بسم الله الرحمن الرحیم
تنزيه الأنبياء عليهم السلام، ص: ١٧٣-١٧۴
و أما أخذ العطاء
فقد بينا في هذا الكتاب عند الكلام فيما فعله أمير المؤمنين ع من ذلك أن أخذه من يد الجائر الظالم المتغلب جائز و أنه لا لوم فيه على الأخذ و لا حرج.
و أما أخذ الصلات
فسائغ بل واجب لأن كل مال في يد الجائر المتغلب على أمر الأمة يجب على الإمام و على جميع المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن بالطوع أو الإكراه و وضعه في مواضعه فإذا لم يتمكن
ع من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال الله تعالى و أخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة فواجب عليه أن يتناوله من يده و يأخذ منه حقه و يقسمه على مستحقه لأن التصرف في ذلك المال بحق الولاية عليه لم يكن في تلك الحال إلا له ع و ليس لأحد أن يقول إن الصلات التي كان يقبلها من معاوية إنما كان ينفقها على نفسه و عياله و لا يخرجها إلى غيره و ذلك أن هذا مما لا يمكن أحد أن يدعي العلم به و القطع عليه و لا شك أنه ع كان ينفق منها لأن فيها حقه و حق عياله و أهله و لا بد من أن يكون قد أخرج منها إلى المستحقين حقوقهم و كيف يظهر ذلك و هو ع كان قاصدا إلى إخفائه و ستره لمكان التقية و المحوج إليه إلى قبول تلك الأموال على سبيل الصلة هو المحوج له إلى ستر إخراجها و إخراج بعضها إلى مستحقها من المسلمين و قد كان ع يتصدق بكثير من أمواله و يواسي الفقراء و يصل المحتاجين إليه و لعل في جملة ذلك هذه الحقوق.
النهایه، ص 357-358
و متى ما تولّى شيئا من أمور السّلطان من الإمارة و الجباية و القضاء و غير ذلك من أنواع الولايات، فلا بأس أن يقبل على ذلك الأرزاق و الجوائز و الصّلات. فإن كان ذلك من جهة سلطان عادل، كان ذلك حلالا له طلقا. و إن كان من جهة سلطان الجور، فقد رخّص له في قبول ذلك من جهتهم، لأن له حقا في بيت المال. و يجتهد أن يخرج من جميع ما يحصل له من جهتهم الخمس، و يضعه في أربابه، و الباقي يواسي منه إخوانه من المؤمنين، و يصلهم ببعضه و ينتفع هو بالبعض. و لا يجوز له أن يقبل من جوائزهم و صلاتهم ما يعلمه ظلما و غصبا، و يتعيّن له. فإن لم يتعيّن له ذلك، و إن علم: أن المجيز له ظالم، لم يكن به بأس بقبول جوائزه، و يكون مباحا له، و الإثم على ظالمه.
و إذا تمكّن الإنسان من ترك معاملة الظالمين في التّجارات و المعاملات و المبايعات، فالأولى تركها. فإن لم يمكنه ذلك، و لا يجد سبيلا إلى العدول عنه، جاز له مبايعتهم و معاملتهم، و لا يشتري منه مغصوبا يعلمه كذلك، و لا يقبل منهم ما هو محظور في شريعة الإسلام. فإن خاف من ردّ جوائزهم التي يعلمها غصبا على نفسه و ماله، فليقبلها. فإن أمكنه أن يردّها إلى أربابها، فعل. و إن لم يتمكّن من ذلك، تصدّق بها عن صاحبها. و لا بأس بشراء الأطعمة و سائر الحبوب و الغلاّت على اختلاف أجناسها من سلاطين الجور، و إن علم من أحوالهم: أنّهم يأخذون ما لا يستحقّون، و يغصبون ما ليس لهم، ما لم يعلم في ذلك شيئا بعينه غصبا. فإن علمه كذلك فلا يتعرّض لذلك. فأمّا ما يأخذونه من الخراج و الصّدقات، و إن كانوا غير مستحقّين لها، جاز له شراؤها منهم.
المهذب، ج 1، ص 346-347
إذا تولى إنسان من قبل السلطان الجائر ولاية، جاز له على جهة الرخصة قبول الأرزاق و الجوائز منه، لان له قسطا من بيت مال المسلمين. و ينبغي له ان يجتهد و يحرص في إخراج الخمس من كل ما يحصل له من ذلك و يوصله الى مستحقه، و يصل إخوانه من الباقي. و يتصرف هو في منافعه بالبعض الذي يبقى من ذلك، و ليس يجوز لأحد ان يقبل صلات سلاطين الجور و جوائزهم ما يعلم انه بعينه غصب و ظلم، فان لم يتعين جاز له قبوله و ان علم ان السلطان المجيز له بذلك، ظالم و يكون الإثم على الظالم دونه. و إذا تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين بالبيع و الشراء و غير ذلك فالأولى تركها و لا يتعرض لشيء منها جملة و ان لم يتمكن من ترك ذلك معهم كانت معاملته له في ذلك جائزة الا انه لا يشترى منه شيئا يعلم انه مغصوب، و لا يقبل منهم ما هو محرم في الشرع. فان خاف من رد جوائزهم و صلاتهم على نفسه و ماله، جاز له قبولها، ثم يردها على أصحابها. و يجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه السلطان الجور من الصدقات و الخراج و ان كانوا غير مستحقين لأخذ شيء من ذلك، الا ان يتعين له في شيء منه معين انه غصب فإنه لا يجوز له ان يبتاعه. و كذلك يجوز له ان يبتاع منهم ما أراد من الغلات على اختلافها و ان كان يعلم انهم يغصبون أموال الناس و يأخذون ما لا يستحقون، الا ان يعلم أيضا في شيء منه معين انه غصب فلا يجوز له ان يبتاعه منهم.
اصباح الشیعه، ص 248
و لا يجوز بيع الأرزاق من السلطان، لأن ذلك غير مضمون، و لا يجوز شراء ما يعلمه غصبا، فإن ألجأته الضرورة إلى ذلك، رده إلى صاحبه إن تمكن، و إلا تصدق به عنه، و لا بأس بشراء الأطعمة و الحبوب على اختلافها من سلاطين الجور ما لم يعلم شيئا من ذلك غصبا، و إن علم فلا يجوز، و يجوز أخذ جوائزهم و شراء ما يأخذونه من الخراج و الصدقات، و إن لم يستحقوها، إذا لم يعلمها غصبا، و كذا شراء ما يسبونه، لأن الأئمة - عليهم السلام - أحلوا لشيعتهم من ذلك.
السرائر، ج 2، ص 203-204
فإذا كان الأمر في التقية ما ذكرناه، جاز له قبول جوائزه، و صلاته، ما لم يعلم أن ذلك ظلم بعينه، فإذا لم يعلم أنه بعينه ظلم، فلا بأس بقبوله، و إن كان المجيز له ظالما، و ينبغي له أن يخرج الخمس من كل ما يحصل من ذلك، و يوصله إلى أربابه، و مستحقيه، و ينبغي له أن يصل إخوانه من الباقي بشيء، و يتصرف هو في منافعه بالبعض، الذي يبقي من ذلك.
و إذا تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين، بالبيع و الشراء، و غير ذلك، فالأولى به تركها، و لا يتعرض لشيء منها جملة، و إن لم يتمكن من ترك معاملتهم، كانت جائزة إلا أنه لا يشتري منهم شيئا يعلم أنه مغصوب بعينه جميعه، فإن كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا، إلا أنه غير مميز العين، بل هو مخلوط في غيره من غلاته، التي يأخذها على جهة الخراج، و أمواله، فلا بأس أيضا بشرائه منها، و قبول صلته منها، لأنها صارت بمنزلة المستهلكة، لأنه غير قادر على ردها بعينها، و لا يقبل منه ما هو محرم في شرع الإسلام، فإن خاف من رد جوائزهم و صلاتهم، التي يعلمها ظلما بأعيانها، و غصبا، على نفسه و ماله، جاز له قبولها عند هذه الحال، و يجب عليه ردها على أربابها، إن عرفهم، فإن لم يعرفهم، عرف ذلك المال، و اجتهد في طلبهم.
و قد روى أصحابنا أنه يتصدق به عنهم، و يكون ضامنا إذا لم يرضوا بما فعل و الاحتياط حفظه، و الوصية به.
و قد روي أنه يكون بمنزلة اللقطه
و هذا بعيد من الصواب، لأن إلحاق ذلك باللقطة يحتاج إلى دليل.
شرائع الاسلام، ج 2، ص 6-7
السادسة جوائز الجائر إن علمت حراما بعينها فهي حرام و إلا فهي حلال فإن قبضها أعادها على المالك و إن جهله أو تعذر الوصول إليه تصدق بها عنه و لا يجوز إعادتها على غير مالكها مع الإمكان
المختصر النافع، ج 1، ص 118
الخامسة: جوائز الظالم محرمة إن علمت بعينها، و إلا فهي حلال
کشف الرموز، ج 1، ص 443
الخامسه) جوائز الظالم محرّمة إن علمت بعينها، و إلا فهي حلال.
تبصره المتعلمین، ص 94
و جوائز الظالم حرام ان علمت بعينها و الا حلت .
تذکره الفقهاء، ج 12، ص 152
مسألة 658: جوائز الجائر إن علمت حراما لغصب و ظلم و شبهه حرم أخذها، فإن أخذها، وجب عليه ردّها على المالك إن عرفه. و إن لم يعرفه، تصدّق بها عنه و يضمن، أو احتفظها أمانة في يده، أو دفعها إلى الحاكم. و لا يجوز له إعادتها إلى الظالم، فإن أعادها، ضمن، إلاّ أن يقهره الظالم على أخذها، فيزول التحريم. أمّا الضمان فإن كان قد قبضها اختيارا، لم يزل عنه بأخذ الظالم لها كرها. و إن كان قد قبضها مكرها، زال الضمان أيضا. و إن لم يعلم تحريمها، كانت حلالا بناء على الأصل. قال محمّد بن مسلم و زرارة: سمعناه يقول: «جوائز العمّال ليس بها بأس» . و قال الباقر عليه السّلام: «إنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يقبلان جوائز معاوية» . و لو علم أنّ العامل يظلم و لم يعلم أنّ المبيع بعينه ظلم، جاز شراؤه. قال معاوية بن وهب: قلت للصادق عليه السّلام: أشتري من العامل الشيء و أنا أعلم أنّه يظلم، فقال: «اشتر منه» . قال أبو المغراء: سأل رجل الصادق عليه السّلام و أنا عنده، فقال: أصلحك اللّٰه أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: «نعم» قلت: و أحجّ بها؟ قال: «نعم» .
قواعد الاحکام، ج 2، ص 12
(و): جوائز الجائر إن علمت غصبا حرمت ، و تعاد على المالك إن قبضها، فإن جهله تصدّق بها عنه، و لا يجوز إعادتها إلى الظالم اختيارا.
نهایه الاحکام، ج 2، ص 526
و أما جوائز الجائر، فإن علمت بعينها حراما فهي حرام، فإن قبضها أعادها على المالك. فإن جهله، أو تعذر الوصول إليه، تصدق بها عنه، و لا يجوز إعادتها على غير مالكها. و إن لم يعلم حراما جاز تناولها، لأن رجلا سأل الصادق عليه السلام أصلحك اللّٰه أمر بالعامل فيجيز لي بالدراهم آخذها؟ قال: نعم، قلت: و أحج بها؟ قال: نعم . و ينبغي الصدقة ببعضها، و أن يواسي إخوانه المؤمنين، و الأقرب أنه على سبيل الاستحباب.
و جوائز الجائر إن علمت حراما وجب دفعها إلى أربابها مع المكنة، و مع عدمه يتصدق بها عنه، و لو لم يعلم تحريمها جاز تناولها، و ينبغي إخراج الخمس منها، و يصل إخوانه من الباقي.
3058. الخامس و العشرون: يكره معاملة الظالمين، و الأولى تركه مع المكنة، و لو دفع الظالم شيئا له يعلمه حراما، لم يحلّ أخذه و إن كان بعوض، فإن قبضه أعاده على المالك مع العلم، و لو جهله أو تعذر الوصول إليه، تصدّق به. قال ابن إدريس: روى أصحابنا ذلك . و يكون ضامنا مع عدم رضا صاحبه، قال: و روي انّه بمنزلة اللقطة و هو بعيد عن الصواب . و ليس هو عندي بعيدا من الصواب. و اختار ابن إدريس إبقاءه أمانة حتّى يجد المالك . و لا يجوز إعادته على الظالم مع الإمكان. و كذا يكره كلّ مال محتمل للحظر و الإباحة، كمال المرابي و غيره، فإن علمه حراما حرم، و لا يقبل قول المشتري في ذلك.
منتهی المطلب، ج 15، ص 460-469
مسألة: جوائز السلطان إن علمت حراما، وجب دفعها إلى أربابها مع التمكّن، و مع عدمه، يتصدّق بها عنه.
روى الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة، قال: كان لي صديق من كتّاب بني أميّة، فقال: استأذن لي على أبي عبد اللّه عليه السلام، فاستأذنت له فأذن له، فلمّا أن دخل، سلّم و جلس، ثمّ قال كلمة: جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم، فأصبت من دنياهم مالا كثيرا و أغمضت في مطالبه، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «لو لا أنّ بني أميّة وجدوا من يكتب لهم و يجبي لهم الفيء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم، لما سلبونا حقّنا، و لو تركهم الناس و ما في أيديهم، لما وجدوا شيئا إلاّ ما وقع في أيديهم» قال: فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال: فقال: «إن قلت لك تفعل؟» قال: أفعل، قال: «فاخرج من جميع ما كسبت من ديوانهم، فمن عرفت منهم، رددت عليه ماله، و من لم تعرف، تصدّقت به و أنا أضمن لك على اللّه عزّ و جلّ الجنّة». قال: فأطرق الفتى طويلا و قال له: قد فعلت جعلت فداك، قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتى معنا إلى الكوفة، فما ترك شيئا على وجه الأرض إلاّ خرج منه حتّى ثيابه التي على بدنه، قال: فقسمت له قسمة و اشتريت له ثيابا و بعثنا إليه نفقته، قال: فما أتى عليه إلاّ أشهر قلائل حتّى مرض فكنّا نعوده، قال: فدخلت يوما و هو في السّوق ، قال: ففتح عينيه، ثمّ قال لي: يا عليّ وفى لي - و اللّه - صاحبك، قال: ثمّ مات، فتولّينا أمره فخرجت حتّى دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام، فلمّا نظر إليّ قال: «يا عليّ وفينا و اللّه لصاحبك» قال: فقلت: صدقت جعلت فداك، هكذا و اللّه قال لي عند موته .
مسألة: و لو لم تعلم حراما، جاز تناولها
و إن كان المجيز لها ظالما، و ينبغي له أن يخرج الخمس من جوائز الظالم ليطهر بذلك ماله؛ لأنّ الخمس يطهّر المختلط بالحرام؛ فتطهير ما لم يعلم فيه الحرام به أولى، و ينبغي أن يصل إخوانه من الباقي بشيء، و ينتفع هو بالباقي. و ممّن قبل جوائز الظالم الحسن و الحسين عليهما السلام و عبد اللّه بن جعفر، و هو قول الحسن البصريّ، و مكحول، و الزهريّ، و الشافعيّ . روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه اشترى من يهوديّ طعاما و مات و درعه مرهونة عنده و قد أخبر اللّه تعالى عنهم أنّهم أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ . و عن عليّ عليه السلام قال: «لا بأس بجوائز السلطان، فإنّ ما يعطيكم من الحلال أكثر ممّا يعطيكم من الحرام» و قال: «لا تسأل السلطان شيئا، و إن أعطى فخذ، فإنّ ما في بيت المال من الحلال أكثر ممّا فيه من الحرام» . و من طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم و زرارة قالا: سمعناه يقول: «جوائز العمّال ليس بها بأس» . و عن أبي بكر الحضرميّ قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده إسماعيل ابنه فقال: «ما يمنع ابن أبي سمّال أن يخرج شبّان الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس؟!» قال: ثمّ قال لي: «لم تركت عطاءك؟» قال: قلت: مخافة على ديني، قال: «ما منع ابن أبي سمّال أن يبعث إليك بعطائك؟! أما علم أنّ لك في بيت المال نصيبا؟!» . و عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: «إنّ الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوايز معاوية» .
