سال بعدالفهرستسال قبل

محمد بن أبي بكر(10 - 38 هـ = 632 - 658 م)

محمد بن أبي بكر(10 - 38 هـ = 632 - 658 م)








الأعلام للزركلي (6/ 219)
محمد بن أبي بَكْر
(10 - 38 هـ = 632 - 658 م)
محمد بن عبد الله (أبي بكر) بن عثمان بن عامر التيمي القرشي:
أمير مصر، وابن الخليفة الأول أبي بكر الصديق. كان يدعى (عابد قريش) ولد بين المدينة ومكة، في حجة الوداع. ونشأ بالمدينة، في حجر علي بن أبي طالب (وكان قد تزوج أمه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبيه) وشهد مع علي وقعتي الجمل وصفّين.
وولاه عليّ إمارة مصر، بعد موت (الأشتر) فدخلها سنة 37 هـ ولما اتفق علي ومعاوية على تحكيم الحكمين فات عليا أن يشترط على معاوية أن لا يقاتل أهل مصر. وانصرف عليّ يريد العراق، فبعث معاوية عمرو بن العاص بجيش من أهل الشام إلى مصر، فدخلها حربا، بعد معارك شديدة، واختفى ابن أبي بكر، فعرف (معاوية بن حديج) مكانه، فقبض عليه وقتله وأحرقه، لمشاركته في مقتل عثمان بن عفان، وقيل: لم يحرق. ودفنت جثته مع رأسه في مسجد يعرف بمسجد (زمام) خارج مدينة الفسطاط. قال ابن سعيد: وقد زرت قبره في الفسطاط. ومدة ولايته خمسة أشهر (1) .
__________
(1) الولاة والقضاة 26 - 31 وابن الأثير 3: 140 والطبري 6: 53 والمغرب في حلى المغرب، الجزء الأول من القسم الخاص بمصر 69 وابن إياس 1: 26.








تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 553)
فلما بلغ عليا وفاة الأشتر بالقلزم بعث محمد بن أبي بكر أميرا على مصر فالزهري يذكر أن عليا بعث محمد بن أبي بكر أميرا على مصر بعد مهلك الأشتر بقلزم، واما هشام بن محمد، فانه ذكر في خبره أن عليا بعث بالأشتر أميرا على مصر بعد مهلك محمد بن أبي بكر رجع الحديث إلى حديث هشام عن أبي مخنف: ولما أيس معاوية من قيس أن يتابعه على أمره، شق عليه ذلك، لما يعرف من حزمه وبأسه، وأظهر للناس قبله، أن قيس بن سعد قد تابعكم، فادعوا الله له، وقرأ عليهم كتابه الذي لان له فيه وقاربه قال: واختلق معاوية كتابا من قيس بن سعد، فقرأه على أهل الشام.







تهذيب الكمال في أسماء الرجال (24/ 541)
5097 - س ق: محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي (4) ، أبو القاسم المدني والد القاسم بن محمد بن أبي بكر، ولد عام حجة الوداع في عقب ذي القعدة بذي الحليفة أو بالشجرة حين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجته.
روى عن: أبيه أبي بكر الصديق (س ق) مرسلا، وعن أمه أسماء بنت عميس.
روى عنه: ابنه القاسم بن محمد بن أبي بكر (س ق) .
قال أبو سعيد بن يونس: قدم مصر أميرا عليها من قبل علي ابن أبي طالب، وجمع له صلاتها وخراجها، فدخل مصر في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين، وقيل: في صفر سنة ثمان وثلاين قبل يوم المسناة لما انهزم المصريون، فقيل: إنه اختفى في بيت امرأة من غافق آواه فيه أخوها، وكان الذي يطلبه معاوية بن حديج فلقيتهم أخت الرجل الذي كان آواه في بيتها، وكانت ناقصة العقل، فظنت أنهم يطلبون أخاها، فقالت: أي شيء تلتمسون، ابن أبي بكر أدلكم عليه على أن لا تقتلوا أخي. قالوا: نعم. فدلتهم عليه، فقال: احفظوني لأبي بكر. فقال له معاوية بن حديج: قتلت ثمانين رجلا من قومي في دم عثمان واتركك وأنت صاحبه، فقتله ثم جعله في جيفة حمار ميت وأحرقه بالنار.
قال أبو سعيد: حدثنا بذلك من أمره حسن بن محمد المديني، عن يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، عن عبد الكريم بن الحارث، بهذا، أو نحوه (1) .
روى له النسائي، وابن ماجه حديثا واحدا، عن أبيه أنه خرج حاجا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ومعه امرأته أسماء بنت عميس ... الحديث.
__________
(1) وذكره البخاري في "الضعفاء الصغير "وقال: يختلفون في حديثه (الترجمة 326) .
وقال أبو حاتم الرازي: روى عن أبيه مرسل. (الجرح والتعديل: 7 / الترجمة 1632) ، وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب ": كان علي بن أبي طالب يثني عليه ويفضله لانه كانت له عبادة واجتهاد، وكان ممن حضر قتل عثمان، وقيل انه شارك == في دمه، وقد نفى جماعة من أهل العلم، والخبر أنه شارك في دمه، وأنه لما قال له عثمان: لو رآك أبوك لم يرض هذا المقام منك، خرج عنه وتركه، وقيل: إنه أشار على من كان معه فقتلوه (3 / 1367) . وقال ابن حجر في "التقريب": له رؤية. قال بشار: كان رحمه الله ممن لم يتق في عثمان، وأخباره في ذلك مستفيضة، عفا الله عنا وعنه.




تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 236)
وممن قام على عثمان محمد بن أبي بكر الصديق، فسئل سالم بن عبد الله فيما قيل عن سبب خروج محمد، قال: الغضب والطمع، وكان من الإسلام بمكان، وغره أقوام فطمع، وكانت له دالة، ولزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره.





تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 250)
وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد، أن محمد بن أبي بكر تسور من دار عمرو بن حزم على عثمان، ومعه كنانة بن بشر، وسودان، وعمرو بن الحمق، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف، فتقدمهم محمد، فأخذ بلحيته وقال: يا نعثل قد أخزاك الله، فقال: لست بنعثل ولكنني عبد الله، وأمير المؤمنين، فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان، قال: يا بن أخي دع لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت، فقال: ما يراد بك أشد من قبضتي، وطعن جنبه بمشقص، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف.







تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 340)
-س ق: محمد بن أبي بكر الصديق خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووزيره ومؤنسه في الغار، وصديق الأمة أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي التيمي المدني. [المتوفى: 38 ه]
الذي ولدته أسماء بنت عميس في حجة الوداع، وكان أحد الرؤوس الذين ساروا إلى حصار عثمان كما قدمنا، ثم انضم إلى علي، فكان من أعيان أمرائه، فبعثه على إمارة مصر في رمضان سنة سبع وثلاثين، وجمع له صلاتها وخراجها، فسار إليها في جيش من العراق.
وسير معاوية من الشام معاوية بن حديج على مصر أيضا، وعلى حرب محمد. فالتقى الجمعان، فكسره ابن حديج، وانهزم عسكر محمد، واختفى هو بمصر في بيت امرأة، فدلت عليه فقال: احفظوني لأبي بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين رجلا من قومي في دم عثمان، وأتركك وأنت صاحبه، فقتله ثم جعله في بطن حمار وأحرقه.
وقال عمرو بن دينار: أتي عمرو بن العاص بمحمد بن أبي بكر أسيرا، فقال: هل معك عقد من أحد؟ قال: لا. فأمر به فقتل.
روى محمد عن أبيه مرسلا. وعنه ابنه القاسم بن محمد، ولم يسمع منه.







تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 549)
فقام الناس فبايعوا، واستقامت له مصر، وبعث عليها عماله، إلا أن قرية منها يقال لها: خربتا فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبها رجل من كنانة ثم من بني مدلج يقال له يزيد بن الحارث من بني الحارث بن مدلج فبعث هؤلاء إلى قيس بن سعد: إنا لا نقاتلك فابعث عمالك، فالأرض أرضك، ولكن أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس.
قال: ووثب مسلمة بن مخلد الأنصاري، ثم من ساعده من رهط قيس ابن سعد، فنعى عثمان بن عفان رضي الله عنه، ودعا إلى الطلب بدمه، فأرسل إليه قيس بن سعد: ويحك، علي تثب! فو الله ما أحب أن لي ملك الشام إلى مصر وأني قتلتك فبعث إليه مسلمة: إني كاف عنك ما دمت أنت والي مصر.
قال: وكان قيس بن سعد له حزم ورأي، فبعث إلى الذين بخربتا:
إني لا أكرهكم على البيعة، وأنا أدعكم وأكف عنكم فهادنهم وهادن مسلمه بن مخلد، وجبى الخراج، ليس أحد من الناس ينازعه.



