليل كان يحبه - صلى الله عليه وسلم - وكان يقول : " وأما عبد الله فشبه خلقي وخلقي " ، ولم نر هذين الصحابيين الجليلين ذكرا يزيد بالخمر ، أو ترك الصلاة ، فكيف يكون لهما هذه المنزلة ولا يعرفون عن يزيد ما اطلع عليه المغرضون المتهمون يزيد بشربها .
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " ولم يكن يزيد مظهرا للفواحش كما يحكي عنه خصومه "ا.هـ.
ونورد فيما يلي أقوال أهل السنة والجماعة في مسألة لعن يزيد :
قال ابن العربي - رحمه الله - : " فإن قيل إن يزيد كلن خمارا ، قلنا : لا يحل إلا بشاهدين ، فمن شهد بذلك عليه " ا.هـ.
قال ابن حجر الهيتمي : " لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه ، إلا أن يعلم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب ، ولأن اللعن هو الطرد من رحمة الله ، الملتزم لليأس منها ، وذلك إنما يليق بمن علم موته على الكفر " ا.هـ.
قال ابن الصلاح : " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله - أي قتل الحسين - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله - كرمه الله - ، إنما هو يزيد بن زياد والي العراق إذ ذاك ، وأما سب يزيد ولعنه فليس من شأن المؤمنين ، فإن صح أنه قتله أو أمر بقتله، وقد ورد في الحديث المحفوظ : " أن لعن المسلم كقتله "، وإنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ، والناس في يزيد ثلاث فرق : فرقة تحبه وتتولاه ، وفرقة أخرى تسبه وتلعنه ، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاه ولا تلعنه ، وتسلك به سبيل سائر ملوك الإسلام وخلفائهم غير الراشدين في ذلك وشبهه ،وهذه الفرقة هي الصائبة ، ومذهبها اللائق بمن يعرف سير الماضين ،ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة ، جعلنا الله من خيار أهلها آمين "
قال الذهبي : " ويزيد ممن لا نسبه ولا نحبه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك من ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شر منه ، وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى منه ومن أبيه وجده "
وقال ابن الحداد الشافعي في عقيدته : " ونترحم على معاوية ، ونكل سريرة يزيد إلى الله تعالى "
وسئل الحافظ عبد الغني المقدسي عن يزيد بن معاوية فأجاب بقوله : " خلافته صحيحة ، وقال بعض العلماء : بايعه ستون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم ، منهم ابن عمر ، وأما محبته : فمن أحبه فلا ينكر عليه ، ومن لم يحبه فلا يلزمه ذلك ، لأنه ليس من الصحابة الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيلزم محبتهم إكراما لصحبتهم ، وليس ثم أمر يمتاز به عن غيره من خلفاء التابعين ، كعبد الملك وبنيه ، وإنما يمنع من التعرض للوقوع فيه ، خوفا من التسلق إلى أبيه ، وسدا لباب الفتنة "
وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( فتوى رقم 1466) :" وأما يزيد بن معاوية فالناس فيه طرفان ووسط ، وأعدل الأقوال الثلاثة فيه أنه كان ملكا من ملوك المسلمين ، له حسنات وسيئات ، ولم يولد إلا في خلافة عثمان - رضي الله عنه - ولم يكن كافرا ،ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين ، وفعل ما فعل بأهل الحرة ، ولم يكن صاحبا ، ولا من أولياء الله الصالحين ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة ، وأما بالنسبة للعنه فالناس فيه ثلاث فرق ، فرقة لعنته ، وفرقة أحبته ، وفرقة لا تسبه ولا تحبه ،.. وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد ، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين ، وهذا القول الوسط مبني على أ،ه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه ، أو بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه ، إما تحريما أو تنزيها ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة عبد الله بن حمار الذي تكرر منه شرب الخمر ، وجلده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لما لعنه بعض الصحابة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لعن المؤمن كقتله " متفق عليه
وهذا كما أ، نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى والزنا والسرقة فلا يشهد بها على معين بأنه من أصحاب النار ، لجواز تخلف المقتضى عن المقتضى ، وغير ذلك من المكفرات للذنوب ، هذا بالنسبة لمنع سبه ولعنته .
وأما بالنسبة لترك المحبة ، فلأنه لم يصدر منه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته ، فبقي من الملوك السلاطين ، وحب أشخاص هذا النوع ليست مشروعة ، ولأنه صدر عنه ما يقتضي فسقه وظلمه في سيرته ، وفي أمر الحسين وأمر أهل الحرة " ا.هـ.
ملاحظة : إنه من العجيب والغريب حقا أن يأتي أحد طلبة العلم الغيورين متبنيا قضية معينة ، مثل هذه القضية وهي عدم صحة تلك الافتراءات على يزيد ، وتأخذه الحماسة إلى حد بعيد لدرجة أنه يطعن في بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يبرأ يزيد من تلك التهم ، كما حدث لمؤلف كتاب " مواقف المعارضة في خلافة يزيد " لمحمد بن رزان الشيباني - هداه الله - فأراد أن يدافع عن يزيد فطعن في ابن الزبير - رضي الله عنه فقد اتهم الشيباني - حفظه الله - عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - أنه هو المتسبب في إلصاق التهمة بيزيد في شربه للخمر ، فقال : " ولاحظ ابن الزبير مشاعر السخط التي عمت أهل الحجاز عموما بسبب قتل الحسين ، فأخذ يدعو إلى الشورى وينال من يزيد ويشتمه ، ويذكر شربه للخمر ويثبط الناس عنه " ا.هـ. وقال في موضع آخر : " فأخذ يدع ويبدو أن يزيد قد علم بتلك التهمة التي ألصقت به ، وعرف أن ابن الزبير - رضي الله عنه - هو المتسبب في إلصاق تلك التهمة به ، مما جعل يزيد ينكر ذلك ، ويؤكد النفي بأمر عملي حين جهز الجيوش لحرب ابن الزبير ، وأهل المدينة ، وكأنه يقول لهم إن الذي يشرب الخمر لا يجهز جيشا ولا يرسل بعثا " ا.هـ.
قلت : وهذا الطعن لا يصح سندا ولا متنا ، فقد اعتمد الشيباني على رواية الطبري في تاريخه ( 5/475) عن أبي مخنف ، و الأزرقي في أخبار مكة (1/201) بسند قال عنه الشيباني في الحاشية : " كل رجاله ثقات حتى ابن جريج " ، وهذه الروايات لا تصح فأبو مخنف تالف لا تحل الرواية عنه ، وأما رواية ابن جريج ففيها جهالة قال ابن جريج : سمعت غير واحد من أهل العلم ممن حضر ابن الزبير حين هدم الكعبة وبناها " ، فابن جريج لم يسم شيوخه ، وهو يروي عن الضعفاء ، فلا نقبل الرواية حتى يسمي شيوخه ، هذا من جهة السند أما من جهة المتن ففيه إساءة واضحة لصحابي جليل ، وهو الرجل الذي أول ما دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قام بتحنيكه ، وهو من فقهاء الصحابة المعدودين ، وكان إذا ذكر ابن الزبير عند ابن عباس قال : " قارئ لكتاب الله ، عفيف في الإسلام ، أبوه الزبير وأمه أسماء وجده أبو بكر وعمته خديجة ، وخالته عائشة ، وجدته صفية ، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر "
الخاتمة ونتيجة البحث :
لا يصح حديث " حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار "
على طالب العلم مراعاة أقوال الأئمة المتقدمين ، والأخذ بعين الاعتبار أحكام أهل العلم ونقاد الحديث على الروايات المراد بحثها ، حتى لا تصطدم أحكامنا بأحكام أهل العلم ، وأن لا ندخل بسبب ذلك على الأحاديث الحسنة أحاديث لا تصح قد فرغ الأئمة من ردها .
وجوب الرجوع إلى كتب علل الحديث المتخصصة والبحث عن أقوال أهل العلم ليس أمرا للتقليد وقفل باب الاجتهاد بل هو أخذ العلم من أهله ومعرفته من أربابه .
لا يجوز الحكم على الكافر المعين بأنه من أهل النار ، إلا من مات على الكفر وعلمنا حاله قبل أن يموت مثل فرعون وهامان وأبي جهل وأمثالهم .
من معتقد أهل السنة والجماعة أن لا يلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة .
لا يعني التوقف في الحكم والتعيين على الكافر الميت بأنه من أهل النار أنه ليس بكافر ، بل كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر ، أما التعيين في أحكام الثواب والعقاب موكول إلى علم الله وحكمته .
يجوز اللعن بوصف عام مثل : لعنة الكافرين والظالمين والمبتدعة والفاسقين لأن المراد الجنس لا الأفراد .
لا يجوز لعن الكافر المعين الحي أو الميت الذي لم يظهر من شواهد الحال أنه مات على الكفر أو الإسلام .
تحريم لعن المسلم العاصي الفاسق أو الفاجر .
عدم جواز لعن يزيد بن معاوية لأنه لم يثبت في حقه أنه كان مظهرا للفواحش كما ادعى المدعون .
لا يجوز نسبة المسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ،فالروايات التي ذكرناها لا يمكن الاعتماد على واحدة منها ، في اتهام يزيد بشرب الخمر وإباحة المدينة ، فالأمر يتعلق بعدالة خليفة المسلمين ، الذين كان فيهم العديد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا كان التحري وعدالة الشهود أساسية في إدانة أي شخص فما بالك في خليفة المسلمين في القرن المفضل .
عدم صحة إباحة المدينة ، وأن انتهاك الأعراض لا أساس لها من الصحة ،وتهدف إلى إظهار جيش الشام بأنه جيش بربري لا يستند لأسس دينية أو عقائدية أو أخلاقية .
بل هذا الاتهام لا يقصد به الجيش الأموي فقط ، بل يتعدى إلى ما هو أعظم وهو اتهام الجيش الإسلامي بأنه بربري ، فإذا كانت مدينة المصطفى - عليه أفضل الصلاة والتسليم - لم تفلت من البطش والنهب وانتهاك الأعراض - كما جاءت بذلك الروايات - فما بالك بالبلدان التي افتتحتها الجيوش الإسلامية لنشر الإسلام .
عدم إنكار معركة الحرة ، ولكن ننكر التضخيم والتهويل والكذب ، والتي ذكرتها بعض المصادر التاريخية .
على افتراض أن يزيد كان مظهرا للفواحش ، فمن أين يعلم أنه ما تاب قبل الممات .
في اللعن خطر جسيم ، وقد يفضي بصاحبه للمهالك ، بينما في السكوت النجاة .
لا يجوز سب الأموات لأنهم أفضوا إلى ما قدموا ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما سمع رجلا شتم أبا جهل فقال : " لا تسبوا الأموات فتؤذوا به الأحياء " - سلسلة الأحاديث الصحيحة (2379) .
لا يصح نسبة مقارفة يزيد للمسكرات وأنه ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويدع الصلوات ، فو الله لو رميت هذه الأوصاف بمجنون لكان أولى ولصدقناها ، فكيف يعقل من خليفة للمسلمين في القرن المفضل الذين كان بهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنسب إليه هذه الأوصاف القبيحة ، التي كان العربي الجاهلي يتعفف منها ، ويتنزهون منها ، فكيف يمكن أن يقع يزيد في مثل هذه العظائم ، ولم لا يتزوج أجمل النساء وأفضلهن جاها ومكانة ونسبا ؟ ويعمد إلى الزنا بأمه وأخته وبناته ؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !
الرواية التي نسبت للإمام أحمد بأنه يجوز لعن يزيد ، لا تصح فهي منقطعة .
لا يجوز لعن الكافر المعين ، فمن باب أولى أن لا يلعن الفاسق المعين . كتبه سعود الزمانان






الخلاصة في بيان رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في الرافضة (ص: 152)
- رأيه بمقتل الحسين رضي الله عنه ؟
ج- والحسين - رضي الله عنه ولعن من قتله ورضي بقتله - قتل يوم عاشوراء عام إحدى وستين(1)
__________
(1) - أقول:
نعم لقد قتل الحسين رضي الله عنه وذهب شهيدا إلى الله تعالى وذلك حسب اجتهاده رضي الله عنه ولكنه رضي الله عنه خرج على يزيد بن معاوية بعد أن بايعته أكثر الأمة وذلك بتوريط من أهل الكوفة الذين خذلوا من كان قبله فوثق بهم وخرج على يزيد ولم يكن هناك موجب لهذا الخروج بعد أن بايعته الأمة ولو كان الحسين رضي الله عنه خيرا من ألف من مثل يزيد ولذلك فقد نهاه خيرة الصحابة والتابعين عن هذا الخروج فأبى وقد جر خروجه على الأمة شرا مستطيرا إلى الآن والناس في خروجه على ثلاثة أضرب :
الفريق الأول: الذين يحاكمون الأشياء بعواطغهم وليس في عقولهم فقالوا لقد كان خروجه واجبا وذلك لأن يزيدا لا يستحق الخلافة وقد فرض على الأمة بالقوة فكان يجب الخروج عليه لإصلاح هذا الخلل ورد الأمور إلى نصابها .
وأما الفريق الثاني : فيرون أنه قد خرج بغير حق على الإمام المنتخب شرعا ، فلا يجوز خروجه هذا ، وقالوا : إذا بايعت الأمة لشخص واستقر الأمر له فلا يجوز الخروج عليه إلا بكفر بواح وما أشبه ذلك ولم يكن ذلك في يزيد بن معاوية وما اتهم به من تهم لم يثبت منها تهمة واحدة وهي من نسج خيال أعدائه ، ولو بويع لإمام وبقي نفر قليل لم يبايعوا فلا عبرة برأيهم فيجب عليهم الدخول فيما دخل فيه الناس ، والحسين رضي الله عنه ولو كان خيرا من يزيد بلا منازع ولكن الأمة لم تبايعه وليس معه نص من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالخروج ، بل النصوص الشرعية الصحيحة تمنع ذلك 000
وأما الفريق الثالث : فقد قالوا : إنه قد اجتهد فأخطأ وذلك لأنه كان قد بيت الخروج على يزيد قبل أن يظهر منه أي شيء يوجب هذا الخروج وظن أن الأمة ستبايعه هو لمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك لوثوقه بأهل الكوفة ، وهم قوم لا يوثق بهم فقد قتل على يديهم فهو مأجور من حيث قصده ولكن خروجه ما كان ينبغي ، ولو نظرنا في تعامل يزيد مع خروج الحسين لوجدنا أنه قد تصرف بحكمة حتى نفذ صبره ، وإلا أي حاكم في الأرض يعلم أن شخصا سيقوم عليه وتركه؟!
فقد علم بخروجه وحاول والي مكة المكرمة أن يثنيه عن هذا الخروج فأبى بل أعطاه كتابا فارغا وقال له: اكتب فيه ما شئت من حاجات ولا تفرق صفوف الأمة فأبى رضي الله عنه ، وقد حاول خيرة الصحابة الذين عاصروه كابن عمر وابن عباس و أخيه ابن الحنفية وغيرهم أن يمنعوه فأبى ومع هذا فقد خرج وكان بإمكان ولاة يزيد منعه من ذلك ولكن لم يفعلوا وحتى عندما جاءه خبر مقتل مسلم بن عقيل الذي بعث له قبل موته أن ارجع فإن أهل الكوفة قد خذلوه وأسلموه ، ومع هذا لم يرجع حتى اقترب من الكوفة حتى بلغ السيل الزبى كان الجيش الذي شكل لقتاله هو من الذين كانوا قد بايعوه سرا ولم يكن فيهم أموي واحد ومع هذا ينسب قتله إلى يزيد وهو غير صحيح وقد حزن يزيد على مقتله وأكرم أهله وسيرهم إلى المدينة وأوصى واليه بهم خيرا حتى عندما خرج أهل المدينة عليه لم يخرج أحد من أهل الحسين رضي الله عنه، فإذا كانوا يعتقدون بأن يزيدا قد قتله بغير حق فلم لم يخرجوا وقد جاءتهم الفرصة سانحة ؟!
والصحيح انهم كانوا يعتقدون أن الذي قتله هو الذي خذله وهم أهل الكوفة وهم قاتلوه حقيقة، وليس يزيد ولا حتى عبيد الله بن زياد وإن كان لعبيد الله تصرفات غير سائغة شرعا 0









غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 123)
(قلت) أكثر المتأخرين من الحفاظ والمتكلمين يجيزون لعنة يزيد اللعين، كيف لا وهو الذي فعل المعضلات، وهتك ستر المخدرات، وانتهك حرمة أهل البيت، وآذى سبط النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حي وميت، مع مجاهرته بشرب الخمور والفسق والفجور. ذكروا في ترجمته أنه كان مجاهرا بالشراب متهتكا فيه،.
وله في وصفه بدائع وغرائب ونهاه والده فلم ينته، فغضب عليه، فأنشد يزيد يخاطبه، ونسبها الأصمعي إلى غيره:
أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت علي الآن طاب لي السكر
سأشرب فاغضب لا رضيت كلاهما ... حبيب إلى قلبي عقوقك والخمر
وهو القائل من قصيدة:
وشمسة كرم برجها قعر دنها ... فمطلعها الساقي ومغربها فمي
مدام كتبر في إناء كفضة ... وساق كبدر مع ندامى كأنجم
إذا نزلت من دنها في زجاجة ... حكت نفرا بين الحطيم وزمزم
نشير إليها بالبنان كأنما ... نشير إلى البيت العتيق المحرم






أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3 (25/ 167)
هَلْ يَجْوزُ لَعْنُ يَزِيد بنِ مُعَاوِيةَ؟

ـ[عبد الله زقيل]•---------------------------------•[20 - 06 - 03, 12:05 م]ـ
أيها الأحبةُ في ملتقى أهلِ الحديثِ.

كلنا نعلمُ أن يزيد بنَ معاويةَ هو ولدُ الصحابي الجليلِ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ رضي اللهُ عنه.

يزيدُ بنُ معاويةَ يلعنُ صباحَ مساءَ من قِبلِ الرافضةِ وغيرهم من طوائفِ أهل البدعِ، ولم يقتصر لعنهُ على أهلِ البدعِ فحسب، بل طوائفُ من أهلِ السنةِ يشاركون غيرهم من أهلِ البدعِ في لعنهِ، وكأن لعنهُ قربةٌ يتقربُ بها إلى اللهِ نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ.

وقد كتبَ الشيخُ والأخ الفاضلُ سعودُ الزمانان بحثاً جمع فيه الشبهَ التي تجيزُ للرافضةِ وغيرهم من أهلِ السنةِ لعنَ يزيد بنِ معاويةَ، وفندها شبهةً شبهةً، وبحث في الأسانيدِ التي نقلت في حق لعن يزيد، وميزَ ما صح منها وما لم يصح.

وحقيقةً أن الأخ سعود الزمانان وفقَ جزاه اللهُ خيراً في الذبِ عن عرضِ يزيد بنِ معاويةَ.

نسألُ اللهَ أن يذبَ عن وجهِ أخينا سعود النارَ كما ذبَ عن يزيدَ بنِ معاوية.

وإليكم أيها الأحبةُ ملفٌ مرفقٌ بالبحثِ.

أسألُ اللهَ أن يجعلَ فيه النفعَ والفائدةَ.

ومن كان لديه تعقيبٌ أو إضافةٌ على ما كتبهُ الأخ سعود فلا يبخلُ عليه، وسأقومُ بإيصال ما تطرحونه إليه.

محبكم في الله: عبد الله زقيل.

http://saaid.net/book/open.php?cat=7&book=386

ـ[السعيدي]•---------------------------------•[20 - 06 - 03, 04:30 م]ـ
جزاك الله خيرا

ـ[ابن دحيان]•---------------------------------•[20 - 06 - 03, 08:32 م]ـ
المبحث الثالث: هل يجوز لعن يزيد بن معاوية؟
الحقيقة أنني ترددت كثيراً في إدراج هذه المسألة في هذا البحث وذلك لسببين، أولهما أن الأمر يحتاج إلى نفس عميق وبحث متأن حتى لا تزل القدم بعد ثبوتها، والسبب الآخر أن هذه المسألة قد وقع فيها التخبط الكثير من الناس، وأحياناً من الخواص فضلاً عن العوام، فاستعنت بالله على خوض غمار هذه المسألة ونسأل الله الهداية والرشاد
وقد صنفت المصنفات في لعن يزيد بن معاوية والتبريء منه، فقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً بيّن فيه من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد بن معاوية، وألف ابن الجوزي كتاباً سمّاه " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد "، وقد اتهم الذهبي - رحمه الله- يزيد بن معاوية فقال: " كان ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر "، وكذلك الحال بالنسبة لابن كثير - رحمه الله - حينما قال: " وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم، والحلم، والفصاحة، والشعر، والشجاعة، وحسن الرأي في الملك، وكان ذا جمال وحسن معاشرة، وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات، وترك الصلوات في بعض أوقاتها، وإماتتها في غالب الأوقات "
قلت: الذي يجوز لعن يزيد وأمثاله، يحتاج إلى شيئين يثبت بهما أنه كان من الفاسقين الظالمين الذين تباح لعنتهم، وأنه مات مصرّاً على ذلك، والثاني: أن لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة.
وسوف نورد فيما يلي أهم الشبهات التي تعلق بها من استدل على لعن يزيد والرد عليها:
أولا: استدلوا بجواز لعن يزيد على أنه ظالم، فباعتباره داخلاً في قوله تعالى {ألا لعنة الله على الظالمين}
الرد على هذه الشبهة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " هذه آية عامة كآيات الوعيد، بمنزلة قوله تعالى {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً} وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب للعن والعذاب، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح، إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفّرة، وإما شفاعة شفيع مطاع، ومنها رحمة أرحم الراحمين " ا. هـ.
فمن أين يعلم أن يزيد لم يتب من هذا ولم يستغفر الله منه؟ أو لم تكن له حسنات ماحية للسيئات؟ أو لم يبتلى بمصائب وبلاء من الدنيا تكفر عنه؟ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن لعن الموصوف لا يستلزم إصابة كل واحد من أفراده إلا إذا وجدت الشروط، وارتفعت الموانع، وليس الأمر كذلك "
ثانياً: استدلوا بلعنه بأنه كان سبباً في قتل الحسين - رضي الله عنه -:
الرد على هذه الشبهة:

(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)

از صفحه ۱۶۷ الی صفحه ۱۹۰ مفصل فراجع