و عن أبي ولاّد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلاّ من أعمالهم و أنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيفني و يحسن إليّ و ربّما أمر لي بالدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: «كل و خذ منه و لك المهنأ و عليه الوزر» . و في الصحيح عن أبي المعزى، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده، فقال: أصلحك اللّه، أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم، آخذها؟ قال: «نعم» قلت: و أحجّ بها؟ قال: «نعم، حجّ بها» . و في الصحيح عن الحلبيّ، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل مسلم و هو في ديوان هؤلاء، و هو يحبّ آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و يخرج مع هؤلاء و في بعثهم فيقتل تحت رايتهم، قال: «يبعثه اللّه على نيّته» قال: و سألته عن رجل مسكين دخل معهم رجاء أن يصيب معهم شيئا يغنيه اللّه به، فمات في بعثهم، قال: «[هو] بمنزلة الأجير إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم» .
مسألة: و لا بأس بمعاملة الظالمين و إن كان مكروها. روى الشيخ - رحمه اللّه - عن محمّد بن أبي حمزة، عن رجل، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشتري الطعام فيجيئني من يتظلّم فيقول: ظلموني، فقال: «اشتره» . و في الصحيح عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشتري من العامل الشيء و أنا أعلم أنّه يظلم، فقال: «اشتر منه» . و عن داود بن رزين ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أخالط السلطان فيكون عندي الجارية فيأخذونها، أو الدابّة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثمّ يقع لهم عندي المال، فلي أن آخذه؟ قال: «خذ مثل ذلك و لا تزد عليه» .
و إنّما قلنا: إنّه مكروه؛ لاحتمال أن يكون ما أخذه ظلما، فكان الأولى: التحرّي عنه؛ دفعا للشبهة المحتملة.
مسألة: متى تمكّن الإنسان من ترك معاملة الظالمين و الامتناع من جوائزهم، كان الأولى له ذلك؛ لما فيه من التنزّه، هذا إذا لم يكن حراما بعينه، أمّا إذا كان حراما بعينه، فلا يحلّ له أخذه بمعاوضة و غيرها، فإن قبضه، أعاده على المالك، فإن جهله أو تعذّر الوصول إليه، تصدّق بها عنه، و لا يجوز له إعادتها على غير مالكها مع الإمكان، و إن لم يعلمه حراما و لا حلالا، كان الأصل الحلّ فيجوز له أخذه و المعاملة عليه؛ عملا بالأصل و إن كان مكروها، و كذا كلّ مال محتمل للحظر و الإباحة، كمال المرابي و غيره من نظائره. إذا ثبت هذا: فإن علمه حراما، كان حراما، و لا يقبل قول المشتري عليه في الحكم؛ لأنّ البائع معتضد بالظاهر، و هو أنّ الأصل أنّ ما في يد الإنسان له. و أمّا إذا علم أنّ في مال السلطان الظالم أو المرابي حراما و حلالا و لم يتميّز له، فإنّه تكره له معاملته و قبول صلته؛ لما فيه من الشبهة، سواء قلّ الحرام أو كثر، و بقدر قلّة الحرام و كثرته تقلّ الشبهة و تكثر. و يعضده ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الحلال بيّن، و الحرام بيّن، و بينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه و من وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع [فيه] ألا [و] إنّ لكلّ ملك حمى، و حمى اللّه محارمه» . و روى الجمهور عن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّه قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» و هذا مذهب الشافعيّ أيضا . و إنّما قلنا: إنّه مباح؛ عملا بالأصل، و بما رواه الشيخ - في الصحيح - عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «كلّ شيء يكون منه حرام و حلال فهو [لك] حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» . و عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة»
إذا عرفت هذا: فالمشكوك فيه على ثلاثة أضرب: أحدها: ما أصله الحظر، و هو كالذبيحة في بلد الكفّار، فلا يجوز شراؤها و إن أمكن أن يكون ذابحها مسلما ما لم توجد في يد مسلم و يخبر بأنّها ذباحته؛ لأنّ الأصل: التحريم و عدم التذكية، و لا يزول إلاّ بيقين أو ظاهر، و سواء كان أهل البلد كفّارا محضا أو فيهم مسلمون. و الأصل فيه: ما روى عديّ بن حاتم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «إذا أرسلت كلبك فخالط أكلبا لم يسمّ عليها، فلا تأكل، فإنّك لا تدري أيّها قتله» . أمّا إذا كان في بلد الإسلام، فالظاهر: إباحتها؛ لأنّ المسلمين لا يبيعون إلاّ ما هو سائغ عندهم ظاهرا. الثاني: ما أصله الإباحة، كالماء المتغيّر إذا لم يعلم تغيّره هل استند إلى نجاسة أو غيرها فهو طاهر في الحكم؛ لأنّ الأصل: الطهارة، فلا تزول عنها إلاّ بيقين أو ظاهر . و الأصل فيه: ما روى عبد اللّه بن زيد، قال: شكي إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الرجل يخيّل إليه في الصلاة أنّه يجد الشيء، قال: «لا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» . الثالث: ما لا يعرف له أصل، كرجل في يده حرام و حلال و لا يعلم أحدهما بعينه، فهذا هو الشبهة التي الأولى تركها؛ لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه وجد تمرة ساقطة، فقال: «لو لا أنّي أخشى أنّها من الصدقة لأكلتها» و هذا من باب الورع. و من طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن حديد ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «اتّقوا اللّه و صونوا أنفسكم بالورع و قوّوه بالتقيّة و الاستغناء باللّه عن طلب الحوائج إلى صاحب سلطان، و اعلم أنّه من خضع لصاحب سلطان أو لمن يخالفه على دينه؛ طلبا لما في يده أخمله اللّه و مقّته عليه و وكله إليه، فإن هو غلب على شيء من دنياه فصار إليه منه شيء نزع اللّه البركة منه، و لم يأجره على شيء ينفقه في حجّ و لا عتق و لا برّ» .
فصل: قد ذكرنا أنّه لا يجوز له أخذ ما يعلمه حراما، فإن اضطرّ إلى أخذه و خاف من ردّ جوائزهم و صلاتهم التي يعلمها ظلما بأعيانها، جاز له قبولها؛ دفعا للضرورة و يجب عليه ردّها على أربابها إن عرفهم، فإن لم يعرفهم، عرّف ذلك المال و اجتهد في طلبهم، قاله ابن إدريس. قال: و قد روى أصحابنا أنّه يتصدّق به عنهم، و يكون ضامنا إذا لم يرضوا بما فعل، و الاحتياط حفظه و الوصيّة به، و قد روي أنّه يكون بمنزلة اللقطة، قال: و هذا بعيد من الصواب؛ لأنّ إلحاقه باللقطة يحتاج إلى دليل . و ليس هذا الوجه عندي بعيدا من الصواب؛ إذ قهره على أخذه، يبيح له الأخذ، كاللقطة، و عدم عرفانه المالك يصيّره بمنزلة اللقطة التي لا يعرف لها مالك فيعرّفها، فإن عرف المالك و إلاّ تخيّر بين التملّك و الصدقة مع الضمان على إشكال، و إن كان الأقوى فيه الصدقة.
موسوعه الشهید الاول، ج 11، ص 156
ويجوز شراء ما يأخذ الجائر باسم الخراج والزكاة والمقاسمة وإن لم يكن مستحقّاً له. وتناول الجائزة منه إذا لم يعلم غصبها، وإن علم ردّت على المالك، فإن جهله تصدّق بها عنه. واحتاط ابن إدريس بحفظها والوصيّة بها، وروى أ نّها كاللقطة ، قال: وينبغي إخراج خمسها والصدقة على إخوانه منها . والظاهر أ نّه أراد الاستحباب في الصدقة.
وترك أخذ ذلك من الظالم مع الاختيار أفضل، ولا يعارضه أخذ الحسنين عليهما السلام جوائز معاوية ؛ لأنّ ذلك من حقوقهم بالأصالة. ولا يجب ردّ المقاسمة وشبهها على المالك، ولا يعتبر رضاه، ولا يمنع تظلّمه من الشراء. وكذا لو علم أنّ العامل يظلم، إلّاأن يعلم الظلم بعينه. نعم، يكره معاملة الظَلَمة، ولا تحرم؛ لقول الصادق عليه السلام: «كلّ شيء فيه حرام وحلال فهو حلال حتّى تعرف الحرام بعينه» . ولا فرق بين قبض الجائر إيّاها أو وكيله، وبين عدم القبض. فلو أحاله بها وقَبِل الثلاثة، أو وكّله في قبضها، أو باعها وهي في يد المالك أو في ذمّته، جاز التناول، ويحرم على المالك المنع. وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات، والهبة والصدقة والوقف، ولا يحلّ تناولها بغير ذلك.
التنقیح الرائع، ج2، ص19-20
(الرابعة) جوائز الظالم و العامل من قبله يجوز قبولها و التصرف فيها الا أن يعلم الظلم بعينه فلا يجوز أخذه. قال ابن إدريس: و ينبغي إخراج خمسها و الصدقة على إخوانه منها. و الظاهر أن مراده الاستحباب في الصدقة. (الخامسة) ترك أخذ الجائزة من الظالم أفضل، و كذا لو ترك معاملته أيضا و لا يكون ما بيده من الأموال محرما بمجرد ظلمه، لجواز أن يتملك شيئا لا على جهة الظلم، فلا يحرم حينئذ معاملته لقول الصادق عليه السّلام: كل شيء فيه حلال و حرام فهو حلال حتى تعرف الحرام بعينه . نعم يكره ذلك مع الاختيار، أما حال الضرورة فجائز. و لا يعارض الأول أخذ الحسنين عليهما السلام جوائز معاوية لعنه اللّٰه، لان ذلك حقهم بالأصالة.
معالم الدین، ج1، ص 333
و أمّا المباح فغير ذلك و إن كثر وجوده، كبيع الماء و التراب و الحجر، و تباح أجرة البدرقة، و ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة أو شاهد الحال، و جوائز الظالم إلاّ أن يعلم غصبها، فإن قبضها ردّها على مالكها، فإن جهله تصدّق بها على غير الظالم
الاقطاب الفقهیه، ص 110
و الأسباب المفهومة عقلا قد تقوم مقام التولية المنصوبة شرعا، كتقديم الطعام على الضيافة و الولائم المعتادة، فلا يحتاج فيها الى لفظ الاذن في الأكل على الأصح. و هل نثار العرس كذلك؟ إشكال. أما تسليم الهدية، و صدقة التطوع، و كسوة القريب و الصاحب، و جوائز الملوك كسوة و غيرها،
مجمع الفائده، ج 8، ص 86
قوله: «و جوائزه المغصوبة. إلخ» (2) دليله أيضا ظاهر، و قد تقدّم ما يكفي في ذلك . نعم الظّاهر أنّه يجوز قبول ما لم يعلم كونه حراما على كراهيّة، و ان علم كونه حلالا فلا كراهة. و لا يبعد قبول قوله في ذلك خصوصا مع القرائن، بأن يقول: هذا من زراعتي أو من تجارتي، أو أنّه اقترضت من فلان، و غير ذلك ممّا علم حليّة ذلك من غير شبهة، و قول وكيله المأمون حين يعطي، و غير ذلك، و الظّاهر أنّ كونه زكاة كذلك، و لا ينبغي .......... ردّه لما مرّ. و الظّاهر أنّه كذلك سائر الواجبات. و إذا كان مشتبها محتملا للأمرين، فالظّاهر أنّه مكروه (للشّبهة خ) و يمكن استحباب إخراج خمسه، و مواساة الإخوان لتزول، كما تدلّ عليه الرّوايات و كلمات الأصحاب. قال في المنتهى: و لا بأس بمعاملة الظّالمين و إن كان مكروها - إلى قوله - و إنّما قلنا أنّه مكروه لاحتمال أن يكون ما أخذه ظلما، فكان الأولى التّحرّز (التحري خ) عنه، دفعا للشبهة المحتملة. و قال أيضا: متى تمكّن الإنسان من ترك معاملة الظّالمين و الامتناع من جوائزهم كان الأولى ذلك، لما فيه من التنزّه. و قال أيضا: و لو لم يعلم حراما جاز تناولها، و إن كان المجيز لها ظالما. و ينبغي أن يخرج الخمس من جوائز الظّالم ليطهر بذلك ماله، لأنّ الخمس يطهّر المختلط بالحرام، فيطهر ما لم يعلم فيه الحرام (به خ) بالأولى، و ينبغي أن يصل اخوانه من الباقي، و ينتفع هو بالباقي. و أمّا الرّواية فمثل رواية عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام (قال خ): سئل عن عمل السّلطان يخرج فيه الرّجل؟ قال: لا، إلاّ ان لا يقدر على شيء، و لا يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» . و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكر عنده رجل من هذه العصابة و قد ولي ولاية، قال: كيف صنيعه إلى إخوانه؟ قال: قلت: ليس عنده خير، قال فقال عليه السلام: أفّ! يدخلون فيما لا ينبغي لهم و لا يصنعون إلى إخوانهم خيرا؟!»
. و لا شبهة في أنّ الاجتناب أولى، و هو واضح عقلا و نقلا، و لا يحتاج إلى البحث. و على تقدير الأخذ يدلّ على مواساة الإخوان ما مضى، و يكفي في ذلك ما تقدّم في خبر الحسن بن الحسين الأنباري . إلاّ أنّه قد يخطر بالبال أنّه قد يكون الأخذ و القبول و صرفه في المحاويج أولى. و يمكن الأولى منه جعله في المحاويج من المؤمنين باذن أهله من غير تصرّف. و يمكن فهمه من الأخبار المتقدّمة من الاهتمام بحال المؤمنين و مواساتهم بعد الأخذ، و أنّه ليس بحرام، و يحصل به قضاء حوائج المؤمنين المحتاجين مثل سدّ خلّتهم و قضاء ديونهم و تزويج أراملهم، بل يمكن أن يحصل الأذى للمعطي بالرّدّ، فإذا كان مؤمنا يشكل الرّدّ إلاّ أن يردّ به عن عمله، أو أنّه قد حصل له الأذى، يستأهل الارتكاب ما ارتكب. و لكن يخطر بالبال أنّه لو كان ذلك حسنا لكان القبول له حسنا مع أنّه قد علم أولويّة الاجتناب، و أيضا كما يكره للآخذ كذا يكره لغيره، فكيف يجعله لهم. إلاّ أنّه قد يقال: الأخذ لنفسه يكون مكروها، لا لغيره، و إلاّ يلزم كراهة قضاء حوائج الإخوان في مثل هذا الزّمان لأنّ أكثر حوائجهم إلى الحكّام، للجوائز، إمّا تبرّعا أو اجرة حجّ و نحوه، و إن خلى ذلك من التّحريم فقليلا ما يسلم من الشّبهة، إلاّ ان يكونوا مضطرّين و لا يعلموا به. فيمكن حمل قبول الحسنين عليهما السلام ما أعطاهم معاوية - لعنه اللّه في على العلم بأنّه من المباح، بأن يكون من خاصّة ماله لعنه اللّه، أو كونه ممّا لهم عليهم السلام، مثل كونه من فيئهم و من غلّة أراضيهم عليهم السلام من فدك و غيره، و لصرفهم في المحاويج، و إنّه بعد الخمس و المواساة تزول الكراهة، أو أمرا بأخذه المحاويج ممّن ينسب إليهما، أو على الضّرورة. و يمكن أنّهما أخذا ففعلا ذلك. هذا على تقدير خلوّ أفعالهم عليهم السلام عن المكروه، على أنّه يجوز فعلهم ذلك، إلاّ أنّ المناسب مع وجود غرض، و قد يكون الغرض هنا إظهار إباحة أخذ مال الظّالمين ما لم يعلم تحريمه، و غير ذلك.
ج8، ص 105
و رواية أبي المعزى قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده فقال: أصلحك اللّه أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم، آخذها؟ قال: نعم، قلت: و أحج بها؟ قال: نعم قال في الرسالة: و مثل هذا من عدة طرق، و قال: انها صحيحة. و الظاهر انها صحيحة و لكن لا دلالة فيها أصلا على المطلوب ، نعم فيها دلالة على جواز أخذ جوائز الجائر، و لا شك في ذلك مع عدم العلم بالتحريم، مع الكراهة، و قد تقدم ما يدل عليه. و يدل عليه أخبار كثيرة . و صحيحة أبي ولاد أو حسنة و غيرها . و كأنه مراده بقوله: و مثل هذا في عدة طرق.
مسالک الافهام، ج 3، ص 141-142
قوله: «جوائز الظالم ان علمت حراما بعينها فهي حرام». (1) التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها و إن علم أنّ في ماله مظالم، كما هو مقتضى حال الظالم، و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع، للنص على ذلك. نعم يكره أخذها حينئذ. قوله: «و ان جهله أو تعذر الوصول اليه تصدق بها عنه». (2) المراد بالمالك ما يعمّ المأخوذ منه و وارثه، لأنّه يصير بعد موته مالكا. و انما يجوز الصدقة عنه بها مع اليأس من معرفته و الوصول إليه. و لو ظهر بعد ذلك و لم يرض بالصدقة، ضمن له القيمة أو المثل. و يجوز له دفعها إلى الحاكم، و إبقاؤها أمانة في يده، و لا ضمان فيهما. و لو اشتبه المالك في قوم محصورين، تعين عليه التخلص منهم و لو بطريق الصلح. قوله: «و لا يجوز اعادتها على غير مالكها مع الإمكان». (3) احترز به عمّا لو أخذها الظالم المذكور أو غيره منه قهرا، فإنّه لا يحرم عليه لعدم الاختيار. و هل يضمن حينئذ؟ قيل: نعم، لعموم قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» . و الأقوى التفصيل، و هو أنّه إن كان قبضها من الظالم عالما بكونها مغصوبة، ضمن، و استمر الضمان و إن أخذت منه قهرا. و إن لم يعلم حالها حتى قبضها ثمَّ تبين كونها مغصوبة و لم يقصر في إيصالها إلى مالكها و لا في حفظها، لم يضمن. و الفرق بين الحالتين واضح، فإنّ يده في الأول عادية فيستصحب حكم الضمان، كما لو تلفت بغير تفريط، و في الثاني أمانة فيستصحب كما لو تلفت بغير تفريط، و الفرض كون الأخذ قهريا. و عبارة المصنف تشمل الأمرين، و تدل بمفهومها على جواز دفعها مع عدم الإمكان. و لا كلام فيه إنّما الكلام في الضمان. و صرّح بعض الأصحاب بالضمان في الصورتين. و التفصيل أجود.
الخراجیات(السراج الوهاج فاضل قطیفی)،ص 110-113
(الثالث) أن قوله «و ما كان قبولهما عليهما السلام لجوائزه إلا بما لهما من الحق في بيت المال» ركيك ظاهر الركاكة لأنه غير لازم أن تكون الجائزة من بيت المال لجواز أن يكون من خاصة ماله المملوكة له بأخذ أنواع التملكات. و من هذا يعلم (الوجه الرابع) من الخبط - أعني قوله «فتناولهما حقهما عليهما السلام المترتب على تصرفه دليل على جواز ذلك لذوي الحقوق نظرا الى ثبوت التأسي» - لأن تناولهما لم يثبت أنه من حقهما من بيت المال حتى يتأسى لهما من هذه الحيثية. فانظر أيها المتأمل إلى قلة فطنة هذا الرجل كيف بلغت بهذا القدر في مثل هذا المطلب اليسير. و أبلغ من هذا كله قوله «و قد نبه شيخنا في الدروس على هذا المعنى.. إلخ» و أنت قد تعلم أن الشهيد لم ينبه إلا على جواز ابتياع ما يأخذه الجائر و جواز جائزته، و إن ترك ذلك أفضل إلا للمعصوم فإن حقه بالأصالة، و من المعلوم أنه غير مطلب المؤلف لأن الجوائز لا شبهة فيها و إن أخذ المعصوم لها من حيث حقه في بيت المال، فيثبت لغيره ما ثبت له من غير فرق، و هذا خلاف ما نبه عليه الشهيد بلا مرية، فان كنت في شك من ذلك فاستمع كلام الشهيد في دروسه قال قدس سره: و يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و الزكاة و المقاسمة و إن لم يكن مستحقا لها و تناول الجائزة منه إذا لم يعلم غصبها، و إن علم ردت على المالك فإن جهله تصدق بها، و احتاط ابن إدريس بحفظها و الوصية بها. و روي أنها كاللقطة قال: و ينبغي إخراج خمسها و الصدقة على إخوانه منها و الظاهر أنه أراد الاستحباب في الصدقة، و ترك أخذ ذلك من الظالم مع الاختيار أفضل و لا يعارض ذلك أخذ الحسن عليه السلام جوائز معاوية لأن ذلك من حقوقهم بالأصالة. فانظر أيها المتأمل هل الذي نبه عليه الذي أشرنا إليه أو الذي توهم المؤلف؟ فإن كلامه ظاهر في المرجوحية و عدم صلاحية فعله عليه السلام للرجحان لاختصاص الرجحان به لأنه حقه بالأصالة، هذا ما أفاده تغمده الله برحمته و أسكنه بحبوحة جنته، و لا كلام في مرجوحية جوائز الظالم عقلا و شرعا
و قدأحببت أن أزيد هذا البحث إيضاحا بالاستشهاد بكلام بعض الأصحاب. قال العلامة في المنتهى: و لا بأس بمعاملة الظالمين و إن كان مكروها - الى أن قال -: و انما قلنا إنه مكروه لاحتمال أن يكون ما أخذه ظلما فكان الأولى التحري عنه دفعا قللشبهة المحتملة. (مسألة) متى تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين و الامتناع من جوائزهم كان الأولى له ذلك لما فيه من التنزه. و قال فيه أيضا: و لو لم يعلم حراما جاز تناولها و إن كان المجيز لها ظالما. و ينبغي أن يخرج الخمس من جوائز الظالم ليظهر بذلك ما له، لأن الخمس يطهر المختلط بالحرام، فتطهر ما لم يعلم فيه الحرام أولى . و قال المقداد في تنقيحه: جوائز الظالم و الفاعل من قبله يجوز قبولها و التصرف فيها إلا أن يعلم الظلم بعينه و لا يجوز أخذه . و قال ابن إدريس و ينبغي إخراج خمسها و الصدقة على إخوانه منها، و الظاهر أن مراده بالاستحباب في الصدقة و ترك الجائزة من الظالم أفضل، و كذا ترك معاملته أيضا، و لا يكون ما بيده من الأمور محرما بمجرد ظلمه لجواز أن يتملك شيئا على جهة الظلم فلا يحرم حينئذ معاملته لقول الصادق عليه السلام «كل شيء فيه حلال و حرام فهو حلال حتى يعرف تحريمه بعينه». نعم يكره ذلك مع الاختيار، و أما حال الضرورة فجائز، و لا يعارض الأول أخذ الحسنين عليهما السلام جوائز معاوية لأن ذلك حقهم بالأصالة، و لو لا كراهة الإطالة في مثل هذا مع ظهوره لأوردت عبارات اخرى، و بالجملة فلا شك عند أهل الله أن من الورع تجنب جوائز الظالم، و إنكار ذلك جهل
الخراجیات(قاطعه اللجاج محقق کرکی)،ص 79
و منها: ما رواه الشيخ أيضا بإسناده عن يحيى بن أبي العلا عن أبي عبد اللّه - عليه السلام - عن أبيه: «إنّ الحسن و الحسين - عليهما السلام - كانا يقبلان جوائز معاوية» . قلت: قد علم أن موضع الشبهة حقيق بالاجتناب، و الإمام - عليه السلام - لا يواقعها، و ما كان قبولهما - عليهما السلام - لجوائزه إلا لما لهما من الحقّ في بيت المال مع أنّ تصرّف معاوية عليه غضب اللّه و سخطه كان بغير رضا منهما عليهما السلام. فتناولهما حقّهما - عليهما السلام - المرتب على تصرّفه دليل على جواز ذلك لذوي الحقوق في بيت المال من المؤمنين، نظرا إلى التأسّي. و قد نبّه «شيخنا» في «الدروس» على هذا المعنى و فرّق بين الجائزة من الظالم و بين أخذ الحقّ الثابت في بيت المال أصالة. فإنّ ترك قبول الأوّل أفضل، بخلاف الثاني. و مثل هذه الاخبار كثير لمن تتبّع و لسنا بصدد ذلك، فان في هذا غنية في الدلالة على المطلوب في تتبّع ما سواها. و كون بعضها قد يعتري بعض رجال إسناده طعن أو جهالة، غير قادح في شيء منها بوجه من الوجوه، على أنّ أسانيد كثيرة منها صحيحة، كما قدّمناه. و مع ذلك فإن الأصحاب كلهم أو جلّهم قد أفتوا بمضمونها في كتبهم و عملوا به، فيما بلغنا عنهم. و الخبر الضعيف الإسناد - إذا انجبر الخبر بقول الأصحاب و عملهم - ارتقى إلى مرتبة الصحاح و انتظم في سلك الحجج، و الحق بالمشهور. فان قيل: هنا سؤالان.
کفایه الفقه، ج 1، ص 447
الثالثة: جوائز الجائر إن علمت حرمتها بعينها فهي حرام فإن قبضها أعادها على المالك إن أمكنه، و لا يجوز إعادتها إلى غير المالك مع الإمكان إلّا أن يأخذها الظالم قهراً. و هل يضمن حينئذٍ؟ قيل: نعم . و قوّى بعضهم التفصيل و هو أنّ القبض إن كان بعد العلم بكونها مغصوبة ضمن و استمرّ الضمان، و إن كان قبل العلم و لم يقصّر في إيصالها إلى من يجوز إيصالها إليه لم يضمن، و الفرق أنّ اليد في الأوّل عادية مستصحبة للضمان و في الثاني أمانة . و هو حسن. و إن جهل المالك أو تعذّر إيصالها إليه تصدّق بها عنه، و إن لم يعلم حرمتها بعينها جاز الأخذ و إن علم أنّ في ماله مظالم، للأخبار الكثيرة، و اشتهر بينهم أنّه مكروه، و احتجّ له في المنتهى بوجهين ضعيفين . و في المسالك بعد أن ذكر حديث الجواز: و إن علم أنّ في ماله مظالم، و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع، للنصّ على ذلك . و في وجوب اجتناب الجميع في الصورة المذكورة نظر، لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان و موثّقة سماعة
روضه المتقین، ج 6، ص 495-488-
فظهر من تواتر الأخبار عنهم عليهم السلام أن ما لم يعلم من الأموال هل هو حرام أم حلال فهو حلال، و أن الأصل الإباحة و إن كان المظنون حرمته، و على حلية جوائز السلطان الجائر و إن علم أنه حرام إذ أخذوا من أمثالهم من العامة لأنهم يعتقدون حليته، بل و إن أخذوا ممن لا يعتقد الجواز كالشيعة، و إن أمكن حمل أخبار الشيعة، على صورة الجهل بأنه حرام أو الظن: باعتبار أن الأصل الإباحة ما لم يعلم الحرام بعينه و إن علم أن في ماله الحرام و أنه الأغلب. لكن تقدم الأخبار و سيجيء أن الأولى الاجتناب من الشبهات لئلا يقع في الحرمات من حيث لا يعلم، مع أنه يمكن أن يقال: تجويز الأئمة صلوات الله عليهم لهم كان باعتبار أن لهم أن يجوزوا و يعطوا لمن يريدونه (إما) باعتبار أن الجميع لهم (أو) باعتبار أن القسمة حقهم فيمكن أن لا يتعدى من الموارد الخاصة. كيف و قد روى الشيخان في الحسن كالصحيح عن الوليد بن صبيح قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فاستقبلني زرارة خارجا من عنده فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا وليد أ ما تعجب من زرارة؟ سألني عن أعمال هؤلاء، أي شيء كان يريد؟ أ يريد أن أقول له: لا فيروي ذاك ثمَّ قال يا وليد: متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم، إنما كانت الشيعة تقول يؤكل من طعامهم و يشرب من شرابهم، و يستظل بظلهم، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا؟ يفهم من هذا الخبر و أمثاله أن يكون الأخبار التي ......... وردت في الجواز كانت للتقية، لكن الظاهر الفرق بين الدخول في أعمالهم و قبول جوائزهم بإذن الأئمة عليهم السلام مع فقرهم و اضطرارهم. و في الحسن كالصحيح، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أعمالهم فقال لي: يا با محمد لا و لا مدة قلم (أو بقلم) إن أحدهم (أو أحدكم كما في يب و هو أظهر) لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله - أو حتى يصيبوا من دينه مثله الوهم من ابن أبي عمير - الظاهر أن قائله إبراهيم بن هاشم الراوي عن ابن أبي عمير عن هشام، عن أبي بصير. و في الحسن كالصحيح و الصحيح، عن محمد بن مسلم قال: كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام على باب داره بالمدينة فنظر إلى الناس يمرون أفواجا فقال لبعض من عنده حدث بالمدينة أمر؟ فقال أصلحك الله ولي المدينة وال فغدا الناس يهنئونه. فقال: إن
...و الأخبار في هذا الباب أكثر من أن تحصى مع الآيات، و لكن روي الرخصة لجماعة من الأصحاب مثل عبد الله بن سنان و داود بن زربي و علي بن يقطين و غيرهم تقية.
.
الحدائق الناضره، ج 1، ص 510
و مما ورد في حكم غير المحصور جملة من الأخبار في مواضع: (منها) - الأخبار الدالة على ان كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر فان القدر المعلوم منها - كما مر تحقيقه في المقدمة الحادية عشرة - ان كل صنف يكون فيه طاهر و نجس - كالدم و البول و أمثالهما مما لم يميز الشارع بين فرديه بعلامة - فهو طاهر حتى يعلم انه من الفرد النجس، و فيه - كما ترى - دلالة على حكم غير المحصور بوجه كلي. و (منها) - الأخبار الدالة على ان كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه . و منها - صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه «سأل عن الجبن. فقال: سألتني عن طعام يعجبني، ثم اعطى الغلام درهما فقال: يا غلام ابتع لنا جبنا، ثم دعى بالغداء فتغدينا معه، فاتى بالجبن فأكل و أكلنا، فلما فرغنا من الغداء قلت: ما تقول في الجبن؟ قال: أو لم ترني أكلته؟ قلت: بلى و لكني أحب ان أسمعه منك. فقال: سأخبرك عن الجبن و غيره، كل ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه». و ما رواه في كتاب المحاسن عن ابي الجارود، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن، فقلت له: أخبرني من رأى انه يجعل فيه الميتة. فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟ إذا علمت أنه ميتة فلا تأكل، و ان لم تعلم فاشتر و بع و كل، و الله انى لأعترض السوق فاشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و الله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر و هذه السودان». الى غير ذلك من الأخبار التي لا يأتي عليها قلم الإحصاء في هذا المضمار. و أنت خبير بان الحكم الوارد في هذه الأخبار على وجه كلي، فكل شيء من الأشياء متى كان له افراد بعضها معلوم الحل و بعضها معلوم الحرمة. و لم يميز الشارع أحدهما بعلامة، و تلك الافراد مما يتعسر أو يتعذر ضبطها - كما أشار إليه في رواية المحاسن بقوله: «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين» - فالجميع حلال حتى يعرف الحرام بعينه فيجتنبه. و هذا من التوسعات و الرخص الواقعة في الشريعة المبنية على السهولة، لرفع الحرج و المشقة اللازمين بوجوب التكليف باجتناب ذلك، بخلاف الافراد المحصورة، فإنه لا حرج في التكليف باجتنابها كما لا يخفى. و هذه الاخبار كما انها تدل على حكم غير المحصور بالنسبة إلى اشتباه الحلال بالحرام كذلك تدل عليه بالنسبة إلى اشتباه الطاهر بالنجس، فان التحريم الذي حصل الاشتباه به إنما نشأ من حيث النجاسة كما لا يخفى. و (منها) - جوائز الظالم، فإنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حلها و جواز أكلها، مع العلم و اليقين بكون أكثرها حراما، و به استفاضت الأخبار: و منها - صحيحة أبي ولاد قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان، ليس له مكسب إلا من أعمالهم، و انا أمر به فانزل عليه فيضيفني و يحسن إلي، و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنا و عليه الوزر». هذا ما خطر بالبال مما يدخل في هذا المجال.
ج18، ص 261-271
المسألة الثالثة [في جواز تناول جوائز الظلمة] لا اشكال و لا خلاف في حل جوائز السلطان و جميع الظلمة، على كراهية ما لم يخبره بأن ذلك من ماله، فإنه لا كراهة. و ما لم يعلم بكونه حراما فيجب رده على مالكه، أو الصدقة به عنه. و يدل على الثالث: ما تقدم في مسألة تحريم معونة الظالمين، من رواية على ابن أبي حمزة . و على الأول و الثاني: أصالة الحل، المدلول عليها بالأخبار المتكاثرة، و قد تقدم شطر منها في مقدمات الكتاب. و على الكراهة في الأول: وقوع الشبهة فيها، باحتمال كونها من الحرام أو دخول الحرام في تلك الجوائز، لعدم تورع الدافع لها، مع عدم اخباره بالحل. و لهذا صرح الأصحاب باستحباب إخراج الخمس منها، من حيث احتمال الاختلاط، و خروج الخمس محلل للمال المختلط حلاله بحرامه. قال في المنتهى: و لو لم يعلم حراما جاز تناولها و ان كان المجيز لها ظالما، و ينبغي له ان يخرج الخمس من جوائز الظالم، ليطهر بذلك ماله، لان الخمس يطهر المختلط بالحرام فيطهر، ما لم يعلم فيه الحرام. و ينبغي ان يصل إخوانه من الباقي بشيء و ينتفع هو بالباقي....
و ما رواه في الكافي عن عمر أخي عذافر، قال: دفع الى انسان ستمائة درهم أو سبعمائة درهم لأبي عبد الله عليه السلام فكانت في جوالقي، فلما انتهيت إلى الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه، و رافقت عامل المدينة بها، فقال: أنت الذي شق جوالقك و ذهب بمتاعك؟ قلت: نعم. قال: إذا قدمنا المدينة فأتنا نعوضك. قال: فلما انتهينا إلى المدينة، دخلت على ابى عبد الله عليه السلام فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم. فقال: ما أعطاك الله تعالى خير مما أخذ منك - الى ان قال - فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك، فإنما هو شيء دعاك الله اليه لم تطلبه منه . الى غير ذلك من الاخبار الدالة على صلة خلفاء بنى العباس للأئمة - عليهم السلام - و قبولهم ذلك منهم.
فوائد الأولى: [قبول الأئمة (ع) للجوائز] ما ذكره الأصحاب - رضوان الله عليهم - من كراهة هذه الجوائز لما تقدم ذكره، ربما نافاه الأخبار الدالة على قبولهم - عليهم السلام - لجوائز خلفاء الجور، و قد تقدم خبر قبول الحسن و الحسين عليهما السلام لجوائز معاوية، و مثله ما رواه في كتاب الاحتجاج في حديث: انه كان يبعث الى الحسين عليه السلام في كل سنة ألف ألف درهم سوى عروض و هدايا من كل ضرب . و يمكن الجواب عن ذلك، بوجوه: (أحدها): ان الأرض و ما فيها لهم - عليهم السلام - كما دلت عليه جملة من الاخبار التي قدمناها في كتاب الخمس فكيف بما في أيدي هؤلاء الفجرة من ذلك.
و (ثانيها): انه من المحتمل - قريبا - ان قبولهم لها لا يستلزم أكلهم منها، فيجوز ان يتصدقوا بها، لأنها من مال المسلمين فيصرفونها عليهم. و يدل على ذلك: ما رواه في العيون عن صاحب الفضل بن الربيع، عن ابى الحسن موسى عليه السلام، في حديث: ان الرشيد بعث اليه بخلع و حملان و مال. فقال: لا حاجة لي بالخلع و الحملان و المال، إذا كان فيه حقوق الأمة. فقلت: ناشدتك بالله ان لا ترده فيغتاظ. قال: اعمل به ما أحببت . و في خبر آخر، ان الرشيد أمر ان يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير. فقال عليه السلام: و الله لو لا انى ارى من أزوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها . و روى في الكافي عن محمد بن قيس بن رمانة قال: دخلت على ابى عبد الله عليه السلام فذكرت له بعض حالي، فقال: يا جارية هاتي ذلك الكيس، هذه أربعمائة دينار
وصلني بها أبو جعفر، فخذها و تفرج بها الحديث. و (ثالثها): جواز فعلهم للمكروه أحيانا، كما دلت عليه جملة من الاخبار لبيان جوازه، و انهم لو امتنعوا من قبول ذلك امتنع الناس التابعون لهم بامتناعهم منه اقتداء بهم، و لزم به إدخال الضرر عليهم في بعض الموارد، لا سيما في مقام الضرورة، مع حل ذلك شرعا. و (رابعها): ان لهم حقا في بيت المال، فيكون ذلك من حقوقهم الواجبة لهم، و يحمل الامتناع منهم في بعض الأوقات على التنزه و الله العالم.
الثانية: [دليل استحباب إخراج الخمس] ما ذكره الأصحاب هنا من استحباب إخراج الخمس من هذه الجوائز لم أقف فيه على خبر، الا ما قدمناه من خبر عمار . و مورده انما هو الدخول في أعمالهم و حصول شيء له من ذلك. و الفرق بينه و بين الجوائز ظاهر، لما تقدم من اختلاف الاخبار في جواز الدخول في أعمالهم، و قد تقدمت في تلك المسألة، بخلاف مسألة الجوائز، فإن الأخبار متفقة على حلها، و معارضة بالقاعدة المتفق عليها - نصا و فتوى - كل شيء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه . و مورد اخبار الخمس - الكثيرة بالنسبة الى هذا الفرد - انما هو المال المعلوم دخول الحرام فيه، مع عدم معلوميته بعينه، و عدم معلومية صاحبه. و قد تقدمت في كتاب الخمس . و ظاهر عبارة العلامة المتقدمة: انه انما استند في إخراج الخمس في هذا المقام الى هذه الاخبار باعتبار دلالتها على ذلك بطريق الأولوية. حيث انها دلت على تطهير المال المعلوم فيه وجود الحرام بإخراج الخمس، فتطهير ما ظن كونه حراما أو دخل فيه الحرام بطريق اولى. و فيه منع ظاهر، بل هو قياس محض مع الفارق، للاتفاق هنا على الحل نصا و فتوى، مع الاعتضاد - كما عرفت - بالقاعدة المتفق عليها نصا و فتوى، بخلاف ما لو علم فيه الحرام، إذ لا خلاف في تحريمه بمقتضى النصوص الواردة في المحصور من ذلك، لكن لما وردت هذه الاخبار بتحليله بإخراج الخمس منه وجب استثناؤه من النصوص المذكورة.
الثالثة: [مصرفه مصرف خمس الغنائم] قد صرحت موثقة عمار المتقدمة بأنه يبعث بخمس المال الذي يصير في يده من عملة الظالمين إليهم - عليهم السلام -. و الظاهر من ذلك: ان مصرفه مصرف الخمس المأخوذ من الغنائم و نحوها، مما تقدم في كتاب الخمس، مع ان هذا الموضع مما لم يتعرض أحد من الأصحاب لعده في كتاب الخمس في عداد تلك الأشياء و قد وقع في الخمس المأخوذ من الحلال المختلط بالحرام بحث في مصرفه قدمنا ذكره في الكتاب المشار اليه. و الظاهر: ان عدم تعرض الأصحاب لهذا الفرد، اما من حيث عدم وجوبه، فان ظاهرهم انما هو الاستحباب، أو ندور الرواية المذكورة. و كيف كان فإخراج الخمس مخصوص بمورد الخبر، و هو العمل لهم، دون ما نحن فيه من الجوائز. و الله العالم.
الرابعة: [عد الجوائز من الشبهات] قد عد بعض مشايخنا المحققين من محدثي متأخري المتأخرين جوائز الظالم، في الشبهات الواردة في اخبار التثليث «حلال بين، و حرام بين، و شبهات بين ذلك» . بناء على ان ما احتمل الحرمة و ان كان بحسب ظاهر الشرع حلالا، الا انه من جملة أفراد الشبهة المعدودة في هذه الاخبار. و عد من ذلك - بناء على هذا الأصل الذي ذكره ايضا - ما اختلف فيه الاخبار، مع ترجيح أحد طرفيها في نظر الفقيه، كمسألة نجاسة البئر مثلا، مع القول بالطهارة. و فيه - أولا -: ان الحل و الحرمة - كما حققناه في محل أليق و قد تقدم أيضا في المجلد الثاني من كتاب الطهارة - ليس عبارة عما كان كذلك في نفس الأمر و الواقع، و انما ذلك بالنظر الى علم المكلف، و كذلك الطهارة و النجاسة، فالحلال هو ما لم يعلم المكلف حرمته، و ان كان حراما في الواقع، لا ما علم عدم حرمته. و الطاهر: ما لم يعلم نجاسته، لا ما علم عدم نجاسته. و لا يقال: هذا حلال بحسب الظاهر و حرام في الواقع، إذ لا واقع هنا لذلك، فإن الأحكام الشرعية لم يجعلها الشارع منوطة بالواقع و نفس الأمر الذي لا يعلمه الا هو، و انما جعلها منوطة بعلم المكلف. و تحقيق البحث في المقام واسع، و قد تقدم في الموضع المشار اليه. و ثانيا: ان المفهوم من الاخبار في هذا القسم الثالث - اعنى قسم الشبهة - هو الكف و التثبت و الرد إلى الأئمة - عليهم السلام كما ان الحكم في الحلال البين و الحرام البين، هو الإباحة في الأول، و المنع مع المؤاخذة مع المؤاخذة بالمخالفة في الثاني. و من الاخبار المشار إليها: قول ابى جعفر عليه السلام في حديث طويل: و ما اشتبه عليكم فقفوا عنده و ردوه إلينا نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا . و قول الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الأمور ثلاثة، أمر تبين لك رشده فاتبعه، و أمر تبين لك غيه فاجتنبه، و أمر اختلف فيه فرده الى الله عز و جل . و قول الصادق عليه السلام: أورع الناس من وقف عند الشبهة . و قول أمير المؤمنين في وصيته لابنه الحسن عليه السلام: أوصيك يا بنى - الى ان قال -: و الصمت عند الشبهة . و قوله عليه السلام: الوقوف عند الشبهة، خير من الاقتحام في الهلكة . الى غير ذلك من الاخبار. و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، لتصريح الاخبار به، و اتفاق الأصحاب على الحل من غير توقف. و بالجملة، فإن دخول ما ذكره في افراد الشبهة المعدودة في هذه الاخبار ظاهر الفساد لمن تأمل في ما ذكرناه بعين الفكر و السداد. نعم يمكن ان يقال: ان معنى الشبهة لا ينحصر في هذا الفرد المذكور في هذه الاخبار، بل من جملته ما يستحب التنزه عنه فيما إذا حصل الشك أو الظن باحتمال النقيض لما قام الدليل على حليته أو طهارته على الإطلاق كما فيما نحن فيه، فان الدليل دل على ان كل شيء حلال حتى تعلم حرمته، و جوائز الظالم من هذا القبيل كما صرحت به اخبارها، لكن يحتمل قريبا بسبب العلم بأخذه الحرام كون هذا الفرد منه، و ان لم يعلم المكلف. فالأفضل له التورع عنه. و الله العالم.
الخامسة: روى في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، انه كتب الى صاحب الزمان - عجل الله فرجه - يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده، لا يتورع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته و هو فيها، أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه، فان لم آكل من طعامه عاداني عليه، فهل يجوز لي ان آكل من طعامه، و أتصدق بصدقة، و كم مقدار الصدقة؟ و ان اهدى هذا الوكيل هدية الى رجل آخر فيدعوني الى ان أنال منها، و انا اعلم ان الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل على فيه شيء إذا أنا نلت منها؟ الجواب: ان كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده، فكل طعامه و اقبل بره، و الا فلا . و رواه الشيخ - رحمه الله - في كتاب الغيبة أيضا. و أنت خبير بان ظاهر هذا الخبر: عدم جواز قبول جوائز الظالم الا مع العلم بان له معاشا أو مالا حلالا، و ظواهر الأخبار المتقدمة أعم من ذلك، فالواجب تقييد تلك الاخبار به. الا ان ذلك خلاف ما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب في هذا الباب، فإنهم يكتفون في الحكم بالحلية بمجرد مجهولية الحال و ان لم يعلم ان له مالا حلالا أو معاشا حلالا، و هو ظاهر الاخبار المتقدمة. و انما يستثنون معلومية كونه حراما. اللهم الا ان يقال: ان ظاهر هذا الخبر يعطي: ان السائل عالم بان هذا الوكيل ليس له مال الا مال الوقف الذي في يده، و انه يستحل اكله، و على هذا فيكون جميع ما يصرفه و يهديه انما هو من هذا المال الذي في يده، فأجابه عليه السلام ان كان كذلك فلا يجوز الأكل من عنده، و ان كان له معاش أو مال غير ذلك، بحيث يحتمل كون ما يعطيه من ذلك المال الحلال جاز الأكل، و حينئذ فلا يدخل في هذا مجهول الحال الذي دل كلام الأصحاب و ظواهر الأخبار المتقدمة على حل جوائزه.
السادسة: [جواز المعاملة مع الظلمة] قد صرح الأصحاب، و عليه دلت الأخبار، بأنه لا بأس بمعاملة الظلمة و البيع عليهم و الشراء منهم، و ان كان مكروها. و من الاخبار في ذلك ما تقدم في المسألة السابقة، من موثقة إسحاق بن عمار الدال على انه يشترى من العامل ما لم يعلم انه يظلم فيه أحدا . و ما رواه في التهذيب عن محمد بن أبي حمزة عن رجل، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اشترى طعاما فيجيئني من يتظلم يقول: ظلموني، فقال: اشتره . أقول: إنما أمره عليه السلام بالاشتراء، لانه لم يعلم ان ظلمة كان في ذلك الطعام بعينه، بل أخبره بأنهم يظلمون الناس. و قد عرفت ان ذلك غير مانع من جواز الشراء منهم، ما لم يعلم الظلم في ذلك المبيع المعين المعلوم. و عن على بن عطية، قال أخبرني زرارة، قال: اشترى ضريس بن عبد الملك و اخوه من هبيرة أرزا بثلاثمائة الف، قال: فقلت له: ويلك - أو ويحك - انظر الى خمس هذا المال فابعث به اليه و احتبس الباقي، فأبى على، قال: فأدى المال، و قدم هؤلاء فذهب أمر بنى أمية. قال: فقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال - مبادرا للجواب -: هو له هو له. فقلت: انه قد أداها، فعض على إصبعه . و ظاهر سياق الخبر المذكور: ان هبيرة كان من بنى أمية أو أعمالهم، و ان الشراء وقع في مقدمات ذهاب دولتهم على يد العباسية. و زرارة لما علم ذلك أمر ابن أخيه ان يبقى الثمن و لا يدفعه إلى البائع، و ان يبعث بخمسه الى الامام عليه السلام ليحل له المال، لانه مال الناصب المأمور بإخراج الخمس منه، فامتنع ابن أخيه من ذلك، فلما أخبر زرارة الإمام عليه السلام قبل ان يتم له الحكاية، حلل له الخمس الذي امره بإرساله، ثم لما أخبره زرارة انه دفع الثمن عض على يديه ندما على ما فعل ضريس من دفع الثمن، ففي الخبر المذكور دلالة على حل مال الناصب كما ورد به غيره، و على إخراج خمسه، و على تحليل الامام عليه السلام بالخمس، كما تقدم في كتاب الخمس، و على جواز معاملة الظلمة كما هو المقصود بالبحث، الى غير ذلك من الاخبار الواردة في المقام. و اما الكراهة فالوجه فيها: ما تقدم بيانه في الجوائز. و الله العالم.
مفتاح الکرامه، ج 4، ص 116
(قوله رحمه اللّٰه) (جوائز الظالم إن علمت غصبا حرمت) (1) بلا خلاف في ذلك و به نطقت عباراتهم لكن في الشرائع و النافع و نهاية الإحكام و الدروس و الكفاية إن علمت حراما بعينها فالتقييد بالعين فيه إشارة إلى جواز أخذها و إن كان في ماله مظالم كما هو مقتضى حال الظالم و أنه لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع للنص على ذلك كما قال ذلك كله في المسالك و أوضح من ذلك عبارة السرائر (قال) إذا كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا إلا أنه غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها على جهة الخراج فلا بأس بشرائه منه و قبول صلته لأنها صارت بمنزلة المستهلكة لأنه غير قادر على ردها و نحوها عبارة النهاية و إن كانت قد توهم قبل التأمل خلاف ذلك و ينفتح من ذلك باب واسع في خصوص الجائر إلا أن يقال إنه مخالف لأصول المذهب و قواعده من عقل و نقل كتاب و سنة و إجماع إلا أن يحمل ما ذكروه من النص و الفتوى على ما إذا دفع إليك بيده من دكان أو كيس أو صندوق فيه غصب أو أشار لك إلى معين بين أمواله فيه غصب و الحال أنك لا تعلم أن المدفوع و المشار إليه غصب فإن الظاهر أن ذلك حلال و إن كان في محصور حملا لفعل المسلم على الصحة و ذلك يقضي أنه ما ناولك إلا الحلال فليلحظ ذلك (و ليتأمل فيه) ثم إن إطلاق النصوص و الفتاوى أنه يجوز التناول مع عدم العلم بالحرمة مطلقا سواء علم أن للجائر مالا حلالا أم لا و ليس في الأخبار ما ينافي ذلك إلا الخبر المروي عن الاحتجاج للطبرسي و كتاب الغيبة للشيخ (و فيهما) بعد أن سئل الصاحب جعلني اللّٰه فداه عن أكل أموال من لا يتورع عن المحارم إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل بره و إلا فلا و فيه قصور عن المعادلة لأخبار الباب من وجوه فليطرح أو يؤول بما يعطيه صدره من أن الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده لا يتورع عن أخذ ماله هكذا في السؤال فكأنه قال ليس له مال إلا مال الوقف و جميع ما يصرفه منه و في الحدائق أنه على خلاف ما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب فإنهم يكتفون في هذا الباب بالحلية بمجرد مجهولية الحال و إن لم يعلم أن له مالا حلالا و هو ظاهر أخبار الباب و إنما يستثنون معلومية كونه حراما انتهى (قلت) قد اتفقت كلمة الأصحاب على أنه إن لم يعلم حرمتها فهي حلال صرح بذلك في النهاية و السرائر و الشرائع و النافع و التذكرة و نهاية الإحكام و غيرها و في الرياض أنه لا خلاف فيه و في جواز المعاملة معه و إن علم أن في ماله مظالم للأصل و الصحاح المستفيضة (منها قوله عليه السلام) لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه لكن نص جماعة كثيرون على أنه مكروه و آخرون على أن الأفضل التورع عنه كما في النهاية و أكثر ما تأخر عنها و في الكفاية نسبة الكراهية إلى المشهور و في الحدائق لا خلاف في حل جوائز السلطان و جميع الظلمة على كراهية ما لم يخبر بأن ذلك من ماله فإنه لا كراهية (قلت) قد صرح بما استثناه من الكراهية المولى الأردبيلي و زاد إخبار وكيله و تبعهما صاحب الرياض و نفى عنه الخلاف حيث استدل للكراهية بعدم قبول أبي الحسن موسى عليه السلام جوائز الرشيد و تعليل قبوله عليه السلام منه في خبر آخر بقوله لو لا أني أرى من أزوجه من عزاب آل أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها (ثم قال) و ربما نافاهما قبول الحسنين عليهما السلام جوائز؟؟؟ (ثم قال) و يمكن الجمع بحمل القبول (إما) على الوجه الذي علل به في أحدهما (أو) على أن المراد منه الإرشاد و دفع توهم الحرمة (أو) على كونه بعد العلم بخلوصها عن الحرام و لا ريب في انتفاء الكراهية (حينئذ) و لا خلاف فيه و (في انتفائها) بإخبار المخبر بذلك أو إخراج الخمس لكونه مطهرا للمال المختلط بالحرام قطعا فلأن يطهر المختلط به ظنا أو احتمالا (أولى ثم أولى) (و في الموثق) عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال لا إلا أن لا يقدر فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت عليهم السلام (انتهى) كلامه دام ظله نقلناه بتمامه لارتباطه و جودة محصوله لكن قد علمت أن ما نفى عنه الخلاف لم يصرح به إلا الأردبيلي (و أما) انتفاؤها بإخراج الخمس فقد صرح به الأردبيلي و المصنف في (المنتهى) و استحب له في (النهاية و السرائر) إخراج خمسها و التصدق ببعضها و مواساة الإخوان في الباقي و ليس في ذلك دلالة على انتفاء الكراهية بإخراج الخمس و إلا لانتفت أيضا بالصدقة و المواساة و لعله كذلك بل بعض العبارات كما ستسمع قد توهم وجوب الخمس و ذلك أيضا لا يدل على انتفاء الكراهية (و أما) موثقة عمار التي استدل بها (فإن) موردها إنما هو الدخول في أعمالهم و حصول شيء له من ذلك (و الفرق بينه و بين الجوائز ظاهر) (ثم) إن الأخبار في جواز الدخول مختلفة و هنا متفقة على حلها كما هو مقتضى القاعدة المتفق عليها نصا و فتوى كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال و مورد أخبار الخمس بالنسبة إلى هذا الفرد إنما هو المال المعلوم دخول الحرام فيه مع عدم معلوميته بعينه و عدم معلومية صاحبه و (الاستناد) إلى الأولوية (يدفعها) الاتفاق على الحلية في المقام نصا و فتوى مع الاعتضاد بالقاعدة التي أشرنا إليها و لا كذلك ما علم فيه الحرام (فليتأمل) ذلك (لكن) أدلة السنن مما يتسامح بها (هذا) و (يستفاد من فعل و تعاد على المالك إن قبضها فإن جهله تصدق بها عنه و لا تجوز إعادتها إلى الظالم اختيارا (1) مولانا الكاظم عليه السلام) حيث ترك تارة و أخذ أخرى مستندا إلى تزويج عزاب آل أبي طالب (أنه) لو حصل مرجحات أخر أقوى غلبت على الكراهية كما إذا كان الغرض تحصيل العلم و إعانة الفقراء و الأرحام المضطرين إلى غير ذلك و في (السرائر) أنه ينبغي أن يخرج الخمس من كل ما يحصل له و الصدقة ببعضها و أن يساوي (يواسي خ ل) إخوانه في البعض الذي يبقى من ذلك و نحوه ما في (النهاية) قال و يجتهد أن يخرج من جميع ما يحصل له من جهتهم الخمس و يضعه في أربابه و الباقي يواسي به إخوانه و يصلهم ببعضه و ينتفع هو بالبعض بل قد يفهم من الكتابين الوجوب و لذلك (قال في الدروس) بعد نقل ذلك عن ابن إدريس و الظاهر أنه أراد الاستحباب في الصدقة فقصر الاستحباب على الصدقة فكان الخمس على الوجوب أو أنه أطلق عليه لفظ الصدقة و لو لا احتمالها ذلك ما قال ذلك مع أنه مع أنه في السرائر قال ينبغي و في النهاية قال يجتهد فهي أولى بالاحتمال ثم (قال في الدروس) و ترك أخذ ذلك من الظالم أفضل مع الاختيار و لا يعارضه أخذ الحسنين عليهما السلام جوائز؟؟؟ لأن ذلك من حقوقهم بالأصالة (انتهى) و قد علمت الحال في ذلك مما ذكرناه من فعل الكاظم عليه السلام (و مما نص فيه أيضا) على استحباب الصدقة ببعضه التحرير و نهاية الإحكام و في (مجمع البرهان) نسبته إلى كلام الأصحاب و دلالة الروايات (و قد يقال) كما يكره للآخذ يكره لغيره من إخوانه إذ العلة جارية في ذلك و هي ما ذكره في (المنتهى) من احتمال أن يكون مما أخذه ظلما و الخبر الذي تضمن تزويج عزاب آل أبي طالب قد عرفت ما استفدناه منه (فليتأمل)
شرح الشیخ جعفر علی القواعد، 100-103
السادس (و جوائز) الظالم (الجائر) الآخذ للأموال بالباطل مع العلم بوجودها في جملة أمواله و عدمه من سلطان أو عامل أو عشّار أو سارق أو حربي أو مرتشي إلى غير ذلك و إن كان الظاهر الأول و الثاني (إن عُلمت) يقيناً (غصباً) أو مأخوذة بغير حقّ ما لم يكن ممن يتولاه الإمام مما سيجيء على أي نحو كان متميزة أو ممزوجة أو في ضمن محصور (حرّمت) عقلاً و شرعاً كتاباً و سنّة و إجماعاً و ما ورد مما ظاهره إباحة القسم الثاني معارض بما هو أقوى منه (و تعاد) بعينها مطلقاً و بمثلها في المثلي أو بقيمتها في القيمي مع الاختيار في الأخذ أو التقصير في الحفظ (على المالك) و لو بالأجرة من المجاز اختياراً أو قهراً من الحاكم أو عدول المسلمين ابتداءً مع عدم المزج أو بعد الإفراز معه (إن قبضها) سبق علمه القبض أو لحقه (فإن جهله) جهلاً بلغ به حدّ اليأس لاشتباهه في غير محصور أو علمه و تعذر الوصول أو الإيصال إليه (تصدق بها عنه) لأنه أقرب طرق الإيصال و الإجماع و الأخبار في نظائره و تعيين الحفظ و الوصية به احتياطاً خلاف الاحتياط و كذا التخيّر بين الأمرين و لا يتعين تولي الحاكم لها و إن جاز تسليمه بل لعلّه الأولى و لسلامته من الضمان حينئذٍ متولياً للنية عازماً على الضمان ثمّ الأداء لو ظهر فاختار إنّه يرد إليه ثواب الصدقة و يأخذ ماله و لا يحتسب من ديونه، و لو كان محترم المال من غير أهل الحق من كافر ذمّي أو مخالف فالصدقة أيضاً على أهل الحقّ عنه و إن لم ينتفع بها. و في إجراء حكم أهل مذهبه فيه وجه و الأول أوجه (و لا تجوز إعادتها إلى الظالم اختياراً) و يضمن لو فعل و في الاضطرار و عدم العلم لا عصيان، و إن ترتب الضمان ما لم يجبر على الأخذ لاستقلال يده بعد القبض على الأقوى، و يؤخذ من الظالم قهراً مع الإمكان إن بقيت في يده و عوّضها مع التلف و يقاص بها من أمواله مع حياته و لو كانت ودائع على نحو ما سيجيء في كتاب الغصب إلاّ إن ما في يده من المظالم تالفاً لا يلحقه حكم الديون في التقديم على الوصايا و المواريث لعدم انصراف الدين إليه و إن كان منه و بقاء عموم الوصية و المواريث على حاله و للسيرة المأخوذة يداً بيد من مبدأ الإسلام إلى يومنا هذا، فعلى ذلك لو أوصى بها بعد التلف خرجت من الثلث و ما كان منها باقياً يجب ردّه و لو امتنعوا عنه حلّ الحلال و حرم الحرام و لو لم يعلم غصباً جاز أخذها من الجائر مطلقاً للإجماع و الأخبار و من غيره ما لم يعلم إقدامه على المشتبه المحصور لقضاء اليد و أصالة الصحّة فيجوز الأخذ حينئذٍ و إن جاء بها من دار أو دكان أو حجرة أو صندوق فيه غصب أو أشار إلى معيّن من جملةٍ كذلك و لا يعلم حصوله في المدفوع و المعيّن إلا إن التجنب مع الانحصار من شيَم الأبرار و تختلف مراتب الرجحان باختلافه و لو أشار إلى مبهم منها قوى المنع كالأخذ للمقاصّة و الأكل للمارة - لو جاز - و للدخول تحت رفع الجناح إلاّ بعلاج عملاً بالأصل في غير محل النص ثمّ المنع في محلّه مخصوص بما لم يكن للاستنقاذ فما كان له فهو إحسان لا يترتب عليه غرامة أجرة ردّ و نحوها و لا ضمان إلا فيما يتوقف على الإتلاف فإن له إتلافه مع الضمان،
ثمّ المحتاج إلى البحث و النظر ما كان من المحصور و أما مع عدم الانحصار فقد قضت الضرورة و البديهة بجواز أخذ مال الظلمة و الانتفاع بها للمعاملات و إلاّ لم يقم للمسلمين سوق لأن الدراهم المتداولة من خزائنهم و الأطعمة و التمور المجلوبة جلّها من أموالهم و لا فرق بين المعاوضة عليها و قبولها جائزة على إن في قبول أبي الحسن (ع) جوائز الرشيد و إن ردّها مرّة أخرى و قبول الحسنين (ع) جوائز معاوية و قبول الأصحاب (رضي الله عنهم) جوائز الأمويين و العباسيين و العلماء جوائز السلاطين أبْيَن شاهد على ذلك و لكن القول بكراهة أخذها مع عدم إخبارهم بإباحتها قريب لمنافاته الاحتياط و فحوى حكم كسب الصبيان و من لا يجتنب الحرام و لما يظهر من نقل الإجماع
و الأقوى استحباب التجنب مطلقاً لما دلّ من رجحان التعفف و عزة النفس و التباعد عن منّة الفسّاق و الفجار بل التجنب عن منّة الخلق جميعاً أولى. غير أنّه لو حصلت مرجحات أقوى منها غلبت عليها كما إذا كان الفرض التوصل إلى طلب العلم و إعانة الفقراء وصلة الأرحام و غير ذلك فإنه ينقلب الرجحان و عليه يحمل اختلاف حال أبي الحسن (ع) في القبول و الردّ مع إن في الروايات ما يشهد بذلك و لا فرق في محل الجواز بين أن يعلم أن له مدخلاً حلالاً أو لا ما لم يعلم بعدمه لعموم الأدلة و ما دلّ على اشتراط ذلك منزل على إن ذلك يصير سبباً للعلم بعين الحرام و لا يجب إخراج الخمس منها و ليس من قسم ما يتعلق به لكن إخراجه لاحتمال الاختلاط لا بأس به و القول باستحباب الصدقةببعضه على الأخوان حتى يثبت فيه الرجحان كما ذهب إليه جماعة لا بأس به و الظاهر أن الكراهة على القول بها تختص بالمرتبة الأولى فلو انتقل إلى الثانية أو الثالثة زالت الكراهة، ثمّ إباحة الجوائز مقصورة على ما يكون لغير العمال أو لهم لا في مقابلة عمل محرّم فكل من دفعت إليه أجرة على مساعدة على ظالم و معصية حرمت عليه.
المناهل ، ص 301-304
منهل مال الحكام و السلاطين و الامراء الظالمين الجائرين ان لم يعرف كونه حراما و مغصوبا بعينه جاز ابتياعه و اتهابه و اخذه جائزة و التصرف فيه باذنهم كما يتصرف في اموالهم المملوكة لهم باذنهم فلا باس بالمعاملة مع الظّالمين و أخذ جوائزهم ح و قد صرح بجواز الامرين في السّرائر و التحرير و المنتهى و التنقيح و ض و غيرها و لهم وجوه منها ما تمسك به في الرياض و غيره من الاصل
و منها ظهور الاتفاق عليه و منها تصريح السّيد الاستاد ق ره في تصانيفه بدعوى الاجماع على جواز اخذ الجوائز من الظالمين و التصرف فيها ما لم يعلم حرمتها بعينها و يعضده اولا انه ادعى في الرّياض و المفاتيح و غيرها نفى الخلاف في جواز جوائزهم و ابتياعها و المعاملة معهم في اموالهم حيث لا يعلم حرمتها بعينها و ثانيا انّ العلامة الذى طريقته في المنتهى الاشارة الى الخلافات من الخاصّة و العامّة و لو كانت شاذّة في الغاية لم يشر الى وجود الخلاف من احد من المسلمين في جواز اخذ الجائزة منهم و ابتياع اموالهم و المعاملة معهم حيث لم يعلم الحرام بعينه و كذا غيره من الاصحاب الّذين شانهم نقل الخلاف و ثالثا سيرة المسلمين قديما و حديثا فانا نجد عيانا و خبرا اخذ كثير من العلماء و المؤمنين المتدينين و غيرهم من المسلمين جوائزهم و المعاملة معهم و لم نجد من احد الانكار عليهم باعتبار كونه حراما مع انّ العادة تقضى انّ ذلك لو كان حراما لتظافرت الاخبار و تكاثرت فتاوى علماءنا الابرار بالمنع منه فلو قيل انّ الاجماع هنا معلوم من الاقوال و هو فتاوى علماءنا و من الافعال و هو اخذ كثير من المسلمين و من تقريرات المعصومين عليهم السّلام للآخذين في موارده كثيرة لم يكن بعيدا
و منها ان ذلك لو لم يكن جائزا و كان حراما لكان امّا لأجل ظلم اولئك من حيث هو او لأجل الشّبهة و مجرد احتمال كون من يعطونه من الحرام او لأجل الظّن بان ما يدفعونه من الحرام او لمحض التعبّد و التّالى بجميع اقسامه باطل اما الاوّل فللقطع بان وصف الظلم من حيث هو ليس من موانع اخذ الجائزة و ثبوت صحة المعاملة و لا عدمه شرطا من شروطهما و الا لما جاز اخذ جائزة كل ظالم و المعاملة معهم و ان كان الظلم باعتبار ارتكاب الغيبة و الكذب و شرب الخمر و نحو ذلك مما هو ظلم على النّفس و هو باطل قطعا و لما جاز أيضا اخذ الجائزة اذا علم حليتها بعينها و هو بط قطعا أيضا لا يقال الظالم سفيه و لذا صرح في جملة من الاخبار بان شارب الخمر سفيه و كل سفيه لا يجوز المعاملة معه و اخذ الجائزة منه لأنّا نقول المقدمتان ممنوعتان لفقد الدليل عليهما و امّا الثّانى فلان مجرد احتمال كون المدفوع من المال حراما لو كان موجبا كذلك لما جاز اخذ جائزة سائر النّاس من التجار و اهل الصنائع سواء كانوا عدولا أم لا لان الاحتمال المذكور ثابت فيما يدفعونه و هو باطل قطعا و امّا الثّالث فللمنع من حصول الظّن بذلك على الاطلاق بل ما يدفعونه تارة يظن بحليته و اخرى يظن بحرمته و اخرى لا يظنّ باحد الامرين فلا تكون العلّة مطردة و امّا الرّابع فلعدم قيام الدّليل عليه مع بعده في نفسه فت و منها انّ ذلك لو كان حراما للزم الحرج العظيم و المشقّة الشّديدة من جهات عديدة و ذلك منفى شرعا بالادلّة الاربعة
و منها الاخبار الكثيرة احدها خبر معاوية بن وهب الذى وصفه بالصّحة في المنتهى متمسكا على جواز المعاملة مع الظّلمة قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) اشترى من العامل الشىء و انا اعلم انه يظلم فقال اشتر منه و ثانيها ما تمسّك به في المنتهى على ذلك من مرسلة ابن حمزة عن رجل قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) اشترى الطعام فيجيء من يتظلم فيقول ظلمونى فقال اشتره و ثالثا ما تمسك به في المنتهى أيضا على ذلك من خبر داود بن رزين قال قلت لأبي الحسن (ع) انّى اخالط السّلطان فتكون عندى الجارية فيأخذونها او الدابة الفارهة فيأخذونها ثم يقع لهم عندى المال فلى ان اخذه قال خذ مثل ذلك و لا ترد عليه و رابعها ما تمسّك به في المنتهى على اخذ الجوائز منهم من خبر ابى المغراء الذى وصفه السّيد الاستاد و والدى بالصّحة على ما ذكر قال سأل رجل ابا عبد اللّه (ع) و انا عنده فقال اصلحك اللّه امر بالعامل فيخيرنى بالدّراهم قال نعم قلت و احج بها قال نعم حج بها و خامسها ما تمسّك به في المنتهى على جواز اخذ الجائزة منهم أيضا من خبر محمد بن مسلم و زرارة الذى وصفه السّيد بالحسن متمسكا به على ذلك كوالدى ق ره لكنّه وصفه بالصّحة قالا سمعناه يقول جوائز العمّال ليس بها باس و سادسها ما تمسّك به في المنتهى على ذلك أيضا من خبر يحيى بن ابى العلاء عن ابى عبد اللّه (ع) عن ابيه (ع) انّ الحسن و الحسين عليهما السّلم كانا يقبلان جوائز معاوية و سابعها ما تمسّك به في المنتهى على ذلك أيضا من خبر ابى ولاد الّذي وصفه السّيد الاستاد و والدى و غيرهما بالصّحة متمسكين على ذلك أيضا قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) ما ترى في رجل على اعمال السّلطان ليس مكسبا الا من اعمالهم و انا امر به فانزل عليه فيضيفنى و يحسن الى و ربما امر لى بالدّراهم و الكسوة و قد ضاق صدرى من ذلك فقال لى كل و خذ منه فلك المهنّى و عليه الوزر و ثامنها ما تمسّك به في المنتهى على ذلك من خبر ابى بكر الحضرمى قال دخلت على ابى عبد اللّه (ع) و عنده إسماعيل ابنه فقال ما يمنع ابن ابى سمّاك ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه النّاس و يعطيهم ما يعطى الناس قال ثم قال لى لم تركت عطائك قال قلت مخافة على دينى قال ما منع ابن ابى سمّاك ان يبعث إليك بعطائك اما علم ان لك في بيت المال نصيبا و تاسعها خبر ابن هشام او غيره قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) امر بالعامل فيصلنى الصّلة اقبلها قال نعم قلت و احج منها قال نعم حج منها و عاشرها خبر عمر اخى عذافر قال دفع الى انسان ستمائة درهم لأبي عبد اللّه فكانت في جوالقى فلمّا انهيت الى الحفيرة شق جوالقى و ذهب بجميع ما فيه و وافقت عامل المدينة بها فقال انت الذى شق جوالقك و ذهب بمتاعك فقلت نعم قال اذا اقدمنا المدينة فاتنا حتى يعوضك قال فلمّا انتهينا الى المدينة دخلت على ابى عبد اللّه (ع) فقال يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك فقلت نعم فقال اعطاك اللّه خيرا ممّا اخذ منك الى ان قال فانت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك فانّما هو شيء دعاك اللّه اليه فلم تطلبه منه و حادى عشرها المرسل عن امير المؤمنين (ع) قال لا باس بجوائز السّلطان فان ما يعطيكم من الحلال اكثر ما فيه الحرام و يعضد هذه الاخبار اخبار اخر منها خبر عبد اللّه بن سنان الذى وصفه في المنتهى بالصّحة عن ابى عبد اللّه (ع) قال كل شيء يكون منه حرام او حلال فهو حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه و منها خبر مسعدة بن صدقة عن ابى عبد اللّه (ع) قال سمعته يقول كل شيء هو لك حلال حتّى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثّوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة او المملوك عندك و لعله حر قد باع نفسه او خدع فبيع قهرا او امرأة تحتك و هى اختك او رضيعتك و الاشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البيّنة و منها ما صرح به في المنتهى من انه قبل جوائز الظّالم الحسن و الحسين عليهما السّلام و عبد اللّه بن جعفر و ما صرّح به بعض الاجلّة من الاخبار الدّالة على صلة خلفاء بنى العباس للأئمة عليهم السّلام و قبولهم ذلك منهم
و ينبغى التّنبيه على امور
الاول لا فرق في جواز اخذ جوائز الظّلمة بين ان يعلم بان في مالهم مظالم كما هو الغالب او لا فلا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع و قد صرّح بذلك في السّرائر و المنتهى و لك و الكفاية
الثّانى هل يشترط في جواز ذلك العلم باشتمال ماله على الحلال او لا الاقرب الثّانى و قد صرح به في ض و غيره مدعيين انّه ظ اطلاق النّص و الفتوى و لكنّهما صرّحا بانّ المستفاد من المروى عن الاحتجاج للطبرسى و كتاب الغنية للطّبرسى اشتراط الجواز باشتمال ما المجيز على الحلال فان فيه بعد ان سئل عن صاحب الزّمان (ع) عن اكل مال من لا يتورع المحارم ان كان لهذا الرجل مال او معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل بره و الا فلا ثم اجاب عنه بقصوره عن المقاومة لما دلّ على عدم الاشتراط و هو جيّد فينبغى طرحه او ارتكاب التاويل فيه كما صرح به و يلحق بجواز اخذ الجائزة منهم فيما ذكر هناك و ما سبق جواز المعاملة معهم و البيع عليهم و الشّراء منهم
الثّالث لا فرق في الظلمة بين كونهم من الكفار او المخالفين او المؤمنين
الرّابع لا فرق في جواز الامرين بان يظن بانّ المال الذى يدفعه الظّالم حلالا او حراما لإطلاق النصوص و الفتاوى و عدم حجّية الظّنون في الموضوعات الصرفة
الخامس اخذ الجائزة من الظّالم و ان كان جائزا و لكنه مكروه حيث لم يعلم بحلّيتها فالتّورع عنها افضل و قد صرح بذلك في المنتهى و التنقيح و مجمع الفائدة و لك و الرياض و صرّح به أيضا السّيد الاستاد في بعض مصنّفاته و صرّح في الكفاية بانّه مما اشتهر بينهم و صرح بعض الاجلّة بانّه ممّا ذكره الاصحاب و ربما يستشعر من الكفاية المنع من ذلك و هو ضعيف بل المعتمد ما عليه المعظم و لهم وجوه منها قاعدة التسامح في أدلّة الكراهة و منها ظهور الاتّفاق عليه ممّن عدا صاحب الكفاية بل هو لم يظهر منه المخالفة و الاشعار لا عبرة به هذا و قد صرح في ض بانّه لا خلاف في افضليّة التورع عنها اذا لم يجيز المجيز بالاباحة و منها ما اشار اليه في المنتهى قائلا انما قلنا انّه مكروه لاحتمال ان يكون مأخذه ظلما فكان التحرى منه اولى دفعا للشّبهة المحتملة و منها انّ اخذ الجائزة منهم توجب محبّتهم قلبا عادة فان الطّباع البشريّة الا من عصمه اللّه مفطورة على محبة المحسن خصوصا اذا كان احسانه بالمال من غير فرق بين كونه كافرا او فاسقا او عادلا فاذا حصلت المحبة التّامة صارت افعالهم القبيحة في نظره محسنا فيميل اليها و يزينها للنّاس بحيث يجعلها حقّا فيعينهم في احقاق الباطل و ابطال الحقّ بل ربّما يدعى انهم الاولى بالتّصرف شرعا و انّه يستحقون شرعا ما لهم من المناصب التى لا يستحقها الا الائمة عليهم السّلام و نوابهم و بذلك ثبوت المفاسد و يضمحل الدّين و يختل امور شريعة سيد المرسلين صلوات اللّه عليه و آله الطّاهرين و منهاج الائمة المعصومين عليهم السّلم و يقل الامر بالمعروف و النّهى عن المنكر بل ينعدمان بالمرة و جميع ما ذكر مشاهد محسوس من كثير من المستجيزين من الظلمة فلا اشكال ح في اولوية ترك اخذ الجائزة منهم لكنّه يتوقّف على مجاهدة تامة و رياضة كاملة و خوف من اللّه تعالى و رغبة في الآخرة و عزلة من الدّنيا الدنية و ما ذلك الا بتوفيق من اللّه عزّ و جل و منها ما تمسّك به السّيد الاستاد ق ره دع ما يريبك الى ما لا يريبك و الخبر الذى وصفه بالصّحة ان احدكم لا يصيبه من دنياهم شيأ الاّ اصابوا من دينه مثله و الخبر الاخر سألته عن الورع عن النّاس فقال الذى يتورع عن محارم اللّه عزّ و جلّ و يجتنب هؤلاء اذا لم يتق الشّبهات وقع في الحرام و هو لا يعرفه و منها ما تسمّك به في المنتهى من النّبوى حلال بين و حرام بين و بينها امور مشتبهات لا يعلمون كثير من النّاس فمن اتقى الشّبهات اسيرا لدينه و عرضه و من وقع في الشّبهات وقع في الحرام كالراعى حول الحمى يوشك ان يوقع الا انّ لكل ملك حمى و حمى اللّه محارمه و منها ما تمسّك به في ض من الخبر المتضمن لعدم قبول الكاظم عليه السلام جوائز الرّشيد اولا بعد ان اهديت اليه و تعليله القبول بعد الرّد بقوله (ع) لو لا انّى ارى من ازوجه عزاب من آل ابى طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلته ابدا لا يقال ينافى ذلك مكروها قبول سيّدى شباب اهل الجنّة جوائز معاوية و كذا كثير من الائمة جوائز الظّلمة لأنّا نقول لا نسلم المنافات الا على تقدير امتناع صدور المكروه من المعصوم (ع) و لو لبيان جواز الفعل و هو محل كلام كما اشار اليه في مجمع الفائدة بل صرح الوالد ق ره في ض و السّيد الاستاد ق ره انّ من جملة محامل فعلهم عليهم السّلام من قبول الجائزة من الظّلمة بيان جوازه دفعا لتوهم الحرمة كما يتفق لبعض اهل الوسوسة سلمنا و لكن قد يرتفع الكراهة هنا لأمور سيأتي اليها الاشارة فلعل فعلهم كما اشار اليه في مجمع الفائدة كان مع وجود السّبب المقتضى لرفع الكراهة و بالجملة الفعل مجمل غالبا لاحتماله وجوها كثيرة و من الظاهر انّ المجمل لا يعارض المبين و علل في س و التنقيح اخذ الحسنين عليهم السّلام جوائز معاوية بان ذلك حقّهم بالاصالة و بما ذكر يجاب أيضا عن قبول كثير من العلماء لجوائز الظّلمة و استيفائهم بها فت
السّادس ذكروا انّه يرتفع كراهة اخذ الجائزة من الظّلمة بامور منها العلم بحليتها و قد صرح بخصوص هذا في مجمع الفائدة و كذا صرح في ض نافيا عنه الرّيب و كذا صرّح به السّيد الاستاد ق ره و لا اشكال فيما ذكروه و قد يحمل فعل الائمّة عليهم السّلم على هذا كما اشار اليه في مجمع الفائدة و هل يجوز الاخذ ح مط و لو علم باشتغال ذمّة الظّالم المجيز بمظالم كثيرة بحيث لا يتمكّن من وقائها مط او اذا اخذ منه هذه الجائزة او لا يجوز الاخذ منه في صورة العلم بذلك الاقرب الاول للأصل و اطلاق النّصوص و الفتاوى و منها اخبار المجيز بالاباحة كان يقول هذه الجائزة من زراعتى او تجارتى او اقترضته من فلان او نحو ذلك و قد صرّح بخصوص هذا في مجمع الفائدة و لذا صرّح به في الرّياض نافيا عنه الرّيب و كذا صرّح به السّيد الاستاد ق ره و لم اجد مستنده و منها اخبار المؤتمن من وكيل المجيز و قد صرح بخصوص هذا المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة و السّيد الاستاد ق ره في بعض مصنفاته و لم اجد مستنده بل الاستصحاب يقتضى بخلاف ذلك و منها اذا قصد التصرف فيها بعد اخراج الخمس و قد صرّح بهذا العلامة ره في المنتهى و المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة و السيّد الاستاد في بعض مصنفاته و والدى العلامة و احتج عليه الاول و الاخيران بان اخراج الخمس يطهر المال المختلط بالحرام يقينا فلان يطهر المختلط به ظنّا او احتمالا اولى ثم اولى و فيه نظر و لكن صرح في مجمع الفائدة بان ارتفاع الكراهة ح يدل عليه الرّوايات و كلام الاصحاب فت و صرح في السّرائر بانّه ينبغى لمن يأخذ الجائزة منهم ان يخرج الخمس منها و صرّح في س و التنقيح بانّ الظاهر منه ارادة الاستحباب و صرح في المنتهى و التحرير و مجمع الفائدة بل صرح بعض الاجلّة بانّ استحباب اخراجه منها مما صرح به الاصحاب و لكن صرّح فيه بانّه لا نصّ فيه بخصوصه مستشهدا على ذلك تمسّك العلامة بقاعدة الاولوّية اذ لو كان هنا نصّ لكان الاشارة اليه اولى و الاقرب عندى استحباب اخراج الخمس هنا نظرا الى قاعدة التّسامح في ادلة السّنن مع تاييدها بفتوى جماعة و نسبتها الى الاصحاب و اما ارتفاع الكراهة بذلك لا يخلو عن اشكال و منها اذا قصد بها مواسات الاخوان و الصرف في حوائجهم و قد صرح بخصوص هذا في مجمع الفائدة مصرحا بان ارتفاع الكراهة به ممّا يدلّ عليه الرّوايات و كلام الاصحاب و صرّح في المنتهى و التّحرير باستحباب ذلك و هو ظ السّرائر أيضا و منها حصول الضّرورة للأخذ و قد صرّح بهذا في التنقيح و كذا صرح به السّيد الاستاد قدس سرّه و منها اذا قصد بالاخذ تزويج آل ابى طالب (ع) كما يظهر من بعض الاخبار المتقدّمة
السّابع كما يكره اخذ الجائزة من الظلمة كك يكره المعاملة معهم بالبيع و الشّراء اختيارا فتركها اولى و قد صرّح بذلك في السرائر و التّحرير و المنتهى و التّنقيح بل نسبه بعض الاجلة الى الاصحاب
الثامن هل يلحق بجوائز الظّلمة ما يعطونه من الاخماس و الزكوات و الكفارات و الصّدقات و ردّ المظالم فيكره اخذها لم اجد مصرّحا باحد الامرين و الاصل يقتضى الثّانى الا انّ بعض الوجوه الدّالة على كراهة اخذ الجائزة يدلّ على كراهة اخذ المذكورات و ربما يستفاد ذلك من مجمع الفائدة
التاسع ألحق في المنتهى و التحرير بجوائز الظّلمة كل مال محتمل للحظر او الاباحة كمال المرائي و غيره
جواهر الکلام، ج 22، ص 175- 170
المسألة السادسة جوائز السلطان الجائر و عماله إن علمت حراما بعينها فهي حرام بلا خلاف و لا إشكال لا يجوز تملكها، و التصرف بها و قبولها، و إلا فهي حلال مطلقا و إن علم أن في ماله محرما بلا خلاف و لا إشكال أيضا، كما اعترف به في الحدائق و الرياض بل في المصابيح الإجماع عليه، للأصل و المعتبرة المستفيضة كصحيح أبي ولاد «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى في الرجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم و أنا أمر به و أنزل عليه فيعطيني و يحسن إلى، و ربما أمرني بالدراهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي: خذ و كل لك المهنأ و عليه الوزر» و صحيح أبي المعزى «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و أنا عنده، فقال: أصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم و حج بها» و نحوه خبر محمد بن هشام أو غيره عنه أيضا و صحيح محمد بن مسلم و زرارة «قالا سمعنا يقول جوائز السلطان ليس بها بأس»
إلى غير ذلك من النصوص مضافا إلى السيرة القطعية، و العمل المستمر من العلماء و غيرهم في سائر الأعصار و الأمصار، و إلى ما روى من قبول الحسن و الحسين و الصادق و الكاظم عليهم السلام جوائز معاوية و الرشيد و إلى ما دل من النصوص المستفيضة أو المتواترة على جواز معاملتهم، و بيعهم و الابتياع منهم، و أنه لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه. و خبر الحميري المروي عن الاحتجاج «أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده لا يتورع من أخذه ربما نزلت في قرية و هو فيها، أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه فان لم أكل من طعامه عاداني، فهل يجوز لي أن آكل و أتصدق بصدقة؟ و كم مقدار الصدقة و إن أهدى هذا الوكيل إلى رجل آخر فيدعوني إلى أن أنال منها و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل علي منه شيء؟ إذا أنا نلت منها فأجاب عليه السلام إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه، و اقبل بره و إلا فلا» محمول على معلوم الحرمة أو على الكراهة أو غير ذلك، لما عرفته من معلومية إباحة ما في أيدي الجائرين و غيرهم مما لم تعلم حرمته.
بل لعل ذلك و نحوه من الضروريات التي لا تحتاج إلى إثبات، و لولاه لم يمكن لمؤمن التعيش في أمثال هذه الأزمنة، و العلم بأن في ماله محرما غير قادح، فضلا عما لم يعلم، و إن علمت أنه يأخذ الأموال ظلما، فالظالم حينئذ بعد ملاحظة صنفه من كل ذي مال مختلط حرامه بحلاله، كالعشار و السارق و المربي و المرتشي، و من لم يخرج الحقوق و نحوهم، و ملاحظة ما تحت أيديهم من الأموال يندرج في غير المحصور من الشبهة الذي سقط التكليف باجتنابه، من باب المقدمة للعسر و الحرج المنفيين آية و رواية و لا يقدح في ذلك أن كل واحد منهم لو لاحظته بخصوصه كان من الشبهة المحصورة ضرورة عدم الخصوصية عقلا و شرعا لآحادهم، فليس هم حينئذ إلا صنفا واحدا مندرجا في غير المحصور، لما عرفت و الحصر في أفراده غير مجد إذ أقصاه تعدد الشبهة المحصورة، حتى صارت غير محصورة فيجري عليها حكم عدم وجوب الاجتناب، إنما الكلام في أن ذلك يقتضي خروج ما في أيديهم و تحت تصرفهم و إن علم اشتماله على محرم عن حكم الشبهة المحصورة، فيجوز المقاصة منه و الأكل للمارة و التصرف بالفحوى و نحو ذلك حتى يعلم الحرام منه بعينه فيترك، أو يختص ذلك بما إذا حصل تصرف خاص منهم كإعطاء و بيع و إذن و نحو ذلك، مما يحتمل فيه القصد إلى الحلال فلا تجوز المقاصة و أضرابها، و يجوز الأخذ مع مقارنة أحد تلك الأفعال المحمولة على الصحة شرعا، من غير فرق بين ما كان في صندوق فيه غصب أو كيس كذلك أو دار أو غيرها، ما لم يعلم إقدامه على المشتبه المحصور عنده احتمالان.
ظاهر الأستاد في شرحه الثاني منهما، قال: و لو لم يعلم كونها أي الجوائز غصبا جاز أخذها من الجائر مطلقا، للإجماع و الأخبار و من غيره ما لم يعلم إقدامه على المشتبه المحصور لقضاء اليد و أصالة الصحة، فيجوز الأخذ حينئذ و إن جابها من دار أو دكان أو صندوق فيه غصب أو أشار إلى معين من جملة كذلك، و لا يعلم حصوله في المدفوع و المعين إلا أن التجنب مع الانحصار من شيم الأبرار و تختلف مراتب الرجحان باختلافه، و لو أشار إلى مبهم منها قوى المنع كالأخذ للمقاصة، و الأكل للمارة لو جاز، و للدخول تحت رفع الجناح إلا بعلاج، عملا بالأصل في غير محل النص، و الظاهر إرادته من الإطلاق في الجائر بالنسبة إلى كونه سلطانا أو عاملا أو عشارا، لا أن المراد و إن علم إقدامه على المشتبه المحصور، حتى يكون الاشتراط في كلامه مختصا بغير الجائر، بل الظاهر تعميمه لهما كما يقضي به التأمل لتمام كلامه، و يمكن أن يريد اختصاص الجائر بهذا الحكم، و هو جواز التناول منه و إن علم إقدامه على المشتبه المحصور كما هو مقتضى حال الجائر، للنصوص و غيرها مما ستعرفه، و على كل حال فوجهه ما أشار إليه، و يحتمل الأول بل ربما أوهمه التقييد بالعين في المتن و النافع و محكي نهاية الأحكام و الدروس و الكفاية و معقد إجماع المصابيح، و في المسالك التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها، و ان علم أن في ماله مظالم كما هو مقتضى حال الظالم، و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع، للنص على ذلك. و قد يستفاد من استناده إلى النص اختصاص الجائر بهذا الحكم، و عن ابن إدريس أنه قال: إذا كان يعلم أن فيها شيئا مغصوبا إلا أنه غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها على جهة الخراج فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته لأنها صارت بمنزلة المستهلكة، لأنه غير قادر على ردها، قيل و نحو ذلك عبارة النهاية و أحسن ما ينزل عليه كلامهما إرادة عدم وجوب الاجتناب، لعدم جريان حكم الشبهة المحصورة فيه، فيرجع حينئذ إلى الاحتمال الأول، الذي قد يؤيد مضافا إلى إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع و السيرة بأنه لا مدخلية للدفع و نحوه في الإباحة، إذ ليس هو إلا لحمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، و هو جار في غيره من الأموال التي تحت يده، المشتركة جميعا في تصرفه بها تصرف الملاك في أملاكهم، على أنه قد يفرض دفعه فيما يعلم كونه على وجه محرم، لدوران المدفوع بين كونه من الخراج الذي يحل لنا تناوله منه و إن أثم هو بدفعه، و بين كونه من مظالمه التي ظلم بها العباد، مع اندراجه في النص و الفتوى و غيرهما مما دل على حلية جوازه و ما في يده، فلا مناص حينئذ عن القول بجريان حكم الأملاك على جميع ما في يده و إن علم فيها محرم حتى يعلم الحرام منه بعينه فيدعه، و أنه كالمشتبه غير المحصور في ذلك، من غير فرق بين المقاصة و غيرها، كما أنه لا فرق بين الجائر و غيره من ذي المال المختلط لما عرفته من اتحاد المدرك في الجميع. نعم قد يفرق بين الجائر و غيره باختصاصه بجواز الآخذ منه و إن علم اختلاط ماله اختلاطا موجبا للاجتناب في غيره، و إخراج الخمس لو أريد تحليله، و ذلك لما عرفته من الأدلة بخصوصه على جواز التناول منه و المعاملة معه، مع أن الغالب في حاله خصوصا المخالف منهم عدم الفرق عندهم بين الحلال و الحرام، و معاملة الجميع معاملة واحدة في التصرف و في غيره، فيمكن أن يكون المالك الحقيقي قد رخص فيما في يده من الأموال و إن كانت مختلطة، رأفة بهم باعتبار ما علمه من حالهم في زمن الغيبة، و شدة حاجتهم إلى مخالطة هؤلاء، الذين لم يفرقوا بين الحلال و الحرام، بل لا يسعهم التجنب عنهم، و بيان التنزه عن أموالهم، التي هي بالنسبة إلينا بحكم مجهول المالك، فلا بأس بإذن الشارع الذي هو المالك الحقيقي في تناولها. و لعل على ذلك يحمل كلام السرائر المتقدم و غيرها، بل لعل إليه الإشارة بقوله «لك المهنأ و عليه الوزر» مضافا إلى بعض النصوص الدالة على شراء ما يؤخذ من الطعام خراجا، و إن علم جورهم فيه و تعديهم على الرعية به بل يمكن إرادة من قيد بالعين كالمصنف و غيره ذلك أيضا، على معنى أن الجوائز مثلا حلال إلا إذا علم كونها حراما بعينها، من غير فرق بين كونها من المال المختلط أو غيره، فان الاختلاط لا يقتضي الحرمة بعينها، بل لعله هو الوجه في ذكرهم الجائر بالخصوص. بل ربما يومي إليه ما تعرفه من ذكرهم إخراج الخمس منه لو أريد حليته الصرفة، لكن في شرح الأستاد جوائز الظالم إن علمت علما يقينا غصبا أو مأخوذة بغير حق على أي نحو كان متميزة أو ممتزجة أو في ضمن محصور حرمت عقلا و شرعا و كتابا و سنة و إجماعا، و ما ورد مما ظاهره إباحة القسم الثاني، معارض بما هو أقوى منه، و ربما يؤيده الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، و هو المأخوذ من يد الجائر مع عدم العلم بحاله أنه من مخلوط أو من مشتبه محصور أو من حلال محض أو حرام كذلك، و حينئذ يكون الجائر كغيره في الحكم المزبور، و إنما ذكر بالخصوص لتعرض النصوص له بالخصوص،
و لا ريب في أنه أحوط كما أنه لا ريب في استحباب التنزه عن جوائزهم، لأنا لا نصيب من دنياهم شيئا و إلا أصابوا من ديننا مثله، و في المروي عن العيون في حديث «ان الرشيد بعث إلى موسى بن جعفر عليه السلام بخلع و حملات و مال فقال: لا حاجة لي بذلك إذا كان فيه حقوق الأمة فقال: له ابن الربيع ناشدتك الله أن لا تردها فيغتاظ فقال: اعمل بها ما أحببت و في خبر آخر «أن الرشيد أمر أن تحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير فقال عليه السلام: لو لا أني أرى من أزوجه بها من عزاب آل أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها» و لعله على ذلك يحمل قبول الحسن و الحسين عليه السلام جوائز معاوية، أو لأن الأرض و ما فيها، لهم أو لبيان أصل الجواز أو لغير مما لا ينافي صدورهم منهم كراهته، التي قد يرفعها أيضا إخراج الخمس لمعلومية كونها لاختلاط ماله، و الخمس يطهر المختلط، و في الموثق «سئل أبا عبد الله عليه السلام عن عمل السلطان يخرج فيه رجل فقال: لا، إلا أن لا يقدر على شيء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن صار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت (ع)» كما أنه أيضا يرفعها أيضا اقترانها بمرجحات تقتضي قبولها على حسب غيرها من المكروهات، بل قيل: لا كراهة في قبولها مع الاخبار بأنها من الحلال و الأمر في ذلك كله سهل.
و كيف كان فان علم كونها بعينها حراما و قبضها بعد العلم أو قبله أعادها على المالك بلا خلاف و لا إشكال حتى لو احتاج إلى أجرة بذلها، لأنه بحكم الغاصب بالنسبة إلى ذلك و إن كان لا إثم عليه مع العلم بعد القبض، بل له الرجوع بها على الدافع له باعتبار غروره و إن جهله بعينه و كان بين محصورين، تخلص منهم بصلح و نحوه، و إن لم يكن بين محصورين، بل كان في غير محصور و حصل الياس من معرفته، أو تعذر الوصول إليه تصدق بها عنه كما في غيرها من أقسام مجهول المالك الذي حكمه ذلك نصا و فتوى، لأنه أقرب طرق الإيصال.
و دعوى أن ما نحن فيه بحكم اللقطة التي هي المال الضائع من صاحبه واضحة الفساد، كدعوى أن حكمه تعيين حفظه و الوصية به أو التخيير بين ذلك و التصدق به، بل كأن ذلك اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد في قصة الشاب الذي كان من عمال بني أمية، ثم جاء إلى الصادق عليه السلام نادما فأمره بالصدقة بجميع ما كان عنده و ضمن له على الله الجنة ففعل و وفى له : نعم ينبغي أن يعزم على الضمان لو ظهر صاحبه، فلم يختر الصدقة لكن لا يحتسب بذلك من ديونه، ما دام صاحبه غير ظاهر، و لو أراد السلامة من ذلك سلمه إلى الحاكم الذي هو ولي الغائب، فالايصال إليه بمنزلة الوصول إلى المالك، و إنما لا يتعين ذلك و إن كان ربما تخيل لإطلاق الأمر بالتصدق الظاهر في كون المراد حكمه ذلك، لا أنه إنشاء إذن منه، كظهوره في أن المتصدق من كان بيده المال أو وكيله، إلا أنه للجمع بينه و بين ما دل على ولاية الحاكم، مخير بين الأمرين الذين ليس له التراخي عن فعل أحدهما، نعم قد يقال بوجوب الرجوع للحاكم فيما لو كان في ذمته مال مجهول المالك باعتبار توقف تشخيصه على قبضه، لأنه بمنزلة المالك. و على كل حال فالصدقة على أهل الحق، و لا فرق في المتصدق عنه بين كونه منهم أو من غيرهم، و إن كان لم ينتفع بها إلا هم، و ربما احتمل اجراء حكم مذهبه فيه، و الأقوى ما عرفت هذا.
و قد ظهر لك أنه لا يجوز إعادتها أي الجائزة على غير مالكها مع الإمكان فلو فعل كان ضامنا بلا خلاف و لا إشكال بل هو كذلك لو أخذها الظالم أو غيره قهرا، بعد إن كان قبضها باختياره عالما بغصبها، ضرورة كونه حينئذ غاصبا، لأن يده عادية فلا يجديه القهر في رفع الضمان عنه كالغاصب، بل لعله كذلك حتى لو قبضها جاهلا بغصبها ثم علم بعد ذلك، وفاقا للأستاد في شرحه لأن يده فرع يد الغاصب التي هي يد ضمان، و جهله إنما ينفعه في رفع الإثم، و في الرجوع باعتبار غروره. نعم لو وصل إليه من غير يد الغاصب و فروعها، كما لو أطارته الريح منه إليه، اتجه عدم ضمانه، لأنه حينئذ بمنزلة الأمانة في يده لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، بخلاف الأول الذي هو في الحقيقة يد الغاصب باعتبار الفرعية عليها و لو جهلا، كما يشهد لذلك اتفاقهم ظاهرا في باب الغصب على ضمان الأيدي المتعاقبة على المغصوب، من غير فرق بين العلم و الجهل، و إن رجع المغرور منهم على من غره، أو رجع عليه المالك، و كذا الكلام فيما لو تلفت منه بغير تفريط، إذ هو كالأخذ منه قهرا هذا، و لكن في المسالك في المقام أن الأجود عدم الضمان في الأخير، لأن يده يد أمانة، لأن الفرض عدم علمه بالغصب حتى قبضها فتستصحب، كما لو تلفت بغير تفريط فلا يضمن بالأخذ منه قهرا، و وافقه العلامة الطباطبائي في مصابيحه، لكنه كما ترى. نعم لو كان قد قبضه من أول الأمر بعنوان الاستفادة و الإرجاع إلى مالكه اتجه حينئذ عدم ضمانه بالتلف بغير تفريط، لأن يده حينئذ يد أمانة، لا من فروع يد الغاصب المعامل نفسه معاملة المالك، و لأنه حينئذ محسن لا سبيل عليه، و فرق واضح بين هذا القبض و بين القبض بعنوان قبول الهبة، و إثبات يد المدفوع إليه بدل يد الدافع، فليست هي حينئذ إلا يد الدافع، الذي قد فرض كونه غاصبا، و إن كان المدفوع إليه جاهلا و عزم على إرجاعها على مالكها بمجرد علمه بالغصب، لكن قد سبقت ذلك يد الضمان، فلا يجديه هذا العزم في رفعه، و لا في تحقيق كونها يد أمانة كما هو واضح بأدنى تأمل هذا. و لا يخفى عليك حكمها في يد الظالم من الأخذ منه قهرا مع الإمكان إن بقيت في يده و عوضها مع التلف و يقاص بها من أمواله، من غير فرق في ذلك بين موته و حياته، و بين كونها معلومة المالك و مجهولته، لأنها بحكم الديون، لكن في شرح الأستاد أن ما في يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون، في التقديم على الوصايا و المواريث لعدم انصراف الدين إليه، و إن كان منه و بقاء عموم الوصية و المواريث على حاله، و السيرة المأخوذة يدا بيد من مبدء الإسلام إلى يومنا هذا فعلى ذلك لو أوصى بها بعد التلف خرجت من الثلث، و ما كان منها باقيا يجب رده، و لو امتنعوا منه حل الحلال و حرم الحرام، و فيه مع أنه لم نجد له موافقا عليه منع واضح، خصوصا بعد معلومية المغصوب منه، و دعوى عدم الانصراف، كدعوى السيرة المجدية ممنوعتان أشد المنع، و ما في التحرير من أن الأفضل للمظلوم عدم أخذه ما ظلم به و إن تمكن منه أجنبي عن ذلك، و يمكن أن يكون وجهه مراعاة التقية و الله أعلم.
مستند الشیعه، ج 14، ص 200-201
المسألة السابعة: جوائز السلطان - بل مطلق الظالم، بل من لا يتورّع المحارم من الأموال - محرّمة إن علمت حرمتها بعينها. فإن قبضها حينئذ أعادها على المالك إن عرف، و يتصدّق بها إن لم يعرف، كما صرّح به في رواية علي بن أبي حمزة . و إن لم يعلم حرمتها كذلك فهي حلال مطلقا و إن علم أنّ في ماله مظالم، بلا خلاف فيه، للأصل، و المستفيضة، كروايات البصري ، و ابن وهب ، و مرسلة محمّد بن أبي حمزة ، و صحيحة الحذّاء . و أمّا الاستدلال بالروايات المجوّزة لقبول جوائز العمّال - كصحيحة محمّد و زرارة ، و صحيحة أبي ولاّد ، و صحيحة أبي المغراء - فهي غير دالّة، لعدم دلالتها على العلم بأنّ في ماله حراما، بل السؤال فيها إنّما هو لأجل كونهم متصرّفين في الخراج و المقاسمة، و هما حلالان كما يأتي.
و الأفضل التورّع عنها في غير ما علم حلّه إجماعا، لصدق الشبهة المأمور باجتنابها، إلاّ مع إخبار المخبر بالإباحة، فلا تكره كما قيل ، بل نفي عنه الخلاف . و هو مشكل، لعدم خروجه عن الشبهة إذا احتمل كذبه، و وجوب حمل قول المسلم على الصدق إن كفى في رفع الشبهة لكفى وجوب حمل فعله على الصّحة في رفعها بمجرّد الإعطاء أيضا، فلا يكون مكروها مطلقا.
و صرّح في المنتهى بزوال الكراهة بإخراج الخمس أيضا ، و ربّما أسند إلى المشهور، لكونه مطهّرا للمختلط بالحرام، فلما لم تعلم حرمته أولى، و لموثّقة عمّار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل و لا يشرب، و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» . و الأولويّة ممنوعة، و الموثّقة غير دالّة، إذ لا دلالة فيها على أنّه صار في يده شيء من المشتبه بالحرام، لجواز أن يكون من ارتفاع الأراضي الخراجيّة الذي هو مباح و خمسه للإمام، مع أنّه يكون هذا كسبا، و ما صار بيده ربحا، فإخراج خمسه من حيث هو واجب، و لا يدلّ على أنّه يطهّره. ثمَّ إنّ ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوى: الحلّية مع عدم العلم بالحرمة و إن لم يعلم أنّ للمخبر مالا حلالا، و الأصل و إن يساعد خلافه و لكن لا أثر له مع إطلاق الرواية. و أمّا المروي في الاحتجاج للطبرسي و كتاب الغيبة للشيخ، و فيها - بعد أن سئل الصاحب عن أكل مال من لا يتورّع المحارم -: «و إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل برّه
********************
********************
النهایه، ص 357-358
فإن خاف من ردّ جوائزهم التي يعلمها غصبا على نفسه و ماله، فليقبلها. فإن أمكنه أن يردّها إلى أربابها، فعل
المهذب
فان خاف من رد جوائزهم و صلاتهم على نفسه و ماله، جاز له قبولها، ثم يردها على أصحابها
اصباح الشیعه
فإن ألجأته الضرورة إلى ذلك، رده إلى صاحبه إن تمكن
سرائر
فإن خاف من رد جوائزهم و صلاتهم، التي يعلمها ظلما بأعيانها، و غصبا، على نفسه و ماله، جاز له قبولها عند هذه الحال
**************
**************
تذکره الفقهاء، ج 12، ص 152
مسألة 658: جوائز الجائر إن علمت حراما لغصب و ظلم و شبهه حرم أخذها، فإن أخذها، وجب عليه ردّها على المالك إن عرفه. و إن لم يعرفه، تصدّق بها عنه و يضمن، أو احتفظها أمانة في يده، أو دفعها إلى الحاكم. و لا يجوز له إعادتها إلى الظالم، فإن أعادها، ضمن، إلاّ أن يقهره الظالم على أخذها، فيزول التحريم. أمّا الضمان فإن كان قد قبضها اختيارا، لم يزل عنه بأخذ الظالم لها كرها. و إن كان قد قبضها مكرها، زال الضمان أيضا.
مسالک
قوله: «و لا يجوز اعادتها على غير مالكها مع الإمكان». (3) احترز به عمّا لو أخذها الظالم المذكور أو غيره منه قهرا، فإنّه لا يحرم عليه لعدم الاختيار. و هل يضمن حينئذ؟ قيل: نعم، لعموم قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» . و الأقوى التفصيل، و هو أنّه إن كان قبضها من الظالم عالما بكونها مغصوبة، ضمن، و استمر الضمان و إن أخذت منه قهرا. و إن لم يعلم حالها حتى قبضها ثمَّ تبين كونها مغصوبة و لم يقصر في إيصالها إلى مالكها و لا في حفظها، لم يضمن. و الفرق بين الحالتين واضح، فإنّ يده في الأول عادية فيستصحب حكم الضمان، كما لو تلفت بغير تفريط، و في الثاني أمانة فيستصحب كما لو تلفت بغير تفريط، و الفرض كون الأخذ قهريا. و عبارة المصنف تشمل الأمرين، و تدل بمفهومها على جواز دفعها مع عدم الإمكان. و لا كلام فيه إنّما الكلام في الضمان. و صرّح بعض الأصحاب بالضمان في الصورتين. و التفصيل أجود.
کفایه الفقه، ج 1، ص 447
الثالثة: جوائز الجائر إن علمت حرمتها بعينها فهي حرام فإن قبضها أعادها على المالك إن أمكنه، و لا يجوز إعادتها إلى غير المالك مع الإمكان إلّا أن يأخذها الظالم قهراً. و هل يضمن حينئذٍ؟ قيل: نعم . و قوّى بعضهم التفصيل و هو أنّ القبض إن كان بعد العلم بكونها مغصوبة ضمن و استمرّ الضمان، و إن كان قبل العلم و لم يقصّر في إيصالها إلى من يجوز إيصالها إليه لم يضمن، و الفرق أنّ اليد في الأوّل عادية مستصحبة للضمان و في الثاني أمانة . و هو حسن.
شرح الشیخ جعفر
(و تعاد) بعينها مطلقاً و بمثلها في المثلي أو بقيمتها في القيمي مع الاختيار في الأخذ أو التقصير في الحفظ (على المالك) و لو بالأجرة من المجاز اختياراً أو قهراً من الحاكم أو عدول المسلمين ابتداءً مع عدم المزج أو بعد الإفراز معه (إن قبضها) سبق علمه القبض أو لحقه (فإن جهله) جهلاً بلغ به حدّ اليأس لاشتباهه في غير محصور أو علمه و تعذر الوصول أو الإيصال إليه (تصدق بها عنه) لأنه أقرب طرق الإيصال و الإجماع و الأخبار في نظائره و تعيين الحفظ و الوصية به احتياطاً خلاف الاحتياط و كذا التخيّر بين الأمرين و لا يتعين تولي الحاكم لها و إن جاز تسليمه بل لعلّه الأولى و لسلامته من الضمان حينئذٍ متولياً للنية عازماً على الضمان ثمّ الأداء لو ظهر فاختار إنّه يرد إليه ثواب الصدقة و يأخذ ماله و لا يحتسب من ديونه، و لو كان محترم المال من غير أهل الحق من كافر ذمّي أو مخالف فالصدقة أيضاً على أهل الحقّ عنه و إن لم ينتفع بها. و في إجراء حكم أهل مذهبه فيه وجه و الأول أوجه (و لا تجوز إعادتها إلى الظالم اختياراً) و يضمن لو فعل و في الاضطرار و عدم العلم لا عصيان، و إن ترتب الضمان ما لم يجبر على الأخذ لاستقلال يده بعد القبض على الأقوى،
جواهر الکلام
و قد ظهر لك أنه لا يجوز إعادتها أي الجائزة على غير مالكها مع الإمكان فلو فعل كان ضامنا بلا خلاف و لا إشكال بل هو كذلك لو أخذها الظالم أو غيره قهرا، بعد إن كان قبضها باختياره عالما بغصبها، ضرورة كونه حينئذ غاصبا، لأن يده عادية فلا يجديه القهر في رفع الضمان عنه كالغاصب، بل لعله كذلك حتى لو قبضها جاهلا بغصبها ثم علم بعد ذلك، وفاقا للأستاد في شرحه لأن يده فرع يد الغاصب التي هي يد ضمان، و جهله إنما ينفعه في رفع الإثم، و في الرجوع باعتبار غروره. نعم لو وصل إليه من غير يد الغاصب و فروعها، كما لو أطارته الريح منه إليه، اتجه عدم ضمانه، لأنه حينئذ بمنزلة الأمانة في يده لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، بخلاف الأول الذي هو في الحقيقة يد الغاصب باعتبار الفرعية عليها و لو جهلا، كما يشهد لذلك اتفاقهم ظاهرا في باب الغصب على ضمان الأيدي المتعاقبة على المغصوب، من غير فرق بين العلم و الجهل، و إن رجع المغرور منهم على من غره، أو رجع عليه المالك، و كذا الكلام فيما لو تلفت منه بغير تفريط، إذ هو كالأخذ منه قهرا هذا، و لكن في المسالك في المقام أن الأجود عدم الضمان في الأخير، لأن يده يد أمانة، لأن الفرض عدم علمه بالغصب حتى قبضها فتستصحب، كما لو تلفت بغير تفريط فلا يضمن بالأخذ منه قهرا، و وافقه العلامة الطباطبائي في مصابيحه، لكنه كما ترى. نعم لو كان قد قبضه من أول الأمر بعنوان الاستفادة و الإرجاع إلى مالكه اتجه حينئذ عدم ضمانه بالتلف بغير تفريط، لأن يده حينئذ يد أمانة، لا من فروع يد الغاصب المعامل نفسه معاملة المالك، و لأنه حينئذ محسن لا سبيل عليه،
و لو علم بالتحریم لم یجز الاخذ الا بقصد الاعاده علی المالک فیجوز حینئذ بل یستحب و لا یضمن علی تقدیر التلیف التلف لجواز التصرف کما لو قبضها ثم علم بالتحریم اما لو قبضها عالماً بالتحریم من غیر قصد الاعاده فانه یضمن لانه غاصب و قد اطلق بعض الاصحاب ثبوت الضمان فی صوره التلف و آخرون ثبوته فیه مع العلم بالغصب و الاصح ما قلناه
1.سید مرتضی: كل مال في يد الجائر المتغلب على أمر الأمة يجب على الإمام و على جميع المسلمين انتزاعه من يده
2.شیخ طوسی: لان له حقا فی بیت المال
3.ابن ادریس: لانها صارت بمنزله المستهلک
4.شهید ثانی و محقق سبزواری: للاخبار الکثیره
5.لان ما فی بیت المال من الحلال اکثر مما فیه من الحرام
در اصل مسئله تصحیح مال سلطان حیثیات تسهیلی و تصحیحی از قبیل اختلال نظام معاش مسلمین و امثال آن کفایت می کند لکن تصحیح واقعی آن نیز مجال دارد و آن این که در جائزه سلطان اجتماع حیثیات متعدده است از قبیل اموالی که برای اوست مانند منافع زمین خراجی و اموالی که برای امام است که بر شیعه تصرف در آن ها را اباحه فرموده است، علاوه بر عناوین ثانویه از قبیل مطلوبیت اخراج اموال از ید سلطان جائر که به هدم شوکت او منتهی می شود و عنوان فقری که بر شیعه به واسطه عدم قبول جوائز عارض می شود که خود مصحح اخذ این اموال است بنابر مجهول المالک بودن
«مصنف عبد الرزاق» (7/ 154 ط التأصيل الثانية):
«• [13665] عبد الرزاق، عن الثوري، عن جابر، عن الشعبي، قال: قال عبد الله: ما اجتمع حلال وحرام إلا غلب الحرام على الحلال.
قال سفيان: وذلك في الرجل يفجر بامرأة وعنده ابنتها أو أمها، فإذا كان ذلك فارقها»
«السنن الكبرى - البيهقي» (7/ 275 ط العلمية):
«13969 - وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ إِلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلَالِ "، فَإِنَّمَا رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَالشَّعْبِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ بِمَعْنَاهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ»
«جامع الأحاديث» (37/ 216 بترقيم الشاملة آليا):
«40452- عن الثورى عن جابر عن الشعبى قال قال عبد الله: ما اجتمع حلال وحرام إلا غلب الحرام الحلال [كنز العمال 8790]
أخرجه عبد الرزاق (7/199، رقم 12772)»
«الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» (ص188):
«401 - (حديث) "مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامُ إِلَاّ غَلَبَ الْحَلَالُ الْحَرَامَ" قال العراقي في تخريج المنهاج: لا أصل له. وقال ابن السبكي في الأشباه والنظائر نقلاً عن البيهقي: هو حديث رواه جابر الجعفي رجل ضعيف الشعبي عن ابن مسعود وهو منقطع»
«الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة» (ص111):
«116 - وَحَدِيث: " مَا اجْتَمَعَ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ إِلا غلب الْحَلَال على الْحَرَامَ ". قَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ»
«النخبة البهية في الأحاديث المكذوبة على خير البرية» (ص105):
«283 - " مَا اجْتمع الْحَلَال وَالْحرَام، إِلَّا غلب الْحَلَال الْحَرَام ". لَا أصل لَهُ»
الصراط المستقیم ، ج 3، ص 284
لقوله ع ما اجتمع الحلال و الحرام إلا غلب الحلال الحرام.
عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، ج2، ص: 132
358 و قال رسول الله ص ما اجتمع الحرام و الحلال إلا غلب الحرام الحلال «1»
بحار الانوار، ج 2، ص 272
6- و قال النبي ص ما اجتمع الحرام و الحلال إلا غلب الحرام الحلال.
مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، ج13، ص: 68
14767- «4» الشيخ الطوسي في أماليه، عن الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن علي بن الحبشي عن العباس بن محمد بن الحسين عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله ع أنه قال: و كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتى « (1)» تعرف الحرام منه فتدعه.
14768- «5» عوالي اللآلي، عن النبي ص أنه قال: ما اجتمع الحلال و الحرام إلا غلب الحرام الحلال.
المعتبر فی شرح المختصر، ج 2، ص 627
قال الشيخ في المبسوط: إذا اختلط الحلال بالحرام حكم بالأغلب فإن كان الأغلب حراما احتاط في إخراج الحرام. و كذا لو ورث ما لم يعلم ان المورث جمعه من محضور و محلل، فان غلب على ظنه، أو علم ان الأكثر حرام احتاط في إخراج الحرام منه، و ان لم يتميز له أخرج الخمس و صار الباقي حلالا. و ما ذكره الشيخ تفصيل لم تدل عليه الرواية، فإن كانت عنده ثابتة فتفصيله غير لازم.
المناهل ، ص 625
الثالث هل يعتبر الظنّ في صورة الاشتباه و يدور الحكم مداره المعتمد هو الثانى لأصالة عدم حجيّته في موضوعات الاحكام و نبّه في مجمع الفائدة على اعتبار الظنّ في الجملة قائلا فان اشتبه المحلّل بالمحرم مثل بيض السمك الحلال ذي الفلس بغيره يحل الخشن منه فيؤكل دون اللين و لعلّه تدل عليه التجربة و الرواية كأنّهم ره جرّبوا حتّى حكموا بذلك فان افاد ذلك العلم او الظنّ المعتبر و الاّ فلا ينبغى اكله و ان دلّ على الحل الاصل و العمومات و حصر المحرّمات و خبر تغليب الحلال و يدلّ على تغليب الحرام أيضا خبر و قد تقدما و يمكن الجمع بالاباحة و الكراهة او التقية ان كانت او بالحصر و غيره كما ذكروه فت
موسوعه الفقه الاسلامی، ج 1، ص 421
5 - مراعاة الاحتياط عند الاشتباه بين الحرام والحلال: من القواعد الفقهيّة المبنيّة على الاحتياط والتي اعتمدها الفقهاء في موارد متعدّدة هي قاعدة تغليب الحرام على الحلال إذا اجتمعا، والسبب في ذلك هو مراعاة الاحتياط في جانب الحرام، فإنّ الاحتياط في الحرام يقتضي الترك ، وقد استدلّ لهذه القاعدة بما روي عن النبي (صلى الله عليه و آله): «ما اجتمع الحرام والحلال إلّا غلب الحرامُ الحلال» . وهناك عدة تطبيقات لهذه القاعدة، منها: ما ذكر من أنّه إذا اشتبهت امرأة محرَّمة النكاح بأجنبيّات محصورات فلا يجوز نكاح إحداهن . ومنها: لو اشتبه لحمُ مذكّى بميتة لم يجز تناول شيء منهما .