العبر في خبر من غبر (1/ 49)
سنة اثنتين وستين
وفيها توفي أمير مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري، له صحبة ورواية.




تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 554)
فلما أتاه هذا الكتاب قال له عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، ابعث محمد بن أبي بكر على مصر يكفك أمرها، واعزل قيسا، والله لقد بلغني أن قيسا يقول: والله إن سلطانا لا يتم إلا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء، والله ما أحب أن لي ملك الشام إلى مصر وأني قتلت ابن المخلد قال: وكان عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لأمه، فبعث علي محمد بن أبي بكر على مصر، وعزل عنها قيسا
. ولاية محمد بن أبي بكر مصر
قال هشام، عن ابن مخنف: فحدثني الحارث بن كعب الوالبي- من والبة الأزد- عن أبيه، أن عليا كتب معه إلى أهل مصر كتابا،
....
قال هشام: عن أبي مخنف، قال: حدثني الحارث بن كعب الوالبي، عن أبيه، قال: كنت مع محمد بن أبي بكر حين قدم مصر، فلما قدم قرأ عليهم عهده:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر، وأمره بتقوى الله والطاعة في السر والعلانية، وخوف الله عز وجل في الغيب والمشهد، وباللين على المسلمين، وبالغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم، وبالشدة على الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالإحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين، ويعذب المجرمين وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة، فإن لهم في ذلك من العاقبه وعظيم المثوبه ما لا يقدرون قدره، ولا يعرفون كنهه، وأمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل، لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه، ثم يقسمه بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل، وأن يلين لهم جناحه، وأن يواسي بينهم في مجلسه ووجهه، وليكن القريب والبعيد في الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس بالحق، وأن يقوم بالقسط، ولا يتبع الهوى، ولا يخف في الله عز وجل لومة لائم، فإن الله جل ثناؤه مع من اتقى وآثر طاعته وأمره على ما سواه وكتب عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله ص لغرة شهر رمضان.
قال: ثم إن محمد بن أبي بكر قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: الحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختلف فيه من الحق، وبصرنا وإياكم كثيرا مما عمي عنه الجاهلون ألا إن أمير المؤمنين ولاني أموركم، وعهد إلي ما قد سمعتم، وأوصاني بكثير منه مشافهة، ولن آلوكم خيرا ما استطعت، «وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب» ، فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لله وتقوى، فاحمدوا الله عز وجل على ما كان من ذلك، فإنه هو الهادي، وإن رأيتم عاملا عمل غير الحق زائغا، فارفعوه إلي، وعاتبوني فيه، فإني بذلك أسعد، وأنتم بذلك جديرون وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته، ثم نزل.
وذكر هشام، عن أبي مخنف، قال: وحدثني يزيد بن ظبيان الهمداني، أن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لما ولي، فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة قال: ولم يلبث محمد بن أبي بكر شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم فقال: يا هؤلاء، إما أن تدخلوا في طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، دعنا حتى ننظر إلى ما تصير إليه أمورنا، ولا تعجل بحربنا فأبى عليهم، فامتنعوا منه، وأخذوا حذرهم، فكانت وقعة صفين، وهم لمحمد هائبون، فلما أتاهم صبر معاوية وأهل الشام لعلي، وأن عليا وأهل العراق قد رجعوا عن معاوية وأهل الشام، وصار أمرهم إلى الحكومة، اجترءوا على محمد بن أبي بكر، وأظهروا له المبارزة، فلما رأى ذلك محمد بعث الحارث بن جمهان الجعفي إلى أهل خربتا، وفيها يزيد بن الحارث من بني كنانة، فقاتلهم، فقتلوه ثم بعث إليهم رجلا من كلب يدعى ابن مضاهم، فقتلوه.




تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/ 101)
قال: فخرج عمرو يسير حتى نزل أداني أرض مصر، فاجتمعت العثمانية إليه، فأقام بهم، وكتب إلى محمد بن أبي بكر:
أما بعد، فتنح عنى بدمك يا بن أبي بكر، فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر، إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك، ورفض أمرك، وندموا على اتباعك، فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان، فاخرج منها، فإني لك من الناصحين، والسلام.
وبعث إليه عمرو أيضا بكتاب معاوية إليه:
أما بعد، فإن غب البغي والظلم عظيم الوبال، وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا، ومن التبعة الموبقة في الآخرة، وإنا لا نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا، ولا أسوأ له عيبا، ولا أشد عليه خلافا منك، سعيت عليه في الساعين، وسفكت دمه في السافكين، ثم أنت تظن أني عنك نائم أو ناس لك، حتى تأتي فتأمر على بلاد أنت فيها جاري، وجل أهلها أنصاري، يرون رأيي، ويرقبون قولي، ويستصرخوني عليك.
وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك، يستسقون دمك، ويتقربون إلى الله بجهادك، وقد أعطوا الله عهدا ليمثلن بك، ولو لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذرتك ولا أنذرتك، ولأحببت أن يقتلوك بظلمك وقطيعتك وعدوك على عثمان يوم يطعن بمشاقصك بين خششائه وأوداجه، ولكن أكره أن أمثل بقرشي، ولن يسلمك الله من القصاص أبدا أينما كنت والسلام.
قال: فطوى محمد كتابيهما، وبعث بهما إلى علي، وكتب معهما:
أما بعد، فإن ابن العاص قد نزل أداني أرض مصر، واجتمع إليه أهل البلد جلهم ممن كان يرى رأيهم، وقد جاء في جيش لجب خراب، وقد رأيت ممن قبلي بعض الفشل، فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمدني بالرجال والأموال، والسلام عليك.
فكتب إليه علي:
أما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل بأداني أرض مصر في لجب من جيشه خراب، وأن من كان بها على مثل رأيه قد خرج إليه، وخروج من يرى رأيه إليه خير لك من إقامتهم عندك.
وذكرت أنك قد رأيت في بعض من قبلك فشلا، فلا تفشل، وان فشلوا فحصن قريتك، واضمم إليك شيعتك، واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والنجدة والبأس، فإني نادب إليك الناس على الصعب والذلول، فاصبر لعدوك، وامض على بصيرتك، وقاتلهم على نيتك، وجاهدهم صابرا محتسبا، وإن كانت فئتك أقل الفئتين، فإن الله قد يعز القليل، ويخذل الكثير وقد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية، والفاجر ابن الكافر عمرو، المتحابين في عمل المعصية، والمتوافقين المرتشيين في الحكومة، المنكرين في الدنيا، قد استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم، فلا يهلك إرعادهما وإبراقهما، وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله، فإنك تجد مقالا ما شئت، والسلام.
قال أبو مخنف: فحدثني محمد بن يوسف بن ثابت الأنصاري، عن شيخ من أهل المدينة، قال: كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية بن أبي سفيان جواب كتابه:
أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكرني من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه، وتأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح، وتخوفني المثلة كأنك شفيق، وأنا أرجو أن تكون لي الدائرة عليكم، فأجتاحكم في الوقعة، وإن تؤتوا النصر ويكن لكم الأمر في الدنيا، فكم لعمري من ظالم قد نصرتم، وكم من مؤمن قتلتم ومثلتم به! وإلى الله مصيركم ومصيرهم، وإلى الله مرد الأمور، وهو أرحم الراحمين، والله المستعان على ما تصفون.
والسلام.
وكتب محمد إلى عمرو بن العاص:
أما بعد، فقد فهمت ما ذكرت في كتابك يا بن العاص، زعمت أنك تكره أن يصيبني منك ظفر، وأشهد أنك من المبطلين وتزعم أنك لي نصيح، وأقسم أنك عندي ظنين، وتزعم أن أهل البلد قد رفضوا رأيي وأمري، وندموا على اتباعى، فأولئك لك وللشيطان الرجيم أولياءه فحسبنا الله رب العالمين، وتوكلنا على الله رب العرش العظيم، والسلام.
قال: أقبل عمرو بن العاص حتى قصد مصر، فقام محمد بن أبي بكر في الناس، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله، ثم قال: أما بعد معاشر المسلمين والمؤمنين، فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة، وينعشون الضلال، ويشبون نار الفتنة، ويتسلطون بالجبرية، قد نصبوا لكم العداوة، وساروا إليكم بالجنود عباد الله! فمن اراد الجنه والمغفره فليخرج الى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله، انتدبوا إلى هؤلاء القوم رحمكم الله مع كنانه ابن بشر.
قال: فانتدب معه نحو من ألفي رجل، وخرج محمد في ألفي رجل.
واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو على مقدمة محمد، فأقبل عمرو نحو كنانة، فلما دنا من كنانة سرح الكتائب كتيبة بعد كتيبة، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة من كتائب أهل الشام إلا شد عليها بمن معه، فيضربها حتى يقربها لعمرو بن العاص ففعل ذلك مرارا، فلما رأى ذلك عمرو بعث إلى معاوية بن حديج السكوني، فأتاه في مثل الدهم، فأحاط بكنانة وأصحابه، واجتمع أهل الشام عليهم من كل جانب، فلما رأى ذلك كنانة بن بشر نزل عن فرسه، ونزل أصحابه وكنانة يقول: «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين» فصار بهم بسيفه حتى استشهد رحمه الله وأقبل عمرو بن العاص نحو محمد بن أبي بكر، وقد تفرق عنه أصحابه لما بلغهم قتل كنانة، حتى بقي وما معه أحد من أصحابه فلما رأى ذلك محمد خرج يمشي في الطريق حتى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق، فأوى إليها، وجاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط وخرج معاوية بن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج في قارعة الطريق، فسألهم: هل مر بكم أحد تنكرونه؟ فقال أحدهم: لا والله، إلا أني دخلت تلك الخربة، فإذا أنا برجل فيها جالس، فقال ابن حديج: هو هو ورب الكعبة، فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه، فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا، فأقبلوا به نحو فسطاط مصر قال: ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص- وكان في جنده فقال: أتقتل أخي صبرا! ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه، فبعث إليه عمرو بن العاص يأمره أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر، فقال معاوية: أكذاك! قتلتم كنانة بن بشر وأخلي أنا عن محمد بن أبي بكر! هيهات، «أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر» .
فقال لهم محمد: اسقوني من الماء، قال له معاوية بن حديج: لا سقاه الله إن سقاك قطرة أبدا! إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما، فتلقاه الله بالرحيق المختوم، والله لأقتلنك يا ابن أبي بكر فيسقيك الله الحميم والغساق! قال له محمد: يا ابن اليهودية النساجة، ليس ذلك إليك وإلى من ذكرت، إنما ذلك إلى الله عز وجل يسقى أولياءه، ويظمئ اعداءه، أنت وضرباؤك ومن تولاه، أما والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني هذا، قال له معاوية:
أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف حمار، ثم أحرقه عليك بالنار، فقال له محمد: إن فعلتم بي ذلك، فطالما فعل ذلك بأولياء الله! وإني لأرجو هذه النار التي تحرقني بها أن يجعلها الله علي بردا وسلاما كما جعلها على خليله إبراهيم، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، إن الله يحرقك ومن ذكرته قبل وإمامك- يعني معاوية، وهذا- وأشار إلى عمرو بن العاص- بنار تلظى عليكم، كلما خبت زادها الله سعيرا قال له معاوية: إني إنما أقتلك بعثمان، قال له محمد: وما أنت وعثمان! إن عثمان عمل بالجور، ونبذ حكم القرآن، وقد قال الله تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون» ، فنقمنا ذلك عليه فقتلناه، وحسنت أنت له ذلك ونظراؤك، فقد برأنا الله إن شاء الله من ذنبه، وأنت شريكه في إثمه وعظم ذنبه، وجاعلك على مثاله قال: فغضب معاوية فقدمه فقتله، ثم ألقاه في جيفة حمار، ثم أحرقه بالنار، فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا، وقنتت عليه في دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو، ثم قبضت عيال محمد إليها، فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر في عيالها.
وأما الواقدي فإنه ذكر لي أن سويد بن عبد العزيز حدثه عن ثابت ابن عجلان، عن القاسم بن عبد الرحمن، أن عمرو بن العاص خرج في أربعة آلاف، فيهم معاوية بن حديج، وأبو الأعور السلمي، فالتقوا بالمسناة، فاقتتلوا قتالا شديدا، حتى قتل كنانه بن بشر بن عتاب التجيبي، ولم يجد محمد بن أبي بكر مقاتلا، فانهزم، فاختبأ عند جبلة بن مسروق، فدل عليه معاوية بن حديج، فأحاط به، فخرج محمد فقاتل حتى قتل.
قال الواقدي: وكانت المسناة في صفر سنة ثمان وثلاثين، وأذرح في شعبان منها في عام واحد.
رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية عند قتله محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر:
أما بعد، فإنا لقينا محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر في جموع جمة من أهل مصر، فدعوناهم إلى الهدى والسنة وحكم الكتاب، فرفضوا الحق، وتوركوا في الضلال، فجاهدناهم، واستنصرنا الله عليهم، فضرب الله وجوههم وأدبارهم، ومنحونا أكتافهم، فقتل الله محمد بن ابى بكر وكنانه ابن بشر وأماثل القوم، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليك